عاجلمقالات

مقال تحليلي -“المياه” لا تطفئ نار الصراع الهندي – الباكستاني

-المركز الديمقراطي العربي

أثار تصاعد أزمة الصراع الهندي الباكستاني، وتبادل البلدين الاتهامات بتصدير الإرهاب، تساؤلات حول دور صراع الموارد المائية المشتركة في تأجيج موجة العنف الأخيرة، لاسيما في إقليم “كشمير”، واحتمالية اندلاع حرب مدمرة بين البلدين.

ويتشارك البلدان مياه 6 أنهار هي بيس، وراوي، وستلج، والسند، وتشيناب، وجيلوم، بحسب اتفاقية مياه السند (IWT)، التي وقعها رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، والرئيس الباكستاني أيوب خان في 19 سبتمبر/ أيلول 1960.

ويعد نهر السند أطول نهر في باكستان، وينبع من الهمالايا غرب منطقة التبت بالصين، ويعبر إقليم كشمير ليصل باكستان ويصب في المحيط الهندي عند بحر العرب.

وفي 25 أيلول/ سبتمبر المنصرم، حذّر مستشار الشؤون الخارجية لرئيس الوزراء الباكستاني، سرتاج عزيز، الهند من انتهاك اتفاقية مياه السند، مؤكدًا أن بلاده ستعد ذلك “سببًا للحرب”.

وشدد عزيز، خلال كلمته أمام مجلس الشيوخ الباكستاني، أن “بلاده ستلجأ إلى التحكيم لدى لجنة مياه نهر السند، في حال زادت الهند من حجم استخدامها لمياه أنهر تشيناب، وجيلوم، والسند”.

وأخذ التوتر يتصاعد بين الجارتين اللتين تملكان أسلحة نووية، منذ اتهام إسلام أباد بشن هجوم، في 18 أيلول المنصرم، على قاعدة عسكرية في الجزء الذي تديره الهند من إقليم “كشمير”، ذي الأغلبية المسلمة، المعروف باسم “جامو وكشمير”، والمتنازع عليه بين الهند وباكستان، ما أسفر عن مقتل 17 جندي هندي، وإصابة 19 آخرين.

وكتب وزير الداخلية الهندي، راجناث سينغ، تغريدة قال فيها: “باكستان دولة إرهابية، ويجب تصنيفها وعزلها على هذا الأساس”، فيما رفضت باكستان تلك المزاعم بشدة، واعتبرتها بـ”المضّللة كونها تهدف إلى تحويل انتباه الرأي العام الدولي عن الفظائع التي تُرتكب بشكل يومي في كشمير المحتلة”.

وطالما هددت الحكومة الهندية أنها ستتخذ إجراءات ضد باكستان، من بينها إلغاء الاتفاقية الثنائية الخاصة بالمياه، ووقف اتفاقيات التجارة بينهما.

وكتب رئيس هيئة “وادي تنسي” الأمريكية السابق ، ديفيد ليلينتال، في مقالة لمجلة “كولير”، عقب زيارة أجراها للمنطقة في عام 1951، أن اتفاق للموارد المائية المشتركة بين الهند وباكستان، قد يساهم بشكل كبير بتخفيف حدة العداء، لاسيما أن أنهار حوض نهر السند تمر بإقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين.

واكتسبت فكرته دعمًا كبيرًا من قبل البنك الدولي، الذي توسط لاحقًا مفاوضات ثنائية صعبة، دامت لسنوات طويلة حتى تم التوصل لإبرم اتفاق 1960، الذي وصفه الرئيس الأميركي آنذاك دوايت ايزنهاور بأنه “نقطة مضيئة في صورة العالم المظلم”، وقد نجح اتفاق (IWT)، بمواجهة عدة تحديات، خلال الـ 56 عامًا الماضية، وصولًا إلى يومنا الحالي.

وتعتبر باكستان معاهدة مياه السند، التي تواجه حاليًا ضغوطات كبيرة، الأكثر نجاحًا في عالم دبلوماسية المياه، إذ إنها سادت خلال 3 حروب.

وفي 26 أيلول، اجتمعت الحكومة الهندية، لإجراء مراجعة دورية للمعاهدة، وقررت أنها لا تلغي الاتفاق، في الوقت الراهن، إلا أن نيودلهي تركت الباب مفتوحًا أمام إمكانية إعادة النظر في القضية في وقت لاحق.

ولم يفض اجتماع المراجعة إلى نتائج مبشرة، حيث قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إنه “لا يمكن للدم والمياه أن يتدفقا معًا”، كما علقت الحكومة لقاءات بين أعضاء لجنة الهندية الباكستانية المشتركة “اندوس”، التي تعقد بشكل دوري مرتين في العام لمتابعة شؤون اتفاق ” IWT ” ووضع حلول لأي خلافات قد تعيق استمرارها.

وأشار “مودي” إلى أن “بلاده تفكر حاليًا في بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء، على الأنهر الثلاثة”.

وفي 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، قال مدير العمليات العسكرية في الجيش الهندي، الفريق، رانبير سينغ، في مؤتمر صحفي، عقده في نيودلهي، إن جيش بلاده “شن الليلة الماضية، غارات على منصات إطلاق (صواريخ) لوحدات إرهابية (في إشارة إلى عناصر من الجيش الباكستاني)، كانت تحاول التسلل لإقليم جامو وكشمير”.

من جانبها، أقرّت باكستان، بمقتل اثنين من جنودها، في هجوم للقوات الهندية، وصفته بـ “غير المبرر” على أراضيه في إقليم “كشمير”، ذو الغالبية المسلمة، إلاّ أنها اعتبرت ذلك “وقع في تبادل لإطلاق النار بين قوات البلدين، وليس ضمن حملة تطهيرية هندية على قواتها”.

وعلى خلفية ذلك، استدعت وزارة الخارجية الباكستانية السفير الهندي لدى إسلام آباد، وقالت في بيان صادر عنها، إنها “حذّرت السفير الهندي بأن القوات الباكستانية سترد بالشكل اللازم على أي هجوم قد يتكرر من الجانب الهندي لاحقًا”.

وشهد إقليم “كشمير” صراعاً بين الهند وباكستان، منذ خروج المستعمر البريطاني من المنطقة عام 1947، خاض فيه البلدان 3 حروب أعوام 1948، و1965، و1971.

وتتهم نيودلهي إسلام أباد بتسليح وتدريب مقاتلين في الإقليم من أجل الاستقلال أو الاندماج مع باكستان منذ عام 1989، إلا أن الأخيرة تنفي ذلك، وتقول إن دعمها يقتصر على تقديم الدعم المعنوي والسياسي للكشميريين.

إذا كانت الهند تسعى فعليًا إلى إلغاء معاهدة المياه المشتركة مع باكستان، فإن المنطقة ستواجه عواقب مدمرة على الصعيد الإنساني، لاسيما في بعض الدول التي تعاني أساسًا من نقص حاد في المياه، وبعبارة أخرى فإن أضرار إنهاء الاتفاق ضخمة وبعيدة المدى، وتفوق بكثير آثار أي حرب محدودة بين بلدين.

وبالتالي فإن أي خطوات عقابية أخرى يمكن للهند أن تتخذها ضد جارتها، بما في ذلك شن غارات على وحدات إرهابية في باكستان، كما إدعت الهند في 29 سبتمبرعلى سبيل المثال، لا تحمل أضرار مباشرة، ومقلقة على حياة المدنيين من الباكستانيين، كما هو الحال عند إلغاء الاتفاقية.

وتعتبر معاهدة مياه السند، صفقة هامة جدًا لباكستان، حيث تمكنها من بسط سيطرتها على ثلاثة أنهار غربية كبيرة، وهي السند، وتشيناب، وجيلوم، ما يعادل 80% من إجمالي مياه الحوض بأكمله، وسيترتب على إلغائها سيطرة الهند المباشرة على تلك الأنهار النابعة أساسًا من أراضيها، إلا أن ذلك سيستغرق منها سنوات طويلة في بناء السدود والخزانات، والبنى التحتية لتوليد وتخزين كميات كافية من المياه، ومنع تدفقها إلى مصباتها في باكستان.

ونظرًا لأهمية الأنهار الغربية الثلاثة، لاسيما السند، بالنسبة لباكستان كونها المصدر الأساسي لمياه للري والاستهلاك البشري، بجانب نهر كابول، فإن قرار قطعها أو تخفيض كمياتها سيشكل وضع كارثي للأمن المائي في البلاد، ولهذا السبب، فإن استخدام الماء كسلاح يمكن أن يلحق ضررًا كبيرًا على الشعب الباكستاني، يتجاوز مخاطر أي شكل من أشكال الحرب الأخرى.

من جهته، صنّف صندوق النقد الدولي نقص المياه في باكستان باعتباره تهديداً خطراً على هذا البلد، حيث يصل نصيب الفرد من توافر المياه سنويًا ما يقرب من 35 ألف و300 قدم مكعب، وذلك على خلفية عوامل كثيرة من بينها تغير المناخ، وزيادة تعداد السكان وغيرها.

وهناك أسباب جوهرية أخرى تمنع الهند من إلغاء الاتفاقية، وتنطوي جميعها تحت تداعيات القرار السلبية على البلاد، حيث يعاني نحو 40 مليون نسمة من ندرة المياه الصالحة للشرب.

أولًا، إلغاء المعاهدة، التي هي نتاج اتفاق عالمي بوساطة البنك الدولي، من شأنه أن يولد معارضة دولية قوية، حيث أنها طالما اعتبرت قصة نجاح استثنائية ضمن الأوساط العالمية، وكذلك أشار أشوك سوين، الخبير الدولي بصراعات المياه فى جامعة أوبسالا في السويد إلى أن إلغاء معاهدة المياه ستتسبب بإدانات واسعة للهند، وذلك على الصعيدين العالمي والأخلاقي.

وتوقع أن يقوم حينها البنك الدولي بدعم أي إجراء قانوني دولي تطالب به باكستان ضد الهند.

ثانيًا، إذا قررت الهند تطبيق أقصى قدر من الضغط على باكستان بقطع أوتخفيض تدفقات الأنهار عنها، فهذا يعني أن شمالي الهند ستحتفظ بكميات كبيرة من المياه، قد تتسبب بفيضانات عارمة في المدن الرئيسية في ولايتي “كشمير”، و”البنجاب”، (ولأسباب جغرافية، لن يكون بمقدور الهند تحويل مجرى مياه النهر نحو أماكن أخرى)، بحسب ما ذكر خبراء المياه.

ونظرًا لهذه المخاطر، يرى بعض المحللين أن نيودلهي يمكن أن تلجأ إلى إجراءات أخرى أقل حدّة وقانونية للضغط على إسلام اباد، وذلك عن طريق بناء سدود على الأنهار الغربية من حوض نهر السند، قبل التسرع باتخاذ قرار قد يعود عليها بالأضرار والكوارث الإنسانية.

ثالثًا، إذا نفذت نيودلهي تهديداتها بإنهاء الاتفاق، في سابقة خطيرة من نوعها، فهذا من شأنه أن يطرح نموذجًا قد يحتذيه الحليف الباكستان، الصين، حيث لم توقع بكين سابقًا أي اتفاق بخصوص إدارة المياه العابرة للحدود، وسط مخاوف هندية دائمة من بناء منافستها عشرات السدود على نهر” براهمابوترا” المتدفق إلى الهند.

وينبع نهر ” براهمابوترا”، العابر للحدود، من بحيرة “تالونغ تسو” جنوب غربي التبت مثل نهر “يارلونغ تسانغبو”، يتدفق النهر عبر منطقة التبت الجنوبية مخترقًا جبال الهيمالايا في الممرات الضيقة الكبرى وإلى ولاية” أروناجل برديش” الهندية حيث يُعرف هناك باسم “ديهانغ”‏‏، ويتابع مساره عبر بنغلاديش ليصب أخيرًا في خليج البنغال.

وتحمل احتمالية اتخاذ بكين قرار تخفيض تدفقات المياه إلى الهند، عواقب وخيمة، لاسيما على المنتجات الزراعية في ولاية “أسام” الهندية الشمالية الشرقية، التي تعاني فقرًا مدقعًا.

رابعًا، يمكن أن يثير القرار الهندي بإلغاء الاتفاقية غضب جماعات باكستانية مثل عسكر طيبة (LeT)، وهي جماعة عسكرية معادية للهند، طالما هددت بشن هجمات على الهند ردًا على سرقة المياه الباكستانية عبر مشروعات الطاقة المائية التي تقيمها على الأنهار الغربية بحوض الهند، وهذه المياه مخصصة لباكستان بموجب معاهدة مياه نهر السند، على الرغم من أنه يُسمح للهند باستخدامها لبناء سدود ومشروعات أخرى للطاقة المائية لا تخزن المياه، إلا أن إسلام أباد ترى الأمر من منظور مختلف، حيث يعتبرونه انتهاكًا لأمن مياه بلادهم.

وتساهم جماعة “عسكر طيبة”، التي أسست عام 1987، بشن حربًا ضد السيطرة الهندية في إقليم “كشمير” المتنازع عليه.

وأخيرًا، نرى أن للهند أسباب قوية تجعلها تعيد النظر باستراتيجية المياه الخاصة بها، وتعود مجددًا إلى طاولة المفاوضات لوضع حلول جذرية لأية مشاكل قد تواجه استمرارية المعاهدة، وإغلاق ملف يحمل في طياته الحرب والدمار للمنطقة بأسرها.

مقال للكاتب “مايكل كوغيلمان” نشر في مجلة “فورين بوليسي”، وهو خبير في شؤون جنوب آسيا في مركز “ويلسون” البحثي في واشنطن وعرض من خلال الأناضول بتصرف.

1/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى