الجماعات الاسلاميةالدراسات البحثية

تقرير حول الجزء الاول من كتاب: التشريع الجنائي الاسلامي مقارنا بالقانون الوضعي

اعداد الباحث : الحسن الفرياضي – المركز الديمقراطي العربي

 

 

تقرير حول الجزء الاول من كتاب:” التشريع الجنائي الاسلامي مقارنا بالقانون الوضعي” لعبد القادر عودة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه الميامين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

يتميز النظام القضائي في القرون الأولى للإسلام بالبعد عن التطرف، وسهولة المأخذ، إذ يستمد أحكامه من الكتاب والسنة والاجتهاد، ويتميز كذلك باستقلال المؤسسة القضائية .

إلا أن موضوع النظام الجنائي شكل منذ ذلك العصر إلى هذا اليوم، نقطة الخطر في النظام القضائي، لأنه يتعلق بجرائم الحدود، والتعزير، والكتاب الذي بين أيدينا، ” التشريع الجنائي الاسلامي مقارنا بالقانون الوضعي” لعبد القادر عودة، يعالج هذه النقطة بدراسة أصولها في المنظور الإسلامي، ومقارنتها بالقوانين الوضعية، حيث كان لنا الشرف أن نلقي عليه نظرة لاستكشاف ما يحمله من الحلول للإشكالات المستجة من الأمور المتعلقة بهذا الموضوع.

وجزء الاول من هذا الكتاب يتكون من مقدمة، وكتابين الأول في الجريمة، والثاني في العقوبة، يقول عبد القادر عودة: (وقد خصصت هذا الجزء لمباحث القسم الجنائي العام، وسيكون الجزء الثاني شاملا للقسم الجنائي الخاص)[1]، على التقسيم التالي:

  • مقدمة: عبارة عن خطبة، وتوجيه ركز فيها المؤلف على مجموعة من الأمور، منها:
  • المقارن بين الشرعة والقانون الوضعي في مباحث التشريع الجنائي.
  • وتحدث فها كذلك عن معيقات البحث التي تتجلى في قلة الكتب والمكتبات، وعن منهجه في الدراسة، ثم اختتم هذه المقدمة بإظهار محاسن الشريعة الإسلامية وتفوقها على القوانين الوضعية، مع ذكر مجموعة من الأدلة على هذه المميزات الجوهرية التي تميز الشريعة عن القانون، فتحدث عن نظرية المساواة، وعن نظرية الحرية والشورى وتقييد سلطة الحاكم والطلاق وتعدد الزوجات..
  • الكتاب الأول: قسمه المؤلف إلى قسمين، تحدث في القسم الأول منه عن ماهية الجريمة، وأنواع الجريمة، وناقش في القسم الثاني الأركان العامة للجريمة، على النحو الأتي:

القسم الأول المتعلق بالجريمة، تطرق فيه، إلى ماهية الجريمة، والفرق بين الجريمة، وبعض المصطلحات ذا العلاقة، ثم أنواع الجريمة:

أولا . ماهية الجريمة:

– في الشريعة الإسلامية: (محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير)[2]، بمعنى إتيان فعل محرم معاقب على فعله أو ترك فعل محرم الترك معاقب على تركه أو هي فعل أو ترك نصت الشريعة على تحريمه والعقاب عليه.

– في القانون الوضعي: أشار فيه المؤلف إلى أن الشريعة الإسلامية تتفق تمام الاتفاق مع القوانين الوضعية الحديثة في تعريف الجريمة، فهذه القوانين تعرف الجريمة بأنها: (إما عمل يحرمه القانون، وإما امتناع عن عمل يقضي به القانون، ولا يعتبر الفعل أو الترك جريمة في نظر القوانين الوضعية إلا إذا كان معاقبا عليه طبقا للتشريع الجنائي)[3].

ثانيا. الفرق بين الجريمة، وبعض المصطلحات ذا العلاقة: أشار المؤلف إلى الفرق بين الجريمة والجناية، فقال: بأنه كثيرا ما يعبر الفقهاء عن الجريمة بلفظ الجناية، فقال أن الجناية في الاصطلاح الفقهي: (اسم لفعل محرم شرعا، سواء وقع الفعل على نفس أو مال أو غير ذلك)، لكن الفقهاء تعارفوا على إطلاق لفظ الجناية على الأفعال الواقعة على نفس الإنسان أو أطرافه، وهي القتل والجرح والضرب والإجهاض، بينما يطلق بعضهم لفظ الجناية على جرائم الحدود والقصاص[4].

ثم أشار المؤلف إلى أن معنى الجناية في القانون المصري يختلف عن الاصطلاح الشرعي، ففي القانون المصري يعتبر الفعل جناية إذا كان معاقبا عليه بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن، طبقا للمادة العاشرة من قانون العقوبات المصري، أما في الشريعة فكل جريمة هي جناية، سواء عوقب عليها بالحبس والغرامة، أو بأشد منهما.

وأساس الخلاف بين الشريعة والقانون هو أن الجناية في الشريعة تعني الجريمة ايا كانت درجة الفعل من الجسامة، أما الجناية في القانون فتعني الجريمة الجسيمة دون غيرها[5].

وفي هذا السياق تطرق المؤلف إلى مسألة مهمة متعلقة بالتحريم والعقاب، فقال بأنه لما كان النهي عن الفعل أو الأمر بإتيانه لا يكفي على حمل الناس على إتيان الفعل أو الانتهاء عنه، فقد شرع العقاب على الجريمة لمنع الناس من اقترافها، لان العقاب هو الذي يجعل للأمن والنهي معنى ونتيجة مرجوة.

وقال المؤلف أن الشريعة الإسلامية تتفق مع القوانين الوضعية في أن الغرض من تقرير الجرائم والعقاب عليها هو حفظ مصلحة الجماعة، وصيانة نظامها وضمان بقائها، ولكن الشريعة رغم هذا الاتفاق الظاهر تختلف عن القوانين الوضعية من وجهين:

الوجه الأول: أن الشريعة تعتبر حماية الأخلاق الفاضلة التي يقوم عليها المجتمع هو الغرض من تقرير الجرائم، بينما تكاد القوانين الوضعية تهمل المسائل الأخلاقية إهمالا تاما، ولا تعنى بها إلا إذا أصاب ضررها المباشر الأفراد أو الأمن أو النظام العام.

فلا تعاقب القوانين الوضعية مثلا على الزنا إلا إذا اكره احد الطرفين الأخر، لان الزنا في هذه الحالة يمس ضرره المباشر الأفراد كما يمس الأمن العام، بينما الشريعة الإسلامية تعاقب على الزنا في كل الأحوال، لأنها تعتبر الزنا جريمة تمس الأخلاق.

الوجه الثاني: أن مصدر الشريعة الإسلامية هو الله، أما مصدر القوانين الوضعية فهو فهم البشر الذين يقومون بوضع هذه القوانين، وبالتالي فان تقدير العقوبة في الشريعة الإسلامية مقيدة بقواعد الشريعة العامة وروحها، فليس للإنسان أن يحرم ما احل الله ولا أن يحل ما حرم الله[6].

كما أشار الكاتب في هذا القسم أيضا إلى الفرق بين الجرائم التأديبية والأخطاء الإدارية: حيث قال بان الفقهاء في الشريعة الإسلامية لم يفرقوا بين الجريمة التأديبية والأخطاء الإدارية، كما يفرق بينها شراح القانون اليوم، والعلة في ذلك ترجع إلى طبيعة العقوبات في الشريعة من ناحية، والى تحقيق العدالة من ناحية أخرى، فالجرائم في الشريعة إما أن تكون جرائم حدود، أو جرائم قصاص أو جرائم تعازير، والخطأ الإداري إذا لم يكن جريمة من جرائم الحدود أو القصاص فهو جريمة من جرائم التعازير.

فإذا كان الخطأ الإداري جريمة يعاقب عليها بحد أو قصاص، عوقب عليه بهذه العقوبة، وإلا عوقب بعقوبات تعزيرية، ويمنع محاكمته تأديبيا (كالتوبيخ والإنذار والعزل وما شابه ذلك)، لان العقوبات التأديبية لن تكون إلا عقوبات تعزيرية، وهي عقوبات جنائية، حتى لا يعاقب الجاني مرتين على فعل واحد، لان القاعدة العامة فيها أن لا يعاقب الإنسان على فعل واحد مرتين[7].

وشار كذلك المؤلف إلى أن العلماء اختلفوا حول مسالة اعتبار العزل والوقف عقوبة تعزيرية، فمنهم من ذهب إلى صحة اعتبارها عقوبة تعزيرية، ومنهم من قال بان العزل والوقف لم يقصد بهما العقاب، وان سببهما زوال صلاحية الجاني لشغل الوظيفة أو مباشرة أعمالها، لان الوظائف في الأصل لا يتولاها المجرمون.

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للحديث عن الجرائم المدنية، التي يعرفها الفقهاء ب: (كل فعل ضار بالإنسان أو بماله مضمون على فاعله إذا لم يكن له حق فيه)[8]، والضمان إما عقوبة جنائية إذا كان الفعل الضار معاقبا عليه، وإما تعويض مالي إذا لم يكن الفعل الضار معاقبا عليه، وقد يكون الفعل جريمة يستحق الجاني عليها العقاب، ثم يكون الفعل في الوقت نفسه فعلا ضارا فيضمنه الجاني للمجني عليه كاستهلاك صيد مملوك في الحرام، وشرب خمر الذمي، فان الفاعل في هاتين الحالتين يعاقب على الصيد والشرب، وعليه قيمة الصيد والخمر لصاحبيهما.

ثالثا . أنواع الجرائم: اختتم الكاتب هذا القسم بالحديث عن أنواع الجرائم، حيث قال بان الجرائم تختلف باختلاف وجهة النظر إليها، على النحو التالي[9]:

– التقسيم المبني على جسامة العقوبة، وهي إما أن تكون حدود آو قصاص ودية أو تعازير.

– التقسيم المبني على قصد الجاني، وهي إما أن تكون جرائم عمدية أو جرائم غير عمدية.

– التقسيم المبني على وقت اكتشافها، فهي إما أن تكون جرائم متلبس بها أو جرائم لا تلبس فيها.

– التقسيم المبني على طريقة ارتكابها، فهي إما أن تكون جرائم ايجابية أو سلبية أو تكون جرائم بسيطة، أو اعتيادية أو تكون جرائم مؤقتة أو غير مؤقتة.

– التقسيم المبني على طبيعتها الخاصة، فهي إما أن تكون جرائم ضد الجماعة أو ضد الأفراد أو تكون جرائم عادية أو سياسية.

القسم الثاني: وفي هذا القسم تحدث المؤلف عن أركان الجريمة، التي جعلها في ثلاثة أركان[10]، وهي:

أولا – الركن الشرعي للجريمة: أي أن يكون هناك نص يحظر ويعاقب عليها.

ثانيا – الركن المادي للجريمة: أي إتيان العمل المكون للجريمة، سواء كان فعلا أو امتناعا.

ثالثا- الركن الأدبي للجريمة: أي أن يكون الجاني مكلفا، أي مسؤولا عن الجريمة.

ثم أشار الكاتب إلى أن توفر هذه الأركان العامة في كل جريمة، لا يعني عن وجوب توفر الأركان الخاصة لكل جريمة على حدة حتى يمكن العقاب عليها، كركن الأخذ خفية في السرقة، وركن الوطء في جريمة الزنا وغير ذلك من الأركان الخاصة التي تقوم عليها الجرائم المعينة بدواتها[11].

  • الكتاب الثاني: هذا الكتاب يتعلق بالعقوبة، حيث قسمه المؤلف إلى ستة أبواب، الأول تحدث فيه عن المبادئ العامة في العقوبة، والثاني عن أقسام العقوبة، وفي الثالث عن تعدد العقوبات، وفي الرابع عن استيفاء العقوبات، وفي الخامس عن العود، وفي السادس عن سقوط العقوبة، على الشكل الأتي:

أولا . مبادئ عامة في العقوبة، تحث فيها عن ما يلي:

1- تعريف العقوبة، وهي: الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع[12].

2- الغرض من العقوبة: وهو إصلاح حال البشر، وحمايتهم من المفاسد، واستنفاذهم من الجهالة، وإرشادهم من الضلالة، وكفهم عن المعاصي، وبعثهم على الطاعة[13].

3- الأصول التي تقوم عليها العقوبة[14]، وهي:

  • أن تكون العقوبة، بحيث يمنع الكافة عن الجريمة قبل وقوعها، فإذا ما وقعت الجريمة كانت القوبة، بحيث تؤدب الجاني على جنايته، وتزجر غيره عن التشبه به وسلوك طريقه.
  • إن حد العقوبة في التشديد والتخفيف مبني على حاجة الجماعة ومصلحتها.
  • إذا اقتضت حماية الجماعة من شر المجرم استئصاله من الجماعة أو حبس شره عنها وجب أن تكون العقوبة هي قتل المجرم أو حبسه عن الجماعة حتى يموت ما لم يتب أو يصلح حاله.
  • أن كل عقوبة تؤدي لصلاح الأفراد وحماية الجماعة هي عقوبة مشروعة فلا ينبغي الاقتصار على عقوبات معينة دون غيرها.
  • أن تأديب المجرم ليس معناه الانتقام منه، وإنما استصلاحه.

4- نظرية الشريعة في العقاب[15]: الأصول التي تقوم عليها العقوبة في الشريعة ترجع على أساسين عامين: فبعضها يعنى بمحاربة الجريمة ويهمل شخصية المجرم، وبعضها يعنى بشخصية المجرم ولا يهمل محاربة الجريمة، والأصول التي تعنى بمحاربة الجريمة الغرض منها حماية الجماعة من الإجرام، أما الأصول التي تعنى بشخص المجرم فالغرض منها إصلاحه.

ولا جدال في أن بين المبدأين تضارب ظاهر، لان حماية الجماعة من المجرم تقتضي إهمال شأن المجرم، كما أن العناية بشان المجرم تؤدي إلى إهمال حماية الجماعة.

5- شروط العقوبة[16]:

  • أن تكون شرعية: أي أن تستند إلى مصدر من مصادر الشريعة أو صدر بها قانون من الهيئة المختصة.
  • أن تكون شخصية: أي تصيب الجاني ولا تتعداه إلى غيره.
  • أن تكون عامة: أي أن تقع على كل الناس مهما اختلفت أقدارهم بحيث يتساوى أمامها الحاكم والمحكوم والغني والفقير والمتعلم والجاهل.

ثانيا . أقسام العقوبة: بين فيه المؤلف أن العقوبات تنقسم بحسب الاعتبارات الآتية[17]:

1- تقسيم العقوبة بحسب الرابطة القائمة بينها، تنقسم إلى أربعة أقسام:

  • العقوبات الأصلية: وهي العقوبات المقررة أصلا للجريمة كالقصاص للقتل والرجم للزنا والقطع للسرقة.
  • العقوبات البدلية: وهي العقوبات التي تحل محل عقوبة أصلية إذا امتنع تطبيق العقوبة الأصلية لسبب شرعي، ومثالها الدية إذا درئ القصاص، والتعزير إذا درئ الحد أو القصاص.
  • العقوبات التكميلية، وهي: العقوبات التي نصب الجاني بناء على الحكم بالعقوبة الأصلية بشرط أن يحكم بالعقوبة التكميلية.

2- تقسيم العقوبة بحسب سلطة القاضي في تقديرها، إلى:

  • عقوبات ذات حد واحد، وهي: التي لا يستطيع القاضي أن ينقص منها أو يزيد فيها.
  • عقوبات ذات حدين، وهي: التي لها حد ادني وحد أعلى ويترك للقاضي أن يختار من بينهما القدر الذي يراه ملائما كالحبس والجلد في التعازير.

3- تقسيم العقوبة بحسب وجوب الحكم بها إلى:

  • عقوبات مقدرة، وهي: العقوبات التي عين الشارع نوعها وحدد مقدارها.
  • عقوبات غير مقدرة، وهي: العقوبات التي تقع على نفس الإنسان دون جسمه كالنصح والتوبيخ والتهديد.
  • عقوبات مالية: وهي العقوبات التي تصيب مال الشخص كالدية والغرامة والمصادرة.

4- تقسيم العقوبة بحسب الجرائم التي فرضت عليها إلى:

  • عقوبات الحدود، وهي: العقوبات المقدرة على جرائم الحدود.
  • عقوبات القصاص والدية، وهي: العقوبات المقررة لجرائم القصاص والدية.
  • عقوبات الكفارات، وهي: عقوبات مقررة لبعض جرائم القصاص والدية وبعض جرائم التعزير.
  • عقوبات التعازير، وهي: العقوبات المقررة لجرائم التعازير.

ثالثا. تعدد العقوبات: بين المؤلف في هذا الباب بان العقوبات تتعدد كلما تعددت الجرائم، وتتعدد الجرائم كلما ارتكب شخص جرائم متعددة قبل الحكم عليه نهائيا في واحدة منها، وهذا هو المعنى الفني للتعدد.

وأضاف المؤلف أن تعدد الجرائم إما صوري وإما حقيقى، فهو صوري إذا ارتكب الجاني فعلا واحدا يدخل تحته صور شرعية مختلفة، أما التعدد الحقيقي فيوجد كلما تعددت أفعال الجاني بحيث يكون كل واحد منها جريمة مستقلة.

وفي هذا الباب أشار المؤلف إلى الفرق بين تعدد العقوبات والعود: فقال أن في تعدد العقوبات يرتكب الجاني عدة جرائم قبل أن يحكم عليه في إحداها، أما العود فيرتكب الجاني جريمته الثانية بعد أن يعاقب على جريمته الأولى.

ونبه المؤلف إلى أن المنطق يقضي بأن لا يعاقب المجرم في حالة تعدد الجرائم على كل جرائمه، ولو أن ارتكابه لهذه الجرائم المتعددة يدل على ميوله الإجرامية، لأنه عندما عاد لارتكاب الجرائم لم يكن عوقب على أية جريمة سابقة واخذ درسا عنها، فهو يختلف من هذه الوجهة عن العائد الذي سبق عقابه وانذر بهذا العقاب أن يسلك سلوكا مستقيما[18].

ثم بعد هذا أشار المؤلف طرق الى القوانين الوضعية في حالة تعدد الجرائم، فحددها في ثلاث طرق[19]، وهي:

1- طريقة الجمع، ويأخذ بهذه الطريقة القانون الانجليزي ومقتضاها أن يوقع على الجاني مجموع العقوبات المقررة لكل الجرائم التي ارتكبها.

2- طريقة الجلب، ومقتضاها أن لا يوقع على الجاني سوى اشد العقوبات المقررة للجرائم التي ارتكبها.

3- الطريقة المختلطة، ومقتضاها الجمع بين العقوبات على أن لا يتجاوز مجموعها حدا معينا.

ثم بعد ذلك تحدث المؤلف عن هذه الطرق في الشريعة الإسلامية، حيث قال أن الشريعة تأخذ بنظرية التعدد ولكنها لم تأخذ على إطلاقها، وإنما قيدتها بنظريتين أخريين، الأولى، هي: التداخل، والثانية، هي: نظرية الجلب[20].

أولا . نظرية التداخل: تقوم هذه النظرية على مبدأين:

1- أن الجرائم إذا تعددت وكانت من نوع واحد كسرقات متعددة أو زنا متعدد أو قذف متعدد فان العقوبات تتداخل ويجزئ عنها جميعا عقوبة واحدة.

2- أن الجرائم إذا تعددت وكانت من أنواع مختلفة فان العقوبات تتداخل ويجزئ عن الجرائم جميعا عقوبة واحدة بشرط أن تكون العقوبات المقررة لهذه الجرائم قد وضعت لحماية مصلحة واحدة، أي: لتحقيق غرض واحد.

ثانيا . نظرية الجلب: ومعنى الجلب في الشريعة هو الاكتفاء بتنفيذ العقوبة التي يمتنع مع تنفيذها تنفيذ العقوبات الأخرى، ولا ينطبق هذا المعنى إلا على عقوبة القتل فان تنفيذها يمنع بالضرورة من تنفيذ غيرها، ومن ثم فهي العقوبة الوحيدة التي تجب ما عداها.

رابعا . استيفاء العقوبات: تحدث المؤلف في هذا الباب أن الأصل في الشريعة أن الجرائم تنقسم من حيث استيفاء عقوباتها إلى ثلاثة أقسام: (جرائم حدود، وجرائم القصاص والدية، وجرائم التعازير)، وان من نسب إليه أية جريمة من هذه الأنواع حوكم عليها، فان ثبت عليه انه أتاها حكم عليه بالعقوبة المقررة لها، وان لم يثبت عليه إتيانها حكم ببراءته مما نسب إليه، فإذا حكم عليه بالعقوبة استوفاها ولي الأمر أن كانت الجريمة من جرائم الحدود أو التعازير، أما ان كانت من جرائم القصاص فيجوز للمجنى عليه أو وليه استيفاء عقوبة القصاص إذا توفرت شروط معينة[21].

خامسا . العود: أشار المؤلف في هذا الباب إلى مجموعة من الأمور، منها:

1- ماهية العود في اصطلاح القانون: فقال أن المراد به، حالة الشخص الذي يرتكب جريمة بعد أخرى حكم فيها نهائيا، أي: أن العود ينشا عن تكرار وقوع الجرائم من شخص واحد بعد الحكم نهائيا عليه في أحداها أو بعضها[22].

2- المبادئ التي يقوم عليها العود في القانون: فقال أن شراح القوانين اختلفوا في تقرير هذه المبادئ، فالبعض يرى أن يكون العود خاصا، بمعنى أن لا يعتبر المجرم عائدا إلا إذا كانت الجريمة الثانية من نوع الجريمة الأولى مماثلة لها، فان لم تكن الجريمة الثانية كذلك فلا يعتبر المجرم عائدا.

ويرى البعض أن يكون العود عاما بحيث يعتبر المجرم عائدا إذا ارتكب جريمته الثانية سواء كانت من النوع الأولى أو من نوع أخر مماثلة لها أو غير مماثلة.

3- مدة العود: فقال أن الشراح اختلفوا كذلك في تحديد هذه المدة، فرأى البعض أن يكون العود مؤبدا بحيث يعتبر المجرم عائدا مهما مضى من الزمن على جريمته الأولى، ورأى البعض أن يكون العود مؤقتا بمعنى انه إذا مضى وقت معين على الجريمة الأولى فلا يعتبر المجرم عائد إذا ارتكب جريمته الثانية.

سادسا .سقوط العقوبة: اختتم المؤلف هذا الباب الأخير بمناقشة ، أسباب سقوط العقوبة، وبعض الأحكام المتعلقة بسقوط العقوبة، فحدد هذه الأسباب فيما يلي: (1) موت الجاني، (2) فوات محل القصاص، (3) توبة الجاني، (4) الصلح، (5) العفو، (6) ارث القصاص، (7) التقادم.

المبحث الرابع: النتائج والملاحظات.

اختم هذا التقرير، بتسجيل جملة من الملاحظات حول هذا الكتاب، وذلك في أسلوبه، وقيمته العلمية، حيث توصلت إلى وضع النتائج، والملاحظات الآتية :

أولا . الإضافة العلمية للكتاب: كتاب  “التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي”، مرجع أساسي في هذا الموضوع، لأنه يسد فراغا كبيرا فيه، لغياب مؤلفات في هذا الموضوع، وهذا ما نبه إليه المؤلف فيما يلي:

  • التسهيل لمن درسوا دراسة مدنية فهم الشريعة دون حاجة للرجوع إلى كتبها، وفي هذا الصدد يقول: (فمما لا شك فيه أن كتب الشريعة مكتوبة بلغة دقيقة مركزة، ولا يستطيع فهم هذه الكتب إلا من مرن على قراءتها، وكان على علم بالقواعد الشرعية الأساسية، وهذه صفات لا تتوفر غالبا فيمن درسوا دراسة مدنية…ولعل مصاحبتي الطويلة لكتب الشريعة قد تركت أثرها في لغتي وأسلوبي وهو اثر أرجو وان يفيد القارئ وان يقربه مرحلة من فهم كتب الشريعة)[23].
  • إحياء القسم الجنائي الإسلامي، المنبوذ والمظلوم لدى معشر القانونيين، يقول المؤلف: (فنحن معشر القانونيين لا ندرس من الشريعة إلا الجزء الخاص بالأحوال الشخصية، وما عدا ذلك فهو مهمل إهمالا يكاد يكون تاما وبخاصة القسمين المدني والجنائي..أما القسم الجنائي فهو عقيدة جمهور رجال القانون لا يتفق مع عصرنا الحاضر ولا يصلح للتطبيق اليوم، ولا يبلغ مستوى القوانين الوضعية، وهي عقيدة خاطئة مضللة، وإذا حاول أي شخص منصف أن يعرف الأساس الذي قامت عليه هذه العقيدة فسيعجزه أن يجد لها أساسا سوى الجهل، وسيدهشه أن يعلم أننا نحكم على القسم الجنائي في الشريعة بعدم الصلاحية ونحن نجهل كل الجهل أحكام الشريعة الجنائية مجملة ومفصلة…وقد رأيت من الواجب علي، بعد أن تبين لي ذلك أن أحارب هذه العقيدة الخاطئة الظالمة، وان أبدا بالكتابة في القسم الجنائي الذي نبذناه دون حق، وجهلناه دون عذر، لأعرف الناس بهذا القسم على حقيقته)[24].
  • عبارة عن محاولة لتهذيب كتب الفقه، حتى تكون في متناول رجال القانون، يقول المؤلف: (ولقد أتعبتني دراسة القسم الجنائي، حيث بدأت الدراسة وأنا لا اعرف شيئا يذكر من علم الأصول ولا المصطلحات الفقهية، وزاد الدراسة تعبا أني لم أتعود قراءة كتب الفقه، وان هذه الكتب ليست مفهرسة، وليس من السهل على من يحب الاطلاع على مسألة معينة أن يعثر على حكمها في الحال، بل عليه أن يقرا بابا وأبوابا حتى يعثر على ما يريد خصوصا إذا لم يكن له من يرشده…وحين لمست المجهود الذي يجب على رجل القانون أن يبذله ليلم بأحكام الشريعة، ورأيت النتائج الباهرة التي وصلت إليها، واكتشفت الأخطاء المضحكة المبكية التي وقعنا فيها، شعرت بان علي واجبا عاجل الأداء نحو الشريعة، ونحو زملائي من رجال القانون، ونحو كل من درسوا دراسة مدنية، وهذا الواجب هو أن اعرض على الناس أحكام الشريعة في المسائل الجنائية في لغة يفهمونها، وبطريقة يألفونها، وان أصحح لرجال القانون معلوماتهم عن الشريعة، وان انشر على الناس الحقائق التي حجبها الجهل عنا زمنا طويلا)[25].

ثانيا . المنهج: سلك عبد القادر عودة في هذا الكتاب، منهجا واضح المعالم، يحاول من خلاله المقارنة بين التشريع الإسلامي مع القانون الوضعي في موضوع أصول التشريع الجنائي، يقول عبد القادر عودة في هذا السياق: (فهذه دراسات في التشريع الجنائي الإسلامي مقارنة بالقوانين الوضعية، وفقني الله فيها إلى إظهار محاسن الشريعة، وتفوقها على القوانين الوضعية، وسبقها إلى تقرير كل المبادئ الإنسانية، والنظريات العلمية والاجتماعية التي لم يعرفها العالم ولم يهتد إليها العلماء إلا أخيرا)[26].

و يبرز هذا المنهج الرئيسي فيما يلي:

  • يناقش ما يذهب إليه جمهور الكاتبين في هذا الموضوع في الفقه الجنائي الإسلامي والوضعي، مع الإدلاء برأيه في الموضوع، وغالبا ما يكون بترجيح ما ذهب إليه جمهور فقهاء الإسلام، يقول المؤلف في هذا الصدد: (وحين افعل هذا إنما أقارن بين قانون متغير متطور يسير حثيثا نحو الكمال حتى يكاد يبلغه كما يقال، وبين شريعة نزلت من ثلاثة عشر قرنا لم تتغير ولم تتبدل فيما مضى ولن تتغير أو تتبدل في المستقبل، شريعة تأبى طبيعتها التغيير والتبديل، لأنها من عند الله، ولا تبديل لكلمات الله، ولأن من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه فليس ما يخلقه في حاجة إلى إتقان من بعد خلقه)[27].
  • يدلي برأيه في مواضيع الخلاف، ويستدل له بأدلة عقلية، و نقلية قال: (وسيرى القارئ أني لم اعتمد في المقارنة على مذهب واحد من مذاهب الفقهاء الإسلاميين، وإنما جعلت عماد المقارنة المذاهب الأربعة المشهورة، وهي المذهب المالكي، والمذهب الحنفي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي، فبينت أحكام كل مذهب من هذه المذاهب في كل موضوع طرقته، واجتهدت أن أبين أساس الخلاف بين المذاهب إن كان ثمة خلاف، ليكون القارئ ملما باتجاه كل مذهب وسنده)[28].
  • يعتمد المناقشة الصريحة، بما يتضح معه رؤية الموضوع، وتتبين جوانبه، يقول المؤلف: (وسيرى القارئ أني حرصت اشد الحرص على أن تكون المقارنة شاملة لكل المبادئ والنظريات في كل موضوع جل أو هان، وقد أردت من هذا أن يكون القارئ على علم بأحكام الشريعة في كل صغيرة وكبيرة ومدى اتفاقها أو اختلافها مع أحكام القوانين الوضعية، كما أردت أن اقطع الطريق على من في قلوبهم مرض فلا يقولون لماذا خاض في هذا الموضوع وترك ذاك)[29].

ثالثا . أسلوب الكتاب: أسلوب عبد القادر عودة في هذا الكتاب، أسلوب علمي، يتميز بالشرح، والتحليل والنقد، والترجيح، مما يساعد على استيعاب الأفكار، والمعنى، يقول المؤلف: (ولم أشأ أن اكتب باللغة التي يكتب بها فقهاء الشريعة لأني دون شك اعجز من أن أجاريهم في أسلوبهم الدقيق العميق ولان القارئ العادي يعجز عن فهم هذا الأسلوب، وفضلت أن اكتب باللغة التي يكتبها ويفهمها رجال القانون الآن، مكتفيا بإبقاء الاصطلاحات الفنية الشرعية آو ذكرها وذكر ما يقابلها في اصطلاحنا القانوني، ولكني لم أهمل الإشارة إلى المراجع التي استندت إليها أو أخذت عنها)[30].

رابعا . تقسيم الكتاب: لم ينصف المؤلف الكتابين الذي يتضمنهما الجزء الأول من هذا الكتاب وذلك من حيث حجم الكتابة، حيث نجده طول كثيرا في الكتاب الأول حتى تجاوز خمس مائة صفحة، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف الكتاب الثاني، فيحين نجده في الكتاب الثاني لم يتجاوز مائة وستون صفحة.

[1] – انظر: ص 4.

[2] – انظر : ص 66.

[3] – انظر: ص 67.

[4] – انظر: ص 67.

[5] – انظر: ص 67 – 68.

[6] – انظر: ص 70- 74.

[7] – انظر: ص 75.

[8] – انظر: ص 76.

[9] – انظر: ص 78.

[10] – انظر: ص 111.

[11] – انظر: ص 111.

[12] – انظر: ص 609.

[13] – انظر: ص 609.

[14] – انظر: ص 609 – 611.

[15] – انظر: ص 611 – 621.

[16] – انظر: ص 629 – 632.

[17] – انظر: ص  632 – 634.

[18] – انظر: ص 744.

[19] – انظر: ص 745 .

[20] – انظر: ص 747.

[21]  انظر: ص 755.

[22] – انظر: ص 766.

[23] – انظر: ج 1/ص7.

[24] – انظر: ج 1/ ص 8-9.

[25] – انظر: ج 1/ ص10-11.

[26] – انظر: ج1/ص 3.

[27] – انظر: ج1/ص 4-5.

[28] – انظر: ج1/ص 6.

[29] – انظر: ص 4.

[30] – انظر: ص 7.

3.3/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى