الدراسات البحثية

العلاقة بين المجالس المحلية و الدولة المركزية في أسرائيل

 اعداد الباحثة : جهاد جمال عبد العليم احمد على

– المركز الديمقراطي العربي

 

 

المقدمة :

إسرائيل معروفة باعتبارها الدولة التي تتركز السلطة السياسية بشكل كبير في المؤسسات المركزية، كل من الحكومة والحزب. صغر حجم البلاد، وتطورها نتيجة لجهد دوافع أيديولوجية ورثت من كل من المصادر اليهودية وغير اليهودية وجميع ملتئم لجعل هذا هكذا. وفي الوقت نفسه، فإنه من الخطأ التفكير في الحكومة الإسرائيلية بأنها “مركزية” بالمعنى المعتاد للكلمة. وتنقسم السلطة بين عدة مراكز داخل النظام السياسي الإسرائيلي ولكن يتم تنظيم المراكز الثقافية على-أيديولوجية وليس على طول خطوط الإقليمية. وهذا يعني أن الحكومة المحلية في إسرائيل، والذي بالضرورة القائمة على أساس الإقليم، وتعمل على إعاقة. وغالبا ما ينظر إليها، وليس بشكل غير صحيح، حيث أن الحلقة الأضعف في النظام السياسي للدولة. من وجهة نظر السلطة، والحكومات المحلية تخضع بالفعل لمراكز حكومية وحزبية، وليس الحديث عن الطوائف الدينية، في نواح كثيرة. ومع ذلك، فمن الخطأ أن نقلل إما دور أو تأثير الحكومة المحلية في الدولة.

الحكومة المحلية تلعب دورا هاما في المجتمع الإسرائيلي، وبخاصة في اتصال مع أربعة المهام التالية:

1) توفير وإدارة الخدمات الحكومية.

2) توظيف والنهوض القيادة السياسية.

3) تعزيز قنوات الاتصال السياسي بين الحكام والمحكومين.

4) الحفاظ على التنوع ضروريا أو المطلوب داخل بلد صغير حيث توجد ضغوط ثقيلة نحو التجانس. كل أربعة من هذه المهام هي ذات أهمية كبيرة في تحقيق التكامل بين ما هو لا يزال مجتمع جديد جدا من المهاجرين أو أبناء المهاجرين. الدور الذي تقوم به الحكومة المحلية في مواجهة التحديات التي تشكلها يجعلها عاملا أكثر أهمية بكثير على المشهد الإسرائيلي من كثير من الأحيان أقر لها بالفضل لكونه.

وكان الحكم الذاتي المحلي أول سيارة لتأكيد الأهداف الوطنية للحركة الصهيونية. تم إنشاء المستعمرات الصهيونية الأولى كمجتمعات عهد الحكم الذاتي لا تختلف في الأساس منظماتهم السياسية للمستوطنات البروتستانتي في وقت مبكر من نيو انجلاند. في وقت لاحق إلى حد ما، نظمت أول الحكومات المحلية في أشكالها الحالية التي كتبها الرواد اليهود بموجب قوانين الانتداب البريطاني كما السلائف للدولة. وهي مصممة لإعطاء الرواد كما الكثير من الحكم الذاتي ممكن في حين كانت البلاد لا تزال تحت الحكم البريطاني.

لنأخذ حالة الخدمات الحكومية. بعد فترة من نقل الجماعي من الوظائف من الحكومة المحلية (والهستدروت) للدولة، دخلت البلاد في الفترة التي المشتركة أو بدأ النشاط التعاوني لمن التأكيد. في حين أخذت الدولة المسؤولية الأساسية عن بدء البرنامج، وصنع السياسات، والتمويل، وإدارة البرنامج – التسليم الفعلي للخدمات – تم نقل نحو متزايد إلى الحكومة المحلية، أو في الحالات التي يكون فيها تقسيم وليس ذلك واضحة، مسؤولية وقد قسمت تقديم الخدمات بطريقة أو بأخرى بين الدولة والمحليات. وأصبح هذا صحيح على مجموعة واسعة من وظائف من الرفاه للتعليم في الدفاع المدني إلى التخلص من مياه الصرف الصحي.

وينبغي بذل طبيعة هذه الترتيبات تقاسم واضح. انهم لا تنطوي على تقاسم بين شركاء متساوين بل تقاسم كتبها الرئيس والمرؤوس. لكن تقاسم لم تصبح هي القاعدة، مما يعني أن، على أقل تقدير، أجبر الحكومات المحلية لتطوير كوادر موظفي الخدمة المدنية بمهارات إدارية كافية لتوفير الخدمات التي وعدت دولة جميع مواطنيها. فتحت هذه الأبواب لتوظيف وتطوير فئة جديدة من المشاركين في العملية الحكومية التي وضعت في الناس من جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي بدافع الضرورة.

وعلاوة على ذلك، على عكس الحكومة المحلية في البلدان ذات الكثافة السكانية غير متجانس جدا مثل الولايات المتحدة والحكومات المحلية في إسرائيل تتعهد مجموعة من الوظائف الاجتماعية والثقافية التي تمتد إلى ما بعد وظائف الشرطة العادية من الحكومة المحلية. هذه تتراوح بين تقديم الخدمات الدينية لإدارة الفرق الموسيقية والفرق المسرحية، من الحفاظ على مراكز الرعاية النهارية لمنح الجوائز الأدبية. لا حصة صغيرة من أهمية للحكومات المحلية في إسرائيل تنبع من دوره في القيام بهذه الوظائف كجزء من مهمتهم لتعزيز الاندماج الاجتماعي والثقافي للمجتمع.  ([1] )

أنواع السلطات المحلية:

يعترف القانون بثلاثة أشكال من السلطات المحلّية هي  : – البلديات التي تكوّن إطار المراكز الحضرية مع عدد سكّان يفوق عشرين ألف نسمة, والمجالس المحلّية التي تدير بلدات يتراوح تعداد سكّانها ما بين الفي وعشرين ألف نسمة, والمجالس الإقليمية المسئولة عن عدّة قرى تجتمع في منطقة معيّنة.

مراحل تطور الحكم المحلى فى اسرائيل من 1948 -2000 :

مر ب 3 مراحل و هم :

  • فترة المركزية ( 1948 – 1972 ) .
  • فترة تقاسم الوظائف ( 1972 – 1990) .
  • بادية مرحلة *نحو الأستقلال المحلى* (1990 – الأن ) .

الفترة الأولى ” المركزية” :

تميزت هذه الفترة بما يلي

أ. سيطرة “مالية” كاملة من قبل الحكومة المركزيّة، الحكومة تحدد الميزانية وشكل صرفها.

ب.  حصة المساهمة الحكومية في الميزانية المحلية كانت حصة الأسد، والتمويل المحلي كان صغيرا جدا.

ج. لم تملك السلطة الحلية أي صلاحية أساسية في وضع سلم الأولويّات في الميزانية العادية ولا في تعيينات في وظائف إلا بإذن رسمي وخطي من الحكم المركزي.

د‌. الحكم المحلي لم يملك أي حق في تشريع الأنظمة المحلية أو أي شكل من أشكال التشريع المحلي لتقديم خدمات أفضل للسكان.

في هذه الفترة شاهدنا أنماطا عديدة من شكل الإدارة المحلية  تشكّلت خلالها عشرات المدن والمستوطنات اليهودية وكان الهدف المركزي للحكومة – الهدف السياسي – مزيدا من المهاجرين اليهود لفلسطين، مزيدا من مصادرة الأراضي العربية لصالح بناء المستوطنات اليهودية، ومزيدا من الاهتمام بالتغيير الديموغرافي لفلسطين خاصة في منطقة الجليل، الأمر الذي كان له العامل الأساسي في تحديد شكل تكوين الحكم المحلي ومميزاته. ونستطيع أن نلمس هُنا أيضًا تفاوتًا بين أربعة أنماط السلطة المحلية: “الكيبوتسات”، “المدن”، “السلطة الإقليمية” و”القرية ” .”
في الوسط العربي الفلسطيني تميزت هذه الفترة بنظام”الحكم العسكري” والاضطهاد القومي العنيف، وتعيين المتعاونين مع السلطة في الحكم المحلي دون إجراء انتخابات .

الفترة الثانية  ” فترة تقاسم الوظائف” :

تميزت هذه الفترة بما يلي :

أ.  إعطاء صلاحيات اضافية معيّنة للحكم المحلي من قبل الحكومة وبواسطة عدد من القوانين والأنظمة.

ب. تحديد مسبق لحجم الميزانية من الحكم المركزي فقط بالإطار، مع حرية تصرف أكثر لبنود الميزانية من بند إلى آخر للسلطة المحلية .
ج. سن قانون الانتخاب المباشر لرئيس البلدية عام 1974 والذي تم تطبيقه للمرة الأولى في انتخابات بلدية الناصرة في  9 كانون الاول/ ديسمبر عام 1975،  حيث انتخب في حينه القائد
الشيوعي توفيق زياد رئيسا لبلدية الناصرة من خلال هذا القانون للمرة الأولى

د. سن عدد من التشريعات والأنظمة المساعدة للسلطات المحلية وذلك بعد إعطاء المجال والحق للسلطة المحلية بعمل ذلك.

هـ. نقلت عدة صلاحيات مركزية للحكم المحلي مثل مسؤولية “وقوف السيارات” “الذبيح” ومن بعض القوانين المتعلقة بإقامة “شرطة محلية” بوظائف معينة، وإمكانية إحضار التمويل الخارجي والمحلي مباشرة بواسطة السلطة المحلية .

في هذه الفترة شاهدنا ازديادا كبيرا في عدد السلطات المحلية القائمة (حوالي 264 سلطة محلية) وشهدنا التقارب بين السلطات المحلية من حيث الشكل الإداري والتمويلي. ولكن أبرز ما كان في هذه المرحلة هو بدء “العلاقة الندّية” بين الحكم المحلي والحكم المركزي بدلا “للتبعيّة” التي كانت سائدة فيما قبل ذلك. الأمر الثاني البارز هو إعلان الحكومة أجراء انتخابات لعشرات السلطات المحلية العربية لأول مرة منذ قيام الدولة، حيث سادت سياسة اللجان المعينة من قبل الحكومة. هذه الحقيقة أدت بالتالي إلى ارتفاع كبير في حجم ووزن السلطات المحلية العربية سياسيا وخدماتيا .

الفترة الثالثة ” الاستقلال المحلى” :

حن نلاحظ منذ بداية التسعينيات التوجه نحو هذه المرحلة من تطور الحكم المحلي. من أهم مميزات هذه الفترة :
أ.  تحويل صلاحيات إدارية ومالية ووظائفية  من الحكم المركزي الى الحكم المحلي .

ب. ارتفاع كبير لأهمية الحكم المحلي من حيث كبر حجم المسؤوليات الملقاة عليه، ومن حيث حجم الميزانيات والتمويل الخارجي المتزايد .

ج. ازدياد الميزانيات الذاتية وانخفاض الميزانيات الحكومية. الأمر الذي أَشعر الحكم المحلي “باستقلالية” نسبية .

د. التصرف “المرن” في الميزانيات بدون حتى إطار ميزانية. خاصة بعد توصيات لجنة “سيواريه” والتي قررت مقاييس واضحة للتمويل المحلي عام  1993

هـ. ارتفاع ظاهرة الخصخصة ونقل خدمات بلدية معينة لأيدي شركات خاصة بواسطة مناقصة .

إن السلطة المحلية تعتبر ذراعاً إداريا للسلطة المركزية , وتعتبر أيضا سلطة حكم مستقلة وديمقراطية تعمل إلى جانب السلطة المركزية وبالتعاون معها . [2]

إن وجود السلطة المحلية يحقق بقدر كبير المبادئ الديمقراطية ويظهر ذلك عبر ثلاثة مبادئ :-

1- مبدأ توزيع النفوذ السياسي .

2- مبدأ فصل السلطات .

  • مبدأ حكم الشعب .

مبدأ توزيع النفوذ السياسي :

يعني هذا المبدأ عدم تركيز صلاحيات ونفوذ بيد سلطة واحدة  , لان ذلك قد يؤدي إلى الطغيان والفساد الذي يصعب القدرة على انتقاد السلطة . لذلك فوجود السلطة المحلية إلى جانب السلطة المركزية يخدم المبدأ الديمقراطي القائل بتوزيع النفوذ ,ذلك أن قسما من صلاحيات السلطة المركزية يحوّل إلى السلطة المحلية مما يساعد السلطة المحلية من بناء طابع وجود البلدة بحسب الأولويات والمصالح المحلية .

مبدأ فصل السلطات

مبدأ فصل السلطات :

يظهر من خلال مبنى السلطة المحلية وتوزيع الصلاحيات والأدوار بين رئيس السلطة المحلية وبين مجلس السلطة المحلية وذلك أشبه ما يكون بفصل السلطات بمعنى السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية .

رئيس السلطة :- هو ونوابه هم الهيئة التنفيذية في السلطة المحلية : رئيس السلطة مسئول عن إدارة شئون السلطة , بما في ذلك تعيين الموظفين وتشغيلهم , وهو مسئول أيضا على أن يتم تنفيذ قرارات المجلس كما يجب , وتكون جميع نشاطات رئيس السلطة خاضعة لنطاق الميزانية التي صودق عليها أعضاء مجلس السلطة المحلية   .

مجلس السلطة  :- هو مجلس النواب المحلي , الذي يمثل جميع القوائم أو الكتل التي نجحت في الفوز بثقة السكان بصورة نسبية لنتائج الانتخابات . ليعمل مجلس السلطة كهيئة تشريعية , وكذلك يقرر السياسة ويوجه وينتقد.

إن الهدف من قانون السلطات المحلية هو خلق منظومة من التوازنات والكوابح داخل السلطة المحلية لضمان الإدارة السليمة وحماية مصالح سكان السلطة . أما النفوذ الأساسي الذي يملكه المجلس باعتباره هيئة مشرفة ومراقبة , فهو يظهر من خلال التصديق على ميزانية السلطة . إن أي عمل تقوم به السلطة المحلية خاضع لإطار الميزانية التي يصدق عليها المجلس المحلي .

وتعقد جلسة لهيئة المجلس , وفيها يدلى بالتصريحات , ويدور فيها الصراع للفت انتباه الجمهور ووسائل الاتصال . كذلك هناك لجان تعتبر إطاراً يركز فيه المجلس أساس عمله . واللجان : هي جسم مختص يتخذ القرارات المتعلقة بمجال اختصاصه . وتضم أعضاء مجلس السلطة الذين انتخبهم الجمهور  إضافة إلى أعضاء الإدارة وأصحاب الوظائف المهنية .

ينص القانون صراحة بأنه على كل سلطة محلية تشكيل بعض اللجان  الإلزامية : كلجنة مناقصات , لجنة الأمن ولجنة مشتريات …… . وكذلك يمكن تشكيل لجان اختيارية : لجنة التعليم ولجنة الجهاز الإداري .

قرارات اللجنة مجرد توصية , لهذا فان نفوذ اللجنة وقدرتها على التأثير يعودان إلى شخصية ومؤهلات أعضاء اللجنة . ( [3] )

العلاقات التبادلية بين رئيس السلطة ومجلس السلطة

إن نفوذ رئيس المجلس هو كبير مقارنة بنفوذ مجلس السلطة لأنه ينتخب بانتخابات شخصية مباشرة , ولا يستطيع المجلس أن يعرب عن حجب الثقة عنه وتقديم موعد الانتخابات . كما ليس بمقدور مجلس السلطة أن يعزل رئيس السلطة إلا في بعض الحالات الاستثنائية وذلك من شأنه أن يعزز من نفوذه ومن قوته الجماهيرية والسياسة ومن جهة أخرى فهو يضعف مكانة المجلس .

المجلس القبالي ( ألمواجهتي أو المعين) :- هو وضع لا يكون فيه لرئيس السلطة أكثرية في المجلس , ولا يستطيع الحصول على دعم لتنفيذ   سياسته .وقد يؤدي ذلك إلى عدم القدرة على أن تؤدي السلطة المحلية عملها , والى حل المجلس من قبل وزير الداخلية بموجب صلاحياته .

في هذه الحالة سيعين وزير الداخلية لجنة مدعوة ( קרואה )  :- وهي لجنة تعمل في البلدة بدل رئيس المجلس ومجلس السلطة . وهي مؤلفة من مختلف الأفراد الذين ليس بالضرورة أن يكونوا من سكان السلطة المحلية .

مبدأ حكم الشعب : المشاركة المدنية

إن إجراء الانتخابات الديمقراطية للحكم في السلطات المحلية يعني تحقيق مبدأ حكم الشعب . فبواسطة الانتخابات يستطيع  سكان السلطة المحلية المشاركة في إدارة الشئون العامة في مكان سكناهم واندماج السكان في الحياة السياسية .

يمكن تطبيق هذه المشاركة السياسية بصورة أسهل من إمكانية تطبيقها في الانتخابات القطرية للكنيست . فالمقيم في السلطة المحلية المعني في أن يتم انتخابه رئيساُ للسلطة المحلية أو عضواُ في المجلس يملك احتمالات اكبر للفوز في الانتخابات وذلك بسبب معرفته لمصالح سكان المنطقة ولمعرفته بالسكان المحليين وهم اقل عددا من سكان الدولة وبذلك بإمكانه الوصول لمعظم السكان .

لا تقتصر المشاركة على فترة الانتخابات . حيث يمكن أن تظهر المشاركة المدنية أيضا في الفترة الواقعة ما بين الانتخابات . في نطاق السلطة المحلية يسهل على السكان الاتصال بمؤسسات الحكم المحلي , وبمنتخبي الجمهور وبأصحاب الوظائف المختلفة في السلطة المحلية لان جهاز السلطة المحلية هو اصغر واقل تعقيداُ من السلطة المركزية . الانتخاب المباشر لرئيس السلطة المحلية وارتباط  المنتخبين بالناخبين وسهولة الاتصال مع السكان يمنحان السكان قدرة للتأثير على ما يدور في مكان سكناهم . حيث بإمكان السكان أن يؤثروا على طابع السلطة وعلى نوعية الحياة في مكان سكناهم . ( [4] )

يحمل الحكم المحلي العربي في إسرائيل مميّزات متفرّدة تنبعُ من الوضعية الخاصة لهذه المجموعة السكانية في الدولة. تؤثر هذه الوضعية كذلك على مفهوم دور ومكانة الحكم المحلي في الوسط العربي، والذي يختلف عن المفهوم السائد في الوسط اليهودي.

منذ سنوات خلت يغرق الحكم المحلي العربي في إسرائيل من أزمة يؤدي استمرارها إلى توتّرات إضافية بين الجمهور العربي والدولة. يبدو أن هذه الأزمة تتفاقم أكثر فأكثر على ضوء التوجّهات الإصلاحية في العالم بعامة، وفي إسرائيل بخاصة، والتي تكشف النقاب عن ضعف الحكم المحلي العربي وعجزه عن التأقلم مع التغييرات بالوتيرة المطلوبة.

ابتغت مجموعة البحث دراسة جذور هذه الأزمة المتواصلة. تمّت هذه الدراسة من خلال دمج البحث في المعوقات الخارجية والبحث في المعوقات الداخلية الأساسية التي تؤثر على أداء الحكم المحلي العربي في إسرائيل، ومن خلال مناقشة مجالات مختلفة تندرج في المجالات التي تعالجها السلطات المحلية. تبنينا هذا الدمج على ضوء الإدراك بأن ديناميّة الحكم المحلي تتأثر ببنية الحكم كما بالثقافة السياسية المحلية، وعليه فإن التوجه السليم لدراسة الموضوع يتمثّل في إجراء فحص شامل يتناول سياسات السلطة المركزية والسلوكيات الذاتية للسلطات المحلية العربية.  ) [5] )

يعتبر الحكم المحلي – مجمل السلطات المحلية في إسرائيل – كياناً سياسياً وسلطويا مركبا.. فمن جهة، تعتبر السلطة المحلية هيئة إدارية تعنى بشؤون يومية محضة، كجمع القمامة؛ ومن جهة أخرى، من المفروض أن تكون السلطة المحلية جسماً أو إطاراً سياسياً وتمثيلياً ..

هناك أيضا تناقض تام، فيما يتعلق بمجالات الصلاحية والمسؤولية، بين الحكم المحلي وبين الحكم المركزي.  ويرتبط هذا التناقض، أو التضارب، بالتوزيع الوظيفي لمجالات عمل ونشاط المستويين. فمن جهة، هناك الدولة، المسؤولة عن النظام العام في جميع المناطق الخاضعة لسيادتها، وهناك في الجهة الأخرى، السلطة المحلية، التي يفترض أن تقوم بعدد من وظائف الدولة.  ويكمن مصدر هذه المسؤولية في عدد من سمات السلطة المحلية: مسؤوليتها الشاملة تجاه رفاهية السكان؛ أفضليتها التنفيذية بحكم قربها من السكان؛ إضافة إلى كونها هيئة منتخبة وتمثيلية، يمكن أن تتخذ قرارات تعبر بشكل أفضل عن رغبات وأولويات السكان.  وعلى سبيل المثال فإن الدولة تتحمل المسؤولية الكاملة عن الأمن العام في حين تتولى السلطة المحلية المسؤولية عن ترتيبات الحماية المطلوبة في الملاجئ ..

غير أن السلطة المحلية يمكن أن تستغل أحيانا الميزانيات التي تحولها الدولة إليها لتمويل غرض محدد – كصيانة الملاجئ مثلا – لغرض آخر. ويمكن القول إنه تنشأ هنا “مشكلة وكيل” مركبة: فالسلطة المحلية تعمل كممثل للدولة وكممثل لجمهور السكان في ذات الوقت، غير أن هاتين المهمتين لا تنسجمان معاً بالضرورة. فضلا عن ذلك، فإن من الممكن أن تكون هناك أيضا لكلا السلطتين (السلطة المحلية والدولة) مصالح متضاربة وغير سليمة .

إلى ذلك، فإن لعلاقة التمويل المالي بين الحكم المحلي والحكم المركزي بعداً إضافيا: فإذا ألقت الدولة على السلطة المحلية مهمات معينة دون تزويدها بالتمويل المالي الملائم، وعملت في الوقت ذاته على الحد من قدرتها (أي قدرة السلطة المحلية) في الحصول على مدخولات ذاتية (مثلا عن طريق الحد من نسب ضريبة السكن – الأرنونا) فإن السلطة المحلية ستواجه صعوبة عندئذٍ في النهوض بالمهام والأهداف الموكلة إليها.  ولكن، إذا كانت الدولة لا تتيح لها تزويد السكان بالخدمات التي يطالبون بها، فمن الممكن أن تنشأ في الكثير من الأحيان، مخالفات قانونية مؤسسية. علاوة على ذلك، ونظراً لأن الحكومة ذاتها ترتاب في أعمال وإدارة السلطة المحلية، فمن الممكن أن لا تقوم الحكومة بتحويل ميزانيات كافية لتمويل مهام وأنشطة السلطة المحلية، ومثل هذا الوضع يؤدي إلى خرق منهجي للقانون ويصعب القدرة المؤسسية على المطالبة بكشف حساب وتحمل مسؤولية عن أنشطة في مجال السلطة البلدية .. ( [6] )

بسبب مكانة السكان العرب كأقلية في الدولة , فان أهمية كبيرة تعود للحكم المحلي العربي .وذلك لان مؤسسات الحكم المركزي في الدولة ومعظم الهيئات العامة هي واقعة تحت السيطرة  اليهودية . لهذا فان البلديات والمجالس المحلية العربية تشكل ساحة رئيسية للنشاط السياسي العربي ولظهور قيادة عربية قطرية , يعتبر الحكم المحلي بالنسبة لرؤساء المجالس وأعضائها نقطة انطلاق للقيادة العربية القطرية لكي تصل إلى الكنيست .

الحكم المحلي ..  التبعية للسلطة المركزية : يعتبر مدى استقلالية السلطة المحلية احد المركبات الأساسية في منظومة العلاقات التبادلية بين السلطة المركزية والحكم المحلي .

بموجب قانون السلطات المحلية , فان هذه السلطات غير مستقلة  في معظم  مجالات عملها , وهي تابعة للسلطة المركزية . تقّيد الكنيست السلطة المحلية : فهي تحدد بالقانون حداً أقصى لضرائب الارنونا التي تُجبى وإذا أرادة السلطة المحلية أن ترفع ضريبة الممتلكات ( الارنونا ) فعليها أن تحصل على موافقة وزارة الداخلية أي أنها غير مستقلة بهذا الأمر .

هناك قانون أخر – قانون أسس الميزانية – الذي يقيد صلاحية السلطات المحلية في اقتراض الأموال .

صلاحية السلطة المحلية في سن قوانين مساعدة محدودة : ليس بمقدور السلطة المحلية سن قوانين مساعدة تتناقض مع قانون سنته الكنيست . في مسائل محددة على السلطة المحلية أن تحصل على موافقة وتصديق مسبق من قبل وزير الداخلية أو من أي وزير أخر في الحكومة تقع المسالة ضمن صلاحياته .

عندما يرى وزير الداخلية أن السلطة المحلية لا تعمل كما يجب , فانه يملك صلاحية حل المجلس المنتخب وتعيين (( لجنة مدعوة )) ( ועדה קרואה ) بدله لتدير شئون السلطة .

توجهات حول أداء الحكم المحلي ومكانته في الدولة الديمقراطية

التوجه الأول :-

يدور حول جانب النجاعة , أي أن السلطة المحلية هي أساساً ذراع إدارية للسلطة المركزية . ويرى أصحاب هذا التوجه انه من اجل أنجاع عمل الحكم المحلي يجب إقامة سلطات محلية كبيرة تضم عدة بلدات . وقد طبق هذا التوجه في بريطانيا : فالحكم المركزي هناك قلل من عدد السلطات المحلية عبر ضم عدة سلطات معا وتحويلها إلى سلطة واحدة , إضافة إلى تقليص صلاحيات السلطات المحلية وتقييد قدرتها على فرض ضرائب محلية . وينفذ كل هذا بموافقة السلطة المركزية فقط .

التوجه الثاني :-

يدور حول أهمية الأساس الديمقراطي , أي أهمية وجود سلطة حكم محلية مستقلة إلى جانب السلطة المركزية . ويرى أصحاب هذا التوجه أن الحكم المحلي هو مركب ديمقراطي ضروري في الدولة الديمقراطية , وعليه أن يعمل إلى جانب السلطة المركزية وبالتعاون معها . وعلى كل سلطة من سلطات الحكم أن تعمل في مجال صلاحياتها . أصحاب هذا التوجه يؤيدون تقليص تبعية السلطات المحلية للسلطة المركزية , ويعارضون سياسة تقليص عدد السلطات المحلية , ويعارضون إقامة سلطات محلية كبيرة تضم عدة بلدات .

في إسرائيل هناك جدال دائر بين مؤيدي هذين التوجهين . أحياناً يتعدى الجدال حول حدود المكان ويطرح على جدول البحث لدى الجمهور ..

الحكم المحلي : استقلال ذاتي ..

منذ أواسط الثمانينيات بدأت تتعزز استقلالية الحكم المحلي , وأخذت العلاقات التبادلية بين السلطتين تتبلور على شكل منظومة علاقات بين شريكتين .

مركبات هذه الشراكة   :

1- العبء الثقيل الملقى على عاتق سلطات الحكم المركزي والصعوبات المالية في الميزانيات التي يواجهها الحكم  المركزي يجعلها تقلص مدى تدخلها في مسائل اجتماعية واقتصادية .  هذا الواقع يضطرا لحكم  المحلي لمواجهة مهام اجتماعية , واقتصادية وبلدية أخذة في الازدياد .

2- عدم وجود إطار قانوني شامل يعّرف صلاحيات , وواجبات ومدى حرية تصرف السلطة المحلية , وكذلك عدم وجود سياسة مركزية تحدد منظومة العلاقات بين الحكم المركزي والحكم المحلي من حيث الوظائف والصلاحيات , وهذه تحتم نشوء أوضاع تدعو إلى عمل الحكم المحلي باستقلالية , وأحيانا يؤدي هذا الوضع إلى حدوث توترات بين الحكم المركزي والحكم لمحلي في مسالة تعيين حدود الاستقلال الذاتي من قبل السلطة المحلية . بعبارة أخرى – إلى أي حد يسمح للحكم المحلي العمل بدون التنسيق مع الحكم المركزي وان يتجاوز توجيهاته .

3- المحكمة العليا ( خاصة محكمة العدل العليا ) تعترف برأي الحكم المحلي على انه مبدأ سلطوي وأداري شرعي . ويمكّن هذا الاعتراف السلطة المحلية من تحقيق حرية تصرف واسعة في كل ما يتعلق بتقديم الخدمات لسكان السلطة – وبالتالي فانه يعزّز من الاستقلالية الذاتية .

4- يناضل رؤساء السلطات المحلية الذين ينتخبهم بانتخابات شخصية ومباشرة سكان المنطقة من اجل تحقيق استقلال ذاتي للسلطة المحلية .وان تعمل السلطة المحلية كسلطة مستقلة وليس ذراعا إدارية للسلطة المركزية .

5- تظهر الاستقلالية الذاتية , للسلطة المحلية من خلال التنظيم الداخلي في السلطة وفي كيفية إدارة جهاز الخدمات .

هناك توتر بين السلطتين والذي يعود إلى سببين :

الأول :-  عدم مساواة في توزيع الموارد للسلطات : ليس هناك معايير متجانسة في مسالة تخصيص الموارد  وبالتالي فان هذا الأمر يؤدي إلى عدم المساواة بين السلطات المختلفة , وهذا يؤدي لحدوث توتر بين السلطات المحلية والحكم المركزي .

الثاني :- عدم التلاؤم بين الميزانية التي يرصدها الحكم المركزي للسلطات وبين حاجة السكان الواقعية . إن عدم الملائمة بين حاجات السلطة والميزانية التي تحصل عليها من الحكومة تؤدي إلى حدوث ظاهرة العجز (الديون ) المالي في السلطات . ( [7] )

قائمة المراجع و المصادر :

  • البروسفيور عزيز حيدر – الحكم المحلى العربى فى اسرائيل – معهد فان لير – القدس – 2006-2007.

http://www.vanleer.org.il/ar/content/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84

  • سهيل دياب – الحكم المحلى فى اسرائيل – الجبهة الديمقراطية للسلام و المساواة – 2009 .

http://aljabha.org/index.asp?i=42402

  • د.دورون نفوت – فساد الحكم المحلى الأسرائيلى – جريدة الأحتلال – يناير 2014 .

http://www.ehtelal.com/?p=6128

  • معلمى مادة مدنيات – تلخيص مادة المدنيات – مدرسة الفاروق – كسيفة – 2010 . د
  • بيت كل السلطات المحلية – مركز السلطات المحلية فى اسرائيل ..

http://www.masham.org.il/Arabic/Pages/odoot.aspx

مراجع باللغة الأنجليزية :

1- Danial J.Elazar – State-Local Relations In Israel – Jerusalem Center Of Public Affairs .

http://www.jcpa.org/dje/articles2/statelocal.htm

2- Danial J.Elazar – The Local Dimension In Israel Government And Politics – Jerusalem Center Of Public Affairs .

http://www.jcpa.org/dje/articles3/lg-ch1.htm

3- Israel Government & Politics : Local Government .

http://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/Politics/local_govt.html

4-    Union of Local Authorities in Israel

https://www.knesset.gov.il/lexicon/eng/LocalAuthoritiesCenter_eng.htm

[1] Danial J.Elazar – State Local Relations InIsrael – Jerusalem Center Of Public Affairs

[2] سهيل دياب _ الحكم المحلى فى اسرائيل – الجبهة – 2009 .

[3] –  Danial J.Elazar – مرجع سبق ذكره .

[4] – معلمى موضوع المدنيات – مادة المدنيات – ص 51 .

[5] – معلمى موضوع المدنيات – حكم المحلى العربى فى اسرائيل – معهد فان ليدر فى القدس .

– [6] د.دورون نفوت – الفساد فى الحكم المحلى فى اسرائيل – جريدة التحرير .

[7] –  معلمى موضوع المدنيات – مرجع سبق ذكره .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى