تحليل : إسلاميو الجزائر يسعون إلى الوحدة قبل انتخابات برلمان “2017”
-المركز الديمقراطي العربي
فتح إعلان حزبين إسلاميين جزائريين اعتزامهما الإندماج وخوض الانتخابات البرلمانية المقررة في 2017 بقوائم موحدة، شهية أبناء التيار الإسلامي لتشكيل تحالف سياسي واسع، وذلك بعد سنوات من انقسامات تراجع معها حضور ذلك التيار، وفي ظل قانون وضع قيودا على خوض الانتخابات؛ ما يهدد بعض الأحزاب الإسلامية.
وكشفت قيادات في أحزاب إسلامية جزائرية، للأناضول، عن اتصالات مكثفة لتوحيد المكونات السياسية الإسلامية كافة؛ لإنهاء حالة التشرذم، ومواجهة التحديات المشتركة، وتفادي ما تعتبرها “شروطا قانونية تعجيزية” لخوض الأحزاب الانتخابات القادمة.
ففي التاسع من ديسمبر/ تشرين الثاني الجاري، أعلنت حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية موافقة قيادة الحزبين على مشروع اندماجي، لينهيا انقساما دام 16 عاما، عندما فجر ملف دعم ترشح (الرئيس الحالي) عبد العزيز بوتفليقة، لانتخابات الرئاسة في 1999، ما يسمى “حركة النهضة التاريخية” إلى جناحين.
فقد انقسمت الحركة وقتها إلى جناح داعم لترشيح بوتفليقة، بقيادة مكتب الحركة التنفيدي ومجلس الشوري، وجناح آخر رافض، بقيادة زعيم الحركة التاريخي، عبد الله جاب الله، الذي انشق عن الحزب، وأسس حركة الإصلاح الوطني، ثم انشق عنها بسبب خلافات مع قياداتها، وأسس حزبه الثالث “جبهة العدالة والتنمية”.
هذه الجبهة حصلت على 7 مقاعد في الانتخابات البرلمانية عام 2012. بينما شاركت حركة النهضة ضمن “التكتل الأخضر”، وهو تحالف ضم أيضا حركة مجتمع السلم، وحركة الإصلاح الوطني، وحصد 48 مقعدا، وحل ثالثا بعد حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي.
جبهة العدالة والتنمية قالت، في بيان يوم الجمعة الماضي، إن الاندماج “قرار تاريخي يؤسس لمسار إنهاء واقع التشرذم وتعدد الكيانات، الذي وصل إليه التيار الإسلامي”.
وفي اليوم نفسه، أعلنت حركة النهضة، في بيان، أنه سيتم “استكمال مساعي التحالف الانتخابي مع باقي الشركاء السياسيين المتواصلين مع الحركة”.
ويتجه الحزبان إلى تنظيم مؤتمر يجمع قياداتهما من أجل تأسيس حزب جديد موحد.
خارطة التيار الإسلامي
وتتشكل خارطة التيار الإسلامي في الجزائر من ستة أحزاب رئيسية، هي: حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي)، وجبهة العدالة والتنمية، بقيادة المعارض جاب الله، وحركة النهضة، وحركة الإصلاح الوطني، وجبهة التغيير، وحركة البناء الوطني.
أصل هذه الأحزاب يعود إلى تشكيلين سياسيين ظهرا عام 1989، إثر بدء التعددية السياسية، بعد العمل السري في عهد الحزب الواحد، وتفرخت منهما أحزاب عدة خلال السنوات الأخيرة؛ بسبب الصراعات والانشقاقات، ما أدى إلى تراجع تأثيرهما في الساحة الجزائية.
من صلب حركة مجتمع السلم (حركة المجتمع الإسلامي سابقا)، التي أسسها الراحل محفوظ نحناح (توفي عام 2003) وتنتمي لتيار الإخوان المسلمين، ظهرت ثلاثة أحزاب، هي: جبهة التغيير، وحركة البناء الوطني، وتجمع أمل الجزائر.
فيما خرجت من حركة النهضة التاريخية، التي أسسها جاب الله، حزبان، هما: حركة الإصلاح الوطني، وجبهة العدالة والتنمية.
“التكتل الأخضر”
سابقا جرت محاولات لجمع أبناء التيار الإسلامي، سواء بالاندماج أو بتحالفات سياسية وانتخابية، لكن أغلبها فشل، باستثناء نجاح حركات مجتمع السلم والنهضة والإصلاح الوطني في تشكيل تحالف خلال الانتخابات البرلمانية عام 2012، تحول إلى كتلة نيابية موحدة تضم 50 نائبا من أصل 462 في مجلس النواب.
وتنتهي مهمة هذا التكتل مع انتهاء ولاية المجلس الحالي في أبريل/ نيسان المقبل، غير أن أمين عام حركة الإصلاح الوطني، النائب فيلالي غوينني، وصف في حوار نشرته صحيفة “الجزائر” (خاصة)، أمس الأول الإثنين، التكتل بأنه “تجربة فريدة ستتوسع وتأخذ شكلا آخرا مستقبلا”، دون تقديم تفاصيل.
مشروع استراتيجي
القيادي في جبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف، قال لوكالة الأناضول، إن “اندماج الجبهة مع حركة النهضة هو مشروع استراتيجي أبعد من مسألة ظرفية، مثل الانتخابات المقبلة”.
ومضى قائلا إن هذا “المشروع يعود إلى 2008، لكن هذه المرة اجتمعت ظروف عدة لنجاحه.. وربما يتوسع بأحزاب إسلامية أخرى، وسنعلن عن نتائج الاتصالات في الوقت المناسب”.
هذا الاندماج، بحسب القيادي في حركة النهضة، محمد حديبي، يعني “دخول الانتخابات بقوائم مشتركة مفتوحة للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية لتشكيل تكتل انتخابي كبير؛ بهدف دمج أوراق التصويت الانتخابي في ورقة واحدة، خصوصا وأن مبررات التفرقة والتشرذم غير مقنعة أمام التحديات الكبيرة التي تنتظر التيار الإسلامي”.
موضحا، تابع حديبي، في تصريحات للأناضول، أن “هناك خارطة طريق مرحلتها الثانية بعد هذا الاندماج هي فتح التحالف أمام التيارات التي تتقاطع معها مدرستنا الفكرية السياسية (يقصد الإسلاميين)، ثم التنسيق مع الشركاء السياسيين من مختلف المدارس الفكرية (يقصد بقية مكونات المعارضة) لتوحيد الرؤية لمواجهة التحديات”.
اتصالات إيجابية
بينما تحفظ بن خلاف وحديبي بشأن مردود الاتصالات الراهنة، كشف القيادي في حركة النهضة، النائب عبد الهادي بوشاش، أن “أصداء الاتصالات بأحزاب إسلامية أخرى إيجابية لحد الآن، وربما تفضي إلى شئ ملموس قريبا”.
بوشاش تابع، في تصريحات للأناضول، أنه “حتى حركة مجتمع السلم، التي تحفظت على أي تحالف على مستوى القيادة، لدينا معلومات أن هناك نقاشا داخل هذا الحزب للنظر في أي مسعى للتحالف بين الإسلاميين خلال الانتخابات”.
حركة مجتمع السلم، وهي أكبر حزب إسلامي حضورا في الساحة الجزائرية حاليا، ينفرد عن الأحزاب الأخرى بربط أي تحالف انتخابي بموافقة قواعده، أي أن التحالف يكون على مستوى القاعدة، وليس القمة، بينما منح الحزب مكاتبه في المحافظات حرية القرار بشأن التحالفات الانتخابية.
وفي نهاية ربيع 2017 (نهاية أبريل/ نيسان المقبل حسب مصادر إعلامية)، تنظم الجزائر سادس انتخابات برلمانية تعددية منذ إقرار التعددية السياسية عام 1989.
تحالف واقعي
مسؤول الشؤون السياسية في حزب حركة مجتمع السلم، فاروق طيفور، قال إن “حركتنا لها باع طويل في التحالفات، وبناء على تراكم التجارب، رأت هذه المرة أن التحالفات مع أحزاب أخرى بشأن تشكيل قوائم موحدة يكون على المستوى المحلي (المحافظات)، ثم يتم تزكيتها من طرف القيادة”.
والسبب، بحسب طيفور في تصريحات للأناضول، هو أن “الحزب يريد تحالفات حقيقية تحقق القيمة المضافة للطرفين، وليس مجرد قرار تتخذه القيادة”.
وبشأن الحديث عن مشاورات لبناء تحالف إسلامي موحد، أجاب بأن “التعددية الحزبية في صفوف التيار الإسلامي ليست ظاهرة مرضية، لكننا نثمن أي عمل لجمع أبناء هذه التيار، ليس ظرفيا وعلى موعد انتخابي فقط”.
وأي تحالف بين أبناء التيار الإسلامي، وفق طيفور، “يجب أن يكون واقعيا بتحديد الملفات التي يتم التنسيق بشأنها وجمع هذه الأحزاب حول قضايا موحدة، ثم التدرج في العمل المشترك”.
شرط الـ4%
التحركات الراهنة في أوساط الأحزاب الإسلامية نحو التحالف اعتبر مراد أوعباس، الإعلامي الجزائري المتخصص في ملف التيار الإسلامي، أن “ظروفا معينة فرضتها، بحيث يحتم عليها التكتل، أو أن تجد نفسها خارج البرلمان المقبل”.
موضحا، تابع أوعباس، في حديث مع الأناضول، أن “قانون الانتخابات الجديد حدد حصول أي حزب على نسبة 4% في الانتخابات السابقة، كشرط لدخوله الانتخابات القادمة مباشرة، أو الذهاب إلى جمع توقيعات (توكيلات) من الناخبين لتقديم قائمته، وهو أمر في غاية التعقيد، ويحتم على الأحزاب تشكيل تحالفات لتجاوز هذا الشرط”.
وحدد قانون الانتخابات، الذي صادق عليه البرلمان نهاية يوليو/ تموز الماضي، 3 شروط على الحزب أن يوفي أحدها لخوض الانتخابات البرلمانية والمحلية، وهي الحصول على 4% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، أو الحصول على 10 منتخبين في الدائرة الانتخابية، أو جمع توقيعات من 50 ناخبا عن كل مقعد في الانتخابات المحلية (المحافظات والبلديات)، و250 ناخبا في الانتخابات النيابية، و200 توقيع للقوائم الحرة (المستقلين).
إقصاء أم تطهير ؟
المعارضة الجزائرية تنتقد هذه التعديلات، معتبرة أنها تستهدف إقصاء المعارضة والأحزاب الجديدة، التي تشكلت بعد تعديل قانون الأحزاب عام 2012، بينما تقول الموالاة والحكومة إن القانون يستهدف تطهير الساحة من أحزاب تنشط فقط خلال الانتخابات.
ووفق لخضر بن خلاف فإن هذا “القانون ساهم بالفعل في ظهور مساعي التحالف الانتخابي بين الأحزاب الإسلامية”، معتبرا أن “اجتماع الإسلاميين في قوائم موحدة سيكون ردا على هذه الشروط التعجيزية، وللتعاون في مراقبة مكاتب الانتخابات من خطر التزوير، ولمحاصرة أي محاولة من الإدارة الانتخابية للمساس بأصوات الناخبين”.
وهو ما أقر به أيضا بوشاش بقوله للأناضول إنه “بعد المصادقة على هذا القانون، قلنا رب ضارة نافعة، وقد يدفع الإسلاميين إلى الخروج من حالة التشرذم إلى الوحدة، ودخول الانتخابات بقوائم موحدة”.المصدر:الاناضول