الدفاع “الوقائي” عن النفس : دراسة نظرية تطبيقية في ضوء أحكام القانون الدولي المعاصر
اعداد الباحثة : نهى شافع توفيق – المركز الديمقراطي العربي
دراسة محكمة:
الدفاع “الوقائي” عن النفس : دراسة نظرية تطبيقية في ضوء أحكام القانون الدولي المعاصر “2001-2007″
إشــراف:
- الأستاذ الدكتور : محمد شوقي عبد العال
أستاذ القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
- الدكتور : عابدين عبد الحميد قنديل
مدرس القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
لجنة الحكم والمناقشة:
- أ. د. أحمد الرشيدي :رئيساً وعضواً من الداخل
أستاذ القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة
- أ. د. محمد شوقي عبد العال: مشرفاً
أستاذ القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة
- د. عابدين عبد الحميد قنديل :مشرفاً مشاركاً
مدرس القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
- أ. د. حازم عتلم : عضواً من الخارج
أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي العام بكلية الحقوق جامعة عين شمس
الإطار العام للدراسة
مقدمة:
لقد شهدت السنوات القليلة الماضية حربين شنتهما الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان 2001 والعراق 2003 في إطار تغير في السياسة الخارجية الأمريكية بعد تولي الرئيس جورج بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة، حيث قام ومساعدوه بتطوير ما سمي بـ “مبدأ بوش” أو “الحروب الاستباقية”. ويرى البعض أن هذا المبدأ يستند إلى صحيح القانون الدولي العرفي، بينما يؤكد آخرون أن القانون الدولي الاتفاقي وفقاً لما بلوره ميثاق الأمم المتحدة يجرم بشكل مطلق اللجوء إلى القوة استباقاً لهجوم متوقع الحدوث. ويحظى مبدأ بوش في هذه الآونة بالكثير من الاهتمام حيث تتعدى آثاره التأثير على بنية واستقلال نظم سياسية ودول قائمة إلى التأثير على وضع القانون الدولي وسلطة المؤسسات الدولية في الوقت الحالي، ويؤكد مراقبون أنه قد صار أيضاً عنواناً للسياسة الإسرائيلية في الوقت الحالي، ليس فقط مع الفلسطينيين، إذ لم تدخر إسرائيل وسعاً في السير على الخطى الأمريكية في مواجهتها للبنان 2006 وسوريا 2007.
وبالنظر إلى طبيعة المجتمع الدولي – كونه مختلفاً عن المجتمعات داخل الدول – فقد نتج عن هذا اختلاف طبيعة القانون المنظم له عن القوانين الداخلية من حيث نشأته ومصادره وتطوره كما أدى إلى إثارة الجدل حول الطبيعة الملزمة لهذا القانون. وكان من آثار اختلاف وتميز طبيعة القانون الدولي أن لعبت السياسة الدولية وتوازنات القوى والمصالح والأيديولوجيات السائدة على مر العصور دوراً كبيراً في نشوء وصياغة وتنفيذ القانون الدولي، فلم يأت في الكثير من الأحيان معبراً عن الحق والعدل، بل مبلوراً لهذه التوازنات السياسية([1])، ويمر القانون الدولي حالياً – بعد انتهاء الحرب الباردة، وخاصةً بعد 11 سبتمبر 2001 – بمرحلة استثنائية يواجه فيها أزمةً طاحنة تهدده في فاعليته وتفعيله وفي ثوابته وبنيانه حدت بالبعض لأن يطعن في جدوى القانون الدولي في هذا العصر من الأساس([2]).
ومن الثوابت المهددة في هذه المرحلة – في نظر الكثيرين – قاعدة حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، والتي تضمنتها المادة 2 فقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة، وأورد الميثاق استثناءات عليها أهمها ما ذكرته المادة 51 منه، والتي جعلت استخدام القوة مشروعاً حال الدفاع عن النفس ضد هجوم مسلح بشرط التوقف فور تدخل مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدوليين، وعلى أن تخضع الدول في ممارستها لحق الدفاع الشرعي، فردياً أو جماعياً لرقابة مجلس الأمن.
وثار جدل، زاد في هذه الآونة، حول مضمون المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وخاصةً ما ذكرته صراحة من ضرورة “وقوع” هجوم مسلح، فرأى البعض أن هذا يعني نقضاً للعرف السابق على ميثاق الأمم المتحدة، والذي كان يسمح بالدفاع الوقائي عن النفس ضد هجوم وشيك الوقوع بشرط ضرورة وحتمية فعل الدفاع وتناسبه مع حجم الهجوم وشيك الوقوع. ومن ثم يكون الدفاع الوقائي، وفقاً للقانون الدولي الاتفاقي الحالي مجرماً على نحو مطلق، وتترتب عليه آثار مخالفة قاعدة حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية. بينما رأى آخرون أن هذه المادة تفسر في سياق العرف الدولي السابق على الميثاق، أي تسمح بالدفاع الوقائي بالشروط التي أقرها العرف الدولي التقليدي. ورأى فريق ثالث أننا في هذه الآونة بصدد تشكل عرف دولي جديد بالبناء على مسلك الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر 2001، ومواقف الدول المختلفة منه، ويؤيد الفريقان الأخيران وجهة نظرهم بالتطور الهائل الحادث في الأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين مثل خطر الإرهاب وخطر انتشار أسلحة الدمار الشامل، مما يستدعي مواجهة هذه الأخطار على أرضية قانونية تسمح بالتصدي لها، وهو ما لا يستطيع الميثاق الحالي للأمم المتحدة – وفقاً لهم – القيام به.
وفي بحث مدى مشروعية الدفاع الوقائي، ومع الخلاف والجدل الدائر حوله، يتحتم علينا النظر إلى مواقف الدول المختلفة من ممارسته، وخاصةً بعد إرساء جورج بوش الابن لهذا المبدأ كعنوان للسياسة الخارجية الأمريكية في عصره. ولقد تنوعت ردود أفعال الدول المختلفة على تطبيق الإدارة الأمريكية الحالية لهذا المبدأ في أفغانستان والعراق، فهل نحن فعلاً في صدد تشكل عرف دولي جديد يحكم استخدام القوة في العلاقات الدولية فيما يتعلق بالدفاع الوقائي؟
المشكلة البحثية:-
تتحدد المشكلة البحثية لهذه الدراسة في البحث في الدفاع الوقائي عن النفس، ومدى مشروعيته وفقاً للقانون الدولي بوصفه أحد تطبيقات الدفاع الشرعي عن النفس، كما تبحث في الممارسة الدولية للدفاع الوقائي عن النفس إلى أين تسير؟ وعلام تدل؟، وبذا يمكن صياغة المشكلة البحثية في السؤال الرئيسي التالي: مع مراعاة التأثير المتبادل بين القانون والسياسة الدوليين: هل يعد الدفاع الوقائي عن النفس متفقاً مع أحكام القانون الدولي وممارسة الدول كتطبيق لحق لدفاع الشرعي عن النفس؟
وللإجابة عن هذا السؤال تتعين الإجابة عن الأسئلة الفرعية التالية:-
- ما هي شروط الدفاع الشرعي باعتباره الاستثناء الأصيل على قاعدة حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية؟
- هل يمكن للعرف الدولي أن يعدل قاعدة مكتوبة واردة بأسمى معاهدة دولية وفق ما تقضي به المادة 104 من الميثاق؟
- ما مدى مشروعية الدفاع الوقائي عن النفس وفقاً للقانون الدولي وممارسة الدول؟
أهمية الدراسة:-
لهذا البحث أهمية علمية نظرية إلى جانب أهميته العملية التطبيقية:
أولاً: الأهمية النظرية:-
يمر القانون الدولي في الوقت الحالي، كما يرى الكثيرون، بمرحلة فاصلة في مسيرة تطوره. بدأت هذه المرحلة مع نهاية الحرب الباردة وتربع الولايات المتحدة على قمة العالم بلا منازعة تذكر من دول العالم الأخرى مما كان له أثره في أن تتدخل الولايات المتحدة في إعادة تشكيل القواعد القانونية الدولية بحيث لا تتعارض مع مصلحتها. ثم زادت أزمة القانون الدولي حدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث زادت وتيرة تجاهل تطبيق قواعده بل ومخالفتها مخالفةً صريحة. أضف إلى ذلك أن فقهاء القانون يتحدثون الآن عن محاولة خلخلة بعض ثوابت القانون الدولي، فضلاً عن تفسير هذه القواعد بما يناسب مصالح القوة العظمى العالمية، وتجاهل بعض قواعده أو مخالفتها في التطبيق والتنفيذ، مما يثير العديد من الإشكاليات القانونية فيما يتعلق بمدى أهمية وفعالية القانون الدولي في هذه المرحلة بصفة عامة، وبوضع بعض ثوابته بشكل خاص مثل مبدأ سيادة الدولة وقاعدة حظر استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، وقد زاد الحديث في هذا الصدد عن الدفاع الوقائي عن النفس ومدى مشروعيته مما يستوجب الدراسة والتحليل، خاصةً مع قول البعض أننا الآن بصدد تشكل عرفٍ دوليٍّ جديد بهذا الصدد يقتضي منا الرصد والتحليل.
فضلاً عن أنه بينما توسعت الدراسات الغربية في الحديث عن الدفاع الوقائي عن النفس بين الدول في إطار تبريره أو تجريمه وبصفةٍ خاصة إثر حربي أفغانستان 2001 والعراق 2003، فإن الدراسات العربية لم توله بعد الاهتمام الكافي، وإن كانت هناك كتابات قيِّمة تغطي بعض جوانب هذه الدراسة، إلا أن المكتبة العربية تخلو – حتى الآن من دراسة وافية في هذا الصدد، ومن ثم كان هذا الجهد اليسير محاولة بقلم عربي في سبيل الكتابة المتعمقة حول الدفاع الوقائي.
ثانياً: الأهمية التطبيقية:-
نظراً لأن الدفاع الوقائي عن النفس صار يستخدم عادةً في هذه الأيام كمبرر للهجمات على العرب والمسلمين، كان من المفيد أن نلقي الضوء على موقف القانون الدولي منه وممارسات الدول فيما يتعلق به، فإن ثبتت عدم مشروعيته كان في هذا البحث التجريم النظري له مدعماً بالأسانيد القانونية عسى أن تطبق يوماً ما، وإن ثبتت مشروعيته وفقاً للقانون الدولي، قدم هذا البحث الضوابط والشروط التي بها تتحقق مشروعيته، وكانت في هذا الفائدة أيضاً.
تحديد الدراسة:-
تتحدد هذه الدراسة ببحث موضوع الدفاع الوقائي عن النفس بين الدول من منظور السياسة والقانون الدوليين، مع التطبيق على الحروب الأمريكية في المدة من 2001 إلى 2007، والتي شهدت الحرب على أفغانستان والعراق، تحت زعم الدفاع الوقائي كمبرر ثانوي في الأولى وأساسي في الثانية.
منهج الدراسة:
تتبنى هذه الدراسة منهج التحليل القانوني للإجابة على الأسئلة البحثية التي تطرحها، وذلك في تحليل أحكام الاتفاقيات والمواثيق والأعراف الدولية المتعلقة بمبدأ حظر استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، وأهم الاستثناءات الواردة عليه وهو الدفاع الشرعي، ومدى انطباق أحكام الدفاع الشرعي على الدفاع “الوقائي”، مع بحث أهم حالات اللجوء إلى الأخير، ومدى دلالتها في مشروعيته، أخذاً في الاعتبار مواقف الدول من هذه الممارسات، مع عدم إغفال التأثير المتبادل بين القواعد القانونية والعوامل والظروف السياسية.
الأدبيات السابقة:-
يمكن تقسيم أهم الأدبيات المتعلقة بهذه الدراسة إلى ثلاث طوائف:-
أولاً: الدراسات التي تناولت تأثير السياسة الدولية في القانون الدولي:
- من أهم الدراسات في هذا الصدد دراسة د/ محمد شوقي “الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي”: وقد تناول د. محمد شوقي في هذه الدراسة انعكاس الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي في السيياسة الدولية من خلال تتبع مصادر القاعدة القانونية الدولية وأشخاص القانون الدولي العام، ثم أثر هذه الطبيعة على بعض المبادئ العامة في القانون الدولي العام مثل مدى مشروعية اللجوء إلى الحرب، والحق في تقرير المصير، وكيف أن الحروب الدولية الكبرى تسفر غالباً عن توزيع جديد للقوى يتم إقراره في معاهدة دولية، وكيف أن الجماعة الدولية المسيطرة الناشئة في أعقاب هذه الحروب ترفع دائماً شعاراً دولياً مثل: توازن القوى، الشرعية الدولية، أو مكافحة الإرهاب. ثم يبحث، في ضوء الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي، الجوانب السياسية والقانونية لأزمة لوكربي، ومن ثم الطريقة التي كان ينبغي أن تعالج بها الأزمة، واختلافها عما حدث في الواقع، باستخدام المنهج التاريخي التحليلي([3]).
- ودراسة د/ محمد شوقي أيضاً “أزمة القانون الدولي المعاصر في أعقاب نهاية الحرب الباردة”، وقد ركزت هذه الدراسة على حالة القانون الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة واحتلال الولايات المتحدة قمة النظام الدولي ومحاولتها إعادة تشكيل القانون الدولي بما يتفق ومصالحها ويمكنها من إحكام قبضتها على النظام الدولي بل ومن إعادة تشكيل العالم كما تريد. ووضحت الدراسة أن مبعث الأزمة الراهنة التي يعاني منها القانون الدولي هو التناقض الكبير بين الأهداف والمبادئ التي قام عليها المجتمع الدولي وبين ممارسات الدول الكبرى على أرض الواقع. وتناولت ثلاثة تحديات يواجهها القانون الدولي المعاصر أولاها ظاهرة العولمة ودورها في خلق قواعد قانونية جديدة لتناسب متطلباتها، إضافةً إلى دورها في ترسيخ الهيمنة الأمريكية، وثانيها محاولة الولايات المتحدة تغيير بعض القواعد والمفاهيم القانونية الدولية حيث لم تعد تكتفي بالخروج على هذه القواعد، وإنما أضحت تسعى إلى زعزعة بعض ثوابت القانون الدولي وخاصةً فيما يتعلق بمشروعية استخدام القوة في العلاقات الدولية وتحديد معنى الإرهاب الدولي، وثالثها محاولة استخدام الأمم المتحدة – من جانب الولايات المتحدة – كأداة من أدوات الهيمنة الأمريكية. وبهذا تكون هذه الدراسة قد تناولت أحد أهم جوانب تأثير السياسة الدولية على القانون الدولي في وقتنا المعاصر([4]).
- كما بحث د/ صلاح الدين عامر في دراسته “القانون الدولي في عالم مضطرب” الخلل الحادث في مسار العلاقات الدولية في الوقت الراهن وانعكاساته على القانون الدولي مما أثار تساؤلات حادة حول جدوى القانون الدولي في المجتمع المعاصر فضلاًعن فاعليته. وقد تناول في هذا الإطار ثلاثة محددات لأزمة القانون الدولي تتعلق أولاً بظاهرة العولمة وإفرازها العديد من القواعد القانونية الجديدة والكثير من قرارات المنظمات الدولية مما أدى إلى نشوء القانون الدولي الهش أو المرن كما يطلق عليه البعض، إضافةً إلى دور العولمة في ترسيخ الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي ومن ثم زيادة التحدي لأحكام هذا القانون من جانبها. وثانياً الموقف الأمريكي من القانون الدولي بتدخل الولايات المتحدة في المسائل المتعلقة بالقانون الدولي إنشاءً وتطبيقاً وتنفيذاً خاصةً المسائل المتعلقة بالسيادة الوطنية وتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية بالادعاء بأن قيود ميثاق الأمم المتحدة بشأن استخدام القوة لم تعد تتناسب مع التطورات الدولية الراهنة. وثالثاً: موقف الولايات المتحدة من الأمم المتحدة ومحاولاتها تهميش دور المنظمة الدولية([5]).
ثانياً: الدراسات التي تناولت قواعد حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، والدفاع الشرعي كاستثناء أصيل على هذا الحظر:
- عرض Arend&Beck في كتابهما International Law and the Use of Force لتقنين استخدام القوة في القانون الدولي العرفي والاتفاقي، وتتبعا تطور القواعد القانونية الحاكمة لاستخدام القوة في القانون الدولي التقليدي وفي ميثاق الأمم المتحدة، ومن خلال ممارسة الدول. كما تطرقا إلى عددٍ من الموضوعات ذات الصلة مثل، الحروب الوقائية، التدخل لإنقاذ الوطنيين بالخارج، والإرهاب، ثم تطرقا إلى القانون الدولي الإنساني، فبحثا الإطار القانوني الذي أسسته اتفاقيات لاهاي واتفاقيات جنيف، وناقشا عدداً من الموضوعات مثل التعامل مع أسرى الحرب والأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، وثالثاً معالجة المحاكم التي أسست لتحاكم الأشخاص بسبب انتهاك قواعد القانون الدولي الخاصة باستخدام القوة. وتتضمن محاكم نورمبرج ومحاكم يوغوسلافيا ورواندا الجنائية الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، وأخيراً وضعا تصوراً لمستقبل القانون الحاكم لاستخدام القوة([6]).
- بينما درس Ian Brownlie في كتابه International Law and the Use of Force by States التطور التاريخي للإطار القانوني لاستخدام القوة من جانب الدول فيما قبل 1815 وصلح وستفاليا، ثم في القانون الدولي العرفي فيما بين 1815 إلى 1914، والاتفاقيات التي تلت الحرب العالمية الأولى، وعهد عصبة الأمم، ثم أهم التطورات القانونية خلال 1920-1945 مثل الحرب غير المشروعة وحرب العدوان وحتى ميثاق الأمم المتحدة فيما بعد 1945، ثم تناول النتائج المترتبة على الاستخدام غير المشروع للقوة والمبررات القانونية لاستخدام القوة في القانون الحديث فبحث حق الدفاع الشرعي في القانون والممارسة الدوليين بين الحربين العالميتين وبعد الحرب العالمية الثانية، ثم درس بعض المشكلات المتعلقة باستخدام القوة بصفة عامة مثل تعريف العدوان، ومفهوم الهجوم المسلح والمشكلات المتعلقة بالمسئولية الدولية([7]).
- وفي كتابه الهام War, Aggression and Self-Defense تناول Yoram Dinstein الطبيعة القانونية للحرب، وحظر الحرب متتبعاً التطور التاريخي للوضع القانوني للحرب، والحظر المعاصر لاستخدام القوة بين الدول، وتجريم حرب العدوان، والنتائج الخلافية لتغير الوضع القانوني للحرب. ثم تطرق إلى الاستثناءات على حظر استخدام القوة بين الدول، فتناول مفهوم الدفاع عن النفس كحق موروث، كما بحث الحرب الوقائية في إطار معالجته لحق الدفاع الشرعي رداً على هجوم مسلح، وشروط الدفاع الشرعي المنفرد عن النفس ثم الدفاع الجماعي عن النفس والأمن الجماعي([8]).
- كما بحث David Rodin في كتابه War and Self-Defenseحق الدفاع عن النفس من خلال مقدمة عن الحقوق بصفة عامة من حيث مفهوم الحق والهيكل المنطقي له، ودرس حق الدفاع عن النفس كنموذج على الحقوق واضعاً تأصيلاً مفاهيمياً للدفاع عن النفس كحق، ثم ناقش حق الدفاع عن النفس في القانون الدولي: القيود التي يتحدد بها والحاجة لأساس أخلاقي له، ثم تحدث عن الحرب والدفاع عن الأشخاص والمسئولية الدولية وتطبيق القانون([9]).
ثالثاً: الدراسات التي تناولت الدفاع الوقائي أو الاستباقي عن النفس ومبدأ بوش:
- في دراسة لـ Antony Clark Arend بعنوان International Law and the Preemptive Use of Military Force قال أن الهجمات الاستباقية كانت مشروعة فيما قبل نشأة الأمم المتحدة بشروط أهمها الضرورة والتناسب، وذكر أمثلة على ممارسة الدول للهجمات الاستباقية فيما قبل نشأة الأمم المتحدة. ورأى أنه بالنظر إلى ميثاق الأمم المتحدة فإن الهجوم الاستباقي لا يمكن اعتباره مشروعاً على الإطلاق، وهذا – وفقاً له – في حال ما إذا سلمنا بأن ميثاق الأمم المتحدة يعكس القانون الدولي الحالي بدقة، ثم وضع بعض التوصيات السياسية لدعم مشروعية مبدأ بوش في ضوء القانون الدولي، وهو ما يراه نتيجة طبيعية لفشل ميثاق الأمم المتحدة في التعامل مع المشكلات المعاصرة التي تهدد أمن الدول مثل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل([10]).
- بينما بدأ Narelle Thomas دراسته The Use of Force and Pre-Emption: A Legitimate Practice Under the UN Charter? بالحديث عن قاعدة حظر استخدام القوة بين الدول في المادة الثانية فقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة، ثم تناول بالتحليل المادة 51 من الميثاق والتي تستثني الدفاع عن النفس من القاعدة سابقة الذكر وهذه المادة من وجهة نظره غامضة يفهم من ظاهرها تجريم اللجوء إلى الاستباق، إلا أن هذا الأخير، في نظره، يكون مشروعاً إذا ما فسرنا هذه المادة بالاستعانة بالقانون الدولي التقليدي والعرف الدولي السابق على الميثاق والذي يسمح بالدفاع الاستباقي شريطة توافر أركان الهجوم الوشيك والضرورة والتناسب بين الهجومين الاستباقي والهجوم الآخر وشيك الوقوع، وضرب مثالآً بالهجمة الأمريكية على العراق في 2003 معلقاً على أثر إطار ميثاق الأمم المتحدة على هذه الحرب غير المشروعة في نظره وفق المعايير الدولية الحالية([11]).
- أما مقال David M. Ackerman بعنوان International Law and the Preemptive Use of Force Against Iraq فشرح فيه، في سياق هجوم الولايات المتحدة المتوقع آنئذٍ على العراق، شرح الهجمات المسلحة الاستباقية في ضوء القانون الدولي العرفي، ثم تناول أثر ميثاق الأمم المتحدة على العرف الدولي السابق عليه، والخلاف حول كون هذا الأثر مطلقاً في إلغاء العرف السابق وفقاً لممارسات الدول في الفترة التالية لإعمال ميثاق الأمم المتحدة ضارباً عدداً من الأمثلة، وخلص في مقاله إلى أن العرف الدولي حول الاستباق لا يزال يحكمه ما توافر شرط الضرورة. مختتماً مقاله بالقول بأنه إما أن يعتبر القانون الدولي التقليدي بشأن الاستباق سارياً في الوقت الحالي، أو أن يـعدل القانون الدولي الذي لا يسمح به ليلائم الأوضاع والمشكلات الحالية([12]).
- أما كتاب Ivo H. Daadler and James M. Lindsay بعنوان America Unbound: The Bush Revolution in Foreign Policy، فقد تطرقا فيها إلى نظرة جورج بوش الأحادية للعالم، والثورة التي أحدثها في أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وطرق تحقيقها، ورصدا التحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة إبان الحرب الباردة من النظرة العالمية إلى مبدأ جديد هو الأحادية والاستعلاء تجسده الرغبة في إعادة تشكيل العالم وفق الرؤية الأمريكية. ورأيا أن أهم أركان السياسة الخارجية الأمريكية في عهد جورج بوش الابن هي: الاعتماد على القوة وتجاهل القانون الدولي والمؤسسات الدولية، مبدأ الحروب الاستباقية، تغير النظم السياسية، والاعتماد على الأحلاف الطارئة لمن يرغب بدلاً من الأحلاف الدائمة. وتتبعا التطور التاريخي لاتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية، وحذرا في النهاية من النتائج الخطيرة للسياسة الخارجية الحالية لجورج بوش والتي يستدعيها الاستياء الخارجي من السياسة الخارجية الحالية للولايات المتحدة([13]).
- في بحث لـFrancois Heisbourg بعنوان A Work in Progress: The Bush Doctrine and Its Consequences عرض رؤيته لسياسة جورج بوش وما يسمى بمبدأ بوش (الاستباق)، وتفضيله لمصطلح الوقائية بدلاً من الاستباقية، والجدل حول السياسة الخارجية لإدارة جورج بوش الابن وهل تنطوي على خرق لقواعد استخدام القوة أم إعادة صياغة لها، وأكد على قابلية الوقائية بل والاستباق لأن يتوصفا باعتبارهما مشروعان وفقاً للقانون الدولي، وذكر سياسات الدول المختلفة إزاء تطبيقهما، منتهياً إلى ضرورة تقييدهما وتحديدهما بقيود وشروط معينة([14]).
والدراسات السابقة، بما تحمله من قيمة كبيرة، تُشَكِّل خير عون لهذا البحث المتواضع، إلا أن أياً منها لم تتعرض بشكل مباشر لبحث الدفاع الوقائي عن النفس من منظور القانون الدولي والسياسة الدولية في آن واحد أخذاً في الاعتبار مناطق التداخل بينهما، مما يعتبر اللبنة التي يضيفها هذا البحث إلى بناء العلم عبر دراسة طبيعة وشروط حق الدفاع الشرعي كاستثناء على قاعدة حظر استخدام القوة بين الدول، ثم وضع الدفاع الوقائي على ميزان القانون الدولي في مراحله المختلفة وقياس مدى مشروعيته وفقاً لهذا القانون في المواثيق والعرف والقضاء، مروراً باستكشاف نظرة السياسة الدولية إلى الدفاع الوقائي، وتطور هذه النظرة، وانتهاءً بمحاولة استشراف ما ستسفر عنه العلاقة بين القانون والسياسة الدوليين في المرحلة القادمة من أثر على الدفاع الوقائي بين الدول في إطار تطور القواعد الحاكمة لاستخدام القوة في العلاقات الدولية.
المفاهيم الأساسية للدراسة:
تتوقف الإجابة على الأسئلة البحثية في هذه الدراسة على اعتبارات تنبثق من الإطار النظري لهذه الدراسة، حيث نجد تشابكاً بين عدة مفاهيم مما يتطلب تحديد المقصود بها أولاً.
حق الدفاع الشرعي:
الدفاع الشرعي فكرة عرفتها كافة الأنظمة القانونية “كحق طبيعي يتمتع به المعتدى عليه إلى أن تتحرك السلطات لإنقاذه ريثما يتمكن من دفع الاعتداء الواقع عليه”([15]).
وقد عرفت هذه الفكرة في الأنظمة القانونية الداخلية كحق طبيعي، كما عرفها القانون الدولي أيضاً كحق طبيعي لا يقبل التنازل عنه تتمتع به كافة الدول لدفع العدوان الواقع عليها، ومن ثم استقرت الفكرة كمبدأ أساسي في القانون الدولي. ويعد حق الدفاع الشرعي نتيجة حتمية للحق في البقاء والمحافظة على النفس، إلا أن الفكرة تزداد تعقيداً وتركيباً في القانون الدولي عنها في القوانين الجنائية الداخلية، “فلكي يشكل الفعل دفاعاً شرعياً عن النفس في القانون الدولي يجب أن يكون حالاً أو بالأحرى معاصراً للهجمة الواقعة”([16]).
ويعتبر حق الدفاع الشرعي في إطار القانون الدولي استثناءً جوهرياً على قاعدة حظر استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية ،والتي قننها ميثاق الأمم المتحدة.
وكما يمكن أن تمارس الدول فرادى حق الدفاع الشرعي باستخدام الدولة المعتدى عليها القوة دفاعاً عن نفسها، فإنه يمكن أن يمارس جماعياً بمشاركة عدد من الدول الغير للدولة المتعدى عليها في رد العدوان، استناداً إلى نص المادة 51 التي تقضي بأنه ليس في هذا الميثاق ما ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادي أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم، فالميثاق يجيز الدفاع الشرعي سواء أكان فردياً أو جماعياً.
ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة ليس حق الدفاع الشرعي مطلقاً بدون قيود، فهو مقيد من ناحية بتعرض الدولة المعتدى عليها لعدوان مسلح، ومن ناحية ثانية مقيد بأن تتم ممارسته بشكل مؤقت، وحتى يقوم مجلس الأمن بتحمل مسئوليته في اتخاذ التدابير الفعالة ضد الدولة المعتدية، ومن ناحية ثالثة، هو يخضع لرقابة مجلس الأمن، وبالتالي فإن الدولة التي تمارسه تلتزم بإبلاغ مجلس الأمن فوراً بالتدابير التي اتخذتها([17]).
وتقييد الميثاق ممارسة حق الدفاع الشرعي بحدوث هجوم مسلح يثير إشكالية مدى موافقة الدفاع الوقائي عن النفس لصحيح القانون الدولي، ولذلك تختلف تفسيرات الدول لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة([18]). ومن ثم سنتعرض لمفهوم الهجوم المسلح.
الهجوم المسلح:
وفقاً لميثاق الأمم المتحدة لا يجوز استخدام القوة دفاعاً عن النفس إلا في مواجهة هجوم مسلح فعلي، سواء كان في صورة هجوم جوي أو بحري أو بري. ولا يشترط في الهجوم العسكري أن يقع من قوات نظامية تابعة لدولة معينة، بل يمكن أن يقع أيضاً من قبل عصابات مسلحة تعمل تحت إمرة دولة معينة وتأخذ تعليمات منها، وهو ما يطلق عليه العدوان المسلح غير المباشر، والذي يدخل في تعريف العدوان وفقاً للفقرة السادسة من المادة الثالثة من الإعلان الخاص بتعريف العدوان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974، وهو الإعلان الذي وصفته محكمة العدل الدولية بأنه ينتمي للقانون الدولي العرفي، ولكن، وفقاً لنص المادة المشار إليه، يشترط أن تكون هذه الأعمال على قدر من الخطورة بحيث تتساوى مع الأعمال الهجومية إذا وقعت من قوات نظامية تابعة لدولة ما. وعلى ذلك فلا يعتبر من قبيل الأعمال الهجومية مجرد التسلل عبر الحدود من قبل مجموعات صغيرة من المقاتلين وحدوث بعض الحوادث عنها. أيضاً لا يعد من قبيل الهجوم المسلح وفقاً لنص المادة 51 إمداد الثوار بمعونات عسكرية أو مالية من جانب دولة أخرى. وقد اختلفت الآراء حول العدوان غير المسلح غير المباشر مثل العدوان الاقتصادي والأيديولوجي، فبينما ذهب البعض إلى أن حق الدفاع الشرعي يمكن اللجوء إليه في مواجهة العدوان غير المباشر مثل العدوان الأيديولوجي والاقتصادي، ترى الأغلبية أن حق الدفاع الشرعي قاصر على العدوان المسلح وحسب حيث أن الاعتداء المسلح يشكل تهديداً للاستقلال السياسي والكمال الإقليمي للدولة، فلا يترك أمامها من خيار سوى استعمال القوة المسلحة، أما العدوان الاقتصادي والأيديولوجي فلا يتوافر له عنصر الاستعجال، ومن ناحية أخرى يجب النظر إلى حق الدفاع الشرعي على أنه استثناء من القيد الوارد على حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية والذي يجب عدم التوسع في تفسيره([19]).
الدفاع الوقائي عن النفس : Anticipatory Self-Defense
يقصد بالدفاع الوقائي عن النفس مبادرة الدولة بالهجوم استجابةً لتهديد حال باستخدام القوة قبل أن يتم فعلياً هذا الاستخدام([20]). ولا يلزم أن تصل الأعمال الوقائية إلى حد شن حرب على طرف آخر.
يرى البعض أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة يجب تفسيرها حرفياً، وبالتالي يكون الدفاع الوقائي عن النفس مرفوضاً بالكلية، بينما يعتقد آخرون أن المادة 51 تصدر عن نية في عدم تحميل حق الدفاع الشرعي بقيود أكثر من تلك التي حمله بها القانون الدولي العرفي. إلا أن الدول غالباً، على حد قول Deller و Burroughs ما تفضل عدم الاعتراف بالدفاع الوقائي وفقاً للميثاق، مستعيضة عن هذا بمفهوم أوسع للهجوم المسلح ليضم أفعالاً قريبة منه([21]).
ويستند من يرون أن الدفاع الشرعي عن النفس يشمل أيضاً ما يسمى بالدفاع الوقائي أي المبادأة إلى الهجوم توقياً لعدوان وشيك الوقوع يستندون إلى أن “الميثاق لم يفعل أكثر من أنه قد قنن القواعد المستقرة قبل صدور الميثاق التي كانت تسمح بالدفاع الشرعي الوقائي. ومن ناحية أخرى يدعم أصحاب هذا الاتجاه رأيهم بحجة مؤداها أن التفسير الضيق لمدلول الاعتداء المسلح فيه إضعاف كبير من فعالية وفائدة الدفاع الشرعي، ومن جهة ثالثة فإن الدفاع الشرعي الوقائي من شأنه حماية المعتدى عليه وذلك بإعطائه ميزة هامة له وهي المبادرة بالهجوم بالذات في عصر التطور الرهيب في الأسلحة الهجومية، وبالذات الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل”.
“إلا أن الرأي الراجح هو أنه لا يجوز استخدام القوة توقياً لعدوان وشيك الوقوع أي ما يعرف بالدفاع الوقائي، وذلك تأسيساً على ما يلي:
- لقد اشترطت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أن يكون الاعتداء مسلحاً وذلك يشمل الاعتداء المسلح المباشر والاعتداء المسلح غير المباشر وهذا فيه حسم قاطع للمشكلة، وما يقال أن القانون الدولي التقليدي كان يجيز استخدام القوة في حالة الدفاع الشرعي الوقائي مردود، حيث أنه قد أصبح غير جائز في ظل أحكام المادة الخاصة بالشروط المتعلقة بأحكام الدفاع الشرعي.
- إن السماح باستخدام القوة في حالة الدفاع الشرعي الوقائي من شأنه أن يفتح الباب أمام أعمال الانتقام والأعمال العدوانية تحت دعوى الدفاع الشرعي، ولعل ذلك فيه من المخاطر ما يؤثر على الاستقرار الدولي، أما ما يقال أن التطور الهائل في أسلحة الهجوم وبالذات فيما يتعلق بالأسلحة الذرية والنووية فإنه على الجانب الآخر يوجد أجهزة الإنذار المبكر وغيرها مما يجعل الدول المستهدفة قادرة على اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الهجوم إذا ما وقع.
- إن استخدام القوة في حالة الدفاع الشرعي يعد استثناءً على قاعدة حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، والاستثناء لا يجوز التوسع في تفسيره”([22]).
- إضافةً إلى أن الحق في الهجوم الاستباقي في مواجهة عدو محتمل قد استبعده الميثاق في الفقرة الرابعة من المادة الثانية، والتي تحظر الاستخدام الأحادي للقوة، إلاإذا تم بتفويض من مجلس الأمن([23]).
الاستباق:
الاستباق هو المبادرة بشن حرب حال توقع هجوم حال([24]). أو هو استراتيجية الهجوم أولاً قبل أن يشن الطرف الآخر هجوماً متوقعاً (تلقى فيه الطرف صاحب الهجمة الأولى تحذيراً بهجوم حال) ([25]). وعلى حين يرى البعض أن الاستباق رغم كونه غير مبرر في ظل القانون الدولي المعاصر، إلا أن ثمة متغيرات جديدة في التهديدات التي تواجهها الدول مثل أسلحة الدمار الشامل والإرهاب قد تبرر حدوث تغييرات في قواعد القانون الدولي المستقرة، إلا أن Mark Totten لا يرى التحديات المعاصرة تبرر الاستباق الذي هو بالنسبة إليه وإلى غالبية فقهاء القانون الدولي خرق لقواعد القانون الدولي([26]).
الحرب الوقائية: Preventive War
الحرب الوقائية كما يعرفها Jeffrey W. Knopf هي حرب تشن لمحاولة منع خطر متوقع حدوثه في المستقبل ([27]). تنطوي الحرب الوقائية على المبادرة بالأعمال العدوانية لإحباط إمكانية أن يشكل طرفاً معاديا تهديداً مستقبلياً. كما فعلت إسرائيل في هجومها عام 1981 على المفاعل النووي العراقي، وهي ذات الاستراتيجية التي تبنتها الولايات المتحدة رسمياً منذ 2002، فالحرب الوقائية هي جوهر مبدأ بوش وفقاً لـ Andrew J. Bacevich([28]). والتي وفقاً لـ Mike Moore لا تطبق فقط من أجل تغيير نظام للحكم كما حدث في العراق، بل يمكن أن تنطبق على أية دولة ترى الولايات المتحدة أنها تشكل تهديداً مستقبلياً([29]).
مبدأ بوش: Bush Doctrine
عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية عبر جورج دبليو بوش عن رؤيته بأن سياسة لجوء الولايات المتحدة للحرب كخيار أخير لا يحدث إلا رداً على هجوم واقع دفاعاً عن النفس هي سياسة بائدة بل وخطيرة، وأنه يجب على الولايات المتحدة في ظل التحديات الحالية المتمثلة في الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ألا تنتظر أن يهجم عليها أي عدو أولاً. وأن الولايات المتحدة يجب أن تكون في حرب دفاعية مستمرة ضد أعدائها الجدد الذين يشكلون تهديداً مستمراً لأمنها القومي. وقد كشف الرئيس بوش عن مبدئه الجديد في الخطاب الذي ألقاه في 1 يونيو 2002 في West Point. وقد أشار بوش في خطابه إلى أن الولايات المتحدة ستلجأ للاستباق توقياً للهجمات المتوقعة. إلا أن أغلب المحللين يرون أن مبدأ بوش يقع تحت مفهوم الحرب الوقائية لا الحرب الاستباقية. ولقد نبع اعتقاد بوش بفعالية الحرب الوقائية من ثقته في تفوق القوة العسكرية الأمريكية غير المسبوق وغير المنازع عالمياً([30]).
تقسيم الدراسة:
قسمت هذه الدراسة إلى فصل تمهيدي، وثلاثة فصول رئيسية وخاتمة …
يحمل الفصل التمهيدي عنوان مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية .. نشأته وتطوره، ويتتبع في ثلاثة مباحث التطور في حظر استخدام القوة في القانون الدولي في الحقب التاريخية المختلفة، والاستثناءات الواردة عليه، والآثار المترتبة على انتهاكه..
أما الفصول الثلاثة الرئيسية فيتناول الفصل الأول منها في مبحث تمهيدي ومبحثين رئيسيين حق الدفاع الشرعي .. ماهيته وشروطه، حيث يتحدث المبحث التمهيدي عن طبيعة الحق في الدفاع عن النفس بوصفه الاستثناء الأصيل على قاعدة حظر استخدام القوة والتهديد بها في العلاقات بين الدول وأهمية هذا الحق وأصوله التاريخية، ويحاول المبحث الأول تحديد ماهية وطبيعة حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي التقليدي العرفي والاتفاقي، بينما ركز المبحث الثاني على دراسة وضع حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي المعاصر.
ويبحث الفصل الثاني الدفاع الوقائي في القانون الدولي، وذلك من خلال خمسة مباحث، يتحدث أولها عن تعريفه ويبين آراء المدرستين الفقهيتين المؤيدة والرافضة للدفاع الوقائي، وحجج كل فريق، ثم يدرس رأي القضاء الدولي فيما يتعلق بالدفاع الوقائي، أما المبحث الثاني فيدرس كون الدفاع الوقائي مسموحاً به وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، أم أن اللجوء إليه يعد انتهاكاً لهذا الميثاق. وفي مبحث ثالث نرى ما إذا كان العرف الدولي يبيح اللجوء إلى الدفاع الوقائي سواءً قبل إقرار ميثاق الأمم المتحدة، أو إبان إقراره، وتطور العرف الدولي بهذا الصدد مع تطور الممارسة الدولية، ثم ندرس في المبحث الرابع مدى إمكانية تعديل العرف الدولي لقاعدة مكتوبة واردة بأسمى معاهدة دولية، ونبحث في المبحث الخامس في البدائل القانونية المتاحة للدفاع الوقائي لمواجهة التهديدات المتجددة في الوقت الحالي، ثم نختتم الفصل بالحديث عن الوضع القانوني المعاصر للدفاع الوقائي بالبناء على ما سبق.
أما الفصل الثالث فبعنوان عقيدة بوش .. وتقييم حربي أفغانستان 2001 والعراق 2003 من منظور القانون الدولي، ويتكون من خمسة مباحث نتناول في الأول منها الحروب الاستباقية في عقيدة بوش، ونلخص في الثاني وقائع غزو أفغانستان والعراق، بينما نفند في الثالث الحجج الأمريكية في كلا الحربين، ونحاول في الرابع تقديم التكييف القانوني للحربين، ثم نتعرض في الخامس لنتائج الحربين والمواقف الإقليمية والدولية منهما.
وفي خاتمة البحث نعرض لما انتهى إليه البحث من نتائج بشأن مدى مشروعية الدفاع الوقائي، إلى جانب محاولة لاستشراف مستقبل مبدأ الدفاع الوقائي في القانون الدولي، ومستقبل القانون الدولي
[1] – محمد شوقي عبد العال حافظ ، أزمة القانون الدولي المعاصر في أعقاب نهاية الحرب الباردة، سلسلة بحوث سياسية، العدد 149، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، يوليو 2005، ص 3.
[2] – صلاح الدين عامر، القانون الدولي في عالم مضطرب، السياسة الدولية، العدد 153، يوليو 2003، ص80.
[3] – محمد شوقي عبد العال، الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي: دراسة تاريخية تحليلية مع إشارة خاصة إلى أزمة لوكيربي، في: قضية لوكيربي ومستقبل النظام الدولي، مركز دراسات العالم الإسلامي، ط1، 1992.
[4] – محمد شوقي، أزمة القانون الدولي المعاصر في أعقاب نهاية الحرب الباردة.
[5]– صلاح الدين عامر، القانون الدولي في عالم مضطرب، السياسة الدولية، العدد 153، يوليو 2003.
[6] – Antony Clark Arend and Robert J. Beck, International Law and the Use of Force, Routledge, London, 1993.
[7] – Ian Brownlie, International Law and the Use of Force by States, Oxford University Press: Clarendon Press, New York, 1991.
[8] – Yoram Dinstein, War, Aggression and Self-Defense, Second Edition, Grotious Publications, Cambridge University Press, 1994.
[9] – David Rodin, War and Self-Defense, Oxford University Press, Clarendon Press, New York, 2002.
[10] – Anthony Clark Arend, International Law and the Preemptive Use of Military Force, The Washington Quarterly, Volume 26, Number 2, Spring 2003
[11] – Narelle Thomas, The Use of Force and Preemption: A Legitimate Practice Under the UN Charter?, Murdoch University Electronic Journal of Law, ISSN 1321-8247, Vol. II,No. 3, September 2004, available online at:
<http://www.murdochedu.au/elaw/issues/vIIn3/thomas113nf.html>
[12] – David M. Ackerman, International Law and the Preemptive Use of Force against Iraq, Congressional Research Service (CRS) Web, March 17, 2003, at:
<http://www.boozman.house.gov/UploadFiles/IRAQ-InternationalLawandthePreemptiveUseofForceAgainstIraq.pdf>
[13] – Ivo H. Daadler and James M. Lindsay, America Unbound: The Bush Revolution in Foreign Policy, Brookings Institution, Washington D.C., 2003.
[14] – Francois Heisbourg, A Work in Progress: The Bush Doctrine and Its Consequences, The Washington Quarterly, Volume 26, Number 2, Spring 2003.
[15] – ماهر عبد المنعم محمد أبو يونس، استخدام القوة في فرض الشرعية الدولية في ظل السوابق الدولية، رسالة دكتوراة، كلية الحقوق، جامعة القاهرة. ص 102.
[16] -Joshua E. Kastenberg, The Use of Conventional International Law in Combating Terrorism: A Maginot Line for Modern Civilization Employing the Principles of Anticipatory Self-Defense and Preemption, Air Force Law Review, 2004, Vol. 55, p. 106.
[17] – ماهر أبو يونس، استخدام القوة في فرض الشرعية الدولية في ظل السوابق الدولية، ص 113.
[18] – Nicole Deller and John Burroughs, Jus ad Bellum: Law Regulating Resort to Force, Human Rights: Journal of the Section of Individual Rights and Responsibilities, Winter 2003, Vol. 30, Issue.1, p.8.
[19] – ماهر أبو يونس، استخدام القوة في فرض الشرعية الدولية في ظل السوابق الدولية، ص 106-107.
[20] – Mikael F. Nabati, Anticipatory Self-Defense: The Terrorism Exception, Current History, May 2003, Vol. 102, Issue 664, p. 222.
[21] – Nicole Deller and John Burroughs, Jus ad Bellum: Law Regulating Resort to Force, op., cit., p. 8.
[22] – ماهر أبو يونس، استخدام القوة في فرض الشرعية الدولية في ظل السوابق الدولية، ص ص 107-108.
[23] – Nabati, Mikael F., Anticipatory Self-Defense: The Terrorism Exception, op., cit., p. 8.
[24] – Andrew J. Bacevich, Requiem for the Bush Doctrine, Current History, December 2005, p. 411.
[25] – Jeffrey W. Knopf, Deterrence or Preemption?, Current History, November 2006, p. 395.
[26] – Mark Totten, Using Fore First, Moral Tradition and the Case for Revision, Stanford Journal of International Law, Winter 2007, Vol. 43, Issue 1, p. 126.
[27] – Knopf, Jeffrey W., Deterrence or Preemption?, Op., Cit., p. 395.
[28] – Andrew J. Bacevich, Requiem for the Bush Doctrine, Current History, December 2005, p. 411.
[29] – Mike Moore, Truman got it Right, Bulletin of the Atomic Scientists, Jan/Feb 2003, Vol. 59, Isue. 1, p. 21.
[30] – Bacevich, Andrew J., Requiem for the Bush Doctrine, Op., Cit., p. 411.
الفصل التمهيدي:
مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية .. نشأته وتطوره
يعد مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية من أكثر المبادئ التي تأثرت ولا تزال بطبيعة النظام الدولي وميزان القوى السائد فيه. ولقد تطور هذا المبدأ حثيثاً في القانون الدولي وأرسيت دعائمه رويداً رويداً على مدى التاريخ. فبعد أن كان استخدام القوة هو أساس العلاقات الدولية، وحاولت الأديان وضع حد له، بدأ المجتمع الدولي بوضع قيود عليه في القانون الدولي التقليدي، وصولاً إلى التحريم شبه المطلق له في ميثاق الأمم المتحدة مع استثناءات محدودة عليه يتمثل أهمها في حق الدفاع الشرعي.
ومن خلال ثلاثة مباحث في هذا الفصل بعد مقدمة حول العلاقة بين استخدام القوة في العلاقات الدولية وطبيعة القانون الدولي، يمكننا تتبع التطور الحاصل في قانون استخدام القوة عبر العصور حيث يتحدث المبحث الأول عن النظرة التقليدية لقانون الحرب في الديانات وخاصةً المسيحية والإسلام، مروراً بآراء فقهاء القانون الطبيعي، ويدرس المبحث الثاني الحرب في القانون الدولي التقليدي قبل إقرار ميثاق الأمم المتحدة، حيث كانت مشروعة بل كانت تمثل الأداة الأساسية للسياسة الخارجية للدول، ولم يقيدها سوى موازين القوى، ثم محاولات تقييدها منذ منتصف القرن التاسع عشر في اتفاقيات متفرقة كللها عهد عصبة الأمم، حتى إذا ثبت عواره بقيام الحرب العالمية الثانية، قامت الأمم المتحدة بالنص في ميثاقها على تحريم اللجوء للقوة المسلحة أو حتى التهديد بها في العلاقات بين الدول في تطور غير مسبوق في القانون الدولي، إلى أن نادت أصوات حالياً بعجز الميثاق، بما وضعه من قيود شديدة عن التعامل مع التحديات المعاصرة من تطور في أسلحة الدمار الشامل، وتنامٍ في الأعمال الإرهابية، بل لقد قال البعض بوفاة الميثاق، ونشأة قانون دولي جديد، فهل مضى زمن الميثاق حقاً ولم يعد يتمتع بالإلزام؟ وهذا ما نتناوله في المبحث الثالث.
مقدمة: استخدام القوة في العلاقات الدولية وطبيعة القانون الدولي:
لقد شكل استخدام القوة سمة أساسية للتاريخ الإنساني منذ بدء الخليقة. فقد لجأ البشر قديماً إلى وسائل عنيفة لحثّ أقرانهم على اتباع سلوك معين أو للحصول على شيء يملكه الآخرون. وحين بدأ العالم في الانتظام في جماعات سياسية، أصبح اللجوء إلى القوة وسيلة متكررة للتفاعل بين هذه الجماعات، وقهر إرادة الجماعات المعادية. ومع نشوء الدولة الحديثة في القرن السابع عشر، زادت النزاعات المسلحة بمختلف أنواعها، ومع التطور المتسارع للتكنولوجيا، زادت الإمكانية التدميرية للحروب بمتوالية هندسية عبر القرون، فكان لابد من أن تعلو بعض الأصوات داعية إلى نبذ الحروب لتخليص العالم من الدمار الناتج عنها أينما وقعت.
وبذا تكون ساحات القتال العالمية قد شكلت – بشكل ما – مهد القانون الدولي منذ بداية تاريخ الاجتماع الإنساني. وبتعبير آخر، فإن القانون الدولي يجد مصدره أو أصله في الحروب. ولقد آمن الفيلسوف الإغريقي القديم (أفلاطون) أن الحرب ظرف طبيعي في العلاقات بين الأمم، بينما السلام حالة تدهور (degenerate state)([1]). ومن الجدير بالملاحظة أنه، وكما أشار Grotious فإن اللفظ اللاتيني للحرب Bellum مشتق من اللفظ الأقدم Dellum. ولقرون ظل القانون الدولي يتعامل مع الحرب بذات الطريقة التي كان القانون الداخلي يتعامل بها مع المبارزة Duel؛ أي يتسامح معها. وحديثاً وكما حظر القانون الداخلي هذه الأخيرة، حظر القانون الدولي الحرب ([2]).
وتتعدد أسباب اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية فيتم غالباً اللجوء إليها حمايةً لوجود الدولة ضد الأخطار الخارجية التي تتهددها، كما قد تتخذها الدولة وسيلة لفرض وجهة نظرها على غيرها من الدول، واستخدمت القوة أيضاً لتغيير أوضاع غير مقبولة أو لفرض احترام حق يُخشى تجاهله أو عدم الاعتراف به، كما تتخذ القوة أيضاً وسيلة لتسوية المنازعات الدولية، وتعددت بالمثل مبررات استخدام القوة والتي يأتي على رأسها اعتبار القوة مظهراً أساسياً من مظاهر السيادة الكاملة للدولة لفترة تاريخية طويلة ([3]).
هذا الحدوث المتزايد نسبياً لاستخدام القوة في العلاقات الدولية يبدو وكأنه راجع، ولوجزئياً، إلى طبيعة النظام الدولي ذاته فعلى عكس النظام الداخلي، حيث تتركز السلطة مع احتكار للقوة لردع ومعاقبة المخطئين، تتسم الجماعة الدولية بلامركزية قصوى. ففي الوقت الحاضر، هناك مايزيد على مائة وتسعين دولة في العالم مع عدم وجود سلطة دولية ذات احتكار فعال للقوة لتمنع استخدام القوة وتعاقب المخالفين إذا دعت الضرورة لذلك ([4]).
فالقانون الدولي ذو طبيعة أيديولوجية، أي أن مبادئ القانون الدولي وقواعده لا تكون بالضرورة معبرة عن الحق والعدل بل عن توازنات القوى والمصالح وعن أفكار وأيديولوجيات الجماعة المسيطرة في كل عصر. وتظهر الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي في جميع مراحل نشأته وتطوره ([5]).
ومن أهم القضايا التي تبرز فيها السمة الأيديولوجية للقانون الدولي قضية مدى مشروعية اللجوء إلى القوة المسلحة في العلاقات الدولية. فمنذ منتصف القرن السابع عشر حتى عشرينات القرن العشرين، كان القانون الدولي يعترف للدول بحق الغزو والاستيلاء. ففي الوقت الذي كانت فيه الدول الأوروبية تنشئ قانوناً للعلاقات فيما بينها يقوم على مبدأ المساواة في السيادة، كانت تنشئ باليد الأخرى قانوناً قوامه العلاقة الاستعمارية بينها وبين الدول الأخرى، كما يبدو في مؤتمر برلين 1884-1885 والذي عقدته الدول الأوروبية لتقسيم أقاليم القارة الإفريقية فيما بينها([6]).
ويدعم هذه الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي، لامركزية المجتمع الدولي، ففي القانون الدولي “يكون الخاضعون للقانون أنفسهم هم الذين يشرعون القانون، وهم الذين يمثلون السلطة العليا لتفسيره، وتبيان المعنى المحدد لما يسنونه من تشريعات، ومن الطبيعي أن يفسر هؤلاء القانون الدولي، وأن يطبقوا نصوصه على ضوء مفاهيمهم الخاصة والمتباينة للمصلحة القومية”، على حد تعبييرهانز مورجنتاو([7]).
ونلاحظ هنا أن الحروب التاريخية الكبرى ينتج عنها توزيع عالمي جديد للقوى، وجماعة مسيطرة جديدة. فمعاهدة صلح وستفاليا 1648، والتي بها انتهت حرب الثلاثين عاماً في أوروبا، كانت ترمي إلى إقامة توازن في أوروبا لمصلحة فرنسا. كما كانت اتفاقية فيينا 1815، والتي تلت الحروب النابليونية، فقد كان هدفها استعادة الاستقرار في القارة الأوروبية على أساس الشرعية التقليدية، ثم أتت معاهدة فرساي 1919 عقب الحرب العالمية الأولى لتأسيس نظام عالمي جديد فأسست عصبة الأمم. ثم قامت الحرب العالمية الثانية 1939-1945 بسبب سيطرة الدول الكبرى على العصبة، فوقعت اتفاقية إنشاء الأمم المتحدة في ظل نظام جديد تربع على عرشه قطبين أساسيين هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، ثم إثر انهيار الاتحاد السوفيتي نشأ نظام دولي جديد أحادي القطبية تتزعمه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هذا التطور الواقعي لم يصحبه استبدال لمنظمة الأمم المتحدة بأخرى تمثل النظام الجديد فظلت كما هي. وقد دعمت الولايات المتحدة مكانها على رأس النظام الدولي بعدة حروب لعل أولاها كانت حرب الخليج الثانية 1991، ثم الحرب على أفغانستان 2001، وأخيراً الحرب على العراق 2003([8]).
إضافة إلى ذلك فإن “الجماعة المسيطرة دولةً كانت أو مجموعة من الدول الناشئة في أعقاب مثل هذه الحروب الكبرى كانت ترفع دائماً شعاراً أو مجموعة من الشعارات الدولية التي تزعم أنها إنما تتبناها وتدافع عنها حماية لأمن العالم ومصالحه. فمن توازن القوى في أوروبا في أعقاب صلح وستفاليا 1648 وأوترخت 1713، إلى الشرعية التقليدية في أعقاب فيينا 1815، ثم إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، وحماية حقوق الإنسان في تقرير المصير في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مروراً بالشرعية الدولية أثناء وبعد حرب الخليج 91، وحتى الوصول إلى محاربة الإرهاب، والتلويح بملاحقته في كل بقعة في العالم”([9]). وهذه الشرعية الدولية تطبق على حالات معينة ويتم تجاهلها في حالات أخرى كما هو واضح لكونها تشكل مفهوماً غامضاً ليس له معنى محدد سوى ما يراه واضعوه.
وإذا كان القانون الدولي – كما ذكرنا – قانوناً لامركزياً أيديولوجي الطابع، مما يجعل من الممكن اعتباره قانوناً هشاً ضعيفاً، فإن قانون النزاعات المسلحة – كفرع من فروع القانون الدولي – يتسم بقدر أكبر من الإبهام والضعف. ففي العلاقات الدولية مثلاً، حينما يحدث ما يصطدم بشدة مع السلوك الواجب الاتباع وفقاً للقانون الدولي (كعدوان دولة على أخرى) فلن يكون هناك من حل سوى اللجوء إلى الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي، حيث لا يمكن استعادة الوضع القانوني السابق على العدوان بواسطة “القوات المسلحة الدولية” مثلاً([10]).
فقانون النزاعات المسلحة يتميز بهيكل فريد يختلف عنه في قواعد القانون الدولي الأخرى في اشتماله على: افتراض توافر شروط معينة لتنطبق قواعده، وإجراءات أو متطلبات أساسية في السلوك المتبع وفقاً له، وعدم تضمنه عقوبة منصوص عليها عند انتهاك قواعده، بل ترك ذلك للقانون الدولي الجنائي والعدالة الجنائية الدولية([11]).
المبحث الأول:
النظرة التقليدية لقانون الحرب
على مدى معاناة البشر على أيدي بعضهم البعض من ويلات الحروب، كانت هناك جهود لوضع قيود على اللجوء إلى القوة. وأقدم أثر لهذه الجهود يمكن أن نجده في كتب الديانات القديمة، مروراً بكتابات الفقهاء، والقانون الدولي العرفي، والمعاهدات الدولية على مر التاريخ([12]).
لقد نشأ القانون الدولي مع بداية الحروب العالمية كما ذكرنا، ويمكن أن نجد آثاراً لقواعد سلوك متعلقة بالحرب في جميع الحضارات القديمة تقريباً. ففي عهد شانكيو Chunqiu في الصين القديمة في عام 546 م نظم اللوردات الإقطاعيون في ولايات عديدة المؤتمر الأول في التاريخ للقضاء على الحربmibing ونزع السلاح qvbing([13]).
وخلال فترة الولايات المتحاربة، وجدت قواعد بين الولايات السبع الإقطاعية جميعها (المعروفة أيضاً بالقوى السبع) بالنسبة إلى إعلان الحرب، وإقرار السلام، والمعاملة الجيدة لأسرى الحرب، وأيضاً قواعد خاصة بسير الحروب. وبرغم أن هذه القواعد كانت منطبقة على كل الولايات المتحاربة، فإنها لم تكن جميعاً موضعاً للتنفيذ الدقيق. غير أنه، يجب تذكر أن هذه القواعد والترتيبات كانت شديدة البدائية.
وفضلاً عن ذلك، فإن الولايات الإقطاعية في ذلك الوقت لم تكن دولاً بالمعنى العام لأنها لم تكن تمثل جماعة دولية حقيقية. عندما نأخذ في الاعتبار الوضع الخاص للصين القديمة، فإننا نتساءل عما إذا كانت القواعد الماثلة تعتبر “قانوناً دولياً”، ولكنها بالتأكيد يمكن النظر إليها على أنها سوابق تاريخية للقانون القديم للحرب. كما أن الأمر لم يقتصر على الصين القديمة، فقد شهدت مناطق أخرى من العالم قوانين للحرب، فعلى سبيل المثال توجد سجلات موثقة لقواعد خوض الحروب في مصر وبابل والهند واليونان القديمة وروما([14]).
ولقد أسهمت الأديان السماوية – رغم مواقفها المختلفة من الحرب – في نمو وتطور قانون الحرب، حتى أن الفقه الإسلامي قد شيد نظرية متكاملة في قانون الحرب، ويعتبر “الفقيه الإسلامي محمد بن الحسن الشيباني المؤسس الأول لقانون الحرب”([15]).
الخلفية التاريخية لقانون الحرب:
وبرغم معرفة بعض الجماعات القديمة لشيءٍ من القواعد الحاكمة لسير العمليات الحربية، وخاصةً تلك المتعلقة باعتبارات إنسانية. إلا أن هذه القواعد في نظر كثير من الفقهاء لا تعدو كونها تعاليم مثالية لم تجد طريقها للتطبيق العملي؛ مثل: القواعد التي احتوتها “مجموعة مانو في الهند القديمة والتي تحرم على المقاتل أن يقتل عدوه إذا استسلم أو وقع في الأسر، وكذلك من كان نائماً أو فقد سلاحه، أو غير المقاتلين من المسالمين”([16]).
لوكان لنا أن نقول أن مشروعية الحرب مسألة قد تم تناولها في العصور القديمة، من نفس المنطلق الذي من خلاله تم تناول الإجراءات التي كانت الحرب تشن وفقاً لها في العصور الوسطى، فإن اهتماماً كبيراً قد أبدي بشأن تبيان عدالة الحرب. لقد سببت النظم الإقطاعية والانفصالية حروباً كبرى هددت الجهود العظيمة النامية للحد من التوسع في الحروب، أو حتى القضاء على الحرب كليةً. فلقد تطورت تدريجياً قاعدة أن الحرب يجب ألا يعلنها ويباشرها سوى العاهل الشرعي للدولة (بوصفه الشخص الوحيد المخول لذلك)، كما أنه يجب أن يكون للحرب أسباب مشروعة ومبررة، كاستعادة ملكية شرعية، أو حماية أرض الوطن. ولقد نودي بأن يكون إعلان الحرب ضرورياً ومعترفاً به([17]).
وإذا كان ظهور الأديان السماوية قد شكل بلا شك عاملاً حاسماً في التركيز على العوامل الإنسانية التي أدت إلى تطور هذه القواعد الأولية فإنه من الملاحظ أنها لم تتخذ من الحرب موقفاً واحداً، “فبينما انطلقت النظرة المسيحية والإسلامية للحرب من منطلق إنساني، تميز موقف (كتب) الدين اليهودي بالعنف والقسوة، فلم يحظر الحرب ولم يضع القيود على ممارستها”([18]).
أولاً: المسيحية ونظرية الحرب العادلة (330 ق م – 1650 م):
تضمنت الكتب المقدسة للديانات القديمة ما يمكن عدُّه إطاراً معيارياً للجوء إلى القوة يعتمد بالأساس على نظرية الحرب المقدسة، حيث لا يمكن اعتبار اللجوء إلى القوة أخلاقياً إلا إذا كان فرضاً إلهياً. ووفقاً لكتب اليهود فإن الحرب المقدسة هي الحرب التي يقوم بها الرب نفسه. ثم استبدل مفهوم الحرب المقدسة بالحرب العادلة، حيث يعتبر اللجوء إلى القوة مقبولاً إذا ما توفر له سبب عادل يبرره([19]).
ترتكز المسيحية على فكرة السلام والمحبة، والنهي عن القتل من تعاليمها الأساسية، وتجمع الأناجيل الأربعة على أن من قتل بالسيف، بالسيف يقتل. وقد امتنع المسيحيون عن الالتحاق بالجيش الروماني، أو الاشتراك في حروب الامبراطورية الرومانية، ودام ذلك لقرابة أربعة قرون. وبدءً من القرن الرابع الميلادي، بدأ رجال الدين المسيحي، في التراجع عن هذا الموقف، ومحاولة التوفيق بين مبدأ المسالمة من ناحية وفكرة السيطرة العسكرية من ناحية أخرى([20]).
والحرب العادلة، نظرية ترجع بجذورها إلى عمل القديس أوجستين في القرن الرابع الميلادي بعنوان “مدينة الرب” (The City of God). والذي يتناول فيه التعاليم المسيحية ضد العنف، ويصل إلى أنه لا يمكن قبول حروب التوسع والعدوان بحال، غير أن هناك حالات يتحتم فيها اللجوء إلى الحرب من أجل سبب عادل هو حماية الأبرياء. أما بشأن الدفاع عن النفس، فيرى أوجستين أنه “من الأفضل للفرد المسيحي أن يعاني الألم بدلاً من أن يسببه للآخرين” ([21]). وقد قصد أوجستين بنظريته توفير راحة الضمير للجنود المسيحيين وأطماع قادتهم التوسعية، وذلك عن طريق التوفيق بين تعاليم الكنيسة، و”الضرورات” السياسية والعسكرية لأتباعها ([22]). وكان يجب أن تتوافر للحرب العادلة أربعة شروط: 1- أن تعلن باسم العدالة – يجب أن تعلن الحرب من قبل السلطة الشرعية العامة، وبذا تكون الحروب الخاصة في العصور الوسطى مستنكرة (مستهجنة). 2- السبب العادل – أو السبب الذي تستند إليه الحرب العادلة، وهو يبرر أيضاً الأضرار التي تسببها الحرب. 3- الضرورة – حيث لا تكون هناك أي وسائل أخرى لتحقيق العدالة. و4- السلوك اللائق – أي أن الحرب يجب أن يتم فيها الالتزام السلوك الملائم حتى تتم استعادة النظام والسلام([23]).
وقد أقام أوجستين نظريته عن الحرب العادلة على أسس مؤداها:
- ” أن الحرب عمل من أعمال القضاء العادل المنتقم، فهي تقوم لإنزال العقاب، ومن ثم فليس هناك ظلم يقع من جانب من يقوم بالحرب العادلة.
- أن الحرب هي لصالح المنهزمين، لأنها ترجع بهم إلى حال السعادة في السلام.
- أن الحروب إنما تقع من أجل ضمان السلام.”([24]).
وقد وضع أوجستين عدة شروط للحرب العادلة – في نظره-، وهي الشروط التي ظلت قائمة في أوروبا لفترة طويلة، وتتمثل فى:
- ضرورة التمييز بين نوعين من الحروب: الحروب العادلة والحروب الظالمة.
- تعتبر الحرب عادلة إذا كانت الغاية منها الانتقام من الظلم.
- يجب ألا تعلن الحرب إلا إذا اقتضتها الضرورة.
- ومن ثم تعتبر عادلة: الحروب الدفاعية، والحروب التي أمر بها الله، والحروب التي يكون الغرض منها حماية الحلفاء.
- بينما تعتبر الحروب التالية غير عادلة: “حروب المغانم، والحروب التي تشبع شهوة السيطرة، والحروب التي تهدف إلى الرغبة في الإبقاء على الروح العسكرية، والحروب التي تشبع الرغبة في الحصول على المجد العسكري”([25]).
فبمقتضى نظرية أوجستين تكون الحرب التي يشنها حاكم شرعي حرب أرادها الله، مما يفقد أعمال العنف المقترفة في سبيلها صفة الخطيئة، فالخصم في هذه الحالة يعتبر عدواً لله. ويرى د. صلاح الدين عامر أن “أخطر نتيجة لهذا المفهوم هي أن “الأبرار” كانوا يستطيعون تحليل كل شيء لأنفسهم ضد “الأشرار”، ولم تكن أفعالهم جرائم بل عقوبة واجبة يجري توقيعها على مذنبين، بيد أنه من الواضح، أن كل فريق يدعي بأن قضيته هي وحدها قضية عادلة، فكانت المذابح تجري بلا حساب تحت ستار من الحق مشوب بالرياء، والحروب الصليبية، تلك الحروب العادلة بأجلى معنى العدالة إن هي إلا أسوأ أمثلة على ذلك”([26]).
وقد حذا توماس الأكويني حذو أوجستين في تبني نظرية الحرب العادلة، وحدد لها هو الآخر ثلاثة شروط هي:
1- “أن يتم مباشرتها عن طريق السلطة المختصة (الأمير أو الملك)، لأن الرب لم يمنح سوى الأمير أو الملك حق رد الاعتداء بالقوة.
2- أن يتوفر في الحرب السبب العادل، بمعنى أن يقع خطأ من جانب الطرف الآخر يبرر توجيه الهجوم ضده.
3- توافر حسن النية، بمعنى أن القصد من الحرب يجب ألا يكون سوى دفع الظلم أو جلب الخير”([27]).
ولكن نظراً لغموض مفهوم الحرب العادلة ونقيضتها، ومن ثم صعوبة التمييز بين الحرب العادلة المشروعة والحرب غير المشروعة، لم تجد هذه الأفكار تطبيقاً على أرض الواقع. ومع ذلك فقد تبنى الفقهاء فيتوريا Vitoria (1485-1546م) وسوريزFrancesco Saurez (1548-1617م) ذات الأفكار في بداية العصور الحديثة([28]).
ثانياً: موقف الإسلام من حظر الحرب:
1- المقصود بالحرب وفقاً للمفهوم الإسلامي وما يشتبك بها من مصطلحات:
إن ألفاظ الجهاد والحرب والغزو في الشريعة الإسلامية لها مدلول واحد هو القتال مع العدو. غير أن لفظ الجهاد قد غلب استعماله في كتابات الفقهاء المسلمين وشروحهم([29]).
ويقول صاحب “مجمع الأنهر فى شرح ملتقى الأبحر” “الجهاد فى اللغة بذل ما فى الوسع من القول والفعل، وفى الشريعة قتل الكفار ونحوه”([30]).
و”الجهاد كما عرفه الراغب الأصفهاني في مفرداته، هو استفراغ الوسع في مدافعة العدو. وهو ما يعني استفراغ الطاقة في مدافعة الأعداء وقتالهم، وهي كلمة إسلامية تستعمل بمعنى الحرب عند بقية الأمم”([31]).
2- ضوابط مشروعية الحرب في الإسلام:
“تميّز القانون الدولي الإسلامي “علم السِّير” بأنه جزء من الفقه، يقوم بالوحي، وترتبط أحكامه بالعقيدة والأخلاق فيكون ذلك أساساً للالتزام والإلزام”([32]). بل يمكننا القول أن الإمام الشيباني هو بحق أبو القانون الدولي([33]).
وقد شرعت الحرب في الإسلام لتحقيق أهداف إعلاء كلمة الله، ورد الاعتداء ونصرة المظلوم وغيرها، إلا أن هذه المشروعية ليست مطلقة بل قيدت بقيود عديدة. وتحكم سير الحروب في الإسلام العديد من القواعد.
وفي الحديث الشريف عن أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “والذى نفسى بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عنى ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو فى سبيل الله، والذى نفسى بيده لوددت أنى أقتل فى سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل”([34]).
وعن عبد الله بن أبى أوفى رضى الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف”([35]).
وهذه النصوص الإسلامية العظيمة قد حاول بعض من قدامى فقهاء الشريعة الإسلامية انتزاعها من سياقها، وترتيب ورودها الزمني. والقول بأن الحرب وسيلة شرعية وأساسية لتحقيق هدف سيادة الإسلام على كافة البلاد وجميع الديانات ليشمل الأرض كلها فلا يتبقى أثر لدار للحرب([36]).
ولكن جمهور الفقهاء، كما يقول د. صلاح عامر مُجمِعٌ “على أن الجهاد مشروع لحماية الدعوة الإسلامية، ودفع العدوان عن المسلمين، فمن لم يجب الدعوة ولم يبدأ المسلمين باعتداء لا يحل قتاله، ولا تبديل أمنه خوفاً. ومن ثم فإن أساس علاقات الدولة الإسلامية بغيرها يقوم أصلاً على السلم، ولا يبيح قتال مخالفيهم لمخالفتهم في الدين، وإنما يأذن في قتالهم، ويوجبه إذا اعتدوا على المسلمين، ووقفوا عقبة للحيلولة دون بث ونشر العقيدة الإسلامية، فحينئذ يجب القتال دفعاً للعدوان وحمايةً للدعوة”([37]).
“وقد أدرك عدد من الفقهاء المعاصرين الخطأ الذى وقع فيه الأسلاف بتأثير عصرهم وأثبت بعضهم كالشيخ محمد أبو زهرة. والشيخ عبد الوهاب خلاف. أن الإسلام يؤثر السلم على الحرب، ولا يرى فى القتال وسيلة لنشر الإسلام. وإنما كان القتال دفاعاً عن النفس وحماية العقيدة”([38]). ويشكل هذا تطور النظرة الإسلامية للحرب.
ومن ثم فالقتال في الإسلام يكون إما:
3- القواعد الحاكمة للحرب في الإسلام:
1- “أصل العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين (دار الإسلام ودار الحرب) ليست هي –على التحقيق- السَّلم ولا الحرب، وإنما هي الدعوة”([42]).
2- “القتال ليس للإكراه في الدين”، بدليل الآية حيث ﭧ ﭨ ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﭼ البقرة: ٢٥٦
3- “ومع أن القتال شرع لدفع الاعتداء لم يأمر القرآن بالحرب عند أول بادرة من الاعتداء أو عند الاعتداء بالفعل، إذا أمكن دفع الاعتداء بغير القتال، ﭧ ﭨ ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ النحل: ١٢٦([43]).
4- يحكم القتال في الإسلام مبدأ الضرورة بضوابطها واستثناءاتها ([44]).
5- حرص الإسلام كل الحرص على حماية النفس الإنسانية، أو الحق في الحياة، فقد ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ المائدة: ٣٢، كما ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ الفرقان: ٦٨([45])، ولم يُشترَط الإسلام في حماية هذه النفس أن التعبير القرآني جاء بلفظ نفس، بإطلاقاتها سواء كانت نفس مؤمنة أو غير مؤمنة.
6- كما نهى الإسلام عن قتال غير المعتدين، وعن المساس بالذين لم يخرجوا المسلمين من ديارهم؛ بل إن القرآن بحكم نصوصه جعل الذين لا يقاتلون المؤمنين في موضع البر إن وجدت أسبابه، وأن الذين يقاتلون هم الذين يعتدون فقد ﭧ ﭨ ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ الممتحنة: ٨ – ٩ ([46]).
7- كما اشترط الإسلام مبدأ إعلان الحرب قبل البدء في القتال، فلا يجوز البدء بالقتال قبل الدعوة إلى الإسلام أو الإنذار وإعلان الحرب، وذلك إذا لم يستجب الأعداء لدعوة الإسلام أو دعوة السلام، فقد قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب و معاذ بن جبل في حديثين قبل غزوتين مختلفتين (لا تقاتلوهم حتى تدعوهم للإيمان، فإن أبوا فلا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم ويقتلوا منكم قتيلاً، ثم أروهم هذا القتيل وقولوا لهم هل لكم خيرًا من ذلك بأن تقولوا لا إله إلا الله… فلأن يهدي الله على يديك رجلاً واحدًا خيرًا لك مما طلعت عليه الشمس وغربت) ([47]).
وقد تأثر الإمام على بن أبى طالب – كرم الله وجهه – بهذه الدعوة، فلم يحارب الخوارج الذين هددوه بالقتل، بل وحتى لم يمنعهم الفىء أو يحرم عليهم دخول المساجد، ولم يبدأ فى حربهم إلا بعد قتلهم بريئاً.. وأرسل إليهم بطلب قاتله فقالوا “كلنا قتله” فحينئذٍ سار إليهم ولكن قبل أن يبدأ في قتالهم وعظهم فتفرق كثير منهم، ولم يبق إلا القليل الذين أصروا على القتال. وهؤلاء هم الذين قتلوا فى حروراء([48]).
8- كما وضع الإسلام العديد من مبادئ القانون الدولي الإنساني فقد سبق ديننا الحنيف إلى التمييز بين المقاتلين وغيرهم من المدنيين غير المقاتلين. ففي وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لقادة الجيوش الإسلامية في جميع الغزوات قال قال: (اغزوا باسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا…) ([49])، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن المثلة أي التمثيل بالجثث كما فى حديث إسماعيل بن راشد – فى مقتل الإمام عَلِيٍّ رضى الله عنه – (…لمَّا أُدْخِلَ ابن مُلْجَمٍ على عَلِيٍّ رضى الله عنه قَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا : إِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي، وَإِنْ هَلَكْتُ مِنْ ضَرْبَتِي هَذِهِ فَاضْرِبْهُ ضَرْبَةً ، وَلا تُمَثِّلْ بِهِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ…) ([50]) ، وعن الأسود بن سربع قال : ( خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزاة فظفرنا بالمشركين فأسرع الناس في القتل حتى قتلوا الذرية فبلغ ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى قتلوا الذرية ؟ ! ألا لا تقتلوا ذرية ثلاثا ) ([51]) وأقر الإسلام أيضاً حقوقاُ للأسرى يمكن تلخيصها فيما يلى:
1- حسن المعاملة حتى يُبت في أمرهم.
2- المن “إطلاق سراحهم” والفداء “الفدية” لمن يرجى منهم الخير.
3- القتل لمجرمي الحرب([52]).
المبحث الثاني:
الحرب في القانون الدولي التقليدي
منذ منتصف القرن السابع عشر، ومع بداية عصر القانون الدولي التقليدي، بدأت نظرية الحرب العادلة في التراجع لمصلحة نظرية الحرب التقليدية التي تمنح الدولة حقاً مطلقاً في شن الحروب دونما تقيد بعدالة السبب أو الدافع. فأي حرب تعد مشروعة طالما أعلنها وقادها العاهل الشرعي([53]).
أي أن الحرب كانت وسيلة مشروعة لتحقيق الأهداف القومية للدول، ولكن كانت مشروعيتها القانونية موضعاً للجدل، حيث قال رأي في الفقه الدولي بأن الحرب في تلك المرحلة كانت قضية سياسية أخلاقية، على حين ذهب رأي آخر إلى القول بأنها كانت مسألة فوق القانون، واكتفى رأي ثالث بالإشارة إلى أن القانون الدولي لم يحظر حق الحرب في تلك المرحلة([54]).
أولاً: مشروعية الحرب في القانون الدولي التقليدي:
فالقانون الدولي التقليدي كان يسمح للدول باستخدام القوة واللجوء إلى الحرب لحسم المنازعات فيما بينها، والحصول على حقوقها، ورفع الأضرار عنها دون تقصٍّ لمدى شرعيتها إذا ما اختارها أطراف النزاع، كل ما هنالك أنه كان يعترف بقيام علاقة حرب بين هذه الأطراف، ثم يعنى بتنظيم آثار هذه العلاقة. وكان الحق في استخدام القوة أحد أهم المظاهر الأساسية للسيادة المطلقة المسلم بها للدولة إبان ذلك العهد([55]).
ولعل هذا التنظيم القانوني الدولي للحرب كما يقول د صلاح عامر كان بدايةً للمحاولات التي ظهرت بعد ذلك، والتي نادت بالقضاء على الحرب، فقد كان للمعالجة القانونية التقليدية للحرب نقطة بداية واضحة، مؤداها أن للدولة في شن الحرب حق مطلق مترتب على مبدأ سيادة الدولة والمساواة الكاملة بين الدول أعضاء الجماعة الدولية. حيث جرى النظر إلى الحرب بوصفها مؤدية لوظيفة حيوية في العلاقات الدولية بوصفها صيغة قانونية ملائمة لفض النزاعات التي تنشأ بين الدول، وهي في ذات الوقت حق من حقوق الدولة مطلق ولصيق بمبدأ السيادة([56])أأىتيؤ.
فحتى بداية القرن العشرين اتسم تطور قانون اللجوء إلى القوة jus ad bellum بالبطء نوعاً ما. ولكن مع الدمار الذي صحب الحرب العالمية الأولى، ضاعفت الدول من جهودها لفرض قيود قانونية على اللجوء للقوة المسلحة. ومن أجل هذا سعت عصبة الأمم وخليفتها الأمم المتحدة لبناء نظم قانونية شاملة في محاولة للحد من الحروب ثم القضاء عليها كليةً([57]). إلا أن بعض محاولات الحد من استخدام القوة قد سبقت نشاة عصبة الأمم، وسنتعرض لها بإيجاز فيما يلي.
ثانياً: نظرية الحرب في القانون العام الأوروبي في العصور الحديثة:
اتجهت أنظار الدول مع بدايات القرن التاسع عشر إلى استنكار الحروب والسعي نحو تجنبها، فكانت ثمة محاولات في البداية لتنظيمها والحد من أسبابها، بل وإدانتها وإعلان عدم مشروعيتها بصرف النظرعن عدالة الدافع إليها.
وقد شكلت هذه الآراء دافعاً للدول إلى إبرام معاهدات تقيّد من استخدام القوة كوسيلة لحسم المنازعات، وبدأ ذلك بإبرام اتفاقيات ثنائية بين الدول الأوروبية، خاصة منذ التعاهد الجرماني الذي وقع عام 1815، والذي تضمن تعهداً من الأطراف بعدم الدخول في حرب فيما بينهم، قبل عرض النزاع على مجلس التعاهد.
وبعد منتصف القرن التاسع عشر نشأت حركة دولية تسعى إلى تأسيس نظام لحل المنازعات الدولية([58]).
مؤتمر بروكسل 1874:
عمل أطراف مؤتمر بروكسل سنة 1874 على إرساء القواعد القانونية التي تحكم وتنظم سير القتال دون تناول مشروعية الحرب، والتي ظلت يُنظَر إليها على أساس أنها عمل مشروع، بل وحق متفرع على مبدأ سيادة الدولة المطلقة. فحيث لا توجد سلطة تعلو فوق سلطة الدول فإن الدولة المشتركة في الحرب لها القصاص من الدولة المعتدية ورد الحقوق المغتصبة إلى أصحابها، فليس ثمة بد من التسليم للدول بالحق في أن تدفع الاعتداءات التي قد تقع عليها، وأن تسترد حقوقها بالقوة بل وأن تلجأ إلى الحرب إذا بدا ذلك ضرورياً ولازمًا.
وتلى هذا المؤتمر عدة مؤتمرات إقليمية، كمؤتمر برلين في 26 فبراير 1885، ومؤتمر واشنطن في 2 أكتوبر 1889. ومهدت هذه المؤتمرات الطريق لانعقاد أول مؤتمر دولي للسلام، وهو مؤتمر لاهاي للسلام عام 1899، الذي نتج عنه توقيع عدد من الاتفاقيات دولية حول حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، كالوساطة والتحكيم ولجان التحقيق الدولية، كما تضمنت إنشاء محكمة التحكيم الدولية.
وبعد بضع سنوات تم عقد مؤتمر لاهاي الثاني للسلام عام 1907، والذي يعتبر خطوة هامة نحو تقييد الحرب، حيث قرر ضرورة الالتجاء أولاً إلى إحدى الوسائل السلمية قبل شن الحرب، كما تضمن تصريحاً ألحق بنصوص الاتفاقية بضرورة اللجوء إلى التحكيم الإجباري فيما يتعلق ببعض أنواع المنازعات، وخاصة المنازعات المتصلة بتفسيرالمعاهدات، وأيضاً تكملة لبعض الاتفاقيات المنظمة للحرب، إضافةً إلى إقراره لمبدأ حظر استخدام القوة في اقتضاء الديون التعاقدية([59]).
المعاهدات الثنائية 1913:
وبعد مؤتمرات لاهاي للسلام، كانت هناك العديد من الجهود الإقليمية بهدف حل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية وتقييد حق الحرب، ونتجت عن هذه الجهود عام 1913 عدة معاهدات دولية أبرزها المعاهدات الثنائية المبرمة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول أمريكا اللاتينية، وبينها وبين دول أوروبا، وبمقتضى هذه المعاهدات خضعت جميع المنازعات للجان دولية دائمة للتحقيق، وصار من غير الجائز اللجوء إلى استخدام القوة قبل أن تودع اللجنة المعنية تقريرها([60]).
ثالثاً: تنظيم اللجوء إلى القوة في عهد عصبة الأمم والمواثيق اللاحقة له:
إن اشتعال الحرب العالمية الأولى، والتطور الهائل في الأسلحة المستخدمة خلالها، والدمار الكبير الذي أحدثته في العالم، قد دفع بالدول في الاجتماع العام لمؤتمر السلام الذي عقد في 28 إبريل 1919، إلى وضع عهد عصبة الأمم والذي دخل دور التنفيذ في 10 يناير 1920 ليبدأ بذلك عهد التنظيم الدولي المعاصر([61]).
قانون استخدام القوة في عهد عصبة الأمم:
لم يشر عهد عصبة الأمم في نص صريح إلى حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، ولكنه قيد حق الدول في اللجوء إلى الحرب بعدة قيود، حيث علق هذا الحق على شرط أساسي، هو استنفاد جميع إجراءات التسوية السلمية للنزاع، كما انتهى إلى اعتبار الحرب غير مشروعة في حالات معينة نص عليها في المواد من 10 إلى 15.
فقد نص العهد على أنه “يتعهد أعضاء العصبة باحترام سلامة أقاليم جميع أعضاء العصبة واستقلالها السياسي القائم والمحافظة عليه ضد أي عدوان خارجي. وفي حالة وقوع تهديد أو حلول خطر من هذا العدوان، يشير المجلس بالوسائل التي يتم بها تنفيذ هذا الالتزام”. وقد أثار هذا النص جدلاً واسعاً حول أثره على حظر الحرب، حيث يوحي ظاهر النص بتحريم اللجوء إلى الحرب بصفة مطلقة، حيث تلتزم بموجبه الدول بالمحافظة على الاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية لكل الدول الأعضاء. ولكن ذهب الرأي الراجح إلى أن هذا النص (م10) لم يحرم الحرب بصفة مطلقة، ولكنه حرم حق الفتح باعتباره وسيلة لتملك الأقاليم، إذ أنه يحرم على الدول أن تفتح إقليماً مملوكاً لدولة أخرى، أي أنه يحرم ثمار العدوان، وذلك في حد ذاته يعد حفاظاً على السلامة الإقليمية وفق هذا النص.
تنص م 11 من عهد العصبة على أنه: “1- يعلن أعضاء العصبة بأن أي حرب أو تهديد بها – سواء تعلقت بدولة عضو في العصبة أو غير عضو – يعتبر مسألة تهم العصبة بأجمعها، ويقوم الأمين العام بناء على طلب أي عضو من أعضاء العصبة، بدعوة المجلس للانعقاد فوراً عند وقوع أي عدوان، واتخاذ ما يلزم من إجراءات حفظ السلم الدولي. 2- كما يعلن أعضاء العصبة بأن من حق كل عضو في العصبة أن ينبه الجمعية أو المجلس إلى أي ظرف له تأثير على العلاقات الدولية، على نحو يهدد بالمساس بالسلام الدولي أو حسن التفاهم بين الأمم الذي يعتبر أساساً للسلام”.
هذه المادة لا تتضمن أي قيد على حق الدول في الالتجاء إلى الحرب، إذ تقرر فحسب أن الحرب أو التهديد بها تعتبر أمراً يهم العصبة ويدعوها إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ السلم الدولي.
كما تنص م 12 من عهد العصبة على أنه “1- يوافق أعضاء العصبة على أنه إذا ما نشأ أي نزاع من شأن استمراره أن يؤدي إلى احتكاك دولي، أن يعرضوا الأمر على التحكيم أو التسوية القضائية أو التحقيق بواسطة المجلس، ويوافقون على عدم الالتجاء إلى الحرب بأية حالة قبل انقضاء ثلاثة شهور على صدور قرار التحكيم أو الحكم القضائي أو تقرير المجلس. 2- ويتعين في كل حالة تحكمها هذه المادة أن يصدر قرار المحكمين أو الحكم القضائي في خلال فترة معقولة، وأن يصدر تقرير المجلس خلال ستة أشهر من عرض النزاع”.
توجب هذه المادة على الدولة العضو في العصبة إذا ما قام نزاع بينها وبين إحدى الدول الأعضاء في العصبة، أن تقوم بعرض هذا النزاع على التحكيم أو على القضاء أو على مجلس العصبة، كما تحظر عليها اللجوء إلى الحرب قبل مرور ثلاثة شهور على صدور قرار التحكيم أو حكم المحكمة أو تقرير مجلس العصبة.. مما يعني عدم تحريم الحرب بصفة مطلقة، وإنما فرض على الدول انتظار مهلة الشهور الثلاثة قبل أن تبدأ الحرب، على اعتبار أنها فترة تهدئة الهدف منها كسب الوقت وتهدئة العواطف الثائرة، فقد تنجح المساعي الحميدة أو محاولات الوساطة أو التوفيق في حل النزاع وإقرار السلم، وتجنب الحرب.
كما نصت م 13/4 من العهد على أن “يوافق أعضاء العصبة على أن ينفذوا بحسن نية تامة أي حكم أو قرار يصدر، وعلى عدم الالتجاء للحرب ضد أي عضو في العصبة يقوم بتنفيذ الحكم أو القرار. وفي حالة عدم تنفيذ أي حكم أو قرار، يقترح المجلس الخطوات التي تتخذ لوضعه موضع التنفيذ”.
ونصت المادة 15/6 من عهد العصبة على أنه “إذا وافق أعضاء المجلس على التقرير بالإجماع فيما عدا مندوبي طرف أو أكثر من أطراف النزاع، فيوافق أعضاء العصبة على عدم الالتجاء للحرب ضد أي طرف في النزاع يكون قد نزل على التوصيات الواردة في التقرير”.
فلم يتضمن العهد حظراً قاطعاً للحرب عدا في حالة واحدة، هي حالة الفصل في النزاع بقرار تحكيم أو حكم أو تقرير ملزم من المجلس إذا ما رضي به أحد الطرفين المتنازعين، هنا يحرم على الدولة الأخرى الدخول في حرب مع الدولة التي قبلت القرار أو الحكم أو التقرير الملزم بصدد هذا النزاع.
كما بحثت العصبة تخفيض التسلح، وحاولت إيجاد ضمانات يمكن عن طريقها تحقيق حالة من الأمن الدولي تشجع أعضاء مجتمع الدول على القبول بهذا التخفيض.
وبرغم أن عهد عصبة الأمم لم يحرم الحرب تحريماً قاطعاً، فقد كان ولا شك خطوة هامة على طريق تحريمها بحظر حرب العدوان، إذ تلت عهد العصبة العديد من المحاولات الرامية إلى تشجيع الوسائل السلمية لحل المنازعات في طريق تحريم اللجوء إلى الحرب، بعد فشل منظمة عصبة الأمم في تحقيق هذا الهدف. وسنعرض سريعاً لبعض أهم هذه المحاولات([62]).
وتلت محاولة العصبة معاهدتان هما معاهدة المساعدة المتبادلة سنة 1923، وبروتوكول جنيف سنة 1924، وإن ظلتا حبيستي وثائقهما([63]).
معاهدة المساعدة المتبادلة 1923:
في 29 سبتمبر 1923 تم إقرار مشروع المعونة المتبادلة، والذي أكد في مادته الأولى على أن الحرب العدوانية جريمة دولية، وطالب جميع الدول بالحرص على عدم ارتكاب هذه الجريمة، كما تضمن تعهداً من الدول الأعضاء بأن تقدم المساعدة إلى أي دولة تتعرض لحرب عدوانية، إذا ما كانت هذه الأخيرة قد أوفت بالتزاماتها وفقاً لهذه المعاهدة بشأن خفض التسليح([64]).
وبرغم أن مشروع المساعدة المتبادلة لم يدخل دور النفاذ بسبب اعتراض بعض الدول الأعضاء عليه، إلا أن هذا لا ينفي أهميته بالنسبة لتطور حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، إذ حوى تقدماً على عهد العصبة من ناحيتين، فهو أولاً قد أكد على المعيار الموضوعي للعدوان، فأصبحت أي حرب تمس الاستقلال السياسي أو السلامة الإقليمية لأي دولة تعتبر عدواناً، حتى ولو كان مشروعاً وفقاً للمواد 12، 13، 15 من عهد عصبة الأمم. كما أن هذا المشروع قد خول مجلس العصبة سلطة تقدير مدى قيام عدوان أو حرب عدوانية بعد أن كان الأمر من قبل موكولاً للدول الأعضاء.
ومن أهم الانتقادات التي وجهت لمشروع المعونة المتبادلة أنه لم يضع تعريفاً لحرب العدوان ولم يعين الوسائل الكفيلة بتحديد المعتدي، بالإضافة إلى إهماله للوسائل السلمية التي كان عليه أن يسعى لفرضها على الدول كبديل للحرب التي حظر عليهم اللجوء إليها. ورداً هذه الانتقادات ظهر اتجاه جديد يتبنى ضرورة العمل من أجل تدعيم مبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية، واعتبار من لا تقبل هذا المبدأ من الدول دولة معتدية، وتبلور هذا الاتجاه فيما يعرف ببروتوكول جنيف([65]).
بروتوكول جنيف 1924:
لم يدخل بروتوكول جنيف لسنة 1924 بدوره حيز التنفيذ. وقد نص في هذا البروتوكول على تجريم عام للحرب باستثناء حالات محددة([66]). بعدما أخفق مشروع المساعدة المتبادلة فلم يدخل دور النفاذ، نظراً لاعتراض بعض الدول عليه قامت الجمعية العامة للعصبة في 2 أكتوبر 1924بإصدار بروتوكول جنيف. ويشترك بروتوكول جنيف مع مشروع المعونة المتبادلة في اعتبار العدوان جريمة دولية، حيث ورد في ديباجته “أن اللجوء إلى الحرب بدون استخدام الوسائل السلمية المتاحة للتسوية، هو عمل غير مشروع، ويشكل جريمة دولية”. ووفقاً لبروتوكول جنيف حرب العدوان هي الحرب الموجهة من دولة طرف في البروتوكول ضد دولة أخرى طرف فيه، إخلالاً بالتزاماتها الواردة في عهد عصبة الأمم وبروتوكول جنيف المتعلقة بفض المنازعات بالوسائل السلمية.
لقد وضع بروتوكول جنيف نظاماً لحل المنازعات بين الدول الأعضاء يتسم بالدقة، حيث أوجب عليها عرض أي نزاع ينشب بينها على المحكمة الدائمة للعدل الدولي أو هيئة تحكيم. فإذا ما قام نزاع بين دولتين ورفضت إحداهما عرضه على محكمة العدل أو على هيئة التحكيم اعتبر هذا الرفض قرينة على أن هذه الدولة الرافضة هي المعتدية، وكذلك إذا رفضت إحدى الدولتين طرفي النزاع تنفيذ الحكم الصادر في شأنه، وإذا ما ثبت العدوان بهذه الطريقة، فإن الدول أطراف البروتوكول تلتزم بتوقيع عقوبات مالية واقتصادية وعسكرية على الدول المعتدية، كما يقرر مجلس العصبة بأغلبية الثلثين نوع العقوبات الذي سيتم توقيعه على المعتدي في هذه الحالة.
ولم يدخل بروتوكول جنيف أيضاًَ حيز النفاذ، لأن بعض الدول التي رأت في الالتزامات المترتبة على هذا البروتوكول تعارضاً مع مصالحها فرفضت التوقيع عليه. إلا أن هذا البروتوكول – وبالرغم من إخفاقه هو الآخر – قد مهد الطريق إلى إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية الرامية إلى حظر العدوان ودعم نظام الأمن الجماعي([67]).
معاهدات لوكارنو 1925:
وقعت كل من ألمانيا، وبلجيكا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وبولونيا، وتشيكوسلوفاكيا في سنة 1925 سلسلة معاهدات ثنائية عرفت بمعاهدات لوكارنو بشأن تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية([68]).
ومن أهم تلك الاتفاقيات، اتفاقيات لوكارنو، والتي أبرمت في أكتوبر 1925، وتعد بمثابة تطبيق إقليمي لبروتوكول جنيف، حيث أبرمت هذه الاتفاقيات بين أطرافها خارج إطار عصبة الأمم، واشتملت على:
“أ- ميثاق للضمان المتبادل وعدم الاعتداء (ميثاق الراين الذي أبرم بين ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا).
ب- أربع معاهدات للتحكيم، تقوم على إنشاء لجان دائمة للتحكيم والتوفيق، حيث ترفع إليها الخلافات القانونية التي تنشأ بين الدول المتعاقدة، وأبرمت هذه المعاهدات بين ألمانيا من جانب، وكل من فرنسا وبلجيكا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا من جانب آخر.
جـ- ميثاقان للمعونة المتبادلة، أولهما بين فرنسا وبولندا، وثانيهما بين فرنسا وتشيكوسلوفاكيا، وذلك بهدف التزام الدول المتعاقدة بتقديم المساعدة المتبادلة عند تعرض إحداها للعدوان وذلك تطبيقاً لأحكام المادة 16 من العصبة”([69]).
ميثاق بريان – كيلوج 1924:
حرم ميثاق بريان كيلوج الحرب بمعناها الفني أو القانوني (إعلان الحرب أو حالة الحرب)س، ولم يحرم اللجوء إلى استخدام القوة بما لا يعتبر حرباً بالمعنى الحرفي، وإن اقترب منها بالمفهوم الفعلي.
يعتبر ميثاق باريس، أو ميثاق بريان كيلوج (Briand – Kellogg) الذي تم التوقيع عليه في 27 أغسطس 1928، وأصبح نافذاً اعتباراً من 24 يوليو 1929 بحق أهم وثيقة دولية في الفترة ما بين الحربين العالميتين بشأن تحريم الحرب في العلاقات الدولية.
نص ميثاق باريس على أن الأطراف المتعاقدة تعلن وتؤكد استنكارها للجوء إلى الحرب لتسوية المنازعات الدولية فيما بينها، كما تعلن إحجامها عن اعتبار الحرب وسيلة لتنفيذ سياستها القومية في علاقاتها المتبادلة. بالإضافة إلى اتفاقها على أن تسوية كافة المنازعات بينها، يجب ألا يتم إلا بالوسائل السلمية. ويعتبر هذا الميثاق خطوة هامة في سبيل تحريم الحرب إذ أنه – كما يقول د سامي واصل – قد “حرم الحرب من حيث المبدأ ذاته سواء أكانت وسيلة للحصول على حق قانوني ثابت، أم كانت جزاءً لمخالفة قاعدة قانونية دولية أم كانت وسيلة لتحقيق الأهداف القومية للدول أياً كانت مشروعية هذه الأهداف”([70]).
ومع ذلك فلم يسلم ميثاق بريان كيلوج من النقد، حيث ذهب رأي إلى القول بأن الميثاق لا يعدو أن يكون مجرد تصريح ذي قيمة أخلاقية فحسب، يجدر بالدول أن تتبعه، ولا تتعرض، إن هي خرجت عليه، لجزاء مقرر، فهو بمثابة مثل أعلى لما ينبغي أن تكون عليه الأخلاق الدولية، ولكنه قاصر عن تحقيق الغرض الذي أبرم من أجله. ومن ناحية أخرى لاحظ البعض أن الميثاق إنما يجرم الحرب بمعناها الفني أو القانوني فقط، ولكنه لم يحظر اللجوء إلى القوة، مع أنها في كثير من الأحوال تشتمل على أنواع من العنف لا يميزها عن الحرب إلا عدم توافر الجانب المعنوي، مع أن رغبة العالم ليست في القضاء على الحرب فحسب، وإنما في القضاء على أعمال العنف وإراقة الدماء بين الشعوب.
كما لم يأت الميثاق إقامة نظام لرقابة تطبيق نصوصه، ولم يعين جهة يناط بها تقرير وقوع انتهاك أو مخالفة لأحكام الميثاق في هذا الشأن، والتأكد من توافر شروط حالة الدفاع الشرعي إذا ما ادعت بها إحدى الدول أطراف النزاع. يضاف إلى هذا أن الميثاق عندما حرم اللجوء إلى الحرب كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية فإنه لم يقدم البديل عنها، إذ لم يضع نظاماً لفض المنازعات بالطرق السلمية، ولم يلزم الدول بالقبول بالحلول التي تسفر عنها التسوية السلمية، بل إنه لم يفترض حتى مخالفة قاعدة تحريم الحروب التي أقرها، ومن ثم لم يحدد الإجراءات التي يمكن اتخاذها في مواجهة الدول المخالفة.([71])
ولم يتناول نص الميثاق قضية الدفاع عن النفس بوضوح، كما لم يشمل حظر الحرب وفقاً له جميع أعضاء الجماعة الدولية، كما لم يتم النظر في استخدام القوة الذي لا يصل لمستوى الحرب([72]).
إلا أن محاولات عصبة الأمم لم تتوقف عند هذا الحد، ففي عام 1927 أصدرت جمعية العصبة قراراً نص فيه على أن الحرب العدوانية تعتبر جريمة دولية، وتم التأكيد فيه على ضرورة الالتجاء للطرق السلمية لفض المنازعات الدولية([73]).
ما بعد ميثاق باريس (1929-1944):
تفرقت الاتجاهات القانونية في الفترة التالية لميثاق باريس إلى ثلاثة توجهات رئيسية: حاول أولها مد الحظر المفروض وفقاً لميثاق باريس ليشمل أي استخدام للقوة المسلحة إضافةً إلى الحرب كما في أعمال الانتقام، وحاول الثاني إدخال التهديد باللجوء للقوة ضمن نطاق الحظر، ولقد ظهر هذان الاتجاهان في مقررات بودابست لتفسير ميثاق باريس([74])، كما كانت هناك محاولات من جهة ثالثة لإعادة تعريف العدوان، والذي يعتبر أمراً وثيق الصلة بالدفاع عن النفس، وذلك بتوسيع نطاق أعمال العدوان، كما يتضح من ميثاق تعريف العدوان في 1933، والذي اعتبر الدولة معتدية إذا ما قامت بإعلان الحرب، أو بغزو مسلح سواءً صاحبه إعلان للحرب أو لا، أو هاجمت أسطول دولة أخرى أو قواتها الجوية، أو قامت بمساعدة الجماعات المسلحة على إقليم دولة أخرى على غزو دولة ثالثة، أو رفضت اتخاذ الوسائل الممكنة لحرمان تلك الجماعات المسلحة من المساعدة والحماية، برغم مطالبتها بذلك([75]).
المبحث الثالث:
حظر استخدام القوة في النظام العالمي المعاصر
تحديد القواعد الحاكمة .. المصادر التقليدية للقانون الدولي وتطور هذه المصادر:
تقليدياً، قبل أساتذة القانون الدولي ورجال السياسة في العالم المادة 38 من قانون محكمة العدل الدولية كتعداد لمصادر القانون الدولي من طبيعة سلطوية . مع أن هذه المادة لا تتعدى كونها قائمة بالمصادر التي يتعين على المحكمة تطبيقها عن الحكم في القضايا التي تنظرها. ويتفق معظم الفقهاء والساسة على أن المادة 38 تكرر تلك المصادر التي اعترفت الدول لها بالحاكمية لا أكثر. ووفقاً لهذا النص هناك ثلاثة مصادر رئيسية للقانون الدولي هي: 1- المعاهدات، 2- العرف، 3- المبادئ العامة للقانون. ذلك بالإضافة إلى مصدرين ثانويين آخرين هما: الأحكام القضائية وكتابات الفقهاء.
ويضيف البعض مصادر أخرى مثل: قرارات المنظمات الدولية، حيث ينظر إلى قرارات الجمعية العامة خاصة على أنها دليل على الممارسة الدولية، أو مؤشر على الممارسة العرفية، يجب أخذه في الاعتبار مثله مثل المؤشرات الأخرى التقليدية من قبيل: التصرفات اليومية للدول، تصريحات مسئولي الحكومات، سلوك القادة العسكريين في الميدان، وغيرها. ومن ثم فقد يزعم هؤلاء الفقهاء أنه يمكن لقرار المنظمات الدولية أن يشكل تقنيناً لقانون عرفي دولي قائم.
ولكي نحدد ما إذا كان عرف مفترض يشكل قانوناً دولياً بحق يجب أن يتوافر له معيارين هما الحجية (السلطة) والإلزام (السيطرة)، فأي قاعدة قانونية دولية يجب أن ينظر إليها أولاً على أنها قاعدة ملزمة Opinio Juris، وثانياً يجب أن تكون هذه القاعدة العرفية ذات هيمنة فعلية على سلوك الدول([76]).
حظر استخدام القوة في ظل ميثاق الأمم المتحدة:
قبل إنشاء الأمم المتحدة كانت هناك محاولات للحد من حق الدول في شن الحرب أو للقضاء على هذا الحق، وبرغم ذلك نشبت الحرب العالمية الثانية مع ما صحبها من خسائر لا تقدر بثمن في الأرواح والأموال نظراً للتقدم الهائل في الأسلحة التي استخدمت إبان هذه الحرب البشعة. مما دفع إلى التفكير في إنشاء منظمة عالمية جديدة هدفها الأسمى الحفاظ على سلم العالم وأمنه والحيلولة دون نشوب حرب جديدة يصعب التكهن بنتيجتها في ظل التقدم الهائل المستمر في تقنيات ومعدات الحروب.
فعقب بداية الحرب العالمية الثانية، أصبح من الضروري إيجاد بديل لعهد عصبة الأمم الذي فشل في منع اشتعال هذه الحرب، كما أخفق في الحد من الدمار الناشئ عنها. وقد أسفرت الجهود الدولية في ذلك الوقت عن إنشاء منظمة الأمم المتحدة كمنظمة لها صفة العالمية.
ومتأثرةً بهذه النشأة، جاءت منظمة الأمم المتحدة، في ميثاقها الموقع 1948، لتقنن حظر لجوء الدول، في علاقاتها الدولية إلى استخدام القوة فضلاً عن التهديد باستخدامها، وذلك بتضمين الميثاق نصاً صريحاً بتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية، إذ جاءت ديباجة الميثاق معبرة عن هذا المعنى، كما جعلت المادة الأولى بالميثاق من حفظ السلم والأمن الدولي أول مقاصد الأمم المتحدة، وبموجب نص المادة 2/4: “يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً، في علاقاتهم الدولية، عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”. وتأكيداً لهذا المبدأ أورد الميثاق بعض الاستثناءات الضيقة عليه، أهمها حق الدول الطبيعي في استخدام القوة في الدفاع الشرعي. كما بينت الفقرة الثالثة من نفس المادة أنه “على جميع الدول الأعضاء فض منازعاتهم بالطرق السلمية”([77]).
أولاً: الاستثناءات الواردة على هذا الحظر:
في نهاية الحرب العالمية الثانية، قرر ميثاق الأمم المتحدة على جميع الدول الأعضاء واجب تسوية النزاعات الدولية بالسبل السلمية، ومن ثم فقد تم القضاء نظرياً على مشروعية استخدام القوة. غير أن هناك حالتين استثنائيتين، الأولى هي حالة الدفاع الشرعي. حيث ورد بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ما يلي: “ليس في هذا الميثاق ما يحول دون الحق المتوارث (الطبيعي) في الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي إذا ما شن هجوم مسلح ضد دولة عضو في الأمم المتحدة، حتى يتخذ مجلس الأمن التدابير الضرورية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين”. ولقد تم استخدام كلمة (طبيعي Inherent) للإشارة إلى أن الدفاع الشرعي هو حق لازم للدول ولا يمكن التنازل عنه. الحالة الأخرى أو الاستثناء الآخر هو حيث يفوض مجلس الأمن أو يتخذ تدبيراً قسرياً وفقاُ لميثاق الأمم المتحدة. تقرر المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة أنه: “إذا ما اعتبر مجلس الأمن التدابير المشار إليها (المذكورة) في المادة 41 غير ملائمة، أو إذا ثبتت عدم ملاءمتها، فله أن يقوم باستخدام القوات الجوية أو البحرية أو البرية إذا ما بدت ضرورة لذلك للحفاظ على أو استعادة السلم والأمن الدوليين”. وعلى الجانب الآخر، فإن تطورالعلاقات الدولية قد دفع بثلاث حالات إلى مستوى “النزاع الدولي المسلح” – وهي: النزاع المسلح المتضمن للقتال ضد الاستعمار، أو الاحتلال الأجنبي، أو الأنظمة العنصرية. من ثم فإن التوسع في المجال الذي تنطبق فيه قوانين النزاع المسلح لذي جذورٍ سياسية وتاريخية عميقة وسحيقة([78]).
إن عبارة “أو بأي طريقة أخرى لا تتفق وأهداف الأمم المتحدة “؛ قصد بها أساساً الهدف الأسمى للمنظمة المتضمن في المادة الأولى من الميثاق وهو: حفظ السلم والأمن الدوليين، ومن ثم اتخاذ كافة الوسائل الجماعية ذات الفعالية لمنع وإزالة التهديدات للسلم، ولإخماد أعمال العدوان وأي إخلال آخر بالسلم([79]).
بذا يكون ميثاق الأمم المتحدة قد أرسى قاعدة بموجبها يُجرم على أشخاص القانون الدولي أن تقوم باستخدام القوة المسلحة أو مجرد التهديد بها في علاقاتهم المتبادلة، سوى في الحالات الاستثنائية التي نص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، ألا وهي حالة الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي عن النفس الذي قضت به المادة 51 من الميثاق، وحالة التدابير المتخذة بموجب نظام الأمن الجماعي وذلك وفقاً لقرار صريح من مجلس الأمن إعمالاً لنصوص الفصل السابع من الميثاق، إضافةً إلى استخدام القوة المسلحة من قِبَل حركات التحرر الوطني في سعيها المشروع للحصول على الاستقلال من الاستعمار أو الاحتلال الأجنبي ومقاومتها النظم العنصرية الصارخة، على ما انتهى إليه غالبية الفقه الدولي، مؤيداً بقرارات الأمم المتحدة وكثير من التنظيمات الإقليمية.
وطبقاً للدكتور محمد شوقي “تبقى هذه الاستثناءات، رغم محدوديتها، خاضعة لشروط دقيقة وقيود صارمة بغية قطع الطريق على كل انحراف عن جوهرها أو تعسف في ممارستها، كذلك الذي تمثله دعوى “الدفاع الوقائي” التي رفعتها الولايات المتحدة لتبرير عدوانها على العراق”([80]).
ثانياً: الطبيعة الآمرة للالتزام بنبذ استخدام القوة:
لا شك أن قاعدة حظر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، والتي وردت بنص المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة، تعد واحدة من أهم وأبرز إنجازات القانون الدولي المعاصر([81])، بل يرى البعض أن إجماع غالبية الآراء في الفقه الدولي منعقد على أن “مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية يعد أهم ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة”([82]).
لقد أقر ميثاق الأمم المتحدة مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية كأحد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها التنظيم الدولي المعاصر. كما أن هذا المبدأ يأتي على رأس قواعد القانون الدولي الآمرة (Jus Cogens) التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وتعتبر مخالفته جريمة دولية تستوجب العقاب وفقاً للقانون الدولي([83]).
وحاصل القول أن تحريم اللجوء إلى القوة في المادة 2/4 من الميثاق إنما هو تحريم صريح وواضح وعام في مداه، ولا ترد عليه أية استثناءات غير تلك التي نص عليها الميثاق صراحةً، أو أقرتها منظمة الأمم المتحدة ذاتها([84]).
كما أن ظاهر نص المادة 2/4 يبين أن الالتزام بعدم الاستخدام أو التهديد باستخدام القوة في العلاقات الدولية، هو التزام ذو طابع سلبي، يتمثل في وجوب امتناع الدول عن استخدام القوة، أو حتى مجرد التهديد بذلك، ومن ثم، تكمن طبيعة هذا الالتزام في كونه التزاماً بتحقيق نتيجة، أي أن الدول في علاقاتها الدولية مطالبةُ بتحقيق نتيجة سلبية محددة، مؤداها الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وبتعبير أوضح، فإن لجوء الدول إلى استخدام القوة، أو حتى التهديد باستخدامها، إنما ينطوي على مخالفة لمقتضى هذا الالتزام، وذلك بافتراض عدم قيام الحالات الموجبة لإعمال الاستثناءات الواردة على الحظر العام، ومن ثم تقوم المسئولية الدولية على عاتق الدولة التي خالف تصرفها مقتضى هذا الالتزام([85]).
ثالثاً: مضمون مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية:
تنطوي المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة على تحريم شامل لاستخدام القوة، حيث لم تقتصر على تحريم استخدام القوة وحسب، بل وأيضاً مجرد التهديد باستعمالها.
كما يدل استعمال تعبير “استخدام القوة” في ميثاق الأمم المتحدة، خلافاً لاستخدام كلمة “الحرب” من قبل في عهد عصبة الأمم إلى تحريم ميثاق الأمم المتحدة بشكل حاسم لكل استخدام للقوة من قبل الدول في العلاقات الدولية، ولا يهم إذا كان ذلك الاستخدام يمثل حالة حرب “قانونية” أم لا.
ولم يفرق نص م 2/4 في هذا التحريم بين حروب العدوان وغيرها من الحروب، فكل حرب محظورة في حكمه، سواء كانت حرباً عدوانية تشنها الدولة للحصول على مزايا أو تحقيق مطامع دونما سند من القانون، أو كان الغرض من الحرب حسم نزاع قائم لم يصل طرفاه إلى تسوية له بالطرق السلمية. وتعد هذه خطوة هامة يتفوق بها ميثاق الأمم المتحدة على ما سبقه من جهود دولية للحد من استخدام القوة في العلاقات الدولية.
وقد أورد إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالصداقة والتعاون بين الدول، الذي أصدرته الجمعية العامة عام 1970 توضيحاً لبعض أبعاد مبدأ حظر استخدام القوة والتهديد بها في العلاقات الدولية، حيث قرر الإعلان أن على كل دولة واجب الامتناع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه يتنافى مع مقاصد الأمم المتحدة، لما في هذا التهديد أو الاستعمال للقوة من انتهاك لقواعد القانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة، ولا يجوز مطلقاً أن يتخذ وسيلة لتسوية المنازعات الدولية. كما قرر الإعلان أن الحرب العدوانية تشكل جريمة ضد السلم، وتترتب عليها المسئولية القانونية للدول، وبالتالي فإن على الدول واجب الامتناع عنها([86]).
رابعاً: نطاق الالتزام بعدم استخدام القوة:
لقد صيغ نص المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة الذي انطوى على مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، بشكل عام وغير محدد، مما سمح بإثارة العديد من التساؤلات حول هذا النص([87])، نتناول أهمها فيما يلي.
أ- طبيعة العلاقات المحظور استخدام القوة فيها:
اختلف فقهاء القانون الدولي حول نوع وطبيعة العلاقة التي قصد بنص المادة 2/4 من الميثاق حظر استخدام القوة فيها. فعلى حين يذهب غالبية الفقهاء إلى أن نطاق الحظر المقرر وفقاً لهذه المادة يقتصر على العلاقات الدولية وحسب إذ حدد نص المادة طبيعة تلك العلاقات بالعلاقات الدولية إذ ورد فيه: “يمتنع جميع أعضاء الهيئة في علاقاتهم الدولية ..”، فهذا الحظر إذن لا ينطبق – في رأيهم – على استخدام القوة من قبل الدولة في داخل الأراضي الخاضعة لسيادتها الداخلية، يرى البعض الآخر من الفقهاء أن هذا الحظر يمتد ليشمل العلاقات الدولية والداخلية جميعاً، واستندوا في ذلك إلى أمرين هما:
- أن نص المادة 2/4 من الميثاق حظر على الدول في علاقاتها الدولية عموماً اللجوء إلى استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو على أي وجه لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة.
- كما أن لمجلس الأمن – وفقاً للفصل السابع من الميثاق – أن يلجأ إلى اتخاذ التدابير القسرية، حتى فيما يتعلق بالمسائل التي تعد من صميم الاختصاص الوطني إذا رأى فيها ما يهدد السلم والأمن الدوليين.
غير أن الرأي الراجح في الفقه الدولي يذهب إلى القول بأن الحروب والمنازعات الداخلية لا تدخل في نطاق مبدأ حظر استخدام القوة الوارد في م 2/4 من الميثاق، إلا إذا ما تعدت آثارها الحدود القومية، ونتج عنها ما من شأنه تهديد السلم والأمن الدوليين([88]).
ب- ماهية القوة المحظور استخدامها وفقاً لنص م 2/4:
يعد التساؤل عن ماهية القوة التي يحظر استخدامها أو التهديد بها، وهل تقتصر على القوة المسلحة فحسب أم تتسع لتشمل الضغوط الاقتصادية والسياسية، يعتبر هذا التساؤل أحد أهم التساؤلات المثارة بشأن المادة 2/4 من الميثاق. ويعزز هذا التساؤل ورود لفظ “القوة” في ميثاق الأمم المتحدة أحياناً مقترناً بوصف “المسلحة” – كما في الديباجة، ونص المادة 44 – ووروده في حالات أخرى مطلقاً دون تقييده بوصف معين – كما في المادة 2/4– مما يزيد من الغموض المحيط بماهية القوة المحظور استخدامها وفقاً لهذه المادة.
لذا فقد اختلفت آراء الفقه حول تحديد ماهية القوة المحظور استخدامها وفقاً لنص المادة 2/4، وانقسمت إلى ثلاثة اتجاهات، وفقاً للدكتور سامي واصل، هي:
الاتجاه الأول: يرى أنصاره أن لفظ القوة الوارد في م 2/4 يجب أن يتم تفسيره تفسيراً ضيقاً استرشاداً بما جاء في ديباجة الميثاق، مما يعني أن المادة 2/4 لا تحرم سوى استخدام القوة المسلحة أو التهديد بها، أما غيرها من صور الضغوط الأخرى – الاقتصادية والسياسية وغيرها – فإنها لا تدخل في نطاق التجريم طبقاً لهذه المادة، ويستند هؤلاء إلى الحجج التالية:
1- أن ديباجة الميثاق تنص على “منع استخدام القوة المسلحة إلا للأغراض المشتركة”، وتؤيدها نصوص الميثاق الأخرى، حيث تنص المادة 44 من الميثاق على أنه “إذا قرر مجلس الأمن استخدام القوة، فإنه قبل أن يطلب من عضو غير ممثل فيه تقديم القوات المسلحة ..”، ويفيد سياق هذه النصوص أن لفظ القوة الوارد في الميثاق إنما يقصد به القوة المسلحة فقط، ومن ثم لا ينصرف إلى ما يطلق عليه العدوان الاقتصادي أو العدوان الأيديولوجي.
2- أن الأعمال التحضيرية للمادة 2/4 من الميثاق تؤكد أن مبتغى واضعي الميثاق من لفظ القوة الوارد بها هو القوة المسلحة دون غيرها، حيث أنه برغم أن الاقتراح الذي تقدمت به البرازيل خلال مؤتمر سان فرانسيسكو والذي كان يهدف إلى اعتبار الضغط الاقتصادي La Force Economique من قبيل الاستخدام غير المشروع للقوة، كان من بين الاقتراحات التي عرضت بشأن صياغة هذه المادة، إلا أن هذا الاقتراح قد تم استبعاده ولم يحظ بالموافقة.
الاتجاه الثاني: يميل أنصار هذا الاتجاه إلى التفسير الواسع لمعنى القوة، استناداً إلى أن عبارة “استخدام القوة” أوسع معنىً وأشمل من كلمة “الحرب”. كما أن القوة المنصوص عليها في المادة 2/4، وفقاً لهؤلاء، تختلف عن “القوة المسلحة” المنصوص عليها في المادة 51 من الميثاق، وإذا كان في نية واضعي الميثاق قصر معناها، في المادة 2/4 على النواحي العسكرية لكانوا قرنوها بكلمة “المسلحة”. ومن جهة أخرى، فإن الميثاق لم يفرق في أحكام فصله السابع بين الإجراءات التي تنطوي على استخدام القوة المسلحة وبين تلك التي لا تنطوي عليه، ومن ثم فإن القوة هنا لا تعني القوة المسلحة وحدها، بل تشمل أيضاً كافة صور استخدام القوة أو العنف أو الضغط، لا سيما ما يسمى بالعدوان الاقتصادي والعدوان الأيديولوجي.
الاتجاه الثالث: يذهب أنصاره إلى القول بأن الضغوط الاقتصادية إذا ما تمت ممارستها بدرجة كبيرة فإنها تمثل استعمالاً للقوة يدخل في نطاق الحظر الوارد بالميثاق، بالإضافة إلى أن لفظ القوة يمكن أن يشمل الضغوط السياسية، التي تتخذ صورة متطرفة، وتهدف إلى المساس بالاستقلال السياسي والتكامل الإقليمي لدولة معينة. ويؤيد ذلك أن تعبير “التهديد باستعمال القوة أو استخدامها” الوارد في المادة 2/4 من الميثاق قد جاء في صورة عامة ومطلقة، لذا يمكن أن ينصرف ليس فقط إلى القوة المسلحة، وإنما أيضاً إلى جميع أنواع الضغوط الاقتصادية والسياسية وغيرها، وذلك إذا ما وصلت هذه الجهود إلى درجة من الجسامة تعادلها بالقوة المسلحة، وهذا بالإضافة إلى أن القوة المحظورة في الميثاق هي القوة الموجهة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، وهي القوة التي تمارس بصورة لا تتفق مع مقاصد الأمم المتحدة، وليست القوة المسلحة وحدها هي التي من شأن ممارستها حدوث ذلك، بل إن ممارسة الضغوط السياسية ضد دولة معينة قد يؤدي أيضاً إلى نتائج مماثلة بطريقة ملموسة([89]).
إلا أن العمل الدولي كما يظهر من عمل أجهزة الأمم المتحدة المختلفة، يكشف لنا عن حقيقة مؤداها: أنه بينما تعتبر مختلف أشكال الضغط والقسر السياسي والاقتصادي، مشكلةً لتهديدٍ للسلم الدولي، كما تعد انتهاكاً لمبدأ السيادة وعدم التدخل، وهو ما يتعارض ومقاصد الميثاق ومبادئ القانون الدولي العام، إلا أنها لا تندرج في إطار الحظر الوارد في المادة 2/4، والذي يتعين فهمه على أنه يتضمن فقط استخدام القوة المسلحة([90]).
غير أن هذه لم تكن نقطة الخلاف الوحيدة بصدد تفسير المادة 2/4، فقد اختلف الفقه أيضاً حول الصور المحظورة لاستخدام القوة، إذ رأى بعض الفقهاء أن استخدام القوة أو التهديد به المحظور هو ذلك الاستعمال أو التهديد الموجه ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لدولة ما، أو ذلك الذي يمارس على أي وجه آخر يخالف مقاصد الأمم المتحدة. أما حيث يكون استخدام القوة أو التهديد به مستهدفاً وجهةً أخرى غير تلك الأهداف، فإنه يعتبر حينئذ مشروعاً، وليس هناك في الميثاق ما يوجب على الدول الامتناع عنه. على حين اتجه بعض آخر من الفقهاء إلى القول بأن حظر استخدام القوة أو التهديد به إنما هو حظر مطلق من كل قيد، وهذا ما يؤكده مضمون الأعمال التحضيرية لمؤتمر سان فرانسيسكو – الذي تم وضع ميثاق الأمم المتحدة فيه – من أن تحديد صور استخدام القوة كما ورد في المادة 2/4 قد جاء بغرض التوضيح، وليس تضييق نطاق الحظر المقرر وفقاً لها. إضافةً إلى أن نهاية الفقرة الرابعة من المادة الثانية تؤكد هذا حيث تشمل بالحظر القوة المستخدمة على “أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة” مما يستفاد منه اتساع نطاق الحظر ليشمل جميع صور استعمال القوة في العلاقات الدولية([91]).
ويحتاج هذا منا التعرض بإيجاز لمحاولات تحديد مفهوم العدوان، وإلى أعمال الانتقام التي تنضوي على استخدام للقوة المسلحة لنرى ما إذا كانت تدخل ضمن نطاق هذا الحظر أم لا.
مفهوم العدوان:
ظل الغموض لفترة طويلة يشوب اصطلاح العدوان من حيث نطاقه وشروطه وأركانه.
وقد ورد اصطلاح العدوان في المواد (16) من (عهد) عصبة الأمم، و(39، 51) من ميثاق الأمم المتحدة. وكان يعكس مفهومين، يتصل الأول بالعدوان بوصفه عملاً يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر طبقاً للمفهوم الوارد بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وفي قرار الاتحاد من أجل السلم الذي أصدرته الجمعية العامة في 3 نوفمبر سنة 1950. وطبقاً لهذا المفهوم فالعدوان اصطلاح تقوم بتحديده أجهزة الأمم المتحدة كل في حدود اختصاصه. أما المفهوم الثاني فكان يتصل بالعدوان باعتباره صفة لفعل دولي، تثبت له أركان قانونية، تجعله مجرماً وفقاً لقاعدة من قواعد القانون الدولي، وتختص بالعقاب على ارتكابه محاكم دولية جنائية خاصة كمحكمتي طوكيو ونورمبرج اللتين قامتا بمحاكمة مجرمي الحرب من دول المحور عن جرائمهم في الحرب العالمية الثانية. وقد ذهب بعض من الفقه إلى وجوب أخذ التفرقة بين هذين المفهومين في الاعتبار عند تحليل لفظ العدوان. مع ملاحظة أن هذا لا يقتضي تجزئة تعريف العدوان.
ويخرج من نطاق التجريم استخدام القوة المسلحة وكافة صور العنف الدولي المسلح في حالات الدفاع الشرعي الفردي والجماعي، كذلك الحال في ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير. كما أضافت الأمم المتحدة مجموعة من التصرفات التي تستخدم فيها القوة المسلحة دون أن يكون ذلك غير مشروع، بشروط معينة، في حالات التدخل لاعتبارات إنسانية، والتدخل لاستعادة إقليم سليب، والتدخل بناءً على استدعاء من الحكومة الشرعية للدولة([92]).
وقد شهدت الأمم المتحدة مناقشات عنيفة حول جدوى تعريف العدوان، وليس حول إمكان أو عدم إمكان تعريفه، إذ لم ترغب الدول دائمة العضوية في وضع تعريف محدد للعدوان ليكون بيدها أن تحكم على ما تشاء بكونه عدواناً، ومن ثم توسع من نطاق حقها في الدفاع عن نفسها، حيث أن حروب العدوان وحروب الدفاع عن النفس هما وجهان متقابلان لعملة واحدة([93]). ورغم أن محاولات العصبة لوضع تعريف لهذا الاصطلاح قد باءت كلها بالفشل، إلا أن جهود الأمم المتحدة قد أسفرت عن وضع تعريف للعدوان، برغم صعوبة مهمتها هذه. وفي 18 ديسمبر سنة 1967 شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة خاصة لتعريف العدوان بقرارها رقم 2330، واستمرت اللجنة في أعمالها حتى سنة 1973 حتى استقرت على مشروعها الذي أقرته الجمعية العامة بقرارها رقم 3314، والصادر في 14 ديسمبر 1974.
وقد عرف هذا القرار العدوان في مادته الأولى بأنه “استخدام القوة المسلحة بواسطة دولة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو على أي وجه آخر لا يتفق وميثاق الأمم المتحدة كما هو مقرر في هذا التعريف”.
كما دارت مناقشات طويلة أيضاً حول تعريف العدوان في لجنة القانون الدولي أثناء عملها لإعداد مشروع مدونة الجرائم ضد السلام وأمن الإنسانية. وقد ظهرت خلال هذه المناقشات ثلاث مدارس رئيسية تأخذ بوجهات نظر مختلفة في شأن العدوان. وتعرف المدرسة الأولى بمدرسة التعريف الحصري The Enumerative School، وقد تزعم هذه المدرسة الاتحاد السوﭭيتي، وترى حصر الأعمال التي تعد من قبيل العدوان في قائمة خاصة.– وتزعمت فرنسا المدرسة الثانية – وهي مدرسة التعريف العام The General Definition School، وهي تحبذ وضع تعريف عام ذي صيغة مجردة يتناول العناصر الأساسية للعدوان.
“أما المدرسة الثالثة فهي تضم بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا. وهي مدرسة اللاتعريف The No-Definition School، وتؤمن هذه المدرسة بأن التعريف، أياً كان، لن يستوعب كافة صور العدوان. وأن هناك صوراً جديدة سوف تستجد، وربما لن ينطبق عليها التعريف الموضوع للعدوان، مما سيؤدي إلى إفلات مرتكبيها من المسئولية والعقاب، ولذا فإن هذه المدرسة تخشى من مخاطر الأخذ بتعريف محدد للعدوان، ومن ثم تنادي بعدم جدوى التعريف وخاصةً التعريف الحصري؛ حيث أن هذا النوع من التعريف الجامع المانع قد لا يستوعب عدواناً مستتراً يمكن أن يتمثل في أعمال استفزازية لا ينطبق عليها التعريف، وترتكب تحت ستارها أفعال خطيرة تحت شعارات معينة مثل الدفاع الشرعي أو المقاومة.
وهذه المدرسة الثالثة هي التي أخذت لجنة القانون الدولي بوجهة نظرها في إعدادها لمشروع المدونة الخاصة بالجرائم المرتكبة ضد السلام وأمن الإنسانية، وتجنبت، من ثم، التعريف الحصري للعدوان. ووضعت تعريفاً عاماً للجريمة ضد السلام في الفقرة الأولى من المادة الثانية مؤداه أنها “استخدام القوة المسلحة من سلطات دولة ضد دولة أخرى في غير حالات الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي، أو تنفيذ قرار أو توصية لجهاز دولي مختص للأمم المتحدة”.
وهكذا أصبح من حق مجلس الأمن – في صدد الحكم على تصرف دولة ما – أن يسترشد بالتعريف العام الوارد بقرار الجمعية العامة المشار إليه، وبالتصرفات الواردة في المادة الثالثة من هذا القرار، ليقضي بأن عدواناً وقع أو لم يقع بغض النظر عما إذا كان الهدف منه سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً. ولكن المجلس، في هذا، غير مقيد في رأيه بما ورد في هذا القرار. وكل عدوان بهذا الشكل إنما يعتبر جريمة ضد السلام تثير المسئولية الدولية، وبالتالي فإن أية مكاسب قد آلت إلى المعتدي نتيجة لهذه الجريمة تعد مكاسب غير مشروعة ويتعين عليه ردها.
وتتأسس هذه السلطة لمجلس الأمن على الواقع. فتعريف العدوان كما يظهر في مفهوم قرار الجمعية العامة رقم 3314 الصادر في 14 ديسمبر سنة 1974 هو تعريف غير كامل، وتظهر قيمته القانونية في المعايير والضوابط التي احتواها فحسب. حيث يمكن استخدامها – عن طريق القياس – فيما يستجد من حالات لا يغطيها القرار. حيث يمكن أن يشمل مفهوم العدوان مثلاً ، في نظر بعض الكتاب، الإصرار على رفض تسوية النزاع بالطرق السلمية. بل إن لجنة القانون الدولي قد انتهت في عام 1951 إلى أنه ليس في المصلحة التقيد بقوائم حصرية للأفعال التي تعتبر عدواناً؛ لأن هناك أفعال لا تعد دفاعاً شرعياً فردياً أو جماعياً أو تنفيذاً لقرار أو توصية من جهاز مختص من أجهزة الأمم المتحدة، ومع ذلك يمكن اعتبارها عدوانية([94]).
ونختم هذا النقاش بقول الدكتور أحمد عبد الونيس، والذي نتفق معه فيه، إذ يقول “يعتبر – وفقاً لنص هذه المادة (2/4) – محظوراً في العلاقات الدولية بوضعها الراهن – كل ما يتحقق به العنف الدولي، ويندرج – من ثم – في إطار وصف القوة من الأعمال، بقطع النظر عما إذا كان ذلك مكوناً لحالة الحرب أم لا، وسواء اتخذ شكل العدوان المباشر أم ارتكب بطريق غير مباشر”([95]).
أعمال الانتقام التي تتضمن استخدام القوة المسلحة:
تنطوي أعمال الانتقام على استخدام للقوة بغرض الأخذ بالثأر، أو المعاقبة، أو للردع عامةً([96]).
إن تفسير روح ميثاق الأمم المتحدة ليؤدي بنا إلى اعتبار أعمال الانتقام المسلحة أمراً محظوراً يتنافى مع النظام الدولي الجديد الذي توافقت الدول الأعضاء بالأمم المتحدة على احترامه منذ نشأة هذه المنظمة. ولكن خالف بعض الفقهاء هذا الرأي على اعتبار أن التدابير الانتقامية قد تساعد على رفع الظلم في بعض الحالات. والرأي الأول يبدو الأقرب للمنطق، كما يؤيده الإعلان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن المبادئ الحاكمة للعلاقات الودية بين الدول في عام 1970، إذ تضمن هذا الأخير نصاً صريحاً على أن على الدول واجب الامتناع عن اتخاذ التدابير الانتقامية العسكرية. كما تواترت قرارات مجلس الأمن على رفض إقرار مبدأ التدابير الانتقامية، حتى إنه قد اعتبر الالتجاء إليها عملاً لا يتفق ومقاصد هيئة الأمم المتحدة([97]).
وقد نص إعلان العلاقات الودية بين الدول على أن “على الدول أن تمتنع عن أعمال الانتقام التي تتضمن استخدام القوة المسلحة”([98]).
وهكذا تكون المادة 2/4 قد حظرت التهديد أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة ولم تشترط أن تكون الدولة الضحية عضواً في الأمم المتحدة. كما تجاوز الحظر الحرب لتغطي جميع الوسائل القسرية القاصرة عن الحرب الحقيقية. كما أن تعبير “القوة” الوارد في المادة 2/4 لم يسبقه وصف “المسلحة”.([99])
جـ – محاولات تضييق نطاق الحظر الوارد بالمادة 2/4:
لقد اقترح البعض أنه إذا لم تلتزم دولة بحكم قضت به محكمة العدل الدولية، فإن الطرف المظلوم له الحق في تنفيذ الحكم باستخدام القوة. ولكن هذا القول مرفوض إذ يكون لها الرجوع إلى مجلس الأمن ليقرر ما يجب اتخاذه.
كما نجد محاولة أخرى للنفاذ من النسيج المحكم للمادة 2/4 في المحاولات المستمرة لإعادة إحياء مبدأ الحرب العادلة في القانون الدولي المعاصر.
كما أن الدولة التي تستخدم القوة لإسقاط حكومة مستبدة في دولة أخرى تكون مخالفة للمادة 2/4، على الرغم من وجود تأييد قوي من بعض الفقهاء لاستخدام الوسائل القسرية في التدخل الإنساني([100]).
ويمكن اعتبار محاولة وضع أساس قانوني للأعمال الوقائية ضمن محاولات تضييق نطاق الحظر المفروض في المادة 2/4، وسندرس فيما يلي من فصول مدى نجاح هذه المحاولة.
خامساً: الأثر المترتب على الاستخدام غير المشروع للقوة:
تطبيق المبادئ العامة للمسئولية الدولية:
وفقاً لتقرير لجنة القانون الدولي في دورتها الثامنة والعشرين في 1976، فإن أي خرق لالتزام واقع على عاتق دولة وفق القانون الدولي، بغض النظر عن موضوع الالتزام، يرتب المسئولية الدولية([101]).
ولقد قررت المحكمة الدائمة للعدل الدولي المنعقدة في 1928 في قضية Chorzow أن أي خرق لتعهد يتضمن التزاماً بدفع التعويضات. ومن المفترض أن التعويض يجب أن يمحو كل آثار الفعل غير القانوني، ويعيد الموقف الذي كان مفترضاً أن يوجد إذا لم يرتكب ذلك الفعل، كما يجب أن يشمل التعويض الخسارة المتكبدة. وفي بعض الحالات يأخذ التعويض شكل الإرضاء الأخلاقي أو السياسي، وهذا قد يكون اعتذاراً أو تحيةَ لعلم الدولة الضحية أو معاقبة للأشخاص المذنبين من قبل الدولة المعتدية.
وحين تترتب المسئولية على الاستخدام غير المشروع للقوة بين الدول (أو شن حرب عدوان على دولة ما)، لا يكون من الممكن أن يؤدي التعويض إلى إرجاع الظروف لما كانت ستكون عليه إذا لم يحدث العدوان، لذا يتم غالباً الاستعاضة عنه بالتعويض (المادي) عن سائر الخسائر المتحققة من جراء ذلك العدوان.
وفي قضية نيكاراجوا عام 1986، حيث قررت محكمة العدل الدولية بعدما طرحت الادعاء الأمريكي بعدم اختصاصها، قررت أن الولايات المتحدة قد استخدمت القوة غير المشروعة ضد نيكاراجوا؛ ومن ثم تتحمل الالتزام بالتعويض عن جميع الأضرار المتسببة.
وتطبيقاً لهذه المبادئ، فإن مجلس الأمن بعد حرب الخليج 1991، قد قرر في العديد من القرارات مسئولية العراق عن دفع تعويضات للكويت والدول الأخرى التي تضرر مواطنوها أو شركاتهم من جراء تلك الحرب، ومنها القرار رقم 674 لسنة 1990، والقرار 687 في 1991، والقرارات 692، و705، و706، و712، و778([102]).
النظام الخاص للمسئولية الدولية:
وتطبيقاً لهذه المبادئ العامة على الحرب العدوانية كانتهاك للقواعد الآمرة وكجريمة دولية نقول أنه عندما تبدأ حرب العدوان، فإن كل دولة (وليس فقط الضحية المباشرة) لها أن تثير المسئولية الدولية على المعتدي. فالدولة الغير (الثالثة) تحصل على مركز المدعي ومن حقها أن تتصرف على هذا الأساس([103]).
ومما سبق يتبين لنا أن الالتزام الوارد بنص المادة 2 فقرة 4 – بصدد حظر استخدام القوة، أو التهديد بها في العلاقات الدولية – إنما يمثل التزاماً عاماً، يشمل جميع الوجوه التي قد يعرض فيها هذا الاستخدام أو التهديد به السلم الدولي للخطر، ومن ثم فقد أنهى مشروعية ما كان جائزاً من وجوه هذا الاستعمال، قبل قيام الأمم المتحدة. وبناءً عليه فإنه ، كما يقول الدكتور عبد الونيس ” لا سبيل إلى تجويز أي وجه من وجوه الاستعمال الدولي للقوة بحكم نص هذه المادة، إلا بمقتضى نص صريح، أتى به الميثاق أو تضمنه مصدر آخر من مصادر قانون المنظمة الدولية، يرخص صراحة بذلك، على أن يكون هذا الترخيص متفقاً تماماً مع أهداف ومقاصد الأمم المتحدة روحاً ونصاً. والواقع أن هذا الالتزام يجسد مبدأ أضحى بدوره جزءً لا يتجزأ من القناعة القانونية للمجتمع الدولي، وينهض – من ثم – إلى مستوى قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي في مفهوم المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وبعبارة أخرى، فقد أضحى هذا الالتزام يشكل قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي، التي لا يمكن ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها. وما دامت قاعدة عدم جواز استخدام القوة أو التهديد بها، أصبحت من القواعد التي تمثل – بحق أركان النظام العام في المجتمع الدولي، وتنأى – من ثم – عن نطاق الجدل القانوني، فإن مؤدى ذلك أن أي شكل من أشكال استخدام القوة أو التهديد به – بافتراض عدم تحقق الظروف التي توجب إعمال الاستثناءات الواردة بهذا الشأن – يعتبر عملاً غير مشروع، وكل أثر يترتب عليه يعتبر لاغياً، وأي حق يستند إليه – يصبح باطلاً. وإلا كان معنى ذلك أن القانون الدولي، إنما يقر بالآثار غير المشروعة للتصرفات([104]).
ونختم هذا الفصل بالقول أن الإطار القانوني للجوء إلى القوة، والذي أرساه ميثاق الأمم المتحدة قد أضحى الإطار الأوسع قبولاً عند الحديث عن قانون معاصر لاستخدام القوة، بحيث يحظر اللجوء إلى القوة أو التهديد به عامةً مع وجود استثناءين فقط على هذا الحظر، إما الدفاع الشرعي عن النفس فردياً أو جماعياً بشروطهما، أو استخدام القوة من قبل مجلس الأمن أو بتفويض منه وفقاً للفصل السابع من الميثاق. وبمعنىً آخر؛ إذا لم تكن القوة مستخدمة دفاعاً عن النفس، لزمت الموافقة السابقة لمجلس الأمن على استخدامها. ومع ذلك، فخلال السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، شككت عدد من التطورات الحاسمة في صلاحية نموذج ميثاق الأمم المتحدة.ويتضمن هذا: مشكلات تفسير الميثاق، الطبيعة المتغيرة للنزاع الدولي، فشل مؤسسات تطبيق القانون، وتفضيل متزايد من جانب الدول للعدالة على القانون. ويقر معظم أساتذة القانون الدولي بأن هذه التطورات التالية للحرب تمثل تهديدات خطيرة لنموذج الميثاق. والقليل منهم يزعمون أن هذه التطورات تعد كاشفة عن “تحول في النموذج Paradigmatic Shift”. حيث يرىArend و Beck أن هذا التغيير قد حدث فعلاً، فمنذ 1945 نشأ، في زعمهم، نموذج قانوني جديد هو “نموذج ما بعد الميثاق أو نموذج مساعدة النفس”. وهذا النموذج يعكس القانون الدولي المعاصر للجوء إلى القوة المسلحة([105]). إلا أن هذا القول غير مقبول إذ أنه حتى لو سلمنا بنشوء نموذج جديد في العرف، برغد عدم وجود ما يدل على أن الدول قد كفرت بقاعدة حظر اللجوء للقوة، وليس لدينا هنا سوى حالات استثنائية تؤكد القاعدة ولا تنفيها، فإن العرف وحده لا يكفي لتعديل قاعدة آمرة واردة بميثاق الأمم المتحدة، كما سنرى فيما بعد. ومن ثم يظل الحظر قائماً، مع التسليم بوجود نقاش حول نطاق الاستثناءات الواردة عليه نتناول بعضه فيما يلي من فصول هذه الدراسة.
الفصل الأول:
حق الدفاع عن النفس .. ماهيته وشروطه
حق الدفاع عن النفس هو حق طبيعي عرف واعترف به منذ الأزل. وهو متاح للأفراد في الأنظمة الداخلية كما للدول، بعد نشوئها ككيانات ذوات سيادة. ولقد احتفظ الأفراد تاريخياً في الحق في الدفاع عن النفس أحادي الجانب لحماية وصيانة المكنات القانونية([106]). ومن المسلم به أن الحق العادل في الدفاع عن النفس ملتصق دائماً بالدول مثلهم مثل الأفراد، وهو ضروري أيضاً لحماية الاثنين([107]).
الدفاع الشرعي حق يعني في أبسط معانيه أن من يقتل مستنداً إليه له الحق في أن يفعل، ويؤكد حقه هذا أن المعتدي يفقد حقه في ألا يقتل بواسطة المعتدى عليه، فمن خلال أفعاله العدوانية فقد أو ألغي حقه في الحياة. وحق الدفاع الشرعي متفرع عن الحق في الحياة، ففي لحظة الاشتراك في المواجهة يشكل كلا الطرفين خطراً على حياة الآخرفلم إذن يباح للمدافع فقط إنهاء حياة المعتدي؟ هل لأن الحق في الحياة مقيد بعدم الاعتداء على الآخرين؟ أم لأنه يفقد نتيجة الاعتداء على الغير؟ من المسلم به أن الحق في الحياة حق أساسي غير مشروط ولا يقبل التنازل عنه ولكن يمكن أن يكون الحق في الحياة مقتصراً على الحق في ألا يقتل الإنسان ظلماً. إن ما يبرر للمدافع الحق في القتل وينفي عن المعتدي الحق في الحياة هو خطأ المعتدي المصحوب ببراءة المدافع فيما يتعلق بالهجوم محل البحث([108]).
وبموجب العقد الاجتماعي يقع على الدولة واجب الدفاع عن شعبها ومقدراته، فهو ليس حقا للدولة تمارسه أو تتركه، بل حق لا يجوز التنازل عنه.
حيث تزداد أهمية فكرة الدفاع الشرعي في الأنظمة القانونية التي تتميز بقدر من اللامركزية، كالمجتمع الدولي حيث تعظم حاجة الدول إلى حماية حقوقهم بأنفسهم، وذلك لخلو النظام الدولي من جهاز مركزي يقوم بتطبيق القانون على أفراده جبرياً، أو لبطء وعدم فعالية هذا النظام في هذا الشأن. ونظراً لهذه الطبيعة اللامركزية للمجتمع الدولي فقد صار حق الدفاع الشرعي حقاً هاماً بل هو الحق الأساسي لأي دولة عضو، حتى تطور المجتمع الدولي محققاً قدراً من المركزية خلال النصف الأخير من القرن العشرين وذلك بإقرار مبدأ تحريم استخدام القوة من قبل الدول، فأضحى من الضروري وضع تعريف محدد لحق الدفاع الشرعي باعتباره الاستثناء الرئيسي على مبدأ تحريم استخدام القوة حتى لا يفرغ هذا المبدأ من أي مضمون قانوني([109]). وفي هذا يختلف القانون الدولي عن القوانين الداخلية للدول حيث يقيد حق الدفاع عن النفس بقيود كبيرة في الأنظمة القانونية التي بلغت درجة كبيرة من النضوج.
ويتوقف قيام الحق في الدفاع الشرعي على وجود ظروف تحتم اتخاذ الخطوة الأولى لحماية النفس بمعرفة الفرد أو الدولة المعتدى عليها حتى تتدخل سلطات الدولة أو المجتمع الدولي وذلك في إطار النظام القانوني الداخلي للدول أو النظام الدولي؛ ومن ثم فهناك شبه إجماع بين جميع الأنظمة القانونية على ضرورة تنظيم مباشرة حق الدفاع عن النفس([110]).
حينما كانت الحرب حالة طبيعية للعلاقات بين الأمم، وكان الحق في شنها متاحاً للجميع لم يكن الدفاع عن النفس يشكل مشكلة، إذ كان لجميع الدول حرية شن الحروب بلا تحفظ. سواءً أكانت هذه الحروب حروب عدوان أو دفاع. ثم اكتسب حق الدفاع عن النفس أهمية كبرى في القانون الدولي منذ التفكير في نبذ الحروب في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ثم مع حظر الحرب تبدت الأهمية الكبرى لتنظيم الحق في الدفاع عن النفس. فلقد صاحب تطور فكرة الدفاع الشرعي تطور مبدأ تحريم العدوان([111]). وفي تطوره المستمر، اتجه المجتمع الدولي نحو إقامة منظمات دولية تعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين، وفي إطار تعاون الدول لتحقيق هذا الهدف ترتضي التنازل عن بعض مظاهر سيادتها. وقد سارت جنباً إلى جنب مع هذا التطور محاولات حثيثة لتقييد حق الدول في استخدام القوة الأمر الذي انتهى بتحريم استخدام القوة أو التهديد بها على النحو الوارد بميثاق الأمم المتحدة([112]). كما نظم الميثاق الحق في الدفاع الشرعي باعتباره استثناءً على قاعدة تحريم استخدام القوة الواردة بالمادة 2/4.
والدفاع عن النفس في النظام الداخلي هو الحق في استخدام قوة معقولة لحماية النفس أو أفراد العائلة من الضرر الجسدي أو حماية الممتلكات في مواجهة معتد إذا ما كان لدى المدافع سبباً للاعتقاد بأنه في خطر. بحيث يكون الشخص خلواً من الخطأ أو الاستفزاز، وألا تكون لديه وسيلة للهرب أو التراجع، كما يجب أن يكون هناك خطر وشيك. والقوة المستخدمة في الدفاع عن النفس يجب أن تكون كافية للحماية من الخطر البادي (وليس مجرد التهديد اللفظي) أو لإيقاف خطر هجوم، ولكنه لا يكون مبرراً لإطالة الهجوم أو لاستخدام قوة مفرطة. ولا يمكن أن يتضمن الدفاع عن النفس فعل القتل أو الضرر البدني الشديد إذا كان هدفه الدفاع عن الممتلكات، إلا إذا كان الخطر الشخصي متضمناً([113]). وهو بهذا المفهوم لا يختلف كثيراً عنه في القانون الدولي.
ولا يمكن أن يقوم دفاع شرعي ضد الدفاع الشرعي، وبالتالي ففي حالة المواجهة المسلحة بين دولتين سيكون لإحداهما فقط حق الدفاع الشرعي بينما تكون الأخرى معتدية. وإذا تجاوز الطرف صاحب الحق في الدفاع الشرعي حدود حماية حقه باستخدام القوة المفرطة يتحول حينئذ إلى معتد يجوز في مواجهته الالتجاء لحق الدفاع الشرعي.
ويفرق الدفاع الشرعي عن غيره من أنظمة استخدام القوة أن جوهره هو وقوع الخطأ السابق، أي إخلال طرف بواجب قانوني له متعلق بالطرف الذي يقوم له الحق في الدفاع الشرعي، ولعل هذا هو ما يميز الدفاع الشرعي عن حق المحافظة على النفس وعن حق الضرورة. كما يختلف الدفاع الشرعي عن الجزاءات في أنه يهدف إلى حماية الحقوق الأساسية القانونية وغرضه المنع وليس العقاب، وهذا هو ما يفرق بين الدفاع عن النفس والأخذ بالثأر وأعمال الانتقام.
يعتبر الدفاع الشرعي حقاً أو رخصة تبرر اتخاذ سلوك – هو كقاعدة غير مشروع – إذا ما دعت الضرورة لذلك حمايةً لحق أو حقوق معترف بها قانوناً للدول ذات السيادة. ولكن أية حقوق تلك التي يسمح القانون الدولي إزاءها باللجوء إلى هذه الرخصة الاستثنائية؟ اختلف الفقهاء في تحديد هذه الحقوق، فرأى بعضهم أنها تشتمل على حق السلامة الإقليمية والحق في الاستقلال السياسي، وحق حماية الوطنيين في الخارج والحق في حماية بعض المصالح الاقتصادية الكبرى، ورأى البعض الآخر منهم أن هذه الحقوق تقتصر على حقي السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي دون غيرهما.
حين تناول ميثاق الأمم المتحدة حق الدفاع الشرعي، لم يكن تناوله منشئاً لهذا الحق، بل مقرراً لحق سابق في وجوده على وجود الميثاق ذاته، حق ثابت وأصيل لكل شخص قانوني سواءً كان دولة أو فرداً.
ففقهاء القانون الطيبعي يرون أن حق الدفاع الشرعي وجد أساساً كمبدأ من مبادئ القانون الطبيعي وذلك لعالمية هذا الحق، ورأوا من ثم أنه يمكن تعريفه وفقاً لهذا القانون. وبرغم أن محاولات تعريف الحق في الدفاع عن النفس على أساس من القانون الطبيعي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بشكل عام لم تصادف قبولاً، فإن بعض خصائص هذا الحق قد استمدت من القانون الطبيعي، ولا زالت صحيحة حتى الآن([114]).
كما تحدث عن قيود الدفاع الشرعي الفقهاء المسلمون حيث أن الدفاع الشرعي هو أساس إباحة الحرب في الإسلام، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم، لم يبدأ أحداً من الكفار بقتال، بل قاتل المعتدين منهم([115]).
وقد قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين تناولنا في الأول طبيعة ونطاق حق الدفاع عن النفس في القانون التقليدي وشروطه وفقاً لهذا القانون، وبحثنا في الثاني الدفاع عن النفس في القانون الدولي المعاصر، كما ورد في نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والشروط التي ينبغي أن تتوفر في فعلي الاعتداء والدفاع وفقاً للميثاق بشيء من التفصيل.
المبحث الأول:
طبيعة الدفاع عن النفس وشروطه في القانون الدولي التقليدي
أولاً:- طبيعة الدفاع عن النفس في ظل عهد عصبة الأمم وميثاق باريس:
ارتبط حق الدفاع عن النفس تاريخياً بالحق في حماية النفس والذي لم يكن له تنظيم قانوني شكلي، وأي مناقشة للقانون العرفي يجب أن يصاحبها الوعي بأن التطبيقات الدولية في الفترة السابقة على نشأة العصبة قد اتسمت بعدم التواتر ولا الانتظام، مما يدل على عدم وجود تنظيم قانوني للجوء إلى القوة في القرن التاسع عشر. والأثر القانوني للتطبيق الدولي بشأن الدفاع عن النفس قد ازداد بالضرورة بعد عام 1920 في الفترة التي ظهر فيها تنظيم قانوني فعال لاستخدام القوة([116]).
فالقانون الدولي العرفي لم يكن يفرق بين الدفاع الشرعي ومقابلة العدوان بالمثل أو أعمال العقاب والانتقام، وفي المرحلة من 1920 إلى 1930 عالج الفقهاء حق الدفاع الشرعي على هذا النحو فكان الدفاع الشرعي بالنسبة إليهم يقوم على اتخاذ التدابير الضرورية إما لمنع الإخلال بالحقوق المقررة قانوناً وإما للمعاقبة على هذا الإخلال([117]).
ولقد أدى القبول المتزايد من جانب الدول في الفترة من 1920 إلى 1939 للنظر إلى الحرب أو إلى أي استخدام للقوة كأداة للسياسة القومية باعتبار هذا غير قانوني، أدى هذا إلى انقضاء حقوق مساعدة النفس وحماية النفس. حيث كان الحق في حماية النفس يتسع دائماً لتبرير مارسات تتعدى حدود ما هو ضروري للحفاظ على التكامل الإقليمي للدولة.
ولقد نتج عن التطورات القانونية في فترة عصبة الأمم أنه على حين لم يعد للحق في المحافظة على النفس ثمة وجود في شكله التقليدي، فإن بعضاً من مضمونه قد تم الإبقاء عليه. هذا الحق المتخلّف عنه قد أشير إليه بـ “الدفاع عن النفس أو الدفاع الشرعي”. وكان مفهوماً أن هذا الحق في الدفاع الشرعي كان مادةً للتحديد القانوني، وكان مقتصراً على الاستجابة لخطر حالّ يحيق بالسلامة المادية للدولة ذاتها.
ومن أسفٍ أن قبول وجود حق للدفاع عن النفس ذي تحديد قانوني أساساً، لم يصحبه تعريف دقيق لمضمون ذلك الحق.
وكان من الملاحظ أنه في فترة عصبة الأمم ورد حق الدفاع عن النفس عامةً في نطاق استخدام القوة. وكان في جوهره استجابة من قبل إحدى الدول ضد استخدام للقوة أو تهديد به من جانب القوات المسلحة لدولة أخرى؛ حيث كان جوهر هذا الحق هو التناسب مع الخطر المواجه، وهو ما يحمل قرينة على أن القوة كانت مبررة فقط كرد فعل على قوة أخرى([118]).
ففي مرحلة عصبة الأمم لم تكن التطبيقات الدولية تضفي المشروعية على استخدام القوة إلا حيث يكون هذا الاستخدام مستنداً على فكرة الدفاع الشرعي ضد هجوم مسلح أو تهديد به، أو ضد عدوان لم يسبق باستفزاز provocation من جانب المعتدى عليه أو كان مستنداً على أحكام المادة 16 من عهد العصبة. وفكرة الاستفزاز هذه هي ما كان يشوه التطبيقات الدولية في تلك المرحلة([119]).
أما ميثاق باريس (بريان كيلوج 1924) فلقد واجه العديد من التحفظات بشأن حق الدفاع عن النفس بوجه خاص من قبل كل من بريطانيا وفرنسا واليابان وجنوب إفريقيا([120]).
– الجهة المختصة بتحديد مدى ضرورة الالتجاء إلى القوة على أساس من الدفاع عن النفس:
رأت بعض الدول أن كل دولة تختص وحدها بتحديد مدى شرعية لجوئها إلى الحرب تحت مظلة الدفاع عن النفس. وهذه هي الحجة التي استندت إليها اليابان عندما أرادت اعتبار عدوانها على منشوريا عام 1931 دفاعاً عن النفس، وهو ذات ما استندت عليه إيطاليا حين اعتدت على الحبشة عام 1935، ثم بعض مجرمي الحرب الألمان إبان محاكمات نورمبرج([121]).
غير أن هذا الاتجاه لم يلق قبولاً فقهياً ولا تأييداً في التطبيقات الدولية، حيث لم تكلل جهود الحكومات للاحتفاظ بالحق في تحديد مدى وجود ضرورة للدفاع الشرعي بالنجاح إبان عهد عصبة الأمم([122])، ولا بعد ميثاق باريس حيث يقول لوتاريخت أنه: “إذا كان من حق الدول كل منها على حدة، أن تفصل بصفة نهائية في مدى توافر ضرورة ممارسة الدفاع الشرعي، فإن ميثاق باريس سوف يفقد صفته كوثيقة قانونية ويصبح أداة عديمة الفاعلية”([123]).
كما رفضت المحكمة العسكرية الدولية بنورمبرج، فيما يتعلق بغزو ألمانيا للدانمرك، الحجة التي قدمها مجرمي الحرب الألمان، والمبنية على هذه الفكرة. وقالت المحكمة أن “مسألة ما إذا كانت الأفعال المرتكبة تعتبر في الحقيقة عدوانية أم دفاعية، يجب الفصل فيها بواسطة المجتمع الدولي في النهاية طبقاً لقواعد القانون الدولي”([124]).
ثانياً:- شروط حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي التقليدي:
يعود الأصل التاريخي للشروط التي تتطلبها ممارسة الحق في الدفاع الشرعي إلى واقعة الكارولينا Caroline Case، والتي حدثت في 29 ديسمبر 1837، وثار حولها جدل قانوني بين بريطانيا والولايات المتحدة بشأن الشروط الصحيحة لممارسة حق الدفاع الشرعي([125]).
ففي عام 1837، وحيث سادت العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا حالة من السلام، عبرت قوة مسلحة بريطانية صغيرة من كندا إلى شاطئ الولايات المتحدة لنهر النياجرا، وهاجمت زورقاً أمريكياً يسمى الكارولينا وقتلت مواطناً أمريكياً وأشعلت النار في الزورق وفُقِد 12 مواطناً آخرين، وذلك لتمنع استخدام هذا الزورق في مساعدت القوات الثائرة في كندا بنقله المؤن والذخائر إليهم([126])، وكانت كندا في ذلك الوقت خاضعة للتاج البريطاني، وطالبت الولايات المتحدة بتعويض خسائرها، وردت بريطانيا أن ما حدث من تدمير للكارولينا كان عملاً ضرورياً وقانونياً من أعمال الدفاع عن النفس([127]).
وقد أرسل Webster وزير الخارجية الأمريكية رسالة إلى السفير الإنجليزي في واشنطن رد فيها بأن “العمل البريطاني لا يمكن اعتباره عملاً مشروعاً، إلا إذا استطاعت الحكومة البريطانية أن تثبت توافر الضرورة الملحة والشاملة، على النحو الذي لم يترك حرية في اختيار الوسيلة ولا فرصة للتدبر في الأمر”([128]). وبرغم اختلاف الحكومتين حول وقائع القضية إلا أنهما اتفقتا حول المبادئ القانونية الواجبة التطبيق. فصياغة وبستر يستفاد منها أنه يشترط للمارسة الصحيحة للدفاع الشرعي أن يتوافر أمران هما: الضرورة والتناسب، فلا يجب على الدولة فقط أن توضح ضرورة ردها، بل عليها أن تظهر أيضاً أن أفعالها في الرد لم تكن غير عقلانية ولا مبالغ فيها. وذلك إضافةً إلى شرط حدوث إخلال فعلي بأحد حقوق الدولة الأساسية أو تهديد بذلك، وهو ما يشكل المخالفة القانونية السابقة، والتي لأجلها أبيح الدفاع([129]).
ويمكننا الحديث عن طائفتين من الشروط فيما يتعلق بحق الدفاع الشرعي؛ شروط ينبغي توافرها في فعل الاعتداء، وشروط ينبغي أن تتوافر في فعل الدفاع.
أ- الشروط التي يجب أن تتوافر في الفعل المكون للاعتداء:
لكي يقوم للدولة الحق في ممارسة الدفاع الشرعي يجب أن يقع ينطوي الاعتداء الواقع عليها على خطر حال ذي مصدر غير مشروع([130]).
- أن يكون مصدر الخطر غير مشروع:
يعتبر الخطر المتضمن في الاعتداء غير مشروع إذا كان يهدد بوقوع إخلال بحق يحميه القانون الدولي. وهذا ضابط موضوعي وبدهي، يترتب عليه أنه لا يصير من حق من يوجه اعتداءً منطوياً على خطر غير مشروع ضد غيره أن يحتج بالدفاع الشرعي في مواجهة المقاومة التي يبديها المعتدى عليه والتي تمثل الدفاع الشرعي الحق، حيث تقضي القاعدة بأنه لا دفاع ضد الدفاع([131]).
- أن يكون الخطر حالاً:
بدون هذا الشرط لا يتحقق الهدف من إباحة حق الدفاع الشرعي، وهو درء خطر عن الدولة المعتدى عليها لم يكن بوسع المنظمات الدولية صده عنها. ويأخذ الخطر الحال إحدى صورتين: أولاً: أن يكون الخطر وشيكاً أي لم يبدأ بعد لكنه على وشك الوقوع، وهذا يفترض أن تكون قد صدرت أفعال من المعتدي تجعل من وقوع الاعتداء على الفور أمراً منتظراً إذا ما سارت الأمور بطريقة طبيعية. إما إذا كان الخطر مستقبلاً، أي متوقعاً لكنه ليس وشيكاً فلا يقوم الحق في الدفاع الشرعي؛ إذ يكون بإمكان السلطات الدولية المختصة التدخل وحماية الطرف محل التهديد. والصورة الثانية هو أن يكون الاعتداء واقعاً بالفعل ولم ينته بعد، أما إذا انتهى فتنتفي عنه عندئذ صفة الحلول، ويكون الرد باستخدام القوة المسلحة من جانب المعتدى عليه انتقاماً محظوراً بمقتضى القانون الدولي.
وقد أثار هذا الشرط خلافاً بين الفقهاء حيث ذهب بعضهما إلى أنه يكفي لقيام حق الدفاع الشرعي وجود تهديد بهجوم وشيك، على حين يصر البعض الآخر على وجوب أن يقع الهجوم المسلح بالفعل كي يتحقق شرط الحلول ويقوم بالتالي الحق في الدفاع الشرعي([132]).
ب- الشروط التي ينبغي توافرها في فعل الدفاع:
- شرط الضرورة:
يجب أن يكون الخطر المتطلب للدفاع عن النفس حالاً وداهماً ولا توجد وسيلة لصده سوى باللجوء إلى القوة، فإذا لم يكن هذا الخطر حالاً ولا داهماً أو وجدت وسيلة أخرى لصده كاللجوء إلى المنظمة الدولية أو أي من الوسائل السلمية، لا يكون للدفاع الشرعي محل، بل واعتبر استخدام القوة عدواناً يباح الدفاع الشرعي ضده. كما يجب أن يوجه الدفاع الشرعي إلى الدولة مصدر العدوان.
وشرط الضرورة ليس شرطاً جامداً، بل يعتمد على ظروف كل حالة على حدة، ومدى التقدم في تكنولوجيا الحرب، ولا يتوقف على الخطر الذي تتم مواجهته بالفعل فحسب، بل أيضاً حجم الخطر المتوقع([133]).
- شرط التناسب:
يتضمن حق الدفاع الشرعي في القانون العرفي افتراض تناسب القوة المستخدمة مع التهديد المواجه. ولقد جذبت الصيغة التي استخدمها Webster اهتمام الفقهاء لتأكيدها على أن الدفاع عن النفس يجب ألا يتضمن شيئاً غير معقول أو مبالغ فيه. وطالما كان الفعل تبرره ضرورة الدفاع الشرعي فينبغي له أن يتقيد بهذه الضرورة ولا يتخطى حدودها. وما فعلته صياغة Webster حقيقةً هو أنها تحدثت عن حق للدفاع عن النفس ذي تطبيق أضيق نطاقاً من كل من الحق في الحفاظ على النفس غير الواضح الحدود، والمفهوم السياسي الواسع للدفاع عن النفس كما نجده في الفكر والعمل الدوليين في القرن التاسع عشر ([134]).
وتعتبر ندرة النقاش حول التناسب مثيرة للدهشة حيث تترك الصيغ المعبرة عن متطلبات التناسب في عبارة Webster وغيرها العديد من المشكلات بدون حل. وفي واقعة الكارولينا اختلفت الولايات المتحدة مع الحكومة البريطانية حول مدى تناسب رد الفعل البريطاني مع الخطر. كما أن هناك نقاش بأن الأعمال الوقائية تتعارض منطقياً مع مبدأ التناسب بين العدوان والدفاع([135]).
ويعني هذا الشرط أن تكون الأفعال المتخذة دفاعاً عن النفس متناسبة مع الخطر القائم، وألا تتجاوز الحدود المعقولة، وأن تقتصر هذه الأفعال على دفع الخطر المباشر والحال. وفي بعض الأحيان حيث لا يتضح حجم الخطر المواجه، يمكن أن يتعادل رد الفعل مع الخطر الظني الناشئ عنه، ولو تجاوز ذلك حجم الهجوم الموجه فعلاً. كما يرى عدد قليل من الفقهاء أن مبدأ التناسب لا يحول بين من هو في وضع الدفاع عن النفس وبين إزالة مصدر الخطر الذي يواجهه، وليس فقط إزالة ذلك الخطر([136]). بل يذهب Bowett إلى أبعد من ذلك، حيث يرى أن استخدام القوة يعد مشروعاً بوصفه إعمالاً لحق الدفاع عن النفس في حالة تهديد الاستقلال السياسي لدولة ما عن طريق العدوان أو الوسائل الاقتصادية([137]).
– الدفاع “الوقائي” عن النفس في عهد العصبة:
نلاحظ من عهد العصبة ، كما في قول Myra Williamson أن مجلس العصبة كان بإمكانه نظرياً أن يقوم بالتصرف من قبل أن يتحول التهديد إلى عمل عدواني، ولكنه، مع ذلك، لم يعين الوقت الذي يمكن فيه استخدام القوة كدفاع وقائي عن النفس. فلو كان هناك ثمة وجود لمثل هذا الحق، لم تكن ممارسته جائزة إلا استجابةً لهجوم مسلح بدأ بالفعل، وليس مجرد التهديد بالهجوم، كما أن ممارسته تكون قاصرةً على مجلس العصبة، وليس للدول فرادى اللجوء إليه([138]).
– الرقابة اللاحقة على أعمال الدفاع الشرعي:
زعمت بعض الدول قبل إنشاء الأمم المتحدة أن أعمال الدفاع عن النفس لا تخضع للرقابة القضائية اللاحقة. ولكن لم يقبل هذا الادعاء لا الفقه ولا القضاء، وذهبت محكمة نورمبرج العسكرية الدولية هذا المذهب حيث قالت: “إن تحديد ما إذا كانت الأفعال التي اتخذت بدعوى الدفاع عن النفس تحمل الطابع العدواني أم الدفاعي، يجب أن يخضع في النهاية للفحص والمراجعة بواسطة جهة محايدة، إذا كان لابد للقانون الدولي أن يكون فعالاً”([139]).
المبحث الثاني:
الدفاع عن النفس في القانون الدولي المعاصر
أولاً:- المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وعلاقتها بالقانون العرفي للدفاع الشرعي:
نظم ميثاق الأمم المتحدة ممارسة حق الدفاع الشرعي على نحو يختلف في بعض الجوانب عن تنظيم هذا الحق في القانون التقليدي، وذلك وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على ما يلي: “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول – فرادى وجماعات – في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال من الأحوال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه”([140]).
لم تتضمن مقترحات دمبارتون أوكس استثناءً صريحاً بالنسبة لحق الدفاع عن النفس. وفي مؤتمر سان فرانسيسكو اتفق على إدراج الاستثناء الخاص بحق الدفاع الشرعي ضمن الترتيبات الخاصة بالتنظيمات الإقليمية. لذا أدرجت أولاً ضمن الفصل الثامن الخاص بالترتيبات الإقليمية، ثم نقلت إلى الفصل السابع الخاص بتدابير القمع التي تتخذها الأمم المتحدة رداً على حالات الإخلال الخطير بالسلم والأمن الدولي، وذلك إثر اقتراح سوفيتي استند على أن بقاء الاستثناء الخاص بحق الدفاع عن النفس ضمن الفصل الخاص بالتنظيمات الإقليمية سوف يضيق من نطاق تطبيقه إلى حد بعيد ويقصره على حالات التدابير الأمنية الإقليمية([141])، وفي مكانها هذا لم يكن غريباً أن تشترط المادة لإباحة الدفاع الشرعي وقوع هجوم مسلح على أحد أعضاء الأمم المتحدة([142]).
ومن الضروري تحديد مدلول المادة 51 في سياق كامل الميثاق، وعلاقة هذه المادة بالقانون العرفي فيما يتعلق بالدفاع عن النفس واستخدام القوة، مع عدم إغفال الإشارة إلى الدفاع الجماعي عن النفس والقيود التي يتقيد بها.
أ- نطاق الدفاع الشرعي وفقاً للمادة 51:
يظهر نطاق الدفاع الشرعي من تحليل نص المادة 51 كما يلي:
– “ليس في هذا الميثاق ثمة ما يقيد أو يعطل الحق الطبيعي والأصيل في الدفاع الشرعي”:
وردت الإشارة بالمادة 51 إلى “الحق الطبيعي” في الدفاع عن النفس لتوضح أن ذلك الحق موجود منذ القدم، وليس حقاً جديداً من خلق الميثاق، فتكون المادة 51 كاشفة Declaratory ومنظمة لحق الدفاع الشرعي وليست منشئة Constitutive له([143]). فاستخدام كلمة “الأصيل” لم يكن الهدف من ورائه المحافظة على حق واسع النطاق، بل وضعت هذه الكلمة للاعتراف بأنه لا يزال للدول الحق في ممارسة الدفاع الشرعي، مع مسئولية مجلس الأمن عن مراقبة استخدامها للقوة في هذا الإطار([144]) كما قرر وزير الخارجية الأمريكي Mr. Grew في 21 مايو 1945 أن المادة الجديدة (51) قد اعترفت بالحق الأصيل في الدفاع عن النفس دونما مساس بالسلطة المطلقة لمجلس الأمن([145])؛ فقد كان الاقتراح الأمريكي للمادة كالتالي “ليس في الميثاق ما يبطل اللجوء للدفاع عن النفس في مواجهة هجوم مسلح”([146]).
كما أن مضمون المادة لا يتغير إذا حذفنا منها كلمة أصيل، ومن المسلم به أن ميثاق الأمم المتحدة يخلق قانوناً دولياً عالمياً([147]). ويرى الفقيه كلسن أن هذه الإضافة تعبر عن رأي نظري لمشرع غير ذي قيمة قانونية([148]).
وبالنظر إلى الأساس التعاقدي لقانون المعاهدات فإن هذه العبارة تفسر بأنه فيما لم يرد بالنسبة إليه نص في الميثاق من إجراءات وشروط يصير القانون العرفي أو الطبيعي هو الواجب التطبيق، أما الشروط والإجراءات المنصوص عليها في الميثاق فتكون واجبة التطبيق وليس للدول اختيار أيهما تطبقه. فمثلاً تنطبق القاعدة العرفية التي تقول بأن يقتصر استخدام القوة في الدفاع الشرعي على القدر الضروري لغرض الدفاع الشرعي لعدم بيان ذلك في الميثاق، بينما يجب أن يتوقف استخدام القوة فور تدخل مجلس الأمن باتخاذ التدابير الضرورية لحفظ الأمن، عملاً بمقتضى الأساس التعاقدي لقانون المعاهدات([149]). وبالنسبة للدفاع عن النفس الذي لا يتخذ القوة المسلحة وسيلة لممارسته فلا يزال ينظمه القانون الدولي التقليدي. ولقد أسست محكمة العدل الدولية حكمها في قضية نيكاراجوا على قواعد القانون الدولي العرفي فيما يتعلق بالدفاع عن النفس نتيجةً لهجوم مسلح. ومع ذلك، فإن المحكمة قد أكدت أن هذا كان بسبب ظروف القضية([150]).
ويتحدد تعريف الدفاع الشرعي في القانون العرفي بما كان يقتضيه ذلك القانون وقت صياغة ميثاق الأمم المتحدة أي في عام 1945، لا ما كان مسلماً به قبل ذلك، وفي ذلك الوقت لم يكن استخدام القوة مقبولاً وشرعياً إلا في حالة كون ذلك رداً على استخدام فعلي غير مشروع للقوة من جانب دولة أخرى، ويخرج عن الدفاع الشرعي بالتالي ما اختلط به من حقوق أخرى للدولة ظهرت في التطبيقات الدولية قبل عام 1920 مثل المحافظة على النفس أو حالة الضرورة([151]).
وفقاً لـ Dinstein فإن حق الدفاع عن النفس الذي ينظمه ميثاق الأمم المتحدة تمتد جذوره إلى القانون الدولي العرفي، مع وجود اختلاف في نطاق هذا الحق بين التنظيمين. فعلى حين تحصر المادة 51 إباحة الدفاع عن النفس في حالة وقوع “هجوم مسلح” فعلي، وحيث يرى بعض المعلقين أن القانون العرفي يفعل المثل، فهو يقول أن الحق العرفي في الدفاع عن النفس كان يشمل أعمال المنع أو التدابير الوقائية (في مواجهة هجوم مسلح متوقع) وليس فقط استجابةً لهجوم قد وقع بالفعل([152]).
وعامةً لا يلقى القول بأن ورود كلمة “الأصيل” في المادة 51 دليل على انطباق قواعد القانون العرفي فيما يتعلق بالدفاع الشرعي وعدم التقيد بضرورة وقوع الهجوم المسلح ليبدأ الدفاع ضده قبولاً كبيراً في الفقه الدولي، بل تنبذ غالبية الفقه هذه النظرية([153]). فيقول الفقيه Henkin عن نظرية الحق “الطبيعي” أنها: “بلا أساس، وتبريرها مغلوط، والاعتقاد بها ذي آثار مدمرة”([154]).
– “إذا ما وقع هجوم مسلح”:
لماذا استخدمت المادة تعبير الهجوم المسلح بدلاً من العدوان؟
يرى الدكتور الغنيمي أن واضعي الميثاق قد فعلوا ذلك طلباً للدقة، وذلك لغموض تعبير العدوان حيث يمكن أن يضم مجرد التهديد أو التحريض، وليس بالضرورة الاستخدام الفعلي للقوة([155]).
وقد كان بإمكان واضعي الميثاق العمل على تعريف أعمال العدوان، أو تحديد الأفعال التي يمكن أن تشكل استخداماً غير مشروع للقوة، ولكنهم فضلوا على ذلك تحديد الظروف التي يمكن في ظلها ممارسة حق الدفاع عن النفس.
وهناك نظريتان لتفسير المادة 51 إحداهما ضيقة ترى أنه يتطلب للعمل وفقاً للدفاع الشرعي وقوع هجوم مسلح فعلي، بينما تعترف النظرية الواسعة بالدفاع الوقائي بمجرد حدوث تهديد وقبل الوقوع الفعلي للهجوم المسلح([156]).
ويحتج مؤيدو النظرية الواسعة بأن عبارة “إذا وقع هجوم مسلح”، والتي وردت بنص المادة 51 من الميثاق، لا تتضمن أي قيد على ممارسة الحق في الدفاع عن النفس، حيث “إذا” “If” تفيد هنا معنىً مستقبلياً يتسع ليشمل ما يتوقع حدوثه([157]). إضافةً إلى أن هذه العبارة قد وردت فقط على سبيل المثال، وإذا اعتبرنا عبارة المادة 51 “إذا وقع هجوم مسلح على عضو في الأمم المتحدة” جامعة مانعة سيؤدي هذا بنا إلى نتيجة غير منطقية يترتب عليها حظر تدخل الدول الأعضاء لحماية الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة إذا ما تعرضت إحدى الدول الأخيرة لهجوم مسلح. كما يؤكد أنصار هذا الاتجاه أن النص الفرنسي للمادة 51 أكثر دقة من النص الإنجليزي لها حيث يتسع ليشمل حالة كون العضو هدفاً للعدوان المسلح، بلا تقيد بوقوع هذا العدوان فعلاً. كما يؤيدون وجهة نظرهم بأن اشتراط الوقوع الفعلي للهجوم المسلح يترتب عليه حماية حق الطرف المعتدي في توجيهه للضربة الأولى. ويرى بعض أصحاب هذا الاتجاه أيضاً التوسع في تفسير المادة 51 لتشمل أعمال الاعتداء غير المباشر نظراً للتطورات الكبيرة في أساليب الحروب. وأيد هؤلاء وجهة نظرهم بالعمل والقضاء الدوليين حيث رأوا أن الولايات المتحدة لم تنكر إمكانية حدوث الظروف التي تسمح لبريطانيا بأن تحتج قانوناً بالدفاع الوقائي في حادثة الكارولينا. كما رأوا أنه في قضية مضيق كورفو قد قررت محكمة العدل الدولية الاكتفاء باحتمال حدوث هجوم مسلح ولم تشترط الوقوع المحقق لهذا الهجوم، ومن ثم تكون قد مالت للاعتداد بالدفاع الوقائي([158]). كما استندوا في تبرير إباحة الدفاع الوقائي إلى أنه عند استخدام الأسلحة الذرية ليس من المنطقي مطالبة المعتدى عليه بانتظار الضربة الأولى، راجعين إلى ما اتبعته لجنة الطاقة الذرية، والمكلفة بمراقبة الأسلحة النووية، حيث رأت أن “التهديد بالأسلحة النووية يعادل الهجوم المسلح الوارد ذكره في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”([159]).
ويستند أنصار النظرية الواسعة على ما ورد في المادة 51 أيضاً من أنه “لا يوجد في هذا الميثاق ما يقيد الحق الطبيعي والأصيل في الدفاع عن النفس”([160]). ومن شأن الأخذ بهذا التفسير كما يقول الدكتور يحيى الشيمي التسليم بوجود تنظيمين قانونيين لحالة استخدام القوة المسلحة في الدفاع عن النفس.
بينما يرى أنصار الأخذ بالتجاه الضيق أن تقييد الدفاع الشرعي في مواجهة التهديد بالهجوم يترتب عليه نتيجتان الأولى أن إجراءات وأعمال الدفاع عن النفس لا يتصور قيامها كإجراء ابتدائي Anticipatory والنتيجة الثانية هي ضرورة توافر صفة الهجوم المسلح في فعل الاعتداء. وفي رأي أصحاب النظرية الواسعة أن هذا ليس معقولاً لأن الأعمال التحضيرية للمادة 51 يتضح منها أن هذه المادة قد ضمنت في الميثاق لحماية الحق في الدفاع الشرعي لا لتقييده([161]).
وتقصر النظرية الضيقة العمل المسموح به وفقاً للدفاع الشرعي فقط على حالة الرد على هجوم مسلح وقع بالفعل، فلا يجوز بالتالي اللجوء إليه رداً على أي مخالفة قانونية أخرى على خلاف النظرية الواسعة التي تسمح بذلك رداً على خطر يهدد المواطنين المقيمين بالخارج على سبيل المثال([162]). حيث يرى أنصار النظرية الضيقة أن هذه العبارة “إذا وقع هجوم مسلح” تمثل قيداً على حق الدفاع الشرعي وفقاً للقانون التقليدي([163]).
ويرى أنصار النظرية الضيقة أن ميثاق الأمم المتحدة قد قيد المبدأ العرفي الأصيل في الدفاع الشرعي مستبعداً حالة الخطر الوشيك أو محتمل الوقوع منه، وقاصراً إياه على حالة الوقوع الفعلي والحقيقي للهجوم المسلح وحده دون أي عمل من أعمال العدوان([164]). ومعنى ذلك أن حق الدفاع الشرعي لا يتقيد لدى إعماله سوى بوقوع هجوم مسلح، دونما تقيد بنصوص الميثاق التي تحرم استخدام القوة والتهديد بها، وبالتالي تكون المادة 51 قد حرمت صراحةً اللجوء إلى الدفاع الشرعي في مواجهة “التهديد” باستخدام القوة. فإذا لم يقع الهجوم المسلح تنطبق نصوص الميثاق وفي مقدمتها المادة 2 فقرة 4، ويمتنع استخدام القوة أو التهديد به ولكن هذا لا يؤثر على إمكانية الاستعداد ردعاً للخصوم بلا تهديد.
ولا يكون من ثم بدٌّ من صدور إذن مسبق من مجلس الأمن حال اتخاذ التدابير الجماعية دون وقوع الهجوم المسلح الفعلي، فلا يتوسع في الاستثناء الذي تمنحه المادة 51 في حالة الدفاع الشرعي. وذلك هو ما يتفق والاتجاه العام للميثاق والرامي إلى تحريم استخدام القوة.
ويعود هذا الخلاف في التفسير بين أنصار النظريتين وفقاً للدكتور ويصا صالح إلى الفشل في تطبيق الإجراءات الجماعية التي نص عليها في ميثاق الأمم المتحدة([165]). والراجح هو قول أصحاب المدرسة الضيقة، وهو القول الأوسع قبولاً بين فقهاء القانون الدولي.
– علاقة المادة 51 بالمادة 2/4:
تنص الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على أنه: “يتعين على جميع الدول الأعضاء أن تمتنع في علاقاتها الدولية عن استخدام القوة أو التهديد بها، ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على نحو آخر يتعارض مع أغراض الأمم المتحدة”.
فالمادة 2/4 تحرم استخدام القوة أو التهديد بها ضد السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي نحو آخر لا يتعارض مع أهداف الأمم المتحدة، وبالتالي ليس العدوان المسلح هو الانتهاك الوحيد لهذه المادة من الميثاق. والرد الوحيد الذي يسمح به الميثاق هو التدابير الجماعية المنصوص عليها به، أو اللجوء استثناءً وبصفة مؤقتة للدفاع الشرعي إذا ما وقع هجوم مسلح. ويكون أي استخدام للقوة أو تهديد به سوى التدابير الجماعية أو الدفاع الشرعي في الإطار الذي نص عليه الميثاق عملاً محرماً بمقتضى الميثاق([166]).
وتنطوي المادة 2 (4) على التوسع في المنع (أي تحريم استخدام القوة أو التهديد بها في عموم الأشكال والصور والدوافع) لا السماح بالاستخدام أو التهديد([167])، فهذا هو ما تتكفل به المادة 51 أي بيان الاستثناء على المادة 2/4، وهو ما لا يتوسع في تفسيره وفقاً للقواعد العامة للقانون الدولي.
وتقضي قواعد التفسير السليم لأحكام الميثاق التي نص عليها في المادة 51 الرجوع إلى المادة الثانية فقرة 4، والتي حرم بموجبها على جميع الدول استخدام القوة أو التهديد بها في علاقاتها الدولية، والربط بين المادتين([168]).
ومن المفترض أن الحقوق التي كانت تتمتع بها الدول أعضاء الأمم المتحدة قبل إنشاء المنظمة الدولية يجب أن تستمر إذا لم تتعارض مع الالتزامات التي فرضها الميثاق على أعضاء المنظمة؛ أي أن الدول تتمتع بالحقوق التي يرتبها لها القانون الدولي العام، فيما لا يتعارض وأحكام الميثاق([169]). طالما لم تتنازل عنها صراحةً بمقتضى الميثاق([170]).
ويترتب على اجتماع المادة 2/4 والمادة 51 لدى عامة الفقهاء، تحريم استخدام القوة في جميع الأحوال، ومنها المساعدة الذاتية وأعمال الانتقام، عدا ممارسة حق الدفاع عن النفس، وذلك بشرط وقوع هجوم مسلح ([171]).
وحق الدفاع الشرعي يجب النظر إليه في إطار المادة 51 في نطاقها الضيق وعدم التوسع في تفسيرها، وبالتالي يجب أن يكون استخدام القوة الشرعي حكراً على الأمم المتحدة، أو بناءً على تفويض منها كما في حالات الدفاع الشرعي الجماعي (على خلاف في ذلك) ([172]). مع استثناء واحد هو قيام الدولة بالدفاع الشرعي في حالة وقوع هجوم مسلح ضدها، وحتى تتدخل المنظمة الدولية باتخاذ تدابير لوقف العدوان وإعادة الأمن إلى نصابه، فهذه هي الضرورة التي يفسر بها الاستثناء([173]).
– أنماط الدفاع عن النفس التي يمكن للدولة اللجوء إليها في مواجهة هجوم مسلح:
تتدرج صور الدفاع عن النفس ما بين الحرب والتدابير التي لا ترقى لمستوى الحرب:
أولاً: التدابير التي لا تصل لمستوى الحرب:
1- الرد الفوري On the Spot Reaction:
أي استخدام القوة المسلحة لصد هجوم فور بدئه، ومن ثم إنهائه، مع مراعاة الشروط الثلاثة الأساسية للدفاع عن النفس وهي الضرورة أي لزوم الدفاع باستخدام القوة المسلحة، والتناسب من حيث نطاق الفعل وآثاره، والفورية أو التزامن بين فعلي الاعتداء والدفاع.
2- أعمال الانتقام “الدفاعية” المسلحة:
على حين يعتبرها الرأي الغالب في القانون غير مشروعة في القانون الدولي المعاصر، ونحن معهم، يؤيدنا في ذلك رأي لجنة القانون الدولي التي فرقت بين أعمال الانتقام والدفاع الشرعي، يضع لها Yoram Dinstien شروطاً يعتبرها مشروعة بموجبها، وذلك إذا تحققت فيها – كما يقول – شروط الدفاع الشرعي. ويعرفها بأنها أعمال تنطوي على استخدام القوة ترد بها الدولة المدافعة ضد عدوان مسلح وقع عليها، ولكن في في وقت ومكان مغايرين للهجوم العدواني الأصلي([174]). ويتفق معه O.Schachter الذي يرى أنه إذا كانت أعمال الانتقام المسلحة العقابية غير مشروعة بإجماع، فإن الانتقام الدفاعي له ما يبرره، عندما يكون الدافع للجوء إليه هو الحماية([175]).
أي أن Dinstein يرى أعمال الانتقام مشروعة متى كانت تلعب دوراً رادعاً، وتستشرف المستقبل ولا يقتصر الهدف منها على العقاب على أخطاء ماضية.
ولا يمكننا بالطبع الاتفاق مع هذا الرأي حيث تتوقف مشروعية الدفاع الشرعي في رأي غالب الفقه على صدور أعماله بالتزامن مع أعمال العدوان، كما يتفق مجلس الأمن مع ذلك حيث أدان أعمال الانتقام الصادرة عن الدول باعتبارها غير متفقة مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، إذ أكد أيضاً إعلان الجمعية العامة لمبادئ القانون الدولي ذات الصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول في 1970([176])،أكد هذا الإعلان أنه يتوجب على الدول الامتناع عن القيام بأعمال انتقامية تنطوي على استخدام للقوة المسلحة([177]).
3- حماية الرعايا بالخارج:
لقد وضع السير Humphrey Waldock شروطاً لهذه الحماية هي: 1- أن يكون هناك تهديد بأذى وشيك للوطنيين. 2- فشل أو عجز الطرف ذي السيادة على الإقليم في حمايتهم. 3- أن تقتصر سبل حمايتهم على تحقيق غرض حمايتهم من الأذى([178]).
– المادة 51 وحق الحماية القسرية للرعايا في الخارج في القانون العرفي:
وفقاً للمادة 51 من الميثاق لا يمكن السماح باستمرار الربط بين حق الدفاع الشرعي وحق حماية النفس، لأنه في هذه الحالة سيصير الفارق مبهماً بين حق مساعدة الذات Self-Help وحق حماية النفس Self-Preservation، والمتضمن – على سبيل المثال – إنزال قوات لحماية المواطنين وممتلكاتهم في الخارج. ويعد سلوك الدول، وبصرف النظر عن عهد العصبة وميثاق الأمم المتحدة، قد أسس لامشروعية مساعدة النفس، وإلا فلماذا إذن كان تكرار الالتزام بحل النزاعات بالطرق السلمية؟!([179]).
وقد يقال أن المادة 51 قد صيغت في صورة تحفظ على الحق العرفي القائم، مثلها في ذلك مثل المادة 2 فقرة 7 فيما يتعلق بالاختصاص الداخلي. في هذه الحالة يثور التساؤل حول ما إذا كانت المادة لا تتحفظ فحسب وإنما تضيق تعريف الحق العرفي. وفي كلا الرؤيتين من المسلم به أن المادة 2 فقرة 4 قد وردت بعبارات قاطعة، ورأتها الوفود المشاركة في مؤتمر سان فرانسيسكو على هذا النحو: أن أي استخدام للقوة يجب أن يسبق بتفويض من جانب المنظمة الدولية، كما توضح أي إشارة للدفاع عن النفس كونه حقاً وميزة استثنائية. فالهدف العام للميثاق هو إخضاع أي استخدام أحادي للقوة، ولو كان دفاعاً شرعياً، لسلطان المنظمة الدولية. لذا لزم على الطرف الذي يمارس حق الدفاع الشرعي التوقف فور تدخل المنظمة باتخاذ التدابير اللازمة لإعادة الأمن والسلم الدولي إلى نصابهما، إضافةً إلى الالتزام بإبلاغ التدابير المتخذة في إطار ممارسة الدفاع الشرعي فوراً إلى مجلس الأمن، بحيث لا يؤثر هذا على سلطة المجلس ومسئوليته بمقتضى الميثاق للتدخل في أي وقت باتخاذ ما يراه ضرورياً للحفاظ على السلم والأمن الدوليين او استعادتهما([180]).
ثانياً: الحرب:
الحرب باعتبارها عملاً للدفاع عن النفس تشير إلى الاستخدام الشامل للقوة المضادة رداً على هجوم مسلح. ومن الضروري أن تتوافر فيها الشروط التالية:
1- الضرورة:
قبل أن تلجأ الدولة المدافعة إلى شن حرب شاملة، يقع على عاتقها واجب إثبات أنه لم يكن بوسعها حل النزاع بطريقة ودية بأية وسيلة أخرى معقولة.
2- التناسب:
يشير شرط التناسب إلى وجود تشابه في النطاق والآثار بين الاستخدام غير المشروع للقوة والاستخدام المشروع للقوة المضادة إجمالاً، أي على طول مدى القتال. وبديهي أن الحرب بطبيعتها (كاستخدام شامل للقوة) لا تتناسب مع أي وسيلة أخرى لا تصل إلى مستوى الحرب.
ويتضمن التناسب أيضاً ضرورة وقف أعمال الدفاع عن النفس متى توقف الهجوم المسلح بشكل دائم ونهائي. كما تمتد قاعدة التناسب إلى أن اللجوء للقوة المضادة دفاعاً عن النفس يجب أن يقتصر فقط على المكان الذي شنت فيه الهجمة العسكرية ولا يتعداه إلى أي أماكن أخرى تبعد عنه.
3- الحلول:
أي تزامن فعل الدفاع مع فعل الهجوم([181]).
ب- المادة 51 والمادة 2 فقرة 4 وحق الدفاع الشرعي في القانون العرفي:
يقول الفقيه Ian Brownlie أنه من المسلم به أن الممارسة الدولية لاستخدام القوة تطبيقاً للحق في الدفاع عن النفس قبل وبعد الحرب العالمية الثانية قد ارتبطت بلا استثناءات تقريباً بفكرة الاستجابة أو رد الفعل ضد استخدام القوة.
وإبان عهد عصبة الأمم، وحتى ما قبل الحرب العالمية الثانية كان مصطلح العدوان يستخدم كمرادف للهجوم المسلح المبرر لقيام الحق في الدفاع الشرعي، والقول بأن حق الدفاع عن النفس قائم في مواجهة التهديدات الأخرى للمصالح الأخرى للدولة يرتد بنا إلى الحق البائد والغامض في المحافظة على النفس أو مبدأ مساعدة الذات. إذاً فليس هناك ثمة مجال لاتساع نطاق الدفاع الشرعي ليشمل كافة أشكال العدوان – ما خلا الهجوم المسلح – حيث لم يسمح الميثاق بهذا، ولا القانون العرفي القائم وقت صياغة الميثاق.
ويرى بعض الفقهاء مثل Bowett استمرار العمل بحق الدفاع النفس كما كان في القانون الدولي التقليدي كما كان بدون أي تغيير([182])، فلا يستساغ أن ينص الميثاق على استمرار الحق الطبيعي والأصيل في الدفاع الشرعي ثم يأتي ويقيده([183]). والمنطق القانوني يرفض ذلك الرأي حيث نظمت المادة 51 من الميثاق ذلك الحق، وبالتالي يتم إعمال ما نصت عليه بهذا الصدد، واللجوء إلى القانون التقليدي فقط فيما لم يرد به نص في الميثاق حتى لا يكون تنظيمين للدفاع عن النفس باستخدام القوة المسلحة. وهكذا يمكن القول بأن تنظيم الدفاع عن النفس باستخدام القوة المسلحة الوارد بالميثاق قد استبدل به التنظيم الذي كان موجوداً بالقانون التقليدي، سواءً بين الدول أعضاء الأمم المتحدة أو غيرهم، وفقاً لنص المادة 2 فقرة 6 من الميثاق([184]).
ويجب أن ينظر إلى حق الدفاع الشرعي كمتمم في ممارسته لنظام الأمن الجماعي؛ والذي لا يستطيع منع وقوع الاعتداء أو استخدام القوة غير المشروع، من قبل دولة ضد أخرى، ومن ثم فليس من المقبول إلزام الدولة المعتدى عليها بانتظار اتخاذ إجراءات الأمن الجماعي قبل قيامها بالدفاع عن نفسها على أن تتوقف عقب اتخاذ المنظمة الدولية تدابير من شأنها إعادة أمنها إلى نصابه([185]).
ولقد عارضت الحكومة البريطانية إبان أزمة السويس 1956 هذا النظر حيث بررت هجمتها العسكرية على مصر بحمايتها للرعايا البريطانيين استناداً على أن الميثاق لا يقيد حق الدفاع عن النفس وفقاً للقانون العرفي، والذي كان يتضمن التدخل لحماية حقوق الرعايا الوطنيين في الدول الأجنبية إذا ما روعيت الشروط المستخلصة من حادثة الكارولينا. ولقد أيد بعض الفقهاء هذه الرؤية مستندين إلى عبارة: “السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي أو على أي وجه آخر لا يتفق مع أغراض الأمم المتحدة”، الواردة في المادة 2 فقرة 4. حيث اعتبروا أن هذا يمثل قيداً على تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية ومبرراً لاستخدام الوسائل القسرية في بعض الحالات وخاصةً في حماية أرواح وممتلكات الرعايا في الخارج. ولم يقصد بهذه العبارة تقييد أثر المادة 2 فقرة 4، وقد يكون المقصود بها التأكيد على الحظر الوارد في المادة 4 أو المادة 51، أو الإشارة إلى شرعية استخدام القوة حين تأخذ شكل إجراء قمعي أو عقوبة من قبل مجلس الأمن([186]).
وفي قضية مضيق كورفو عام 1949، دفعت الحكومة البريطانية بأنها لم تخالف المادة 2 فقرة 4 حيث لم تقصد بأفعالها تهديد أوالاعتداء على السلامة الإقليمية او الاستقلال السياسي لدولة ألبانيا، ولا يمكن نفي الالتزام بتحريم استخدام القوة عن المملكة المتحدة لمجرد قولها بحسن نيتها فليس هذا بالطبع ما انتواه واضعوا الميثاق، إلا أن الحكم الذي صدر لصالحها وشابه بعض الغموض قد تأسس على حق المملكة المتحدة في المرور البريء دونما ربط لهذا بحق الدفاع عن النفس([187]).
ونختم هذا النقاش بقول الفقيه Brownlie بحق أنه خلال العقود الثلاثة الأخيرة، قبل الميثاق، على الأقل، ظهر الدفاع عن النفس في سلوك الدول عامةً، وإن ليس على سبيل الحصر، كرد فعل على استخدام القوة ضد المجال الإقليمي أو الكيان الفعلي للدولة، لذا لم يكن تعريف واضعي الميثاق الدفاع الشرعي بالإشارة إلى “وقوع” هجوم مسلح منفصلاً عن السياق الدولي([188]).
جـ- الدفاع الجماعي عن النفس:
بالإضافة إلى حق الدول في الدفاع فرادى عن نفسها، فقد أعطاها الميثاق الحق في الدفاع الجماعي عن النفس، إذا تعرضت دولة أخرى أو مجموعة من الدول للهجوم المسلح، إذا ما كان في ذلك الهجوم خطورة شديدة على أمن وسلامة الدول التي ترد العدوان.
ولا تتطلب ممارسة هذا الحق بالضرورة عقد معاهدة تنظم ذلك، بل يمكن للدول أن تقدم على مساعدة الدول الأخرى التي تتعرض لهجوم مسلح بدون سابق اتفاق ، ويستفاد هذا من نص المادة 51، والذي لم يضع أي اشتراط لوجود اتفاقيات سابقة تنظم هذا الحق.
ويعود تقدير وجود الهجوم المسلح إلى الدولة المعتدى عليها، ومن سيشترك في الدفاع عنها من الدول تطبيقاً لحق الدفاع الشرعي الجماعي([189]).
ويفرق Dinstein بين أربعة طوائف من الدفاع المسلح عن النفس: أولاً: الدفاع الفردي عن النفس الذي يمارس بفردية. ثانياً: الدفاع الفردي عن النفس بممارسة جماعية، وذلك حين قيام ذات المعتدي بشن هجمات مسلحة آنية أو متتالية على دول عدة، فكل منها قد ترد بفردية، أو تتعاون كجماعة في مجموعة من أعمال الدفاع الفردي عن النفس. ثالثاً: الدفاع الجماعي عن النفس الممارس بفردية: فوفقاً للمادة 51 لكل دولة عضو الرد في حالة حدوث هجوم مسلح ضد دولة أخرى؛ فالدولة الثالثة يمكنها بمفردها القيام بممارسة الدفاع الجماعي عن الدولة المعتدى عليها. ورابعاً: الدفاع الجماعي عن النفس الذي تتم ممارسته بشكل جماعي: حين تتعاون دولتان أو أكثر لنصرة دولة ضحية. فلكل دولة مصلحة في حفظ وصيانة السلم والأمن الدوليين. ويمكن أن يمارس الدفاع الجماعي إما عفوياً بلا تخطيط فور وقوع الهجوم المسلح فعلياً، أو بتخطيط مسبق (بإقرار معاهدة سابقة لوقوع الهجوم المسلح) ([190]).
كما يقول الفقيه Show أن حق الدفاع الجماعي يمكن النظر إليه إما على أساس كونه تجميعاً لعدد من حقوق الدفاع الفردي عن النفس، أو على أساس كونه ترتيباً شاملاً للأمن الإقليمي. وقد تبنى العمل الدولي الاتجاه الثاني، مما يعضد الاستنتاج بأن الدفاع الجماعي ليس مجموعة من حقوق الدفاع الفردي، بل يشكل مخلوقاً جديداً بالكلية([191]).
وليس هناك شك في أن الدفاع الجماعي عن النفس يتضمنه القانون الدولي العرفي المعاصر، منذ إقرار الميثاق وإلى الآن. ولكن لا يجب التوسع فيه لأن من شأن ذلك التوسع في تفسير المادة 51، وهو ما لا يجوز كونها تقنن استثناءً أصلاً.
– معاهدات الدفاع الجماعي:
وفقاً للمادة 52 (1) من ميثاق الأمم المتحدة فإنه، توقياً لهجمات مسلحة مستقبلية، يمكن للدول عقد العديد من أنواع الاتفاقيات، كالمساعدة المتبادلة، أو التحالف العسكري أو الضمان العسكري([192]).
– القيود القانونية على ممارسة حق الدفاع الجماعي:
لا يمكن عقد اتفاقيات للدفاع الجماعي بالمخالفة للالتزامات المرتبة على عاتق الدول وفقاً للميثاق (م 103 من الميثاق). إضافةً إلى تطلب وقوع هجوم مسلح فعلي، وانطباق قاعدة لا دفاع ضد الدفاع.
ووفقاً لحكم محكمة العدل الدولية في قضية النيكاراجوا، لا يمكن لدولة ممارسة الحق في الدفاع الجماعي بناءً على تقديرها الذاتي للوضع، بل يجب أن تقوم الضحية المباشرة للهجوم المسلح بإعلان كونها قد تعرضت لذلك الهجوم، وفضلاً عن ذلك فإن طلباً للمساعدة يلزم أن يقدم من قبل الدولة الضحية، وفي غياب ذلك الطلب ينتفي الدفاع الجماعي عن الدولة الثالثة. وفي رأيه المعارض، شكك القاضي السير Robert Jennings في كون اشتراط وجود نوع رسمي من إعلان الوقوع تحت طائلة هجوم مسلح وطلب المساعدة من قبل الدولة الضحية شكك في كون هذا الاشتراط عملياً في جميع الحالات. إلا أنه بدون شك، لا يمكن فرض المساعدة العسكرية على دولة ما على غير إرادتها.
وبالطبع ينبغي أن يتوافر للمارسة الدفاع الجماعي ذات شروط التناسب والحلول ولزوم الدفاع الواجب توافرها للدفاع الفردي. هذا إلى جانب الالتزام بإبلاغ مجلس الأمن فوراً بجميع ما يتخذ من إجراءات([193]).
ثانياً:- شروط الدفاع الشرعي وفقاً للميثاق:
يحاط حق الدفاع الشرعي في داخل الدول بالكثير من القيود مما يضيق من نطاقه إلى أبعد الحدود، ولكن نظراً لاختلاف ظروف المجتمع الدولي ولامركزيته الشديدة التي لم يغير منها كثيراً نشأة منظمة الأمم المتحدة ولا ميثاقها، يصعب تقييد الدفاع الشرعي في المجتمع الدولي بذات القيود المحيطة به في داخل الدول.
رسمت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الحدود التي تمارس الدول في إطارها حق الدفاع عن النفس. وفيما يلي نتناول حدود حق الدفاع عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة([194]).
ويمكننا الحديث عن طائفتين من الشروط فيما يتعلق بحق الدفاع الشرعي؛ شروط ينبغي توافرها في فعل الاعتداء، وشروط ينبغي أن تتوافر في فعل الدفاع.
أ- الشروط التي يجب أن تتوافر في الفعل المكون للاعتداء:
لكي يقوم للدولة الحق في ممارسة الدفاع الشرعي يجب أن يقع ينطوي الاعتداء الواقع عليها على هجوم مسلح حال ذي مصدر غير مشروع([195]).
1- اكتساب وصف الهجوم المسلح:
– مدلول الهجوم المسلح:
يصدق وصف الهجوم المسلح على الهجوم الذي تستخدم في شنه قوة مادية أو مسلحة تبلغ درجةً معينة من الجسامة. مما يعني أنه ليس كل استخدام غير مشروع للقوة يعتبر هجوماً مسلحاً. وتخرج من هذا المفهوم بالضرورة الهجمات الصغيرة وحوادث الحدود، ولكن قد يبلغ تكرار مثل هذه الحوادث بها الجسامة المطلوبة لإباحة الدفاع الشرعي([196]).
– الاختصاص بتحديد وقوع الهجوم المسلح:
تختص بتحديد كون أعمال العدوان الواقعة هجوماً مسلحاًَ من عدمه الدولة أو مجموعة الدول التي تمارس الدفاع الشرعي، وهذا لا ينفي هذا الاختصاص عن الدولة المتهمة بالعدوان، إذ قد تدعي كون استخدام القوة المسلحة –من قبل الدولة الأخرى بادعاء الدفاع عن النفس – هجوماً مسلحاً يبيح لها الدفاع عن نفسها في مواجهته. ويظل ادعاء الطرفين معلقاً حتى يتدخل مجلس الأمن بالفصل فيه([197]).
2- معيار القائم بالهجوم المسلح:
لم تقل المادة 51 أن الهجوم المسلح يجب أن يأتي من إحدى الدول في مواجهة دولة أخرى، ولكن ما قالته هو أنه “إذا وقع هجوم مسلح ضد إحدى الدول أعضاء الأمم المتحدة، تاركةً مسألة “من” قام بالهجوم مفتوحة. فقد يأتي الهجوم من إحدى الدول الأعضاء ضد أخرى، أو من فاعل من غير الأعضاء أو حتى من غير الدول كمنظمة إرهابيةٍ مثلاً. ومع أن فكرة “الهجوم المسلح” في 1945 كانت بلا شك وثيقة الصلة بفكرة الجيوش الدولية العابرة للحدود، فإن محكمة نيكاراجوا قد اعترفت في الثمانينات أن الهجوم المسلح يمكن أن يحدث بطرق مخالفة، كإرسال جماعات مسلحة إلى داخل إحدى الدول([198]).
ويرى الأستاذ Lobel أنه: “حين تهاجم دولة غيرها، فإن المبرر الواقعي للدفاع عن النفس يكون واضحاً ويمكن ملاحظته. وليست هذه هي الحال في العادة حين تدعي دولة الحق في استخدام القوة رداً على هجمات إرهابية مزعومة، وتهديدات وشيكة من ثم. فليس من المقبول أن يسمح القانون الدولي لدولة أن تهاجم أخرى فقط لأنها وحدها تزعم أن جماعة تعمل من داخل الدولة الأخرى تشن هجمات إرهابية عليها. فقاعدة كهذه ستقضي على الحظر ضد استخدام القوة”([199]).
ويقول الأستاذ O’Brien أنه لا ينبغي أن تفسر المادة 51 تفسيراً ضيقاً. ومن ثم فالأعمال الإرهابية كالهجمات المسلحة ضد إقليم الدولة، واتخاذ الرهائن، والهجمات المسلحة على الوطنيين في الخارج قد تصل إلى مستوى الهجوم المسلح([200]).
وهناك صور عديدة قد تستخدم فيها القوة بشكل غير مباشر، ومع ذلك يمكن أن تعتبر هجوماً مسلحاً؛ كأن تقوم دولة ما بتسليح المتمردين من أجل الإضرار بدولة أخرى. أو أن ترسل إحدى الدول متطوعين يشتركون في أعمال عدائية ضد دولة أخرى. أو أن تشجع إحدى الدول الإرهاب في داخل دولة أخرى، أو تتسامح إحدى الدول مع بعض أوجه النشاط المنظمة التي تستهدف القيام بأفعال إرهابية على أرض دولة أخرى، أو غير ذلك من صور العدوان غير المباشر([201]).
ويرى البعض أن الهجوم المسلح يضم العمليات التي تقوم بها الجماعات المسلحة. وهو ما زعمته إسرائيل حين استندت إلى الحق في الدفاع عن النفس كما في المادة 51 من الميثاق ضد الأعمال التي يقوم الفدائيون بها (براونلي 279). وهو ذات ما استندت إليه إسرائيل في عدوانها على البلاد العربية عام 1967، حيث ادعت أنها بهذا العدوان تدافع عن نفسها بضرب مراكز تجمع الفدائيين، وبالطبع فإن ما تقوم به المقاومة ما هو إلا ممارسة للحق المشروع في تقرير مصيرهم وللدفاع الشرعي ضد عدوان مستمر من قبل الاحتلال، وبالتالي لا يشكل هجوماً مسلحاً، وليست مساعدة الدول العربية لهم كذلك([202]).
وفي تعليق لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي –على المادة 5 من ميثاق الأطلنطي قررت أن الهجوم المسلح غالباً ما ينبئ عن نفسه، ومن الجليّ أن عبارة “الهجوم المسلح” لا تنطبق على الأفعال التي ترتكبها جماعات أو أفراد غير مسئولين، ولكنها تعني الهجوم الموجه من دولة إلى دولة أخرى، وواضح أن الاضطرابات أو الثورات الداخلية لا يمكن أن تدخل في مدلول المادة 51 من الميثاق، ولكن إذا ما تمت مساعدة إحدى الثورات من قبل قوة خارجية، فإن هذه المساعدة يمكن اعتبارها هجوماً مسلحاُ. ولكن يرتاب Brownlie بشدة في أن تدخل مساعدة الجماعات الثائرة في معني الهجوم المسلح طالما لم تتضمن عمليات عسكرية هجومية من قبل قوات إحدى الدول. وأيضاً العمليات التي تقوم بها الجماعات المسلحة تقع هي الأخرى خارج مدلول “الهجوم المسلح”. ولكن إذا ما تحولت هذه العمليات إلى حملات عامة ومنظمة بواسطة جماعات ذات سطوة من الخارجين على النظام – مصحوبة بمساعدة وتواطؤ واضح أو سهل الإثبات من حكومة دولة يعملون انطلاقاً منها – فإن هذه العمليات قد تشكل هجوماً مسلحاً، وخاصةً إذا ما كان الهدف منها هو التسوية القسرية لنزاع ما، أو اكتساب لإقليم ما([203]).
ويرى د يحيى الشيمي أن الأعمال التي يقوم بها الثوار والعصابات المسلحة لا تشكل هجوماً مسلحاُ، ولكنها قد تصبح كذلك إذا ما تحولت هذه الأعمال لحملات عامة ومنسقة وتساندها دولة أو بعض الدول، ويجوز في نظره استخدام القوة المسلحة في مواجهتها استناداً للحق في الدفاع عن النفس. أما الدول المساندة لهذه العصابات فلا تعتبر قائمة بهجوم مسلح بل تعتبر قد أخلت بالتزامها الدولي بعدم التدخل في شئون غيرها من الدول([204]).
– هل تدخل أعمال الإرهاب في نطاق الهجوم المسلح؟
نعالج هنا قضيتين، هما: هل تنطبق أحكام الميثاق على الفاعلين من غير الدول؟ وهل يوافق الهجوم الإرهابي نطاق ومعيار قضية نيكاراجوا؟
ويتميز العمل الإرهابي بخصائص عامةً، نذكر منها:
- التهديد بحدوث عنف أو حدوثه فعلاً.
- وجود هدف سياسي.
- وجود جمهور مستهدف.
ويعرف Arend و Beck العمل الإرهابي بأنه التهديد بـ أو استخدام العنف بنية زرع الخوف في جماعة مستهدفة من أجل تحقيق أهداف سياسية.
ولكي يرقى العمل الإرهابي لمستوى الهجوم المسلح المبرر لقيام الدفاع ضده ينبغي أن يقارن تأثيره بذلك الذي يخلفه هجوم مسلح صريح من القوات النظامية لإحدى الدول.
وقد يقع العمل الإرهابي في داخل الدولة القائمة بالرد عليه أو خارجها. وذلك الذي يقع داخلها يشكل خرقاً أكبر لسيادتها وتكاملها الإقليمي. يمكن أن يكون العمل الإرهابي منفرداً، أو جزءاً من نموذج مستمر للسلوك، وهذا النوع الأخير أكثر خطراً وأحرى للوصول إلى مستوى الهجوم المسلح. وفي كل الأحوال تتم العودة إلى فداحة تأثير العمل الإرهابي لتحديد ما إذا كان يشكل هجوماً مسلحاً أم لا([205]).
ولقد أكدت قرارات مجلس الأمن 1386 (2001)، و1373 (2001)، والتي تم تبنيها فوراً عقب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، على الحق الطبيعي الفردي والجماعي في الدفاع عن النفس ضد الهجمات الإرهابية بدون ذكر لمرتكبي الهجمات([206]).
وفي 2001 اعتبر مجلس الأمن في قراره رقم (1368) الإرهاب عدواناً مسلحاً، وبالتالي يمكن الرد عليه، من خلال عمل عسكري([207]).
وعلى كلٍّ، يلزم أن يكون الهجوم المسلح، أياً كان القائم به، قابلاً لنسبته لدولة أو دول معينة لكونها متحكمة به، وذلك لكي يكتسب وصف الهجوم المسلح الذي تباح ممارسة الدفاع الشرعي في مواجهته.
ودرجة التحكم الذي يجب أن تمارسه الدولة ليصير السلوك منسوباً إليها كانت إحدى المسائل الهامة في قضية نيكاراجوا. وكانت المسألة هي ما إذا كان التأييد الممنوح من قبل الولايات المتحدة للمناوئين يمكن نسبته للولايات المتحدة، وما إذا كانت تقع على عاتقها المسئولية عن خرق القانون الدولي من قبل أولئك المناوئين. وقد أوقعت محكمة العدل الدولية مسئولية “التخطيط، والتوجيه، ودعم المناوئين” على عاتق الولايات المتحدة، لكنها رفضت ادعاء نيكاراجوا بأن جميع ما ارتكبه المناوؤون ينسب للولايات المتحدة بسبب سيطرتها عليهم([208]).
وبذا تكون المحكمة قد أرست معياراً ضيقاً للـ”التحكم الفعال” لنسب السلوك لدولة ما، وأكدت أن “السلوك العام المتصف بالتبعية والدعم لن يكون كافياً لتبرير نسبة السلوك للدولة”([209]).
كما كانت مسألة “درجة” التحكم مطروحةً أيضاً في قضية Prosecutor v tadic أمام مكتب الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة([210]). وقضى مكتب الاستئناف بأن الدرجة المتطلبة من التحكم هي “التحكم الشامل” الذي يتعدى مجرد تمويل وتسليح تلك القوات إلى المشاركة في التخطيط والرقابة على العمليات العسكرية([211]).
فالدول يجب أن توجه أو تتحكم، وليس مجرد أن تدعم، تشجع أو حتى تغض الطرف عن الفاعل([212]).
ويتضح من هاتين القضيتين أن مجرد انتماء أو وجود الفاعلين غير الدوليين في دولة معينة لن يجعل تلك الدولة مسئولة قانونياً عن الأعمال غير المشروعة لهؤلاء الفاعلين من غير الدول. بل يجب أن يتوفر “رابط حقيقي” بين الدولة والفاعلين من غير الدول ، ويجب أن يكون هناك دليل قوي على “التحكم الفعال” او “السيطرة الشاملة”. ومجرد الدعم أو التسامح من قبل إحدى الدول مع الفاعلين من غير الدول لن يكفي لجلب الإسناد أو الأفعال المضادة إليها وفقاً للقانون الدولي([213]).
3- ضرورة أن ينطوي الهجوم المسلح على قدر من الخطورة:
تقدر الدولة المعتدى عليها وجود هجوم مسلح منفردة أو بالاشتراك مع الدول التي تشترك في الدفاع عنها في إطار الدفاع الشرعي الجماعي، غير أن هذا التقدير يكون خاضعاً لرقابة مجلس الأمن. فهذا الأخير هو الذي يحدد ما إذا كان الهجوم المسلح المدعى من الخطورة بحيث يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، أما إذا كان ما حدث لا يعدو كونه مجرد اضطرابات أخلت بالأمن والنظام الداخليين وحسب، فلا يقوم هنا حق الدفاع عن النفس([214]).
– هل يكون الهجوم المسلح سلبياً، أم يلزم أن يشتمل على عمل إيجابي؟
يرى الفقيه براونلي أنه ليس بالضرورة أن يكون كل استخدام غير مشروع للقوة يسمح باللجوء إلى الدفاع الشرعي في مواجهته هجوماً مسلحاً منطوياً على عمل إيجابي بالمعنى العسكري والتكتيكي، حيث يشكل الحصر البحري على سبيل المثال أحد وجوه الاستخدام غير المشروع للقوة رغم سلبية هذا الموقف عسكرياً، ولكنه يأخذ حكم الهجوم المسلح لأنه يشكل خطراً حالاً واقعاً بالفعل يجوز استخدام القوة في مواجهته دفاعاً عن النفس مع الالتزام بشروطه ومنها التناسب والضرورة([215]).
– العدوان العقائدي والاقتصادي كهجوم غير مباشر:
لا يعطي العدوان الاقتصادي والعقائدي – والذي لا ينطوي على استخدام القوة المسلحة – الحق في ممارسة الدفاع الشرعي باستخدام القوة طبقاً للمادة 51 من الميثاق، ولكنه يعطي الحق في اللجوء إلى مجلس الأمن، وفقاً للمادة 39، وقد أعلن وفد الولايات المتحدة الأمريكية في لجنة تعريف العدوان أن العدوان الاقتصادي يمكن الرد عليه مقابلةً للشر بمثله، ولكن بدون استخدام للقوة المسلحة([216]).
وفي المناقشات التي دارت حول مسألة تعريف العدوان في اللجنة السادسة للجمعية العامة واللجان الخاصة حول الموضوع في 1953 و 1956، افترضت الغالبية العظمى من الممثلين أن الحق في الدفاع عن النفس يتضمن لجوءاً لاستخدام القوة المسلحة، وأن هذا العمل لا يمكن أن يشكل استجابة قانونية لما قد تتعرض له الدولة من أعمال تخريب أو”عدوان اقتصادي”. ونادراً ما اعتبر أحد الممثلين أن لحق الدفاع عن النفس تطبيقاً أوسع. ومع ذلك، يجب الاعتراف بأنه بالنسبة لممثلي أعضاء الأمم المتحدة تنطوي المادة 51 من الميثاق على أثر تقييدي فيما يتعلق بتفسيرات الحق في الدفاع عن النفس، وعلى أي حال فإن للقرينة المستقاة من الصمت حدودها([217]).
4- تحديد توقيت وقوع الهجوم المسلح والهجوم المسلح في العصر النووي:
– متى يمكن القول بأن الهجوم المسلح قد بدأ؟
هناك خلاف حول تحديد الوقت الذي يعطي فيه الهجوم المسلح للمعتدى عليه الحق في الدفاع الشرعي؟ وهل تجوز ممارسة أعمال الدفاع الشرعي فور أن تترك أسلحة الهجوم إقليم الدولة المعتدية قبل أن تصل إلى إقليم الدولة الضحية؟ أم تنتظر هذه الأخيرة حتى تصل أسلحة العدو إلى إقليمها بالفعل وتبدأ في تدميره؟ وهل يجوز التصدي لهذه الأسلحة وهي لا تزال تعبر البحار العالية، أو حال كونها في الفضاء الجوى لأقاليم الدول المحايدة؟ وهنا يفترض بطبيعة الحال قدرة الدولة الضحية على تحديد توقيت بدء الهجوم ضدها بدقة باستخدام أجهزة الإنذار الحديثة([218]).
يرى د يحيى الشيمي أن عبارة الهجوم المسلح كما وردت بالمادة 51 من الميثاق “لا تتطلب بالضرورة وقوع أضرار مادية بإقليم الدولة المعتدى عليها لقيام الحق في الدفاع عن النفس”([219]).
وتستطيع الدولة المعتدى عليها البدء بممارسة الدفاع الشرعي طالما ثبت لديها بالدليل القاطع قيام الدولة المعتدية باتخاذ الإجراء الأخير الضروري للقيام بالهجوم المسلح، أي أنها قد ضغطت الزناد ولم يعد أمامها من مجال للتراجع عن الهجوم، حتى ولو لم يكن قد وقع بعد ضرر مادي على إقليم الضحية من جراء هذا الإجراء([220]).
وفي حالة الحرب النووية، هل يعتبر الهجوم قد وقع فور إطلاق الأسلحة الذرية المستخدمة في الهجوم، أم ينتظر لحين حدوث خسائر فعلية في إقليم الدولة المعتدى عليها([221])، منطقياَ لا يمكن السماح بوقوع هذا التدمير كي يسمح للدولة الضحية بالبدء في دفاعها، وإنما يمكن للضحية تطبيق نظام اعتراضي ضد الصواريخ الآتية عن طريق الفضاء الجوي سواء كانت فوق البحار العالية أو دولة ثالثة. ويقول Brownlie أنه إذا كان للدولة المعتدية حدود مشتركة مع الدولة المعرضة للتهديد، فيمكن لهذه الأخيرة اتخاذ تدابير وقائية مانعة preventive على أراضي الدولة المعتدية، ولا يسمح بهذا التراخي في تطبيق القواعد القانونية سوى في حالة الصواريخ، بشرط اشتراك الحدود. فالتحضير للهجوم لا يجوز أن يقابل سوى بالتحضير لمواجهته بفعالية([222]).
إن مدلول عبارة “إذا وقع هجوم مسلح” يتغير تبعاً لتغير أسلحة الهجوم وأساليب استخدام هذه الأسلحة عبر الزمان وعبر المكان، ومن ثم يعود تحديد وقوع الهجوم المسلح إلى دراسة وقائع كل حالة على حدة([223]).
– حالة الهجوم المسلح المستمر (الاحتلال الحربي):
يحرم القانون الدولي الاحتلال الحربي ويعتبره جريمة مستمرة تبدأ بدخول قوات عسكرية إقليم دولة أخرى لتسيطر عليه فعلياً كلياً أو جزئياً. وهذا الاحتلال يعتبر هجوماً مسلحاً وفقاً لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة؛ لذا يجوز للدولة المعتدى عليها في حالة الاحتلال الحربي أن تلجأ للقوة المسلحة لدحر المعتدي المحتل استناداً إلى الحق في الدفاع عن النفس والحق في تقرير المصير([224]) ما دام للاحتلال وجود على أرضها.
5- اشتراط وقوع الهجوم المسلح على أحد أعضاء الأمم المتحدة:
ينبني هذا الشرط على القراءة الحرفية لنص المادة 51، حيث قصر حق الدفاع عن النفس على أعضاء الأمم المتحدة دون غيرهم من الدول. ووفقاً لهذا التفسير لا ينبغي على أعضاء الأمم المتحدة مد يد المساعدة للدول من غير الأعضاء تطبيقاً للدفاع الجماعي.
غير أن المنطق السليم يقضي بأنه طالما نص الميثاق في المادة 2 فقرة 6 على أن “تعمل منظمة الأمم المتحدة على أن تسير الدول غير الأعضاء وفق هذه المبادئ” فقد أوجد التزاماً في مواجهة هذه الدول بالعمل وفق مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة، وفي مقدمتها حفظ السلم والأمن الدوليين. ويترتب على ذلك التزام هذه الدول بما نصت عليه المادة 2 فقرة 4 من واجب الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها، لذا فللدول الأعضاء مساعدة الدول غير الأعضاء في حالة تعرض الأخيرة لهجوم مسلح، ولها الدخول في معاهدات معها لتنظيم الحق في الدفاع الجماعي([225]).
ب- الشروط التي يجب أن تتوافر في فعل الدفاع:
1- ضرورة (لزوم) الدفاع:
لكي يقوم الحق في الدفاع عن النفس، يشترط ألا يكون هناك من سبيل لصد الهجوم المسلح سوى باستخدام القوة المسلحة، أي أن الدولة المعتدى عليها لا تكون أمامها أية وسيلة أخرى لوقف العدوان، فإذا ما وُجدت تلك الوسيلة لا يقوم لتلك الدولة الحق في الدفاع عن نفسها، وتعتبر مقترفة لعمل عدواني إذا ما لجأت مع ذلك إلى استخدام القوة للدفاع عن نفسها. ويكون هذا على سبيل المثال إذا ما نجحت الدولة المعتدى عليها في الاستعانة بمنظمة دولية في الوقت المناسب، وقدمت لها هذه المنظمة المساعدة الكافية لإنقاذها من ويلات ما تتعرض له من هجوم مسلح. هنا ليس لها الحق أن تقوم بنفسها بأعمال دفاعية تتضمن استخدام القوة المسلحة([226]). فلابد أن يشكل اللجوء إلى الدفاع عن النفس باستخدام القوة ضرورة فعلية ملحة بحيث لا يكون أمام الدولة المعتدى عليها مجال للاختيار بين الوسائل الممكنة لمواجهة الهجوم، ولا وقتاً للتفكير، أو الاستعانة بالمنظمة الدولية في التوقيت المناسب([227]).
2- الدقة:
– دقة التوقيت:
تستطيع الدولة المعتدى عليها البدء بممارسة الدفاع الشرعي طالما ثبت لديها بالدليل القاطع قيام الدولة المعتدية باتخاذ الإجراء الأخير الضروري للقيام بالهجوم المسلح، أي أنها قد شدت الزناد ولم يعد أمامها من مجال للتراجع عن الهجوم، حتى ولو لم يكن قد وقع بعد ضرر مادي على إقليم الضحية من جراء هذا الإجراء([228]).
– الدفاع عن النفس في مواجهة العدوان غير المباشر، أو االتهديد بالهجوم المسلح:
يرى د ويصا صالح أن التدابير الدفاعية التي يسمح بها للرد على صـور العدوان غير المباشـر يجب أن تقتصـر على القوات القائـمـة بالاعتـداء في داخل إقليم الدولة المدافعة، ولا تتعداه إلى إقـليـــم
الدولة التي تقدم المساعدة لهذه القوات؛ وذلك ما لم يتوافر دليل واضح على وجود خطة من تلك الدولة للقيام بغزو على نطاق واسع لإقليم الدولة المدافعة.
ولكن هناك بعض التطبيقات الدولية بشأن الدفاع عن النفس ضد العدوان غير المباشر نذكر منها مسألة حوادث الحدود اليونانية عام 1946، حيث ادعت اليونان، وأيدتها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، أن السبب فيها يعود إلى مساعدة يوغوسلافيا وألبانيا وبلغاريا للقوات المتمردة، وأن هذه المساعدة تعتبر من قبيل الأعمال العدوانية التي ترقى إلى مرتبة الهجوم المسلح الموجه من قبل هذه الدول. وفي الاضطرابات اللبنانية عام 1958، أعلن الوفد اللبناني احتفاظ دولته بالحق في الدفاع عن النفس ضد ما ادعى ارتكابه من قبل الجمهورية العربية المتحدة من أعمال عنف غير مباشرة على الأراضي اللبنانية؛ مستنداً في قوله إلى أن المادة 51 لم تقيد الهجوم المسلح فتشترط كونه مباشراً بل ذكرته مطلقاً. كما تمسكت فرنسا بحقها في ممارسة الدفاع عن النفس ضد العدوان العسكري غير المباشر عام 1958 إبان تبادل للاتهامات مع تونس، وذلك لتبرير ما فعلته فرنسا من قصف لساقية سيدي يوسف في تونس بالقنابل، حيث ادعت أنها تشكل قاعدة لتدريب مقاتلي جبهة التحرير الوطني وإمدادهم بالأسلحة([229]).
هذا ولقد اتخذت الأعمال الوقائية في حالات عديدة ضد العصابات المسلحة، مما اقتضى التوغل في أراضي الدول الأخرى. ولكن تتوقف شرعية هذه الأعمال حسب Brownlie على الوضع القانوني للأعمال الوقائية في لقانون الدولي المعاصر([230])، وهو ما سنتناوله لاحقاً بشيء من التفصيل.
ويرى د الشيمي أنه لا يجوز تمسك الدول بالحق في الدفاع عن نفسها باستخدام القوة المسلحة رداً على عدوان غير مباشر أو تهديد باستخدام القوة المسلحة تعرضت له، ولكن هذا لا يمنعها من اللجوء إلى الوسائل الدفاعية التي لا تتضمن قيامها بعمليات عسكرية خارج حدودها([231]).
ولو افترضنا جدلاً أن عبارة “الهجوم المسلح” في المادة 51 يمكن تفسيرها تفسيراً واسعاً. فإنه لا يمكن استخلاص الحق في اللجوء إلى القوة في مواجهة الصور المختلفة للعدوان غير المباشر من نص المادة 51 حتى لو روعي شرط التناسب بدقة. فالعدوان غير المباشر وهجمات الجماعات المسلحة – إذا لم تتم نسبتها لدولة معينة – يمكن مواجهتها عن طريق التدابير الدفاعية التي لا تتضمن عمليات عسكرية عبر الحدود([232])، علماً بأن القول بإباحة التدابير الدفاعية ضد العصابات المسلحة يقوم بالأساس على اعتبارات السياسة والمصلحة؛ حيث لا تتكلم المواد القانونية الخاصة بالدفاع عن النفس في القانون الدولي سوى عن ممارسة الدفاع عن النفس في مواجهة الدول فحسب([233]).
– قصر أعمال الدفاع على القائم بالهجوم (مرتكب الهجوم المسلح):
يلزم أن توجه أفعال الدفاع باستخدام القوة المسلحة التي يقوم بها الطرف المعتدى عليه أو من يساعده عملاً بحق الدفاع الجماعي إلى مصدر الخطر الناجم عن الهجوم المسلح([234]). فلا تكون أعمال الدفاع محلاً للإباحة إلا إذا وجهت لمصدر الخطر، بما يكفل التخلص من ذلك الخطر([235]). وعلى هذا يكون توجيه أعمال الدفاع ضد دولة محايدة لم تشترك في الهجوم المسلح غير جائز. لأن الخطر الذي يتهدد المعتدى عليه ويريد إيقافه قد صدر من معتدٍ يجب توجيه الدفاع ضده وضده فقط([236]).
ويؤكد Jonathan Charney على أنه: “على كل دولة ترغب في إثارة حق الدفاع عن النفس الالتزام بتوفير الدليل الأكيد للجماعة الدولية على أنها قد تعرضت لهجوم، وأن الكيان الذي يمارس في مواجهته حق الدفاع عن النفس كان مصدر الهجوم، وأن الهجوم أو التهديد به لا يزال مستمراً، وأن استخدام القوة ضروري لحماية الدولة من المزيد من الضرر”([237]).
فإذا ما قامت جماعات مسلحة بشن هجوم على دولة معينة، انطلاقاً من إقليم دولة أخرى، فإن أعمال الدفاع التي تقوم بها الدولة المعتدى عليها يجب أن توجه إلى القائم بالهجوم عليها أي إلى العصابة المسلحة بحيث لا تطال الدولة المضيفة لهذه الجماعة، خاصةً إذا ثبت عجز الدولة الأخيرة عن منع هذه الجماعات من شن مثل هذه الهجمات غير المشروعة([238]). ففي هذه الحالات يكتفى بمعاقبة العصابات المسلحة مرتكبة الهجمات العدوانية وفق التشريعات الجنائية الداخلية، ولا مانع من تنبيه الدول التي تعمل تلك العصابات انطلاقاً من إقليمها لاتخاذ إجراءات فعالة لوقف ومنع وقوع هجمات عليها. وذلك كمل حدث في عام 1950 عندما اشتكت نيبال للهند من قيام عصابات بالإغارة عليها متخذة من إقليم دولة الهند مقراً. حينها أنكرت الهند معرفتها بذلك، واتخذت إجراءات من شأنها منع تلك الحوادث([239]).
وفي حالة هجمات المنظمات المسلحة فنحن نتحدث عن حق التعقب أو Hot Pursuit والذي تمسكت به الولايات المتحدة في عديد من المرات بشأن عصابات تغير عليها من المكسيك([240]).
ويجوز للدولة المعتدى عليها، حال ممارستها للدفاع عن النفس أن تستخدم أسلحة قد ينتج عنها ضرر بالغير، أي أقاليم الدول المحايدة، إذا لم يكن هناك ثمة بد من استخدام هذه الأسلحة، ولم تتح لها وسيلة أخرى للدفاع عن نفسها، مع التزامها بدفع التعويضات المناسبة للدول الواقع عليها الضرر. وهذا وفقاً للمبادئ القانونية العامة في حالة الضرورة([241]). وإن كنا نرى أنه إذا تم إيقاع المسئولية على المعتدي عن الهجوم الممارس بشأنه حق الدفاع عن النفس من قبل منظمة دولية مختصة، فيمكن أن يتحمل أيضاً التعويضات عن الأضرار والخسائر التي ألحقها الدفاع بالغير.
ونفس المنهج يؤدي إلى تفكير متأمل بالنسبة لتطبيق المادة 51 على الوقائع الأكبر، وكذا الهجمات الصغيرة. فإذا ما اشتكت الدولة أ من مساعدة الدولة ب في الهجوم المسلح ضدها من قبل الدولة ج، فإن السلوك الأمثل بالنسبة لها هو مواجهة الهجوم المادي المباشر، مع توجيه العمليات ضد الدولة ج فقط، ولا تمتد هذه المواجهة إلى الدولة ب إلا عندما يصبح ذلك ضرورياً بسبب نطاق الهجوم، وقرب (مباشرة) وحجم المساعدة الممنوحة منها للدولة ج القائمة بالهجوم الفعلي([242]).
– الدفاع الشرعي في مواجهة فاعلين من غير الدول (الدفاع الشرعي في مواجهة الإرهاب والدول
الراعية له):
يجدر بنا أن نذكر أولاً أنه يشترط أن يشكل الهجوم المسلح، في هذه الحالة، استخداماً غير مشروع للقوة المسلحة العسكرية مخالف للمادة 2/4 من الميثاق([243]). أي لا يكون بذاته دفاعاً عن النفس وفقاً للمادة 51 من الميثاق 2 وفقاً لقاعدة “لا دفاع ضد الدفاع”، وبذا فلا دفاع عن النفس أمام أعمال المقاومة المسلحة المشروعة ضد الاحتلال الحربي والذي هو بمثابة عدوان مسلح مستمر.
والآن، هل يبرر الهجوم الإرهابي من إحدى المنظمات الإرهابية استخدام القوة دفاعاً عن النفس؟
تكمن المشكلة هنا في الاختلاف الكبير حول تعريف الإرهاب والخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة تطبيقاً للحق في تقرير المصير.
ويجب لكي يبرر الهجوم الإرهابي الدفاع عن النفس في مواجهته أن يتوافر له معيار كونه له ذات نطاق وآثار الهجوم المسلح الصادر عن الجيش النظامي لإحدى الدول([244]).
حيث يرى الفقيه Rowles أن الرد المسلح على أعمال الإرهاب يكون قانونياً إذا ما كانت هذه الإعمال ذات نطاق مساوٍ لما سوف يعتبر هجوماً مسلحاً إذا ما صدر عن قوات حكومية. فالهجمات الإرهابية واسعة النطاق وذات الاستمرارية قد تتسبب في استخدام القوة دفاعاً عن النفس، ولكن هجمة منفردة لا يمكن أن تبرر استخدام القوة في مواجهتها([245]). كذا يرى الأستاذ Cassesse أن الهجمات الصغيرة أو المنفردة أو المتفرقة لا تبرر اللجوء لاستخدام القوة دفاعاً عن النفس([246]).
ويكون اللجوء للقوة المسلحة مبرراً في مواجهة الإرهابيين إذا ما توفرت الشروط الآتية:
أولاً: يجب أن يرقى الفعل الإرهابي، سواء تم داخل أو خارج الدولة، إلى مستوى الهجوم المسلح. فيجب أن تتساوى شدة ونطاق الضرر الناتج مع ما قد ينتج من هجوم مسلح يشن من قبل قوات نظامية لإحدى الدول كما قلنا. وأي تصرف غير مشروع يقل عن الهجوم المسلح سيتطلب ممارسة التدابير المضادة الضرورية والمناسبة في مواجهته بلا استخدام للقوة.
ثانياً: يجب أن تكون أعمال الإرهابيين قابلة لأن تنسب لدولة مضيفة([247]).وتتعامل مباشرة مع هذه القضية المادة الثامنة من “مسئولية الدولة” في لجنة القانون الدولي: “يعتبر سلوك شخص أو جماعة من الأشخاص فعلاً للدولة وفقاً للقانون الدولي إذا كان الشخص أو جماعة الأشخاص يعملون فعلياً بتعليمات من، أو تحت توجيه أو سيطرة تلكم الدولة في تنفيذ ذلك السلوك”. ومن الضروري إثبات وجود “رابطة حقيقية” بين الدولة والفاعلين غير الدوليين. فذلك السلوك ينسب إلى الدولة إذا ما قامت الدولة بتوجيه أو قيادة العملية بعينها، وكان سلوكها المشكو منه “جزءً لا يتجزأ” من تلك العملية. بينما يقع السلوك العرضي أو الهامشي خارج نطاق المادة الثامنة([248]).
ثالثاً: يجب أن يتوفر التناسب في استخدام القوة. “فالأفعال المتخذة دفاعاً عن النفس يجب ألا تتعدى في أسلوبها وهدفها الضرورة المثيرة لها ([249]).ويجب ألا تكون غير معقولة أو مبالغ فيها([250]). فالقوة المسلحة يجب أن تستخدم فقط للقضاء على مصدر الهجوم. ويحدد Arend وBeck ثلاث مقتربات لمبدأ التناسب في مواجهة الإرهاب:
الأول هو ما يمكننا أن نطلق عليه: “العين بالعين”: وهو ما يعني أن الدولة الضحية يجب أن يتناسب ردها مع فعل إرهابي سابق([251]). ويجب طرح الادعاء بالدفاع عن النفس إذا لم تكن طبيعة ولا قدر القوة المستخدمة متناسبة مع طبيعة أعمال العنف الحاصلة ابتداءً([252]). وهذا هو الرأي الذي ننحاز له فهو الأقرب للمنطق والأكثر دقة وقابلية للتحديد والقياس.
الاقتراب الثاني يمكن تسميته: “التناسب التراكمي”: ومؤيدو هذا الاقتراب يقولون بأن الوسائل القسرية للدولة الضحية يجب أن تتناسب مع مجموع الأفعال السابقة غير المشروعة للمعتدي([253]).
بينما يمكننا أن نطلق على الاقتراب الثالث: “التناسب الردعي”: ويقول هذا الاقتراب بأن استخدام القوة من قبل الدولة الضحية يجب أن يتناسب مع مجمل التهديد الإرهابي الذي تواجهه الدولة([254]). ويعني هذا وفقاً للأستاذ O’Brien كافة الأعمال الماضية والأعمال المخطط لها([255]). والتناسب وفقاً للأستاذ Baker يكون مع الأعمال الماضية والمتوقعة([256]).
ويرى مايكل شميت أن العرف الدولي فيما يتعلق باستخدام القوة ضد الدول الراعية للإرهاب قد مر خلال العقدين السابقين بتغيير كامل. فحين قامت الولايات المتحدة في 1986 بشن هجمات جوية ضد ليبيا عقب عملية إرهابية في برلين استهدفت عسكريين أمريكيين ووجهت باستنكار دولي شبه شامل. فباستثناء إسرائيل وبريطانيا، حتى الحلفاء القريبين للولايات المتحدة قد استنكروا هذه العملية التي أطلقت عليها الولايات المتحدة El Dorado Canyon، كما أصدرت الجمعية العامة قراراً يدين هذه العملية باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي([257]). وفي ذات العام عرضت قضية نيكاراجوا على محكمة العدل الدولية وأصدرت فيها حكمها القضائي. وتضمنت هذه القضية بحث ملاءمة القيام بهجوم مسلح ضد دولة بسبب رعايتها لمتمردين([258]). وقالت المحكمة أنه إذا ارتكبت دولة هجوماً مسلحاً بإرسالها هي أو بالنيابة عنها لعصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة، للقيام بأعمال قوة مسلحة ضد دولة أخرى تصل بجسامتها لمستوى هجوم مسلح فعلي عن طريق قوات نظامية أو باشتراك أساسي منها. ومضى الحكم للقول بأن ” هذا الوصف، كما احتوته المادة 3 الفقرة و من تعريف العدوان الملحق بقرار الجمعية العامة رقم 3314، يجب اعتباره معبراً عن القانون الدولي العرفي”([259]). وتتطلب تلك الصياغة أن تكون الدولة أو المجموعة التي تعمل نيابة عنها مشتركة بشكل كبير في الأعمال الفعلية([260]).
– ولكن، هل يشترط لممارسة الدفاع الشرعي تقديم الدليل على وقوع الهجوم المسلح وتحديد هوية الدولة القائمة بالهجوم أو الضالعة فيه؟
حق الدفاع الشرعي حق أصيل، ولم تشترط المادة 51 إبلاغ مجلس الأمن سوى بما تم اتخاذه من إجراءات فور اتخاذها، أي أن الإبلاغ لاحق على اتخاذ تدابير الدفاع ليقوم المجلس بدوره الرقابي عليها. ولكن ماذا إذا ما كان مشكوكاً في أن ما وقع كان هجوماً مسلحاً، يخضع هذا التحديد للدولة المدعية بممارسة الدفاع الشرعي مع رقابة مجلس الأمن اللاحقة على تكييف الهجوم، ولكن ماذا إذا لم يكن واضحاً صلة الطرف الذي تدعي الدولة ممارسة الدفاع الشرعي في مواجهته بالعدوان الذي تدعي وقوعه عليها؟ نرى أنه يمكنها تقديم الدليل بعد نشوب الحرب ليقيمه مجلس الأمن مع ما تم اتخاذه من إجراءات تلت العدوان المزعوم.
3- التناسب:
يجب أن تتناسب الأعمال المتخذة للدفاع الشرعي مع الخطر المواجه([261]). ويبيح القانون الدولي أعمال الدفاع عن النفس فقط بالقدر الضروري الكافي لصد الاعتداء، وما زاد على ذلك مما لا ضرورة ملجئةً له لا يعتبر مباحاً.
ويفترض أن تتناسب القوة المستخدمة في الدفاع مع القوة المستخدمة في الهجوم المسلح. ولكن لا يعني هذا إلزام المدافع باستخدام ذات الأسلحة والوسائل المستخدمة في الهجوم، بل له اختيار الوسائل المناسبة التي يراها لازمة لدرء الاعتداء، والتي قد تختلف مع اختلاف الظروف فالمطلوب هو التناسب لا التماثل([262]).
غير أن تحديد معيار التناسب بين أفعال الدفاع ومدى جسامة أفعال الاعتداء تحيط به صعوبة بالغة. وينقسم الفقه في هذا الشأن إلى وجهتي نظر رئيسيتين كما يوضح د. عبد الونيس: تحدد وجهة النظر الأولى التناسب على أساس الأخطاء المرتكبة سلفاً، والتي بررت اللجوء إلى الدفاع الشرعي، بلا اعتبار للأخطار المستقبلية، وقد درج مجلس الأمن على النظر إلى معيار التناسب في ضوء الأعمال السابقة، مع التركيز على الحدث الذي سبق مباشرةً اتخاذ أي فعل بزعم الدفاع عن النفس، أما وجهة النظر الثانية فتنظر إلى المستقبل؛ وعليه يكون الاستخدام المتناسب للقوة، هو ذلك الاستخدام المقصود به حث المعتدي على إيقاف تصرفه غير المشروع ، وردعه أو منعه من تكرار هذا التصرف، وبالطبع فإن الركون لهذا المعيار سيترتب عليه فتح الباب على مصراعيه أمام من يرغب من الدول في شن هجوم وقائي ضد أي خطر متوقع أو متوهم([263]).
ونظراَ لصعوبة، بل قل استحالة، التوصل إلى معيار دقيق للتناسب، فيمكن اعتبار أي فعل يتناسب ظاهرياً مع مثيره محققاً لشرط التناسب([264]). وذلك بالنظر إلى حجم الخسائر في الأرواح والممتلكات. ومن الممكن القول أن معيار التناسب يعتمد، كما يمضي الدكتور عبد الونيس على تحقق المفترضات التالية:
أولاً: أن يكون رد الفعل مشروعاً في حد ذاته، محققاً لباقي شروط الدفاع الشرعي.
ثانياً: أن تكون النتيجة المباشرة لهذا الرد مقبولةً أخلاقياً، كأن يتمخض عن تدمير منشآت العسكرية أو قتل لجنود الدولة المعتدية، أي ألا ينتهك هذا الرد القانون الدولي الإنساني أو قانون الحرب.
ثالثاً: أن يقتصر قصد المدافع على تحقيق تلك النتيجة المباشرة، ولا يتعدى ذلك إلى إحداث آثار ضارة (كقتل المدنيين). ومن ثم فإن الغارات واسعة النطاق التي تشنها الدولة المدافعة ضد دولة أخرى ارتكبت ضدها هجوماً مسلحاً، والتي ينتج عنها موت العديد من المدنيين، وكذلك عمليات القصف الموسعة التي لا تميز بين المنشآت العسكرية والمدنية، كل هذه عوامل تشكل وقائع مادية تساهم في تحديد مدى التناسب بين فعل الاعتداء وفعل الدفاع([265]).
والرأي الراجح في نظرنا بهذا الشأن هو أن القوة المستخدمة دفاعاً عن النفس يجب أن تتناسب مع الأهداف التي يخولها حق الدفاع عن النفس لصاحبه، لا مع القوة المراد التصدي لها([266]). ويقاس التناسب بأخذ جميع المؤشرات السابقة بعين الاعتبار.
– متى يمكن استخدام أسلحة الدمار الشامل في الدفاع عن النفس؟
وقع خلاف في الرأي حين أثيرت مسألة مدى جواز استخدام أسلحة نووية دفاعاً عن النفس في مواجهة هجوم مسلح تم باستخدام أسلحة تقليدية([267]).
يرى الفقيه Singh أن استخدام الأسلحة النووية في مواجهة معتدٍ يمكن السماح به فقط عندما يتضح فشل الأسلحة التقليدية في مواجهة قوات المعتدي. وهذه رؤية أكثر اعتدالاً من تلك التي تسمح باستخدام تلك الأسلحة ابتداءً، ولكنها أيضاً تواجه ذات الصعوبات([268]).
ولا توجد بهذا الصدد ممارسة دولية صريحة، لكن يبين من العمل الدولي أن حكومات كل من الولايات المتحدة وفرنسا وكندا والمملكة المتحدة يعتبرون أن استخدام الأسلحة النووية جائز في مواجهة دولة معتدية بغض النظر عن نوع الأسلحة الذي تستخدمه تلك الأخيرة. لذا فقد أكدت المشروعات التي أيدتها هذه الدول في اجتماعات اللجنة الفرعية لهيئة الأمم المتحدة لنزع السلاح على تحريم استخدام الأسلحة النووية “ما عدا في حالة الدفاع ضد العدوان”. بينما اقترح الوفد السوفيتي أن يتم السماح باستخدام هذه الأسلحة في الدفاع ضد العدوان متى كان هذا القرار قد اتخذ بذلك من قبل مجلس الأمن([269]).
على حين يرى الدكتور ويصا صالح أنه لا يجوز استخدام أسلحة دمار شامل في مواجهة هجوم بالأسلحة التقليدية لأن كمية القوة المستخدمة حينئذ ستتخطى طبيعة الهجوم المراد دفعه، كما وأن أسلحة الدمار الشامل ينتج عنها غالباً تدمير العدو وإلحاق الهلاك به؛ لذا يكون البدء باستخدامها عامةً من قبل الضحية غير جائز([270]). وكذا يرى الدكتور محمد محمود خلف أن الدفاع الشرعي يجب أن يكون بالأسلحة التقليدية([271])، وذلك طالما كان العدوان بالأسلحة التقليدية. ويوافقه في ذلك الدكتور يحيى الشيمي حيث أنه من غير المتصور حدوث تناسب بين القوة التدميرية التي تتسبب فيها الأسلحة النووية وتلك التي تحدثها الأسلحة التقليدية([272]).
ويؤكد Brownlie أننا إذا قلنا بمشروعية استخدام أسلحة الدمار الشامل دفاعاً عن النفس في مواجهة هجوم بالأسلحة التقليدية، فسيؤدي هذا إلى نتائج وخيمة، حيث:
أولاً: تختلف الأسلحة النووية عن الأسلحة التقليدية نوعياً في قدرتها التدميرية، وأثرها على السكان خلال وقت الهجوم وبعده في المستقبل، وآثارها على المناخ في الدول الأخرى.
ثانياً: متى أطلقت الأسلحة النووية باستخدام الصواريخ الباليستية العابرة للقارات فإنها تحدث أثراً تدميرياً فورياً لا يدع أمام الدولة الموجهة ضدها وقتاً أو مجالاً للتفكر أو المفاوضات.
وثالثاً: العيوب التي تشوب تطبيق مبدأ التناسب لها آثار خطيرة فيما يتعلق بالأسلحة النووية([273]).
– أوجه خطورة مبدأ التناسب:
تتعدد أوجه هذه الخطورة، إضافةً لم تمت الإشارة إليه سابقاً من تعذر قياس التناسب، والاختلاف حول معياره، هو في حالة أنه لو ووجهت دولة (أ) بهجوم على نطاق ضيق عبر حدودها في وقت يتسم بالتوتر، وفي ظروف لا تشير بصراحة إلى ما إذا كان الهجوم قد حدث نتيجة خطأ، أو فعل غير مسئول من مسئول تابع لها. فإن رد فعلها قد يكون متناسباً مع التهديد حتى ولو تضمن استخداماً للقوة بالزيادة عن الهجوم الرئيسي، باعتبار القوة الزائدة ضماناً للحسم. ولو ردت الدولة (ب) على الدولة (أ) خوفاً من تطور رد فعل الأخيرة إلى عدوان عليها سنكون أمام نزاع متصاعد واسع النطاق لن يوقفه سوى تدخل هيئة دولية لترتيب انسحاب كل طرف إلى الحدود السابقة لتبادل الهجمات، وحينها سيتم اعتبار الطرفين معتديين([274]).
4- إخطار مجلس الأمن على الفور بالتدابير المتخذة استعمالاً لحق الدفاع عن النفس:
– إبلاغ مجلس الأمن:
تنص المادة 51 على ما يلي: “والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فوراً …“.
بمقتضى نص هذه المادة يتعين على الدولة أو الدول التي تمارس حق الدفاع الشرعي إخطار مجلس الأمن فوراً بالتدابير التي اتخذتها في هذا الصدد([275]).
ولمجلس الأمن، استناداً إلى ما يرد إليه من بلاغات من الأعضاء إعمالاً لهذا النص أن يقرر ما إذا كان الوضع يعبر عن تهديد للسلم أو إخلال به أو عمل من أعمال العدوان وفقاً للمادة 39 من الميثاق، أو أن يصدر قرارات باتخاذ تدابير مؤقتة وفقاً للمادة 40 من الميثاق، أو أن يصدر قراره باتخاذ التدابير الجماعية كما تقضي المادتان 41 و42 من الميثاق([276]).
ويعتبر عدم التقيد بهذا الشرط دليلاً على عدم اعتبار هذه التدابير دفاعاً عن النفس. كما ظهر في النزاع الهندي الباكستاني، والنزاع الفرنسي التونسي([277]).
أما بالنسبة لعبارة “ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس بمقتضى سلطته ومسئوليته المستمدة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه”. فهذه العبارة لا يترتب عليها أثر قانوني جديد، بل هي تأكيد لمبدأ المسئولية الأصيلة لمجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين([278]).
5- وقتية أعمال الدفاع عن النفس بحسب الأصل:
يترتب على نص المادة 51 من الميثاق “حتى يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي”؛ أن يتوقف جواز ممارسة الدفاع عن النفس حين يتدخل مجلس الأمن باتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي. فهذا الحق هو بطبيعته إجراء مؤقت للحماية. ويتفق الطابع الوقتي لحق الدفاع عن النفس مع الطابع الاستثنائي لهذا الحق، حيث شرع حين تنعدم الوسائل الأخرى للحماية، وهو ليس بديلاً عن التدابير الجماعية للمنظمة الدولية بحال. وعلى الطرف الذي يمارس حقه في الدفاع الشرعي التزام قانوني بالتوقف فور اتخاذ مجلس الأمن التدابير الضرورية وفقاً للمواد 39 و41 و42 من الميثاق (التوصيات أو تدابير القمع باستخدام القوة المسلحة أو بدونها) ([279]). وفور اتخاذ هذه التدابير من قبل المجلس تنتقل إليه وحده سلطة تفسير “الهجوم المسلح”، وتحديد مرتكبه.
– الإجراءات التي يتخذها مجلس الأمن:
التدابير التي تشير إليها المادة 51 هي “التدابير الضرورية لحفظ السلم والأمن الدوليين”، وليست التدابير الضرورية لدفع الضرر عن الدولة المعتدى عليها وحماية مصالحها المشروعة([280]). فإذا لم يتخذ مجلس الأمن هذه التدابير، ينتفي الالتزام بالتوقف في حق الدولة القائمة بالدفاع ويستمر الحق في الدفاع الشرعي قائماً ذلك أن الالتزام بالتوقف هنا يعد من قبيل الالتزامات المعلقة على شرط واقف([281]).
كما يمكن للجمعية العامة، بالاستناد إلى قرار الاتحاد من أجل السلم، إصدار توصيتها بالإجراءات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدوليين، وأيضاً يتوجب على الدول أن تتوقف عن كافة أعمال الدفاع عن النفس متى اتخذت هذه الإجراءات. وذلك لأن الدول قد ارتضت في القرار آنف الذكر للجمعية العامة أن تباشر مسئوليات في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين.
وبالطبع لا يرتبط التوقف عن أعمال الدفاع بمجرد صدور القرار أو التوصية، بل بالقيام بعمل إيجابي تنفيذاً لذلك القرار أو تلك التوصية، ويختلف نوع هذا العمل وفقاً لكل حالة فقد يكتفى بمجرد تنبيه المعتدي، أو قد يتطلب استخدام القوة([282]).
يتبقى القول بأن من يحدد ما إذا كانت التدابير الضرورية لحفظ السلم والأمن الدوليين قد اتخذت أم لا هو أيضاً مجلس الأمن ([283]).
كما يترتب أيضاً على شرط التأقيت أن يتوقف الحق في الدفاع الشرعي – بالإضافة إلى شرط حتى – بانتهاء التناسب سواء من حيث كمية القوة المستخدمة، أو المدة التي تستخدم فيها هذه القوة([284]).
– الاحتلال المستمر وأعمال الانتقام:
يترتب على شروط التأقيت والضرورة والتناسب استبعاد أعمال الانتقام من نطاق الإباحة الذي ينضوي تحت مظلته من يمارس الدفاع الشرعي. كما يترتب عليهم عدم مشروعية الاستمرار في احتلال أراضي الغير تحت زعم الدفاع الشرعي([285]).
6- تطلب الدفاع الجماعي لموافقة الدولة المعتدى عليها:
يتيح ميثاق الأمم المتحدة للدول القيام بمساندة الدولة المعتدى عليها لصد العدوان الواقع عليها إذا ما كان المساس بأمن الدولة المعتدى عليها يضر بأمن الدولة القائمة برد العدوان.
وهذا الحق مكفول لجميع الدول التي تدفع العدوان المسلح عن غيرها من الدول ويستوي أن تكون الدولة ضحية العدوان عضواً في الأمم المتحدة أو لا تكون، وأن يكون هناك تنظيم إقليمي أو لا، وأن توجد معاهدة سابقة تنظم هذا الحق أو لا. ويستفاد هذا من كون عبارة نص المادة 51 بهذا الشأن جاءت صريحة مطلقة. إلا أن المنطق يقول أن موافقة الدولة المعتدى عليها لازمة سواء كانت صريحة أو ضمنية وإلا صرنا بصدد حالة من حالات التدخل في شئون الدول الأخرى. ولكن إذا ما طلبت دولة ما مساعدة عسكرية من دولة أخرى لقمع ثورة وطنية داخلية لا لصد عدوان من الخارج فإن القانون الدولي لا يجيز هذا نظراً لمخالفته الصارخة لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها([286]).
جـ- الرقابة اللاحقة على أعمال الدفاع الشرعي:
يتأسس حق الدفاع عن النفس على المبادئ العامة للقانون، وفي ظل ميثاق الأمم المتحدة يعتبر مجلس الأمن مسئولاً عن الرقابة على ممارسة حق الدفاع عن النفس وفقاً للمادة 51 من الميثاق. وهذه الرقابة الدولية ضرورية لكي لا يصبح حق الدفاع عن النفس ستاراً تتخفي وراءه أعمال العدوان ([287]).
ودور مجلس الأمن بهذا الصدد لا يخرج عن كونه نوعاً من الرقابة اللاحقة، حيث ينظر في التدابير التي اتخذتها الدولة دفاعاً عن نفسها باستخدام القوة، والادعاءات التي استندت إليها في هذا الاستخدام، وتحديد ما إذا كان هناك هجوم مسلح قد وقع، وشخص القائم به، أي المعتدي. وقد ينتهي المجلس من بحثه إلى أن الدولة التي اعتبرت نفسها في حالة دفاع شرعي هي المعتدية والدولة الأخرى في حالة دفاع عن النفس، ويضع بالتالي المسئولية الدولية على عاتق الدولة المدعية.
ويتطلب صدور قرار مجلس الأمن بتحديد قيام الحق في الدفاع الشرعي لأحد الأطراف حدوث إجماع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن([288]). ولكن ما العمل إذا كانت إحدى الدول الدائمة العضوية أصحاب حق النقض الفيتو طرفاً في أعمال الاعتداء، أو كانت تساند المعتدي؟ عندئذ تزيد أهمية الحق في الدفاع عن النفس([289]). حيث من الممكن حينئذ أن تشل يد المجلس عن اتخاذ أي تدابير نافعة لحل النزاع القائم([290]).
ونخلص من كل ما تقدم في هذا الفصل إلى أن الحق في الدفاع الشرعي، وإن لم يختلف كثيراً في طبيعته ولا في جوهره في القانون الدولي المعاصر عنه في القانون الدولي التقليدي، إلا أن شروطه صارت أكثر تحديداً، وقد قيدت بنص ميثاق الأمم المتحدة. فعلى حين كان القانون الدولي التقليدي يشترط في الفعل المكون للاعتداء أن ينطوي على خطر جسيم حال ذي مصدر غير مشروع، يتطلب القانون الدولي المعاصر أن يكتسب فعل الاعتداء وصف الهجوم المسلح الفعلي، وأن تقوم به قوات دولة ما، أو يعادل الهجوم المسلح من القوات النظامية لدولة ما إذا ما قامت به جماعة مسلحة أو منظمة إرهابية، وأن ينطوي على قدر من الخطورة، حتى ولو لم ينطو على عمل عسكري إيجابي (كما في الحصر البحري)، حيث أن العدوان غير المباشر لا يبرر الدفاع الشرعي باستخدام القوة المسلحة. كما ينبغي أن يسبق فعلُ العدوان الردَّ عليه، حتى ولو استخدمت فيه الأسلحة النووية، إذ يمكن اعتراض هذه الأخيرة، بالأساليب الحديثة، قبل أن يتسنى لها إحداث أثرها التدميري الهائل.
أما الأفعال المتخذة للدفاع، فقد اشترط فيها القانون الدولي التقليدي اللزوم، حيث يكون الخطر المواجه داهماً، ولا سبيل لصده إلا بالقوة، والتناسب بين القوة المستخدمة والتهديد المواجه. والقانون المعاصر أيضاً يشترط الضرورة، بحيث لا يتم اللجوء إلى القوة في الدفاع إلا بعد استنفاد الوسائل السلمية، أو حيث لا يكون ثمة مجال ولا وقت للجوء إليها لصد هجوم داهم، كما اشترط الدقة، أولاً في توقيت بدء الدفاع، بحيث يأتي تالياً لبدء الهجوم، أو على الأقل لاتخاذ المعتدي الإجراء الأخير لشن الهجوم، والذي لا يمكنه بعده التراجع عن الهجوم، وثانياً في قصر توجيه أعمال الدفاع على المرتكب الفعلي للهجوم المسلح، مع تقديم الدليل على نسبة الهجوم إليه، دونما مساسٍ بحقوق الغير. ويؤكد القانون المعاصر أيضاً على شرط التناسب، بحيث تتناسب القوة المستخدمة في الدفاع مع الهدف الذي أبيح لأجله، ولا تتعداه في الكم أو الكيف أو المكان أو الزمان، مع احترام قواعد القانون الدولي الإنساني في جميع الأحوال.
ففي أي استخدام للقوة دفاعاً عن النفس يجب أن تُحترم مبادئ التناسب والضرورة. وتقيد الضرورة استخدام القوة العسكرية في استهداف أهداف عسكرية مشروعة، ويتطلب التناسب أن يتم أخذ الإصابات التي قد تلحق بالمدنيين في الاعتبار، وإذا لم يكن فقدان أرواح مدنية وتدمير ملكيات مدنية متناسبة مع أهمية الهدف، يلزم التخلي عن الهجوم([291]).
ويضاف إلى شروط الدفاع الشرعي في القانون المعاصر شرط التأقيت، بحيث يلزم إنهاء أعمال الدفاع فور انتهاء التناسب، أو تدخل مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدوليين، وشرط إبلاغ مجلس الأمن فوراً بالإجراءات المتخذة للدفاع.
وقرار قانونية وملاءمة أعمال الدفاع الشرعي راجع إلى الجماعة الدولية ككل والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، والأفراد المعنيين([292])، سواءً في القانون الدولي التقليدي أو المعاصر.
ومع اعترافنا بأن القانون الدولي التقليدي كان يسمح سابقاً باتخاذ “التدابير الوقائية” لمواجهة تهديدٍ حالّ توقياً لنتائجه الضارة حال تحوله إلى هجوم فعلي بالشروط الواردة في صيغة وبستر بحادثة الكارولينا، إلا أنه لا يوجد ثمة دليل على أن هذا كان النظر السائد في الثلاثين سنة السابقة على وضع ميثاق الأمم المتحدة، ولا في وقت إقراره، وبالتالي فلا يمكن أن يكون واضعو الميثاق قد قصدوا أن يتضمن الدفاع الشرعي تلك التدابير الوقائية حين أكدوا فيه عدم المساس بالحق “الأصيل” في الدفاع عن النفس.
ومن ثم فوفقاً للقانون الدولي المعاصر، ينحصر الحق في الدفاع عن النفس في الحق في استخدام القوة لدرء هجمة دائرة in progress، أو لتغيير نتائج هجوم للعدو كإنهاء الاحتلال مثلاً، أو لاعتراض هجمة بدأت بالفعل، ولم تصل بعد لإقليم الدولة الضحية، وما عدا ذلك من صور استخدام القوة يلزم له التفويض الصريح من مجلس الأمن، أو أن يدخل ضمن تدابير الأمن الجماعي بشروطها.
الفصل الثاني:
الدفاع “الوقائي” في القانون الدولي
لم يأت فقهاء القانون على ذكر للدفاع الوقائي قبل القرن السابع عشر. ولم يشر إلى هذا المبداً قبل ذلك أي من فقهاء القانون الطبيعي ومنظرو الحرب العادلة، وعلى رأسهم أوجستين وتوماس الأكويني. ويبنى السبب العادل للحرب، في نظره، على وقوع الخطأ السابق Injury من العدو، ويبين من كتاباته، فهمه الموسع لهذا الخطأ، لذا ففي نظره تعد حروباً عادلة الحروب التي هدفها الدفاع عن النفس، أو المعاقبة، أو استرداد أملاك سليبة([293])، وقد يفهم مما كتب أنه قد يصاحب أياً من الأهداف السابقة استهداف الردع، ومع ذلك فلا نجد في كتاباته أساساً للدفاع الوقائي، ولا مبرراً لشن حرب بلا هدف سوى الردع.
وبرغم تأكيد الإسلام على واجب الدفاع الشرعي ضد العدوان، إلا أنه أيضاً لا يسمح بالدفاع الوقائي، بل يعتبره غدراً وخيانة. ﭧ ﭨ ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ الأنفال: ٥٨. ويقول – صلى الله عليه وسلم: {ومن كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها، حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء}([294]). أي أنه لا يجوز للمسلمين شن الحرب على غيرهم خوف الخيانة، بل إذا ظهرت إمارات هذه الخيانة، وتأكدت علاماتها، ينبذ المسلمون عهدهم، ويلغونه، مع إعلام الطرف الآخر بهذا الإلغاء، وإمهاله([295]). و”الخوف هنا الوقوع، وإلا فمجرد الخوف موجود من كل عاقد”([296])، وعلى سواء: أي على مهل([297]). ثم يقول تعالى بعد هذه الآية: ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ الأنفال: ٥٩، أي لا يظن أولئك أنهم نجوا أو غلبوا، وأنهم بمبادرتهم بالخيانة قد فازوا وأفلتوا، بل إنهم لا يعجزون الله جل وعلا، وهو قادر على نصر المسلمين عليهم إذ أمر سبحانه وتعالى المسلمين في الآية التالية بإعداد القوة لردع أعدائهم ومن يعاونهم، ليعلموا أنهم إذا ما اتخذوا خطوة الحرب على المسلمين فسيكون هؤلاء مستعدون لمواجهتهم بأقصى قوة، ﭧ ﭨﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭼ الأنفال: ٦٠
، ومع ذلك فإن لم يقم الأعداء ببدء القتال وجنحوا للسلم، فعلى المسلمين أن يختاروا السلم أيضاً، ﭧ ﭨ ﭽ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ الأنفال: ٦١.
إنما يستمد هذا المبدأ “الدفاع الوقائي” أساسه من الصياغة التقليدية في القرن السابع عشر للفقيه هوجو جروشيوس في 1625م: “يباح الدفاع الشرعي ليس فقط بعد أن تحدث المعاناة من هجوم، ولكن أيضاً مقدماً، حين يكون من الممكن توقع التصرف”، ومن بعده أكد الفقيه Vattel في 1758م أن من حق الدولة التصدي للضرر الذي تريد أخرى إلحاقه بها، وأن تستخدم القوة وأي وسيلة أخرى عادلة لمواجهة المعتدي المتوقع([298]).
بعد ذلك، وفي 1842م ظهر مبدأ الكارولينا، إثر حدوث واقعة الكارولينا، محدِّداً، كما بينَّا الفصل السابق، شروطاً للخطر المبيح للدفاع عن النفس، يستند إليها أغلب من يقولون بالدفاع الوقائي عن النفس، باعتبارها تشكل القانون الدولي العرفي للدفاع عن النفس.
لكن لا يغيب عنا بالطبع أنه في وقت كتابات جروشيوس وفيتل وحادثة الكارولينا، لم يكن هناك قانون يحظر لاستخدام القوة بين الدول، بل كانت القوة وسيلة مشروعة لتنفيذ السياسات الخارجية للدول. وقد سمح عهد العصبة 1919 بالدفاع الشرعي فقط في حالات الهجوم والغزو، أي أنه لم يتضمن السماح بالدفاع الوقائي، وندرس في هذا الفصل الدفاع “الوقائي” في القانون الدولي المعاصر.
وقد قسمنا هذا الفصل إلى خمسة مباحث فعرضنا أولاً لتعريف الدفاع الوقائي، والمدارس الفقهية بشأن مشروعيته، ورأي القضاء الدولي فيما يتعلق بمدى مشروعية الدفاع الوقائي، ثم درسناً مدى جواز اللجوء للدفاع الوقائي وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ثانياً، ووفقاً للعرف الدولي ثالثاً، ودرسناً رابعاً مدى إمكان تعديل العرف لقاعدة آمرة مكتوبة في أسمى معاهدة دولية، ثم بحثنا خامساً في الخيارات الأخرى المتاحة لمواجهة التحديات المعاصرة.
المبحث الأول:
آراء المدارس الفقهية الحديثة والقضاء الدولي بشأن الدفاع “الوقائي”
تعريف العمل الوقائي، والفرق بينه وبين الاستباق:
يرى بعض الدارسين أن الدفاع الوقائي والاستباق مصطلحان يمكن استخدامهما بالتبادل للتعبير عن نفس الشيء، على حين يرى البعض الآخر فارقاً بينهما، وإن تداخلا أحياناً، وبينما يأتي ذكر الدفاع الوقائي Anticipatory Self-Defense في الأدبيات القانونية، خاصةً عند الحديث عن قضية الكارولينا، فإن الاستباق Preemption يستخدم أكثر في الأدبيات السياسية، وخاصةً منذ إعلان عقيدة بوش التي تتخذه عنواناً لها، وإن استمد بعض جذوره التاريخية من الحروب النابليونية، وهو أقرب إلى مصطلح الحرب الوقائية Preventive War في العلوم العسكرية.
ويضع معجم Chambers لكلمة (Anticipate) المعنى التالي: “أن تتوقع شيئاً ثم تتصرف على أنه حتمي الوقوع” ” To predict something and then acts as though it is bound to happen([299])” مما يفيد وفقاً لـ Niaz A. Shah بأن شيئاً ما مؤكد وحتماً سيقع ومن ثم تلزم الاستجابة له([300]).
بينما تعني كلمة Pre-emptive في معجم Chambers على الصعيد العسكري “التدمير الفعال لأسلحة العدو قبل أن يتمكن من استخدامها” أو “Effectively destroying the enemy’s weapons before they can be used([301])” مما يتضمن الإشارة إلى تكتيك عسكري خلال الحرب يقلل من قدرة العدو على القتال كما يرى Niaz A. Shah([302]).
ويفرق O’Connell بين الدفاع عن النفس “التوقعي أو الوقائي” و”الاستباقي” بقوله: أن الدفاع عن النفس الاستباقي يشير إلى الحالات التي يستخدم فيها أحد الأطراف القوة للقضاء على أي إمكانية لهجوم مستقبلي من قبل دولة أخرى، وذلك حتى حين لا يكون هناك من سبب للاعتقاد بأن ثمة هجوم مخطط، وحين لا يكون هجوم سابق قد حدث. بينما الدفاع عن النفس الوقائي هو مبدأ أضيق يخول القيام باستجابات مسلحة على هجمات على وشك الوقوع on the brink of being launched، أو حين يكون هجوم معادٍ قد وقع بالفعل ويكون في علم الضحية أن هناك المزيد من الهجمات المخططة([303]).
وهكذا فإن الهدف من الدفاع “الاستباقي” هو منع المزيد من التهديدات العامة من التحقق، وليس استباق هجوم معين وشيك([304]).
والقول بالاستباق يتضمن خلقاً لقاعدة جديدة، لا إيجاد تفسير أوسع لقاعدة موجودة كاستثناء على الحظر العام لاستخدام القوة وفقاً للميثاق.
فمبدأ الاستباق – كما يرى أغلب الباحثين في القانون الدولي – ونحن معهم، لا وجود له في النظام القانوني الدولي المعاصر، ولا يقدم حججاً تكفي لقبوله كعرف جديد في القانون الدولي([305]).
ومفهوم الوقائية يتطلب إجراء حسابات دقيقة لمختلف تحركات العدو، بينما يمكن أن يشكل الهجوم الاستباقي المبكر عدواناً. وعامةً من الصعب – كما يقول الفقيه Show – تعيين الخط الفاصل هنا([306]).
أما عن الحرب الوقائية Preventive War، والتي تخول الاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة لها شنها، فتتضمن استخدام القوة المسلحة من أجل القضاء على تهديد ملفق أو متخيل، المهم أنه مستبعد الوقوع منطقياً، ومبررات الحرب الوقائية متهافتة وهشة، بل يؤكد نعوم تشومسكي أن: “الحرب الوقائية هي بكل بساطة الجريمة المطلقة التي أدينت في محاكمات نورمبرج”([307])، إذ تستهدف القضاء على أي مصادر متخيلة للتهديد قبل أن يتشكل التهديد منها فعلاً، أي أنها تستبق التهديد لا الهجوم المسلح.
وقد فرق البعض بين الدفاع الوقائي Anticipatory، والدفاع الاعتراضي Interceptive، فعلى حين يواجه الدفاع الوقائي خطراً وشيكاً وحالاً، يواجه الدفاع الاعتراضي الهجوم حين يكون محتوم الوقوع، وقد شد الزناد، ليواجه آلات هذا الهجوم بعد إطلاقها، وقبل وصولها، وإحداثها لأثرها التدميري.
وقد تَكَشَّف لنا من دراسة الأدبيات البحثية حول موضوع الدفاع الوقائي عن النفس، أن معظم الباحثين قد انقسموا بين مدرستين يمكن أن نطلق عليهما مدرسة النظرية الضيقة ومدرسة النظرية الواسعة (المعارضة للمفهوم الضيق) The Restrictionists and Counter-Restrictionists. وينتمي إلى المدرسة المضيقة كل من Brownlie, Dinstien, Henkin وJessup. بينما ينتمي للمدرسة الأخرى كل من Bowett, O’Brien, McDougal وStone([308]).
أولاً:المدارس الفقهية بشأن الدفاع الوقائي:
1- التفسير الواسع: مؤيدو الدفاع الوقائي، وحججهم، وشروطه وفقاً لهم:
يرفض أصحاب هذا الاتجاه قبول القول بأن ظاهر نص المادة 51 هو المصدر الحالي الوحيد لقانون الدفاع عن النفس؛ إما ارتكازاً على قراءتهم المختلفة للمادة 51 باعتبارها تحتفظ بحق الدفاع الشرعي في القانون العرفي، وباعتبار ذلك القانون العرفي يسمح بالدفاع عن النفس باستخدام القوة لمواجهة تهديد حالِّّ وشيك، أو بحجة تدمج هذه القراءة مع تأثير تطورات معينة تالية لعام 1945 منها على سبيل المثال فشل نظام الأمم المتحدة للأمن الجماعي([309])، فيرى د سمعان بطرس، كواحدٍ منهم أن التهديد الجدي ينشئ الحق في الدفاع الشرعي([310]). وسند هؤلاء هو الاعتماد على سابقة الكارولينا، ويتسع لدى بعضهم مفهوم الخطر الوشيك.
أ- بعض أهم المبررات التي يستندون إليها لتدعيم وجهة نظرهم:
1- مبدأ (حالة) الضرورة:
ويؤيد Bowett و Singh الدفاع الوقائي على هذا الأساس، حيث يرى الأول أن الضرورة الملحة تبرر الجوء إليه حال وجود تهديد بهجوم وشيك الوقوع ليس هناك وسائل أخرى لتوقيه ولا وقتاً للتفكير فيتم اتخاذ إجراءات وقائية تتناسب والخطر المواجه وتقتصر على مجرد الحماية منه وحسب([311]). أما الثاني فقال أنه من غير الممكن أن تجبر دولة في ظل التطور الرهيب لأسلحة الدمار الشامل على انتظار أن توجه إليها الضربة الأولى التي قد تكون قاضية قبل أن يصير مسموحاً لها الرد، وأن هذا لا يمكن أن يكون ما تهدف إليه م 51([312]).
وهذا هو ما بنت عليه إسرائيل هجومها على المفاعل النووي العراقي في 1981، حيث زعمت أن هذا المفاعل كان يهدد وجودها. ولم تُقبل حالة الضرورة، التي بنت عليها إسرائيل تصرفها، دولياً أبداً. وحتى في المجتمعات الداخلية، فإن الوضع بهذا الشأن لا يختلف كثيراً، حيث يثور الجدل غالباً حول تبرير الفعل بناءً على الضرورة. إلا أن المجتمع الدولي يختلف من حيث كونه لم يحدد إجراءات معينة فيما يتعلق بمشروعية التصرفات([313]).
2- القانون العرفي السابق على وجود الأمم المتحدة يقيد نص الميثاق فيما يتعلق بالدفاع الشرعي:
يرى فقهاء هذه المدرسة أن القانون العرفي الذي كان سائداً قبل إقرار ميثاق الأمم المتحدة بشأن الدفاع الشرعي يظل يقيد نص الميثاق بهذا الشأن، وفقاً لقراءتهم لنص المادة 51، أو أن القانون العرفي ، والذي يسمح – في رأيهم – باللجوء للدفاع عن النفس في مواجهة التهديد الوشيك بهجوم مسلح، يسير جنباً إلى جنب مع القانون الاتفاقي (الميثاق) وللدول اللجوء إلى أي منهما، أو إليهما معاً([314]). حيث يرى McDougal و Schachter أنه لم يكن في نية واضعي الميثاق التضييق من نطاق الدفاع عن النفس كما هو في القانون العرفي([315]).
3- التطور في أسلحة الدمار الشامل وقدرتها التدميرية الهائلة:
إن تحول الأسلحة إلى أدوات للدمار الشامل والفوري، وإمكانات الضربة الأولى القاضية قد أدت لميلاد مبدأ الدفاع الوقائي عن النفس، كما يزعم مؤيدوه([316]). فلا يمكن – وفقاً لهؤلاء – أن تنتظر الدول الهجوم عليها لتبدأ في التحرك([317]). فباستخدام الأسلحة الحديثة يمكن شن هجوم بسرعة هائلة، قد لا تسمح للدولة المستهدفة بالرد على الهجوم المسلح قبل انتهائه وتحقيقه لهدفه، وتدميرها، وخاصة إذا كانت مساحة هذه الدولة صغيرة جغرافياً([318]). لكن حقائق الواقع، وخاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق بزعم امتلاكها أسلحة دمار شامل، وهو ما لم تثبت صحته، تثبت أن الامتلاك الفعلي لأسلحة نووية – كما في حالة كوريا الشمالية – قد يشكل رادعاً فعالاً يمنع عن صاحبه العدوان بحجة الاستباق ويحميه، مما يفسر محالات الدول تسليح نفسها([319]).
4- تنامي خطر الإرهاب:
حيث اتسع نطاق أعمال الإرهاب وصار بوسع الإرهابيين الاستفادة من التقنيات الحديثة، والحصول على أسلحة الدمار الشامل، ومن ثم شن هجوم كاسح لا يمكن توقعه على أي دولة.
5- واقع الممارسة الدولية حالياً:
حيث يرى Bowett أن الدفاع الوقائي ضروري ويمارس بالفعل في العالم المعاصر([320]).
6- عجز ميثاق الأمم المتحدة عن مواجهة التحديات الراهنة:
ودليلهم على ذلك أن بعض الصراعات التي نشبت حديثاً تم التعامل معها خارج إطار الأمم المتحدة كالنزاع في كوسوفو، كما تفاقمت النزاعات القديمة ولم تعد المنظمة ولا ميثاقها يشكلان رادعاً خاصةً مع فشلها في تطبيق نظام الأمن الجماعي، بحيث لم يعد من فرق بينها وبين العصبة حين تداعت، إضافةً إلى عدم جدوى الميثاق لثبوت عجزه عن ضبط السلوك الدولي فهو لا يعكس الوضع القائم عملياً، كما لم يتضمن الميثاق شيئاً عما استجد بشأن أسلحة الدمار الشامل والإرهاب، فالمشكلة في الميثاق وليست في سياسات الدول.
ب- شروط الدفاع الوقائي وفقاً لأنصار هذا الاتجاه:
وضع أنصار الاتجاه الذي يرى أن القانون الدولي يسمح بممارسة الدفاع الوقائي عن النفس شروطاً لذلك، أو معاييراً لصحة هذه الممارسة أهمها أن يكون التهديد جدياً، وقابلاً للإثبات، ولايترك خياراً آخر لدفعه. كما يجب أن يقع في الحدود الضيقة للتناسب. ويقع عبء الإثبات على الدولة المتوقع استهدافها.
ويرى أصحاب هذه الرؤية أن القوة المسلحة يمكن أن تستخدم للدفاع الوقائي إذا ما توافرت الشروط التالية:
- إذا كان التهديد جدياً ووشيكاً،
- وإذا ثبتت الصلة الحقيقية بين الدولة والقائم بالتهديد بالهجوم العدواني إذا كان من غير الدول (منظمة إرهابية مثلاً)، وتوفرت للدولة “درجة التحكم المطلوبه” فيه،
- أن يكون الرد معتدلاً ومحدوداً. وينطوي التناسب هنا على شرطين أساسيين: أولاً: ينبغي أن يكون قدر القوة المستخدمة مناسباً من حيث الشدة والمقدار، وثانياً: مدة يجب أن ينتهي الفعل الوقائي فور القضاء على التهديد([321]).
- أن يتم استنفاد الوسائل الدبلوماسية والقانونية أولاً،
- وأن يتم الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني.
- الإخطار الفوري لمجلس الأمن بما يتخذ من إجراءات.
- تحمل المسئولية القانونية عن الأعمال المتخذة أمام محكمة العدل الدولية، والمسئولية السياسية أمام الجماعة الدولية([322]).
وهم على حين يرون أن التطور في أسلحة الدمار الشامل هو المبرر الأساسي للدفاع الوقائي، فهم يقررون أن مجرد امتلاك هذه الأسلحة الخطيرة لا يجب أن يشكل وحده أساساً للوصول إلى استنتاج أن التهديد وشيك. فيجب أن توجد نية واضحة ونوع من التعبئة العسكرية لاستخدام هذه الأسلحة ضد الدولة المستهدفة، وذلك لتبرير استخدام القوة الوقائية. واللجوء إلى استخدام القوة بناءً على خوف لا أساس له من وجود تهديد وشيك يمكن أن يكون ذي آثار كارثية([323]). وحالة الهند وباكستان شديدة التعلق بهذا. فكلا من الهند وباكستان لديها قوة نووية، وتبدو على الدوام مشكّلة لتهديد جدي للأخرى. والمناوشات الحدودية متكررة بينهما، وفي العديد من المناسبات شوهدت تعزيزات عسكرية حدودية بين البلدين. والتعزيزات العسكرية في 2002 واهتمام الجماعة الدولية بها يعد مثالاً حديثاً. والقدرات النووية لباكستان خاصة بالهند، والقدرات النووية للهند خاصة بباكستان والصين. والتساهل في المعايير عن الحدود الضيقة لمبدأ الكارولينا سيعطي أياً منهما مبرراً للاستخدام الوقائي للقوة، وهو ما يمكن أن يعم المنطقة، ويكدر الأمن والسلم الدوليين([324]).
2- التفسير الضيق: معارضو الدفاع الوقائي وحججهم:
يرى أنصار هذا الاتجاه أن السماح باللجوء إلى حق الدفاع عن النفس يبدأ “إذا وقع هجوم مسلح”([325])، وينتهي بتدخل مجلس الأمن([326]).
وأصحاب الاتجاه المضيق يقولون أن المادة 51 من الميثاق هي المصدر الوحيد الحالي لقانون الدفاع عن النفس، والتفسير الصحيح لهذه المادة يحظر اللجوء للدفاع الوقائي عن النفس([327])، كما أوضحنا في تفسير هذه المادة في الفصل السابق.
ويرون أن التذرع بالتطور في الأسلحة يعد حجة على الدفاع الوقائي، لأن السماح به في ظل هذا التطور سيعرض السلم الدولي لخطر شديد ويزعزع الأمن الدولي.
ويرى الفقه الغالب أن القول بمشروعية الحرب الوقائية يفتح المجال لاتخاذها مبرراً فضفاضاً لشن حروب وقائية ظاهراً، عدوانية حقيقةً يقوم بها الطرف القادر القوي لتحقيق مصالحه مع عدم مراعاة القانون ولا مصالح الغير. حيث يعتمد مبدأ الحرب الوقائية على وجود عدو محتمل وخطر محتمل ومن ثم ينبني الرد على مجرد افتراضات نظرية مما يوسع من دائرة العدوان([328]). ويقوم على افتراض سوء النية، وعدم التيقن من الخطر، أو وصوله إلى مرحلة الخطر الوشيك، كما يضفي الكثير من المرونة على مبدأ الضرورة، وهو ما لا يجد قبولاً واسعاً.
ومن ثم فلا يكون هناك مبرر للدفاع الوقائي سواءً من الواقع أو القانون.
ثانياً: القضاء الدولي والدفاع الوقائي:
لقد تجنبت محكمة العدل الدولية بثبات معالجة قضية الدفاع الوقائي عن النفس على الرغم من حقيقة أن العديد من الفرص كانت سانحة لذلك. ففي قضية نيكاراجوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية (1986)، امتنعت المحكمة عن بسط المناقشة لتتضمن الدفاع الوقائي عن النفس([329]). فقد نص الحكم في قضية نيكاراجوا، على سبيل المثال، على أنه: “بالنظر إلى الظروف التي ثار فيها النزاع، فإن الأطراف قد عولوا فقط على الحق في الدفاع عن النفس في حالة الهجوم المسلح، وهو ما حدث بالفعل، وقضية مدى قانونية الرد على تهديد وشيك بهجوم مسلح لم تتم إثارتها. ومن ثم فإن المحكمة لا تعبر عن نظر حيال هذه القضية”([330]). وذلك تأسيساً على أنه لم تكن في وقائع قضية نيكاراجوا ما يدعو المحكمة للنظر في التوقيت المناسب للبدء في ممارسة الدفاع الشرعي. فحرب العصابات على الخكومة السلفادورية كانت دائرة بالفعل، والقضية كانت ما إذا كان إمداد المتمردين بالأسلحة والمعدات يصل إلى درجة كونه هجوماً مسلحاً أم لا([331]). ومع ذلك فقد قال القاضي Schwebel في رأيه المعارض أنه لا يوافق على قراءة المادة 51 من الميثاق وكأنها تقول “إذا، وفقط إذا وقع هجوم مسلح” أو ‘If, and only if, an armed attack occurs’([332]).
أما في قضية جمهورية الكونغو الديمقراطية ضد أوغندا (2005)، فقد عبر العديد من القضاة عن آراء معارضة قائلين أنه كان ينبغي على المحكمة أن تنتهز الفرصة وتناقش مسألة الدفاع الوقائي عن النفس([333]).
ولسوء الحظ فإن فترة ما بعد الميثاق لم تشهد صدور قرار ملزم لهيئة قضائية دولية يحسم مسألة الدفاع الوقائي عن النفس. وفي الوقت الراهن، هناك انقسام فعلي في الجماعة القانونية الدولية بشأن مسألة قانونية الدفاع الوقائي عن النفس، ما يتطلب منا النظر في سلوك الدول([334]).
المبحث الثاني:
الدفاع الوقائي في ميثاق الأمم المتحدة: هل يسمح به الميثاق؟
أولاً: مدى انطباق شروط الدفاع الشرعي، الواردة بالمادة 51، على الدفاع الوقائي :
هل هو دفاع شرعي تسمح به المادة 51؟
لا يقبل بعض الفقهاء بالنظر القائل أن المادة 51 كان الهدف منها تقييد الفعل في حالة الخطر الوشيك كما كان في القانون العرفي. مقدمين الحجج التالية:
1- أن القراءة الضيقة للمادة 51 تعني حماية حق المعتدي في الضربة الأولى،
2- وأن المادة 51 خاضعة للقانون العرفي الذي أباح الفعل الوقائي (التوقعي) ([335]).
ويرى Schachter أنه: في قراءة للمادة 51 يمكن القول أن الدفاع الشرعي مقتصر على حالات الهجوم المسلح الواقع بالفعل، ولكن تتمسك قراءة بديلة لها بأنه طالما أن النص قد سكت بالنسبة لحق الدفاع عن النفس في القانون العرفي (والذي يذهب لأبعد من حالات الهجوم المسلح الفعلي) فلا يجب أن يرتب هذا ضمناً محو ذلك الحق. ومن ثم يكون من المحتمل أن تفسر المادة 51 على أنها تترك الحق في الدفاع عن النفس كما كان من قبل الميثاق([336]).
ولقد قرر Waldock أن محكمة العدل الدولية في قضية مضيق كورفو قد اعتبرت الاحتياطات التي اتخذتها سفن الحرب البريطانية في 22 أكتوبر في حالة الهجوم من خلال مدفعية الشاطئ الألبانية قانونية؛ ومن ثم لا تكون المحكمة قد تبنت النظرة الضيقة للحق الطبيعي المذكور في المادة 51؛ إلا أن هذا النظر للحكم كما يؤكد Brownlie لا يحظى بتأييد راسخ.
كما أن بعض اتفاقيات الصداقة والمساعدة المتبادلة الشرق أوروبية منحت المساعدة الفورية في حالة تجدد سياسة العدوان من قبل ألمانيا، كما اقترح أن تشير هذه الاتفاقيات إلى الاستعداد للجوء إلى الدفاع الوقائي. غير أن هذا الاقتراح لا يقابل الحجة القائلة بأن هذه الاتفاقيات مرتبطة بالمادة 107 من الميثاق حيث أن هذه الحجة قد تكون غير سليمة. ومع ذلك فإن القيمة الظاهرة لهذه الاتفاقيات ليست جديرة بالاعتبار. فنصوصها شديدة الغموض. كما أنه من المعتاد بالنسبة للمساعدة العسكرية أن تمنح بمقتضى معاهدات المساعدة المتبادلة في حالة التهديد بالهجوم، ولكن هذه المساعدة لا تتضمن بالضرورة اجتياحاً صريحاً للمعتدي المحتمل، أو استخداماً للقوة الصريحة في مواجهته قبل أن يبدأ عدوانه بالفعل.
ولا يمكننا سوى استنتاج أن النظرة القائلة أن المادة 51 لا تسمح بالفعل الوقائي (التوقعي) نظرة سديدة، وأن الجدال بغير ذلك إما غير مقنع للعقل أو يستند إلى أدلة غير حاسمة([337]).
أ- مدى تحقق وصف الهجوم المسلح في التهديد:
هل يدخل التهديد ضمن الهجوم المسلح؟
يقول بعض المدافعين عن الدفاع الوقائي عن النفس أن المادة 51 تحتفظ بالحق العرفي في الدفاع عن النفس والذي يعترف، وفقاً لهم، بالدفاع الوقائي عن النفس، بشروط الكارولينا – حالة الهجوم الوشيك([338]). ويرون أنه حين يكون هناك دليل مقنع ليس فقط على وجود تهديدات وخطر محتمل، بل على هجوم يتم بالفعل تصعيده، حينئذ يمكن القول بأن هجوماً مسلحاً قد صار على وشك الوقوع، برغم أنه لم يعبر الحدود بعد. فحينما يكون الهجوم المسلح وشيكاً، بالتطبيق للمعيار الضيق للكارولينا، فإنه يضع الواقعة ضمن المادة 51، وفقاً لهم([339]). ولكن الرأي الغالب والمنطقي بالطبع هو أن التهديد بالهجوم المسلح، لا يدخل في مفهوم الهجوم المسلح الوارد بنص المادة 51 “إذا وقع هجوم مسلح”.
ب- مدى تتحقق شروط الدفاع الشرعي، وفقاً للكارولينا، في حالة التهديد بالهجوم:
1- شرط الضرورة: لزوم الدفاع
ثبوت التهديد: يتضمن الدفاع التوقعي عن النفس تقرير التيقن من الهجوم، وهو ما يتعذر بشدة اتخاذه، ويجعل من الضروري محاولة التحقق من نية الحكومة([340]).
وفضلاً عن ذلك فإن شرط الضرورة ينبغي أن يقصد به أن وقتاً قد مر وأن الجهود السلمية لتجنب اللجوء للقوة قد استنفذت. ونظرياً يتضمن هذا الشرط اللجوء إلى مجلس الأمن أولاً لحل المشكلة([341]).
2- شرط التناسب: (احتمالية التهديد)
وهناك اعتبار آخر يتم تجاهله في العادة هو تأثير قاعدة التناسب على القضية الماثلة. من الممكن أنه في عدد محدود جداً من المواقف قد تكون القوة رد فعل مناسب للخطر حيث يوجد دليل لا لبس فيه على النية لشن هجوم مدمر حالّ، حسب قول البعض. ومع ذلك، ففي الأغلبية الغالبة من الحالات، فإن توريط دولة في نزاع فعلي حيث لا يكون هناك سوى دليل عرضي على هجوم قريب الحدوث يعتبر تصرفاً يتجاهل شرط التناسب([342]). فحجم الأضرار واحتماليتها لا يمكن قياسها في حالة الهجمات المستقبلية المحتمل وقوعها. فالهجوم المحتمل الحدوث يمكن أن يجهض فلا يقع على الإطلاق، والهجوم المخطط قد لا يقع بالطريقة التي خطط له بها([343]).
3- شرط حلول الرد: (كون الرد على التهديد عملاً انتقامياً فيما عدا حالات الهجمات المتتابعة)
يعني شرط الحلول عدم وجود وقت للتشاور، ولا وقت لاختيار طريقة بديلة للتصرف. ولكن يجب أن يكون الخطر حالاً بحيث يمكن تعيينه على أساس معقول وبشكل محدد وبدرجة عالية من التأكد([344]).
ويمكن اللجوء إلى الدفاع عن النفس توقياً لهجمات مسلحة، في حالة وقوع هجوم مسلح فعلي مع وجود دليل على وجود المزيد من الهجمات المخططة الوشيكة الوقوع. هنا لا يكون فعل الدولة المستهدفة عملاً انتقامياً ولا فعلاً وقائياً، ولكنه استمرار للحق في الدفاع الشرعي نظراً لاستمرار العدوان.
جـ- لا وجود للدفاع الجماعي (الوقائي) عن النفس:
وفقاً لحكم محكمة العدل الدولية في قضية النيكاراجوا، ليس للدول الحق في استخدام القوة ممارسةً للدفاع الجماعي عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة أو القانون الدولي العرفي، إلا لما يشكل هجوماً مسلحاً فعلياً([345])، وبعد إعلان الدولة الضحية كونها قد تعرضت للهجوم المسلح، وطلبها المساعدة رسمياً، وذلك وفقاً للقانون الدولي العرفي والاتفاقي([346]).
ثانياً: مدى اعتبار العمل الوقائي أحد تدابير الأمن جماعي، و/أو استناده إلى تفويض من مجلس الأمن:
هل يمكن اعتبار العمل الوقائي أحد تدابير الأمن جماعي، أو هل ينبني على تفويض من مجلس الأمن؟
تنص المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة على ما يلي: “يقرر مجلس الأمن ما إذا وُجد تهديد للسلام أو إخلال به، أو عمل من أعمال العدوان، ويصدر توصيات، أو يقرر أي السبل يجب اتخاذها وفقاً للمادتين 41 و42 لصيانة السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما”.
واستخدام الميثاق للفظ “استعادة” يعني أنه قد تم بالفعل خرق السلم وهناك حاجة لاستعادته. ولكن المادة 39 تستخدم أيضاً لفظ “صيانة maintain”، والتي تشير إلى أن الفعل قد يتم اتخاذه من قبل أن يخرق السلم حفاظاً عليه. وقد يثير هذا فكرة الفعل الوقائي. وبينما تشرح كلمة “استعادة” مفهوم الدفاع عن النفس بوصفه رد فعل، تتضمن كلمة “صيانة” الحكم المسبق، ومن ثم تتطلب أن أي موقف يهدد السلم والأمن يمكن إحالته إلى مجلس الأمن. ومن ثم فلا وجود للدفاع “الاستباقي” عن النفس من قبل الدول فرادى في ظل وجود المادة 39([347]).
وبالطبع هذا قول لا غبار عليه ولا اعتراض، فمجلس الأمن هو الذي سيحدد أولاً ما إذا كان الفعل المحال إليه يشكل تهديداً أو خرقاً للسلم، ومن ثم سيقرر سبل مواجهته. فلا أساس هنا لأي “دفاع” مسبق عن النفس من قبل الدول، بل يكون تصرفها مبني على تفويض من مجلس الأمن، إذا ما قرر ذلك الحل.
ثالثاً: مدى اندراج الدفاع الوقائي تحت مظلة حماية النفس:
هل يندرج الفعل الوقائي تحت مظلة حق حماية النفس؟
إن السماح بالفعل الوقائي يعني إلى حد بعيد القبول بحق أوسع من الحق في الدفاع عن النفس وأقرب لحماية النفس. صحيح أن الدول يجب أن تُمنح الحق أن تقرر في الضرورة الدفاعية للوهلة الأولى، ولكن في اتخاذ مثل هذا القرار يجب أن يتقيدوا بقاعدة تتعلق بوقائع لها خصائص موضوعية وليس بمجرد تقديرات للنوايا. ومن المثير للانتباه أن Verdross قد صنف الأعمال الوقائية ضمن أعمال حماية النفس وليس الدفاع الشرعي([348]). والرأي الغالب على أن الحق في المحافظة على النفس لم يعد له من ثمة وجود على ساحة القانون الدولي العام.
رابعاً: الفعل الوقائي والماد ة2 فقرة 4:
وبعد ما أسلفنا، إذاً: هل يشكل الفعل الوقائي انتهاكاً للمادة 2/4؟
لقد ذكر الدفاع الشرعي في الميثاق في المادة 51 كاستثناء على القاعدة الآمرة بحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية كما في المادة 2/4، فهل يجوز التوسع في مثل ذلك الاستثناء بضم الدفاع الوقائي ضد تهديد بالهجوم إليه؟ القاعدة أن الاستثناء لا يجوز القياس عليه أو التوسع فيه، وما دمنا قد انتهينا إلى أن المادة 51، وفق الرأي الغالب، لا تسمح بالدفاع الوقائي، فيكون مشكلاً لانتهاك للمادة 2/4، والتي تحوي أسمى قاعدة آمرة في القانون الدولي المعاصر، وذلك ما لم يمارس بوصفه أحد تدابير الأمن الجماعي، أو لم يصدر بشأن ممارسته تفويض من مجلس الأمن.
المبحث الثالث:
الفعل الوقائي في العرف الدولي
أولاً: القانون العرفي في فترة ما قبل الميثاق:
هل كان يسمح به القانون العرفي في فترة ما قبل الميثاق؟
من المفترض بشكل عام أن القانون العرفي أباح الفعل الوقائي Anticipatory في مواجهة خطر حالّ، في وقت سابق لنشأة الأمم المتحدة، بل وعصبة الأمم كما أسلفنا. كما أن الظن الغالب هو أن حق حماية النفس Self-Preservation ومبدأ الضرورة يشتملان على فعل وقائي. وقد سمح مبدأ الكارولينا بالفعل الوقائي Anticipatory، ولكن في إطار كان يساوي بين الدفاع عن النفس وحماية النفس. وفي العديد من الكتابات ينظر إلى الفعل الوقائي باعتباره أحد جوانب حماية النفس. وفي تعريفه الحق في حماية النفس، والذي اعتبره دفاعاً عن النفس، قرر Westlake في 1904 أنه: “يمكن للدولة الدفاع عن نفسها بوسائل وقائية إذا كان ذلك ضرورياً في حكمها الرشيد، ضد هجوم من دولة أخرى، أو تهديد بهجوم، أو استعدادات أو أي سلوك تستخلص منه بعقلانية النية للهجوم”([349]).
ولقد دفع محاميو الدفاع في محاكمات نورمبرج في 1945 بأن الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي كان تحسباً لهجوم سوفيتي متوقع. وبدا أن المحكمة قد قبلت ضمناً مشروعية الفعل التوقعي Anticipatory إذ طرحت جانباً هذه الحجة بالنسبة إلى وقائع القضية. حيث قررت أنه لا يمكن قبول القول بأن الاتحاد السوفيتي كان يجري استعداداته للهجوم على ألمانيا.
كما نظرت المحكمة الدولية العسكرية للشرق الأقصى في نزاع مشابه. حيث أعلنت هولندا الحرب على اليابان في 8 ديسمبر 1941 قبل وقوع أي هجوم على Netherlands East Indies في ذلك التاريخ. ورفضت المحكمة النظر القائل بأن الفعل الياباني كان قانونياً بمقتضى إعلان هولندا للحرب، مقررة ما يلي: “إن واقعة أن هولندا – مع علمها التام بحلول الهجوم – قد أعلنت الحرب دفاعاً عن نفسها في الثامن من ديسمبر ومن ثم تكون قد اعترفت رسمياً بوجود حالة للحرب بدأتها اليابان، لا تغير وضع الحرب من حرب عدوان من جهة اليابان إلى أي شيء آخر”. ومن هذا الحكم؛ يمكن استخلاص أن الفعل الهولندي كان قانونياً بوصفه دفاعاً وقائياً عن النفس، ولكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن المحكمة كانت تنظر فقط في تكييف العمليات اليابانية، وليس الهولندية، وأن هذا كان قبل نشأة منظمة الأمم المتحدة([350]).
بعض التحفظات على القانون العرفي فيما يتعلق بالدفاع الوقائي عن النفس:
يجب التعامل بحذر مع القاعدة العرفية المبيحة للفعل الوقائي. فالتعبير عن هذه القاعدة يأتي دائماً في نطاق لا توجد فيه تفرقة واضحة بين حماية النفس، والضرورة، والدفاع عن النفس. لذا يجب الرجوع إلى سلوك الدول بهذا الشأن([351]).
ثانياً: الدفاع الوقائي في العرف الدولي وقت إقرار الميثاق:
هل كان يسمح بالدفاع الوقائي وقت إقرار الميثاق؟ (بالنظر إلى سلوك الدول وقناعتها)
يفترض الكتاب الذين يؤكدون أن المادة 51 لا تنكرعلى الأعضاء “الحق العرفي في الدفاع عن النفس” أن القانون العرفي قد أصبح جامداً منذ 1920 أو قبل ذلك، متجاهلين إمكانية أن الحق العرفي قد يكون قد حظي ببعض التحديد الدقيق الإضافي في الفترة ما بين 1920 و1945.
والحق أن هناك القليل من التأييد العملي للدفاع الوقائي في الممارسة في الفترة من 1920 إلى 1939 إذا استثنينا الحق المزعوم في ملاحقة الجماعات المسلحة. وفضلاً عن ذلك فقد رفضت العديد من الاتفاقيات المنعقدة في تلك الفترة الحق في الفعل الوقائي وخاصةً اتفاقيات تعريف العدوان في 1933، وميثاق حلف البلقان، وميثاق سعدآباد في 1937.
ولكن القانون العرفي الذي يجب أن يقارن بالميثاق هو ذلك الذي كان سائداً عام 1945 لا في 1920 أو قبل ذلك. حيث أن صياغة المادة 51 بالتأكيد لم ينظر إليها على أنها تطور جديد للقانون قدمته الوفود في سان فرانسيسكو، وعامةً فإنه في 1945 كان يفهم أن الدفاع عن النفس يمكن تبريره فقط في حالة وقوع هجوم بواسطة قوات دولة ما. ومن جهة أخرى، فإنه ينظر إلى الميثاق باعتباره قانوناً دولياً عاماً أو موضوعياً، حيث لاقى التزام كل الدول تقريباً به، كما أن معظم الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة قد قبلت صراحةً مبادئ والتزامات الميثاق([352]).
ففكرة “الهجوم المسلح” في 1945 كانت بلا شك وثيقة الصلة بفكرة الجيوش العابرة للحدود([353]). وفضلاً عن ذلك، فإن نصوص الميثاق كان لها تأثير شديد على سلوك الدول منذ عام 1945، كما أن عبارات المادة 51 أو عبارات شديدة الشبه بها قد ظهرت في العديد من المعاهدات متعددة الأطراف الهامة ومسودات أصول المعاهدات منذ ذلك الحين. فقد نصت المادة الثالثة من المعاهدة الأمريكية للمساعدة المتبادلة في 1947 على الدفاع عن النفس الفردي والجماعي في حالة “الهجوم المسلح”، وأشارت اتفاقية سلام اليابان صراحةً إلى المادة 51. كما نص مشروع إعلان حقوق وواجبات الدول الذي تبنته لجنة القانون الدولي في 1949 في المادة 12 منه على أن “لكل دولة الحق في الدفاع عن النفس الفردي والجماعي في مواجهة الهجوم المسلح”.
ومن المسلم به أنه هناك مسوغاً وجيهاً لاستنتاج أن حق الدفاع عن النفس فردياً كان أو جماعياً، والذي حظي بقبول واسع في الفترة الأخيرة ذي محتوىً مطابق للحق المعبر عنه في المادة 51 من الميثاق([354]).
ويرى Dinstein أن المنطق يسير مع تبني النتيجة التي توصلت إليها محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراجوا من أنه هناك مقدار كبير من التشابه أو التطابق بين القانون العرفي المعاصر والقانون الاتفاقي – كما في الميثاق – فيما يتعلق باستخدام القوة. وأنه يمكن التسليم بأن القانون الدولي العرفي الذي كان سائداً قبل الميثاق قد هيمن عليه الميثاق، وبصفة عامة، فإن قانون استخدام القوة في الميثاق وفي القانون العرفي قد تقاربا حتى التقيا معاً وقت إقرار الميثاق([355]).
ويرى Brownlie أن اشتراط وقوع هجوم مسلح كان هو السائد عرفاً منذ نشأة عصبة الأمم واستمر بعد إنشاء الأمم المتحدة، فلا يوجد دليل على اعتبار الهجوم الوشيك مبررا للدفاع الشرعي في الفترة بين الحربين العالميتين([356]).ومن ثم لا يمكن أن تنعكس هذه الفكرة في الميثاق ولا يفسر على أساسها
ثالثاُ: الفعل الوقائي في العرف المعاصر:
هل نشأ عرف جديد معاصر يسمح بالفعل الوقائي؟ (بالنظر إلى سلوك الدول وقناعتها وقرارات المنظمات الدولية)
وهناك أيضاً مشكلة عدم وجود صيغة واضحة للأفعال الوقائية في الوقت الحاضر. وإنه لمن الأهمية بمكان، ولو أنه ليس بالضرورة حاسماً تماماً في هذا الصدد، حقيقة أنه في السنوات الأخيرة في المناسبات حيث اتهمت الدول جيرانها بالتخطيط لهجوم، لم يتم التأكيد على أي حق في الفعل الوقائي([357]).
أ- تغيّر العرف الدولي:
هل توقفت عملية التغيير في القانون الدولي العرفي في فترة ما بعد الميثاق؟ وهل ابتعد القانون الدولي العرفي في الفترة الحالية عن مضمون المادة 2/4؟ وما تأثير ذلك؟
تقتضي طبيعة القانون العرفي أن يتغير على مر السنين، فهل لا يزال السلوك العام للدول (المقبول كقانون) راسخاً في قناعته بكافة جوانب المادة 2/4؟ لقد كانت هناك جهود من جانب الدول لتضييق نطاق الحظر الشامل لاستخدام القوة فيما سبق. وهذه المحاولات لا يمكن لها أن تتخطى نص المادة 2/4، ولكن يمكن وفقاً لـ Dinstein أن تترك بصمتها على القانون الدولي العرفي. ويبدو من وجهة نظره أنه يمكن توقع حدوث تنافر فعلي بين المادة 2/4 والقانون الدولي العرفي([358]).
ب- القول بوفاة المادة 2 فقرة 4، ونشأة نموذج جديد:
لاحظ البعض أن سلوك الدول لم يعد متفقاً ومنطوق المادة 2 (4) حتى قالوا بوفاة هذه الأخيرة، والأمثلة على الانتهاك الخطير لهذه المادة كثيرة، منها ما يلي: التدخل الأمريكي في جواتيمالا 1956، الغزو الإسرائيلي – الفرنسي – البريطاني لمصر 1956، غزو خليج الخنازير بالرعاية الأمريكية 1961، التدخل الأمريكي في جمهورية الدومينيكان 1965، تدخل حلف وارسو في تشيكوسلوفاكيا 1968، أفعال فيتنام الشمالية ضد فيتنام الجنوبية 1960-1975، الغزو الفيتنامي لكمبوديا 1979، الغزو السوفيتي لأفغانستان 1979، غزو تنزانيا لأوغندا 1979، غزو الأرجنتين للفوكلاند 1982، الغزو الأمريكي لجرينادا 1983، الغزو الأمريكي لبنما 1989، والهجوم العراقي على الكويت 1990.
لذا فقد نشأ، في زعمهم، نموذج جديد فيما يتعلق باستخدام القوة في القانون الدولي في فترة ما بعد إقرار ميثاق الأمم المتحدة، أطلق عليه نموذج مساعدة النفس. وهذا بسبب فشل مؤسسات الميثاق، وظهور نسق جديد للقيم، والتغير في الالتزامات القانونية. ومن ثم لم يعد هناك ثمة وجود قانوني للمادة 2/4 وإنما ولدت أو عادت للحياة مبادئ قانونية أخرى لتحل محلها، منها الحق في استخدام القوة دفاعاً عن النفس قبل بداية الهجوم المسلح إذا ما كان يمكن إثبات أن هذا الهجوم كان وشيكاً ولم يكن من ملجأ آخر منه. حيث يبدو أنه لم يعد هناك إجماع على قاعدة حظر استخدام القوة لهذا الغرض. كما لا يظهر أنه صار هناك اتفاق صريح على القاعدة القاضية بحظر الأعمال الانتقامية. فاعتبرت هاتين الحالتين استخدامين عادلين للقوة في قانون فترة ما بعد الميثاق إضافةً إلى دعم حق تقرير المصير، وتصحيح مظالم الماضي. بينما انحصرت استخدامات القوة غير القانونية في التوسع الإقليمي، كما ظهر في مساندة الجماعة الدولية للكويت إبان الغزو العراقي في 1990.
ويعود Arend وBeck للقول أنه وإن كان ما قاما بوصفه هو النموذج القانوني القائم فعلاً بعد الميثاق، فإنه نموذج غير مرغوب ولا يحقق الغرض من وجود قانون دولي، ألا وهو تعزيز الاستقرار والانتظام في العلاقات الدولية. كما لا يخفى أن مفاهيم العدالة وتقرير المصير مفاهيم فضفاضة واسعة تحتمل أي معنى تضفيه عليها الدولة التي تستخدمها([359]).
جـ- نموذج ما بعد الحرب الباردة:
تُرَى: هل نشأ حقاً نموذج جديد بعد انتهاء الحرب الباردة؟ لقد ازدادت المؤسسات الدولية قوة بعد النجاحات المتعددة للأمم المتحدة في هذه الفترة (غزو العراق للكويت، وتأسيس ناميبيا المستقلة، وغيرها …)، كما قدمت اقتراحات عديدة لتقوية الأمم المتحدة.
ولكن هل نشأ نسق جديد للقيم على المستوى الدولي؟ يقدم البعض أسباباً لذلك اقترح الباحث الأمريكي Thomas Franck بعضها في ورقة قدمها إلى المعهد الأمريكي للسلام في مارس 1990، حيث قال أن الدول تتجه تدريجياً للاتفاق على وجود حق في الحكم الديمقراطي، أو التحرر من النظم الشمولية؛ وهذه الحقوق مذكورة في وثائق دولية مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، والذي يمكن النظر إليه على أنه يشكل قانوناً دولياً عرفياً. ويرى Franck أن هذه الحقوق عندما تنتهك بشكل خطير فإنه يمكن القول أن الدول قد بدأت تتجه إلى أنه يصير استخدام بعض من مستويات القوة مبرراً لتأمين الحقوق والمراكز الديمقراطية لمن لا يستطيع حمايتها بنفسه([360])، وإن كنا نتفق مع غالبية الفقه الدولي في رفض هذا الرأي.
د- وهل نشأ التزام قانوني جديد؟
يرى Franck أيضاً أن التزاماً قانونياً جديداً في طور التكوين بحيث يمكن القول أن الجماعة الدولية حالياً تتجه إلى قبول سبب واحد مبرر لاستخدام القوة بجانب الدفاع عن النفس هو التدخل لإزالة نظام حكم غير شرعي تعزيزاً لتقرير المصير الديمقراطي. ولكن لا يزال لا يبدو هناك إجماع دولي على ما يشكل نظاماً غير شرعي. ولا يمكن اتخاذ عصيان مبادئ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية معياراً، حيث تتم مخالفة هذه المبادئ في عدد كبير من الدول، وتضع مؤسسة Freedom House ثلث دول العالم في خانة “غير حرة”، أي تنتهك الحقوق والحريات السياسية والمدنية الأساسية كما يعرفها الغرب. ومن ثم لا يمكن القول بوجود أي نوع من الإجماع الدولي على الديمقراطية كمعيار للشرعية([361]).
ويستخدم Henkin منطق محكمة العدل الدولية في الدفاع عن المادة 2 (4) رداً على Franck حيث يقول: أنه طالما أن سلوك الدول غير المتوافق معها يعامل كخرق للقانون، وليس كسلوك سائر في درب التطور إلى قانون عرفي، فإن القواعد الموجودة تظل مطبقة. وإذا ما ظلت الجماعة الدولية تبدي تأييداً للقواعد – وهي صورة أخرى من العمل الدولي – فإن القواعد تستمر في البقاء([362]). وهذا على الخصوص يتعلق أشد ما يتعلق بسلوك الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة لم تدَّعِ – حتى الآن – وجود قواعد جديدة. ولم تعلن أن القواعد القائمة قد عفا عليها الزمن، أو أن سلوكها يقصد به تطوير قانون جديد. فحتى التدخل في كوسوفو، بررت الولايات المتحدة استخدامها للقوة بناءً على مقررات الميثاق. وحتى بعد كوسوفو، لم يطالب المسئولون الأمريكيون بتغيير عام في القواعد. ورغم أن مؤيدو غزو العراق قد جادلوا بأن الردع ليس كافياً لمواجهة الفاعلين من غير الدول، فلا أحد في إدارة بوش قد أعلن جهاراً أن قانون الميثاق قد مات أو أن الولايات المتحدة ليست مقيدة بحدود القانون الدولي. بل إن البعض في الإدارة قد أوضوحوا، في الواقع، أنهم لا يعتبرون الدفاع “الاستباقي” عن النفس قانوناً([363])، وظلت الولايات المتحدة تحاول لآخر وقت قبل شن الحرب على العراق استصدار قرار من مجلس الأمن يكفل لهذه الحرب الشرعية ولم تفلح في ذلك.
هـ- العمل الدولي:
لقد تمت إثارة مسألة الدفاع عن النفس مرات عديدة في الأيام الأولى للأمم المتحدة. ففي عام 1946 عندما قدم تقرير لجنة الأمم المتحدة للطاقة الذرية. كانت اللجنة في ذلك الوقت بصدد مناقشة طرح اتفاقية دولية بشأن مشكلة حديثة آنذاك هي المشكلة النووية([364]). وقد تناولت اللجنة خلال المناقشات إمكانية أن يتم خرق هذه الاتفاقية من قبل دولة تستعد لشن حرب نووية. وقررت أن مثل هذا الانتهاك قد يصل في خطورته إلى ترتيب الحق الأصيل في الدفاع عن النفس كما في المادة 51.
ووفقاً لـ Bowett المعارض للأخذ بالمفهوم الضيق للمادة 51 فإن عبارة اللجنة قد شكلت موقفاً واضحاً مؤيداً للدفاع الوقائي عن النفس؛ موضحاً أنه لا يمكن افتراض وقوع انتهاك الاتفاقية ضمن تعريف الهجوم المسلح “الفعلي”؛ إذاً فاللجنة قد رأت أن المادة 51 تسمح بالدفاع الوقائي عن النفس.
وعلى الجانب الآخر يرى Brownlie أن هذا التأييد لا فاعلية له، موضحاً أن مقولة اللجنة لا يمكن أن ينظر إليها على أنها تفسير ملزم للميثاق أو تعديلاً له فهي لا تتعدى كونها تعبيراً عارضاً عن الآراء من جانب هيئة ثانوية تابعة لمجلس الأمن.
وقد أثيرت قضية الدفاع الوقائي عن النفس مرة أخرى في وقت مبكر في عام 1950 إبان الغزو الباكستاني لكشمير والذي بررته باكستان بأنه كان دفاعاً عن النفس. وحين تم تناول الموضوع في مجلس الأمن لم يعترض ممثلو دولة غير الهند على مشروعية الادعاء بالدفاع الوقائي عن النفس. ويرى Bowett ذلك كمؤشر هام على سلوك الدول فيما بعد الميثاق يتضح منه أنه لم تكن هناك جهود لتقييد مفهوم الدفاع الشرعي كما كان في القانون الدولي العرفي. وجميع الحالات التي يمكن الرجوع إليها تنحصر في إطار التدابير القاصرة عن مستوى الحرب.
كان مفهوم الولايات المتحدة وبريطانيا للمادة 51، إبان عامي 1949-1950، هو أنها تحافظ على الحق في الدفاع عن النفس في القانون العرفي، والذي لا يتضمن بالدفاع الوقائي عن النفس، وقد حدثت العديد من الوقائع منذ إبرام الميثاق تؤكد أن الجماعة الدولية عامةً تفسر المادة 51 حرفياً على أنها تتطلب الوقوع الفعلي للهجوم المسلح. كما في أزمة قناة السويس 1956، وأزمة الصواريخ الكوبية 1962، والحرب العربية-الإسرائيلية 1967، والهجوم الإسرائيلي على مفاعل أوزيراك العراقي 1981، والغزو الأمريكي لجرينادا 1983، وبنما 1989([365])، والهجوم الأمريكي الجوي على ليبيا 1986([366]). فهذه كلها أمثلة على أن الجماعة الدولية قد رفضت صراحةً استخدام القوة في دفاع “وقائي” عن النفس([367])، ونوضح بعضها فيما يلي مؤخرين الحديث عن الحربين الأمريكيتين على أفغانستان 2001، والعراق 2003 إلى الفصل التالي لمزيد من التفصيل.
- حرب السويس 1956:
في عام 1956، قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالعدوان الثلاثي على مصر، بحجة الدفاع عن النفس. وقد اعترضت غالبية الدول على حجج الدفاع عن النفس المقدمة حينئذٍ؛ حيث لم يكن قد وقع ضد إسرائيل هجوم مسلح، بينما كانت فرنسا وبريطانيا تستخدمان القوة المسلحة كأداة للسياسة القومية بما يخالف ميثاق الأمم المتحدة. وبرغم عجز مجلس الأمن عن إصدار قرار بهذا الشأن بسبب حق الدول دائمة العضوية في النقض، إلا أن الجمعية العامة قد عبرت عن قلق الجماعة الدولية بإصدار قرارها بأغلبية كبيرة بمطالبة دول العدوان الثلاثي بسحب قواتها([368]).
- أزمة الصواريخ الكوبية 1962:
في 16 أكتوبر 1962 جاءت المعلومات للرئيس الأمريكي كينيدي بأن السوفييت يقومون بتركيب نظم لتوصيل الصواريخ الباليستية متوسطة المدى في كوبا، واعتبر كينيدي هذا التصرف بمثابة تغيير استفزازي وغير مبرر في الوضع القائم؛ لذا أمر ببدء حصر أو عزل بحري Quarantine ليمنع نقل الصواريخ والمواد المتصلة بها إلى كوبا مبرراً ما قام به في خطابه إلى الشعب الأمريكي بأنه دفاع عن الأمن الأمريكي والغربي([369])، قائلاً أن الهدف من الحصار هو منع نقل الصواريخ السوفيتية إلى الجزيرة، مستنداً إلى الدفاع عن النفس، برغم كون الحصار قد بدأ دون أن تطلق رصاصة واحدة على الولايات المتحدة([370]).
ووفقاً للقانون الدولي العام يعتبر الحصار انتهاكاً للحظر الوارد بالمادة 2/4. وفي تناول مجلس الأمن للقضية بدا تأييد الأفعال الأمريكية متماشياً مع الحرب الباردة. فقد أيد ممثلو شيلي والصين Nationalist China وفرنسا وأيرلندا والمملكة المتحدة وفنزويلا قانونية العزل الأمريكي، بينما عارض كل من ممثلي غانا ورومانيا والاتحاد السوفيتي والجمهورية العربية المتحدة الفعل الأمريكي. ولم يظهر في مناقشات مجلس الأمن رفض لمفهوم الدفاع الوقائي عن النفس بصفة خاصة، بل بدا أن هناك قبول ضمني من معظم أعضاء مجلس الأمن لأنه في ظروف معينة يكون الاستخدام الاستباقي للقوة مبرراً. ويمكن استخلاص هذا من واقعة أن معظم النقاش تمحور حول ما إذا كانت الصواريخ هجومية أم دفاعية([371]).
وإجمالاً؛ فإنه بينما لم تعكس المناقشات في المجلس تبنياً صريحاً للدفاع الوقائي عن النفس، فإنها بالتأكيد لم تشر أيضاً إلى رفضه. وإنما غياب الإدانة المخصصة للمبدأ، وخاصة من قبل الدول المعارضة للأفعال الأمريكية تشير إلى أنه قد يكون قد وجد على مستوىً ما بعض القبول للفكرة.
ولكن من الجدير بالملاحظة هنا أن الولايات المتحدة لم تحاول تبرير الحصر البحري الذي أقامته على كوبا استناداً إلى المادة 51، وبدلاً من ذلك، فقد استندت إلى المادة 52، ومقررات الأمن الجماعي وفق اتفاقية Rio، والتي تتضمن حالة التهديد للتكامل السياسي Political Integrity لدولة أمريكية حين لا ينطوي العدوان على هجوم مسلح، مما يعني قبول الولايات المتحدة الضمني لأنه حين لا يقع عليها هجوم مسلح، عليها البحث عن سبل أخرى لتبرير أفعالها غير المادة 51 بشأن الدفاع الشرعي عن النفس([372]).
- الحرب العربية-الإسرائلية في 1967:
ارتبط استخدام إسرائيل للقوة في الخامس من يونيو عام 1967 بالدفاع الوقائي عن النفس. فقد شنت القوات الإسرائيلية هجوماً ضد الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)، ونجحت في إلحاق هزيمة سريعة بالقوات العربية مجتمعة. وبرغم أنه لم يوجه هجوم ضد إسرائيل، فقد شعرت الأخيرة بأن فعلها كان ممارسة مشروعة للحق في الدفاع عن النفس. وطبقاً لمسئولين إسرائيليين فإن سلسلة من الأفعال التي قامت بها الدول العربية قد أشارت إلى أن تدابيراً عسكرية ضد إسرائيل كانت وشيكة الحدوث فقد تم غلق ميناء إيلات الغربي، كما أبرمت مصر والأردن حلفاً عسكرياً([373]).
ولم تكن هوية القائم بالعدوان محوراً سوى لجزء من المناقشة التي دارت في مجلس الأمن، فبينما أكد الإسرائيليون على الطابع الحالّ لهجوم عربي كبير، فإنهم لم يكونوا واضحين بشأن من بالتحديد الذي بدأ بالقتال. ومع سير النقاش، أكد Eban أكثر على الطبيعة الوقائية للفعل الإسرائيلي. وقد رأت وفود أخرى الهجمة الإسرائيلية الأولى كدليل إثبات على أن إسرائيل هي الطرف المعتدي([374]).
وعامةً يصعب استخلاص أي إجماع، من خلال هذه المناقشات في المجلس، فيما يتعلق بفعالية الدفاع الاستباقي عن النفس. فقد اتجهت الدول المعارضة سياسياً لإسرائيل إلى طرح الحجة الإسرائيلية من دون تمحيص. بينما تجنبت هذه الدول الخوض في مناقشة عميقة لمفهوم الدفاع الوقائي ذاته، إلى درجة أنها حين ناقشت المسألة، بدت تفترض أن الاستخدام الأول للقوة، بغض النظر عن المبرر له، كان غير قانوني. ولكن نظراً للوضع السياسي المعقد، فإنه من الصعب استنتاج أنه كان هناك إجماع واضح معارض للدفاع الوقائي عن النفس([375]).
ويجب أن نقول هنا أن الأمم المتحدة لم تنته لإدانة إسرائيل من أجل بدء الحرب، ولا لممارستها لحق الدفاع الشرعي، ويرى الفقيه Show أن المقدمات التي صدرت عن مصر والدول العربية قبل شن إسرائيل لحرب 1967 يمكن اعتبارها استخداماً للقوة، ومن ثم فلا يعتبر ما فعلته إسرائيل فعلاً وقائياً أو استباقياً بل دفاعاً شرعياً عن النفس([376]). وقد دافع بعض المعلقن عن الهجوم الإسرائيلي بذات المنطق. فلقد أعلنت إسرائيل أن لديها أدلة مخابراتية مقنعة أن مصر سوف تقوم بالهجوم، وأن الاستعدادات المصرية لذلك كانت على قدم وساق. برغم أننا نعرف اليوم أن إسرائيل قد بنت تصرفها على دليل أقل من أن يوصف بالمقنع. لذا، فإن الحرب العربية-الإسرائيلية في 1967 لا يمكن عدها مثال فعلي على دفاع وقائي “مشروع” عن النفس([377]).
- تفجير إسرائيل لمفاعل تموزا (1) (Osirak) العراقي في 1981:
إحدى أحدث القضايا التي تضمنت زعماً بالحق في الدفاع الوقائي عن النفس قد حدثت في يونيو من علم 1981، حين دمرت قوة جوية إسرائيلية مفاعلاً نووياً عراقياً قرب بغداد حيث كان الدفاع الوقائي هو المبرر الوحيد الذي قدمته إسرائيل لفعلتها([378]). وقد بدأ مجلس الأمن مشاورات مطولة فوراً عقب حدوث الهجمة. وكان المتحدث الأول أمام مجلس الأمن هو وزير الخارجية العراقي سعدون حمادي. ولقد أدان حمادي صراحةً الهجوم باعتباره عملاً من أعمال العدوان. وتلت حمادي كلمة الممثل الإسرائيلي Yehuda Blum والتي ركزت على الدفاع عن الأفعال الإسرائيلية. ولقد أكدت كلمته بالأساس على مفهوم الدفاع عن النفس. وبعد تفصيل فيما ادعاه من محاولات عراقية لتطوير إمكانات نووية؛ فسّر السفير Blum أن إسرائيل كانت تمارس حقها الطبيعي والأصيل في الدفاع عن النفس كما يفهم في إطار القانون الدولي العام وأيضاً من ثنايا معنى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي ادعى شمولها الحق في الدفاع “الوقائي” عن النفس. ثم استشهد Blum بعد ذلك بقول السير Humphry Waldock، وMorton Kaplan ، وNicholas Katzenbach، وBowett في تأييدهم لفكرة أن الدفاع الوقائي عن النفس يعد مباحاً في القانون الدولي. ووفقاً لـ Blum فإن إسرائيل قد حاولت أن تستخدم العديد من القنوات الدبلوماسية لمواجهة المشكلة. وعندما ثبتت عدم فعالية هذ الجهود، فإن إسرائيل، في زعمه، كانت مجبرة على استخدام الأداة العسكرية([379]).
ولقد اعترض على التفسير الإسرائيلي للمادة 51 بهذا الشكل جميع أعضاء مجلس الأمن([380]). ومع ذلك فقد ناقش العديد منهم موضوع الدفاع الوقائي عن النفس. ومن بين ما يزيد على الخمسة والأربعين مندوباً الذين تكلموا في الموضوع؛ اتخذ عديدون المفهوم الضيق للمادة 51([381]). وفي مواجهة هؤلاء المندوبون المضيقون، عبر عدد من الممثلين عن رؤى مؤيدةً للمفهوم الواسع للدفاع الوقائي عن النفس. وعامةً فقد قال هؤلاء المندوبون أن استخدام القوة الاستباقي “يمكن” أن يكون مباحاً في إطار الميثاق إذا ما كان من الممكن إثبات وجود تهديد حالّ وأنه قد تم استنفاد الوسائل الأخرى لمواجهة ذلك التهديد. ولكن إسرائيل، كما أكد هؤلاء المندوبون، لم تفِ بهذا المعيار([382]). وقد أدان العديد من الممثلين الآخرين الفعل الإسرائيلي دونما تناول واضح للقضية الأعم وهي فعالية الدفاع الوقائي عن النفس. وحتى السفير Kirkpatrick من الولايات المتحدة لم يستكشف بشكل مباشر مدى إباحة الدفاع الوقائي عن النفس.
وقد اختتم هذا النقاش بإصدار مجلس الأمن – بالإجماع – قراره رقم 487 مصرحاً فيه بالإدانة التامة للهجوم المسلح الإسرائيلي الذي يشكل انتهاكاً صريحاً لميثاق الأمم المتحدة، ومن ثم بإدانة استخدام القوة في دفاع “وقائي” عن النفس.
- الهجوم الأمريكي على بغداد 1993:
حاولت الولايات المتحدة تبرير هجومها الصاروخي على بغداد في 1993 على أنه يتعدى مجرد الرد على هجمات إرهابية سابقة إلى منع (توقي) المزيد من الأعمال الإرهابية في المستقبل. ورغم أن مجلس الأمن لم يصدر إدانةً رسمية لفعلها، فإن الدول التي عبرت عن تأييدها للولايات المتحدة قد قبلت بالدفع القائل بوقوع هجوم مسلح كانت الولايات المتحدة ترد عليه، أو ربما تُعاقِب عليه، ولم تتبنى ولا دولة كون استخدام الولايات المتحدة للقوة قد قام على أساس “صحيح” من الدفاع “الوقائي” عن النفس([383]).
- الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006:
كانت هذه الحرب أحد أهم عواقب الحرب الأمريكية – البريطانية على أفغانستان 2001، فقد ادعت إسرائيل كونها حرب دفاع عن النفس([384])، زاعمةً أن القصف الصاروخي لإسرائيل، وخطف جنديين إسرائيليين، من قبل حزب الله تعتبر أعمال حرب تقع المسئولية عنها على عاتق الحكومة اللبنانية، وأيضاً حكومتي إيران وسوريا، واصفةً الدول الثلاث بـ”محور الإرهاب”. ويتبدى التماثل بين هذه الحرب والحرب على أفغانستان، والتي سيأتي الحديث عنها في يالفصل التالي، في أنه في كلتا الحالتين تم تكييف هجمات إرهابية منفردة على أنها “هجوم مسلح”، كما اعتبرت الحكومات التي زُعِمَ استخدام إقليمها من قبل الإرهابيين أهدافاً صالحةً للانتقام المسلح.
وعلى حد قول Anthony D’Amato – وهو أحد الباحثين الذين ربطوا بين الحرب على أفغانستان 2001 والحرب الإسرائيلية على لبنان 2006 – فإنه يمكن القول بيقين أن مبدأ بوش، والذي سنتناوله في الفصل التالي، هو المبرر “القانوني” لإسرائيل في قصف لبنان([385]). وبرغم عدم اتفاقنا معه في كون مبدأ بوش “قانونياً”، إلا أنه من الواضح أن إسرائيل في هذه الحرب قد استندت إلى ذات المبررات التي عوَّل عليها التحالف الأمريكي البريطاني في الحرب ضد أفغانستان، واعتبرت الأخيرة سابقةً دولية لها أن تبني عليها، وسنبيّن فيما يلي موقف الجماعة الدولية من الدفاع الوقائي، وتأثيره على العرف الدولي وعلى القانون الدولي المعاصر في هذا الشأن.
- التدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا 2007:
في السادس من سبتمبر 2007 انتهك الطيران الإسرائيلي الفضاء السوري، موجهاً ضربات جوية لهدف داخل سوريا. وأحد الأسباب المحتملة لهذا اللجوء الأحادي للقوة من جانب إسرائيل قد يكون ما أعلنته إسرائيل من شكوك في أنه لدى سوريا منشآت نووية يتم تطويرها بمساعدة كوريا الشمالية؛ إلا أن هذا ليس التفسير الوحيد، فقد تكون إسرائيل قد قامت بهذا الفعل استباقاً لأي هجوم مستقبلي – غير وشيك – من جانب سوريا، أو حتى دولة أخرى مجاورة، كإيران مثلاً، أو ربما لأن إسرائيل أرادت منع وصول أسلحة من إيران عبر سوريا إلى أيدي فاعلين من غير الدول قد يقوموا في وقت ما في يالمستقبل باستخدام هذه الأسلحة ضد إسرائيل. كما يقال أيضاً أن إسرائيل كانت تحاول بهذا تقويض عملية السلام، والدور السوري فيها قبل قمة السلام الإقليمية التي كان مقرراً لها أن تقام في نوفمبر 2007.
ومن الجدير بالذكر هنا أن إسرائيل لم تبلغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكوكها المزعومة بأن سوريا كانت تطور سراً مفاعلاً نووياً إلا في أبريل 2008، وقد أمدت الولايات المتحدة الأمريكية الوكالة بمعلومات مخابراتية بهذا الشأن، وتوقف رد فعل الوكالة عند حد النعي على أمريكا وإسرائيل كون تلك المعلومات قد جاءت متأخرة جداً، حيث أن إسرائيل كانت قد دمرت بالفعل الموقع المزعوم منذ سبتمبر 2007، مما يهدم عملية التثبت Verification، التي هي قلب نظام نزع التسلح([386]). وقد سمحت سوريا للوكالة الدولية بتفتيش موقع Al-Kibar الذي هاجمته إسرائيل، وحتى اللحظة لم تثبت الوكالة المزاعم الإسرائيلية، ولم تبد أي أمارات على صدق المزاعم الإسرائيلية بشأن الموقع.
كما نلاحظ أيضاً أن إسرائيل لم ترسل إخطاراً إلى مجلس الأمن بموجب المادة 51، مما يتركنا أمام خيارين، الأول: أن إسرائيل لم تكن تعتبر أنها تتصرف في إطار الدفاع عن النفس، والثاني أنها اعتبرت أنها في دفاع عن النفس، ولكن ليس عليها التقيد بشرط الإخطار الوارد بالمادة 51.
ولم ترد سوريا على ما فعلته إسرائيل بالقوة، بل أرسلت خطاباً لمجلس الأمن تحتج فيه على استخدام إسرائيل للقوة واصفةً هذا بأنه تحد صارخ للقانون الدولي، ومحتفظةً لنفسها بالحق في الرد على الهجوم. وقد تم تمرير الخطاب السوري على جميع أعضاء مجلس الأمن، الذي لم يتخذ أي إجراء حياله، وكان يتوجب عليه على الأقل الإدانة ونفي الشرعية عن الفعل الإسرائيلي، وإعلان مخالفته للقانون الدولي.
وسكوت الجماعة الدولية عن إدانة إسرائيل، على حد قول Myra Williamson يعد أكثر خطراً من الاستخدام الفعلي للقوة من جانب إسرائيل، إذ لم تدن الفعل الإسرائيل سوى روسيا وإيران وتركيا وكوريا الشمالية، إضافةً إلى استنكارٍ متردد من جانب الدول العربية([387]).
ولقد شهد تاريخ الأمم المتحدة عامةً إدانات جازمة لكلا الأعمال الاستباقية والانتقامية، لذا فإن كلاهما يبدو على خلاف ومقاصد الميثاق([388]). كما حدد قرار تعريف العدوان رقم 2314 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14 ديسمبر 1974 للعدوان المبيح للدفاع الشرعي ثلاثة معايير هي معيار الإقليمية، والأسبقية والخطر.
و- القناعة الدولية بشأن الدفاع الوقائي Opinio Juris:
رغم التسليم بأن غالبية الدول، في زمننا هذا، تنبذ فكرة الدفاع الوقائي، إلا أن بعض الدول قد تشكلت قناعتها بهذه الفكرة عبر الزمن. فبالنسبة للولايات المتحدة، مثلاً، يظهر التغير في موقفها من الدفاع الوقائي عن النفس حين نقارن موقفها في 1981، حين أيدت قرار مجلس الأمن رقم 487 ضد الهجوم الوقائي لإسرائيل على مفاعل تموزا العراقي، بموقفها في استراتيجية الأمن القومى 2002، والتي أطلق الرئيس جورج بوش الابن من خلالها مبدأه الخاص في مواجهة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل “الاستباق”. وبهذا تكون الولايات المتحدة مقتنعة بأن استخدام القوة استباقياً وأحادياً، من جهتها، هو تصرف قانوني، وليس هذا فقط تحدٍّ للقراءة الحرفية للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تحظى، حتى اللحظة، بقبول دولي أوسع، وإنما سماحٌ باستخدام القوة، لا في مواجهة التهديد الوشيك بشروط الكارولينا، كما تقول القراءة الواسعة للمادة، بل في مواجهة الطرف أو الأطراف المناوئة قبل أن يصير في مقدورها أن تشكل تهديداً([389]).
وبينما أقلقت هذه العقيدة العديد من الدو الأوروبية، فإن استراليا قد أسرعت بتبنيها، وأعلنت تأييدها لفكرة الدفاع الوقائي “من حيث المبدأ”. حيث صرح وزير دفاعها Robert Hill بأن استراليا لها باع طويل في مسيرة تطور القانون الدولي، لذا فهي تنادي إما بإرساء مبدأ جديد ومستقل خاص بالدفاع الوقائي لتوقي التهديدات، أو بإعادة تعريف “حق الدفاع عن النفس”([390]). كما طالب رئيس الوزراء الاسترالي في ذلك الوقت John Howard بمراجعة ميثاق الأمم المتحدة نظراً لتحول التهديدات التي كانت وقت إبرامه تأتي من الدول، وأصبحت تأتي من فاعلين إرهابيين عشوائيين من غير الدول، ومن ثم لا تجوز مواجهتهم بذات الأساليب التي أقرت حين لم تكن تلك الأخطار في الحسبان([391]).
ومن السخرية أنه بينما طالب كل من بوش وهوارد بتعديل الميثاق ليعكس الواقع الحالي المغاير لما كان عليه وقت صياغة نصوص الميثاق، إلا أن كليهما ظلا في الوقت ذاته يزعمان أن الأعمال الوقائية مسموح بها في إطار الميثاق، فما المنطق وما الداعي إذن للمطالبة بتعديل هذا الأخير؟!
ونلاحظ أن الرؤية المقدمة من كل من الولايات المتحدة واستراليا فيما يتعلق بالمادة 51، قد ووجهت برد فعل دولي سلبي، وخاصةً من جانب كل من ماليزيا وإندونيسيا والفلبين وتايلاند، وغيرها.
ووفقاً لـ Williamson فمن المؤكد أن القناعة الدولية ظلت، حتى الوقت الحالي، دون تغيير بالنسبة لغالبية الدول أعضاء الجماعة الدولية الذين لا زالوا يعتقدون أنه ليس هناك وجود لحق يبيح استخدام القوة في دفاع “وقائي” عن النفس في ظل القانون الدولي الحالي، ما عدا ما يعتقده البعض من إباحة الدفاع عن النفس ضد خطر حال ووشيك وداهم لا يترك خياراً لمواجهته سوى القوة. ولم تدع وجود أساس قانوني للحق في الدفاع “الوقائي” عن النفس، بالشكل الذي وضحناه، سوى ثلاث دول هي أمريكا وإسرائيل واستراليا، وإن ظلت الأخيرة تطالب بمراجعة الميثاق وتعديله بحيث يسمح بالضربات الوقائية([392])، مما يتضمن اعترافاً بعدم سماح الميثاق بها بوضعه الحالي.
المبحث الرابع:
العرف والميثاق وقاعدة حظر استخدام القوة
أيهما يعلو على الآخر العرف أم الميثاق؟ من المسلم به أن المادة 51 لا تخضع للقانون العرفي، وأنه، حتى لو كانت كذلك، فإن هذا الحق العرفي يجب النظر إليه في ضوء ممارسة الدول في 1945([393]). وندرس في هذا المبحث بعض جوانب العلاقة بين العرف والميثاق.
أولاً: إذا ما خالف العرف قاعدة مكتوبة في الميثاق (أسمى وثيقة دولية):
الطبيعة القانونية لميثاق الأمم المتحدة:
بكتابة ميثاق الأمم المتحدة؛ تم تأسيس منظمة لها عدد كبير من المهام المحددة، أهمها حفظ الأمن والسلم العالميين. ولكن الميثاق لم يكن مجرد وثيقة منشئة لمنظمة، بل كان أيضاً وثيقة خالقة لمبادئ دولية. فقد قدم قواعد خاصة قصد بها تنظيم سلوك الدول، وخاصةً فيما يتعلق باستخدام القوة. هذه المبادئ ينظر إليها بشكل عام كقواعد للقانون الدولي وفقاً لكل من منظوري قانون المعاهدات والقانون العرفي([394]).
1- الميثاق باعتباره قانون معاهدات:
الطريقة الأولى والأوضح التي يمكن أن يُنظَر بها إلى الميثاق كأداة منشئة للقانون هي بوصفه اتفاقية دولية. ومثل الكثير من الاتفاقيات متعددة الأطراف، صيغ الميثاق في مؤتمر هو مؤتمر الأمم المتحدة للمنظمات الدولية. وفي ختام ذلك المؤتمر؛ في 26 يناير 1945، وقعت الميثاق إحدى وخمسين دولة (حيث اعتبرت جمهوريتا بيلاروسيا وأوكرانيا السوفيتيتين دولتين)، وفي 24 أكتوبر 1945 حين أودعت الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وأغلبية الموقعين الآخرين أوراق التصديق، دخل الميثاق حيز النفاذ. وكأي اتفاقية؛ صار الميثاق ملزماً قانونياً لكل الأطراف التي صدقت على وثيقته – وهم حالياً أكثر من مائة وتسعين دولة. وبناءً على ذلك تكون النصوص التي تفرض التزامات متعلقة باستخدام القوة بمثابة قانون اتفاقي بالنسبة لتلك الدول، طبقاً للقواعد العامة للقانون الدولي الخاصة بالمعاهدات.
2- الميثاق باعتباره قانوناً دولياً عرفياً:
أغلبية الباحثين، بينما يقرون بأن الميثاق يعتبر قانوناً اتفاقياً بالنسبة للدول التي صدقت عليه، يعترفون بأن بعض أقسامه ربما تشكل أيضاً قانوناً دولياً عرفياً قابل للتطبيق على جميع الدول. ويبرهنون على ذلك بأنه، على مر السنين، صار أعضاء الأمم المتحدة وغير الأعضاء أيضاً يعتبرون قواعد معينة واردة في الميثاق عرفاً. وفي سبيل تحديد أي من قواعد الميثاق تعتبر في الواقع قانوناً دولياً عرفياً، من الضروري البحث في سلوك الدول فيما يخص تلك النصوص للتحقق ، أولاً، مما إذا كانت الدول تفهمها على أنها آمرة، وثانياً، ما إذا كانت الدول تلتزم بها في سلوكها([395]).
ثانياً: وإذا ما خالف قاعدة آمرة في القانون الدولي (كقاعدة حظر استخدام القوة):
1- الطبيعة الآمرة للمادة 2/4:
لقد تضمنت روح ميثاق الأمم المتحدة التأكيد على مبدأ حظر اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية الوارد بنص المادة 2/4. كما أكدت على مضمون تلك المادة أيضاً، وعلى تأكيد القيمة القانونية الإلزامية لمبدأ حظر اللجوء للقوة كل من قرارات الجمعية العامة والمعاهدات الجماعية ومواثيق المنظمات الإقليمية بالإضافة إلى القضاء الدولي. من ثم اكتسب هذا المبدأ صفة المبدأ القانوني الدولي الآمر، وجاء على قمة القواعد الآمرة للقانون الدولي والتي لا يجوز لدولة أو لمجموعة من الدول انتهاكها، أو الاتفاق على مخالفة أحكامها.
فالمادة 2/4 تحظر – كما رأينا – استخدام القوة أو التهديد بها ضد أية دولة، ولم تشترط كون الدولة الضحية عضواً بالأمم المتحدة، فالحظر الوارد على استخدام القوة في العلاقات بين الدول لا ينطبق فقط على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فهي تحرم استخدام القوة من قبل أعضاء الأمم المتحدة ضد “أية دولة”.
كما تفرض المادة 2/6 بشكل غير مباشر الالتزام الوارد بالمادة 2/4 على جميع الدول بما فيهم غير الأعضاء بالأمم المتحدة، حيث نصت على أنه: “يجب على المنظمة أن تضمن تصرف جميع الدول غير الأعضاء بالأمم المتحدة بما يتفق مع هذه المبادئ حين يكون هذا ضرورياً لحفظ السلم والأمن الدوليين”.
ووفقاً لقانون المعاهدات، كما نصت اتفاقية فيينا 1969، لا يمكن أن تفرض إحدى المعاهدات التزاماً على دولة غير طرف إلا بموافقتها المكتوبة. فالتزام الغير يستند إلى موافقته المباشرة. وبذا يكون إلزام الميثاق للدول غير الأعضاء بحظر استخدام القوة اعترافاً من صائغيه بكون قاعدة حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية قاعدة آمرة على جميع الدول أعضاء المجتمع الدولي الالتزام بها.
وبذا يكون الإخلال بالسلم من قبل القائم بالعدوان (سواءً كان عضواً أو لم يكن) مخالفاً للقاعدة الجديدة. ومن ثم يكون لهيئة الأمم المتحدة أن تقوم بتصرف مضاد في مواجهة هذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي.
وفي الوقت الحالي، صار حظر استخدام القوة بين الدول، كما عبرت عنه المادة 2/4 من الميثاق، جزءً لا يتجزأ من القانون الدولي العرفي. ومن ثم فهو ملزم لجميع الدول سواءً كانت أعضاء في الأمم المتحدة أو لم تكن، وهذا هو ما عبرت عنه محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراجوا. وفي تحديد المحكمة لمضمون القانون العرفي بهذا الصدد، استندت المحكمة إلى إعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول بما يتفق وميثاق الأمم المتحدة، والذي تم تبنيه بالإجماع في الجمعية العامة في 1970. وفي أول مبادئه كرر الإعلان صيغة المادة 2/4 من الميثاق، فيما عدا أن واجب الامتناع عن استخدام القوة يقع على “جميع الدول” وليس “جميع الأعضاء”([396]).
وقد ورد التأكيد على قاعدة حظر اللجوء للقوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625([397])، إضافةً إلى القرار رقم 2131 الذي يحظر جميع أشكال التدخل العسكري وغير العسكري في الشئون الداخلية للدول، والقرار 2160 والخاص بحظر استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية وبالحق في تقرير المصير. والذي صدر في 30 نوفمبر 1960، والقرار 2734 في 16 ديسمبر 1970 المتعلق بالإعلان عن توطيد الأمن الدولي، والقرار رقم 2880 في ديسمبر 1971، والقرار 2936 في 29 نوفمبر 1972 المتعلق بمنع استخدام القوة في العلاقات الدولية والمنع الدائم لاستعمال الأسلحة النووية، والقرار رقم 3314 في 24 ديسمبر 1974 الخاص بتعريف العدوان، والقرار 31/9 في يوليو 1976 الخاص بعقد معاهدة دولية حول تحريم اللجوء للقوة في العلاقات الدولية، والقرار رقم 33/72 في 1978، والخاص بإبرام معاهدة دولية حول تقوية وتعزيز ضمانات أمن الدول غير النووية، والقرار رقم 39/11 لسنة 1984، المتعلق بحق الشعوب في السلم([398]).
أما في المعاهدات الدولية، فلقد تم تبني مضمون أو حتى نص المادة 2/4 في العديد من المعاهدات الجماعية الدولية، كما في المادة 301 من معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار في 1982([399])، وكما في المادة 52 من معاهدة فيينا حول قانون المعاهدات لسنة 1962([400])، والمادة 52 من اتفاقية فيينا حول المعاهدات فيما بين المنظمات الدولية والدول لسنة 1986، وكذا اتفاقية فيينا الخاصة بقانون البحار لسنة 1982([401]).
كما تم تبني هذا المبدأ في مؤتمر باندونج لعام 1955، ونصت عليه شتى التصريحات التي صدرت عن مختلف مؤتمرات حركة عدم الانحياز بدءً بمؤتمر بلجراد عام 1961([402]). وتكرر نص المادة 2/4 في Helsinki Final Act في 1975 والذي تبناه مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا. وحدث مثل هذا في إعلان طشقند الهندي-الباكستاني في 1966، وفي معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية في 1979([403]).
وتم تبني المبدأ ذاته أيضاً في مواثيق المنظمات الدولية الإقليمية، كما في ميثاق جامعة الدول العربية مادة 2 فقرة 5، وميثاق منظمة الدول الأمريكية مادة 1، وميثاق منظمة الوحدة الإفريقية مادة 3، وميثاق منظمة حلف شمال الأطلنطي 1949 المادة 1.
كما أكد القضاء الدولي على هذا المبدأ العديد من المناسبات، حيث أكدت محكمة العدل الدولية على قيمته القانونية الإلزامية في حكمها الخاص بقضية مضيق كورفو بين بريطانيا وألبانيا في 9 إبريل 1949، فقد رفضت محكمة العدل الدولية الادعاءات البريطانية وأكدت أنه على الرغم من عيوب منظمة الأمم المتحدة ونواقصها، فإن مبدأ احترام السيادة الإقليمية للدول يظل قاعدة أساسية للعلاقات بين الدول، كما انطوى حكم محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص قضية النيكاراجوا في 27 يونيو 1986 على تعزيز القوة الإلزامية والقيمة القانونية لمبدأ حظر اللجوء إلى القوة، كما اعتبرت لجنة القانون الدولي مبدأ حظر اللجوء للقوة في العلاقات الدولية مثالاً للقواعد الآمرة في القانون الدولي والتي يشكل انتهاكها جريمة دولية([404]).
ومن ثم يكتسب هذا المبدأ صفة القاعدة القانونية الدولية العليا أو الآمرة، والتي يعتبر أي انتهاك لها إضافة لكونه انتهاكاً لصريح نص ميثاق الأمم المتحدة جريمة دولية ترتب المسئولية الدولية على عاتق الدولة التي ترتكبها.
وإذا رأينا أن بعض الدول قد خالفت حظر استخدام القوة الوارد بالميثاق، فإنه ما من دولة قد سبق واقترحت أن الانتهاكات للمادة 2/4 قد فتحت الباب للاستخدام المطلق من القيود للقوة. وقد أكدت المحكمة في قضية نيكاراجوا على أن نماذج سلوك الدول غير الموافق لقاعدة ما يجب التعامل معه عامةً على أنه يشكل خرقاً للقاعدة، لامؤشراً على الاعتراف بقاعدة جديدة، فلو تصرفت دولة بطريقة لا تتفق قانوناً مع قاعدة معتبرة، ودافعت عن سلوكها استناداً إلى الاستثناءات أو المبررات المتضمنة في القاعدة نفسها، يكون تصرف الدولة – سواءً كان مبرراً على هذا الأساس أو لم يكن – توجهاً مؤكداً للقاعدة وليس مضعفاً لها، أي أنها مجرد شواذ تؤكد القاعدة ولا تلغيها([405]).
2- القوة التي تتمتع بها القواعد الآمرة في القانون الدولي:
تتناول المادة 53 من ميثاق فيينا لقانون المعاهدات في 1969 قضية القواعد الآمرة، مقررة أنه لكي تصير قاعدة ما قاعدةً عليا في القانون الدولي، يجب أن تقبل ويعترف بها من قبل كامل مجتمع الدول باعتبارها قاعدة لا يسمح بالانتقاص من سلطانها، ولا يمكن تغييرها سوى بقاعدة تالية من قواعد القانون الدولي العام لها ذات السمة، كما تقرر المادة 64 من ذات الميثاق أنه إذا نشأت قاعدة عليا جديدة في القانون الدولي العام، تصير كل معاهدة قائمة متنازعة مع هذه القاعدة باطلة ولاغية.
ولقد وصفت لجنة القانون الدولي في تعقيبها على مشروع ميثاق فيينا حظر الميثاق لاستخدام القوة بين الدول بأنه “نموذج بارز” للقواعد الآمرة([406]).
3- إمكانية تعديل العرف للقواعد الآمرة:
كيف يمكن تعديل القواعد الآمرة؟ وهل يمكن للعرف أن يعدل وحده القواعد الآمرة؟
إن أي تعديل لقاعدة عليا يجب أن يحدث (من خلال العرف أو المعاهدات) بنفس الطريقة التي نشأت لها القاعدة الأصلية.
ويجب أن ينال التعديل تأييد الجماعة الدولية ككل. فالتأييد الشامل للمعاهدة المكتوبة سوف يجعل منها – وفقاً للمادة 53 من ميثاق فيينا – قاعدة لاحقة بالقانون الدولي العام لها ذات السمة مثلها مثل القاعدة الآمرة الأصلية، لذا يجب أن يتم توقيف دخول المعاهدة المعدٍّلة للقاعدة حيز النفاذ على تصديق الجماعة الدولية وليس مجرد التوقيع([407]).
ومن ثمّ فإن العرف الدولي، إذا ما توافر بركنيه المادي والمعنوي، يمكن أن يعدّل قاعدة آمرة نشأت من خلاله. أما إذا ما كانت القاعدة الآمرة قد دونت بمعاهدة دولية نالت تأييداً شاملاً مثل ميثاق الامم المتحدة، فإن تغير العرف بشأنها لا يكفي لتغييرها، بل لابد أن تتوافق الدول على هذا التغيير.
نستنتج من هذا أن المواقف الدولية المعاصرة بشأن قاعدة حظر استخدام القوة، وإن كنا لا نوافق على تغير الركن المادي للعرف الدولي بشأنها بتغير سلوك الولايات المتحدة وإسرائيل، وحتى إن قلنا جدلاً بذلك، فإن الركن المعنوي لم يتوافر بعد لهذا التغير، كما لم تتوافق الجماعة الدولية على تغير مضمون القاعدة المكتوبة بالمادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة. وحتّى لو تغير العرف بهذا الشأن، لا يمكن تعديل تلك القاعدة إلا بتعديل ميثاق الأمم المتحدة.
المبحث الخامس:
السبل البديلة للأعمال الوقائية لمواجهة تطور أسلحة الدمار الشامل
وتنامي الإرهاب
الردع كبديل
يلجأ بعض الباحثين القانونيين إلى منهاج أكثر حذراً، حيث يقولون أن الإرهاب يجب أن يقضى عليه، ولكن في إطار الحدود الثابتة للقانون([408])، وسنحاول فيما يلي الإشارة إلى بعض الوسائل “القانونية” لمواجهة الأخطار المعاصرة، مع التركيز على الردع كبديل قد يكون أكثر فعَّالية من الأعمال الوقائية في مواجهة تلك الأخطار، كما سنرى..
أولاً: اتخاذ تدابير مضادة بدلاً من بدء هجوم مسلح فعلي:
حيث أن الدولة التي ترى نفسها عرضة لاستعدادات عسكرية من طرف أو أطراف أخرى ليست مضطرة إلى التزام السلبية، بل يمكنها اتخاذ جميع الاحتياطات والاستعدادات الضرورية التي لا تصل إلى بدء هجمة مسلحة فعلية([409]). ويرى د محمود خيري بنونة أنه في حالة وجود تهديد جدي بالهجوم يمكن مواجهته بإجراءات مماثلة له تكون ملائمة لوقفه، مع الاستعداد الكامل لصد الهجوم إذا ما بدأ بالفعل([410]). كما يمكن أن تلجأ للردع التعرضي، أو ما يطلق عليه الدفاع الاعتراضي أو الإجهاضي، بإجهاض هجوم العدو قبل أن يحدث أثره التدميري، شرط أن يكون الطرف الآخر قد ضغط الزناد، واتخذ خطوة لا يمكنه بعدها التراجع عن الهجوم.
ثانياً: اللجوء للمنظمات الدولية، وتفعيل نظام الأمن الجماعي:
لا يزال يمكن للدول اللجوء للمنظمات الدولية لمواجهة الأخطار المتنامية في عالمنا المعاصر، شرط توافر الإرادة الدولية لتفعيل دور هذه المنظمات. فالاستباق لا يفتقر وحسب إلى الفعالية في ردع الأعداء من الإرهابيين أو الدول عن تطوير أسلحة الدمار الشامل، أو الحصول عليها بأي طريق، بل إنه يقوّض أيضاً الاستراتيجيات القائمة لمجابهة انتشار أسلحة الدمار الشامل، كما يشكل تحدياً جدياً للأسس الحالية للقانون الدولي، وإطار الأمم المتحدة؛ حيث أن مواجهة أسلحة الدمار الشامل والإرهاب تتطلب بالأساس معالجة الأسباب الجذرية لتنامي أسلحة الدمار الشامل، أي أنه يجب التخلص من بواعث الأمم لحيازة أو نقل أو استخدام أسلحة الدمار الشامل. والقضاء على الظروف المولّدة للإرهاب يتطلب إعادة تعريف مفهوم الأمن الجماعي، وذلك بالتركيز على الثقة المتبادلة، والمصالح المتبادلة، والمساواة، والتعاون، لكي يخدم بصورة أكبر مصالح جميع الدول([411]).
كما أن العمل على دعم استقرار النظام الدولي يؤدي إلى ذات النتيجة، وكذا تعزيز تدابير الأمن الجماعي على الصعيدين الإقليمي والدولي سواءً بتفعيل الاتفاقيات والتحالفات القائمة، أو بإقامة المزيد منها.
ثالثاً: تفعيل دور مجلس الأمن في إقرار العدالة الدولية ومحاصرة الإرهاب:
وذلك عن طريق إصلاح مجلس الأمن وفقاً لأحد سيناريوهات الإصلاح المطروحة، كتعديل بنائه من حيث الدول دائمة العضوية ومؤقتة العضوية، أو تعديل قواعد التصويت به، بحيث يتمكن من أداء الدور المنوط به في حفظ السلم والأمن الدوليين.
رابعاً: تنظيم وتفعيل دور المجتمع المدني العالمي:
أيضاً يمكن معالجة جذور الإرهاب عن طريق تفعيل دور المجتمع المدني العالمي في مكافحة الاستبداد والظلم والجهل والتأخر والفقر والمرض في مجتمعات العالم، ونشر الوعي وثقافة الحوار والديمقراطية والعدل، وهو ما سيجتث جذور التطرف والإرهاب، ويجفف منابعهما، مؤدياً بذلك لنشأة حكومات ديمقراطية رشيدة حكيمة.
كما أن تنظيم دور المجتمع المدني على مستوى دول العالم سوف يكسبه قوة لن تستطيع الحكومات الاستهانة بها، أو اتخاذ قرارات متهورة تخالف إرادة الشعوب وتتحداها.
وها نحن نرى الآن على ذلك مثالاً حياً فيما يشهده العالم العربي حالياً من دور للشعوب في التكاتف والتخلص من حكوماتها المستبدة الظالمة والتحول الديمقراطي السلمي بدءً من تونس ثم مصر.
خامساً: إقامة نظام للردع المتبادل بين الدول:
فليس هناك ما يمنع من أن بإمكان كل دولة أن تتخذ من الوسائل لحماية نفسها ما تريد من استخدام نظم متقدمة للإنذار والحماية، أو حيازة أسلحة تردع الآخرين عن الهجوم عليها، وذلك بإعداد القوة المقابلة Counter Proliferation لمواجهة العدو مما سيحقق التوازن الردعي عن طريق استعدادات وأنشطة عسكرية واسعة النطاق والمدى للحد من والحماية ضد التهديدات حتى تلك الناشئة عن حيازة أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية، أو نقلها([412])، مع إعلان الدولة عن قوتها العسكرية بشكل أو بآخر لإيصال رسالة الردع، إما عن طريق الاستعراضات العسكرية أو المعلومات الاستخباراتية، أو حتى التجارب العلنية للأسلحة، أو بأي طريقة أخرى لا تتضمن استخداماً للقوة يؤذي الأبرياء.
وفي ذلك عملٌ بقوله تعالى ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ …ﭼ الأنفال: ٦٠، والرهبة تعبير عن التوقير والإجلال والخشية، ولا يصاحبها أي عدوان على الآخرين.
والردع لغةً هو قيام طرف ما بمنع طرف آخر من القيام بسلوك ما يراه ضاراً به أو مخالفاً لإرادته ([413]). وكانت استراتيجية الردع إبان الحرب الباردة تقوم على تحقيق أهدافه دون اللجوء لاستخدام القوة، حتى عرّفه أمين هويدي بأنه عدم استخدام القوة، أو هو فن تجنب القتال([414])، فالردع يؤدي إلى تجنب تحول حالة الصراع إلى حرب عن طريق وضع صورة أمام الخصم بأنه سوف يعاني من خسارة نتيجة قيامه بالتعرض([415]).
ويتلاقى الردع مع الإرهاب في الاصطلاح السياسي في أن كليهما ينطوي على التلويح بالقدرة على استخدام القوة لكف العدو عن الاعتداء، وإن تضمن الإرهاب في الاصطلاح السياسي استخداماً فعلياً للعنف لتأكيد ذلك، فالإرهابي يمتلك زمام المبادأة، والإرهاب أبعد أثراً من الردع، كما يعتبر الردع الأحادي الجانب أقرب إلى الإرهاب. ويكون الردع فعّالاً إذا ما توافرت له عناصر: القدرة، والمصداقية، والعقلانية، والمعلوماتية، إضافةً إلى خبرة الردع([416]).
وللردع جانبان، أولهما القدرة على تدمير قوة العدو، وثانيهما القدرة على امتصاص ضربة العدو عن طريق حماية الطرف الرادع لمصالحه ومراكزه مدنيةً كانت أم عسكرية([417])، وتزيد أهمية الجانب الثاني في حالة الردع النووي.
وإبان الحرب الباردة كان هناك توازن بين قوتين عظميين هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، حيث قام بينهما ردع متبادل. وكانت أهم الاستراتيجيات التي استخدمتها الولايات المتحدة للردع في ذلك الوقت استراتيجية الحصر والاحتواء([418])، والرد الشامل([419])، والحرب المحدودة([420])، والرد المرن أو الردع التدريجي([421])، بالإضافة إلى استراتيجية مبادرة الدفاع الاستراتيجي (حرب النجوم) ([422]).
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تحولت هذه الاستراتيجية إلى ما سمي بـ “استراتيجية نظام الدرع الأمريكي”([423])، ثم ظهرت بعد حرب الخليج الثانية 1991 استراتيجية جديدة هي “استراتيجية القوة الوحيدة” لضمان استمرار التفوق الأمريكي، وتم تفعيلها إثر هجمات سبتمبر 2001، وهي تقوم على الضربات الاستباقية أو الوقائية، ويمكننا تسميتها بـ”الردع الأحادي الجانب”([424])، وقد تحول فيها الردع من الدفاع إلى الهجوم.
وتبرر الولايات المتحدة ذلك التحول بمسايرة المتغيرات الدولية من انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومواجهة عدو لا وطن له هو الإرهاب([425])، فقد تحولت الولايات المتحدة من الردع التقليدي إلى الهجوم الاستباقي Preemptive أو الوقائي Preventive الذي يستهدف أيضاً ردع كل من يفكر في المساس بالمصالح الأمريكية.
والآن، كيف يظل الردع (الدفاعي أو التقليدي)، خياراً صالحاً لمواجهة الإرهاب؟ يظل الردع فعّالاً، في هذه الحالة، إذا ما توافرت له عناصر الفعالية التي أجملناها سلفاً، وهي: 1- القدرات: الاستراتيجية والدبلوماسية والاقتصادية، وإعلام الطرف المراد ردعه بهذه القدرات بأي وسيلة، حيث أن الردع يعتمد على الضربة الثانية (الرد)، وليس على ضربة المبادأة، بحيث يقع في ذهن الخصم كمَّاً من الأذي لن يستطيع أن يتحمله سينتج عن مبادأته الطرف الرادع بالعدوان. 2- المصداقية: حيث يجب أن تصل إلى الخصم القناعة بالعزم الصادق للطرف الرادع على الرد، فالردع قدرة وإرادة. 3- المعلوماتية: حيث يجب أن تكون بدى الطرف الرادع أنظمة استخباراتية متقدمة تمكنه من إدراك نوايا الخصم وقدراته وأيضاً من إيصال قدرات الرادع العسكرية للخصم ليحسب حسابها فيتحقق الردع([426]). وقد يتطلب الأمر في مواجهة الإرهاب توظيف جميع العناصر السابقة لتحقيق الردع الإجهاضي أو التعرضي بتدمير أسلحة الإرهابيين، بعد إطلاقها، وقبل أن تؤتي ثمارها المدمرة، وذلك بإقامة نظم متقدمة للإنذار والحماية.
وللردع كما ذكرنا جانبان، أولهما القدرة على حماية المصالح القومية، وثانيهما القدرة على إلحاق الأذى بالعدو، وتزيد أهمية الجانب الأول في حالة مواجهة كل من الإرهاب، وأسلحة الدمار الشامل.
ونختم هذا الفصل بقولنا أن قانون الدفاع عن النفس ينبغي تفسيره بعقلانية، ولكن هذا ولا شك لا يعني القول بأنه يمكن تفسيره بأحادية من جانب طرف ذي صلة. فإذا ما كانت العملية أحادية بالكامل، بحيث يفعل القوي ما يروق له، ويضطر الضعيف للقبول بذلك، فإننا نكون قد تقهقرنا (لعهود الغاب)، وهو ما سترفضه غالبية الدول([427]).
وهناك اقتراحات مرفوضة، كما رأينا، ترى أنه من الممكن لنطاق الدفاع عن النفس أن يمتد إلى الحق في “الدفاع الاستباقي عن النفس”، وهو ما يتخطى حدود قضية الكارولينا ممكناً من استخدام القوة للدفاع ضد، أو منع، هجمات محتملة الوقوع([428]).
علماً بأنه وقت أن حدثت واقعة الكارولينا، التي يستند إليها مؤيدو الدفاع “الوقائي”، لتأييد وجهة نظرهم، كان استخدام القوة عامةً مشروعاً كأداة للسياسة القومية. وقد تم تبني ميثاق الأمم المتحدة أساساً بهدف خلق حظر أوسع نطاقاً من على القوة عن ذلك الذي ساد قبل عام 1945 سواءً في العرف أو الاتفاقيات، دع جانباً عام 1842.
ولم تضع أي سلطة في التاريخ الحق الفردي في الدفاع “الوقائي” عن النفس ضمن مصاف القواعد الآمرة. وكان استثناء الميثاق هو أن الدول ستعتمد على مجلس الأمن للتعامل مع القلق المبكر حول الأمن الدولي. وفي الحقيقة، فإن محكمة العدل الدولي قد وصَّفت حظر استخدام القوة، الوارد في المادة 2 (4) على أنه يشكل قاعدة آمرة، على حين أن الدفاع عن النفس لم يأخذ ذات الوصف.
كما أن الظاهر من العمل الدولي – حسب رأي الفقيه Show –أن الدول لا ترتاح عامةًً إلى مفهوم الدفاع الوقائي عن النفس([429]).
فلا تزال هناك إشكالات حول تحديد وقت بدء الهجوم المسلح، لتحديد متى يمكن البدء في الدفاع عن النفس، ولكن إثر هجمات 11 سبتمبر وضح مجلس الأمن وسلوك الحكومات بعض القضايا. يجب أن يكون الهجوم قد نزع فتيله، أو بدأ بالفعل شنه لكي يثور في شأنه الحق في الدفاع الفردي عن النفس. وأي رد مبكر عن ذلك يتطلب موافقة مجلس الأمن. فلا يوجد حق يخول الهجوم على دولة أخرى بسبب الخوف من كون تلك الدولة تضع خططاً أو تطور أسلحةً يمكن استخدامها في حملة افتراضية([430]).
ووفقاً لـ O’Connell أنه بدرجة محدودة يمكن لدولة أن تمارس الدفاع عن النفس “بشكل وقائي”، على النحو الذي صوره السير Humphrey Waldock بقوله: “حين يكون هناك دليل مقنع لا على مجرد تهديدات وخطر محتمل، ولكن على هجوم يتم بالفعل إثارته، حينها يمكن القول أن هجوماً مسلحاً قد بدأ بالفعل في الحدوث، برغم أنه لم يعبر الحدود بعد”([431]). ويفضل Dinstein أن ينعت الدفاع في هذه الحالات بـ”الدفاع الاعتراضي (المبكر) incipient عن النفس”([432]). وهذا الدفاع “المبكر” عن النفس يعوزه دعم العمل الدولي الواقعي، ولكنه يتوافق والمبدأ الرائج للكارولينا 1842. ولكن يتقرر في كل حالة على حدة ما إذا وافقت شروط الكارولينا أم لا. وهذا هو الوضع أيضاً في أن ضحية هجوم ما قد يستخدم القوة مستنداً إلى دليل جليٍّ ومقنع أن العدو يستعد ليهجم ثانيةً. وبلفظ آخر، فإن الضحية ليس عليها الانتظار ليتم شن هجمات جديدة. ويجب القيام بالدفاع خلال وقت معقول من الهجوم الأول ليتخذ توصيف الدفاع خلال هجمات مسلحة دائرة. فلو أن الإرهابيون كانوا يخططون لسلسة من الهجمات في حملة إرهابية، يمكن للدولة أن ترد لمنع المزيد من الهجمات المستقبلية التي لديها دليل عليها. ومع ذلك، ففي غياب الدليل المقنع على الهجمات المستقبلية، قد تعد القوة المستخدمة في الرد أعمالاً انتقامية أو عقوبات غير مشروعة([433]).
وكذا يقترح الفقيه Show لحل الإشكال حول مفهوم الدفاع الوقائي وعدم وضع الدول في موضع الاختيار بين إما خرق القانون الدولي، وتلقي الهجوم فعلياً التفرقة بين الدفاع الوقائيAnticipatory حيث يكون الهجوم متوقعاً foreseeable، والدفاع الاعتراضي Interceptive حيث يكون الهجوم وشيكاً ومحتوماً، ولا مفر منه. ووفقاً لهذا الرأي يكون الدفاع عن النفس شرعياً وفقاً للقانون العرفي والمادة 51 من الميثاق حينما يكون الهجوم وشيكاً. وستكون المسألة هي مدى توافر الأدلة حول ما إذا كان قد تم تقييم دقيق للوضع على ضوء المعلومات المتاحة وقتها. وسيكون هذا أسهل بكثير في البرهنة عليه من المفهوم الفضفاض للدفاع الوقائي عن النفس، إضافةً إلى أن لما ذكرنا ميزة كونه متفقاً مع النظرة إلى أن الدفاع عن النفس في القانون العرفي هو كما تفسره قضية الكارولينا. وعلى أي حال، سيكون هناك اعتماد كبير على توصيف الخطر، وطبيعة الرد، والذي يلزم أن يكون مناسباً([434]).
والرأي عندنا أنه لا مانع من تدابير وقائية لا تستخدم فيها القوة أو تدابير اعتراضية لاعتراض هجمات مسلحة بدأ أو تقرر بدء شنها في الحال حتى ولو لم تغادر الأسلحة حدود الدولة المهاجمة طالما لم يعد في إمكان المعتدي تقنياَ التراجع عن العدوان.
ولا يزال القانون الدولي، الاتفاقي والعرفي على السواء، يحظر الدفاع “الاستباقي” عن النفس، وحتى الدفاع “الوقائي” عن النفس، لو كان هذا الأخير يفهم على خلاف كونه رداً على هجمات ناشئة أو حملات مستمرة. وبكلمات أخرى، فإنه ليس للدولة أن تمارس عملاً عسكرياً ضد أخرى حينما يكون الهجوم مجرد احتمالية مفترضة، ولم يتم البدء فيه بعد، حتى في حالة أسلحة الدمار الشامل([435]).
أما الفعل الوقائي بالمعنى الذي تتبناه الولايات المتحدة حالياً، وهو مهاجمة من يملك النية العدوانية ضدها، ويحاول نيل إمكانات قد تشكل في المستقبل خطراً عليها، حتى ولو لم يصدر عنه تهديد صريح أو ضمني، مؤكد أو وشيك([436])، فلا يسعنا أن نطلق عليه أصلاً “الدفاع الوقائي”، ومثال ذلك احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في 2003، ولا يصح الادعاء بأن القانون العرفي بشأن استخدام القوة قد تم تعديله بناءً على سوابق إسرائيلية وأمريكية، فهذا لا يثبت تبني الجماعة الدولية لذلك السلوك أو قناعتها بشأنه، فالنهج الدولي في تكوين وتشكيل القانون العرفي بشأن استخدام القوة يرجّح إثبات التغير الصادر عن منهج التأقلم أو التكيف Adaptation لا عن طريق الاختراع والاستحداث Invention([437]).
واستخدام مفهوم الدفاع “الوقائي”، أو الحرب “الوقائية” هنا ما هو إلا لعب بالمصطلحات السياسية، ويثير العديد من الإشكالات، منها:
- كيفية تحديد العدو، وتمحيص نواياه للكشف عما إذا كان سيتمخض عنها تهديد حقيقي سيترتب عليه فعل عدواني، أم ستكون هناك نوايا مفترضة لتهديد يفترض أن ينتج عن فعل يفترض اتخاذه من خصم مفترض.
- الأسس التي سيستند عليها التهديد، والوسائل المادية التي ستتبع لتحقيقه.
- تحت أي بند من بنود القانون الدولي يندرج هذا الفعل “الوقائي”، بعد أن أثبتنا أنه لا يقع تحت مظلة الدفاع الشرعي عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة أو القانون الدولي المعاصر بصفة عامة؟
- على من ستقع المسئولية الدولية بعد ثبوت عدم شرعية الضربة الوقائية؟ وهل تدخل في نطاق جرائم الإبادة أو الجرائم ضد الإنسانية.
وبناءً على ما توصلنا إليه في هذا الفصل، سنضع الحربين الأمريكيتين على أفغانستان 2001، والعراق 2003، في ميزان القانون الدولي، بشيء من التفصيل في الفصل التالي.
الفصل الثالث:
مبدأ بوش
ووزن الحربين على أفغانستان 2001 والعراق 2003
بميزان القانون الدولي
في يناير من عام 2002 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن تبنيه لمبدأ الحرب الاستباقية لمواجهة التحديات المتجددة أو المستحدثة أمام الولايات المتحدة الأمريكية، مستنداً في ذلك إلى التفوق الأمريكي الكبير عالمياً على مختلف المستويات، ومدفوعاً من قبل الصقور أو المحافظين الجدد على الساحة السياسية الأمريكية.
ومبدأ بوش في الاستباق يختلف ويتوسع في نطاقه عن مفهوم الفعل الوقائي في القانون الدولي كما سنرى في المبحث الأول. ولكن ماذا بشأن الوضع القانوني للتطبيق العملي لمبدأ بوش؟
لتبين هذا الوضع القانوني ندرس حربي بوش على أفغانستان 2001، وعلى العراق 2003، من حيث الوقائع ، والأهداف الأمريكية في المبحث الثاني ، ثم نعرض للمبررات والأسانيد المقدمة من قبل الولايات المتحدة والرد عليها في المبحث الثالث، ثم نوضح المبادئ القانونية ذات الصلة، ونطبق هذه المبادئ على الحربين لنصل إلى التكييف القانوني لهما في المبحث الرابع، ثم نرصد بعض نتائج الحربين الأمريكيتين، ونتتبع المواقف الإقليمية والدولية منهما في المبحث الخامس.
المبحث الأول
عقيدة بوش والحروب الاستباقية
أولاً: عقيدة بوش:
بعد انهيار الاتحاد السوفيتى فى أوائل التسعينيات، ومن ثم غياب المواجهة مع الشيوعية، فقدت سياسة الاحتواء التى كانت تقوم على الردع والتفوق العسكرى مبرراتها، وتم استبدالها بسياسة الحروب الاستباقية فى ظل جورج بوش الابن([438])، وسياسته فى هذا، وإن اختلفت عن سياسة الرئيسين السابقين له فى الوسائل والتوجه، فقد اتحدت معها فى الجوهر والأهداف الاستراتيجية، لا سيما تطوير هيمنة سياسية واقتصادية شاملة.
فقد استخدم بوش الأول وكلينتون كلاهما دبلوماسية القسر، كما استخدما القوة، وعلى حين عمل بوش الأول على تسخير الأمم المتحدة كي توفر مظلة دبلوماسية لحروب أمريكية استعمارية جديدة ضد كل من العراق وبنما وغيرها من الدول “المارقة”، وعمل على تشكيل تحالفات دولية لتحقيق أهدافه، قام كلينتون بقصف يوغوسلافيا السابقة، وقام بغزو الصومال وهاييتى واستمر فى عهده قصف العراق. وكان منهج كلينتون يركز على العولمة الاقتصادية مستعينا بسلاح التجارة الحرة لاحتواء الحركات المعارضة حول العالم.
أما بؤرة سياسة بوش الخارجية فقد تحولت إلى الإرهاب بدلاً من العولمة، وكان لأحداث 11 سبتمبر أثراً كبيراً فى تدعيم هذا التحول، فالهلع الذى خلفته قد جمع الأمريكيين حول رئيسهم وسياسته الخارجية. وقد تم أيضاً استبعاد أحداث 11 سبتمبر من تحقيقات الكونجرس توطئةً لبدء ردٍ مفتوح بلا نهاية منظورة([439]).
وبالإضافة إلى إسرائيل، تعد الولايات المتحدة الأمريكية ومحامييها النصير الأكبر لمبدأ الاستباق([440]).
ولقد عبر بوش عن عقيدته فى مواجهة الإرهاب فى خطابه عن حالة الاتحاد فى يناير 2002، وهو الخطاب الذى اتسم بالمثالية الولسونية بعد مزجها بفكرة الدحر كبديلٍ عن سياسة الاحتواء. ولقد استغل بوش الهلع المتخلف عن أحداث سبتمبر فأعطى لحكومته الحق فى إعادة ترتيب الأولويات فتخلى عن الحقوق المدنية، وتجاوز عن القانون الدولي متخذاً من الأمن القومى غطاءاً لهذه السياسات([441]).
وقد نفى بوش في خطابه هذا صلاحية استراتيجيات الردع والاحتواء لمواجهة الأخطار الحالية، زاعماً أن الأخطار الجديدة تتطلب تفكيراً جديداً. فالردع لم يعد له من معنىً في ظل مواجهة شبكات إرهابية شبحية لا تظللها دول معينة، والاحتواء لا سبيل إليه في محاربة ديكتاتور مجنون قد يستخدم أسلحة الدمار الشامل لديه أو يزود بها سراً حلفاءه الإرهابيين([442]).
كما أكد على حاجة الولايات المتحدة للانفراد بتحديد عدوها واتهامه، وعلى معاقبة المعتدي المحتمل عليها بحيث تبدأ بتوجيه الضربة إليه في أي مكان في العالم. وتؤكد عقيدته في الحرب الوقائية على ضرورة اتخاذ الإجراءات السريعة، مما يجعل من مناقشات الكونجرس، والمشاورات مع الحلفاء، ودراسة وتقدير أثر المواثيق والمعاهدات الدولية فيما يتعلق بالضربات الوقائية أموراً غير عملية، بل ومضيعة للوقت.
ولقد حل مصطلح الإرهاب في خطاب بوش وفى سيناريوهات الخوف التالية لأحداث 11 سبتمبر محل الشيوعية كوصفٍ لمن يعارض الهيمنة الأمريكية. فقد أفرزت هذه الهجمات “محور الشر” واستحدثت فى الأجندة الأمريكية مسألة تهديد أسلحة الدمار الشامل للأمن القومى رغم فشل بوش فى إثبات وجود علاقة بين العراق وكوريا الشمالية وإيران والهجوم على برجى التجارة([443]).
ولقد أطلق جورج بوش ثنائيته الحادة المطلقة بين من يقف معهم، ومن ثم ضد الشر، ومن يقف ضدهم، وبالتالي يدعم الأشرار، فلم يترك مجالاً للتمييز بين الإرهاب والمقاومة، أو بين السبب والمسبب([444]).
وقد كان للمحافظين الجدد من مستشاري جورج بوش دورٌ كبير فى تدعيم وتعزيز عقيدته حول الحروب الاستباقية فهم يؤمنون إيماناً راسخاً باستخدام القوة استباقياً؛ حيث كان بول ولفويتز نائب وزير الدفاع فى عهد بوش يقرع طبول الحرب على العراق منذ أواخر السبعينيات، وكان يرى أن شن الحرب لا يحتاج إلى دليل قاطع، كما كان من موقعى البيان الموجه إلى الرئيس كلينتون عام 1998 والذى كان يحرض على الحرب ضد العراق([445]).
أما ريتشارد بيرل، وهو أحد أبرز مستشاري الرئيس بوش من معسكر المحافظين الجدد، فقد كتب مقالة معبراً فيها عن سعادته بما أسماه “موت الأمم المتحدة” في الجارديان قائلاً: “إن فشل مجلس الأمن المزمن في تنفيذ قراراته لا ريب فيه، فهو وببساطة ليس على مستوى المهمة الموكولة إليه، ولم يتبق لدينا سوى (تحالف الراغبين)” ([446]).
وفي مقالة نشرت في صحيفة ها آرتس الإسرائيلية، كتب آري شافيت: “لقد ظهر اعتقاد جديد في البلاد، في أثناء السنة الماضية، بضرورة شن الحرب على العراق. وهذه العقيدة المتعصبة تم التبشير بها من قبل 25 إلى 30 من المحافظين الجدد، أغلبهم يهود، تقوم فلسفتهم على ما كتب مكيافيللي وهوبس وإدموند بورك، ناهيك عن ولعهم بونستون تشرشل وبسياسات رونالد ريجان”([447]).
بل لقد اقترح واحد من كبار المسئولين الأمريكيين تعديلاً في مفهوم الحرب الوقائية يتيح للولايات المتحدة القيام بمهاجمة أي دولة لا تمتلك سوى النية والقدرة على إنتاج أسلحة الدمارالشامل([448]).
نخلص من ذلك إلى أن العناصر الأساسية لمبدأ بوش هي: الانتقال من الردع إلى الاستباق، والانتقال من الاحتواء إلى تغيير الأنظمة، والانتقال من الغموض في الدور الأمريكي العالمي إلى القيادة الصريحة([449])، وذلك تأسيساً لهيمنة الامبراطورية الأمريكية، بأن تلجأ للضربات الاستباقية ضد أي هدف تشتبه في تهديده لأمنها القومي.
وفي سبتمبر 2002 أصدرت حكومة بوش وثيقة بعنوان “الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي” زعمت فيها مسئولية الولايات المتحدة عن أمن العالم، وتغيير قيمه لتصير وفق ما تهوى، مقررةً أن الحرب على الإرهابيين ذوي القدرة على العمل في المجال الدولي لهي مشروع عالمي ذو مدى زمني غير محدد، وأنها “مسألة منطق سليم، ودفاع عن النفس، وأن الولايات المتحدة ستتخذ تصرفاً في مواجهة تلك التهديدات الناشئة قبل أن تتشكل تماماً”. وقد وضحت الولايات المتحدة موقفها حيال العلاقة بين الإرهابيين ومن يؤيدون الإرهاب بالقول: “إنا لا نفرق بين الإرهابيين وأولئك الذين يؤوونهم أو يساعدونهم”([450]). وبذا فإن الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب بعد 11 سبتمبر تتلخص في: ملاحقة المنظمات الإرهابية، والقضاء على أسلحة الدمار الشامل كي لا تصل إلى الأنظمة أو الجماعات الإرهابية، ونشر قيم الديمقراطية لتجفيف منابع الإرهاب والتطرف([451]).
ثانياَ: الضربات الاستباقية:
تعتمد الضربة الاستباقية على توجيه ضربة عسكرية مؤثرة إلى مناطق حشود العدو؛ أو البدء بالحرب، في توقيت لا يكون العدو مستعداً تماماَ لها فيه؛ أو مفاجأة الخصم، بهدف إحباط نواياه في اتخاذ إجراءات، من الممكن أن تضر بمصالح واشنطن أو سياستها، ولابد لهذه الضربة من أن تعزِّز بكل عوامل القوة الممكنة لكي تستطيع تحقيق أهدافها، وإنجاز مهامها، في أقصر وقت ممكن؛ و الحرص على استمراريتها، والتي تحول دون تمكن الخصم من استعادة توازنه، والمبادرة إلى الهجوم المضاد أو اتخاذ إجراءات يكون من شأنها أن تجهض الضربة الاستباقية([452]).
وتعرِّف الموسوعة السياسية الضربة الوقائية بقولها: “الضربة الوقائية تعني توجيه ضربة قاضية لقوات العدو الضاربة في قواعدها ومراكزها للحيلولة دون تحويلها إلى خطر هجومي يتهدد سلامة القوات التي عليها أن تأخذ زمام المبادرة لتكون البادئة بتسديد الضربة”([453]).
ويعرِّفها بعض المفكرية الأمريكيين بأنها: “ذلك النوع من النشاطات العسكرية الهادفة إلى تحديد وتحييد أو تدمير أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الآخرون قبل أن يقدروا على استخدامها”، وهم يعطون ذلك أحد مسميين: إما الدفاع الوقائي، أو الردع الممتد([454])، للإيحاء بالمشروعية.
أما بوش الابن فكان رأيه أنها تعني: “نقل المعركة إلى أرض العدو، وزعزعة خططه، ومواجهة أسوأ التهديدات قبل أن تظهر”([455]).
بقي أن نذكر أن محاكمات نورمبرج قد اعتبرت الضربة الاستباقية جريمة حرب([456]).
إن الفهم الأمريكي للحرب الاستباقية يتعدى مفهوم الاستباق في العلم العسكري، باعتماده على نوايا مبكرة ترى الولايات المتحدة أنها عدائية حتى مع عدم وجود أدلة مؤكدة على ذلك([457])، حيث يستخدم الإدراك الأمريكي وحده لنوايا الطرف المقابل على أنها عدائية كمبرر للقيام بضربة تستهدف إجهاض إمكانيات وقدرات الخصم.
وبالطبع فإن المفهوم الأمريكي للاستباق يوسع كثيراً من نطاق الدفاع الوقائي وفقاً لمعيار الكارولينا، فهنا ليس التهديد الوشيك هو المبرر بل التهديد الكامن، مما يثير تساؤلاً مهماً حول الفارق بين الاستباق والعدوان.
المبحث الثاني:
وقائع الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق
وندرس في هذا المبحث الوقائع الحربية والأهداف الأمريكية على أفغانستان ثم العراق.
المطلب الأول
وقائع الغزو الأمريكي لأفغانستان والأهداف الأمريكية
أولاً: وقائع الحرب:
لقد تلى هجمات سبتمبر 2001 على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وعلى مقر وزارة الدفاع الأمريكية مباشرةً ظهور اقتراحات للرد العسكري عليها من دون انتظار للتحقق من ظروفها وملابساتها.
ففي 20 سبتمبر 2001، أعلن جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب ضد تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وكذا حركة طالبان في أفغانستان، التي تقدم له المأوى، وذلك بعد ما يقل عن تسعة أيام فقط من وقوع الهجمات، وقبل أن تُظهر نتيجة التحقيق فيها مسئولية تنظيم القاعدة عن القيام بها. وعلى هذا الأساس بدأت الولايات المتحدة ما أطلقت عليه “الحرب على الإرهاب” اعتباراً من 7 أكتوبر 2001([458]).
واستهلّت الولايات المتحدة حربها على الإرهاب بشن هجوم على أفغانستان شهدت أيامه الأولى هجمات استراتيجية على أهداف عسكرية محددة، تلتها أسابيع من الهجمات التكتيكية على أهداف متحركة وأنشطة قيادة وتحكم Command and Control.
وفي ديسمبر 2001، اتجهت أنظار الولايات المتحدة إلى كهوف أفغانستان الجبلية، التي التجأت إليها عناصر من طالبان والقاعدة بزعمها، وبدأت قصفاً لمدة شهر على الجبال حول تورا بورا، مدمرة تراث أفغانستان الجيولوجي.
وقامت أمريكا، والتحالف الذي شكلته بقيادتها، بتدمير أفغانستان، التي عانت من قبل من ويلات الحروب سنين طويلة، في حرب غير متكافئة أقرب للغزو قتل فيها مئات الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ من جراء القصف الكثيف لسماء أفغانستان باستخدام الأسلحة عالية التقنية، وتمت الإطاحة بنظام طالبان، ثم كان القرار بمحاكمة الأسرى في محاكم عسكرية، واعتقال العديد منهم وتعذيبهم، وإنكار صفة أسرى الحرب لهم وإطلاق وصف “المقاتلين غير الشرعيين” عليهم، والزج بهم في قواعد أمريكية في بلدان خارجية حتى يسهل تعذيبهم، كل ذلك بالمخالفة لاتفاقيات جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب في 1949([459]).
ولقد حشدت الولايات المتحدة في هذه الحرب من القوات الجوية ما يفوق 500 مقاتلة، وأربع مجموعات من حاملات الطائرات التي تدعمها أكثر من 150 سفينة حربية من بينها 10 بوارج ومدمرات مزودة بصواريخ كروز (توماهوك)، إضافة إلى حشدٍ من القوات الخاصة والبرية والمارينز يتعدى حجمه 250 ألف مجند، كل ذلك بجانب قوات أخرى من الدول أعضاء حلف الناتو وبخاصةً بريطانيا([460]).
ثانياً: الأهداف الأمريكية من الحرب على أفغانستان:
كان غزو أفغانستان حلقةً في مسلسل تنفيذ الولايات المتحدة لخطتها الاستراتيجية المتعلقة بالقواعد العسكرية ومصادر النفط وبالهيمنة العالمية، فقد اتخذت القواعد العسكرية الأمريكية، منذ بداية “الحرب على الإرهاب”، قرباً غريباً من خطوط أنابيب النفط التي من المفترض مدها. فالولايات المتحدة قد استغلت هذه الحرب كمقدمة لسياسة خارجية توسعية تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الاستراتيجية العالمية([461]).
ولقد تضمنت الأهداف المعلنة للحرب على أفغانستان استعادة الهيبة الأمريكية، ودعم الروح المعنوية للأمريكيين إثر أحداث سبتمبر 2001، إضافةً إلى قلب نظام الحكم الإسلامي الأصولي حيث أعلنها بوش حرباً صليبية.
إلا أن الأهداف الحقيقية قد تعدت ذلك إلى خدمة المخططات الأمريكية بنظرة مستقبلية تتمثل في السعي للسيطرة على نفط بحر قزوين، والقضاء على مزارع الأفيون في أفغانستان، والتي تشكل ثلاثة أرباع الاستهلاك العالمي، والحفاظ على وجود عسكري أمريكي في أفغانستان بصفة دائمة، إضافةً إلى سيطرة الولايات المتحدة على مناطق النفط في الخليج، وعلى تواجدها العسكري في المنطقة والتحكم بعمليات التوازن الإقليمي النووي في المنطقة بين الهند وباكستان خصوصاً([462])؛ ومن ثم تدعيم هيمنتها العالمية، وتوفير الفرصة للاقتراب من الحدود الروسية الجديدة بشكل مباشر، وإقلاق استقرارها الأمني، وإعاقة توسعاتها المستقبلية. إضافةً إلى قطع الجسور الخلفية على الصين، وتقويض ارتباطاتها الوثيقة مع دول المنطقة، وخاصةً باكستان؛ مما سيتيح للولايات المتحدة القدرة على التحكم بالتفاعلات الإقليمية لتعزيز الدور الأمريكي في رفع شعار محاربة الإرهاب العالمي بالقوة المسلحة، وضمان الشرعية الدولية له، وكانت أهم النتائج المباشرة لهذا التخطيط شن الحرب على العراق في 2003([463]).
المطلب الثاني:
وقائع الغزو الأمريكي للعراق والأهداف الأمريكية
أولاً: وقائع الحرب:
“طبقاً لتصريحات نشرت في 12 أبريل 2003 اشترك في العمليات من قوات التحالف حوالي 300000 جندي (255000 من الولايات المتحدة، 45000 من بريطانيا، 2000 من استراليا)، 400 من تشيكوسلوفاكيا، 200 من بولندا.
وبلغت الخسائر البشرية الأمريكية 109 ، والبريطانية 31، وعدد الأسرى والمفقودين من الأمريكيين 7 أسرى، 10 مفقودين.
أما الخسائر العراقية من القتلى والجرحى من العسكريين فتقدر بحوالي 3320، ومن المدنيين 66366، ووصل العدد الإجمالي لطلعات الطيران خلال أيام الحرب 30000 طلعة جوية أسقطت 20000 قطعة من الذخيرة بأنواعها المختلفة”([464])، وبالطبع فإن الخسائر على الجانبين في تزايد مستمر.
كما تم نهب كافة المؤسسات الحكومية عدا وزارتي النفط والدفاع، وتدمير المنشئات الثقافية وسرقة دار الكتب والوثائق والمتحف العراقي، وتدمير البنية التحتية العراقية.
وقد مرت الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في الحرب العراقية بثلاثة تحولات؛ حيث بدأت القوات الأمريكية بتطبيق ما سمي باستراتيجية الصدمة والترويع لشل إرادة العراق، ثم استراتيجية القوة الحاسمة أو “مبدأ باول”، باستخدام كثافة نيرانية لضرب أهداف حيوية خاصةً على مراكز القيادة والتحكم، ومن ثم القضاء على ما تبقى للعراق من قوة عسكرية، بعد أن انتهت الحرب([465]).
ثانياً: الأهداف الأمريكية من الحرب على العراق:
تنوعت أهداف الولايات المتحدة من الحرب على العراق ما بين أهداف سياسية تمحورت حول تعزيز الأحادية الأمريكية في قيادة العالم، وإظهار القدرة على ذلك([466])، وأهداف اقتصادية تركزت في الهيمنة على مراكز الطاقة العالمية، والاستيلاء على نفط العراق، والتي تحتل المرتبة الثانية عالمياً في احتياطي النفط، وأهداف جيواستراتيجية منها تغيير النظام السياسي في العراق، تمهيداً لإحداث تغيير أوسع في المنطقة، والقضاء على الإرهاب في المنطقة، والاستفادة من الموقع الاستراتيجي للعراق في إدارة الشئون الأمنية في المنطقة، حيث تضمن السيطرة على العراق للولايات المتحدة وصل الانقطاع في انتشار قوات حلف الناتو في القطاع الممتد من تركيا شمالاً إلى الخليج العربي جنوباً، والذي يغطي ثلاث من دول “محور الشر” و “الدول المارقة” هي إيران والعراق وسوريا، وعزل جناحيهما المتمثلين في سوريا وإيران عن بعضهما، وحرمانهما من منطقة متوسطة للعمل المشترك، إضافةً إلى أن توسط العراق للمنطقة التي تسعى الولايات المتحدة لإحداث التغيير فيها يتيح للولايات المتحدة حرية حركة (دائرية) في جميع الاتجاهات انطلاقاً من العراق دون أن تضطر لطلب تسهيلات من حلفائها لإحداث تغيير عنيف آخر في المنطقة([467])، ودفع إيران للانصياع لأهداف الولايات المتحدة، وإرهاب سوريا ، وتجريد السعودية من السيطرة على أسعار النفط([468])، إضافةً بالطبع إلى تأمين إسرائيل عن طريق تفتيت الكيانات الكبرى في المنطقة([469]). فقد استهدفت الحرب ربط الأمن القومي الإسرائيلي بالأمن القومي الأمريكي([470])، فقد كان أحد الأهداف الرئيسية للحرب هو حل الصراع العربي – الإسرائيلي حسب الشروط المناسبة للحكومة الإسرائيلية، وإنذار سوريا، إضافةً للتلاعب بالتوازن الداخلي لإيران، والتي تعتبرها إسرائيل بمثابة تهديد استراتيجي لها، فقد صرح ريتشارد بيرل بأن الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ستشكل حافزاً للإيرانيين لمحاولة التحرر من طغيان الملالي.
ولم تقف أبعاد الأهداف الأمريكية من حرب العراق عند حدود التخلص من النظام العراقي، أو أسلحة الدمار الشامل العراقية، بل تعدت حدود العراق، بل وأيضاً حدود منطقة الشرق الأوسط. فالهدف البعيد لمحافظي أمريكا الجدد هو تأكيد التفوق الأمريكي الكوني المطلق في ظل عالم جديد وحيد القطبية، وعلى الصعيد الإقليمي كانت الولايات المتحدة ترغب في فرض شكل نظام قرازاي في أفغانستان ليس فقط على العراق بل على فلسطين أيضاً إذا ما استطاعت([471]).
المبحث الثالث:
حجج الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق
ونعرض هنا للحجج التي قدمتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، والرد عليها.
المطلب الأول
حجج الغزو الأمريكي لأفغانستان وتفنيدها
كان السبب المباشر للحرب وفقاً للإدارة الأمريكية هو امتناع أفغانستان عن تسليم أسامة بن لادن، اللاجئ إليها، إلى الولايات المتحدة، وهو ما طلبته الأولى بعد تردد اسمه بعد هجمات سبتمبر من خلال شرائط فيديو بثتها قناة الجزيرة القطرية يتوعد الرجل فيها الولايات المتحدة ويعلن مباركته لهجمات سبتمبر.
ونظراً لأن الولايات المتحدة وبريطانيا قد أعلنتا أنهما تتصرفان وفقاً للمادة 51 من الميثاق، فقد ركزنا في هذا المطلب بالأساس على بحث توافر الحق في الدفاع الشرعي وفقاً للمادة 51 في الحرب الأفغانية، وهذا بالإضافة للمبررات البديلة المقدمة مثل الدفاع الوقائي لتوقي المزيد من هجمات تنظيم القاعدة، والتدخل الإنساني، والتدخل المبني على تفويض من مجلس الأمن، والتدخل بناءً على دعوة من التحالف الشمالي.
أولاً: الحجج الأمريكية لشن الحرب:
1- الادعاء بأن الولايات المتحدة قد وقعت ضحية هجوم خارجي مسلح يبيح لها اللجوء للدفاع الشرعي وفق المادة 51.
وهنا يجب علينا أن ندرس توافر شروط الدفاع الشرعي في فعلي الهجوم والدفاع في حالة الحرب التي بين أيدينا، وهو ما سنفعله عند الرد على الأسانيد القانونية الأمريكية.
2- المساعدة في تغيير النظام الطالباني الدكتاتوري كنوع من التدخل الإنساني لتحرير الشعب الأفغاني:
فقد تذرعت الولايات المتحدة في تدخلها بأنه كان يهدف أيضاً إلى إزالة نظام غاشم ظالم هو نظام طالبان يرزح تحت نير حكمه الشعب الأفغاني، وتغييره إلى نظام ديمقراطي.
3- تمتع الولايات المتحدة بحق ممتد في الدفاع الشرعي ضد الإرهاب ومؤيديه:
في يوم السابع من أكتوبر 2001، وهو اليوم الذي بدأت فيه الهجمات العسكرية على أفغانستان، أرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مجلس الأمن خطاباً لإعلامه بأن الأعمال المتخذة في مواجهة أفغانستان إنما تستند إلى الدفاع الشرعي وفقاً للمادة 51، كما نص في الخطاب أيضاً أن هذا “الدفاع عن النفس” قد يمتد إلى منظمات غير القاعدة ودول غير أفغانستان. وفي مذكرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة في السابع من أكتوبر 2001، بخصوص تصرفها في أفغانستان، تضمنت العبارة التالية: “نحن قد نرى أن الدفاع عن النفس يتطلب المزيد من الأنشطة ضد منظمات أخرى ودول أخرى”، وهو النهج الذي يبدو جلياً أن الولايات المتحدة قد اتبعته([472]).
ثانياً: الأسانيد القانونية الأمريكية، وتفنيدها:
1- الدفاع الشرعي:
تعللت الولايات المتحدة الأمريكية بأن ما فعلته بأفغانستان كان تطبيقاً لحقها في الدفاع الشرعي عن نفسها ضد الإرهابيين ومن يعاونهم بعدما تعرضت لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية.
ويتعين علينا رداً على هذا الدفع بحث مدى توافر شروط الدفاع الشرعي في الحالة الماثلة من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
أ- مدى توافر وصف الهجوم المسلح في هجمات سبتمبر:
هل شكلت هجمات سبتمبر الإرهابية هجوماً مسلحاً؟
لقد شرَّعت المادة (51) اللجوء للقوة، إذا ما كان هناك عدوان أو هجوم مسلح. وعلى حين ادعت الولايات المتحدة أنها قد تعرضت لهجوم خارجي مسلح، فإن مجلس الأمن قد وصف ما تعرضت له بأنه هجوم إرهابي، وإن كان في قراره رقم 1368 قد ساوى بين الإرهاب والهجوم المسلح، في أن كلاهما يصلح اللجوء للخيار العسكري رداً عليه إلا أنه لم يحدد من المتسبب في هجوم 11 سبتمبر لكي يقوم حق الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها في مواجهته.
كما يرى جانب كبير من الفقه أن الهجوم المسلح يلزم أن تقوم بتنفيذه دولة، غير أننا انتهينا من قبل إلى أن الراجح أن أعمال الجماعات المسلحة إذا ما بلغت قدراً من الجسامة عدت هجوماًً مسلحاً، غير أنها لا تبيح قيام الدفاع الشرعي بحق دولة ضد أخرى إلا إذا ثبت اضطلاع الدولة الأخيرة بعمل إيجابي واشتراكها الفعلي الجسيم في هذه الأعمال، وإلا فإن تلك الجماعات القائمة بالأعمال الإرهابية تعاقب وفقاً القانون الجنائي الداخلي.
ب- تحمُّل أفغانستان المسئولية عن هجمات 11 سبتمبر:
هل تتحمَّل أفغانستان المسئولية عن هجمات 11 سبتمبر؟
كون أفغانستان مأوىً لتنظيم القاعدة، التي نفذت – وفقاً للولايات المتحدة – هجمات 11 سبتمبر مهددة المصالح الحيوية للولايات المتحدة، هل يحمِّل الدولة الأفغانية المسئولية عن تلك الهجمات؟
تقضي مبادئ القانون الدولة العام أنه إذا ما قامت منظمة إرهابية بهجمات على الدولة أ من داخل الدولة ب، لا يحق للدولة ب أن تقضي على هذه الجماعة داخل الدولة ب، بل كل ما للدولة أ فعله هو إمداد حكومة الدولة ب بالدليل الكافي على تورط تلك المنظمة في الهجمات الإرهابية لتتعامل معها الدولة ب باعتبارها مسألة داخلية.
ومن الصعب أن نرى كيف تسأل دولة أفغانستان عن أعمال تنظيم القاعدة، برغم عدم توفر دليل على مسئولية تنظيم القاعدة عن الهجمات. فحين بدأ الهجوم على أفغانستان لم يكن لدى الولايات المتحدة دليل على ثبوت مسئولية تنظيم القاعدة عن تلك الهجمات، فضلاً عن الدولة التي تؤويه.
وحتى إذا ما افترضنا مسئولية القاعدة عن الهجمات، فسيكون علينا بحث توافر قيام حكومة أفغانستان بممارسة السيطرة الفعلية على تلك الهجمات وذلك وفقاً لمحكمة العدل الدولية في حكمها في قضية نيكاراجوا([473])، وعند تطبيق القاعدة التي أرستها المحكمة في تلك القضية على الحالة التي بين أيدينا، فلن نجد أنه يمكن نسبة المسئولية الدولية إلى أفغانستان لعدم وجود دليل مُبَيَّن على إصدار طالبان لتعليمات محددة للقاعدة لتنفيذ اعتداءات في الولايات المتحدة. وفي المادة الثامنة من مشروع النصوص المتعلقة بمسئولية الدولة (3 أغسطس 2001)، قررت لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة أن مسئولية الدولة عن أفعال جماعات الأشخاص تتوقف على كون تلك الجماعات تعمل بتعليمات أو توجيه أو تحكم من قبل الدولة في تنفيذ الأفعال المعنية، ويصعب القول بأن دولة أفغانستان قد وجهت أو تحكمت في السلوك والعملية المعنيان لعدم وجود دليل على ذلك.
لذا فوفقاً لحكم محكمة العدل الدولية ومواد مشروع لجنة القانون الدولي للمسئولية الدولية لا يمكن نسبة هجمات 11 سبتمبر إلى حكومة أفغانستان.
فكما أسلفنا فإن مجرد انتماء أو وجود الفاعلين غير الدوليين في دولة معينة لن يجعل تلك الدولة مسئولة قانونياً عن الأعمال غير المشروعة للفاعلين من غير الدول. يجب أن يتوفر “رابط حقيقي” بين الدولة والفاعلين من غير الدول ، ويجب أن يكون هناك دليل قوي على “التحكم الفعال” او “السيطرة الشاملة”. ومجرد الدعم أو التسامح من قبل إحدى الدول مع الفاعلين من غير الدول لن يكفي لجذب الإسناد أو الأفعال المضادة إليها وفقاً للقانون الدولي([474]).
ج- توافر قدر من الخطورة لهجمات سبتمبر يبرر شن الحرب على إحدى الدول:
هل كانت هجمات سبتمبر على قدر من الخطورة المبررة لشن الحرب على إحدى الدول؟
برغم تهديد ضربات سبتمبر للمصالح الحيوية الأمريكية، وللهيبة الأمريكية في العالم، إلا أنه من غير المقبول القول بأن فيها ما يبرر تجييش الجيوش لشن حرب شاملة على دولة أخرى، بفرض مسئولية تلك الدولة عن الهجمات، وهو ما لا نجده في حالتنا هذه.
د- توافق توقيت اجتياح أفغانستان مع توقيت حدوث هجمات سبتمبر:
هل توافق توقيت اجتياح أفغانستان مع توقيت حدوث هجمات سبتمبر؟
وهل تحقق له شرط الحلول الذي يتطلب ألا توجد فجوة زمنية بين فعل العدوان وفعل الدفاع؟ لقد بدأ الهجوم على أفغانستان بعد 26 يوماً من حدوث هجمات سبتمبر، وبعد أن انتهت هذه الهجمات، فوفقاً للرأي السائد يكون ما اقترفته الولايات المتحدة بشنها هذه الحرب من قبيل الأعمال الانتقامية المحظورة وفقاً للقانون الدولي. ولكن كون الهجوم قد تم شنه من قبل منظمة إرهابية، يكون الرأي الراجح عندنا أنه إذا ما كان هناك دليل على وجود خطة لتنفيذ هجمات وشيكة كمتابعة للهجوم الذي بدأ بالفعل، يكون الرد حينها دفاعاً شرعياً. ولكن في حالتنا هذه لم تُظهر الولايات المتحدة أي دليل على وجود هجمات وشيكة مخططة كاستمرار لهجمات سبتمبر. ومن ثم يكون الفعل الأمريكي من قبيل الأعمال الانتقامية التي يحظرها القانون الدولي.
هـ- لزوم أو ضرورة الحرب:
هل كان قصف أفغانستان ضرورياً لمنع خطر حال وساحق؟
من غير القابل للجدل أن ما فعلته الولايات المتحدة بأفغانستان لم تكن تبرره ضرورة كون أفغانستان تشكل تهديداً على وجود وكيان الولايات المتحدة، أو أن هجوم سبتمبر لم يكن هناك من سبيل لصده سوى بشن هجوم كاسح على تلك الدولة، ففي الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة بأولى هجماتها العسكرية، لم تكن هناك طائرات حربية أفغانية في طريقها لتدمير أهداف أمريكية، بل إن مجلس الأمن كان قد بدأ بالفعل مناقشة القضية، ولم يكن قد انتهى منها حين قامت الحرب على أفغانستانمما يعني أن الوسائل السلمية لم تكن قد استنفدت بعد؛ حتى أن جورج بوش قد رفض مرتين عرض طالبان بتسليم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة لدولة ثالثة إذا ما قدم دليلاً ضده، وهو ما قبلته الولايات المتحدة بشأن الليبيين مفجري طائرة لوكيربي 1988، فأصر بوش على تسليم بن لادن إلى الولايات المتحدة فوراً وبدون شروط حياً أو ميتاً([475]). مما يحدو بنا للقول بأن تلك الحرب كانت حرباً عدوانية ترتب المسئولية الدولية على عاتق من قام بها، وبعد عشر سنوات من الحرب قامت الولايات المتحدة باغتيال بن لادن وبعض أفراد أسرته بعد أن عرفت مخبأه، دون محاكمة.
و- الدقة في توجيه الولايات المتحدة ردها إلى القائم بهجمات سبتمبر:
هل اقتصر رد الولايات المتحدة على القائم بهجمات سبتمبر؟
من الجلي أن الحرب على أفغانستان لم تقتصر على ضرب المقارّ العسكرية لتنظيم القاعدة، بل امتدت لتشمل كامل الإقليم الأفغاني، رغم تسليمنا بأن دور أفغانستان في هجمات سبتمبر لم يكن أبداً ليصل بجسامته إلى مستوى قيام دولة أفغانستان بشن هجوم مسلح منظم على الولايات المتحدة من جانب قواتها النظامية، وهو الشرط الذي وضعته محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراجوا، فهذا هو ما لم تقدم الولايات المتحدة إلى المجتمع الدولي الدليل عليه لا قبل شن الحرب ولا بعد القيام بها.
ز- توفر شرط التناسب:
هل توفر للحرب على أفغانستان شرط التناسب؟
حتى لو كانت الهجمات الأمريكية مبررة، فلا يجب أن تستخدم القوة لتدمير منشآت عسكرية أفغانية، وأهداف عسكرية أخرى ليست لها صلة بالمنظمات الإرهابية. حيث لم تقتصر الولايات المتحدة على تدمير قواعد الإرهاب بل امتد التدمير إلى البنية التحتية الأفغانية، والمنشآت الخدمية وغيرها، إضافةً إلى قلب نظام الحكم والتدخل السافر في شئون دولة أخرى ومصادرة حق شعبها في تقرير مصيره. فلم يكن هناك ثمة تناسب بين فعل العدوان والرد عليه، فيكون الرد عقلانياً أي متناسباً مع العدوان من حيث النطاق أو الآثار، كما تنسحب عقلانية الرد أيضاً على أهدافه، حيث لا يسمح القانون الدولي بقيام الدولة المعتدى عليها بأعمال عنف لا نهائية، وغير محددة الهدف، أو تهدف لتحقيق نتائج غير ما تدعيه، فمن الضروري مراعاة المبدأ الدولي القاضي بأن يتم ذلك بحسن نية([476]).
وللقول بتوفر شرط التناسب، يلزم أن يكون الخطر المواجَه ذا مصدر غير مشروع، وبالطبع أعمال الإرهاب غير مشروعة، وأن يكون الرد مشروعاً، أي تتوافر له بقية شروط الدفاع الشرعي، وهي التي تغيب في حالتنا هذه، وألا يتعدى أثر الرد إلى إصابات جمة بالمدنيين أو المنشآت المدنية، وقد رأينا كيف نتج عن تلك الحرب قتل الكثيرين من المدنيين الأبرياء، وتدمير التراث الحضاري والبيئي لدولة أفغانستان بما تم شنه من غارات واسعة النطاق على أرضها باستخدام أسلحة عالية التقنية وشديدة الفتك.
ح- إخطار مجلس الأمن على الفور بما تم اتخاذه من إجراءات:
هل تم إخطار مجلس الأمن على الفور بما تم اتخاذه من إجراءات؟
لم ترسل الدول القائمة بالهجوم على أفغانستان إلى مجلس الأمن بتقارير عن كافة ما تم اتخاذه من تدابير، وكيف ذلك وقد تم التدخل اغتصاباً لسلطته، وأثناء نظره القضية.
ط- الالتزام بشرط وقتية أعمال الدفاع:
هل تم الالتزام بشرط وقتية أعمال الدفاع؟
كان من المفترض أن تتوقف الحرب على أفغانستان فور اتخاذ مجلس الأمن لتدابير يكون من شأنها حفظ السلم والأمن الدوليين، وقد تدخل مجلس الأمن عقب هجمات سبتمبر بإصدار القرار 1373 بإدانتها في 28 سبتمبر، ويعد تدخل المجلس مبطلاً للدفاع الشرعي.
كما يفترض أن ينتهي الهجوم فور انتهاء التناسب سواءً من حيث الأسلحة المستخدمة فيه كماً وكيفاً، أو من حيث مدة الهجوم، أو تحقق الهدف منه. وهو ما لم يتم الالتزام به أيضاً.
2- الدفاع الوقائي:
تذرعت الولايات المتحدة بحقها في استخدام القوة ضد أفغانستان توقياً لهجمات إرهابية قد تصدر مستقبلاً، برغم عدم إعلانهم عن علمهم بموعد هذه الهجمات المحتملة في المستقبل. فالولايات المتحدة وبريطانيا قد شنتا حرباً لمنع هجمات لا هي وشيكة الحدوث ولا محددة المصدر، وحتى لم يخطط لها بعد؛ وهو ما لا يتفق والرأي الراجح في تفسير المادة 51 الذي يشترط وقوع هجوم مسلح فعلي نولا حتى الرأي المرجوح القائل بأن المادة 51 تسمح بالعمل العسكري في مواجهة هجوم وشيك الوقوع شرط كونه حالاً وداهماً، وما من خيار آخر للرد عليه. وبذا لا تكون حرب أفغانستان تطبيقاً للدفاع الوقائي وفقاً لشروط الكارولينا في القانون الدولي العرفي([477]) قبل حوالي قرنين من الزمان.
وهكذا ينتفي الحق في الدفاع الشرعي والدفاع الوقائي في تكييف هذه الحرب، ويتبقى أن نرى ما إذا كان صدر قرار من مجلس الأمن بتفويض الولايات المتحدة وحلفائها استخدام القوة في أفغانستان، ومن ثم يضفي الصبغة القانونية على هذه الحرب..
3- تفويض مجلس الأمن:
ادعت الولايات المتحدة أن مجلس الأمن قد فوض القيام بهذه الحرب إلى الولايات المتحدة وقوات التحالف بموجب القرار رقم 1368 لسنة 2001، والقرار رقم 1378، والقرار رقم 1373.
ويرد على هذا الادعاء بأن المبدأ العام في الميثاق بالحل السلمي للنزاعات يستنتج منه ما يلي:
- أن التفويض الضمني من قبل مجلس الأمن باستخدام القوة غير محبذ عامةً.
- أن التفويض الصريح يفسر تفسيراً ضيقاً لمنع الدول من تفسير مضمونه بما يتعدى النوايا الواضحة لمجلس الأمن.
- أن التفويض ينتهي بتحقيق أهداف العملية التي من أجلها صدر([478]).
كما أن القرار 1368 الصادر في 2001، وإن كان يعترف بالحق الأصيل في الدفاع عن النفس، إلا أن ممارسة هذا الحق لا تتطلب الموافقة المسبقة لمجلس الأمن، واعتراف القرار بذلك الحق لا يتضمن تفويض الولايات المتحدة استخدام القوة ضد أي كان وأفغانستان بالتحديد. إضافةً لأنه قد صدر في اليوم التالي مباشرة لهجمات 11 سبتمبر، ولم يكن من الممكن حينها نسبة الهجمات إلى أي كيان، ومن ثم التفويض باستخدام القوة ضده. كما أن القرار لم يشر إلى الفصل السابع من الميثاق.
أما القرار 1378 فلم يصدر وفقاً للفصل السابع أيضاً، ونظراً لأن التفويض باستخدام القوة ينبغي أن ينبنى على أساس معقول من القانون، فلا يمكن اعتبار هذا القرار متضمناً لثمة تفويض مثل هذا.
وقرار مجلس الأمن رقم 1373 لسنة 2001، والذي يتعلق بتمويل الإرهاب، جاءت صياغته مماثلة لصياغة القرار 1368 في عموميتها، ولم تعترف صراحةً للولايات المتحدة بالحق في استخدام القوة ضد دولة أو دول بعينها رغم صدوره وفقاً للفصل السابع من الميثاق.
وجليٌّ أن مجلس الأمن لم يوافق على استخدام الولايات المتحدة للقوة، ولم يخولها ذلك في مواجهة أفغانستان أو غيرها من الدول، في أي من قراراته آنفة الذكر، كما لم يعتبر – في أي من تلك القرارات – أن شروط ممارسة الدفاع الشرعي وفقاً للمادة 51 قد توفرت.
4– التدخل بناء على دعوة Intervention by Invitation:
ادعت الولايات المتحدة أنها قد تدخلت بناءً على طلب من حكومة أفغانستان التي تعترف بها (التحالف الشمالي) ، وذلك استناداً إلى حكم محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراجوا.
ويرد على ذلك بأن الحق في عدم التدخل هو أحد حقوق السيادة الثابتة في القانون الدولي، ولخرق مثل هذا المبدأ – وفقاً للقانون العرفي – يجب أن تصدر دعوة عن الحكومة الفعلية Effective Government وذلك وفقاً لحكم محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراجوا، وإذا ما كان التدخل يتضمن استخداماً للقوة لزم إخطار مجلس الأمن – كشأن أي استخدام للقوة سوى الدفاع الشرعي.
ومما لا شك فيه أنه فيما قبل هجمات السابع من أكتوبر العسكرية، لم تصدر دعوة للتدخل من قبل حكومة كابول الفعلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية. إضافةً إلى أنه إبان الهجمات العسكرية الأمريكية، لم يكن للتحالف الشمالي السيطرة الفعلية على أفغانستان، ومن ثم لم يكن يشكل الحكومة الفعلية في ذلك الوقت، بل كانت طالبان هي صاحبة السيطرة الفعلية.
وهكذا فحتى وإن كان التحالف الشمالي قد طلب من الولايات المتحدة التدخل فإنه لم يكن الحكومة الشرعية ولا الفعلية ذي ذلك الوقت. ووفقاً لحكم قضية نيكاراجوا يجب أن تقوم الحكومة الشرعية بطلب المساعدة الخارجية.
5- التدخل الإنساني Humanitarian Intervention:
يمكن أيضاً للولايات المتحدة أن تدعي الاستناد إلى لحق في التدخل الإنساني الأحادي الجانب وفقاً للقانون الدولي العرفي، والسوابق الدولية، للقيام بهذه الحرب، لا سيما وقد تعللت بالدعم الشعبي الأفغاني لتدخلها.
ورداً على هذا الادعاء نقول أنه لا يمكن للحرب الأمريكية الاستناد إلى التدخل الإنساني لأن هذا المبدأ لا يقوم على أسس ثابتة في القانون الدولي. فحتى ولو أقررنا بإمكانية وجود حق عرفي في التدخل الإنساني في القانون الدولي، يجب أن يتوافر له شرطان:
أولاً: يجب أن يكون الموقف قهرياً وملحاً وذي جوانب إنسانية شديدة الخطورة وفي حاجة لنجدة فورية مع عدم وجود أي بديل عملي للتدخل. وفي حالتنا هذه لم يصل الموقف الإنساني، بأي حال، لهذا الحد، فمعدل حقوق الإنسان الذي تتمتع به الشعوب يختلف من شعب لآخر بناءً على الخلفية الاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية لكل دولة. وحين تدخلت الولايات المتحدة في أفغانستان لم يكن هناك بلاغ شعبي لها عن وجود إبادة جماعية على سبيل المثال. ومن ثم فمن الواضح الجلي أن أهداف التدخل الأمريكي هناك لم يكن من بينها إغاثة الملهوف.
ثانياً: يجب أن يوافق مجلس الأمن على أي استخدام للقوة فيما عدا الدفاع الشرعي، وفي الحالة الماثلة لم تكن هناك موافقة من مجلس الأمن على التدخل لأهداف إنسانية أياً كان سببه.
وحتى إذا وافقنا على زعم الحكومة الأمريكية بدعم الشعب الأفغاني لتدخلها، فإن هذا سيظل متعارضاً مع قاعدة حظر استخدام القوة ومبدأ عدم التدخل. ووجه الخطورة في هذا أنه ينطوي على مخالفة صريحة لقاعدة آمرة في القانون الدولي ألا وهي حظر استخدام القوة أو التهديد بها. وهي قاعدة آمرة لا يمكن تحديها بناءً على أسس رخوة غير متفق عليها من قبل كامل الجماعة الدولية. فليس بالإمكان تخطي قاعدة آمرة لا من خلال العرف أو العمل أو السوابق، فالقواعد الآمرة ذات قيمة معيارية عليا لا تتأثر بالمخالفات أو الانتهاكات لها. والعرف وحده لا يمكنه تعديل قاعدة آمرة كما انتهينا في الفصل السابق.
المطلب الثاني:
حجج وأسانيد الغزو الأمريكي للعراق وتفنيدها
لقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية حرباً وقائية ضد العراق في العشرين من مارس 2003 مدعيةً أن هذا الأخير، ومنذ توقفت أنشطة المفتشين الدوليين عام 1998، قد قام باستئناف الأنشطة التسليحية التي تتضمن مساعيه نحو إنتاج وامتلاك أسلحة الدمار الشامل، مما يمثل، وفقاً للولايات المتحدة الأمريكية انتهاكاً منه لقرارات الأمم المتحدة([479]). غير أنها قد قدمت العديد من الحجج الولسونية لشنها هذه الحرب مثل مواجهة الإرهاب الدولي، ونشر الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان، وصيانة حقوق الأقليات، إضافةً إلى تدمير أسلحة الدمار الشامل لدى العراق([480])، ونتعرض فيما يلي للحجج والمبررات الأمريكية، والرد عليها.
1- انتهاك العراق للشرعية الدولية:
تذرعت الولايات المتحدة في شنها للحرب على العراق بحجة عدم التزام العراق بالشرعية الدولية وعدم تنفيذه لقرارات مجلس الأمن الصادرة بشأنه، وبخاصةً القرارات التالية:
القرار رقم 707، والذي طالب العراق بالكشف عن برامج الأسلحة والسماح للمفتشين الدوليين التابعين للأمم المتحدة بالوصول إلى المواقع المفترض أن يعملوا بها، وإنهاء إخفاء المواد المحظورة وفقاً للقرار 687. والقرار رقم 715، والذي وضع خطط للمراقبة المستقبلية على الأسلحة العراقية، وتردد العراق في قبوله، وهو يضع العراق تحت وصاية دائمة، ويجعل العراق خاضعاً للعقوبات الاقتصادية بصفة مستمرة، وإلى أمد غير محدد. والقرار 1441، وهو القرار الذي أعطى للعراق مهلة للتخلص من أسلحة الدمار الشامل، وإلا فسيكون عليه مواجهة عواقب وخيمة. وقد فسرته الولايات المتحدة على أنه يلزم العراق بأن يقدم كل المعلومات المتصلة برامجه في إنتاج وتطوير وتخزين أسلحة الدمار الشامل، وأي نقص في المعلومات أو معلومات غير صحيحة تشكل خرقاً مادياً للقرار يستوجب الرد، وفسرت الولايات المتحدة هذا القرار بأنه يبيح لها استخدام القوة ضد العراق، فبأي منطق إذاً حاولت الحصول على قرار جديدٍ من مجلس الأمن يجيز لها اللجوء للقوة. وهذا بالإضافةً إلى القرار 1373 الخاص بالإرهاب الدولي، علماً بأن قرار مجلس الأمن رقم 1373 ليس خاصاً بالعراق بل هو قرار عام، وبالتالي فإن تحديد ما إذا كان قد وقع من العراق خرق لهذا القرار هي مسألة تدخل في اختصاص المنظمة الدولية.
وهذا برغم أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والأنموفيك قد دلت على التعاون العراقي.
2- عجز الأمم المتحدة عن مواجهة التهديد العراقي
ادعت الولايات المتحدة أن الأمم المتحدة لم تعد في وضع يسمح لها بمواجهة التحديات الحالية، فقد أضحت من الضعف بحيث تعجز عن مواجهة تحديات العصر، وتحدث الكثيرون من مؤيدي السياسات الأمريكية عما أسموه “موت الأمم المتحدة”، وقد رأوا بالتالي أن تحل الولايات المتحدة محلها وتقوم بوظائفها كما حدث حال حرب العراق.
3- تحرير الشعب العراقي، ونشر الديمقراطية في العراق:
قالت الولايات المتحدة، على لسان جورج بوش، أن الحرب على العراق كان من أهدافها الإطاحة بنظام صدام القمعي، ذلك النظام الذي انقلب عدواً بعد أن كان صديقاً يحارب إيران لحساب الولايات المتحدة، وكانت الأخيرة تمده بالأسلحة الفتاكة طوال هذه الحرب([481]). فالحرب كما زعموا قد استهدفت القضاء على انتهاكات حقوق الإنسان، وخاصة في ظل السجل الدامي للرئيس صدام حسين والمذابح التي ارتكبها، فالحرب من وجهة نظرهم كان الهدف منها تحرير الشعب العراقي من قبضة نظام غاشم، ونشر الديمقراطية في العراق، ومنها إلى باقي دول المنطقة تحقيقاً للرسالة الكونيةالتي ادعتها الولايات المتحدة لنفسها([482]).
لقد ادعت الولايات الأمريكية أن بوسعها شن الحرب على العراق من أجل تغيير النظام الحاكم غير الديمقراطي بها، وهذه الحجة مرفوضةٌ بالكلية، إذ لا يحق هذا للأمم المتحدة، ولا لأي دولة أخرى منفردة في ضوء المادة 2/4، وسبل التعامل مع مثل تلك الأنظمة من قبل المجتمع الدولي لا تتضمن الحرب بمكان([483]).
كما أن الولايات المتحدة كانت قد تذرعت في غزوها لبنما بعدم شرعية نظام Noriega، وكانت هناك إدانة عالمية لفعل الولايات المتحدة، وبينما رأت دول معينة أن هذه الحكومة كانت بالفعل غير شرعية، فقد ظهر هناك رفض عام لادعاء الولايات المتحدة أن هذا يعطيها الحق في اللجوء الأحادي للقوة واجتياح البلد([484]).
4- تشكيل العراق لتهديدٍ للسلم والأمن الدوليين بسبب امتلاكه لأسلحة دمارٍ شامل:
اتخذت الولايات المتحدة في حربها ضد العراق شعاراً براقاً هو الدفاع عن الجماعة الدولية وفرض احترام القانون الدولي، منصبةً من نفسها حكماً في نزاع هي فيه الخصم. خاصةً وأنه بعد هجمات 11 سبتمبرزاد الشعور المريكي بخطر أسلحة الدمار الشامل، خاصةً إذا ما وصلت لأيدي الإرهابيين الذين صار بإمكانهم الوصول إلى مواقع استراتيجية بالغة الأهمية بأسلحتهم فماذا إذا كانت في حوزتهم أسلحة دمار شامل([485]). ومع ذلك فإن حفظ السلم والأمن الدوليين هي مهمة مجلس الأمن الدولي، وتدخل ضمن اختصاصه المانع، إذ يملك وحده سلطة التفويض باستخدام القوة لحفظ السلم والأمن الدوليين.
ومن الواضح من نتائج غزو العراق أن نظام صدام حسين لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل، ومن باب أولى لم يكن لديه النية لاستخدام هذه الأسلحة، إذ لم يفعل ذلك حتى في مواجهة ظروف عصيبة كالقتل على نطاق موسع، وكل التدمير الذي أحدثه غزو الحلفاء([486]).
5– علاقة العراق بالإرهاب:
وقد استنبطت الولايات المتحدة هذه العلاقة من حادثة محاولة اغتيال أمير الكويت، وكذا الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في الكويت في 1993، إضافةً إلى إعلان حكومة صدام دعمها لأحداث 11 سبتمبر، والدعم العراقي لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية الإرهابية، ودعم العراق للمنظمات الإرهابية الفلسطينية (المقاومة)، وتقديم أموال لعائلات الانتحاريين (الاستشهاديين) الفلسطينيين لتشجيع العنف ضد إسرائيل، كل هذا غير لجوء عدد من قادة منظمة القاعدة إلى الأراضي العراقية ومثال هذا إيواء أبي مصعب الزرقاوي أحد قادة تنظيم القاعدة، وأيضاً إيواء أبي نضال المتهم بأعمال إرهابية ضد إسرائيل ، ووجود معسكرات تدريبية للإرهابيين داخل العراق([487])، إلى جانب الخوف من تصدير العراق للإرهاب إلى خارج الحدود.
ويظهر هنا التعسف الأمريكي في الربط بين العراق والإرهاب الدولي، والخلط بين منظمات المقاومة الفلسطينية المشروعة ضد الاحتلال والمنظمات الإرهابية، إضافةً إلى أنه لم تثبت صلة النظام العراقي بمنظمة الزرقاوي التي ادعت الولايات المتحدة صلته بها، وهناك الكثير من الأدلة على ذلك، حيث يوجد اختلاف عميق في الأفكار والمنطلقات الفكرية والسياسية بين الطرفين، إضافةً إلى أن “معسكرات المنظمة – المفترضة – كانت ضمن منطقة الحكم الذاتي الكردي، ولم يكن هناك تواجد للقوات العراقية فيها، كما أن تحديد الولايات المتحدة وبريطانيا لخطوط الطول التي يمنع على الطيران العراقي التحليق خارجها، كانت تشكل مانعاً قوياً من تحقيق قدرة العراق على تدمير معسكرات هذه المنظمة”([488]).
6– تفويض مجلس الأمن باستخدام القوة نظراً لانتهاك العراق للشرعية الدولية:
لقد رأت الولايات المتحدة في تردد العراق في قبول بعض قرارات مجلس الأمن، وتلكؤه في تنفيذ بعضها مؤكداً أنه قد نفذ جميع التزاماته الدولية، ومتمسكاً بضرورة رفع العقوبات المفروضة عليه، ما يشكل انتهاكاً للشرعية الدولية.
ولكن انتهاك الالتزامات الدولية لا يبرر اللجوء لاستخدام القوة. ففي قضية مضيق كورفو 1949 رأت محكمة العدل الدولية أن أعمال ألبانيا قد انطوت على خرق لالتزاماتها الدولية، ولكن هذا وحده لا يبرر استخدام القوة المسلحة من قبل المملكة المتحدة ضد ألبانيا([489]).
غير العراق حين رأى أن هذا الموقف قد يساعد الولايات المتحدة على الحصول على تأييد دولي للحرب عليه، أعلنت الحكومة العراقية في السادس عشر من سبتمبر 2002 قبولها غير المشروط لعودة مفتشي الأسلحة الدوليية. وكان هذا – كما نرى – سابقاً على صدور القرار 1441 في 8 نوفمبر 2002.
ولم يكن العراق يشكل – حتى بفرض امتلاكه أسلحة دمار شامل، وهو ما ثبت عكسه بعد الحرب – أي تهديدٍ للولايات المتحدة أو أي دولة أوروبية. لذا فقد واجه توني بلير معارضة برلمانية كبيرة في لندن للاشتراك في الحرب الأمريكية ضد العراق بزعم امتلاك الأخير لأسلحة دمار شامل استناداً إلى عدم قيام العراق باستخدام أسلحة دمار شامل في حربه ضد الكويت في 1991، تقديراً لعاقبة هذا بعد تلقيه إنذاراً أمريكياً بالضرب بالقنابل النووية إذا ما حدث منه هذا، أي أن الردع وحده كان يكفي مع صدام. ثم بادر العراق بتدمير معظم ما لديه من أسلحة دمار شامل بعد تشكيل لجنة UNSCOM للتفتيش ونزع أسلحة الدمار الشامل، وما تبقى منها قد دمرته اللجنة، وحتى إذا افترضنا أن العراق كان يمتلك المزيد من الأسلحة وقام بإخفائها، فإن الخبراء البريطانيين قرروا أن الأسلحة البيولوجية لها مدة صلاحية تصل لثلاث سنوات للأسلحة البيولوجية وخمس للأسلحة الكيميائية، وهذه المدد كانت قد انتهت قبل بدء الحرب
وأخيراً فإنه لم يكن في مقدور العراق إنتاج المزيد من أسلحة الدمار الشامل لتدمير كافة مصانع إنتاجها بالفعل([490]).
أما الولايات المتحدة فقد تعللت بأنها ترى أن القرار 1441 يخولها استخدام القوة ضد العراق، غير أن التفسير الأقرب للقرار لا يسمح لها باستخدام القوة، ومن الواضح أن هذا ما كان يراه الأمريكيون في البداية حين حاولوا حث مجلس الأمن على استصدار قرار آخر يبيح للولايات المتحدة شن الحرب على العراق.
7- حالة الضرورة للتصدي لخطر عراقي محتمل مباشرٍ أو عن طريق وكلاء:
وهو ما تتضمنه عقيدة بوش، والتي عبر عنها بجلاء في خطابه في ويست بوينت في يونيو 2002، حيث نفى صلاحية استراتيجيات الردع والاحتواء للأخطار الحالية، زاعماً أن الأخطار الجديدة تتطلب تفكيراً جديداً([491]). كما زعم في أكثر من مناسبة كون العراق يشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي وللسلم والأمن الدوليين، تحت رئاسة ديكتاتور مجنون يمكنه شن هجوم في أي وقت باستخدام أسلحة الدمار الشامل التي بحوزته، سواءً بنفسه أو عن طريق نقلها سراً إلى الجماعات الإرهابية.
استندت الولايات المتحدة في شنها للحرب على العراق إلى حالة الضرورة التي أوجدها فيها التهديد العراقي. والعراق بدون شك لم يكن يشكل تهديداً بخطر داهم وحالٍّ أو حتى قصير الأجل على الولايات المتحدة يتطلب منها الدفاع عن نفسها تحسباً له([492]).
ونرد على ذلك بأن حالة الضرورة تثار إذا تعرضت الدولة لخطر جسيم يهدد وجودها وكيانها ذاته، ولا يكون لإرادتها دخل في حدوثه، ولا يكون أمامها من سبيل للتصدي له إلا بالاعتداء على دولة أخرى([493]). كما لا يجوز التمسك بحالة الضرورة إلا بعد استنفاد الوسائل السلمية([494]). وفي المادة 33 من مشروع لجنة القانون الدولي حول “المسئولية الدولية” اشترطت اللجنة استبعاد حالة الضرورة بالكلية في حالات عدة منها “أن تتعارض مع قاعدة آمرة”، وهي هنا قاعدة تحريم استخدام القوة([495]).
8- الدفاع الوقائي عن النفس أو الاستباق:
ويعد هذا هو التبرير “القانوني” الأساسي الذي قدمته الولايات المتحدة للحرب على العراق، إذ أنها في حربها على العراق لم تتوفر لها شروط الدفاع الشرعي وفقاً للمادة 51 من الميثاق من حيث ضرورة وقوع هجوم مسلح فعلي وكاسح من الخطورة بحيث يجعل الدفاع في مواجهته لازماً وضرورياً. بل إن البعض يقول أن العراق في حالتنا هذه هو من كان في حالة دفاع إثر تعرضه للعديد من العقوبات الاقتصادية، وبخاصةً بعد ديسمبر 1998، حين قامت الولايات المتحدة بتنفيذ سلسة هجمات جوية كثيفة على العراق عقاباً له على عدم التزامه بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وذلك وفقاً بالمبدأ العام في القانون الدولي القاضي بأنه لا دفاع ضد الدفاع.
وتعتمد نظرية الدفاع الوقائي على الاكتفاء بمجرد التهديد بالهجوم لتبرير الدفاع دون اشتراط للوقوع الفعلي للهجوم المسلح، ولكن حتى الدفاع الوقائي عند أنصاره يستلزم وجود تهديد بهجوم وشيك، وهو ما لا نجده في الحالة العراقية، ولكن الولايات المتحدة توسع من مفهوم الدفاع الوقائي بحيث يسمح لها بالقضاء على مصادر الخطر دون تيقن من موعد أو مكان الهجوم القادم، وما إذا كان قريباً أو بعيداً. بحيث تعتبر تهديداً كل دولة تمتلك القدرة على الحصول على أسلحة مميتة، ومن الواضح غموض هذا المفهوم وتغلب اعتبارات القوة والهيمنة والمصلحة عليه.
ومن الجلي هنا انتفاء الفورية عن الخطر العراقي إذا قلنا بوجود مثل ذلك الخطر. مما كان يوجب على الولايات المتحدة اللجوء إلى الأمم المتحدة للقيام بتدابير الأمن الجماعي، كما أن أعضاء مجلس الأمن قد رأوا انتظار التقارير التهائية حول التجاوب العراقي مع القرارات الدولية. وبالتالي لم يتوافر الشرط العرفي للكارولينا القاضي “بعدم وجود الوقت الكافي للجوء إلى المنظمة الدولية”. ولم يصدر تهديد عراقي بالعدوان على الحكومة الأمريكية، مما يعني أن الخطر العراقي عليها – إن كان له من وجود – لم يشكل خطراً حالياً حتمي الوقوع، بل مجرد خطر مستقبلي محتمل أو متوقع([496]).
كما لا يرى معظم المتابعون أي تناسب بين نطاق الهجوم على العراق وأي تهديد قد يكون العراق قد شكله على الولايات المتحدة، فقد كان الهجوم الأمريكي هو الأعنف في عصرنا الحالي، وتسبب في تدمير شامل للحياة، والبنية التحتية، وحتى النظام الصدامي([497]).
ويقودنا هذا إلى اختبار صلاحية المفهوم الأمريكي للدفاع الوقائي، من خلال عرض الأسانيد الأمريكية للفعل الوقائي، ثم الرد عليها:
يعتقد الأستاذ Yoo، المستشار السابق للرئيس بوش، أن ظهور الدول المارقة ، والإرهاب الدولي، وسهولة الحصول على أسلحة الدمار الشامل قد وضعت قيداً كبيراً على القواعد الواضحة لنظام الميثاق. وهو يؤكد على أنه “يجب أن يحكم معيار أكثر مرونة استخدام القوة دفاعاً عن النفس، معيار أقل تمحوراً حول الحلول الزمني temporal imminence ويركز أكثر على أهمية الضرر المتوقع و”احتمال” وقوع هجوم مسلح. وهو أيضاً يرى أنه إذا ما اضطرت دولة للانتظار حتى يصير التهديد بالفعل وشيكاً بالمضمون الزمني الذي رآه السيد Webster – صاحب الصياغة الأشهر لمعايير الكارولينا – فإن هناك خطراً كبيراً في أن تفقد فرصة صغيرة في منع ضرر ممتد يلحق بالمدنيين([498]).
ولكن الولايات المتحدة كانت على استعداد لتوجيه ضربة وقائية، حتى ولو لم تكن متأكدة من التوقيت أو المكان الذي سيقع فيه الهجوم؛ استباقاً لما يمكن أن يشكل مستقبلاً تهديداً محتملاً لها([499])، حيث لم تحارب الولايات المتحدة هنا استباقاً لهجوم مخطط مؤكد الوقوع، بل استباقاً لتهديد قد تشكله العراق مستقبلاً.
وعلى هذا الأساس تحاول الولايات المتحدة وفقاً لعقيدة بوش، ولاستراتيجيتها للأمن القومي في 2002 استخدام القوة ضد من يحاول حيازة القدرات العسكرية.
ويُرد على هذا بأن فكرة الاستباق هذه تحظى بأغلبية معارضة بين مفكري القانون الدولي؛ حيث ترى هذه الأغلبية أن الاستباق يخرق المبادئ الجوهرية للقانون الدولي. فمحور الميثاق هو حظر استخدام القوة، والتي يجب أن تستخدم فقط إذا ما كانت هناك ضرورة ملحة لذلك، وإذا ما تم استنفاذ جميع الوسائل السلمية. واستخدام القوة دفاعاً عن النفس هو استثناء على الحظر العام ويجب ألا يتوسع في تفسيره([500]).
ويرى الأستاذ Greenwood أن الحديث عن مبدأ لـ”الاستباق” يقصد منه الإشارة إلى حق واسع في الرد على التهديدات، التي قد تتشكل في وقت ما مستقبلاً. لذا فهو لا يعتقد بوجود أساس من القانون لمثل هذا المبدأ([501]).
وفي الاستشارة القانونية التي قدمها لرئيس الوزراء آنذاك توني بلير، يقول المحامي العام اللورد Goldsmith: أنه يجوز أن تستخدم القوة للدفاع عن النفس إذا ما وُجد هجوم حقيقي أو “تهديد وشيك” بهجوم مسلح؛ بحيث يجب أن يكون اللجوء إلى القوة حتمياً، وأن تشكل القوة المستخدمة استجابة مناسبة Proportionate. وهو يؤكد أن الولايات المتحدة تجادل من أجل اعتراف بمبدأ يتسع إلى الحق في استخدام القوة لاستباق خطر مستقبلي. وبهذا الشأن يرى أنه إذا كان ذلك يحمل مضموناً أوسع من الرد المناسب على هجوم حالّ – مقراً بأن ذلك المبدأ إنما يحمل تلك الدلالة – فإن هذا المبدأ، وفقاً لرأيه، ليس موجوداً ولا معترفاً به في القانون الدولي([502]).
ويرى الأستاذ Byers أن مبدأ بوش في الاستباق لا توجد له أية سوابق حيث يدعي وجود حق في اتخاذ أعمال استباقية مواجهةً لأخطار احتمالية ومستقبلية. وهو ليس إلا وسيلة للقضاء على الأنظمة ذات الخطورة قبل صيرورتها أخطاراً حالّة. ومن الجلي أن هذا غير مشروع قانوناً([503]).
إن حجج الدفاع “الاستباقي”عن النفس ليست مقنعة وتبدو فكرة “الاستباق” واسعة جداً ومحفوفة بمخاطر تتعلق بقبولها كعرف قانوني دولي. إن استخدام القوة المسلحة لمنع الدول من اكتساب إمكانات من المحتمل أن تشكل تهديداً لدولة مستهدفة، أو للسلم والأمن الدوليين في المستقبل، كما يلمح الأستاذ Wedgwood واستراتيجية الأمن القومي الأمريكي 2002، لهو أساس رخو (فضفاض)، ويمكن للعديد من المواقف الموجودة حالياً أن تثير مثل هذا الفعل. فيمكن للدول العربية أن تتحد لتهاجم إسرائيل لبنائها ترسانتها النووية أو لأنها تشكل تهديداً متنامياً للدول الإسلامية في المنطقة. وكذا البرنامج النووي الإيراني يمكن أن يخول إسرائيل، إذا لم تكن الولايات المتحدة، أن تهاجم وتدمر القدرات النووية الإيرانية. ويمكن للهند أن تهاجم باكستان لأن باكستان تساند حركات التحرر الكشميرية، ولأن برنامجها النووي خاص بالهند بالأساس. وكل هذا بالطبع سيشكل خرقاً للسلم والأمن الدوليين طالما كان أساسه هو الاستباق([504]).
ويرى الكثيرون أن فكرة الاستباق هذه تعتبر عالية التكلفة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن خلق سابقة من هذا النوع يخلق نوعاً من البلبلة في النظام القانوني الدولي يؤثر سلباً على المصالح الأمريكية، والقول بالاستباق يصعب من حصولها على التأييد الدولي لأفعالها، كما أنه يضعف من صورتها التي جهدت في رسمها كنصير للديمقراطية في العالم، كما أنه لا حاجة قانونية لإقرار مبدأ الاستباق([505]).
ووفقاً لـ Myra Williamson فإن هناك إجماعاً عاماً بين المحامين الدوليين على أن استخدام القوة ضد العراق في 2003 كان عملاً غير قانوني، وذلك بالنظر إلى الهدف الظاهر منه وهو القضاء على احتمال قدرة العراق على الحصول على، واستخدام أسلحة الدمار الشامل([506]).
المبحث الرابع:
التكييف القانوني للغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق
ونعرض هنا للمبادئ القانونية ذات الصلة، نتبعها بمحاولة التكييف القانوني للحربين الأمريكيتين على أفغانستان ثم العراق.
المطلب الأول
المبادئ القانونية ذات الصلة
1- مبدأ الحل السلمي للنزاعات الدولية:
لقد جعل ميثاق الأمم المتحدة من هذا المبدأ مبدأً أساسياً، وفرض الالتزام به على جميع أعضاء المجتمع الدولي نظراً للارتباط الوثيق بين هذا المبدأ وأهداف ومبادئ الميثاق الأخرى. وقد ورد هذا المبدأ في الميثاق في المادة الأولى الخاصة بمقاصد الهيئة وأهدافها، والمادة الثانية المتضمنة للمبادئ الحاكمة للعلاقات الدولية، والفصل السادس الذي اختص ببيان آليات وطرق الحل السلمي للنزاعات الدولية، مما طبع على هذا المبدأ الصفة القانونية الإلزامية كونه أحد القواعد الرئيسية التي يتأسس عليها البناء القانوني الدولي([507]).
2- مبدأ حظر اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية:
ورد هذا المبدأ في ميثاق الأمم المتحدة في المادة 2 فقرة 4 وانتهينا في الفصل السابق أن هذا المبدأ يشكل بحق قاعدة قانونية دولية آمرة لا يجوز لدولة أو لمجموعة من الدول انتهاكها، أو الاتفاق على مخالفة أحكامها، وتترتب عليها المسئولية الدولية إذا ما فعلت، ويكون سلوكها مشكلاً لجريمة دولية.
ويحتل هذا المبدأ مكانة مركزية ويتمتع بأهمية قصوى بين مبادئ الميثاق وفي إطار النسق القانوني الدولي العام بكامله([508]).
3- مبدأ حظر التدخل في الشئون الداخلية للدول:
يعد حظر اللجوء إلى القوة أحد مظاهر هذا المبدأ. ويقوم التدخل على عنصرين: عنصر ذاتي يتمثل في الاعتداء على الحقوق المتفرعة عن السيادة لدولة ما، وعنصر موضوعي هو الإكراه كشكل يتخذه التدخل.
ووفقاً لنص الفقرة 7 من المادة الثانية من الميثاق: “ليس في هذا الميثاق ما يسوغ “للأمم المتحدة” أن تتدخل في الشئون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع”. فهذا المبدأ رغم تعلقه ظاهرياً بمنظمة الأمم المتحدة إلا أنه ينطبق من باب أولى على الدول الأعضاء بها كنتيجة منطقية لتساويهم في السيادة، وتمتع جميع شعوبهم بالحق في تقرير المصير بدون تدخل خارجي، وانطباق مبدأ حظر اللجوء إلى القوة على جميع الدول في علاقاتها الدولية.
وقد ورد التأكيد على حظر التدخل الخارجي في العديد من قرارات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها قرارات الجمعية العامة رقم 2131 في 21 ديسمبر 1965 بشأن حظر التدخل، والقرار رقم 2625 في مبدأه الثاني الخاص بـ “تحريم التدخل في الشئون التي تكون من صميم الولاية الوطنية لدولة ما وفقاً للميثاق”، والقرار رقم 1514 المتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها، والقرار رقم 2734 الخاص بـ “تعزيز الأمن الدولي”، والقرار رقم 31/91 الخاص بـ “عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول”، والقرار رقم 34/103 بشأن “تحريم سياسات الهيمنة في العلاقات الدولية”، وغيرها من القرارت. كما نص على مبدأ عدم التدخل في العديد من مواثيق المنظمات الإقليمية، كما في ميثاق جامعة الدول العربية م 8، وميثاق الدول الأمريكية م 15 و16. كما أيده القضاء الدولي كما يتبين من حكمي محكمة العدل الدولية في قضيتي مضيق كورفو 1949، ونيكاراجوا. كما جعله مشروع حقوق وواجبات الدول الذي أعدته لجنة القانون الدولي من الواجبات الأساسية للدول (م3). وبهذا يكون التدخل محظور في القانون والعرف الدوليين([509]).
4- مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها:
لقد بدأ إدماج مبدأ تقرير المصير في القانون الوضعي مع حركة تصفية الاستعمار بدايةً من القرن الثامن عشر. فأكد عليه كل من إعلان استقلال الولايات المتحدة، ومبادئ الثور ةالفرنسية، وكذا انتفاضة المستعمرات الأسبانية، إضافةً إلى الثورات في البلقان للاستقلال عن الامبراطورية العثمانية، وتضمنته أيضاً نقاط ويلسون الأربعة عشرة، ومعاهدات الصلح عقب الحرب العالمية الأولى.
كما يعتبر هذا المبدأ من مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة، وتضمنته العديد من قرارات الجمعية العامة كأحد المبادئ الملزمة للقانون الدولي العام، وواحداً من أهم الحقوق القانونية للإنسان والشعوب، وفي مقدمتها: القرار رقم 1514 بشأن تصفية الاستعمار الصادر في 14 سبتمبر 1960، والقرار 2625 بتاريخ 24 أكتوبر 1970 والذي نص في مبدأه الخامس على أنه “لجميع الشعوب بمقتضى مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها، المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة، الحق في أن تحدد بحرية، ودون تدخل خارجي مركزها السياسي، وفي أن تسعى بحرية إلى تحقيق النماء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وعلى كل دولة واجب احترام هذا الحق وفقاً لأحكام الميثاق”، والقرار 1413 في 12 ديسمبر 1958 حول “حق الشعوب في تقرير مصيرها يشمل السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية”، والقرار 2158 في 25 نوفمبر1966. كما نص على مبدأ حق تقرير المصير باعتباره حقاً إنسانياً أساسياً في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 في المادة الأولى: “لجميع الشعوب حق تقرير المصير، وطبقاً لهذا الحق تقرر الشعوب وضعها السياسي بحرية، وتعمل بحرية على تحقيق تطورها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”([510]).
المطلب الثاني:
التكييف القانوني للغزو الأمريكي لأفغانستان
قال البعض بعدم مشروعية الحرب ضد أفغانستان لأنها لم تكن لها صلة بهجمات 11 سبتمبر تأسيساً على أن نظام طالبان الذي كان يحكمها نظام غير شرعي لا تتحمل دولة أفغانستان المسئولية عن أفعاله، غير أن مسئولية هذه الدولة عن الهجوم إنما تقع على عاتق حكومتها الفعلية أو الواقعية وهكذا كانت طالبان، وذلك إذا ما ثبتت صلة طالبان الفعلية الإيجابية الكبيرة بالهجوم فحينئذ تعتبر أفغانستان قد ارتكبت عدواناً عسكرياً غير مباشر على الولايات المتحدة([511]).
ولكن إذا لم تثبت الصلة الفعلية بين طالبان وتنظيم القاعدة، وثبت تنظيم الأخير لهجمات سبتمبر، فهل يحق للولايات المتحدة ضرب قواعد القاعدة في أفغانستان أو أي دولة أخرى؟ وهل يسمح القانون الدولي بشن غارات عسكرية على دول أجنبية بغرض استهداف القائمين بأعمال العنف السياسي؟
من أهم السوابق فيهذا الصدد ما فعلته إسرائيل بقواعد الفدائيين الفلسطينيين في شتى البلدان. ونذكر هنا الغارة التي شنها الطيران الإسرائيلي على مقر منظمة التحرير الفلسطينية داخل الأراضي التونسية في 1985. حيث ادعت إسرائيل آنذاك أمام مجلس الأمن أن تونس – إذ سمحت باستخدام أراضيها كقواعد للإرهابيين – قد أضحت هدفاً مشروعاً لعمل عسكري إسرائيلي ضدها، بما يتناسب والأضرار الواقعة على إسرائيل، وتلك المتوقعة مستقبلاً. غير أن مجلس الأمن قد أصدر قراره بهذا الصدد بأغلبية 14 صوتاً وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، وندد فيه بالعدوان الإسرائيلي على تونس، وأيد طلب تونس في التعويض، كما طالب إسرائيل بالامتناع مستقبلاً عن مثل هذه الأعمال. مما يوضح أن المجلس كان حاسماً في التأكيد على عدم مشروعية العدوان الإسرائيلي([512])، كما أن عدم استخدام الولايات المتحدة لحقها في النقض في هذه الحالة هو اعتراف منها بفداحة الفعل الإسرائيلي.
وقد خالفت الحرب على أفغانستان العديد من مبادئ القانون الدولي، فبالإضافة إلى مخالفتها لمبادئ الحل السلمي للنزاعات الدولية، وحظر التدخل في الشئون الداخلية للدول، ومبدأ حق تقرير المصير، وحظر اللجوء للقوة في العلاقات الدولية، دون أن تتوفر لها شروط استثناء الدفاع الشرعي كما أوضحنا من قبل، فإن الحرب على أفغانستان لم تراعِ قواعد القانون الدولي الإنساني، حيث نتج عنها إلحاق الأذى الجسيم بالمدنيين والمنشآت المدنية، كما استخدمت فيها أسلحةً محظورةً دولياً، كل هذا غير المعاملة المجحفة لأسرى الحرب.
فلقد تم قتل وإصابة أعداد كبيرة من المدنيين في تلك الحرب. كما تم تدمير العديد من المنشآت المدنية والعمائر والمساجد، فقد دمر مسجد سلطانبور على رءوس المصلين في جلال آباد، ولم تسلم حتى المواقع التابعة للصليب الأحمر من الهجمات. كما جاءت القنابل العنقودية على رأس الأسلحة المحظورة التي استخدمت في هذه الحرب، وقد اعترف مسئولون أمريكيون باستخدام القنابل العنقودية، وعلى حد قول الجنرال Richard Myers قائد الأركان المشتركة، في 25 أكتوبر 2002 في بيان صحفي: “كما قلنا آنفاً، فإننا سنستخدم كامل ترسانة أسلحتنا التقليدية، و … نعم، لقد استخدمنا وحدات من القنابل العنقودية”([513]). ويكمن الخطر الكبير من القنابل العنقودية في أن بقاياها تصير كألغام أرضية تنفجر في المدنيين بعد الحرب إلا أنها لا تحرمهم من أطرافهم فحسب كما تفعل الأغام، بل تصيبهم في مقتل.
وقد نصت اتفاقية جنيف الرابعة، والبروتوكول الأول على حماية المدنيين والمنشآت المدنية أثناء النزاعات المسلحة. وينبغي وفقاً لهما أن يميز أطراف النزاع المسلح بين المدنيين والمقاتلين، وفي حالة استخدام القنابل العنقودية يكون هذا التمييز من الصعوبة بمكان حيث لا يمكن تحديد وقت انفجارها أو بقاياها بدقة، فحتى لو تم ذلك التمييز عند إلقاء القنابل العنقودية فلا يمكن أن يمتد إلى آثار تلك القنابل.
كما أن الولايات المتحدة قد نقلت العديدين أثناء الحرب إلى القاعدة العسكرية الأمريكية في جوانتانامو بكوبا، وقامت بتعذيبهم على نحو يخالف ما جاءت به اتفاقية جنيف الثالثة حول كيفية التعامل مع أسرى الحرب. وقد ادعت الولايات المتحدة أن أسرى جوانتانامو ليسو سوى مقاتلين غير شرعيين، لتخرج في خصوصهم عن الالتزام بقواعد اتفاقية جنيف الثالثة. ولكن هذا الموقف من الولايات المتحدة لا يتفق واتفاقيات جنيف للعديد من الأسباب:
أولاً: أن الولايات المتحدة ليس لها أن تصنف في مجموعة واحدة جميع المحتجزين إثر النزاع الأفغاني خارج نطاق أسرى الحرب، فهذا التصنيف يجب أن يجرى على أساس فردي ومن قبل محكمة مختصة.
ثانياً: وفقاً للقانون الدولي الإنساني، هناك افتراض أن كل مقاتل مقبوض عليه أسير حرب ما لم يتقرر غير ذلك.
ثالثاً: من غير الصحيح القول أن اتفاقيات جنيف لا تحمي سوى أسرى الحرب، بل إن جميع المحتجزين في إطار نزاع مسلح، ومنهم من نعتتهم الولايات المتحدة بـ”المقاتلين غير الشرعيين” يتمتعون بمستوى ما من الحماية طبقاً لاتفاقيات جنيف.
كما ادعت الولايات المتحدة أن أعضاء القوات المسلحة لطالبان لا يتمتعون بوصف أسرى الحرب لأن طالبان لم تكن الحكومة المعترف بها لأفغانستان. والحق أن اتفاقيات جنيف لا تتطلب لتطبيقها وجود حالة حرب رسمية بين دولتين، بل إن كل ما تتطلبه هو وجود نزاع مسلح، وهو ما لا يتطلب اعترافاً من كل دولة بالأخرى.
نخلص من جميع ما سبق إلى أن الحرب الأمريكية على أفغانستان حربٌ غير قانونية، وهي ليست دفاعاً شرعياً، وتكيف قانوناً على أنها عمل مُجَرَّم من أعمال الانتقام، أو حرب وقائية غير مشروعة، مما يرتب المسئولية الدولية تجاه أفغانستان على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في هذه الحرب.
المطلب الثالث:
التكييف القانوني للغزو الأمريكي للعراق
إذا ما حاولنا تطبيق مبادئ القانون الدولي على الحرب الأمريكية البريطانية على العراق نجد الآتي:
1- انتهاك مبدأ الحل السلمي للنزاعات الدولية:
لقد حاولت الولايات المتحدة الحصول على قرار من مجلس الأمن يجيز لها اللجوء للقوة المسلحة ضد العراق وفشلت في استصدار مثل هذا القرار إلا أن هذا لم يمنعها من استخدام القوة المسلحة وشن حرب ضد العراق انتهاكاً للالتزام بحل المنازعات بين الدول بالطرق السلمية المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، والعديد من قرارات الأمم المتحدة 2625، 2734، وديباجة القرار 3314 الخاص بتعريف العدوان.
حيث كان النزاع مع العراق وقت لجوء الولايات المتحدة الأمريكية للحرب ضد العراق مطروحاً ما يزال أمام منظمة الأمم المتحدة ممثلة في الكيان الرئيسي بها وهو مجلس الأمن. ومن ثم فقد كان لهذه المنظمة الأهلية والصلاحية لإدارة هذا النزاع بمختلف مراحله دونما شريك، ابتداءً بالتوصية بالحل السلمي، وهو ما حدث حين اعتمد مجلس الأمن آلية التفتيش الدولي على الأسلحة العراقية في قراره رقم 1441، مروراً بتعيين الطرف المسئول عن إفشال الحل السلمي، وهي المسئولية التي لم يكن مجلس الأمن قد اتهم العراق بتحملها بهذا الوصف قبل بدء الحرب، وانتهاءً باتخاذ التدابير العقابية في حال ما إذا تحققت هذه المسئولية في جانب أحد الأطراف، وهو الدور الذي قامت به الولايات المتحدة بدلاً عن انتظار قرار مجلس الأمن بهذا الشأن منصبة من نفسها خصماً وحكماً بل وشرطياً بصدد هذا النزاع([514]).
2- انتهاك مبدأ حظر اللجوء للقوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية:
لم تكتف الولايات المتحدة بمخالفة هذا المبدأ الوارد في أسمى وثيقة دولية بتهديدها العراق كل حين باستخدام القوة ضده، بل لقد انتهكت الحرب الأمريكية على العراق التحريم الوارد بنص المادة 2 فقرة 4 من الميثاق بعناصره الثلاثة:
فقد انتهكت الوحدة الترابية لإقليم دولة العراق، والتي لا تقبل قانوناً، مثلها مثل غيرها من الدول ذات السيادة، الاحتلال أو الضم أو التقسيم. كما انتهكت الاستقلال السياسي للعراق بتغيير النظام السياسي لها بالقوة من قبل تدخل خارجي دون أي اعتبار لسيادة تلك الدولة. كما تعارضت تلك الحرب مع أهداف ومقاصد الأمم المتحدة وفي مقدمتها هدف حفظ السلم والأمن الدوليين بما أدت إليه من اضطرابات داخلية تهدد بتجاوز حدود العراق إلى غيرها من دول الجوار، إضافةً إلى ما أحدثته من توتر في المنطقة حيث يخشى الكثيرون من امتداد تأثير الاضطرابات الداخلية التي سببتها الحرب على أمن واستقرار دول الجوار (سوريا وإيران وتركيا) ([515]).
ولم تكن في انتهاكها لهذا المبدأ الذي يشكل قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي مستندةً إلى ضرورة الدفاع الشرعي. فشروط ممارسة حق الدفاع الشرعي لا تنطبق البتة على حالة الحرب العراقية. حيث لم يتحقق شرط وقوع الهجوم المسلح من العراق على من قام بالهجوم عليها، كما لم تتحقق شروط الدفاع الوقائي وفقاً للقائلين به من فقهاء القانون الدولي.
3- انتهاك مبدأ حظر التدخل في الشئون الداخلية للدول:
تعتبر الحرب الأمريكية على العراق نموذجاً للتدخل بشقيه الذاتي، حيث أدت إلى الإطاحة بالنظام العراقي، والموضوعي حيث تم التدخل بشكل مباشر باستخدام القوة المسلحة([516]).
4- انتهاك مبدأ الحق في تقرير المصير:
لقد نتج عن الحرب على العراق مصادرة حق الشعب العراقي في اختيار النظام السياسي الذي يمثله بعدما أطاحت قوات الاحتلال بالنظام السياسي في العراق، كما حرمت الحرب الشعب العراقي من الحق في التحكم في ثروات أرضه الطبيعية، والنفطية منها على وجه الخصوص، بالشكل الذي يضمن له الرفاهية والتقدم الاقتصادي.
فقد أرادت الولايات المتحدة السيطرة على النفط العراقي، ففرضت حمايتها على وزارة النفط العراقية وحدها دون الوزارات والمصالح الحكومية الأخرى، كما أصدر الكونجرس قراراً بحرمان الشركات التي تنتمي للدول التي لم تشترك في الحرب من الحصول على عقود الإعمار وبالأساس عقود امتيازات التنقيب عن النفط، واستخراجه، وتسويقه إلى الأسواق العالمية، وتحديث البنية التحتية في العراق([517]).
5- خرق مبادئ القانون الدولي الإنساني وقوانين المنازعات المسلحة:
انطوت هذه الحرب على انتهاك سافر لقوانين المنازعات المسلحة، وعلى رأسها اتفاقيتي لاهاي 1899، 1907 لقوانين الحرب، واتفاقية جنيف الأولى لتحسين حالة الجرحى والمرضى في القوات المسلحة في الميدان، واتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، واتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب بتاريخ 12 أغسطس 1949، واتفاقية لاهاي لسنة 1945 لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة، واتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة لسنة 1980 وبروتوكولاتها الثلاث لسنة 1983.
استخدمت الولايات المتحدة في حربها ضد العراق قنابل غازية وعنقودية وانشطارية يصل وزن بعضها إلى عشرة أطنان، فضلاً عن أن مدى تأثيرها وأضرارها غير محدد، ومكوناتها غير معلومة، كما لم تفرق في حربها بين مدنيين وعسكريين، إذ أن القنابل العنقودية تضر بالمدنيين أكثر من العسكريين بما تتركه من مخلفات قابلة للتفجر لمدة طويلة. أضف إلى ذلك معاملة الولايات المتحدة غير الإنسانية للأسرى، ورفض الاعتراف لهم بوضع أسرى الحرب أو إعطائهم حقوقهم القانونية الدولية وفقاً لنصوص اتفاقية جنيف الثالثة لأسرى الحرب 1949 (المواد 4-20). كل هذا إلى جانب النهب والسلب تحت غطاء مشروعات إعادة الإعمار، غير تخريب المتاحف العراقية وسرقة آثارها([518]).
ونخلص مما سبق إلى أن السند الوحيد لهذه الحرب ليس قانونياً بل سياسي عسكري بالأساس هو مبدأ بوش الجديد القائم على الاستباق والضربات الوقائية، وهي نظرية للحرب تتعارض مع قواعد الشرعية الدولية، ومع المصلحة الدولية المشتركة في تمتع جميع الدول بالسلم والأمن([519]).
6- التصرف الأحادي دون تفويض من مجلس الأمن:
انفردت الولايات المتحدة باتخاذ قرار شن الحرب ضد العراق مع حلفائها، ولم تبال بكون قرار مجلس الأمن 1441 لم يفوضها اللجوء للقوة ضد العراق. فبعد فشل محاولتها استصدار قرار آخر يخولها اللجوء للقوة ضد العراق، قررت التصرف بأحادية منصِّبةً من نفسها شرطياً على العالم، ومقللةً من شأن مجلس الأمن باغتصاب مهامه، مستهينةً بمنظمة الأمم المتحدة، وإرادة الجماعة الدولية ككل.
7- شن حرب عدوان على العراق:
وبمخالفة هذه الحرب للقواعد القانونية آنفة الذكر تكون حرباً عدوانية بلا جدال، حيث نصت المادة الأولى من قرار تعريف العدوان رقم 3314 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 ديسمبر 1974 على أن: “العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق منظمة الأمم المتحدة وفقاً لنص هذا التعريف”. ونصت المادة الثالثة على ما يلي: “المبادأة باستعمال القوة من قبل دولة أخرى ما خرقاً للميثاق تشكل بنية كافية مبدئياً على ارتكابها عملاً عدوانياً، وإن كان لمجلس الأمن أن يخلص إلى أنه ليس هناك ما يبرر الحكم بأن عملاً عدوانياً قد ارتكب في ضوء ملابسات أخرى وثيقة الصلة بالحالة، بما في ذلك أن تكون التصرفات محل البحث أو نتائجها ليست ذات خطورة كافية”. وإن كان لزاماً على مجلس الأمن إذا ما توافرت الأركان المادية للعدوان أن يصدر قراراً بوجود هذا العدوان، وقراره في هذه الحالة سيكون كاشفاً لحدوث العدوان وليس منشئاً له. بينما اعتبرت المادة الخامسة حرب العدوان جريمة ضد السلام العالمي يترتب على مقارفتها المسئولية الدولية، وكرست مبدأ عدم شرعية اكتساب الأراضي أو نيل مزايا خاصة من جراء هذا العدوان، وعدم جواز الاعتراف بآثار العدوان، وعدم جواز قبول أي تبرير للعدوان سياسياً كان أم اقتصادياً أم عسكرياً. وعملت المادتين 6 و7 على تأكيد استثناءي الدفاع عن النفس والحق في تقرير المصير([520]).
لقد جمعت الولايات المتحدة في حربها ضد العراق بين أهداف عدة منها التجارة وحماية حقوق الإنسان والتحرير والديمقراطية كما تراها، ما يذكرنا بعبء الرجل الأبيض الذي قام به عبر الحروب الاستعمارية([521]). وعلى حد قول عبد الله تركماني فإن الحرب على العراق هي تكرار شبه حرفي للحروب الاستعمارية في القرون الغابرة، والتي شنت كلها تقريباً تحت اسم “تمدين الشعوب المتأخرة”([522])، حتى أن الولايات المتحدة هي الأخرى قد أطلقت على تلك الحرب اسم “حرية العراق”.
المطلب الرابع:
المسئولية الدولية عن خرق القواعد الملزمة للقانون الدولي
تعتبر المسئولية الدولية هي الجزاء المعتاد ضد أي خرق لقواعد القانون الدولي. وقد ميزت لجنة القانون الدولي بين الجنح الدولية والجرائم الدولية ، فعرفت الجريمة الدولية بأنها “كل خرق لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية لصيانة المصالح الأساسية لجماعة الدولية، والتي يعتبر خرقها جريمة دولية بالنسبة لهذه الجماعة في مجموعها”. وأشارت لجنة القانون الدولي إلى أمثلة على الالتزامات الدولية التي يعتبر خرقها جريمة دولية، هي:
“أ- كل انتهاك خطير لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية لحفظ السلم والأمن الدوليين، كالالتزام بتحريم العدوان
ب- كل انتهاك خطير لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية بالنسبة إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها، كالالتزام بتحريم فرض سيطرة استعمارية أو استمرارها بالقوة.
جـ- كل انتهاك خطير لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية بالنسبة إلى الشخص الإنساني، كالالتزامات التي تحرم الاسترقاق وإبادة الأجناس والتمييز العنصري.
د- كل انتهاك خطير لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية بالنسبة إلى حماية البيئة الإنسانية والحفاظ عليها، كالالتزامات التي تحرم التلويث الشامل للجو والبحار.”
كما أشارت لجنة القانون الدولي في مشروعها لتقنين الجرائم ضد سلام وأمن البشرية لعام 1954 في المادة الثانية، إلى أنه “يعتبر جريمة دولية ضد سلام وأمن البشرية: كل عدوان يتضمن استخدام سلطات الدولة قواتها المسلحة ضد دولة أخرى لأغراض غير الدفاع الشرعي الوطني أو الجماعي أو تنفيذاً لقرار أ توصية هيئة مختصة من هيئات الأمم المتحدة”. ولقد اعتبر الفقيه روبرتو أجو، أنه حال وقوع انتهاك كالمشار إليه، يكون لكافة دول العالم، وليس فقط الدولة المتضررة مباشرةً، الحق في إثارة المسئولية الدولية([523])
المبحث الخامس:
نتائج الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق
والمواقف والتداعيات الإقليمية والدولية
أولاً: نتائج الغزو الأمريكي لأفغانستان:
أدت الحرب الأمريكية على أفغانستان إلى تدمير البنية التحتية الأفغانية، وقتل أعداد كبيرة من المدنيين بها، وتدمير العديد من المنشآت المدنية وتدمير البيئة الأفغانية، وتغيير نظام طالبان، على حين زادت وتيرة الاضطرابات الطائفية بعد الحرب، ولم يتم القبض على أسامة بن لادن، ولم ينته وجود تنظيم القاعدة في أفغانستان، بل انتشر في العديد من البلدان الأخرى، فلقد زادت حرب العراق، كما اعترف مسئولون أمريكيون من أنصار القاعدة حول العالم زيادة كبيرة([524]).
أما على صعيد الأهداف الأمريكية المتحققة من هذه الحرب فمنها: تعزيز الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى، حيث انتشرت القواعد العسكرية الأمريكية في العديد من دول المنطقة([525])، وتهديد إيران بالوجود قربها، والسيطرة على منطقة كانت خاضعة من قبل للسيطرة الروسية، والاقتراب من شبه القارة الهندية، وتهديد دول المنطقة المحيطة([526])، إضافةً إلى التخلص من نظام الحكم الطالباني الأصولي لأفغانستان.
وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، حظيت الولايات المتحدة عامةً بتعاطف كبير مع أفعالها فيما بعد 11 سبتمبر، أو للدقة يمكننا القول أنها لم تحظ بهذا الصدد بمعارضة دولية عالية الصوت. غير أن هذا لم يمنع بعض الدول من رفضها للحرب على أفغانستان حيث أعلنت الصين الشعبية رفضها للضربات التي وجهتها الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده ضد أفغانستان([527])، وكذا ماليزيا وغيرهما من الدول.
ثانياً: نتائج الغزو الأمريكي للعراق:
لم تستطع الولايات المتحدة، حتى بعد قيامها بالحرب على العراق إيجاد دليل على علاقة النظام العراقي بتنظيم القاعدة، كما كشفت الحرب عن زيف الادعاء الأمريكي بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل بعد أن أثبتت خلوه منها، وهو ما كانت تعلمه أمريكا مسبقاً، مما ينفي أن يكون هناك خطر عراقي عليها. ولم تقم الولايات المتحدة ديمقراطية حقيقية بالعراق، بل سعت لإيجاد نظام حكم خاضع للمصالح الأمريكية وليس مصالح الشعب العراقي، كما صارت العراق قاعدة للقوات الأمريكية في المنطقة([528]). بقي أن نقول أن المقاومة العراقية قد أذهلت الولايات المتحدة وشكلت عقبة في طريق تقدمها في تحقيق أهدافها، وأن الخلافات الطائفية في العراق قد اشتعل أوارها في أثر الحرب الأمريكية. كما أن قوات الاحتلال قد تلكأت في القيام بمسئولياتها وفقاً لقرارات مجلس الأمن، أو لم تلتزم بها أصلاً. إضافةً إلى التكلفة الاقتصادية العالمية للحرب، والتي أثقلت كاهل الموازنة المالية للولايات المتحدة، وتراجع صورة الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي خاصةً، وعلى الصعيد الدولي عامةً([529]).
وتعد أبرز الأهداف الأمريكية المتحققة من الحرب: سيطرة الولايات المتحدة على نفط العراق، والذي يكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لها حيث يساعد على إنعاش اقتصادها المتدهور الذي تنعشه الحروب نظراً لكون اقتصاداً حربياً بالأساس، كما يعوض النقص الكبير في الاحتياطيات الاستراتيجية من النفط، ويشكل ورقة ضغط ذات أهمية كبرى في فرض الهيمنة الأمريكية الاقتصادية على العالم، كما يقطع الطريق على منظمة الأوبك فلا يمكنها محاولة رفع أسعار النفط بما يلحق الضرر بالمصالح الأمريكية أو استعمال النفط كسلاح في مواجهة الولايات المتحدة.
ومن أبرز نتائج الحربين على أفغانستان والعراق فشل عملية إعادة الإعمار في البلدين سواءً على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني.
أما عن المواقف الإقليمية والدولية من الحرب على العراق فنلخصها فيما يلي:
فقد اتخذت هيئة الأمم المتحدة موقفاً ضعيفاً وثانوياً من هذه الحرب، ووقفت منها موقف المغلوب على أمره، ومجلس الأمن لم يُدِن الحرب، وأصدر بعدها عدداً من القرارات منها: القرار رقم 1472 يتناول المسئولية لحماية ضحايا الحرب، ثم أصدر قرارات تنظم الأوضاع في العراق بعد الاحتلال، وقرارات خاصة بالإعمار والمقاومة، فأصدرالقرار 1483 الخاص برفع العقوبات، والقرار 1490 المتعلق باستمرار ولاية بعثة الأمم المتحدة للمراقبة، والقرار 1500 بإنشاء بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق، والقرار 1511 في 16 أكتوبر 2003 لإدانة الأعمال الإرهابية (المقاومة)، والقرار 1546 الذي ركز على إنهاء الاحتلال اعتباراً من 30 يونيو 2004، وتشكيل حكومة انتقالية.
وقد قامت الولايات المتحدة بالحرب بصورة يمكننا أن نطلق عليها انفرادية حيث عبرت الأجهزة الإقليمية والدولية التالية عن موقف متفاوت معارض لهذه الحرب: البرلمان الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلنطي، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز، والفاتيكان.
أما عن مواقف الدول من حرب العراق فقد تأثرت باعتبارات عديدة سياسية ومصلحية، فأصرت فرنسا وألمانيا والصين وروسيا أن نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة يمكن التوصل إليه باستخدام آلية المراقبة والتفتيش الدولي([530]). كما كان لإسرائيل دور جوهري في دفع هذه الحرب وتأييدها.
حيث لم تكتف إسرائيل بتزويد الولايات المتحدة في هذه الحرب بأسلحة من صنعها، بل ساهمت في تدريب المارينز على حرب المدن، والتدريب على مواجهة الاستشهاديين. ولا يخفى أن أشد الداعين للحرب تعصباً في الولايات المتحدة هم من أصدقاء إسرائيل من مثل ريتشارد بيرل، والذي كان يشغل أيضاً مدير الصحيفة الإسرائيلية جيروالم بوست([531])، إضافةً إلى بول وولفويتز، ودافيد وورمسر، ودوجلاس فايث، وغيرهم الكثيرون([532]).
وقد قامت بريطانيا بالتأييد الكامل والاشتراك، واضعةً الأولوية للتحالف الاستراتيجي بينها وبين الولايات المتحدة، وقد أعرب بلير عن اعتقاده بأن نظام صدام حسين وما ادُّعي من حيازته لأسلحة دمار شامل يشكلان تهديداً خطيراً على الأمن الغربي والعالمي. كما كانت بريطانيا شأنها شأن الولايات المتحدة طامعةً في نفط العراق([533]).
وقد شاركت بريطانيا بما يقدر بحوالي 42 ألف جندي من قواتها البرية والبحرية والجوية، فضلاً عن حشدها نحو 100 طائرة مقاتلة “تورنيدو وجاجوار” عملت من على متن حاملة الطائرات آرك رويال ومن بعض القواعد الجوية في الخليج وتركيا([534]).
أما روسيا فقد أصرت على مطالبتها برفع العقوبات المفروضة دولياً على العراق منذ 1991. ([535]) ورفضت فكرة الحرب ضد العراق لأنها لم تجد لها مبرراً، حيث لم يقدم أي دليل واضح على امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ونتيجة الحرب لن تكون في صالحها حيث سيقام إثرها نظام حكم موال للولايات المتحدة يعزز هيمنتها، كما ستسيطر الشركات الأمريكية على النفط العراقي مما سيضر بالاستثمارات الروسية في هذا القطاع، وستقل فرصة روسيا في استرداد ديونها من العراق بسبب الصفقات العسكرية بين البلدين وفوائد هذه الديون. لذا لم ترغب موسكو أصلاً في إصدار قرار جديد من مجلس الأمن بخصوص عودة المفتشين حيث لم تر حاجة له، ولكنها وافقت في النهاية على صدور القرار 1441 حتى تقطع على الولايات المتحدة الطريق كيلا تتذرع بعجز المجلس وتشن الحرب على العراق، وإن كان هذا لم يمنعها من شن تلك الحرب.
أما عن فرنسا وألمانيا والصين فقد اتخذت مواقف موافقة مع تحفظات على العمل الانفرادي الأمريكي بعيداً عن الأمم المتحدة، فقد امتنعت فرنسا منذ البداية عن المشاركة في مراقبة منطقتي الحظر الجوي المفروض على العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا منذ 1991 دونما قرار من مجلس الأمن. ولم تقدم الدعم للمعارضة العراقية كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا، واقترحت فرنسا (في إطار تأكيدها على أهمية العمل الدولي الجماعي من خلال مجلس الأمن) خطة من مرحلتين تقضي أولاً بإصدار قرار من المجلس يوجه إنذاراً للعراق معطياً مهلة زمنية قصيرة لعودة المفتشين بدون شروط، وتنفيذ القرارات السابقة للمجلس، وثانياً إذا لم يقبل العراق القرار، يتخذ المجلس قراراً آخر بتحديد وسائل الرد على الرفض العراقي، آخذاً في الاعتبار إمكانية استخدام الوسيلة العسكرية. ونجحت فرنسا في الحيلولة دون صدور قرار يتضمن وفقاً لرغبة واشنطن بنداً يسمح بالاستخدام التلقائي للقوة دون الرجوع لمجلس الأمن([536]).
والسبب في اختلاف الرؤى الأمريكية والأوروبية هو محاولة دول الاتحاد الأوروبي مقاومة الأحادية والهيمنة الأمريكية، والرفض الشعبي الأوروبي للحرب على العراق، إضافةً إلى المخاوف من تأثير الحرب على المصالح التجارية والاقتصادية التي تربطهم بالعراق.
أما الصين فقد أعربت عن رغبتها في أن يتم حل المشكلة العراقية من خلال مجلس الأمن بلا أحادية، مفضلة تجنب استخدام القوة العسكرية ولكن بدون أن توجه تحدياً إلى الولايات المتحدة يهدد مصالحها الاقتصادية في الأسواق الأمريكية([537]).
وجاءت مواقف الدول العربية كما هي العادة مواقف غير متجانسة بين التأييد والاشتراك والتطبيق الداخلي لحرب الإرهاب. فقد استقبلت الكويت قوات التحالف على أرضها، وقدمت لهم جميع التسهيلات اللازمة لغزو العراق. أما الموقف الوحيد المؤيد للعراق بوضوح تام وبلا تحفظ فكان هو موقف سوريا ولبنان، لإدراك سوريا أنها الدولة المرشحة لتكون التالية للعراق. فوافقت سوريا على القرار رقم 1441 بعد أن تأكدت من أنه لا يضفي الشرعية على أي حرب على العراق، وقاومت صدور أي قرار يجيز مثل هذه الحرب، كما دعا الرئيس بشار الأسد في القمة العربية الحاضرين إلى الامتناع عن تقديم أي تسهيلات للغزاة. وفي مصر اتجه خطاب الرئيس المصري إلى تحميل الرئيس العراقي صدام حسين عاقبة الحرب الموجهة ضد بلده وشعبه، مع الحرص على إظهار رفض هذه الحرب من خلال جامعة الدول العربية([538]). وأظهرت الدول الإسلامية تأييداً غالباً. على حين توصلت القمة العربية والإسلامية لقرارات ترفض تماماً الحرب الأمريكية على العراق، كما ترفض تقديم أية مساعدات للقوات الأمريكية في هذه الحرب. ولكن واقع تعاون العديد من تلك الدول مع الأمريكيين في حربهم ضد العراق كشف مقدار التناقض بين الموقف الرسمي لهذه البلدان وقدرتها على مواجهة الولايات المتحدة بالفعل([539]).
أما عن المجتمع المدني الدولي والعربي والإسلامي: فقد اتسم بالرفض الكامل والاحتجاجات، والدعوات للمقاطعة والجهاد، والاتفاق على التنديد بهجمات سبتمبر والإرهاب عامةًً.
وفي ختام هذا الفصل يتضح لنا أن مبدأ بوش المسمى بـ “الاستباق”، والذي أباح للولايات المتحدة على أساسه شن حروب على غيرها من الدول قبل أن تعتدي عليها أو تهددها أو حتى قبل أن تمتلك القدرة على القيام بعمل عدواني ضدها، هذا المبدأ هو مبدأ سياسي لا يتطابق مع أي مبدأ في القانون الدولي العرفي والاتفاقي المعاصر.
ومن دراستنا للحربين على أفغانستان والعراق اتضح لنا جلياً كيف كانت الأهداف الأمريكية منهما تزيد بكثير على مجرد الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي إلى أهداف سياسية واقتصادية واستراتيجية امبيريالية.
ومن ثم كانت النتيجة الطبيعية لهذا ألا تبالي الولايات المتحدة بمبادئ القانون الدولي، وتخالف في حربيها هاتين مبادئ بالجملة لعل أبرزها مبدأ الحل السلمي للنزاعات الدولية، ومبدأ حظر اللجوء للقوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية.
وخلصنا إلى اعتبار الحربين الأمريكيتين على أفغانستان والعراق حربي عدوان ترتبان المسئولية الدولية على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية.
وعرضنا للتداعيات الخطيرة لهاتين الحربين، ولعل من أهمها على الصعيد الدولي خلق السابقة في خرق قانون استخدام القوة بدعوى الاستباق أو الدفاع الوقائي، وهو ما أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لشن حربها على لبنان في 2006، مقدمةً نفس المبررات الأمريكية.
إن موافقة البعض على الحرب على أفغانستان على أساس الاتفاق في الأهداف والغايات بين طالبان والقاعدة في أفغانستان لا تعتبر مبرراً يجيز هذه الحرب وفقاً للقانون الدولي، وهي الحرب التي لم تتوفر لها شروط الدفاع الشرعي سواءً طبقنا القراءة الضيقة أو الواسعة للمادة 51 من الميثاق، كما لم تحقق، حتى لو فرضنا جدلاً أنها مبررة شروط الحرب العادلة كما أرساها توماس الأكويني([540])، في حين أن احتلال العراق لم يحظ بالقبول في دوائر واسعة في أنحاء العالم كونه مبنياً على محض افتراضات لم تثبت صحتها، ولم يستند لأي تفويض دولي صريح أو ضمني، ولم تتحقق له شروط أي مبدأ قانوني معترف به([541]).
لكل ذلك أجدني في ختام هذا الفصل أردد مع عبد الرحمن الظاهري أن “استخدام بعض الدول غير المشروع للقوة، بدعوى الدفاع الشرعي الوقائي، يعدّ من قبيل الأعمال الإرهابية، التي تمارسها الدولة”([542])، وخاصةً إذا ما تم في مواجهة من لا يملك الرد بالمثل.
الخاتمة:
منذ أعلن جورج بوش الابن مبدأ الاستباق وتبناه، وشن حربين على أفغانستان 2001، والعراق 2003، مستنداً إلى الدفاع الوقائي كمبرر احتياطي للأولى، وأساسي للثانية، تبارت الآراء بين مهاجم لهذا المبدأ استناداً إلى المبادئ الراسخة في القانون الدولي، ومدافعٍ عنه بمحاولة ردّه إلى إحدى قواعد القانون الدولي بإحياء مبدأ الدفاع الوقائي العرفي، مع توسيع نطاقه، والتخفف من بعض قيوده وشروطه.
وفي سبيل تبيُّن موقف الدفاع الوقائي في القانون الدولي المعاصر، للحكم على مشروعية الأعمال التي استخدم في تبريرها، تتبعت هذه الدراسة التطور في القانون الدولي لاستخدام القوة من إباحة الحرب إلى محاولات تقييدها، وصولاً إلى الحظر التام لاستخدام القوة.
فقد وضعت الحضارات القديمة في بابل والصين واليونان ومصر القديمة بعض قواعد السلوك للالتزام بها أثناء الحروب فيما تطور فيما بعد ليشكل القانون الدولي الإنساني، ثم جاءت الديانات السماوية، وتمت التفرقة بين الحروب العادلة وحروب الظلم والعدوان، وأرست الشريعة الإسلامية أسساً لمشروعية الحرب، وحصرتها في حالات محددة، ووضعت العديد من الضوابط، وأوجبت الالتزام بها أثناء سير الحروب المشروعة.
وقد صاحب تطور فكرة الدفاع الشرعي تطور مبدأ تحريم العدوان، وكانت هناك العديد من المحاولات لتقييد حق اللجوء إلى الحرب قبل نشأة الأمم المتحدة تمثلت أساساً في عهد عصبة الأمم والعديد من المعاهدات السابقة والتالية له.
ثم جاء ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، فحظر تماماً كل استخدام للقوة أو تهديد بها في العلاقات الدولية، كما ورد بالمادة 2 فقرة 4، مع استثناءات ضيقة أهمها الدفاع الشرعي.
والحق في الدفاع الشرعي، وإن لم يختلف كثيراً في طبيعته ولا في جوهره في القانون الدولي المعاصر عنه في القانون الدولي التقليدي، إلا أن شروطه صارت أكثر تحديداً، وقد قيدت بنص ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51. فقد أرسى القانون الدولي التقليدي شروطاً للدفاع الشرعي تتمثل في الحلول والضرورة والتناسب، لكن الغموض قد شاب مفهوم الدفاع الشرعي في ذلك الوقت، وتشابك مع مصطلحات أخرى كالمحافظة على النفس ومبدأ الضرورة. أما القانون الدولي المعاصر، فاشترط في العدوان أن يكتسب وصف الهجوم المسلح البالغ حداً من الجسامة، سواءً صدر عن دولة أو جماعات مسلحة بشرط نسبة أعمالها إلى دولة مضيفة، واشترط في الدفاع الحلول، والضرورة بحيث لا يكون ثمة سبيل لصد الهجوم المسلح سوى باستخدام القوة المسلحة، والتناسب بين الأعمال المتخذة للدفاع الشرعي والخطر المواجه، وتوجيه أعمال الدفاع إلى مصدر الخطر، والإخطار الفوري لمجلس الأمن بالتدابير المتخذة دفاعاً عن النفس، والتوقف فور اتخاذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.
أما الدفاع الوقائي، فيعتبر مبدأً حديثاً نسبياً، حيث يستمد أساسه من كتابات الفقيه جروشيوس في القرن السابع عشر. ثم وضع دانييل وبستر الصياغة التقليدية لمعاييره في 1842، ومع اعترافنا بأن القانون الدولي التقليدي كان يسمح سابقاً باتخاذ “التدابير الوقائية” لمواجهة تهديدٍ حالّ توقياً لنتائجه الضارة حال تحوله إلى هجوم فعلي، إلا أنه كان في ذلك الوقت يسمح أيضاً باللجوء إلى الحرب باعتبارها إحدى أدوات السياسة القومية للدول، وفضلاً عن ذلك فإنه لا يوجد ثمة دليل على أن هذا كان النظر السائد في الثلاثين سنة السابقة على وضع ميثاق الأمم المتحدة، ولا في وقت إقراره، حيث لم يكن هناك تواتر في الممارسة الدولية يستنتج منه وجود تنظيم قانوني للدفاع الوقائي، وبالتالي فلا يمكن أن يكون واضعو الميثاق قد قصدوا أن يتضمن الدفاع الشرعي تلك التدابير الوقائية حين أكدوا فيه عدم المساس بالحق “الأصيل” في الدفاع عن النفس، فعهد العصبة لم يسمح للدول باللجوء إلى الدفاع الوقائي، وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، قبل الميثاق، على الأقل، ظهر الدفاع عن النفس في سلوك الدول عامةً، وإن ليس حصرياً، كرد فعل على استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي للدولة، لذا لم يكن تعريف واضعي الميثاق الدفاع الشرعي بالإشارة إلى “وقوع” هجوم مسلح منفصلاً عن السياق الدولي.
وبتطبيق شروط الدفاع الشرعي كما وردت بالميثاق على الدفاع الوقائي يتبين أن شرط الضرورة، والذي يقصد به أن وقتاً قد مر وأن الجهود السلمية لتجنب اللجوء للقوة قد استنفذت، لا يتوافر في حالة الضربات الوقائية، وكذلك شرط الحلول، والذي يفترض عدم وجود وقت للتشاور، ولا وقت لاختيار طريقة بديلة للتصرف، أما التناسب، والذي يصعب قياسه في حالة الدفاع الشرعي، فيستحيل قياسه في حالة الأضرار المحتملة، فقد لا يقع الهجوم المتوقع على الإطلاق، أو لا يقع بالطريقة التي خطط له بها. وبما أن المادة 51 لا تتحقق شروطها في الدفاع الوقائي، فيكون مشكلاً لانتهاك للمادة 2/4، والتي تحوي أسمى قاعدة آمرة في القانون الدولي المعاصر، وذلك ما لم يمارس بوصفه أحد تدابير الأمن الجماعي، أو لم يصدر بشأن ممارسته تفويض من مجلس الأمن، ولابد من صدور إذن مسبق من مجلس الأمن حال اتخاذ التدابير الجماعية دون وقوع الهجوم المسلح الفعلي، فلا يتوسع في الاستثناء الذي تمنحه المادة 51 في حالة الدفاع الشرعي. وذلك هو ما يتفق والاتجاه العام للميثاق والرامي إلى تحريم استخدام القوة.
أما الفقه الدولي بشأن الدفاع الوقائي فينقسم إلى مدرستين، مدرسة واسعة تجد المبرر للقول بمشروعية الدفاع الوقائي بالاستناد إلى العرف الدولي قبل عام 1920، وإلى مبدأ الضرورة، والتطور في أسلحة الدمار الشامل، وتنامي خطر الإرهاب، وعجز الميثاق عن مواجهة هذه التحديات، بالإضافة إلى الواقع الحالي للممارسة الدولية بهذا الشأن. ومع ذلك فمشروعية الدفاع الوقائي عندهم مرهونة بتحقق شروط أهمها كون الخطر المواجَه جدياً ووشيكاً، وثبوت نسبة التهديد الوشيك إلى دولة معينة، واستنفاد الوسائل السلمية أولاً، واعتدال الفعل الوقائي ومحدوديته من حيث الكم والكيف والمكان والزمان، والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني، وإخطار مجلس الأمن فوراً بالإجراءات المتخذة، إضافةً إلى تحمل المسئولية القانونية والسياسية. والمدرسة الثانية تعارض الدفاع الوقائي، استناداً إلى صريح نص ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51، ولأنه يقوم على افتراض سوء النية، وعدم التيقن من الخطر، وإضفائه الكثير من المرونة على مبدأ الضرورة، كما يرى هؤلاء في التطور في الأسلحة وتنامي الإرهاب حجةً على الدفاع الوقائي، إذ السماح به في ظلها سيعرض الأمن الدولي للخطر، والنظام الدولي لعدم الاستقرار.
أما عن موقف القضاء الدولي، فإن فترة ما بعد الميثاق لم تشهد صدور حكم بات لهيئة قضائية دولية يحسم مسألة الدفاع الوقائي عن النفس، بل حاولت محكمة العدل الدولية تجنب إثارة الموضوع حين سنحت لها الفرصة لمناقشته أكثر من مرة.
ولم يتوفر ركنا العرف المادي والمعنوي للدفاع الوقائي، خاصةً منذ 1920، حيث لم تشهد فترة ما بين الحربين العالميتين ممارسة متواترة للدفاع الوقائي تصاحبها قناعة دولية بمشروعيته، وبصفة عامة، فإن قانون استخدام القوة في الميثاق وفي القانون العرفي قد تقاربا حتى التقيا معاً وقت إقرار الميثاق، ولا يوجد دليل على اعتبار الهجوم الوشيك مبررا للدفاع الشرعي في الفترة بين الحربين العالميتين. ومن ثم لا يمكن أن تنعكس هذه الفكرة في الميثاق ولا يفسر على أساسها. وبعد إنشاء الأمم المتحدة أدينت الحالات التي استخدم في تبريرها الدفاع الوقائي، وظل سلوك الدول التي لجأت إلى الدفاع الوقائي يعامل كخرق للقانون، وليس كسلوك سائر في درب التطور إلى قانون عرفي، وظلت القناعة الدولية ، حتى الوقت الحالي، دون تغيير بالنسبة لغالبية الدول أعضاء الجماعة الدولية الذين لا زالوا يعتقدون أنه ليس هناك وجود لحق يبيح استخدام القوة في دفاع “وقائي” عن النفس في ظل القانون الدولي الحالي، ولم تدع وجود أساس قانوني للحق في الدفاع “الوقائي” عن النفس، بالشكل الذي وضحناه، سوى ثلاث دول هي أمريكا وإسرائيل واستراليا، مع استمرارها في المطالبة بمراجعة الميثاق وتعديله بحيث يسمح بالضربات الوقائية، مما يتضمن اعترافاً بعدم سماح الميثاق بها بوضعه الحالي.
لذا تم التوصل إلى أن القانون الدولي لا يزال وفقاً للقانون الدولي المعاصر، الاتفاقي والعرفي على السواء، يحظر الدفاع “الاستباقي” عن النفس، وحتى الدفاع “الوقائي” عن النفس، لو كان هذا الأخير يفهم على خلاف كونه رداً على هجمات ناشئة أو حملات مستمرة، ويحصر الحق في الدفاع عن النفس في الحق في استخدام القوة لدرء هجمة دائرة in progress، أو لتغيير نتائج هجوم للعدو كإنهاء الاحتلال مثلاً، أو لاعتراض هجمة بدأت بالفعل، ولم تصل بعد لإقليم الدولة الضحية، وما عدا ذلك من صور استخدام القوة يلزم له التفويض الصريح من مجلس الأمن، أو أن يدخل ضمن تدابير الأمن الجماعي بشروطها.
وهناك العديد من السبل القانونية التي يمكن اللجوء إليها في التعامل مع التحديات المعاصرة، مثل اتخاذ التدابير المضادة، دون بدء هجوم مسلح فعلي، و تفعيل دور المنظمات الدولية، و تنظيم وتفعيل دور المجتمع المدني العالمي، وإقامة نظام للردع بجانبيه المتمثلين في القدرة على امتصاص ضربة العدو مهما كانت قوتها، والقدرة على توجيه ضربة مدمرة له، بالاستعانة بنظم الإنذار المبكر الحديثة، وبأجهزة المعلومات والمخابرات والثورة التكنولوجية.
أما ما يطلق عليه مبدأ بوش، والذي تمت صياغته في الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي في 2002، فقد وضعت للاستباق نطاقاً أوسع بكثير من الدفاع الوقائي، فهنا ليس التهديد الوشيك هو المبرر بل التهديد الكامن، مما يثير تساؤلاً مهماً حول الفارق بين الاستباق والعدوان. ومبدأ الاستباق، بهذا الوصف – وكما يرى أغلب الباحثين في القانون الدولي – ونحن معهم، لا وجود له في النظام القانوني الدولي المعاصر، ولا يقدم حججاً تكفي لقبوله كعرف جديد في القانون الدولي.
وفي الحرب الأمريكية على أفغانستان في 2001، قدمت الولايات المتحدة الدفاع الشرعي كمبرر أساسي لها، والدفاع الوقائي كمبرر احتياطي. وببحث مدى توافر شروط الدفاع الشرعي في هذه الحالة وجد أن هجمات سبتمبر لا تساوي في جسامتها الهجوم المسلح الصادر عن القوات النظامية لدولةً ما، ولا تتحمل أفغانستان المسئولية عنها، إذ لم تتوفر بين طالبان والقاعدة صلة التحكم الفعلي، ومن ثم فلا تكتسب هذه الهجمات وصف الهجوم المسلح المبيح للدفاع الشرعي. وبالنسبة لبقية الشروط فقد جاء توقيت اجتياح أفغانستان بعد انتهاء هجمات سبتمبر بـ 26 يوماً، ولم تكن هناك أدلة على المزيد من الهجمات المخططة لينتفي شرط الحلول، وبالطبع لا يتناسب حجم الدمار الذي ألحقته القوات الأمريكية والبريطانية بأفغانستان مع هجمات سبتمبر، ولم يتم إخطار مجلس الأمن فوراً بما اتخذ من إجراءات، ولا تم الالتزام بشرط وقتية أعمال الدفاع، إذ لم تنته العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان حتى اللحظة، بعد أن تحول الغزو لاحتلال دام لعشر سنوات حتى الآن. والدفاع الوقائي لم تتوفر شروطه أيضاً فلم تكن هناك هجمات حالّة أو وشيكة، بل كانت تلك الحرب رداً على عمل إرهابي حدث وانتهى، ولم يفوّض مجلس الأمن الولايات المتحدة استخدام القوة في أفغانستان، ولم تصدر دعوة للتدخل من قبل الحكومة الفعلية لدولة أفغانستان، بل جاءت الدعوة المزعومة من التحالف الشمالي الذي لم يكن يحكم أفغانستان في ذلك الوقت. لذا تعتبر الحرب على أفغانستان عملاً غير مشروع من أعمال الانتقام.
وفي الحالة العراقية 2003، استندت الولايات المتحدة لتبرير حربها أساساً إلى الدفاع الوقائي، بزعم امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل ونوايا عدوانية. والحق أن هذه الحرب ليست تطبيقاً للدفاع الوقائي، إذ حتى الدفاع الوقائي عند أنصاره يستلزم وجود تهديد بهجوم وشيك، وهو ما لا نجده هنا، ولم يكن هناك أي تناسب بين نطاق الهجوم على العراق وأي تهديد قد يكون العراق قد شكله على الولايات المتحدة، ولم يصدر باستخدام القوة المسلحة في العراق تفويض من مجلس الأمن للولايات المتحدة. بل إن هذه الحرب ليست حتى تطبيقاً للاستباق كمبدأ عسكري يقضي بضرب أسلحة العدو الرابضة في أماكنها قبل التحرك للهجوم، وإنما هي حرب وقائية غير مشروعة، أو هي تكرار شبه حرفي للحروب الاستعمارية في القرون الغابرة.
وهكذا تكون الولايات المتحدة قد خالفت في هاتين الحربين مبادئ قانونية عدة، منها التسوية السلمية للمنازعات، وحظر اللجوء إلى القوة، وحظر التدخل، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ومبادئ القانون الدولي الإنساني، كما اغتصبت مهام مجلس الأمن، واستهانت بمنظمة الأمم المتحدة، وبإرادة الجماعة الدولية، وشنت حربي عدوان كانت لهما تداعيات دولية خطيرة، وترتبان على عاتقها المسئولية الدولية.
وأهم النتائج التي تم التوصل إليها في هذا البحث هي:
- يحرم ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51 تحريماً صريحاً اللجوء إلى الدفاع الوقائي، وهو ليس منبتاً في هذا عن السياق الزمني الذي نشأ فيه.
- لا تتوافر للدفاع الوقائي ضد الخطر الوشيك أياً من شروط الدفاع الشرعي، الواردة بالمادة 51، لذا تنطوي الأعمال الوقائية على انتهاك للمادة 2 فقرة 4، إذ لا تدخل ضمن الاستثناءات عليها.
- كما أن العرف الدولي المعاصر لم يتغير بشأن الأعمال الوقائية، ولا يزال يعتبرها انتهاكاً للقانون الدولي، وقواعده الآمرة، وعلى رأسها قاعدة حظر استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، وهي المكتوبة في أسمى معاهدة دولية.
- ويستنتج من هذا أن القانون الدولي المعاصر العرفي والاتفاقي لا يسمح باللجوء إلى الأعمال الوقائية.
- وعلى أرض الواقع، من المؤكد أن السماح بالأعمال الوقائية سوف يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الدولي، كما يؤدي الإقرار بمشروعيتها إلى العودة إلى عصور ما قبل حظر الحرب، والقضاء على أحد أهم التطورات في التنظيم الدولي على مر العصور.
- كما أن استراتيجية الاستباق قد أثبتت في التطبيق عدم فعاليتها في منع أو ردع استخدام أسلحة الدمار الشامل، أو حتى حيازتها كما يتبين من النماذج التاريخية، فبعد إعلان الولايات المتحدة تبني سياسة الاستباق ضد حيازة أسلحة الدمار الشامل بتسع سنوات، لم تزل كوريا الشمالية وإيران مستمرتان في سعيهما لامتلاك القدرات النووية، ولم تواجها حتى الآن بضربات وقائية أمريكية، على حين لم يثبت لا قبل غزو العراق ولا بعده حيازة الأخير لأي أسلحة نووية، مما يدل على أن حيازة أسلحة دمار شامل قد يشكل درعاً واقياً ضد الضربات الاستباقية وليس العكس.
- حربا أفغانستان والعراق حربي عدوان، خرقت الولايات المتحدة فيهما العديد من قواعد القانون الدولي، وتتحمل وحلفاؤها المسئولية الدولية بناءً على ذلك.
وفي الختام فإننا، حتى وإن كان الحديث عن أفول نجم الامبراطورية الأمريكية سابقاً لأوانه، نرى النظام الدولي متجهاً نحو مزيدٍ من العدالة، نظراً لأن الهيمنة تستدعي المقاومة، لذا يشهد العالم حالياً تكتلاً أوروبياً، وصعوداً صينياً وآسيوياً، واتجاهاً من دول أمريكا اللاتينية وتركيا وإيران إلى تعظيم دورها الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التطورات الراهنة في المنطقة العربية، والتي إن مضت في مسارها الذي نرجوه، سوف تقود إلى قوة المنطقة العربية وتعظيم دورها، وكل هذا سوف يشكل تحدياً للهيمنة الأمريكية، وباعثاً للولايات المتحدة ولغيرها على احترام الشرعية الدولية.
قائمة المراجع
أولاً: المراجع باللغة العربية:
- الكتب:
- ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، كتاب الجهاد، طبعة الحلبي.
- أبو بكر الجزائري، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، مكتبة العلوم والحكمة، المدينة المنورة، السعودية.
- أبو بكر بن العربي (1076- 1148 م)، أحكام القرآن، الجزء السابع.
- أكرم ألفي، إسرائيل ونكبة العراق، في: أحمد السيد النجار (محرر)، نكبة العراق: الآثار السياسية والاقتصادية، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2003.
- ألكسندر جورج وريتشارد سموك، الردع في التاريخ، تراجم وزارة الدفاع العراقية، بغداد، جامعة البكر، كلية الحرب، 1986.
- السيد ولد أباه، عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001: الإشكالات الفكرية والاستراتيجية، (بيروت: الدار العربية للعلوم، 2004).
- أمين حامد هويدي، الصراع العربي الإسرائيلي بين الرادع التقليدي والرادع النووي، ط2، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1983.
- بوب وودوارد، حرب بوش: عرض وتحليل، ترجمة: حسين عبد الواحد، القاهرة، مكتبة مدبولي، 2003.
- جين بيثكي إليشتاين، كيف نخوض حرباً عادلة، في: كين بوث وتيم ديون (محررين)، صلاح عبد الحق (مترجم)، عوالم متصادمة: الإرهاب ومستقبل النظام العالمي، دراسات مترجمة (22)، مركزالإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 2005.
- سامي جاد عبد الرحمن واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، الإسكندرية، منشأة المعارف، 2003.
- سوسن العساف، استراتيجية الردع: العقيدة العسكرية الأمريكية الجديدة والاستقرار الدولي، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2008.
- صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة قانون النزاعات المسلحة، ط 1، دار الفكر العربي، 1976.
- عبد الحي يحيى زلوم، حروب البترول الصليبية والقرن الأمريكي الجديد، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2005.
- عبد الوهاب الكيالي (المؤلف الرئيسي ورئيس التحرير، موسوعة السياسة، ج7 (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981-1994).
- عثمان كامل حسين وآخرون، حرب الخليج الثالثة – يوميات الحرب الأمريكية المبرمجة على العراق، (القاهرة، المكتب المصري الحديث، ط1، يناير 2004).
- عماد جاد، العامل الإسرائيلي في الأزمة العراقية، في: حسن نافعة ونادية مصطفى (محرران)، العدوان على العراق: خريطة أزمة ومستقبل أمة، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، 2003.
- كلايد برستوفتز، الدولة المارقة والدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية، تعريب: فاضل جتكر (بيروت: شركة الحوار الثقافي، 2003).
- محمد السيد سليم، آسيا والأزمة العراقية الأنجلو أمريكية، في: حسن نافعة ونادية مصطفى (محرران)، العدوان على العراق: خريطة أزمة ومستقبل أمة، القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، 2003.
- محمد حسنين هيكل، الامبراطورية الأمريكية، القاهرة، دار الشروق، 2003.
- محمد شوقي عبد العال، الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي: دراسة تاريخية تحليلية مع إشارة خاصة إلى أزمة لوكيربي، في: قضية لوكيربي ومستقبل النظام الدولي، مركز دراسات العالم الإسلامي، ط1، 1992.
- محمد طلعت الغنيمي، الأحكام العامة في قانون الأمم، ج2، التنظيم الدولي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1977.
- محمد متولي الشعراوي، معجزة القرآن، الجزء السابع.
- محمد محمود خلف، حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي الجنائي.
- محمد ناصر الدين الألباني، السلسلة الصحيحة.
- محمود خيري بنونة، القانون الدولي واستخدام الطاقة النووية، القاهرة، 1971.
- منى محمود مصطفى، استخدام القوة المسلحة في القانون الدولي بين الحظر والإباحة، دار النهضة العربية، 1989.
- ناعوم تشومسكي، الهيمنة أم البقاء: السعي الأمريكي للسيطرة على العالم، ترجمة: سامي الكعكي، بيروت، دار الكتاب العربي، 2005.
- هانز مورجنتاو، السياسة بين الأمم: الصراع من أجل السلطان والسلام، ج 2، تعريب وتعليق خيري حماد، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1965.
- الدوريات:
- إبراهيم إسماعيل كاخيا، الآفاق الاستراتيجية لنظرية الردع، دمشق، الفكر العسكري، العدد 6، 1998.
- إبراهيم العناني، حرب الشرق الأوسط ونظام الأمن الجماعي، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الثاني، السنة السادسة عشر، يوليو 197 4.
- أحمد إبراهيم محمود، حرب الخليج الثالثة: الاستراتيجيات العسكرية، ودلالات الصمود العراقي، السياسة الدولية، العدد 152، أبريل 2003.
- أحمد فتحي سرور، الأبعاد القانونية للعدوان الإسرائيلي على لبنان، جريدة الأهرام، 6 أغسطس 2006.
- جون لويس جاديس، الأجندة المخفية لإدارة بوش: العراق والبقية تأتي..!!! “أمركة” العالم استراتيجية عمرها نصف قرن، مجلة الجزيرة، فبراير 2003، في:
http://www.al-jazirah.com.sa/magazine/04022003/almlfsais1450.htm
- حسام سويلم، الضربات الوقائية في الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة، السياسة الدولية، العدد 150، أكتوبر 2002.
- حسن أبو طالب، هل يتجه النظام الدولي نحو التعددية القطبية، السياسة الدولية، العدد 161، يوليو 2005.
- خليل حسونة، بين قوة الحق وحق القوة: الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي العام، رؤية (مجلة شهرية بحثية متخصصة تصدر عن الهيئة العامة للاستعلامات بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، أبريل 2004، منشورة على الإنترنت في الموقع:
http://www.sis.gov.ps/arabic/roya/15/page7.html
- سرمد عبد الستار أمين، رؤية استراتيجية للأمن في الشرق الأوسط، دراسات دولية، العدد 29، ديسمبر 2005.
- سوسن إسماعيل العساف، الديمقراطية والاستراتيجية الأمريكية حيال منطقة الشرق الأوسط: “العراق: النموذج الأول”، دراسات دولية، بغداد، العدد 25، 2004.
- شريف بسيوني، الحرب الأمريكية في العراق: مشروعية استخدام القوة!، السياسة الدولية، العدد 151، يناير 2003.
- صلاح الدين عامر، القانون الدولي في عالم مضطرب، السياسة الدولية، العدد 153، يوليو 2003.
- عبد المنعم كاطو، استراتيجية الحرب الوقائية في ظل النظام العالمي الجديد، مجلة الدفاع المصرية.
- فيليب ستيفنز، في الطريق إلى توازن عالمي جديد، الفاينانشيال تايمز، نشر مترجماً في: جريدة الشروق، 23/12/2010.
- مارك فيرنون، حرب أفغانستان غير العادلة، الجارديان، نشر مترجماً في: جريدة الشروق، 5/8/2010.
- محمد الهزاط، الحرب الأمريكية – البريطانية على العراق والشرعية الدولية، المستقبل العربي، السنة 26، العدد 292 (يونيو 2003).
- محمد شوقي عبد العال حافظ ، أزمة القانون الدولي المعاصر في أعقاب نهاية الحرب الباردة، سلسلة بحوث سياسية، العدد 149، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، يوليو 2005.
- نبيل أحمد حلمي، استخدام القوة في العلاقات الدولية من منظور القانون الدولي، سلسلة دراسات دولية معاصرة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002.
- نصير عاروري، حروب جورج دبليو بوش “الوقائية” بين مركزية الخوف وعولمة إرهاب الدولة، المستقبل العربي، السنة 26، العدد 297، نوفمبر 2003.
- نعوم تشومسكي، الحرب الوقائية أو “الجريمة المطلقة”، العراق: الغزو الذي سيلازمه العار، المستقبل العربي، السنة 26، العدد 297، نوفمبر 2003.
- وليد حسن فهمي، الولايات المتحدة والحرب على الإرهاب .. الجدل السياسي والقانوني، السياسة الدولية، العدد 166، أكتوبر 2006.
- ويصا صالح، “مبررات استخدام القوة في القانون الدولي التقليدي”، المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد 36، 1976.
- الندوات والمؤتمرات والتقارير:
- التقرير الاستراتيجي العربي 2002-2003، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 2003.
- عبد الله تركماني، الحرب الوقائية بعد أحداث 11 سبتمبر من وجهة نظر القانون الدولي وحقوق الإنسان – العراق نموذجاً، من أوراق ندوة “حقوق الإنسان: المخاطر والتحديات” التي أقامتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في تونس في 3/5/2003، منشورة على الموقع الإلكتروني:
http://hem.bredband.net/dccls/dcc.mkala.syr.torkmani3.htm
- الرسائل العلمية:
- أحمد عبد الونيس علي شتا، الدولة العاصية: دراسة في التعارض بين مواقف الدول والتزاماتها الدولية في الأمم المتحدة (مع إشارة خاصة إلى إسرائيل وجنوب أفريقيا)، رسالة دكتوراة، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1986.
- سعاد محمد محمود محسن، العلاقات الأوروبية الأمريكية في إطار منظمة حلف شمال الأطلنطي: دراسة عن تأثير الدول الأوروبية في السياسة الخارجية الأمريكية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2005.
- ماهر عبد المنعم محمد أبو يونس، استخدام القوة في فرض الشرعية الدولية في ظل السوابق الدولية، رسالة دكتوراة، كلية الحقوق، جامعة القاهرة.
- محمد بهاء الدين باشات، المعاملة بالمثل في القانون الدولي الجنائي، الأعمال الانتقامية وفكرة العقاب الدولي، رسالة دكتوراة مقدمة لكلية الحقوق – جامعة القاهرة، 1974.
- عبد الحميد عبد الخالق علي أحمد، جريمة الإرهاب الدولي: النظرية العامة لجريمة الإرهاب، أهم صورها، المعالجة القانونية لمكافحتها، رسالة دكتوراة، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، أبريل 2005.
- عبد الرحمن بن عطية الله الظاهري، الحرب على الإرهاب في ضوء القانون الدولي المعاصر، رسالة دكتوراة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2007.
- عثمان بن جمعة ضميرية – أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن، رسالة دكتوراة، منشور ملخص لها بقلم المؤلف في: الإسلام اليومhttp://www.islamtoday.com . 15/10/2008.
- ويصا صالح، العدوان المسلح في القانون الدولي: الجوانب القانونية الأساسية لاستخدام القوة المسلحة، رسالة دكتوراة، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 1975.
- ياسمين أحمد إسماعيل، الحرب على العراق في ضوء أحكام الشرعية الدولية (دراسة سياسية قانونية لقرارات مجلس الأمن 2001-2004)، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
- يحيى الشيمي علي، مبدأ تحريم الحروب في العلاقات الدولية، رسالة دكتوراة، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 1976.
- أبحاث منشورة على شبكة الإنترنت:
- السيد مصطفى أحمد أبو الخير، نظرية الحرب في الإسلام، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، في:
http://www.55a.net/firas/arabic/?page=show_det&id=1034&select_page=8
- جمال البنا، كتاب الجهاد، في: http://www.islamiccall.org/algehad5.htm
- عثمان جمعة ضميرية – كتاب السِّيَر الكبير للإمام محمد بن الحسن الشيباني، الموسوعة الشاملة – في:
http://islamport.com/w/amm/Web/135/280.htm).
- غالب على جميل، أزمة النظام العربي بعد احتلال العراق، 26 سبتمبر 2003:
http://www.asp.net/news_week_article:php?irg=arabic&sid=4898
- نشرة واشنطن، مارس 2004، في: http://www.usinfo.state.gov
ثانياً: المراجع باللغات الأجنبية:
- Books:
- Arend, Antony Clark and Robert J. Beck, International Law and the Use of Force: Beyond the UN Charter Paradigm, Routledge, London, 1993.
- Bondi, L., Legitimacy and Legality: Key Issues in the Fight against Terrorism, Washington D.C.: The Fund for Peace, 2002.
- Bowett, W., Self Defense in international law, Manchester, 1958.
- Brownlie, Ian, International Law and the Use of Force by States, Oxford University Press: Clarendon Press, New York, 1991.
- Daadler, Ivo H. and James M. Lindsay, America Unbound: The Bush Revolution in Foreign Policy, Brookings Institution, Washington C., 2003.
- Dinstein, Yoram, War, Aggression and Self-Defense, Second Edition, Grotious Publications, Cambridge University Press, 1994.
- Eliss, Jason D., The Best Defense: Counterproliferation and U.S. National Security, at: Reshaping Rogue States: Preemption, Regime Change and U.S. Policy toward Iran, Iraq and North Korea, (Cambridge, Mass.: MIT Press, 2004).
- Guoliang, Gu, Redefine Cooperative Security, Not Preemption, at: Alexander T. J. Lennon (Editor) and Camille Eiss (Editor), Reshaping Rogue States: Preemption, Regime Change and U.S. Policy toward Iran, Iraq and North Korea, (Cambridge, Mass.: MIT Press, 2004).
- Henkin, Louis, How Nations Behave, (2d ed. 1979).
- McDougal and Feliciano, Law and Minimum World Public Order: The Legal Regulation of International Coercion (1961).
- Moore, J., (Ed.), Law and Civil War: The International Regulation of Civil Wars in the Modern World, Baltimore, John Hopkins Press, 1978.
- Rodin, David, War and Self-Defense, Oxford University Press, Clarendon Press, New York, 2002.
- Rousseau, Charles, Le Droit des Conflits Armés, trans. Zhang Ning et al. (Beijing: Zhonggou duiwai fanyi chuban gongsi, 1987)
@: http://cjip.oxfordjournals.org/cgi/content/full/1/2/267
- Show, Malcolm N., International Law, Fifth Edition, 2003, Cambridge University Press, UK.
- Singh, Nagendra, Nuclear Weapons and International Law, New York, Praeger, 1959.
- Tsutsui, Wakamizu, Changing Postwar International Legal Regime: The Role Played by Japan, Brill, N.H.E.J. N.V., Koniklijke, Boekhakdel en Drukkeri, 2002.
- Williamson, Myra, Terrorism, War and International Law, The Legality of the Use of Force in Afghanistan in 2001, The Ashgate International Law Series, England, 2009.
- Periodicals:
- Anghie, Anthony, ‘The War on Terror and Iraq in Historical Perspective’, Ohio Law Journal, 2005, available online at:
http://www.ohlj.ca/archive/articles/43_12_Anghie.pdf
- Arend, Anthony Clark, International Law and the Preemptive Use of Military Force, The Washington Quarterly, Volume 26, Number 2, Spring 2003
- Bacevich, Andrew J., Requiem for the Bush Doctrine, Current History, December 2005, 102, Issue 664.
- Bagaric, M. and J. McConvill, The War in Iraq: the Illusions of International Law: Where Now?, Deakin Law Review 7, 2003.
- Baker, M., ‘Terrorism and the Inherent Right of Self-Defence (A Call to Amend Article 51 of the United Nations Charter)’, (1987-88), Houston Journal of International Law.
- Beck, Robert J. and Antony Clark Arend, ‘Don’t Tread on Us’: International Law and Forcible State Responses to Terrorism’, Wisconsin International Law Journal, (1994).
- Beres, Louis Rene, ‘Anticipatory Self-Defense’, The Washington Times, July 25, 2005, at: <http://www.washtimes.com/op-ed/20050724-101302-5685r.htm>
- Bowett, D.W., ‘Collective Self-defence under the Charter of the United Nations’. (1955-56), British Year Book of International Law.
- Bunglawala, Inayat, “We Won’t Forget the Terrible Things Done in Our Name”, Time, 25/3/2003.
- Burke, Jason, Observer, 18/5/2003.
- Burk, Jason & Ed Vulliamy, War Clouds Gather as Hawks Lay their Plans, Observer, July 14, 2002.
- Casey, Lee A. and David B. Rivkin, Jr., « Anticipatory Self-Defense Against Terrorism is Legal », Legal Opinion Letter, Washington Legal Foundation, Vol. 11 No. 19, Dec. 14, 2001, available online at:
<http://www.wlf.org/upload/casey.pdf>
- Cassesse, A. ‘The International Community’s ‘Legal’ Response to Terrorism’. (1989) International and Comparative Law Quarterly.
- Charney, J., ‘The Use of Force against Terrorism and International Law’, (2001) AJIL.
- Damrosch, L. ‘Sanctions against Perpetrators of Terrorism’, (2000), Houston Journal of International Law.
- Deller, Nicole and John Burroughs, ‘Jus ad Bellum: Law Regulating Resort to Force’, Human Rights Journal of the Section of Individual Rights and Responsibilities, Winter 2003, Vol. 30, Issue.1.
- Dinmore, Guy and James Harding, Financial Times, 3/5/2003 and 4/5/2003.
- Foley, Brian J., US Campaign against Afghanistan not Self –Defense Under International Law, Counter Punch, American Political Newsletter, November 6, 2001, @:
http://www.counterpunch.org/foley1.html
- Frank, T., ‘When, If Ever, May States Deploy Military Force Without Prior Security Council Authorization’, (2001) Washington University Journal of Law and Policy.
- Gross, E. ‘Thwarting Terrorist Acts by Attacking the Perpetrator of their Commanders as an Act of Self-Defence: Human Rights Versus the State’s Duty to protect its Citizens’, (2001), Temple International and Comparative Law Journal.
- Glennon, M., ‘The Fog of Law: Self-defence, Inherence, and Incoherence in Article 51 of the United Nations Charter’, (2003), Harvard Journal of Law and Public Policy.
- Heisbourg, Francois, A Work in Progress: The Bush Doctrine and Its Consequences, The Washington Quarterly, Volume 26, Number 2, Spring 2003.
<http://www.murdochedu.au/elaw/issues/vIIn3/thomas113nf.html>
- Henkin, Louis, The Reports of the Death of Article 2 (4) are Greatly Exaggerated, 65 American Journal of International Law, (1971).
- Hongsheng, Sheng, The Evolution of Law of War, Chinese Journal of International Politics, Vol. 1, no. 2, pp. 267-301, @:
http://cjip.oxfordjournals.org/cgi/content/full/1/2/267
- Intoccia, G., ‘American Bombing of Libya: An International Legal Analysis’, (1987) Case W. Res. Journal of International Law.
- Jurgensen, Rolf , ‘Last Line of Defense’ (2002), Oslo University Law Journal.
- Kastenberg, Joshua E., The Use of Conventional International Law in Combating Terrorism: A Maginot Line for Modern Civilization Employing the Principles of Anticipatory Self-Defense and Preemption, Air Force Law Review, 2004, Vol. 55.
- Kelsen, H., ‘Collective Security and Collective Self-Defence under the Charter of the United Nations’, (1984), American Journal of International Law.
- Knauft, S., ‘Proposed Guidelines for Measuring the Propriety of Armed State Responses to Terrorist Attacks’, (1996), Hastings International and Comparative Law Review.
- Knopf, Jeffrey W. Deterrence or Preemption?, Current History, November 2006.
- Lobel, J., ‘The Use of Force to Respond to Terrorists Attack: The Bombing of Sudan and Afghanistan, (1999) Yale Journal of International Law.
- McDougal, M., ‘The Soviet-Cuban Quarantine and Self-Defense’, (1963) American Journal of International Law.
- Moore, Mike, Truman got it Right, Bulletin of the Atomic Scientists, Jan/Feb 2003, Vol. 59, Issue. 1.
- Murphy, S., ‘Terrorism and the Concept of ‘Armed Attack’ in Article 51 of the U.N. Charter’, (2002), Harvard International Law Journal.
- Murphy, S., ‘U.S. Adoption of New Doctrine of Use of Force’, (2003), 97 American Journal of International Law
- Nabati, Mikael F., Anticipatory Self-Defense: The Terrorism Exception, Current History, May 2003, Vol.
- O’Brien, W., ‘Reprisals, Deterrence and Self-Defence in Counter Terror Operations’, (1990) Virginia Journal of International Law.
- O’Hanlon, Michael E., “Star Wars Strikes Back”, Foreign Affairs, Vol. 78., no. 6, (November-December 1999).
- Perle, Richard, “Thank God for the Death of the UN: Its Abject Failure Gave us only Anarchy: The World Needs Order”, Guardian, 21/3/2003.
- Reisman, M., «Criterion for the Lawful use of Force in International Law», (1985) Yale Journal of International Law.
- Rothwell, Donald R., Anticipatory Self-Defence in the Age of International Terrorism, University of Queensland Law Journal, no. 23, 2005, at:
http://www.austlii.edu.au/au/journals/UQLJ/2005/23.html
- Sapiro, M., ‘Iraq: The Shifting Sands of Pre-emptive Self-Defence’, (2003), American Journal of International Law.
- Schachter, O., “The Right of States to Use Armed Force”, 82, Michigan Law Review.
- ___________ ‘In Defence of International Use of Force’, (1986), University of Chicago Law Review.
- Shah, Niaz A., Self-Defense, Anticipatory Self-Defense and Preemption: International Law’s Response to Terrorism, Journal of Conflict and Security Law (2007) Vol. 12 No. 1, Oxford University Press.
- Shavit, Ari, “White Man’s Burden”, Haaretz, 4/4/2003.
- Sofaer, Abraham D., ‘On the Necessity of Preemption’, European Journal O International Law, Vol. 14, no. 2 (2003).
- Thomas, Narelle, The Use of Force and Preemption: A Legitimate Practice Under the UN Charter?, Murdoch University Electronic Journal of Law, ISSN 1321-8247, Vol. II,No. 3, September 2004.
- Totten, Mark, Using Fore First, Moral Tradition and the Case for Revision, Stanford Journal of International Law, Winter 2007, Vol. 43, Issue 1.
- Waldock, C. H. M., “The Regulation of the Use of Force by Individual States in International Law”. 81 Recueil des Cours l’Academie de Droit International, (1952).
- Yoo, J. ‘Using Force’, (2004), The University of Chicago Law Review.
- Documents:
- Budapest Articles of Interpretation, approved by the International Law Association, 8 September 1934, Convention for the Definition of Aggression, signed at London 3,4 & 5 July 1933, available online at: http://www.letton.ch/lvx_33da.htm
- Jinks, ‘Self-Defence in an Age of Terrorism’, (2003), American Society of International Law Proceedings, at: 145.
- Declaration on Principles of International Law Concerning Friendly Relations and Cooperation Among States in Accordance with the Charter of the United Nations, G.A. Res. 2625, U.N. GAOR, 25th, No. 28, U.N. Doc. A/8028 (1970).
- Goldsmith, L., ‘Iraq: Resolution 1441’, (Secret Memo to the Prime Minister) 7 March 2002, at:
<http://image.guardian.co.uk/sys-files/Guardian/documents/2005/04/28/legal.pdf>
- Greenwood, C., ‘The Legality of Using Force against Iraq’, Memorandum to the UK Government on 12 October 2002, at:
<http://www.publications.parliament.uk/pa/cm200203/cmselect/cmfaff/196/2102406.htm>
- Report of the 38th Conference (Budapest, 6-10 September 1934) at : M. Hudson, The Budapest Resolutions of 1934 on the Briand Kellogg Pact of Paris, at : 29 AJIL 92 (1935).
- Report of the International Law Commission, 28th Session, 1976 II (2) I.L.C Ybk 1,96.
- IAEA Press Releases, Press Release 2008/06, ‘Statement by IEAE Director General Mohamed El-Baradei, 25 April 2008, at: http://www.iaea.org/NewsCenter/PressReleases/2008/prn200806.html, accessed at: 18 June 2008.
- Hill, Robert, John Bray Memorial Oration, University of Adelaide, 28 November 2002, at: http://www.defence.gov.au/minister/HillSpeechtpl.cfm?CurrentId:2121, accessed at: 12 June 2008.
- Australian Broadcasting Corporation, Lateline, ‘Prime Minister takes Cautious Line in Face of Terrorist Threat’, broadcast 29 November 2002, transcript at: http://www.abc.net.au/lateline/stories/5738064.htm, accessed at: 12 June 2008.
- Webster, ‘Letters from US Secretary of State Daniel Webster to British Minister Mr. Fox’, (1840-41) British and Foreign Affairs Papers, pp.: 1137-1138.
- Foreign Relations of the United States 1945 (1967) vol. 1, pp. 691-8.
- Crowford, The International Law Commission’s Articles on State Responsibility: Introduction, Text and Commentaries (2003).
- “Complete Text of Bush’s West Point Address” Newsmax Wires and Newsmax (June 2002), at: http://www.newsmax.com/archives/articles/2002/6/2/81354.shtml
- Press Briefing by Richard Myers, compiled by CNN Live Event, Oct. 25th, 2002.
Reprts of ICJ :
- Nicaragua v United States of America, ICJ Rep. 1986, para. 194, at: <http://www.icj-cij.org/icjwww/icases/inus/inus_ijudgment/inus_ijudgment_19860627.pdf>
- Democratic Republic of Congo v Uganda, ICJ Rep. 2005, Judge Kooijmans, paras 25-34, Judge Simma.
- ICTY Prosecutor v Tadic (1997).
- ‘Case Concerning the Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide’, (2007) ICJ Rep
UN General Assembly Resolutions:
[1] – General Assembly Resolution No. 2625 (XXV), 25 R.G.A. 121,122 (1970). [1] – General Assembly Resolution No. 2625 (XXV), 25 R.G.A. 121,122 (1970).- Internet and other sources:
- Ackerman, David M., International Law and the Preemptive Use of Force against Iraq, Congressional Research Service (CRS) Web, March 17, 2003, at:
<http://www.boozman.house.gov/UploadFiles/IRAQ-InternationalLawandthePreemptiveUseofForceAgainstIraq.pdf>
- Byers, M., ‘Iraq and the “Bush Doctrine” of Pre-Emptive Self-Defence’, (2002), Crimes of War Project, at: http://www.crimesofwar.org/expert/bush-buyers.html
- Chambers Compact Dictionary (2001).
- D’Amato, A, ‘International Law Aspects of the Mideast “War”’, Jurist Forum, 18 July 2006, Available online at:
<http://jurist.law.pitt.edu/forumy/2006/07/international-law-aspects-of-mideast.php>
- Moore, John Norton, ‘Preemption and International Law’, at:
<http://www.virginia.edu/cnsl/pdf/preemp~1.pdf>
- O’Connell M., ‘The Myth of Preemptive Self-Defence’, ASIL Task Force on Terrorism (2002), at: http://www.asil.org/taskforce/oconnell.pdf
- Michael N. Schmitt, The Legality of Operation Iraqi Freedom under International Law, available online at:
<http://www.michaelschmitt.org/images/schmittarticle.pdf>
- Shalom, Steven R., the Invasion and Occupation for Iraq, a Pattern of Lies and Deception @ http://www.peacecoalition.org/facts/iraq_white_papers.html
- Spencer, Jack, Presidential Authority in the War on Terrorism: Iraq and Beyond, @: http://www.heritage.org
- < http://definitions.uslegal.com/s/self-defense/htm>
- http://www.newamericancentury.org/iraqclintonletter.htm
[1]– Sheng Hongsheng, The Evolution of Law of War, Chinese Journal of International Politics, Vol. 1, no. 2, pp. 267-301, @: http://cjip.oxfordjournals.org/cgi/content/full/1/2/267
[2] – Yoram Dinstein, War, Aggression and Self-Defense, 2nd Edition, Grotious Publications, Cambridge University Press, 1994, p. 149.
[3]– د. إبراهيم العناني، حرب الشرق الأوسط ونظام الأمن الجماعي، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الثاني، السنة السادسة عشر، يوليو 1974، ص608.
[4]– Antony Clark Arend and Robert J. Beck, International Law and the Use of Force: Beyond the UN Charter Paradigm, Routledge, London, 1993. p.: 3.
[5]– خليل حسونة، بين قوة الحق وحق القوة: الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي العام، رؤية (مجلة شهرية بحثية متخصصة تصدر عن الهيئة العامة للاستعلامات بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، أبريل 2004، دراسة منشورة على شبكة الإنترنت في:
http://www.sis.gov.ps/arabic/roya/15/page7.html
[6]– المرجع السابق.
[7]– هانز مورجنتاو، “السياسة بين الأمم: الصراع من أجل السلطان والسلام”، ج 2، تعريب وتعليق خيري حماد، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1965، ص 84-85.
[8]– خليل حسونة، بين قوة الحق وحق القوة: الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي العام، مرجع سابق.
[9]– “دراسات إسلامية (3)”، 1998، ص 407. في: خليل حسونة، بين قوة الحق وحق القوة: الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي العام، مرجع سابق.
[10]– Sheng Hongsheng, The Evolution of Law of War, Op. Cit.
[11]– Ibid.
[12]– Antony Clark Arend and Robert J. Beck, International Law and the Use of Force: Beyond the UN Charter Paradigm, Op. Cit., at: 11.
[13]– Sheng Hongsheng, The Evolution of Law of War, Op. Cit.
[14]– Ibid.
[15]– صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة قانون النزاعات المسلحة، ط 1، دار الفكر العربي، 1976، ص 5-6.
[16]– المرجع السابق، ص 12-13.
[17]– Sheng Hongsheng, The Evolution of Law of War, Op. Cit.
[18]– صلاح الدين عامر، القانون الدولي في عالم مضطرب، مرجع سابق، ص 13.
[19]– Antony Clark Arend and Robert J. Beck, International Law and the Use of Force: Beyond the UN Charter Paradigm, Op. Cit. at: 11-12.
[20]– صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص 14-15.
[21]– جين بيثكي إليشتاين، كيف نخوض حرباً عادلة، في: كين بوث وتيم ديون (محررين)، صلاح عبد الحق (مترجم)، عوالم متصادمة: الإرهاب ومستقبل النظام العالمي، دراسات مترجمة (22)، مركزالإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 2005. ص 343.
[22]– صلاح الدين عامر، القانون الدولي في عالم مضطرب، مرجع سابق، ص 15.
[23]– Charles Rousseau, Le Droit des Conflits Armés, trans. Zhang Ning et al. (Beijing: Zhonggou duiwai fanyi chuban gongsi, 1987), p. 12. @: http://cjip.oxfordjournals.org/cgi/content/full/1/2/267
[24]– صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص ص 15-16.
[25]– المرجع السابق، ص 16. وأيضاً: سامي جاد عبد الرحمن واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2003، هامش (1) ص 168.
[26]– صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص 17.
[27]– د. سامي واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، مرجع سابق، هامش (2) ص 168.
[28]– المرجع السابق، ص 167.
[29]– صلاح الدين عامر، القانون الدولي في عالم مضطرب، مرجع سابق، ص 17.
[30]– جمال البنا، كتاب الجهاد، في: http://www.islamiccall.org/algehad5.htm
[31]– صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص ص 18-19.
[32]– د. السيد مصطفى أحمد أبو الخير، نظرية الحرب في الإسلام، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، في: http://www.55a.net/firas/arabic/?page=show_det&id=1034&select_page=8
[33]– فالفقيه المسلم محمد بن الحسن الشيباني يعتبر أول مؤسس لنظرية الحرب في تاريخ القانون الدولي. (صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص ص 5-6.) إذ قد سبق جروسيوس الملقب بـ”أبي القانون الدولي العام” بنحو تسعة قرون. “ويذهب كثير من الكتاب ومؤرخي القانون إلى أن جروسيوس أخذ كثيراً من آرائه عن الإمام الشيباني، ويدل على هذا أنه كان منفياً في (الآستانة) بالدولة العثمانية عام (1640م)، فهو إذن قد اطلع على نظام الإسلام واطّلع على ما كتبه الشيباني لاهتمامه بهذا الجانب، والمقارنة بين أبحاث جروسيوس التي جعلته في مركز الأبوة للقانون الدولي وما كتبه الشيباني تومئ إلى سبق الشيباني وتأثيره.” (عثمان بن جمعة ضميرية – أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن -رسالة دكتوراة – في:الإسلام اليومhttp://www.islamtoday.com ). وهو ما دفع ببعض رجال القانون الدولي إلى إنشاء جمعية دولية باسم ( جمعية الشيباني للقانون الدولي) في (غوتنجن) بألمانيا عام 1955 م، وقد تم حينها انتخاب الفقيه المصري الدكتور عبد الحميد بدوي لرئاستها، وتسعى هذه الجمعية إلى التعريف بالفقيه الشيباني ونشر آرائه ومؤلفاته ذات الصلة بأحكام القانون الدولي الإسلامي . ثم أعاد تنظيم هذه الجمعية العراقي مجيد خدوري ، الذي أخرج كتاب ( السير الكبير) في طبعة جديدة ، وهو مأخوذ من كتاب (الأصل) … للإمام محمد ، وهو يختلف عن كتاب ( السير الكبير) الذي وضعه مستقلاً بهذا الاسم وشرحه السرخسي. (عثمان جمعة ضميرية – كتاب السِّيَر الكبير للإمام محمد بن الحسن الشيباني الموسوعة الشاملة – في:
http://islamport.com/w/amm/Web/135/280.htm).
[34] – رواه البخاري ومسلم.
[35] – اخرجه الشيخان وأبو داود.
[36]– صلاح الدين عامر، القانون الدولي في عالم مضطرب، مرجع سابق، ص 18-19.
[37]– المرجع السابق، ص 21-22.
[38]– جمال البنا، كتاب الجهاد، مرجع سابق.
[39]– صلاح الدين عامر، القانون الدولي في عالم مضطرب، ص 21-22.
[40]– السيد مصطفى أحمد أبو الخير، نظرية الحرب في الإسلام، مرجع سابق.
[41]– المرجع السابق.
[42]– عثمان بن جمعة ضميرية، أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن، مرجع سابق.
[43]– صلاح الدين عامر، القانون الدولي في عالم مضطرب، مرجع سابق، ص ص 21-22.
[44]– عثمان بن جمعة ضميرية، أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن، مرجع سابق.
[45]– السيد مصطفى أحمد أبو الخير، نظرية الحرب في الإسلام، مرجع سابق.
[46]– صلاح الدين عامر، مرجع سابق، ص ص 21-22، و جمال البنا، كتاب الجهاد، مرجع سابق.
[47]– السيد مصطفى أحمد أبو الخير، مرجع سابق.
[48]– جمال البنا، مرجع سابق.
[49] الألبانى، صحيح الجامع حديث رقم : 1078
[50] المعجم الكبير للطبرانى، الجزء الأول، ص 76
[51] الدارمي ( 2 / 223 ) وإبن حبان ( 1658 ) والحاكم ( 2 / 123 )
[52]– السيد مصطفى أحمد أبو الخير، نظرية الحرب في الإسلام، مرجع سابق.
[53]– سامي واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 168.
[54]– محمد بهاء الدين باشات، المعاملة بالمثل في القانون الدولي الجنائي، الأعمال الانتقامية وفكرة العقاب الدولي، رسالة دكتوراة مقدمة لكلية الحقوق – جامعة القاهرة، 1974، ص 56.
[55]– سامي واصل ، مرجع سابق، ص 169.
[56]– صلاح الدين عامر، القانون الدولي في عالم مضطرب، مرجع سابق، ص ص 6-7.
[57]– Antony Clark Arend and Robert J. Beck, International Law and the Use of Force: Beyond the UN Charter Paradigm, Op. Cit., at: 4.
[58]– سامي واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، ص ص 169-173.
[59]– حيث أن الدول الدائنة كانت تحاصر الدول المدينة ثم تستولي على سفنها اقتضاءً لما لها من ديون، مما كان يؤدي إلى تدهور الأحوال الاقتصادية للدول المدينة، المرجع السابق، ص 173.
[60]– المرجع السابق.
[61]– المرجع السابق، ص 174.
[62]– المرجع السابق، ص ص 175-178.
[63]– منى محمود مصطفى، استخدام القوة المسلحة في القانون الدولي بين الحظر والإباحة، دار النهضة العربية، 1989، ص 9.
[64]– المرجع السابق، وسامي واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص ص 177-178.
[65]– سامي واصل، المرجع السابق، ص ص 178-179.
[66]– منى محمود مصطفى، مرجع سابق، ص 9.
[67]– سامي واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، ص ص 179-180.
[68]– منى محمود مصطفى، استخدام القوة المسلحة في القانون الدولي بين الحظر والإباحة، مرجع سابق، ص 9.
[69]– سامي واصل، مرجع سابق، ص 180-181. هامش 3.
[70]– المرجع السابق، ص ص 181-183.
[71]– المرجع السابق.
و: د. أحمد عبد الونيس علي شتا، الدولة العاصية: دراسة في التعارض بين مواقف الدول والتزاماتها الدولية في الأمم المتحدة (مع إشارة خاصة إلى إسرائيل وجنوب أفريقيا)، رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1986، ص 222.
[72]– Yoram Dinstein, War, Aggression and Self-Defense, Op. Cit. at: 83.
[73]– منى محمود مصطفى، استخدام القوة المسلحة في القانون الدولي .. بين الحظر والإباحة، مرجع سابق، ص 9.
[74] – Budapest Articles of Interpretation, approved by the International Law Association, 8 September 1934, Report of the 38th Conference (Budapest, 6-10 September 1934) pp. 66-70, at: Hudson, M., The Budapest Resolutions of 1934 on the Briand Kellogg Pact of Paris, 29 AJIL 92 (1935).
[75] – Convention for the Definition of Aggression, signed at London 3,4 & 5 July 1933, available online at: <http://www.letton.ch/lvx_33da.htm>
[76]– Antony Clark Arend and Robert J. Beck, International Law and the Use of Force: Beyond the UN Charter Paradigm, Op. Cit. at: 5-9.
([77]) سامي واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص ص 184-185
[78]– Sheng Hongsheng, The Evolution of Law of War, Op. Cit.
[79] – Yoram Dinstein, War, Aggression and Self-Defense, Op. Cit. at: 85.
[80]– محمد شوقي عبد العال حافظ، أزمة القانون الدولي المعاصر في أعقاب نهاية الحرب الباردة، سلسلة بحوث سياسية (149)، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، يوليو 2005، ص13،23، 24.
[81]– المرجع السابق، ص13.
[82]– سامي واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 189.
[83]– المرجع السابق، ص 185، و محمد شوقي، المرجع السابق، ص13.
[84]– محمد شوقي، أزمة القانون الدولي المعاصر في أعقاب نهاية الحرب الباردة، المرجع السابق، ص ص23-24.
[85]– أحمد عبد الونيس، الدولة العاصية، مرجع سابق، ص ص 224-225.
[86]– سامي واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 186-187.
[87]– المرجع السابق، ص 189.
[88]– المرجع السابق، ص ص 189-191.
[89]– المرجع السابق، ص ص 192-194.
[90]– أحمد عبد الونيس، الدولة العاصية، مرجع سابق، ص 233.
[91]– سامي واصل، إرهاب الدولة في إطار القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص ص 195-196.
[92]– منى محمود مصطفى، استخدام القوة المسلحة في القانون الدولي بين الحظر والإباحة، مرجع سابق، ص ص 12-19.
[93] – Myra Williamson, ‘Terrorism, War and International Law, The Legality of the Use of Force in Afghanistan in 2001’, The Ashgate International Law Series, England, 2009, pp. 102-104.
[94]– منى محمود مصطفى، استخدام القوة المسلحة في القانون الدولي بين الحظر والإباحة، مرجع سابق، ص ص 12-19.
[95]– أحمد عبد الونيس، الدولة العاصية، مرجع سابق، ص 226.
[96] – M. O’Connell. ‘The Myth of Preemptive Self-Defence’, ASIL Task Force on Terrorism (2002), p.: 6, at: <http://www.asil.org/taskforce/oconnell.pdf>
[97]– كما في قرار المجلس في 25/11/1966 بخصوص الهجوم الإسرائيلي على قرية السموع، وقراره في 24/3/1968 بخصوص الهجوم الإسرائيلي على الكرامة، وقراره في 31/12/1968 بخصوص الغارة الإسرائيلية على مطار بيروت، وقراره في 26/8/1969 بخصوص الهجوم الجوي على بعض القرى في جنوب لبنان. أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 228-229.
[98] – Declaration on Principles of International Law Concerning Friendly Relations and Cooperation Among States in Accordance with the Charter of the United Nations, G.A. Res. 2625, U.N. GAOR, 25th Sess., No. 28, U.N. Doc. A/8028 (1970).
[99] – Yoram Dinstein, War, Aggression and Self-Defense, Op. Cit. at: 84.
[100] – Ibid. at: 89.
[101] – See: Report of the International Law Commission, 28th Session, 1976 II (2) I.L.C Ybk 1,96, and Yoram Dinstein, Op. Cit. at: 106.
[102] – Yoram Dinstein, Ibid. at: 107-111.
[103] – Ibid. at: 112.
[104]– أحمد عبد الونيس، الدولة العاصية، مرجع سابق، ص ص 238-240.
[105]– Ibid. at: 4-5.
[106] – M. Reisman, ‘Criterion for the Lawful use of Force in International Law’, (1985), Yale Journal of International Law, pp.: 279-285.
[107] – D. Webster, ‘Letters from US Secretary of State Daniel Webster to British Minister Mr. Fox’, (1840-41) British and Foreign Affairs Papers, pp.: 1137-1138.
[108] – David Rodin, War and Self-Defense, Op. Cit., pp. 70-77.
[109] – ويصا صالح، العدوان المسلح في القانون الدولي: الجوانب القانونية الأساسية لاستخدام القوة المسلحة، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة، 1975، المجلد الثاني: الدفاع الشرعي في القانون الدولي، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، ص ص 275، 276.
[110] – يحيى الشيمي علي، مبدأ تحريم الحروب في العلاقات الدولية، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1976، ص ص 401-402.
[111] – Yoram Dinstein, War, Aggression and Self-Defense, Second Edition, Grotious Publications, Cambridge University Press, 1994, at: 176-77.
[112] – يحيى الشيمي، المرجع سابق، ص 402.
[113] -< http://definitions.uslegal.com/s/self-defense/htm>
[114] – “وطبقاً لجروشيوس وفيتوريا، فإنه لا يجوز ممارسة الدفاع عن النفس لمجرد التوسع الإقليمي أو إضعاف دولة مجاورة، ولا من أجل الاختلاف الديني أو مجد الأمراء”، (ويصا صالح، العدوان المسلح في القانون الدولي، مرجع سابق، ص ص 276-288).
[115] – يقول شيخ الإسلام بن تيمية: أن “قوله تعالى: “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم” تعليق للحكم بكونهم يقاتلوننا، ثم قال تعالى: “ولا تعتدوا”، والعدوان هو مجاوزة الحد، فدل على أن قتال من لم يقاتلنا عدوان. ثم قوله تعالى: “فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم”، فدل على أنه لا تجوز الزيادة” (ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، كتاب الجهاد، طبعة الحلبي).
[116] – Ian Brownlie, International Law and the Use of Force by States, Oxford: Clarendon Press, New York, 1991, p. 251.
[117] – ويصا صالح، العدوان المسلح في القانون الدولي، مرجع سابق، ص 288.
[118] – Ian Brownlie, Op. Cit. pp. 251-52.
[119] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص ص 288-289.
[120] – مما حدا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى إرسال مذكرة إلى الدول المختلفة بتاريخ 23 يونيو 1928 حملت وجهة نظرها فيما يتعلق بمشروع المعاهدة النهائي ورد فيها بشأن الدفاع عن النفس ما يلي:
“أنه لا يوجد في المشروع الأمريكي لمعاهدة تحريم الحرب، ثمة ما يعطل أو يقيد ممارسة حق الدفاع عن النفس بأي حال من الأحوال. إذ يثبت هذا الحق لكل دولة ذات سيادة، وتعترف به جميع المعاهدات سواءً صراحةً أو ضمناً. وتتمتع الدول بصفتها الفردية على الدوام بالحرية الكاملة وبصرف النظر عن أحكام هذه المعاهدة – في الدفاع عن أراضيها ضد أي هجوم أو غزو، وتختص كل دولة بأن تفصل بمفردها فيما إذا كانت الظروف تتطلب الالتجاء إلى الحرب في نطاق الدفاع الشرعي من عدمه. فإذا تبين فيما بعد أنها كانت تملك السبب العادل، صفق لها العالم، وإذا ثبت العكس أدانها العالم. ولكن الاعتراف الصريح من جانب المعاهدة بهذا الحق الطبيعي، من شأنه أن يخلق ذات الصعوبات التي سبق أن واجهت جميع محالات تعريف العدوان. فالدفاع الشرعي ليس إلا الوجه الآخر من العملة بالنسبة للعدوان”. (المرجع السابق ص ص 290-291).
ولقد تضمن رد الدول التي تسلمت هذه المذكرة موافقتها على المشروع الأمريكي للمعاهدة، وقبولها صراحةً للتفسير المتعلق بحق الدفاع عن النفس الوارد بالمذكرة المرسلة إليها. (المرجع السابق ص ص 290-291).
[121] – المرجع السابق، ص 292.
[122] – Ian Brownlie, Op. Cit. at:252.
[123] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص ص 292-293.
[124] – المرجع السابق.
[125] – المرجع السابق، ص 302.
[126] – Lee A. Casey and David B. Rivkin, Jr., ‘Anticipatory Self-Defense Against Terrorism is Legal’, Legal Opinion Letter, Washington Legal Foundation, Vol. 11 No. 19, Dec. 14, 2001, available online at: <http://www.wlf.org/upload/casey.pdf>
[127] – Anthony Clark Arend and Robert J. Beck, International Law and the Use of Force: Beyond the UN Charter Paradigm, Rowtledge, London, 1993, p. 18.
[128] – ويصا صالح، العدوان المسلح في القانون الدولي، مرجع سابق، ص 303، وقد صاغ دانييل وبستر وزير الخارجية الأمريكي التعريف التالي للدفاع عن النفس، وقد قبله البريطانيون وقتها:
“There must be a necessity of self-defense, instant, overwhelming, leaving no choice of means, and no moment for deliberation. [The means of self-defense must involve] nothing unreasonable or excessive; since the act , justified by the necessity of self-defense, must be limited by that necessity, and kept clearly within it.”
(Brian J. Foley, US Campaign against Afghanistan not Self –Defense Under International Law, Counter Punch, American Political Newsletter, November 6, 2001, @:
<http://www.counterpunch.org/foley1.html>)
[129] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 304، وأيضاًَ:
[130] – أحمد عبد الونيس علي شتا، الدولة العاصية: دراسة في التعارض بين مواقف الدول والتزاماتها الدولية في الأمم المتحدة (مع إشارة خاصة إلى إسرائيل وجنوب أفريقيا)، رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1986، ص 277.
[131] – المرجع السابق، ص ص 277-278.
[132] – المرجع السابق، ص ص 279-280.
[133] – ويصا صالح، العدوان المسلح في القانون الدولي، مرجع سابق، ص ص 305-306.
[134] – Ian Brownlie, International Law and the Use of Force by States, Op. Cit., pp. 261-62.
[135] – ويصا صالح، المرجع السابق، ص 310.
[136] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص ص 307-308.
[137] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 261-62.
[138] – Myra Williamson, Terrorism, War and International Law, op. cit., p. 97.
[139] -يحيى الشيمي، مبدأ تحريم الحروب في العلاقات الدولية، مرجع سابق، ص 458.
[140] – المرجع السابق، ص 401.
[141] – ويصا صالح، العدوان المسلح في القانون الدولي، مرجع سابق، ص ص 376، 377، 382.
[142] – Ian Brownlie, International Law and the Use of Force by States, Op. Cit. at: 274.
[143] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 407.
[144] – Myra Williamson, Terrorism, War and International Law, Op. Cit., p. 107.
[145] – Ibid, p. 306.
[146] – Foreign Relations of the United States 1945 (1967) vol. 1, pp. 691-8.
[147] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 399.
[148] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 407.
[149] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 398.
[150] – Yoram Dinstein, War, Aggression and Self-Defense, Op. Cit. at: 182-83.
[151] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص ص 400-401. وأيضاً: Ian Brownlie, Op. Cit., pp. 257, 274-275.
[152] – Yoram Dinstein, Op. Cit. at: 182-83.
[153] – M. O’Connell. ‘The Myth of Preemptive Self-Defence’, ASIL Task Force on Terrorism (2002), p.: 13, at: <http://www.asil.org/taskforce/oconnell.pdf>
[154] – Louis Henkin, How Nations Behave, (2nd ed., 1979), p: 141.
[155] – محمد طلعت الغنيمي، التنظيم الدولي، القاهرة، ص 900.
[156] – ويصا صالح، العدوان المسلح في القانون الدولي، مرجع سابق، ص 383، 388.
[157] – يحيى الشيمي، مبدأ تحريم الحروب في العلاقات الدولية، مرجع سابق، ص ص 409-410.
[158] – أحمد عبد الونيس، الدولة العاصية، مرجع سابق، ص ص 280-281.
[159] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 410.
[160] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 389.
[161] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص ص 409-411.
[162] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 388.
[163] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 411.
[164] – أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 282.
[165] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 389، 399، 402، ويحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 410.
[166] – المرجع السابق، ص 392، و Yoram Dinstein, War, Aggression and Self-Defense, Op. Cit. at: 177.
[167] – Ian Brownlie, International Law and the Use of Force by States, Op. Cit. at: 270.
[168] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 403.
[169] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 393.
[170] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 272.
[171] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 400، و Yoram Dinstein, Op. Cit. at: 177.، و Ian Brownlie, Op. Cit. at: 265.
[172] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 271.
[173] – أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 276.
[174] – Yoram Dinstein, Op. Cit. at: 213-221.
[175] – O.Schachter, “The Right of States to Use Armed Force”, 82, Mich.L.R., 1984, at: 1620-1638.
[176] – General Assembly Resolution No. 2625 (XXV), 25 R.G.A. 121,122 (1970).
[177] – Yoram Dinstein, Op. Cit. at: 222-24.
[178] – C. H. M. Waldock, “The Regulation of the Use of Force by Individual States in International Law”. 81 R.C.A.D.I. (1952) at: 451, 467.
[179] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 256.
[180] – Ibid. at: 255-56, 273-74.
[181] – Yoram Dinstein, Op. Cit. at: 230-35.
[182] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 255, 269.
[183] – أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 275.
[184] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص ص 405-407.
[185] – أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 276.
[186] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 265, 268.
[187] – Ibid. at: 265-268 and ويصا صالح، مرجع سابق، ص 393.
[188] – Ian Brownlie, Ibid, at: 256.
[189] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 408، 417.
[190] – Yoram Dinstein, Op. Cit. at: 222-25.
[191] – Malcolm N. Show, International Law, Fifth Edition, 2003, Cambridge University Press, UK, pp.: 1035-36.
[192] – Yoram Dinstein, Op. Cit. 227.
[193] – Ibid, at: 236, 238, 239.
[194] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 408.
[195] – أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 277.
[196] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 428.
[197] – المرجع السابق، ص ص 430-431.
[198] – S. Murphy, ‘Terrorism and the Concept of ‘Armed Attack’ in Article 51 of the U.N. Charter’, (2002), Harvard International Law Journal, p.: 51.
[199] – J. Lobel, ‘The Use of Force to Respond to Terrorists Attack: The Bombing of Sudan and Afghanistan, (1999) Yale Journal of International Law, pp.: 537-557.
[200] – W. O’Brien, ‘Reprisals, Deterrence and Self-Defence in Counter Terror Operations’, (1990) Virginia Journal of International Law, pp.: 421-479.
[201] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 432.
[202] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص ص 411-412.
[203] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 278-79.
[204] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص ص 411-412.
[205] – ِAntony Clark Arend and Robert J. Beck, International Law and the Use of Force, Op. Cit. at: 198-199.
[206] – Niaz A. Shah, Self-Defense, Anticipatory Self-Defense and Preemption: International Law’s Response to Terrorism, Journal of Conflict and Security Law (2007) Vol. 12 No. 1, Oxford University Press, p. 104.
[207] – عبد المنعم كاطو، الحرب ضد الإرهاب هل فقدت شرعيتها، مجلة الدفاع المصرية، 21 سبتمبر 2005، ص 82.
[208] – Niaz A. Shah, Op. Cit., p. 109.
[209] – J. Crowford, The International Law Commission’s Articles on State Responsibility: Introduction, Text and Commentaries (2003), p. 111.
[210] – ICTY Prosecutor v Tadic (1997).
[211] – Ibid. Para. 147.
[212] – D. Jinks, ‘Self-Defence in an Age of Terrorism’, (2003), American Society of International Law Proceedings, at: 145.
[213] – ‘Case Concerning the Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide’, (2007) ICJ Rep.: paras 402-407 in which the Court preferred the Nicaragua test to that in Tadic: (Ref (73) at: Niaz A. Shah, Op. Cit. at: 110).
[214] – يحيى الشيمي، مبدأ تحريم الحروب في العلاقات الدولية، مرجع سابق، ص 417.
[215] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص ص 412-413.
[216] – ويصا صالح، العدوان المسلح في القانون الدولي، مرجع سابق، ص 434.
[217] – Ian Brownlie, International Law and the Use of Force by States, Op. Cit. at: 254-55.
[218] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص ص 438-439.
[219] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 414.
[220] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 439.
[221] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 413.
[222] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 441.
[223] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 414.
[224] – المرجع السابق، ص ص 414-415.
[225] – المرجع السابق.
[226] – المرجع السابق، ص 418.
[227] – أحمد عبد الونيس، الدولة العاصية، مرجع سابق، ص ص 288-289.
[228] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 439.
[229] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 433، 435، 436.
[230] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 272.
[231] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 413.
[232] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 279.
[233] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 434.
[234] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 418.
[235] – أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 289.
[236] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 418.
[237] – J. Charney, ‘The Use of Force against Terrorism and International Law’, (2001) AJIL, at: 836.
[238] – أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 289.
[239] – Ian Brownlie, International Law and the Use of Force by States, Op. Cit. at: 727.
[240] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص ص 534-535.
وحق المطاردة الساخنة هو أحد الحقوق المكفولة للدول وفقاً للقانون الدولي. ويرجع هذا الحق تاريخياً إلى مجموعة جستنيان. وينقسم إلى حق المطاردة في البر وحق المطاردة في البحر، ويتطلب الأول الموافقة الصريحة من الدولة كي تستمر المطاردة على إقليمها لأنه من الحقوق الدولية الاتفاقية. (المرجع السابق في هامش 1 – ص 535).
[241] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 440.
[242] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 279.
[243] – يحيى الشيمي علي، مبدأ تحريم الحروب في العلاقات الدولية، مرجع سابق، ص 413.
[244] – Niaz A. Shah, Self-Defense, Op. Cit., p. 105.
[245] – J. Rowles, Op. Cit., p. 307-317.
[246] – A. Cassesse, ‘The International Community’s ‘Legal’ Response to Terrorism’. (1989) ICLQ, p.: 596.
[247] – Niaz A. Shah, Op. Cit., p. 108.
[248] – J. Crowford, The International Law Commission’s Articles on State Responsibility, Op. Cit., pp. 110-113.
[249] – O. Schachter, ‘In Defence of International Use of Force’, (1986), University of Chicago Law Review, p.: 132.
[250] – S. Knauft, ‘Proposed Guidelines for Measuring the Propriety of Armed State Responses to Terrorist Attacks’, (1996), Hastings International and Comparative Law Review, p.: 132.
[251] – Robert J. Beck and Antony Clark Arend, ‘Don’t Tread on Us’: International Law and Forcible State Responses to Terrorism’, Wisconsin International Law Journal, (1994) p. 206.
[252] – G. Intoccia, ‘American Bombing of Libya: An International Legal Analysis’, (1987) Case W. Res. Journal of International Law, p. 206.
[253] – Beck and Arend, ‘Don’t Tread on Us’, Op. Cit, at: 206.
[254] – Ibid.
[255] – W. O’Brien, ‘Reprisals, Deterrence and Self-Defence in Counter-terror Operations’, (1990) Virginia Journal of International Law, p.: 472.
[256] – M. Baker, ‘Terrorism and the Inherent Right of Self-Defence (A Call to Amend Article 51 of the United Nations Charter)’, (1987-88), Houston Journal of International Law, pp.: 25-49.
[257] – انظر: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 41/38 (20 نوفمبر 1986).
[258] – Military and Paramilitary Activities (Nicar. V. US), 1986 I.C.J. 14.
[259] – Military and Paramilitary Activities (Nicar. V. US), 1986 I.C.J. 14. Para. 195.
[260] – Michael N. Schmitt, The Legality of Operation Iraqi Freedom under International Law, available online at: <http://www.michaelschmitt.org/images/schmittarticle.pdf>
[261] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 429.
[262] – أحمد عبد الونيس، الدولة العاصية، مرجع سابق، ص 289، و يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 419.
[263] – أحمد عبد الونيس، المرجع السابق، ص 290.
[264] – المرجع السابق، ص 291.
[265] – أحمد عبد الونيس، المرجع السابق، ص ص 291-292.
[266] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 311.
[267] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 419.
[268] – Ibid, and: يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 419.
[269] – Ian Brownlie, Ibid, at: 263, and: يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 419.
[270] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 312.
[271] – محمد محمود خلف، حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي الجنائي، رسالة دكتوراة، دار النهضة العربية، القاهرة (1973)، ص449.
[272] – يحيى الشيمي علي، مرجع سابق، ص 419.
[273] – Ian Brownlie, Op. Cit. at: 262-263.
[274] – Ibid, at: 264.
[275] – ويصا صالح، مرجع سابق ، ص 443، و: أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 291، و: يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 420.
[276] – يحيى الشيمي، المرجع السابق.
[277] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 444.
[278] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص 420.
[279] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص ص 446-448، و: أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 291.
[280] – ويصا صالح، المرجع السابق، ص ص 446-448، 453.
[281] – أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 293.
[282] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص ص 423-425.
[283] – أحمد فتحي سرور، مرجع سابق.
[284] – Niaz A. Shah, Op. Cit. at: 119-120.
[285] – أحمد فتحي سرور، الأبعاد القانونية للعدوان الإسرائيلي على لبنان، الأهرام، 6 أغسطس 2006، في:
[286] – يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص ص 420-422.
[287] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص ص 458-459، 461.
[288] – أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 291.
[289] – ويصا صالح، مرجع سابق، ص 450.
[290] – أحمد عبد الونيس، مرجع سابق، ص 293.
[291] – M. O’Connell, Op. Cit.
[292] – Niaz A. Shah, Op. Cit. at: 125.
[293] – Mark Totten, Using Force First: Moral Tradition and the Case for Revision. Op. Cit., pp. 103-104.
[294] – محمد ناصر الدين الألباني، السلسلة الصحيحة، 5/472.
[295] – أبو بكر الجزائري، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، مكتبة العلوم والحكمة، المدينة المنورة، السعودية، ص ص 447-448، ويقول الشيخ الشعراوي – رحمه الله – في تفسير الآية الكريمة: “أي أنه ما دام هناك عهد، والعهد ملك لطرفين، هذا عاهد وذاك عاهد، فإياك أن تأخذهم على غرة، بل انبذ إليهم، والنبذ هو الطرح والإبعاد، أي عليك أن تلغي العهد الذي بينك وبينهم ……. ولكن لا تحاربهم قبل أن تعلمهم أنك قد ألغيت العهد بسبب واضح معلوم”، ذلك أن المسلمين “أبرياء أن يخونوا حتى مع الذين كفروا”. فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، معجزة القرآن، الجزء السابع، ص ص 4769-4771.
[296] – أبو بكر بن العربي (1076- 1148 م)، أحكام القرآن، الجزء السابع، ص 244.
[297] – المرجع السابق، الجزء الرابع، ص 52.
[298] – Hugo Grotius, ‘The Law of War and Peace’, 1625 and Emmerich de Vattel, ‘The Right of Self-Protection and the Effects of the Sovereignty and Independence of Nations’, 1758, at: Louis Rene Beres, ‘Anticipatory Self-Defense’, The Washington Times, July 25, 2005, at: <http://www.washtimes.com/op-ed/20050724-101302-5685r.htm>
[299] – Chambers Compact Dictionary (2001), p. 30.
[300] – Niaz A. Shah, Self-Defense, Anticipatory Self-Defense and Preemption: International Law’s Response to Terrorism, Op. Cit., p. 111.
[301] – Champers Compact Dictionary, Op. cit., p. 465.
[302] – Niaz A. Shah, Op. Cit., p. 111.
[303] – M O’Connell, ‘The Myth pf Preemptive Self-Defence’, Op. Cit.
[304] – M. Sapiro, ‘Iraq: The Shifting Sands of Pre-emptive Self-Defence’, (2003), American Journal of International Law, p. 559.
[305] – Niaz A. Shah, Op. Cit., p. 117, 126.
[306] – Malcolm N. Show, International Law, Op. Cit., p. 1029.
[307] – نعوم تشومسكي، الحرب الوقائية أو “الجريمة المطلقة”، العراق: الغزو الذي سيلازمه العار، المستقبل العربي، السنة 26، العدد 297، نوفمبر 2003، ص ص 36-46.
[308] – ِAntony Clark Arend and Robert J. Beck, International Law and the Use of Force, Op. Cit., pp. 72-73.
[309] -Ibid.
[310] – سمعان بطرس فرج الله ، تعريف العدوان، ص 69.
[311] – D. W. Bowett, Self Defense in international law, Manchester, 1958, p. 11.
[312] – Nagendra Singh, Nuclear Weapons and International Law, New York, Praeger, 1959, p. 121.
[313] – Wakamizu Tsutsui, Changing Postwar International Legal Regime: The Role Played by Japan, Brill, N.H.E.J. N.V., Koniklijke, Boekhakdel en Drukkeri, 2002, p. 51.
[314] – M. Glennon, ‘The Fog of Law: Self-defence, Inherence, and Incoherence in Article 51 of the United Nations Charter’, (2003), Harvard Journal of Law and Public Policy, p. 20.
[315] – McDougal and Feliciano, Law and Minimum World Public Order: The Legal Regulation of International Coercion (1961), and:
- Schachter, ‘The Right of States to Use Armed Force’, Op. Cit., pp. 1620-1646.
[316] – T. Frank, ‘When, If Ever, May States Deploy Military Force Without Prior Security Council Authorization’, (2001) Washington University Journal of Law and Policy, p. 68.
[317] – “States cannot be sitting ducks”, M. S. McDougal says in: ‘The Soviet-Cuban Quarantine and Self-Defense’, (1963) American Journal of International Law, p. 601.
[318] – Malcolm N. Show, Op. Cit. at: p. 1028-29.
[319] – Antony Anghie, ‘The War on Terror and Iraq in Historical Perspective’, 2005, Ohio Law Journal, p.53, available online at: <http://www.ohlj.ca/archive/articles/43_12_anghie.pdf>
[320] – D.W. Bowett, ‘Collective Self-defence under the Charter of the United Nations’ (1955-56), British Year Book of International Law, pp. 130-161.
[321] – Niaz A. Shah, Op. Cit., p. 103, 111, 123.
[322] – Abadee and Rothwell (2008) 26 AYBIL, Rothwell (2005) 25 CQLJ 337, and Donald R. Rothwell, Anticipatory Self-Defence in the Age of International Terrorism, University of Queensland Law Journal, no. 23, 2005, p. 13, at:
http://www.austlii.edu.au/au/journals/UQLJ/2005/23.html
[323] – M. O’Connell, ‘The Myth pf Preemptive Self-Defence’ Op. Cit., p.: 11, and Niaz A Shah, Op. Cit., p. 103.
[324] – Niaz A. Shah, Ibid, at: p.: 103-104.
[325] – E. Gross, ‘Thwarting Terrorist Acts by Attacking the Perpetrator of their Commanders as an Act of Self-Defence: Human Rights Versus the State’s Duty to protect its Citizens’, (2001), Temple International and Comparative Law Journal, p. 213.
[326] – H. Kelsen, ‘Collective Security and Collective Self-Defence under the Charter of the United Nations’, (1984), American Journal of International Law, pp.: 791-792.
[327] – ِArend and Beck, Op. Cit. at: p. 72-73.
[328] – حسام سويلم، الضربات الوقائية في الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة، السياسة الدولية، العدد 150، أكتوبر 2002، ص 293.
[329] – Niaz A. Shah, Op. Cit. at: p. 100.
[330] – Nicaragua v United States of America, ICJ Rep. 1986, para. 194, at: <http://www.icj-cij.org/icjwww/icases/inus/inus_ijudgment/inus_ijudgment_19860627.pdf>
[331] – M. O’Connell, Op. Cit. at: p.: 8.
[332] – Nicaragua v United States of America, ICJ Rep., Op. Cit. , para. 173.
[333] – Democratic Republic of Congo v Uganda, ICJ Rep. 2005, Judge Kooijmans, paras 25-34, Judge Simma, paras 7-15.
[334] – ِAntony Clark Arend and Robert J. Beck, Op. Cit., p.: 72-73.
[335] – Ian Brownlie, International Law and the Use of Force by States, Op. Cit., p. 276.
[336] – O. Schachter, Op. Cit., p. 1633-1634.
[337] – Ian Brownlie, Op. Cit., p. 277-78.
[338] – Niaz A. Shah, Op. Cit., p. 101.
[339] – C. Waldock, ‘The Regulation of the Use of Force by Individual States in International Law’, (1952), Recueil Des Cours, p. 498, and C. Greenwod, ‘The Legality of Using Force Against Iraq’, Memorandum to the UK Government on 12 October 2002, @:
http://www.publications.parliament.uk/pa/cm200203/cmselect/cmfaff/196/2102406.htm
[340] – Ian Brownlie, Op. Cit., p. 259.
[341] – Niaz A. Shah, Op. Cit., p. 118.
[342] – Ian Brownlie, Op. Cit., p. 259.
[343] – Niaz A. Shah, Op. Cit., p. 124.
[344] – Ibid, p. 118.
[345] – Yoram Dinstein, War, Aggression and Self-Defense, Op. Cit., p. 237.
[346] – Malcolm N. Show, Op. Cit., p. 1036.
[347] – Niaz A. Shah, Op. Cit. p. 119.
[348] – Ian Brownlie, Op. Cit., p. 259-60.
[349] -Ibid, p. 257.
[350] – Ibid, at: 258-59.
[351] – Ibid.
[352] – Ibid, p. 259, 274, 279-280.
[353] – S. Murphy, ‘Terrorism and the Concept of ‘Armed Attack’ in Article 51 of the U.N. Charter’, Op. Cit., p. 51.
[354] – Ian Brownlie, Op. Cit., p. 280.
[355] – Yoram Dinstein, Op. Cit., p. 98.
[356] – Ian Brownlie, Humanitarian Intervention, in: J. Moore (Ed.), Law and Civil War: The International Regulation of Civil Wars in the Modern World, Baltimore, John Hopkins Press, 1978, pp. 719-720.
[357] – Ian Brownlie, Op. Cit., p. 260.
[358] – Yoram Dinstein, Op. Cit., p. 99.
[359] – ِAntony Clark Arend and Robert J. Beck, Op. Cit., p.: 178-188.
[360] -Ibid, at: 188-193.
[361] -Ibid.
[362] – Louis Henkin, The Reports of the Death of Article 2 (4) are Greatly Exaggerated, 65 American Journal of International Law, p. 544 (1971).
[363] – Jason Burk & Ed Vulliamy, War Clouds Gather as Hawks Lay their Plans, Observer, July 14, 2002, p.: 14.
[364] – ِAntony Clark Arend and Robert J. Beck. Op. Cit., p. 73.
[365] – وقد استخدم الدفاع الوقائي كأحد عناصر التبرير القانوني الذي قدمته الولايات المتحدة لغزوها جرينادا وبنما، وووجهت الولايات المتحدة في الحالتية بإدانة دولية واسعة النطاق.
Myra Williamson, ‘Terrorism, War and International Law, Op. Cit., p. 212.
[366] – والذي كان الدفاع الوقائي أيضاً أحد مبرراته، وقد أدانته الجمعية العامة معتبرة إياه انتهاكاً واضحاً للميثاق، ولسلم وأمن المنطقة، وطالبت الولايات المتحدة بالتوقف عن تهديد ليبيا بالقوة المسلحة، وأقرت حق ليبيا في الحصول على التعويضات الملائمة عن الخسائر المادية والبشرية.
GA Resolution A/Res/41/38, 20 November 1986, 78th Plenary meeting, 41 UN GAOR Supp. (No.53) at 34, UN Doc A/41/53 (1986); Passed by a vote of 79 to 28.
[367] – Myra Williamson, Op. Cit., pp. 119-120.
[368] – GA Res 997 (Es-I), 2 November 1956; GAOR Es-I Supp (No. 1) at 2; UN Doc A/3354, Ibid, p. 119.
[369] -Ibid, p. 74-75.
[370] – Lee A. Casey and David B. Rivkin, Jr., ‘Anticipatory Self-Defense Against Terrorism is Legal’, Op. Cit.
[371] – وكانت مسألة طبيعة الأسلحة جوهرية بالنسبة للمثل غانا. ففي استعراضه للحجج القانونية التي يمكن بها تبرير ما فعلته الولايات المتحدة؛ طرح السيد Quaison Sacky الأسئلة التالية:
هل هناك ثمة أساس للقول بأن ما فعلته الولايات المتحدة مبررٌ بوصفه ممارسة للحق الأصيل في الدفاع الشرعي؟ هل يمكن الموافقة على أنه قد توافر، طبقاً لكلمات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق صاحب الشهرة الواسعة كفقيه قانوني، ضرورة ملحة وغامرة للدفاع عن النفس، لا تترك الفرصة للتشاور، ولا خياراً بين الوسائل؟ ثم انتقل الإجابة عن أسئلته مقرراً أنه يرفض هذا لأنه: لا يوجد دليل حتى اللحظة دليل لا يقبل الجدل فيما يتعلق بالطبيعة الهجومية للتطورات العسكرية في كوبا. ولا يتأتى القول بأن التهديد كان ذا طابع يجيز الفعل الأمريكي على النطاق الذي تم فيه من قبل الرجوع إلى مجلس الأمن. ومن ثم يكون المندوب الغاني قد قبل صراحةً مبدأ الدفاع الوقائي عن النفس، كما استخدم صيغة Webster في قضية الكارولينا مطبقاً إياها على خصوصيات واقعة أزمة الصواريخ الكوبية.
ِAntony Clark Arend and Robert J. Beck, Op. Cit., p. 75.
وحتى كوبا والاتحاد السوفيتي قد أكدا على أن الصواريخ كانت دفاعية تصديقاً منهم فيما يبدو للحجة القائلة بأنه إذا كانت الصواريخ هجومية فيحتمل أن يكون هناك مبرر للفعل الاستباقي الأمريكي.
[372] – Myra Williamson, Op. Cit., p. 119.
[373] – Malcolm N. Show, Op. Cit., pp.: 1028-29.
وقد أخبر الممثل الإسرائيلي Aba Eban مجلس الأمن بما يلي:
(أن جيشاً أعظم من أي قوة قد اجتمعت في التاريخ في سيناء، قد تجمع في مواجهة الحدود الجنوبية لإسرائيل. وقد طردت مصر قوات الأمم المتحدة التي كانت ترمز إلى الاهتمام الدولي بالحفاظ على السلام في منطقتنا، وقد أحضر ناصر بشكل استفزازي خمس كتائب للمشاة وكتيبتين مدرعتين إلى حدود بواباتنا. لقد كانت هناك 80000 جندي و900 دبابة على استعداد للحركة).
ِAntony Clark Arend and Robert J. Beck, Op. Cit., pp. 76-77.
[374] – فقد عرض الممثل السوري، على سبيل المثال، التعليقات التالية:
(لم يشر الإسرائيليون، ولو مرة، إلى عدوان عربي على إسرائيل في هذه الأزمة. لنر ما هي الكلمات التي يستخدمها ممثل إسرائيل اليوم: “محاولات” للعدوان، و”تهديدات”. ولكن من الذي ارتكب العدوان؟ الطرف الذي ارتكب العدوان، الطرف الذي هو بلا ريب المعتدي في هذه القضية هو إسرائيل وفقط إسرائيل. لقد بدأت إسرائيل الهجوم على مصر، وهاجمت إسرائيل سوريا في 7 أبريل بقوات كبيرة، وبالقوات الجوية، ودمرت الممتلكات وقتلت المدنيين).
وبالمثل، فإن ممثل المغرب بدا وكأنه يقترح أن الاستخدام المبتدأ للقوة كان حاسماً. فبرغم أنه قد حاول أن يبرهن على أن الدول العربية لم تكن تحضّر للحرب؛ فقد شرح أنه من الصحيح أن يتم إخبارنا أن فيما يتعلق بالتدابير العسكرية ، فليس من الضروري تحديد أي الأفعال كانت عدوانية وأيها كانت دفاعية. وما يبدو أنه كان يحاول إثباته هنا كان أن النية في الاستعداد العسكري – سواءً كان دفاعية أو هجومية – ليست حاسمة في إقامة المسئولية عن العدوان. ويبدو أن افتراضه الأساسي هو أن الاستخدام الأول للقوة هو الفعل العدواني. وكما هو متوقع فإن المندوب السوفيتي لدى مجلس الأمن كان مقتنعاً أيضاً بأن إسرائيل هي المعتدية. وقد بدا هو الآخر مؤكداً على واقعة أن إسرائيل هي أول من استخدم القوة. أما الوفود التي كانت أكثر تعاطفاً مع إسرائيل (الولايات المتحدة وبريطانيا) فقد اتجهت للامتناع عن أي مناقشة لكون الدفاع الوقائي عن النفس مباحاً. لذا كان الوفد الوحيد الذي بحث في المفهوم القانوني هو إسرائيل نفسها-Ibid
[375] – Ibid.
[376] – Malcolm N. Show, International Law, Op. Cit., p.: 1029.
[377] – M. O’Connell, ‘The Myth of Preemptive Self-Defence’, Op. Cit., p. 9, and: Myra Williamson, Op. Cit., p. 119.
[378] – Myra Williamson, Ibid.
[379] – Statement of Mr. Blum, UN Doc S/PV 2280, 12 June 1981 at 37 and 52-5.
[380] – Myra Williamson, Op. Cit., p. 119.
[381] – فقد أخبر المندوب السوري – على سبيل المثال – المجلس أن “المادة 51 من الميثاق تعرف بوضوح الدفاع عن النفس بوصفه حقاً أصيلاً فقط إذا ما حدث هجوم مسلح ضد أحد أعضاء الأمم المتحدة.” ومضى إلى القول بأن فكرة الهجمات الاستباقية كانت مفهوماً قد تم دحضه مرة بعد أخرى في “تعريف العدوان”، وقد تم رفضه باعتباره غير مقبول نظراً لأنه يغتصب سلطات مجلس الأمن كما حددت في المادة 39 من الميثاق، كما يقلص سلطة المجلس. وقد تبنى مندوب Guyana أيضاً المفهوم الضيق فشرح أنه بينما منحت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للدول الأعضاء الحق في الدفاع عن النفس بشكل فردي إذا ما حدث هجوم مسلح ضدهم، فمن غير الممكن أن تكون قد سمحت لهم باستخدام الهجمات الاستباقية، والتي تتعارض مع روح الميثاق وأهداف ومبادئ المنظمة. وكان ممثلو كل من باكستان وأسبانيا والمكسيك ويوغوسلافيا أيضاً من بين من بدا أنهم قد اتخذوا المفهوم الضيق للمادة حيث أكدوا أن المادة 51 لا يمكن تفسيرها على أنها تسمح بالدفاع الوقائي عن النفس بأي شكل، وأن استخدام القوة لا يكون مباحاً إلا رداً على هجوم مسلح فعلي.
– ِAntony Clark Arend and Robert J. Beck, Op. Cit., pp. 77-79, and: Myra Williamson, Ibid, p. 120.
[382] – فمثلاً، رفض السيد Koroma ممثل سيراليون زعم إسرائيل بالدفاع عن النفس مفسراً أن دعوى الدفاع عن النفس تكون معتلّة حيث لم يحدث هجوم عسكري، أو لا يكون مثل هذا الهجوم حالاَّ eminent. وقد استطرد مستشهداً بنص ما قاله Webster في خطابه في قضية الكارولينا حيث شرح أنه “بالنسبة لمبدأ الدفاع عن النفس، فمن المعترف به لفترة طويلة، أنه لكي يكون نافذاً ومبرراً فإن ضرورة الأداء يجب أن تكون ملحة، وغامرة، ولا تترك خياراً بين الوسائل أو وقتاً للتشاور”. والفعل الإسرائيلي كما شرح هو” قد نفذ لملاحقة سياسات قد تمت دراستها وتحضيرها منذ زمن طويل، لذا كان بكل وضوح عملاً من أعمال العدوان”. وفي إطار متصل، استند المندوب البريطاني السير Anthony Parsons بشكل أساسي إلى قضية الكارولينا. فقد شرح Parsons أنه “لقد تم الادعاء بأن الهجوم الإسرائيلي كان عملاً للدفاع عن النفس. ولكنه لم يكن رداً على هجوم عسكريي على إسرائيل من قبل العراق. ولم تكن هناك ضرورة ملحة ولا غامرة للدفاع عن النفس. كما لا يمكن تبريره كتدبير قسري لحماية النفس. لقد بلغ التدخل الإسرائيلي حداً من استخدام القوة لا يمكن أن يجد مكاناً تحت مظلة القانون الدولي أو في الميثاق، ولقد انتهك سيادة العراق. وهذا الاتجاه أيده في أساسه عامةًً وفود أوغندا والنيجر وماليزيا.
Arend and Beck, Ibid.
[383] – Myra Williamson, Op. Cit., p. 120.
[384] – Ibid, pp. 258-260.
[385] – A, D’Amato, ‘International Law Aspects of the Mideast “War”’, Jurist Forum, 18 July 2006, Available online at: <http://jurist.law.pitt.edu/forumy/2006/07/international-law-aspects-of-mideast.php>
[386] – IAEA Press Releases, Press Release 2008/06, ‘Statement by IEAE Director General Mohamed El-Baradei, 25 April 2008, at: http://www.iaea.org/NewsCenter/PressReleases/2008/prn200806.html, accessed at: 18 June 2008.
[387] – Myra Williamson, Op. Cit., pp. 260-263.
[388] – J. Paust, ‘Responding Lawfully to International Terrorism: The Use of Force Abroad’, (1986), Whittier Law Review, p.: 717.
[389] – Myra Williamson, Op. Cit., p. 121.
[390] – Robert Hill, John Bray Memorial Oration, University of Adelaide, 28 November 2002, at: http://www.defence.gov.au/minister/HillSpeechtpl.cfm?CurrentId:2121, accessed at: 12 June 2008.
[391] – Australian Broadcasting Corporation, Lateline, ‘Prime Minister takes Cautious Line in Face of Terrorist Threat’, broadcast 29 November 2002, transcript at: http://www.abc.net.au/lateline/stories/5738064.htm, accessed at: 12 June 2008.
[392] – Myra Williamson, Op. Cit., pp. 123-124.
[393] – Ian Brownlie, Op. Cit., p. 275, 279.
[394] – ِAntony Clark Arend and Robert J. Beck, Op. Cit., p. 29.
[395] -Ibid, p. 30.
[396] – Yoram Dinstein, ‘War, Aggression and Self-Defense’, Op. Cit., pp. 92-94.
[397] – والذي كررت ديباجته نص المادة 2/4 معتبرة الحرب العدوانية جريمة ضد السلام تشكل من ثم سبباً للمسئولية الدولية وفقاً للقانون الدولي. ولقد أوجب هذا القرار في المادة 2على الدول الامتناع عن استخدام القوة باعتبارها وسيلة لتسوية المنازعات الدولية أو خرق الحدود الدولية بين الدول أو خطوط الهدنة.
[398] – ياسمين أحمد إسماعيل، الحرب على العراق في ضوء أحكام الشرعية الدولية (دراسة سياسية قانونية لقرارات مجلس الأمن 2001-2004) رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، ص 168-169، ومحمد الهزاط، الحرب الأمريكية – البريطانية على العراق والشرعية الدولية، المستقبل العربي، السنة 26، العدد 292 (يونيو 2003)، ص ص 78-114.
[399] – Yoram Dinstein, Op. Cit., p. 99.
[400] – والتي نصت على ما يلي: “تعتبر باطلة كل معاهدة تعقد نتيجة التهديد أو استعمال القوة في ظروف تعد خرقاً لميثاق الأمم المتحدة”.
[401] – حيث نصت المادة 301 منها على ما يلي: “تمتنع الدول الأطراف في ممارستها لحقوقها وأدائها لواجباتها بموجب هذه الاتفاقية عن أي تهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو بأية صورة تتنافى ومبادئ القانون الدولي المتضمنة في ميثاق الأمم المتحدة”.
[402] – محمد الهزاط، مرجع سابق، و ياسمين أحمد إسماعيل، مرجع سابق، ص 168-169.
[403] – Yoram Dinstein, Op. Cit. p. 100-101.
[404] – ياسمين أحمد إسماعيل، مرجع سابق، ص 168-169، ومحمد الهزاط، مرجع سابق.
[405] – Yoram Dinstein, Op. Cit., p. 96.
[406] – Ibid, p. 101-102.
[407] – Ibid, p. 104-105.
[408] – T. Frank, Op. Cit., p. 62.
[409] – Ian Brownlie, Op. Cit., p. 259.
[410] – محمود خيري بنونة، القانون الدولي واستخدام الطاقة النووية، القاهرة، 1971، ص 78.
[411] – Gu Guoliang, Redefine Cooperative Security, Not Preemption, at: Alexander T. J. Lennon (Editor) and Camille Eiss (Editor), Reshaping Rogue States: Preemption, Regime Change and U.S. Policy toward Iran, Iraq and North Korea, (Cambridge, Mass.: MIT Press, 2004), p. 76, 79.
[412] – Jason D. Eliss, The Best Defense: Counterproliferation and U.S. National Security, at: Reshaping Rogue States, Op. Cit., p. 51.
[413] – سوسن العساف، استراتيجية الردع: العقيدة العسكرية الأمريكية الجديدة والاستقرار الدولي، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2008، ص 27، 31.
[414] – أمين حامد هويدي، الصراع العربي الإسرائيلي بين الرادع التقليدي والرادع النووي، ط2، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1983، ص 32.
[415] – ألكسندر جورج وريتشارد سموك، الردع في التاريخ، تراجم وزارة الدفاع العراقية، بغداد، جامعة البكر، كلية الحرب، 1986، ص 3.
[416] – سوسن العساف، مرجع سابق، ص ص 51-64.
[417] – إبراهيم إسماعيل كاخيا، الآفاق الاستراتيجية لنظرية الردع، دمشق، الفكر العسكري، العدد 6، 1998، ص 5.
[418] – وذلك بإقامة شبكة من التحالفات والقواعد العسكرية للقضاء على المد الشيوعي وحصر نطاقه.
[419] – حيث اعتمدت الولايات المتحدة في الردع هنا على أنها سوف تواجه أي تهديد لمصالحها، في أي مكان، بحرب انتقام نووية شاملة.
[420] – وهنا تتفق القوتان العظميان ضمنياً على حصر الحرب بينهما على بقعة محدودة وأسلحة تقليدية، على الرغم من قدرتهما على توسيع نطاق الحرب من حيث المكان، أو باللجوء إلى السلاح النووي.
[421] – حيث تقوم هذه الاستراتيجية على توفير البدائل المتنوعة للولايات المتحدة لكي ترد على كل هجوم أو تهديد بما تراه مناسباً من ترسانتها العسكرية، مع إمكانية تصاعد الرد وفقاً لتزايد المخاطر بالتدرج في استخدام الأسلحة.
[422] – وذلك باستخدام الأقمار الصناعية للتعرض للهجمات الصاروخية السوفيتية، لتدميرها في الفضاء قبل أن تصل إلى أهدافها.
[423] – وتعمل على انطلاق صواريخ هجومية لمواجهة المقذوفات الموجهة إلى الأراضي الأمريكية، وخاصةً من جانب الدول “المارقة”.
Michael E. O’Hanlon, “Star Wars Strikes Back”, Foreign Affairs, Vol. 78., no. 6, (November-December 1999), p. 72.
[424] – انظر في تفصيل القول في هذه الاستراتيجيات، سوسن العساف، مرجع سابق، ص ص 73-101.
[425] – حيث قال ديك تشيني في خطابه أمام مجلس الشئون العالمية في لوس أنجلوس في يناير 2004: “إن من الصعب ردع عدو ليست له أرض يدافع عنها، ولا جيش يمكن مواجهته، ولا ممتلكات فعلية يمكن تدميرها لكي نعوقه ونحول دون شنه هجوماً علينا”. (نشرة واشنطن، مارس 2004، في: http://www.usinfo.state.gov، وهو يشير هنا بالطبع إلى الردع التقليدي.
[426] – سوسن العساف، استراتيجية الردع، مرجع سابق، ص ص 54-64.
[427] – T. Frank, Op. Cit.
[428] – Malcolm N. Show, Op. Cit., p. 1030.
[429] – Malcolm N. Show, Op. Cit. 1029.
[430] – M. O’Connell, Op. Cit., p. 5, 13.
[431] – C.H.M. Waldock, Op. Cit. p. 451, 498.
[432] – Yoram Dinstein, Op. Cit., p. 237.
[433] – M. O’Connell, Op. Cit. p. 9-10.
[434] – Malcolm N. Show, Op. Cit. at: p. 1030.
[435] – M. O’Connell, Op. Cit., p. 11.
[436] – Narelle Thomas BA, B Jour, The Use of Force and Preemption: A Legitimate Practice Under the UN Charter?, Op. Cit., p. 5.
[437] – Mark Totten, Using Force First, Op. Cit., p. 96.
[438] – حسام سويلم، الضربات الوقائية في الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة، مرجع سابق، ص ص 290-297.
[439] – نصير عاروري، حروب جورج دبليو بوش “الوقائية” بين مركزية الخوف وعولمة إرهاب الدولة، المستقبل العربي، السنة 26، العدد 297، نوفمبر 2003، ص ص 8-35.
[440] – United States’ National Security Strategy 2002 (revised in 2006).
[441] – نصير عاروري، مرجع سابق.
[442] – “Complete Text of Bush’s West Point Address” Newsmax Wires and Newsmax (June 2002), at: http://www.newsmax.com/archives/articles/2002/6/2/81354.shtml
[443] – جون لويس جاديس، “الأجندة المخفية لإدارة بوش: العراق والبقية تأتي..!!! “أمركة” العالم استراتيجية عمرها نصف قرن”، مجلة الجزيرة، فبراير 2003، في:
http://www.al-jazirah.com.sa/magazine/04022003/almlfsais1450.htm
و كلايد برستوفتز، الدولة المارقة والدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية، تعريب: فاضل جتكر (بيروت: شركة الحوار الثقافي، 2003)، ص 33.
[444] – نصير عاروري، مرجع سابق.
[445] – http://www.newamericancentury.org/iraqclintonletter.htm
وقد وقع هذه الوثيقةً إضافةً إليه كل من إليوت أبراهام، ريتشارد ل. أرميتاج، وليم ج. بنيت، جفرى بيرجنر، جون بولتون، باول دوبريانسكي، فرانسيس فوكوياما، روبرت كاجن، زلماى خليل زاده، وليم كريستول، ريتشارد بيرل، بيتر و. رودمن، دونالد رامسفيلد، وليم شنيدر جونيور، فين ويبر، ر. جيمس ولسى، روبرت زويليك. (نصير عاروري، مرجع سابق).
[446] – Richard Perle, “Thank God for the Death of the UN: Its Abject Failure Gave us only Anarchy: The World Needs Order”, Guardian, 21/3/2003.
[447] – Ari Shavit, “White Man’s Burden”. Haaretz, 4/4/2003.
[448] – Guy Dinmore and James Harding, Financial Times, 3/5/2003 and 4/5/2003.
[449] – السيد ولد أباه، عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001: الإشكالات الفكرية والاستراتيجية، (بيروت: الدار العربية للعلوم، 2004)، ص 85، وعبدالرحمن بن عطية الله الظاهري، الحرب على الإرهاب في ضوء القانون الدولي المعاصر، رسالة دكتوراة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2007، ص 561.
[450] – United States’ National Security Strategy 2002, Op. Cit. at: p. 6.
[451] – السيد ولد أباه، مرجع سابق، ص 80.
[452] – عبد المنعم كاطو، استراتيجية الحرب الوقائية في ظل النظام العالمي الجديد، مجلة الدفاع المصرية، ص 43.
[453] – عبد الوهاب الكيالي (المؤلف الرئيسي ورئيس التحرير، موسوعة السياسة، ج7 (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981-1994)، ص 706.
[454] – حسام سويلم، مرجع سابق، ص 293.
[455] – المرجع السابق، ص 292.
[456] – سوسن العساف، استرتيجية الردع، مرجع سابق، ص 198.
[457] – المرجع السابق، ص 200.
[458] – عبد الحميد عبد الخالق علي أحمد، جريمة الإرهاب الدولي: النظرية العامة لجريمة الإرهاب، أهم صورها، المعالجة القانونية لمكافحتها، رسالة دكتوراة، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، أبريل 2005، ص ص 581-582.
[459] – المرجع السابق.
[460] – المرجع السابق، ص 586.
[461] – نصير عاروري، مرجع سابق.
[462] – عبد الحميد عبد الخالق، مرجع سابق، ص ص 586-587.
[463] – سوسن العساف، مرجع سابق، ص ص 205-206.
[464] – مجموعة من المؤلفين، “العمليات العسكرية …. المراحل والنتائج”، في: التقرير الاستراتيجي العربي 2002-2003، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 2003، ص 77-79. وياسمين أحمد إسماعيل، الحرب على العراق في ضوء أحكام الشرعية الدولية، مرجع سابق، ص 157.
[465] – أحمد إبراهيم محمود، “حرب الخليج الثالثة: الاستراتيجيات العسكرية، ودلالات الصمود العراقي”، السياسة الدولية، العدد 152، أبريل 2003، ص ص 54-55.
[466] – عثمان كامل حسين وآخرون، “حرب الخليج الثالثة – يوميات الحرب الأمريكية المبرمجة على العراق“، (القاهرة، المكتب المصري الحديث، ط1، يناير 2004)، ص 457.
[467] – وهو ما يفسر شغل سوريا في الأزمة اللبنانية، والاتهامات الموجهة إليها في مقتل الحريري، وشغل إيران والحلفاء الغربيين بالملف النووي الإيراني والمناقشات حوله، حتى إحكام السيطرة على العراق، ومن ثم التفرغ لهم. (سرمد عبد الستار أمين، “رؤية استراتيجية للأمن في الشرق الأوسط”، دراسات دولية، العدد 29، ديسمبر 2005، ص ص 84-85).
[468] – نصير عاروري، مرجع سابق.
[469] – عماد جاد، “العامل الإسرائيلي في الأزمة العراقية”، في: حسن نافعة ونادية مصطفى (محرران)، “العدوان على العراق: خريطة أزمة ومستقبل أمة“، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، 2003، ص 179..
[470] – أكرم ألفي، إسرائيل ونكبة العراق، في: أحمد السيد النجار (محرر)، نكبة العراق: الآثار السياسية والاقتصادية، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2003، ص ص 285-288.
[471] – نصير عاروري، مرجع سابق.
[472] – Malcolm N. Show, International Law, Op. Cit., p.: 1030.
[473] – وليد حسن فهمي، الولايات المتحدة والحرب على الإرهاب .. الجدل السياسي والقانوني، السياسة الدولية، العدد 166، أكتوبر 2006، ص ص 74-76.
[474] – ‘Case Concerning the Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide’, (2007) ICJ Rep.: para.s: 402-407 in which the Court preferred the Nicaragua test to that in Tadic, at: Niaz A. Shah, Op. Cit at: p. 110, Ref. 73.
[475] – Brian J. Foley, ‘U.S. Campaign Against Afghanistan Not Self-Defense Under International Law’, Op. Cit.
[476] – عبد الحميد عبد الخالق علي أحمد، مرجع سابق، ص 583.
[477] – Myra Williamson, , ‘Terrorism, War and International Law, The Legality of the Use of Force in Afghanistan in 2001’, Op. Cit., p. 218-221.
[478] – Rolf Jurgensen, ‘Last Line of Defense’ (2002), Oslo University.
[479] – محمد الهزاط، الحرب الأمريكية – البريطانية على العراق والشرعية الدولية، مرجع سابق، ص ص 78-114.
[480] – سوسن إسماعيل العساف، “الديمقراطية والاستراتيجية الأمريكية حيال منطقة الشرق الأوسط: العراق: النموذج الأول””، دراسات دولية، بغداد، العدد 25، 2004، ص 120.
[481] – عبدالرحمن بن عطية الله الظاهري، مرجع سابق، ص ص 585-593.
[482] – حيث أكد جورش بوش الابن ذلك بقوله: “إن الهموم ذات الطابع الإنساني هي الدافع لمواجهة العراق، فمن الواضح أن تغيير النظام العراقي، إذا ما أقدمنا عليه، ستكون له أبعاد استراتيجية”. (بوب وودوارد، “حرب بوش: عرض وتحليل“، ترجمة: حسين عبد الواحد، القاهرة، مكتبة مدبولي، 2003، ص ص 102-103).
[483] – شريف بسيوني، مرجع سابق، ص 17.
[484] – ِAntony Clark Arend and Robert J. Beck, ‘International Law and the Use of Force’, Op. Cit., p.193.
[485] – وليد حسن فهمي، مرجع سابق، ص ص 76-77.
[486] – M. Bagaric and J. McConvill, ‘The War in Iraq: the Illusions of International Law: Where Now?’ Deakin Law Review 7, 2003.
[487] – Jack Spencer, Presidential Authority in the War on Terrorism: Iraq and Beyond, @: http://www.heritage.org
[488] – ياسمين أحمد إسماعيل، مرجع سابق، ص 110.
[489] -Albania v United Kingdom, ICJ Rep. 1949 (The Corfu Channel Case).
[490] – محمد حسنين هيكل، الامبراطورية الأمريكية، القاهرة، دار الشروق، 2003، ص 360-365.
[491] – “Complete Text of Bush’s West Point Address”, Op. Cit.
[492] – شريف بسيوني، “الحرب الأمريكية في العراق: مشروعية استخدام القوة!”، السياسة الدولية، العدد 151، يناير 2003، ص 16.
[493] – ويصا صالح، “مبررات استخدام القوة في القانون الدولي التقليدي”، المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد 36، 1976، ص 132.
[494] – محمد محمود خلف، حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي الجنائي، ص 40.
[495] – Abraham D. Sofaer, ‘On the Necessity of Preemption’, European Journal O International Law, Vol. 14, no. 2, 2003, p. 220.
[496] – ياسمين أحمد إسماعيل، الحرب على العراق في ضوء أحكام الشرعية الدولية، مرجع سابق، ص 109-110، و
- Murphy, ‘U.S. Adoption of New Doctrine of Use of Force’, (2003), 97 American Journal of International Law 203, p. 204.
[497] – L. Bondi, ‘Legitimacy and Legality: Key Issues in the Fight against Terrorism’, Washington D.C.: The Fund for Peace, 2002, p. 9,10 and 13 and M. Bagaric and J. McConvill, Op. Cit., p. 14.
[498] – J. Yoo, ‘Using Force’, (2004), The University of Chicago Law Review, p. 730.
[499] – سوسن العساف، استراتيجية الردع، مرجع سابق، ص 217.
[500] – L. Damrosch, ‘Sanctions against Perpetrators of Terrorism’, (2000), Houston Journal of International Law, p.: 68.
[501] – C. Greenwood, ‘The Legality of Using Force against Iraq’, Memorandum to the UK Government on 12 October 2002, at:
<http://www.publications.parliament.uk/pa/cm200203/cmselect/cmfaff/196/2102406.htm>.
[502] – L. Goldsmith, ‘Iraq: Resolution 1441’, (Secret Memo to the Prime Minister) 7 March 2002, at: <http://image.guardian.co.uk/sys-files/Guardian/documents/2005/04/28/legal.pdf>
[503] – M. Byers, ‘Iraq and the “Bush Doctrine” of Pre-Emptive Self-Defence’, (2002), Crimes of War Project, at: <http://www.crimesofwar.org/expert/bush-buyers.html>
[504] – Niaz A. Shah, Op. Cit. at: p. 117.
[505] – John Norton Moore, ‘Preemption and International Law’, at:
<http://www.virginia.edu/cnsl/pdf/preemp~1.pdf>
[506] – Myra Williamson, Op. Cit., p. 124: note: 153.
[507] – محمد الهزاط، مرجع سابق.
[508] – المرجع السابق.
[509] – محمد الهزاط، المرجع السابق.
[510] – ياسمين أحمد إسماعيل، مرجع سابق، ص ص 172-173، ومحمد الهزاط، المرجع السابق.
[511] – عبدالرحمن بن عطية الله الظاهري، مرجع سابق، ص 566.
[512] – نبيل أحمد حلمي، “استخدام القوة في العلاقات الدولية من منظور القانون الدولي”، سلسلة دراسات دولية معاصرة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002، ص ص 41-42.
[513] – Press Briefing by Richard Myers, compiled by CNN Live Event, Oct. 25th, 2002.
[514] – محمد الهزاط، مرجع سابق.
[515] – المرجع السابق.
[516] – المرجع السابق.
[517] – المرجع السابق.
[518] – عبد الله تركماني، “الحرب الوقائية بعد أحداث 11 سبتمبر من وجهة نظر القانون الدولي وحقوق الإنسان – العراق نموذجاً“، من أوراق ندوة “حقوق الإنسان: المخاطر والتحديات” التي أقامتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في تونس في 3/5/2003، منشورة على الموقع الإلكتروني:
http://hem.bredband.net/dccls/dcc.mkala.syr.torkmani3.htm
[519] – ياسمين أحمد إسماعيل، مرجع سابق، ص 175.
[520] – المرجع السابق، ص ص 173-174.
[521] – Anthony Anghie, ‘The War on Terror and Iraq in Historical Perspective’, Ohio Law Journal, 2005, p. 60-63, available online at:
http://www.ohlj.ca/archive/articles/43_12_Anghie.pdf
[522] – عبد الله تركماني، مرجع سابق.
[523] – محمد الهزاط، مرجع سابق.
[524] – Jason Burke, Observer, 18/5/2003.
[525] – وأصبحت آسيا الوسطى والشرق الأوسط موطناً لما يزيد على 60 ألف جندي أمريكي في قواعد أريد لكثير منها الثبات على المدى البعيد؛ حيث أقيمت في أوزبكستان، وبالتحديد في خان آباد قاعدة عسكرية تضم حالياً 1500 جندي، وتحولت ماناس فس قيرغيزستان إلى قاعدة مركزية للنقل تضم أكثر من 3000 جندي، وتقوم باستقبال العشرات من طائرات الاستطلاع والطائرات الحربية، إضافةً إلى سيطرة الولايات المتحدة على المزيد من القواعد الجوية في طاجيكستان وباكستان. (عبد الحي يحيى زلوم، “حروب البترول الصليبية والقرن الأمريكي الجديد“، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2005، ص ص 193-195).
[526] – عبدالرحمن بن عطية الله الظاهري، مرجع سابق، ص 605.
[527] – عبد الحميد عبد الخالق علي أحمد، مرجع سابق، ص 583.
[528] – Steven R. Shalom, the Invasion and Occupation for Iraq, a Pattern of Lies and Deception @ http://www.peacecoalition.org/facts/iraq_white_papers.html
[529] – سوسن العساف، استراتيجية الردع، مرجع سابق، ص ص 218-220.
[530] – محمد الهزاط، مرجع سابق.
[531] – Inayat Bunglawala, “We Won’t Forget the Terrible Things Done in Our Name”, Time, 25/3/2003.
[532] – نصير عاروري، مرجع سابق.
[533] – ياسمين أحمد إسماعيل، مرجع سابق، ص 145-146
[534] – سعاد محمد محمود محسن، العلاقات الأوروبية الأمريكية في إطار منظمة حلف شمال الأطلنطي: دراسة عن تأثير الدول الأوروبية في السياسة الخارجية الأمريكية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2005، ص 285-315.
[535] – مجموعة مؤلفين، المحاولات الدولية لاحتواء التصعيد الأمريكي، في: التقرير الاستراتيجي العربي 2002-2003، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 2003، ص 85.
[536] – ياسمين أحمد إسماعيل، مرجع سابق، ص 141-144
[537] – د. محمد السيد سليم “آسيا والأزمة العراقية الأنجلو أمريكية”، في: حسن نافعة ونادية مصطفى (محرران)، العدوان على العراق: خريطة أزمة ومستقبل أمة، القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، 2003، ص 115.
[538] – ياسمين أحمد إسماعيل، مرجع سابق، ص 182-184.
[539] – غالب على جميل، أزمة النظام العربي بعد احتلال العراق، 26 سبتمبر 2003:
http://www.asp.net/news_week_article:php?irg=arabic&sid=4898
[540] – مارك فيرنون، “حرب أفغانستان غير العادلة”، الجارديان، في: جريدة الشروق، 5/8/2010.
[541] – نصير عاروري، مرجع سابق.
[542] – عبدالرحمن بن عطية الله الظاهري، المرجع السابق، ص 581.
ملخص الرسالة:
يدور موضوع الرسالة حول الدفاع الوقائي عن النفس من خلال دراسة وتحليل قواعد وأحكام القانون الدولي المعاصر ذات الصلة
وتناولت هذه الدراسة الحالات التي تم فيها الادعاء بالدفاع “الوقائي” عن النفس، وبخاصةً حالتي الحرب على أفغانستان 2001، والحرب على العراق 2003 حيث كان هذا الادعاء ثانوياً في الحالة الأولى، ورئيسياً في الثانية؛ وذلك بغية توضيح موقف القانون الدولي المعاصر من هاتين الحربين.
واتبعت الدراسة المنهج القانوني في دراسة وتحليل قاعدة حظر اللجوء لاستخدام القوة في العلاقات الدولية، والدفاع الشرعي بوصفه الاستثناء الرئيسي عليها، ومدى انطباق شروط الدفاع الشرعي، كما هي في القانون الدولي المعاصر، على الدفاع “الوقائي” عن النفس، مع الإشارة إلى أهم التطبيقات الدولية الحديثة لهذا الأخير.
وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة فصول يسبقها فصل تمهيدي، وتليها خاتمة، ويتناول الفصل التمهيدي تطور قاعدة حظر استخدام القوة في القانون الدولي، بينما يناقش الفصل الأول طبيعة وشروط حق الدفاع الشرعي عن النفس، ويعرض الفصل الثاني لمحاولات تعريف الدفاع الوقائي بالرجوع إلى المدارس الفقهية المختلفة مع بحث وضع الدفاع الوقائي في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي العرفي، والتأثير المتبادل بين المصدرين الرئيسيين للقانون الدولي: العرف والاتفاق. أما الفصل الثالث فيدرس ما أطلق عليه “مبدأ بوش”، والتكييف القانوني للحربين على أفغانستان 2001، والعراق 2003.
واختتمت الدراسة بعدة نتائج أهمها أن القانون الدولي المعاصر، العرفي والاتفاقي على السواء، لا يبيح الأعمال الوقائية، وأن السماح بمثل هذه الأعمال من شأنه الإخلال بالاستقرار الدولي، بالإضافة إلى أن استراتيجية الاستباققد ثبتت في الواقع عدم فعاليتها في مواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وأن الردع يظل الخيار الفعال للتصدي لمختلف التهديدات المعاصرة على الساحة الدولية، وأن الحربين على أفغانستان والعراق هما حربي عدوان تجاهلتا العديد من القواعد الدولية.
“Anticipatory” Self Defense: A Theoretical and Empirical Study in Light of the Rules of Contemporary International La
Summary:
This study aims at analyzing “Anticipatory” Self-Defense and studying the legality of which as an application of the right of self-defense according to contemporary international law, and the international practice in that regard. To this end; this research employs the legal approach to study and analyze international treaty and customary law regarding the use and threat of force in international relations and the main exception to this rule, which is: self-defense, and the applicability of the conditions of legal self-defense to “Anticipatory” self-defense, with reference to the most recent cases where Anticipatory self defense was used in justification, taking into consideration the mutual influence between international law and political reality.
The study is divided into 4 chapters: an introductory chapter on the evolution of the prohibition of the use or threat of force in international relations. The first chapter discusses the nature and conditions of the right of self-defense. The second chapter defines “Anticipatory” self-defense with reference to different juridical schools, and explores its status in the Charter of the United Nations and international customary law, and the interrelation between the two major sources on international law. The third chapter studies the “Bush Doctrine” and the legal qualification of the American wars on Afghanistan 2001 and Iraq 2003.
The study concludes by asserting that contemporary international treaty and customary law doesn’t permit anticipatory actions, and that allowing anticipator actions will destabilize the international system. Besides, the strategy of preemption proved ineffective in combating weapons of mass destruction, and deterrence is still an effective option in dealing with current threats. Finally, the wars on Afghanistan and Iraq are wars of aggression where international rules and norms were ignored.
Supervisor’s Signature
Prof. Mohamed Shawky Abd El-Aal
Dr. Abdeen Abd El-Hamid Kandeel
Abstract:
This study addresses the situation of Anticipatory Self-Defense in contemporary international law, in light of the charter’s prohibition of the use or threat of force in international relations, taking the international political framework into consideration, with a special reference to the legal qualification of the wars on Afghanistan 2001 and Iraq 2003.
Keywords:
International Law, International System, Terrorism, International Legitimacy, Self-Defense, Anticipatory Self-Defense, Preemption, Bush Doctrine, Wars.
A Thesis Submitted in Partial Fulfillment of the Requirements for the Degree of M.Sc in Political Science
By: Noha Shafie Tawfeek Mahmoud
Supervisors: Prof. Mohamed Shawki Abd El-Aal
Professor of Political Science, Cairo University
Dr. Abdeen Abd El-Hamid Kandil
Teacher of Political Science, Cairo University
Noha Shafie Tawfeek Mahmoud
Supervisors: Prof. Mohamed Shawky Abd-ElAal
Dr. Abdeen Abd-ElHamid Kandeel