مقالات

بورما.. وغياب الإنسانية في السياسة الدولية

بقلم : عمرو محمد إبراهيم

إن سياسة الكيل بمكيالين بات العنوان العريض للقرن الحادي والعشرون بعدما كانت المعضلة الأساسية لسياسات القرن العشرين، بل وتطورت هذه السياسة بحيث أخذت تسميات أخرى كالحيادية واحترام سيادة الدول المستقلة وما إلى ذلك من الشعارات الزائفة والألحان الرديئة التي نسمعها من عظماء العالم من حيث “المادية”، وأقزام العالم من حيث “الأخلاق والإنسانية”.

إن العالم قي الوقت الراهن يعاني من أبشع الأزمات الأخلاقية التي قد تقود البشرية إلى كارثة الحرب العالمية الثالثة نتيجة للبطش في السياسات الدولية، والطغيان في السياسات العامة للدول المختلفة. إنني أريد من خلال هذا المقال الربط بين ما يحدث في بورما من عمليات الإبادة والقتل الجماعي المنظم، والسكوت العالمي الرسمي وراء المجازر التي يقوم بها البوذيين لمجرديين من كل القيم والمعتقدات الإنسانية.

بورما.. هولوكوست المسلمين في القرن الجديد:

تقع بورما في شبه الجزيرة الهندية، وتبلغ عدد سكانها حوالي 50مليون نسمة، يشكل المسلمون 20% من عدد سكان هذه الدولة، بعيدا عن التفاصيل التاريخية حول تواجد المسلمين وتاريخ وصول الإسلام إلى بورما في زمن الخليفة هارون الرشيد، هنا أريد التركيز على حالة المسلمين والموقف الإنساني التي تعاني منها المدنيين من مقاطعة “اراكان” المسلمة التي تقع في شرق بورما، يعد المسلمين في بورما من الأقليات الأكثر تعرضا للبطش والتمييز العنصري والقتل الجماعي حسب إحصائيات الأمم المتحدة، بل وتعد بورما الدولة الأخطر على حقوق الأقليات وخاصة المسلمين وذلك بسبب القتل المنظم التي يتعرض لها المسلمون على أيدي جماعة (Almag) البوذية المتطرفة والمدعومة من قبل النظام السياسي الدكتاتوري في بورما.

لقد تعرض المسلمون في بورما لعمليات مماثلة في عامي 1962 وعام 1991حيث اجبروا على ترك منازلهم جراء الحملات الوحشية التي قامت بها المجموعات البوذية المسلحة ضد المسلمين. ومن خلال دراسة الحالة الإنسانية في بورما يظهر لنا بان المدنيين المسلمين يعانون من جرائم منظمة قائمة على أساس الحرمان الاقتصادي، الحرمان من المشاركة السياسية، التفاوت الطبقي وما إلى ذلك من الجرائم المنظمة. ويكمن الدافع الأساسي وراء هذه العمليات محاولة البوذيين التغيير الديموغرافي لصالحهم بعد المخاوف من ازدياد عدد المسلمين في هذا البلد، وهذه هي عقلية الأنظمة الاستبدادية والجماعات الإرهابية التي تحاول التخلص من الشعوب عن طريق القتل والبطش متناسين بان الظلم تولد العزيمة والإرادة في المقاومة والبقاء، خاصة وإذا دخل عامل ديني أو أيدولوجي في الصراع بين الجماعات البشرية.

هنا لابد من الوقوف أمام السكوت العالمي وراء الإبادة والقتل الجماعي الهمجي ضد العزل من الأقليات في بورما، بل والأخطر من ذلك السكوت الاُممي الرسمي كمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية، وكذلك الموقف المتردد من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي اللتان تَدعيان الإنسانية في سياساتهم الخارجية ويتهمون الدول الأخرى بالانتهاكات ضد الإنسان، والغريب في الأمر قرر البيت الأبيض الذي رفع الحظر على الشركات الأمريكية الراغبة في الاستثمار داخل بورما، وكأنها مكافأة للمُجرمين على جرائمهم ضد المسلمين.

إن السياسة الدولية تعاني من أزمة أخلاقية، وأنا أقصد بالسياسة الدولية هما صانعو القرار السياسي الدولي وليس علم السياسة، فالسياسة الدولية النظيفة براء مما أوصلوها اليوم إلى ما هي عليه ألان. وان الإنسان بات السلعة الأرخص في الموازين الدولية، بل وباتت قضايا الشعوب بمثابة الأوراق الأساسية للعبة السياسية في العالم.

إن المنظمومة الأخلاقية تُعاني من أزمات محورية خاصة ما يتعلق بالعلاقات الدولية، وان الملفات الإنسانية في كل من سوريا وبورما تعبران عن حجم الكارثة التي وصلت إليها البشرية، فكل تطور تقني مادي في العالم “المعولم” يُقابله تخلف أخلاقي إنساني، بل والرجوع إلى العصور المظلمة من حيث القيم ولمبادئ الإنسانية.

ما يحدث في بورما نقيض لأهداف الأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكل المعاهدات والمواثيق التي قامت على أساس تحقيق السلام والأمن العالمي وحماية حقوق الإنسان، ولكن العتب الأساسي يقع على عاتق الدول الإسلامية التي اختارت السكوت على التصرفات التي تقوم بها دولة بورما ونظامها الدكتاتوري الدموي، ولو تعرض أي أقلية دينية أخرى إلي الإبادة والقتل الجماعي في بورما لوجدنا أن العالم قد انقلب وان الناتو قد تدخل والفاتيكان استنكرت وطبعا الدول الاسلامية قد قلدت.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى