الشرق الأوسطعاجل

الثقافة السياسية لاعضاء البرلمان العراقي “القسم الثاني”

اعداد : د. حسن سعد عبد الحميد

سبق وأن نشر لي في المركز الديمقراطي العربي بحثنا الموسوم (الثقافة السياسية لاعضاء البرلمان العراقي) وتحديداً سنة (2015م) ، حيث استعرضت في ذلك البحث أبرز مؤشرات الثقافة السياسية لاعضاء البرلمان العراقي وأليات تطبيقها تشريعياً . ومنذُ ذلك التاريخ والبحث لاقى أهتماماً كبيراً على المستوى الاكاديمي الجامعي ، وأصبح مرجعاً للكثير من الطلبة . إلاَ أنهُ في المقابل تعرض البحث المومأ اليه للعديد من العقبات والمشاكل منها رفض بعض المجلات العلمية نشره خوفاً من المحتوى كونه يمس المؤسسة التشريعية العراقية وورد بعض الاسماء فيها صراحة ، كما تعرض صاحب البحث لبعض المضايقات ومنع من المشاركة في العديد من الندوات والحلقات البحثية بسبب ذلك البحث لكون اغلب تلك الندوات تم تنظيمها من قبل بعض اعضاء البرلمان العراقي  .

ومع ذلك وبحكم التخصص السياسي للباحث ومتابعته لاخر مستجدات الساحة السياسية وتحديداً على المستوى التشريعي حاولنا تتبع وقياس اداء البرلمان العراقي وتبيان أذا ما شهد تطوراً في الاداء وفي العقلية والتفكير السياسي في التطبيق . ومن خلال المتابعة المستمرة توصل الباحث إلى أن الثقافة السياسية لاعضاء البرلمان العراقي كما هي لم تتغير واعتمد الباحث في اثبات ذلك على جملة من المؤشرات الجديدة التي سيتم اثباتها تباعاً .

في البداية نود القول أنهُ لا يخفى على أحد ما تعنية الثقافة السياسية من اهمية كبيرة في تشكيل أي بناء سياسي جديد ، وما تمثله تلك الثقافة من عامل استقرار من عدمه في اداء النظام السياسي القائم . وانطلاقاً من هذه الاهمية وتوصيفاً على الحالة العراقية نجد أن ثقافة عضو البرلمان العراقي السياسية لازالت تراوح مكانها بين الثقافة التقليدية التابعة والثقافة التقليدية الخاضعة والبعيدة كل البعد عن الثقافة السياسية المساهمة \ المشاركة الضرورية لبناء العراق الجديد ، وهذا الامر لم نتبناه من فراغ بل دعمته جملة من الحقائق والمؤشرات  ومن خلال :-

1) في بحثنا السابق تحدثنا عن طبيعة الامتيازات الممنوحة لاعضاء مجلس النواب العراقي والتي لا تتلائم مع حجم المهام التي يقومون بها وظيفياً ، والتي نظروا اليها على أنها من باب التشريف لا التكليف الوظيفي . هذه الحالة شهدت تطوراً جديداً وكما هي العادة في غير صالح الشعب العراقي ، حيث شرع البرلمان العراقي بالقراءة الأولى لقانون مجلس النواب الجديد الذي اعد ليحل محل قانون مجلس النواب رقم (50) لسنة (2007م) ، والذي قدمته اللجنة المالية والقانونية في البرلمان العراقي ، ومن خلال متابعتنا لتلك البنود ظهر ما يلي :-

  • زيادة المخصصات المالية لعضو البرلمان العراقي وعدد حمايته .
  • القانون الجديد يمنح اعضاء البرلمان العراقي امتيازات تفوق تلك التي نص عليها القانون السابق .
  • منح رئيس مجلس النواب ونوابه صلاحيات كبيرة يترتب عليها تبعات مالية .
  • يسري القانون وبأثر رجعي للدورات النيابية السابقة .
  • المنح المالية المقدمة للنائب غير قابلة للاسترداد ولمرة واحدة فقط .
  • القانون يخالف الدستور من ناحية التبعات المالية التي يشترط ان تقترح وتقدم من مجلس الوزراء العراقي .

فضلاً عن بنود اخرى لا نريد الخوض في تفاصيلها حالياً بقدر ما نريد ان نبين أن البرلمان العراقي بعيد عن الشعب العراقي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، فالعراق يمر بازمة مالية وتقشف غير مسبوق في ظل استمرار تراجع اسعار النفط وسعي الحكومة العراقي الى التقليل في النفقات وفرض الضرائب على الموظفين واستقطاعات مستمرة منها دون ان يسرى ذلك على مجلس النواب العراقي الذي اصبح اسير الامتيازات والبعد عن المواطن العراقي وهمومه ، ضارباً بعرض الحائط الاصلاحات الاقتصادية التي يسعى العراق الى تطبيقها . وما يثير الاستغراب بالموضوع ظهور قادة الكتل السياسية بمظهر المتفاجىء والممتعض من القانون وهو يعلمون جيداً ان ممثليهم في اللجان التي قدمت القانون قد اعطوهم كل تفاصيل القانون ووافقوا عليه مما يعزز من فرضيتا في البحث السابق من أن قادة الكثل السياسية هم الحكام الفعليين للعراق .

هذه الحالة تبين لنا الطبيعة السلبية للثقافة السياسية لاعضاء البرلمان العراقي الذين لم يراعوا مطالب الشعب العراقي ومطالب من اوصلهم للبرلمان من حيث مكافحة الفساد ، ففي الوقت الذي يتظاهر فيه الشعب العراقي المطالب بالاصلاح والتغيير واقتحموا البرلمان لاجل ايصال صوتهم ، ليتفاجأ الشعب بقانون البرلمان الجديد ضارباً بعرض الحائط كل مطالب الشعب وضارباً لفسلفة الخادم والمخوم السائدة في الانظمة النيابية .

2) وفي الوقت الذي تزداد فيه نسب البطالة والفقر في العراق ودعوات العراقيين نحو اصلاح حالهم الاقتصادي والمعيشي ، نجد طرح احد اعضاء مجلس النواب العراقي لمقترح الغاء نظام التعليم المجاني في العراق في المراحلة الاعدادية والجامعية ، والاكتفاء بمجانيته على المستوى الابتدائي والمتوسط مشيراً في الوقت نفسه إلى صرف الدولة 13 مليون دينار سنوياً لكل طالب مضيفاً إلى أن بقاء هذا الوضع غير مقبول .  هذه الدعوة بحد ذاتها تشير إلى تراجع الثقافة السياسية لعضو البرلمان العراقي من حيث أن التعليم طبقاً للدستور العراقي حق من حقوق الإنسان والدولة العراقية ملزمة بتقديمه والتكفل به ، كما ان المبلغ الذي ذكره غير صحيح بالمرة ،  والاغرب انها جاءت من شخصية كانت تشغل فيما سبق وزير التعليم العالي والبحث العلمي  . كما ان الأخذ به ينتج عنه محاذير أمنية تؤثر على العراق مستقبلاً منها :-

  • تراجع الوحدة الثقافية والوحدة الوطنية العراقية .
  • تزايد وارتفاع لنسب الفقر والبطالة في العراق .
  • تراجع القيم الاجتماعية والثقافية والقضاء على الطبقة الوسطى في العراق .
  • تقديم بيئة مثالية للإرهاب القائم على التخلف ونشر الجهل .

هذه الحالة رافقها اصدر مجلس النواب العراقي لقرارات ليست من اختصاصه في مجال الدراسة للمرحلة الثالثة والسادسة ، ويبدو ان هذه الحالة اصبحث كعدوى اصيبت بها بعض مجالس المحافظات العراقية التي اصدرت قرارات ذات طابع اتحادي بخصوص النازحين التي هي من اختصاص البرلمان حصراً .

3) ومن زاوية اخرى يعد موضوع الوحدة الوطنية المرتكز الاساس عند الحديث عن اي موضوع يتعلق بمستقبل العراق وسلامة اراضيه ونسيجه الاجتماعي ، وهذه الحقيقة يبدو أنها غائبة عن ادراك الثقافة السياسية لعضو البرلمان العراقي الذي يحكم الفكر والطرح الطائفي عمل الكثيرين منهم . منها ما طرحه مؤخراً احد اعضاء مجلس النواب مستفهماً لماذا تحدث تفجيرات إرهابية في مدينة الكاظمية المقدسة في حين أن مدينة الاعظمية الاقرب والمفترض حدوث الانفجار فيها ، وفي صيغة تصريح مشبع بالطائفية ، متناسين ما تسببه هكذا تصريحات من اشعال للفتن الطائفية في العراق ، وهي تدخل ضمن تصريحات غير مسؤولة دأب اعضاء البرلمان العراقي على اطلاقها قبيل انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات التشريعية كوسيلة لكسب الاصوات والبقاء في المنصب . فالجميع يعلم أن الإرهاب مرفوض من قبل كل العراقيين ولا ينتمي لمذهب أو دين ، فالإرهاب يستهدف الجميع وهو عدو الإنسانية جمعاء .

ونفهم مما سبق أن الثقافة السياسية الفرعية لا والت مسيطرة وحاضرة في ثقافة اعضاء البرلمان العراقي السياسية ، مما تدعو الحاجة إلى ضرورة اعادة الحسابات بها وتطوير وعي البرلماني العراقي وإلا فالعراق يسير نحو الهاوية . فتطوير الثقافة السياسية لعضو البرلمان العراقي هي مهمة ملحة وضرورية لتأسيس قواعد سليمة للعمل البرلماني وللدولة العصرية التي نطمح لها في العراق الجديد .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى