الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

ارهاب ما بعد-العولمة: ثورة الرأسمال الرمزي

اعداد : أبوالقاسم المشاي  – هيئة ابحاث العلوم والتكنولوجيا- ليبيا

  • المركز الديمقراطي العربي

شبح الجوع، الارهاب الغذائي:

يقف العالم اليوم على عتبات ” شبح اقتصادي ” سيطيح بأكثر النظريات صلابة وبأكثر الاقتصاديات تماسكا.. ربما يجعلنا اقل وثوقية من تقديراتنا، وربما ما يزيد المستقبل غموضا انتشار مساحة الحرب وتمدد الارهاب ليصل الى اكثر الجدران متانة ويجد القدرة على اختراق اكثر المنظومات الامنية ” دقة” ! .. وهو في ذات الفرضية يربك المشهد على تخوم التحذيرات المتكررة والعمليات التي شهدتها مدن كثيرة في العالم .. كما سبقتها لتضرب ” محطات انتاج الطاقة” .. وكأنها حالة اختيار أولية لما ستكون عليه السنوات القادمة .. وحين يتحول الارهاب الى نظام مركب ” عقائدي وديجيتالي ” يندس داخل بنية النظام الامني العالمي ويعيد تشكيل وارباك نظم الحماية في ذات الوقت الذي يشهد تصاعد حالة الخوف من ” الجوع” مع الانكماش الاقتصادي وانهيار الاسواق التي كانت قبل قليل – منذ اشهر – لتتحول الى مجرد مدن اشباح تستجدي الغذاء والدواء !

ومن ذات النظام الارهابي يولد احد اخطر وابشع صور الارهاب هي شبح الارهاب الغذائي – الجوع- والذي سيمثل حضوره ويعتلي واجهة الأزمات والصراعات ويعلن عن ملامح هوية الحروب القادمة .

ولعل الصورة والحالة التي تعيشها ليبيا تقدم لنا رؤية جديدة تنعكس تماما بل تسقط على الواقع ” كهشيم النار من فوهة بركان ” كإنتاج لحالة الحرب وصعود الارهاب وغسيل الاموال التي صاغت ملامح البلاد – لمرحلة ما بعد القذافي – حيث تحولت مسرحا للنهب وتوريد السلاح وتجار المرتزقة – وتحولت الى نقطة عبور للجريمة المنظمة – تقف وراءها انظمة ( تدعي حقوق الانسان والديمقراطية) دول وشركات ومافيات عالمية – ولقد كان كل هذا متوقعا في ظل ما انتجته الدكتاتورية طيلة 4 عقود من التجهيل والافقار الممنهج وتحويلها البلاد الى مجرد صندوق ديناميت بشري قابل للانفجار مع مخزون هائل من جميع انواع الاسلحة – يكفي ان نعرف ان المخازن كانت تمتلي بأكثر من 20 ألف صاروخ حراري – والاف الاطنان من الاسلحة الكميائية – مع مليارات من الدولارات وسبائلك الذهب المخزنة في البنوك او في المزارع – لتصل اليها كل ايادي العبث تحت الحماية – فوق دولية – وبدعم وتوجيه وادارة من عدد من الدول التي اشار اليها تقرير خبراء مجلس الامن في نسخته الاخيرة الصادرة في ” مارس 2016″ .. وعندما امام المذابح وفن إراقة الدماء وهندسة الخراب والدمار .. وعندما نعيد شحذ اذهاننا من جهة انها أكبر جريمة سطو على

اموال شعب وأكبر عملية مضاربة بمستقبل الانسان في القرن العشرين.. ولا نحتاج الى التفكير او البحث عن الدليل او البرهان الا اذا فرضنا بأن أوربا ووحدتها .. وخرائط التجارة العالمية وتدفق الاسواق ونموها يتحقق بسحق الاطفال بل بتدمير الحياة من اجل سيادة ألهة السوق في الضفة المقابلة (جيراننا) وعلى حساب شعب بأسره .. والصورة لن تختلف معطياتها في العراق والشام او في اي مكان آخر !

الرمزية الرأسمالية للارهاب:

تظهر النقاشات السياسية التي توصف الاعمال الارهابية كأنها حالة تنكرية او مسرح ” كوميك ” يقف على حافة المستقبل ليعلن نعيه بالتنديد والوعيد لفاعل كان قد احتفى بإعلان نهايته قبل بداية العرض.. او هو ذاته الانتحاري الذي اعلن عن موت المتفرجين قبل تنفيذ الموت.. وبالتالي فالخطابات والبيانات والحوارات التي تأتي (ماوراء) لتغطية الحدث تعبرفي محتواها وعبر مختلف مستوايات نقاشها عن اختلال سياسي في آليات عمل الانظمة .. حتى التي توصف نفسها بأنها الاكثر تقدمية او الاكثر ليبرالية او الانجح ديمقراطية، او تلك الانظمة التي تتباهى منذ فترة قصيرة ماضية بقدرة انظمتها على الوعي بالتغيرات التي تجتاح الخريطة الجيو-سياسية، بل ربما نعيد قراءة الظاهرة كونها نتاج طبيعي للنظام العالمي وفشله الاداري (ادارة النظام العالمي الجديد) وهو في ذات المصير نتاج ثقافوي لمرحلة طويلة كان ” الاستعمار والهيمنة” مؤسسة لمخرجاتها التي نعيشها اليوم، وكثير من الايدلوجيات والحركات السياسية المنغمسة في ابادات سوسيو – اقتصادية لصالح الالة الحربية ولصالح المضاربات واسواق المال: بمعنى بناء انظمة قمعية تتحكم في العقل والخطاب ومدها بتكنولوجيا السيطرة المطلقة على حياة الافراد والمجتمع، التي شكلت خصوبة السيطرة او تم استخدامها وتوظيفها للتحكم في المجتمعات وتقرير مصيرها عبر تكثيف الاقصاء وانتهاك الحقوق والاطاحة بالكرامة البشرية، وهذا مرده الى طبيعة التأسيس للدكتاتوريات وببساطة الفهم فأن الدكتاتورية لم تكن سوى براءة اختراع اوربية بأمتياز ….. ولن نستغرق طويلا في التفكير والتحليل لفهم طبيعة الظاهرة كونها طبقات متراكمة من اللا-عدالة والتجهيل والتخلف والفجوة الحضارية المعرفية وضعف النظام او هشاشة وسائطه واساليب تعامله وتفاعله مع الظواهر والتغيرات التي شكلت مسرحا مفتوحا لخلل النظام ذاته الذي اوهمنا بالمعجزات وكأننا في حالة: سحر سياسي او لعبة فرجوية نصفق لها كلما فقدنا وعينا او انعدمت المقدرة على التركيز .. العجر عن ايجاد الحلول ينقلنا الى البحث عن محاولات انتاج الفرجوي او خلق الاسطورة والخرافة خوفا من الفضحية .. او بحثا عن آلية للتحكم في الزمن، كل ما يحيط بنا من نماذج ارهابية لا يمكن فصلها عن انظمتنا او عزلها عن تاريخنا الثقافي والذي تشكل كطبقات متراكمة ومتراصة نجد حضورها في مختلف انماط النظام الرمزي- عبر ديني – اجتماعي –

سياسي… ، وهذه الثورة الجديدة التي تجتاح وتخترق مختلف ِالمجتمعات وان تباينت درجة تأثيرها او نوعية الاحداث والغموض الذي يؤطرها ويزيد من درجة عدم القدرة على التنبؤ ” اللا – توقع” بالحدث ذاته او مكان حدوثه او زمانيته، فهو في ذات الخط التاريخي يطيح بأكثر البنيات صرامة، وكما يذهب الفكر الى توصيف المسارات جميعها باعتبارها انهيار للواقعية لصالح ما فوق – الواقعية، وهذا ما يعيدنا الى البدء حيث المصير الذي سيتحكم في حركة العالم واستراتيجياته لعقود قادمة – خاصة ان النظام القائم هو المولدّ والمحرك والمنتج للارهاب ولم يعد الانتحار او ” طلب الشهادة” او ” الفداء” من اجل غاية رمزية او الظفر بالجنة والأخرة بلصار يتحول الى استراتيجية هجومية من النظام ضد النظام الذي انتجه من جهة زراعة وتعميم الخوف ومن ثم السيطرة: هل يمكن وصفها باعتبارها ارهاب – ضد الارهاب وهذا يطرح امامنا ما هو الارهاب وكيف ستكون الحرب على الارهاب اذا سلمنا جدلا بأن النظام القائم هو المسئول الوحيد عن خلق الشروط الموضوعية عن ظهور وصعود الارهاب او الرد العنيف او التطرف .. وسيكون الهدف اكثر تعقيدا عندما نهشم التسطيح الذي يضلل الحقيقة ونخترق عمق النظام.. ذالك بأن النظام القائم يقدم او يفرض او يعرض تحديات وشروط غير قابلة للحل .. وبالتالي فان الارهاب بالمقابل سيظهر وكأنه عملية او نظام غير قابل للحل ؟!

وهذا ذاته يقدم لنا صورة مستقبلية عن شكل الصراع وحدوده وتوجهه – خاصة- عندما نتجاوز الحدود الضيقة للفهم او اشكال التبسيط السياسي لتحليل الظاهرة – ذلك ان الارهاب يظهر باشكال مختلفة – عابرة للحدود – ارهاب سياسي، جرثومي، ديجيتالي.. اذن اي بنية من هذه البنيات للنظام الارهابي يمكن تفكيكها من اجل ارضاء السخرية والزيف الذي يتم حقنه من قبل المنابر السياسية والمنصات الاعلامية في مجتمعات اليوم .. والتي نصفها بأنها أكثر حداثوية !

عندما تتحول الطبقات السياسية والمحطات الاعلامية – الى مجرد ادوات او وسائل تنتصر للعبة التضليل والتزييف – مرة تحت غياب الوعي او قصور الفهم ومرات عدة تحت وطأة الخوف والرعب الذي يولده الارهاب كنظام تم تحرير شهادة ميلاده بذات النظام الذي يتحدث عن مواجهته ! في هذه الحالة سيكون فقدان الذاكرة وحده هو ما يؤكد لهم لا- واقعية ما يحدث بل سيكون عليهم البقاء فاقدي الوعي لزمن طويل في عالم تتحرك فيه الفكرة بشكل اسرع من التوقع، وكما يصف لنا –جون بودريار– ان التناقض المضحك هو كوننا نرغب في تقويض ومحاصرة اللا –يقين او اللا – توقع بمزيد من الاعلام وبمزيد من التضليل السياسي .. ونحن لا ندرك اننا في ذات الاتجاه لا نقوم الا بترسيخه وتكريسه !!

هل الارهاب نظام بنيوي قائم او موصوف بذاته ( بالاستناد الى تعريفاته المتعددة) ام مشروع استراتيجيى.. فإذا كان نظام فهو بالضروري ينتمي للنظام الرمزي (جذوره) حيث لا دين ولا

هوية محددة تمكننا من التعرف عليه ونحن نفتش في دفاترنا وارشيفنا عن هوية الفاعل !.. واذا طرحنا فكرة انه مشروع استراتيجي فما هي منهجيات التفكير الاستراتيجي التي يستمد منها مشروعيته: ومن جهة التأسيس لا يمكن الفصل بين المنطق الداخلي للتطرف الفكري وبين النظام الرمزي، وبالتالي من الخطأ ان نضع في متصورنا ان الارهابي او الانتحاري ينفذ عملية موته من اجل قيمة مادية.. لأنه لن يحضر مراسم دفنه ولا يقيم الحجة على ” فعل” موته اللارادي او التطوعي (سيان).. فهو يعيش هذيانه عبر الاحتفال بالموت كما انه لا يطرح على نفسه حجم الاضرار التي سيخلفها وراءه، ولا يناقش مقدار الالم الذي سيتركه وسيرافق اهالي ضحاياه الى الابد، !

ومن هنا فأن الرأسمال الرمزي للارهاب يشكل جوهر النظام الارهابي وليس للمنفذ او الانتحاري علاقة الاّ من جهة ” اعادة انتاج بنية موته” وبالتالي فهو يتجاوز الفهم المبستر القائل بأن الاسلام وراء نشوء ” الارهاب” كما تحاول ان تصوره الخطابات السياسية والاعلامية وعبر ضخها على مسامع المجتمع او تصويرها عبر مختلف اشكال التحريض ! ذلك ان النظام الرمزي للارهاب يقع بين كثافة الانتاج وبين هشاشة النظام (اي نظام)– وبحسب بودريار:فإن الارهاب ليس سوى التعبير المعلن والدقيق عن إنتاج النظام لموته وانتحاره الذاتي” .. وهذا يؤكد لنا المنطق الرمزي للارهاب لانه لا يقيم وساطات مصلحة او عقود عمل او صفقات مالية مع اي جهة او يتقاضى مقابل اجر لعملياته.. فقط الاحتفاء بالموت والانتصارعلى فكرة الموت ذاتها عبر الافلات من قبضتها !

وبالتالي فان الظاهرة الارهابية لا يمكن حصرها في لحظة او محطة تاريخية معينة او محددة، بل هي قديمة قدم التاريخ نفسه وبشكل اكثر دقة فهي ظاهرة متجذرة في النظام البطريركي وفي كثير من الكتابات سنعثر عليها بوصفها ” استمرار للسياسة بوسائل اخرى ” !

كما يمكن التعبير عنها كـــ/ تطور للعنف بالتناسب مع التطور التقني وان ظهرت لنا في مراحل تاريخية او في امكنة محددة بصور مختلفة واختفت وراء يافطات معينة.. ولكنها تحمل ذات البذرة وذات المصير الحتمي لإبادة الذات، والتاريخ البشري يوفر لنا مادة خصبة لنشوء الارهاب او التطرف العقائدي ويحضر احيانا كوهم او كــ تضليل ناتج لعملية تلفيق ممنهجة من محدودية الخيال الرمزي لتفسير او فهم الظاهرة الارهابية .. وهي تقدم نفسها احيانا كــ جنين مشوه لافكارنا العمياء او كدلالة ساطعة للفهم التحت – طبيعي يقابلها انتصار ما فوق – الواقعية التي تم التبشير بأطروحاتها لازمنة تاريخية رافقت مختلف التجارب السياسية منذ القرن التاسع عشر .. وكأن الارهاب يقدم لنا مساحة جديدة من اجل دفن تصوراتنا الخاطئة ومجموعة الثوابت التي شكلت الى اليوم النظام الاخلاقي والسياسي بل اسست للسؤال النقدي والاستفهامات الفكرية وتركت الجميع يتحرك في مساحة ضيقة من التحليل والتوصيف، دونما وعي بأن الظاهرة تجاوزت ذلك بكثير بل تجاوزت كل القواعد التي تحكمت في مجانية اللعبة:

يصفها بودريار:” قاعدة جديدة للعب، قاعدة اللايقين المتحكم الآن في العالم، والمولد لمتعة ذهنية حقيقية، بل لمتعة روحية.”

يكفي ان نقول في سياق هذا الحديث: ان الظاهرة الارهابية تحتفي بزيادة عدد المتفرجين أكثر من كونها تحتفي بزيادة عدد الضحايا.. وهذا يضعنا في سياق ان الظاهرة الارهابية هي الدليل القوي على ” ثورة الراسمالية الرمزية الجديدة” !

السؤال: أمام التسارع التاريخي المذهل والمربك في آن واحد .. وأمام الازمات التي صنعها الانسان وهو يعيد تجديد دروتها عبر كل مرحلة هزيمة او فشل سياسي واقتصادي، وأمام التفكك وانعدام الأمن الاجتماعي.. هل سيكون الارهاب في طوره الجديد ( وحين يفرض بنيته كحالة قدرية).. ويشكّل في ذات المنحى والمسار المبدأ المؤسسة لعقيدة او مذهب الراسمالية الرمزية .. حين تكون نهايته ونعيه المبكرّ رهين بإنهيار الراسمالية المادية !!

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى