مقالات

اطلبوا الحرية بدل التغني بالديمقراطية !!

بقلم : نزار كريككش – كاتب و باحث ليبي

أشعر أحياناً أن العرب مولعون بالديمقراطية يتغنون بها و يرقصون من أجلها ، و يكتبون عنها و يوالون غيرهم و يعادونه من أجل الديمقراطية ، الليبراليون أمرهم معروف فهم مولعون بالخلطبين الديمقراطية و الليبرالية على اعتبار أن عملية التحديث تحوي هذا المركب رغم أن تشارلز تيلي بين في أكثر من موضع من كتبه أن الأمر لا يعدو أن يكون خلطاً في المفاهيم ، وربما أخذالمسار التاريخي الزمني تناقضاً في الربط بين الاثنين ، لأن التركيز في البحث عادة ما يكون على الثلاثية المقدسة فرنسا بريطانيا الولايات المتحدة الأمريكية ، ورغم ما أوضح اليكس توكفيلعن عدم الترابط بل التشدد الديني الذي صحب الأخيرة في بدايتها إلا أن الإصرار على تلك الأنماط من التفكير هو السائد .

وحده المستشار طارق بشري كان واضحاً في التأكيد على بناء مؤسسات الدولة ، بالطبع الكل يريد الديمقراطية فهي رديف الحرية و التحرر من الاستبداد و الظلم لكن لا يوجد دليل علمي علىأن الديمقراطية تحقق الحرية ، فهي مصطلح أخذ شكل ( التقليعة ) من بعد الحرب الباردة و صار مركبا فكريا يتقاذفه بيت الحرية و مؤشرات أخرى تشكل في مجملها الديمقراطية .

ارديند ليجفرت كتب كتابه طبائع الديمقراطية ليبين للعالم أن الديمقراطية ليست حكراً على النموذج الغربي او مايسمى ويستمنستر ، هذا الكتاب هو ثورة في العلوم السياسية ، فإن آلأشكال الستةو الثلاثون التي أظهرها بينت التنوع الكبير و ما على ذلك مازال مثقفونا يصرون على أشكال بعينها ، فهم مثلاً لا يريدون حلا لمشكلة الشريعة على اعتبار أن ذلك يتنافي مع العلمانية أو أنيحدوا من سلطة البرلمان على اعتبار أن له السلطة التشريعية ، رغم أن ليجفرت بين المراجعة القانونية في دول عديدة كالدول الاسكندنافية حققت نجاحات تنموية هائلة و لم تؤثر تلك المباديءالتي ما أنزل الله بها من سلطان كمبدأ الفصل بين السلطات في قوة تلك الدول و نهضتها بل و ديمقراطيتها .

كاتب آخر اسمه جبرائيل الموند عن السياسة في الدولة النامية يطرح فكرة المؤسسات كبديل عن السلطات ، و يستخدم القواعد بدل التشريعات على آعتبار أن المدخل البنيوي المؤسسي يقتضيمدخلات و مخرجات و ليست تشريعات يقطع بها لويس السادس عشر أعناق الناس و أرزاقهم . مجلة الدراسات السياسية (2015 VOL 13, 11–21 ) تكتب عن العلاقة بين الدولة والديمقراطية و تراجع كافة الدراسات التي بينت أن العلاقة مشوشة بل إن الدرسات التجربية بينت الشكل  J في العلاقة بين الاثنين أي أن بناء الديمقراطية تؤثر في الأمد البعيد على بنآء الدولة ولا يوجد خلاف في الأدبيات السياسية أن وجود الدولة شرط بدهي لبناء الديمقراطية فلا ديمقراطية بدون دولة كما أن هنتجتون يقول يمكن للناس أن يعيشوا بنظام و يفقدون الحرية لكنهم لنيعيشوا بحرية دون نظام .

هناك توجه لدى بعض الباحثين في ماليزيا للحديث عن الحكم الرشيد و بناء المؤسسات كأساس للنهضة ، بل إن جميع الأديان كانت واضحة في أن الحكم الرشيد هو الأساس لكن الحديث عنالديمقراطية ليس بالقوة التي نراها في محاربة الفساد و السرقة و الغش و الكذب و الظلم و التظالم و قطع الطريق و الحرب .

الإشكال هنا ليس في المصطلح و لا في رفض الانتخابات لكن الاعتراض أن المرحل الانتقالية التي تبعت الربيع العربي كانت مولعة بالديمقراطية في الوقت الذي كانت مؤسسات الدولة تنهار ،و بدلا من التركيز على تلك المؤسسات أو توفير حالة من النظام يمكن من خلالها إدخال إصلاحات في النظام السياسي صار المثقفون مولعون باستنساخ نظم لاتمت لثقافتنا بصلة تاريخية عميقة،  و انطلق الجميع من فكرة وجود مؤسسات بالمعنى الذي يضمن توفر الأمن و الاستحواذ على أدوات القوة و النسق الإداري الفاعل و النظام الضريبي الذي يمنع الفساد .

هناك زخم كبير من الاصطلاح يمنع عنا رؤية الأشياء على حقيقتها ، و لأن المصطلح جزء من التركيب الفكرية التي ننظر بها للأمور فإني أدعوا للبحث عن قيم الحرية و العدل و الكرامةالإنسانية و الحكم الرشيد و أن نحدد مانريد دون اللجوء إلى تنميط النظام السياسي الذي نبحث عنه . قد يكون الأمر صعب لكن لو استغنينا ولو لحين عن تلك المصطلحات التي شكلت جدلاً عميقاًلعقود و تركناها جانباً ، بدل التحاذف بها قد نكون أقدر على فهم ما نقول . في كتابه نهاية العلمانية يقول هنري بيكر (ن  الأفضل لنا أن ننظر لمجتمعنا وأن يقنع بعضنا البعض بالخطأ والصوابخير من وضع حواجز و أفكار مسبقة وقواعد مصطنعة بين الدين و العلمانية ) …. من أن نقنع بعضنا بالصواب و الخطأ في بناء أوطاننا بدلا من ان نتصارع لنثبت أن أكثر ديمقراطية و حداثةأو أن نعيد العنتيريات الجاهلية بأننا سنواجه الجميع بحد السيف و مالم يكن هناك التقاء في إطار جامع يبني مجتمعاتنا فإن العنف سيستمر حتى يقتنع الجميع بسنن التاريخ الذي يثبت تلك العلاقةالعكسية بين تشكل الدولة و العنف العلاقة التي لم تثبت قطعاً مع الديمقراطيةلذا فلنطلب الحرية كما هيكما ولدتنا بها أمهاتنا !!

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى