قراءة في القرار الأمريكي حول فرض القيود على بيع الأسلحة الى السعودية
-المركز الديمقراطي العربي
الغت ادارة الرئيس الاميركي باراك أوباما تسليم بعض الذخائر لحليفتها السعودية، وسط غضب بشأن عدد القتلى المدنيين الذين يسقطون اثناء حملة المملكة في اليمن.
وقال مسؤول كبير في الادارة الأمريكية “لقد اوضحنا ان التعاون الامني الاميركي ليس شيكا على بياض”. واضاف “نتيجة لذلك، قررنا عدم المضي قدما في بعض المبيعات العسكرية للخارج (…) من صناديق ذخيرة. وهذا يعكس قلقنا الشديد المستمر في ظل اخطاء في الاستهداف ومتابعة الحملة الجوية بشكل عام في اليمن”.
كما قال مسؤولون أمريكيون أن الولايات المتحدة قررت تقييد الدعم العسكري للحملة التي تقودها السعودية في اليمن بسبب مخاوف بشأن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى المدنيين كما ستعلق مبيعات أسلحة مزمعة للمملكة.
وستعدل الولايات المتحدة أيضا عمليات التدريب المستقبلية لسلاح الجو السعودي لتركز على تحسين عمليات الاستهداف السعودية وهي مصدر قلق مستمر لواشنطن.
ويقول “سايمون هندرسون” هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في مقال نشر بمعهد واشنطن:
“يعكس القرار الإحباط الشديد داخل إدارة الرئيس باراك أوباما بشأن ممارسات السعودية في الحرب الأهلية المستمرة منذ 20 شهرا في اليمن والتي قتل فيها أكثر من عشرة آلاف شخص واندلعت أزمة إنسانية تشمل نقصا مزمنا في الطعام في البلد”.
في 13 كانون الأول/ديسمبر، أعلن مسؤولون أمريكيون أنه سوف يتم حظر بيع حوالي 16,000 من معدات الذخيرة الموجهة إلى المملكة العربية السعودية بسبب مخاوف من عدم دقة الضربات الجوية المستهدفة التي تقوم بها المملكة والتي تسبب في إيقاع الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين في اليمن.
وقد جاء هذا الإجراء الغير متوقع على ما يبدو في أعقاب تجميد مبيعات القنابل العنقودية في وقت سابق من هذا العام، فضلاً عن التحذيرات التي وُجهت إلى الرياض بأن المساعدات الأمريكية “ليست صكاً مفتوحاً”.
وتجدر الإشارة إلى أن معدات الذخيرة الموجهة من هذا القبيل تُمكّن القنابل من ضرب أهداف بصورة أكثر دقة بحسب الباحث.
وقد انعكس إحباط إدارة أوباما – بخياراتها المحدودة – من إنهاء الصراع المستعصي، في تقارير وسائل الإعلام المتناقضة حول التطورات:
فقد جاء في عنوان صحيفة “واشنطن بوست”، بأنه “من خلال إجراء تغييرات صغيرة، تحافظ الولايات المتحدة على مساعداتها العسكرية للسعودية على الرغم من التوبيخ التي وجهته بسبب المجازر في اليمن”، في حين كتبت صحيفة “نيويورك تايمز”، بأن “الولايات المتحدة تحظر بيع معدات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وسط مخاوف من حرب اليمن”.
ويضيف “سايمون هندرسون” أنه في الوقت نفسه، وفي الخطاب الرئيسي الذي ألقاه العاهل السعودي أمام “مجلس الشورى” في 14 كانون الأول/ديسمبر، لم يذكر الملك سلمان أحدث تقييد على بيع الأسلحة إلى بلاده. ويتم تعيين أعضاء “المجلس” [من قبل العاهل السعودي] وهو يمثل محاولة حديثة التولّد تقوم بها المملكة من أجل مشاركة سياسية أوسع على الصعيد الوطني.
ومن خلال تنويهه الى ايران – التي تدعم المتمردين الحوثيين في البلد المجاور – دون أن يذكرها صراحة، ذكر العاهل السعودي “نحن في المملكة العربية السعودية نرى أن أمن اليمن الجار العزيز من أمن المملكة، ولن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية، أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقراً أو ممراً لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها”.
كما أعرب عن أمله في نجاح مساعي الأمم المتحدة “في الوصول إلى حل سياسي باليمن”.
ومنذ بدء التدخل بزعامة السعودية في آذار/مارس 2015، استعادت قوات دولة الإمارات العربية المتحدة مدينة عدن الجنوبية نيابة عن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. بيد، فشلت القوات السعودية في شمال اليمن في استعادة الأراضي، وما زال الحوثيون يسيطرون على نحو نصف مساحة البلاد، بما فيها العاصمة والأراضي التي يتواجد فيها معظم سكان اليمن الذين يقدر عددهم بنحو 27 مليون شخص.
وفي محادثات خاصة، انتقد مسؤولون أمريكيون أداء الجيش السعودي، الذي تقع مسؤوليته على عاتق وزير الدفاع ونائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً والإبن المفضل للملك سلمان. وفي بداية الحملة، كان الأمير بن سلمان يشعر بالسعادة عندما كان يتم تصويره كمهندس الحرب. أما الآن فينأى بنفسه عن أي لوم.
وير “سايمون هندرسون” أنه من الناحية النظرية، يُعتبر الجيش السعودي أحد أفضل الجيوش تجهيزاً في العالم. ولكن في واقع الأمر هو “نمر من ورق” حيث شكّل خيبة أمل كبيرة لمورّديه الأجانب، وأكبرهم الولايات المتحدة. فقد كان أداء سلاح الجو السعودي ضعيفاً جداَ، في حين كان أداء القوات البرية السعودية سيئاً في حماية المنطقة الحدودية جنوب غرب المملكة.
وانهالت الرياض باللوم على إيران لدعمها المتمردين في ما يُعد حرباً بالوكالة، ولكن فشل المملكة في تحقيق أي ميزة عسكرية ينبع على ما يبدو من قصورها [في ساحات المعارك] أكثر من تدخل طهران.
وقد انعكست طبيعة الخصومات على التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في الشهر الماضي، حيث قال: “لهذا السبب قام السعوديون، وإيران، والجميع، بتحريك دميتهم وخوض حروب بالوكالة”. وقد أكسبته كلماته الدقيقة ولكن القليلة الحذر دبلوماسياً توبيخ رئيسة الوزراء تيريزا ماي، التي أرادت أن تكون واضحة بأن تلك التصريحات لا تعكس سياسة الحكومة.
وفي السياق ذاته،يقول “سايمون هندرسون” إن قيام واشنطن [بإلقاء اللوم على] السعودية يبدو شيئاً غريباً على الأرجح للعديد من الحلفاء الإقليميين في الوقت الذي تسمح فيه إدارة أوباما لطهران بأن تطلب تزويدها بطائرة بوينغ جديدة، والتي يمكن أن تستخدم لدعم العمليات العسكرية الإيرانية في المستقبل.
وليس هناك شك بأن الحلفاء يشعرون بالسخط أيضاً من عدم اتخاذ الإدارة الأمريكية إجراءات ملموسة رداً على سقوط ضحايا مدنيين سوريين بأعداد ضخمة في حلب، تلك الكارثة الإنسانية التي وقعت بتحريض من القوات التي تعمل بالوكالة عن إيران.
وتشكّل الإشارة الأخيرة للملك سلمان حول التوصل إلى حل سياسي فرصة دبلوماسية يجب على واشنطن تشجيعها، ولكن يبدو أنه لا يمكن للقنابل أو التصريحات أن تصيب الأهداف الصحيحة في الوقت الحالي بحسب “سايمون هندرسون”.
وقد تساءل الباحث في وقت سابق بتحليل نشر في “فورين بوليسي”:
- لماذا يجب أن يُعنى الأمريكيّون باليمن؟
ويقول أنه من المحتمل أن لا يستطيع المواطنون الأمريكيون العاديون العثور على هذه الزّاوية البعيدة – الواقعة جنوب غرب شبه الجزيرة العربيّة – على الخارطة.
ويضيف “لكن حان الوقت ليتعلّموا. فالحرب الأهليّة في اليمن تعني الأمريكيّين لأنّ السّعوديّة ، حليفتهم الوثيقة بل الصّعبة المراس في كثير من الأحيان، أقنعتهم بالانضمام إليها – وإلى جانب تلك الحرب الضروس، ثمّة حرب أخرى بدأت بها الولايات المتّحدة، وليس لديها نية لإنهائها في أي وقت قريب”.
- كيف تضمن الولايات المتّحدة عدم تداخل الحرب الأولى، أي الّتي اختارتها المملكة العربيّة السّعوديّة، مع الثّانية؟
قد تكون الإجابة هي اتّباع النّصيحة الّتي أسداها الملك عبد العزيز، المعروف بإبن سعود، عندما كان على فراش الموت عام 1953، ويُفترض أنه قال: “لا تدعوا اليمن يتّحد [أبداً]”. اليمن هي المشكلة التي ربما لن يتم حلها إلا بعد تفكيكها بحسب الباحث.
هناك فرق حاسم بين المصالح السعودية والأمريكية الذي يصبح واضحاً بسرعة.
يقول الباحث في حين أن الدعم الإيراني للثوار الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة وعلى جزء كبير مما كان يسمى يوماً شمال اليمن (أو بصورة أكثر رسمية، الجمهورية العربية اليمنية) هو الذي يهيمن على تفكير الرياض، إلا أن مخاوف واشنطن تُركّز على الجنوب، أي الأرض التي كانت تُعرف يوماً بـ”جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” (لم تُشكَّل الدولة الحديثة التي يُطلق عليها اسم اليمن سوى عندما توحد هذان البلدان في عام 1992).
ويجدر الأشارة الى انه من المتوقع أن تكون جهود واشنطن محدودة على مدى الأشهر القليلة المقبلة مع حدوث عملية الانتقال السياسي [في أعقاب انتخابات الرئاسة الأمريكية]. ولكن مشكلة اليمن، أو دولتيْ اليمن، ستكون في انتظار الرئيس الأمريكي القادم.