الاصلاح السياسي في العراق : بين اوروكاجينا وحيدر العبادي
اعداد : حسن سعد عبد الحميد
باحث الدكتوراة كلية العلوم السياسية \ جامعة النهرين العراق \ بغداد
يعد الاصلاح عملية تغيير تتم بصورة تدريجية وتشمل مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية في الدولة ، وبطريقة سلمية بعيدة كل البعد عن العنف المسلح وفرض الإرادات بالقوة ، من خلال الاستجابة لمطالب المتظاهرين المطالبين به ، وانطلاقاً من الدستور يتم أجراء الإصلاح واتخاذ قرارات ملزمة لها قوة القانون . ويشير مفهوم الإصلاح السياسي إلى التغيير والتعديل نحو الافضل في ظل سيادة وضع عام شاذ وغير مرغوب به على المستويات العامة ، والهدف منه تصحيح الخطأ وتصويب الاعوجاج ، فالاصلاح السياسي الهدف منه رفع وتطوير كفاءة النظام السياسي وزيادة فعاليته .
وبقدر تعلق الأمر بالعراق نجد أن حكاية الإصلاح فيه ليست بالجديدة ، ولو خضنا في عمق الحضارة العراقية لوجدنا أول مسلة بشرية تتحدث عن الإصلاح الحكومي تعود إلى سنة (2379 ق.م) والتي أصدرها المصلح العراقي السومري (أوروكاجينا) ، حيث رفع ذلك القائد السومري الظلم والبؤس عن الطبقات الفقيرة والضعيفة في المجتمع ، وساعد الناس البسطاء ، وحد من نفوذ الفاسدين والمتسلطين ، وحمى حقوق المرأة وأطلق الحريات العامة ، وكان حاكماً عراقياً حريصاً على الفقراء والمال العام ، بعد ان اصبح الناس في عهد من سبقه يستجدون الطعام ويأكلون بقايا الطعام على أبواب مدينة لكش ، في حين كانت مخازن الساسة والحكام وحاشيتهم متخمة بالخيرات من أموال وقصور ومملتكات وحلي ، عندها طالب السومريون العراقيون الحاكم (اوروكاجينا) بأسترداد هيبة القانون وأستعادة الامن والنظام العام ورفع الظلم عن سكان مدينة لكش السومرية . حيث أشتهر (اوروكاجينا) باصلاحته المحاربة للفساد والتي تعد أقدم مسلة اصلاحية في التاريخ البشري المسجل ، حيث اعفى الأرامل والايتام من الضرائب ، واجبر المدينة على دفع تكاليف الجنائز ، كما فرض الضرائب على الاغنياء وفرض عليهم شراء السلع من المواطنين بالفضة .
أما الإصلاح السياسي في العراق بعد (الميلاد) في عهد السيد (حيدر العبادي) فعلى الرغم من تشابه حالة المعاناة التي عصفت بالمواطنين العراقيين إلا أننا لم نجد شبيه لذلك المصلح السومري ، فالاصلاح الذي وعد به العبادي الشعب العراقي بتنفيذه قد تحول إلى مجرد شعار في ظل التقصير المستمر والمستشري في اداء الحكومة العراقية في مختلف الملفات ، فالمطالبة بالاصلاح في العراق ليس بألامر الجديد والكل يعلم بحجم الفساد المستشري في العراق والكل يعلم من هم ابطالها ، ولكن على ما يبدو أن الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي تريد مواجهة ذلك الفساد والمتراكم من بوابة التوافقات السياسية !! ، التي لم تجلب سوى الدمار والخراب للعراق بعد 2003م ، حتى اصبح الشعب العراقي يشكك في مدى جدية الدكتور (حيدر العبادي) يوما بعد يوم في تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها ، فعلى الرغم من اصداره حزم الإصلاح الاولى والتي تضمنت محاور الجانب المالي والاداري والأمني لكن السؤال الأبرز أين هي على أرض الواقع ؟
هل التوافقات السياسية أعلى شان من مطالب العراقيين المطالبين بالاصلاح ومحاربة المفسدين ؟ ، هل التوافقات السياسية اعلى شان من دعوات المرجعية الدينية العراقية الداعية لتنفيذ الإصلاحات ؟ ، أم ان الإصلاح السياسي أصبح حزورة عراقية ومزايدات سياسية أبدع فيها السياسيون العراقيون أيهما أبداع ؟