البرامج والمنظومات الديمقراطيةالدراسات البحثية

التوظيف الأمريكي لمنظمة الإمم المتحدة في معالجة القضايا الدولية “السودان إنموذجاً”

اعداد : الـدكتـور سليـم كاطـع علـي – باحث في الشؤون الدولية والاستراتيجية 
رئيس قسم دراسات الازمات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ــ جامعة بغداد

 

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تقديم:

تُعد منظمة الأمم المتحدة منذ نشأتها عام 1945 إنعكاساً للواقع السياسي الذي كان سائداً آنذاك، إذ كانت الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي يملكان من القوة السياسية والدبلوماسية والإستراتيجية ما هو غير قابل للمقارنة بغيرهما، وهو الأمر الذي إنعكس على الأداء الوظيفي للأمم المتحدة ولا سيما مجلس الأمن، إذ لم تستطع إتخاذ قرارات حاسمة في الكثير من الأمور التي لم يرد أي من القطبين أن تحل بواسطتها.

إلا أن إنتهاء الحرب الباردة بإنهيار الإتحاد السوفيتي أتاح للولايات المتحدة الأمريكية مجموعة فرص ساعدتها على توظيف قدراتها التأثيرية لصالح تامين نظام دولي أحادي القطب يؤمن إنفرادها بالقيادة العالمية، وذلك من خلال توظيف الأمم المتحدة ولا سيما مجلس الأمن الذي أصبح يعمل بفاعلية أكبر من السابق في معالجة العديد من المشكلات العالمية.

إذ عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تقديم الدعم لمنظمة الأمم المتحدة والترويج لدور فاعل لها على الساحة الدولية، لضمان إستخدام المنظمة كوسيلة نافعة لدبلوماسيتها العالمية من ناحية، وبإنسياق المنظمة وراء الإستراتيجية الأمريكية وأهدافها، وإتخاذها إطاراً لإضفاء الشرعية الدولية على أنماط سلوكها المختلفة من ناحية أخرى.

أن توظيف الولايات المتحدة الأمريكية للأمم المتحدة يُعد أحد الآليات السياسية المهمة في إضفاء الشرعية على القرارات  التي تنسجم مع المصالح والأهداف الأمريكية، وبما يعزز من الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية، ولعل التوظيف الامريكي للمنظمة الدولية في معالجة الازمة السودانية  يُعد احدى الآليات الرامية الى تعزيز الهيمنة الامريكية على القضايا الدولية.

وفي هذا الاطار فقد تم تقسيم الدراسة على ثلاثة مباحث رئيسة وكما يلي:

  • المبحث الأول: التغيير في النظام الدولي وأثره على الأمم المتحدة.
  • المبحث الثاني: الرؤية الأمريكية للأمم المتحدة بعد الحرب الباردة.
  • المبحث الثالث: التوظيف الأمريكي للأمم المتحدة في معالجة الأزمة السودانية.

المبحث الأول : التغيير في النظام الدولي وأثره على الأمم المتحدة

لقد أُنشئت منظمة الأمم المتحدة في ظل تفاعلات الحرب العالمية الثانية، وكان ميثاقها إنعكاساً للتركيبة الدولية القائمة بتوازناتها آنذاك، إلا أن التغيرات والتطورات الهائلة التي طرأت على طبيعة العلاقات الدولية منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين فرضت على منظمة الأمم المتحدة واقعاً دولياً جديداً يكاد يختلف في جوانب كثيرة عن الواقع الدولي الذي أُنشئت في ظله الأمم المتحدة، من خلال إنهيار حالة التوازن الدولي التي كانت قائمة في مرحلة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي، وإنفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على الشؤون العالمية إستناداً إلى مقومات القوة الشاملة التي تمتلكها مقارنة بقدرات الدول الأخرى، فضلاً عن تغير النظرة حول المهام التي يتعين على الأمم المتحدة أن تضطلع بها في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، وربما يعود ذلك جزئياً إلى التحول الذي حدث في إدراك مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين.

فقد شهدت السياسة الدولية تحولات أساسية وواسعة النطاق أثرت في شكل ومحتوى النظام الدولي بعد عام 1991 أثر زوال نظام توازن القوى ثنائي القطبية، إذ أن إنهيار الاتحاد السوفيتي في كانون الأول عام 1991 كونه أحد أقطاب النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية أدى إلى إنهيار نظام القطبية الثنائية مما أدى إلى حدوث إختلال كبير في البنية الهيكلية للنظام الدولي عَبَرَ عنه فيما بعد بسلسلة من التداعيات التي إتسمت بها السياسة الدولية نظراً لشمولية التغيير الذي حصل مطلع تسعينيات القرن العشرين.

فمن ناحية شكل إنهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه حدثاً لم يسبق أن شهد التاريخ السياسي مثله، فإنهيار القوى الأساسية كان يحدث وكما تشير السوابق التاريخية نتيجة حروب تدخلها هذه القوى تكون محصلتها إعادة التغيير في البنية الهيكلية للنظام الدولي وهذا ما حدث في أوربا خلال الأعوام 1815، 1918، و 1945([i]). إلا أن ما حصل عام 1991 لا يعكس ذلك، إذ أن إنهيار أحد أقطاب التوازن الدولي بدون حرب، أدى إلى تحول نظام القطبية الثنائية الذي ساد في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى نظام يعكس هيمنة القوى الرأسمالية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن ناحية أخرى، فأن إنهيار الاتحاد السوفيتي رتب مجموعة نتائج أسهمت في تكوين ملامح الفترة الإنتقالية التي يتسم بها النظام الدولي في الوقت الراهن، ومن أبرز هذه النتائج: أن إنهيار الاتحاد السوفيتي عُد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي تتربع على قمة النظام الرأسمالي، بما تمتلكه من قدرات عسكرية وإقتصادية وتكنولوجية وسياسية بمثابة إنتصار للإنموذج الرأسمالي الأمريكي([ii]). مما أدى إلى إحتكارها لأدوات القوة والتأثير ووسائل مد النفوذ، ومن ثم إنفراد هذا الفاعل على الصعيد الدولي الذي لا يتوقع منه أن يلعب وفقاً لأحكام اللعبة، وإنما وفقاً للإتجاهات التي تخدم إستمرار مركزه الدولي وقوة تأثيره([iii]).

وقد شكل هذا الوضع المختل دافعاً للولايات المتحدة الأمريكية لأن تسعى إلى معالجة العديد من المشكلات والقضايا التي تهم مصالحها وفق سياسات تنسجم مع تطلعات هيمنتها العالمية([iv]).

ومما ساعد الولايات المتحدة الأمريكية على ترتيب وضمان مصالحها العالمية، إنه على الرغم من وجود قوى دولية كبرى إلى جانب الولايات المتحدة تمتلك إمكانية الظهور كأقطاب دولية مستقبلاً، إلا أنها لا تزال تعاني من معوقات عديدة، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة القوة المتربعة على هرم النظام الدولي دون منازع([v]).

فضلاً عن ذلك، فان إنهيار الإتحاد السوفيتي أحدث تداعيات مماثلة على مستوى البناء الآيديولوجي، فإنتهاء الصراع العقائدي بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي لم يؤد إلى إختفاء دور الآيديولوجية بوصفها عاملاً محركاً في العلاقات الدولية، إنما إنتقل الصراع الدولي إلى مناطق فرعية تشهد صراعات وأزمات عديدة تُعد إحدى نتائج إنتهاء الحرب الباردة، وأسباب هذه الصراعات قد تعود إلى المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والإختلافات بين الأنظمة السياسية، فضلاً عن الأحقاد التاريخية والنزاعات الحدودية([vi]). والى مدى أبعد من ذلك فإذا كانت الحدود بين الدول هي المسرح الرئيس للحروب السابقة، فأن الحروب القادمة ستكون بين المجموعات العرقية والآيديولوجيات المختلفة على صعيد البلد الواحد([vii]).

وإزاء تلك التغيرات والتطورات فقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على توظيف هذه الفرصة السانحة والتي أفرزها تفكك الإتحاد السوفيتي للبدء في تحقيق مشروعها الكوني في أمركة العالم، إذ أن إنفراد الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية قد جعلها تبدو وكأنها مطلقة اليدين في التدخل في شؤون الدول الأخرى والتحكم بمصيرها، وكانت منظمة الأمم المتحدة هي الأداة المنفذة لتطلعاتها في السيطرة على مجرى الأحداث في مناطق متعددة من العالم تحت شعار النظام الدولي الجديد([viii]).

إذ سعت الولايات المتحدة الأمريكية على أن يكون خطابها السياسي عن الشرعية الدولية إحدى أهم وسائل التبشير بنظام دولي جديد تقوده وتوجه مساراته على الرغم من أن سياساتها الفعلية وسلوكها الدولي يتناقضان مع المضمون الحقيقي لهذه الشرعية، ولعل هذه الحقيقة يؤشرها التوظيف السياسي للأمم المتحدة ولا سيما مجلس الأمن في مسعى منها لحماية مصالحها وتحقيق أهدافها.

المبحث الثاني : الرؤية الأمريكية للأمم المتحدة بعد الحرب الباردة

تُعد منظمة الأمم المتحدة من أولى المنظمات الدولية التي تأثرت بالتغييرات الحاصلة في هيكلية النظام الدولي، فمع إِنهيار الاتحاد السوفيتي، أصبحت الأوضاع الدولية مهيأة أمام الولايات المتحدة الأمريكية لقيادة المنظومة الدولية، ولاسيما جهازها التنفيذي الرئيس الممثل بـ ( مجلس الأمن )، المسئول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وتوجيهه بالشكل الذي يتفق مع طموحات وأهداف الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عن طريق جعل الأمم المتحدة أداة لتنفيذ إستراتيجيتها، ومشروعها الكوني، أَي قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتوظيف قواعد القانون الدولي، ومبادئ ميثاقه لإضفاء الشرعية الدولية على ممارستها السياسية الخارجية، وقد بدا ذلك واضحاً في ضوء سعيها المتواصل بإسم (الشرعية الدولية)، وذلك لمعاقبة المناهضين لسياستها الكونية(9).

ومن هنا فقد إرتكزت الولايات المتحدة الأمريكية في إنجاز أهدافها، وحماية مصالحها عن طريق تسخيرها للشرعية الدولية المستندة إلى مبدأ (إستغلال العضوية في مجلس الأمن)، فالطابع السياسي لمجلس الأمن جعله معرضاً في كثير من الأحيان لتأثيرات القوى الكبرى، ولاسيما الدول الدائمة العضوية فيه، مما شكل منفذاً حيوياً للدول الكبرى، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية، لإصدار ما تشاء من قرارات دولية، وبالشكل الذي يتلاءم مع طبيعة مصالحها، وأهدافها المستقبلية([x]).

إذ أن إنتهاء الحرب الباردة بإنهيار الإتحاد السوفيتي أتاح للولايات المتحدة الأمريكية مجموعة فرص ساعدتها على توظيف قدراتها التأثيرية لصالـح تأميـن نظـام دولـي أحادي القطـب يؤمـن إنفرادهـا بالقيادة العالمية([xi]). وذلك من خلال توظيف الأمم المتحدة، ولاسيما مجلس الأمن الذي أصبح يعمل بفاعلية أكبر من السابق في معالجة العديد من المشكلات العالمية، ولإضفاء الشرعية على أنماط سلوكها الأمر الذي جعل مجلس الأمن وكأنه أداة في يد الولايات المتحدة([xii]).

وتأسيساً على ذلك، فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية لجأت إلى الإستعانة بالأمم المتحدة التي كانت تُعّد الهيئة الشرعية الأولى في ظل نظام القطبية الثنائية، ومازالت بقصد الحصول على الغطاء الشرعي القانوني لتحركها السياسي الخارجي. وهذا يتضـح في ضوء الخطـاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي الأسبق ( جورج بوش الأب ) أمام الكونغرس في العام 1991، إذ قال فيه : (الآن يمكننا رؤية عالم جديد تكون فيه الأمم المتحدة متحررة من مأزق الحرب الباردة مستعدة لتحقيق الرؤية التاريخية لمؤسسيها، عالم ترى فيه الحرية، واحترام حقوق الإنسان مكاناً بين كافة الأمم)([xiii]).

ولذلك بدأت الولايات المتحدة الأمريكية، إِعادة وضع المنظمة الدولية في دائرة الآليات التي يمكن أن تنفذ إستراتيجيتها، ولا سيما بعد إنتهاء الحرب الباردة، إذ أصبح التركيز الأساس على مجلس الأمن بِعّدهِ الجهاز التنفيذي الأهم، فبدأ الحديث عن دور جديد للأمم المتحدة، وصياغة مفاهيم أمنية – إستراتيجية جديدة، ولاسيما إعادة تأكيد مفاهيم سابقة عن السلام، ومفهوم السيادة، والسلطان الداخلي للدول، فتحولت المنظمة إلى أداة لتوفير الغطاء الشرعي للتدخلات الأمريكية التي أعقبت مرحلة ما بعد الحرب الباردة([xiv]).

وفي هذا السياق، يقول الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ( بطرس غالي ): “إنّي أخطأت كثيراً عندما تصورت أَن الأمم المتحدة تستطيع أن تؤدي دوراً قيادياً في العلاقات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة بمعزل عن التأثيرات الجانبية للولايات المتحدة، ولاسيما أن الولايات المتحدة الأمريكية قد سعت إلى أن تكون القطب الأوحد، والأمم المتحدة خاضعة لإرادتها” ([xv]).

فالولايات المتحدة الأمريكية سعت إلى توظيف الأمم المتحدة ولا سيما مجلس الأمن لفرض معايير دولية تتسم بالمراوغة كحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، وعلى نحو يتيح تكييفها وفق المصلحة الأمريكية في كل حالة على حدة، مما يمكن من تطبيق تلك القواعد حيناً أو تفادي تطبيقها أحياناً أخرى، الأمر الذي فسح المجال فيما بعد للحديث عن (إزدواجية المعايير) عند التعامل مع بعض المشكلات الدولية، ومثال على ذلك التوظيف الأمريكي المكثف لمجلس الأمن حيال العراق بعد 2 آب عام 1990 يقابله عدم الإستعانة به في مفاوضات ( التسوية العربية ـ الإسرائيلية) عام 1993.

وهكذا فان سياسة المعايير المزدوجة أو الكيل بمكيالين أصبحت من سمات الأمم المتحدة، وذلك لأن مجلس الأمن لا يقوم بمهمة ما إلا إذا سمحت بذلك مصالح الولايات المتحدة، فضلاً عن ذلك تكون أبعاد السلوك الخارجي بدءاً على سبيل المثال من فرض العقوبات إلى إستخدام القوة العسكرية محكومة بالمصالح الأمريكية([xvi]).

وعليه فان تلك السياسة قد إنعكست على الأمم المتحدة، إذ جعلتها خاضعة لمصالح الدول الكبرى، فهذه الدول لا تتوانى أحياناً عن توجيه الدعم للأمم المتحدة مستغلة عدم توافرها على القدرتين العسكرية والمادية ما دامت تلبي مصالحها، والعدوان على العراق عام 1991 مثال على ذلك، أما في أحيان أخرى ولا سيما في الحالات التي لا تنطوي على مصلحة لهذه الدول فالعكس يكون صحيحاً وتدخل الأمم المتحدة في الصومال عام 1992 أحد الأمثلة التي تؤكد ذلك، إذ أكدت تجربة التدخل هذه العديد من جوانب القصور في سياسة الأمم المتحدة لحفظ السلام([xvii]).

وفي هذا السياق يشير الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى: ” أن وضع الولايات المتحدة الأمريكية جنودها تحت قيادة الأمم المتحدة هو أمر غير مقبول، وعلينا أن نطوع الأمم المتحدة لدعم سياساتنا لا أن تكون مسؤولة عنها” ([xviii]).

أما (وارن كريستوفر) وزير الخارجية الأمريكي الأسبق فيذهب إلى القول: ” إن العمل متعدد الإطراف هو وسيلة وليس غاية في حد ذاته، والمسوغ الوحيد للإعتماد عليه هو عندما يؤدي ذلك إلى خدمة المصالح الأمريكية، إن هذه الدولة لن تفوض أمور سياستها الخارجية لأي طرف أخر” ([xix]).

ومن هنا, فإنّ إستغلال الدول الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الوسيلة، واستخدامها من أجل تنفيذ إستراتيجيتها إزاء الدول الأخرى تعكس في مضمونها طابعاً قانونياً دولياً، الأمر الذي يدعو إلى تقبلها طوعاً أو بالإكراه، بِعّدها قرارات صادرة عن جهة شرعية ملزمة ينبغي تنفيذها، كأداة لردع الخصوم المحتملين([xx])، وبمقتضى ذلك أفردت الولايات المتحدة دوراً لمجلس الأمن لمواجهة حالات تهديد السلم العالمي أو الإخلال به بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك لإضفاء المشروعية القانونية على تصرفاتها السياسية، والاقتصادية، والعسكرية في أمركة العالم([xxi]).

وفي هذا الصدد أشار الرئيس الأمريكي الأسبق (  بيل كلينتون ) في خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 / 9 / 1997, بالقول: ” إنّنا سوف نعمل في إطار المشاركة مع الآخرين، وعن طريق المؤسسات المتعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، وإنه لمن أولويات مصلحتنا القومية أَن نقوم بذلك، ولكن يجب أَن لا نتردد في العمل بطريقة ذات مغزى إنفرادي، عندما تكون هناك تهديدات إزاء مصالحنا الحيوية أو مصالح حلفاءنا الأطلسيين” ([xxii]).

وإتساقاً مع ذلك، فإنّ انفرادية الولايات المتحدة الأمريكية بالمركز المسيطر ضمن إِطار هيكلية التطورات الدولية الجديدة لمرحلة ما بعد الحرب الباردة، قد خولها عملياً مهمة الإشراف على عملية صنع القرارات، وإتخاذها على المستوى الدولي بما تملكه من نفوذ مؤثر في الأمم المتحدة، وهذا الأمر برهنت عليه القدرة العسكرية الأمريكية في مرحلة ما بعد أحداث 11 أيلول العام 2001([xxiii]). كما هو الحال في إصدار مجلس الأمن القرار(1564) في عام 2004 لإدانة قتل المدنيين في إقليم دارفور، والقرار (1973) في 17/3/2011 لحمايـة المدنييـن فـي ليبيا.

فضلاً عن ذلك، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى توظيف الأمم المتحدة بوصفها وسيلة دولية لشرعية سلوكها مع الأطراف غير المتوافقة معها، وأداة ضغط من نوع آخر قوامه الإمتناع عن تقديم المساعدات لإطراف دولية تقع خارج إطار الفلسفة السياسية الأمريكية متذرعة بحجة مفادها: عدم مساعدة الذين لا يقدرون على مساعدة أنفسهم لتعزيز مفردات الديمقراطية، وتأسيس نظم حقوق الإنسان([xxiv]).

ويُعد صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية سبيلاً لتحقيق هذا الهدف، ففي أعقاب دعوة الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش الابن) للجمعية العامة إلى إنشاء صندوق لمساعدة الدول الراغبة في تعزيز برامج التحول الديمقراطي، إستحدث الأمين العام للأمم المتحدة السابق (كوفي عنان)، صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية في تموز 2005، إذ إن إنشاء هذا الصندوق يشير إلى إقتناع الإدارة الأمريكيــة بوجوب قيــام الأمـم المتحـدة بدور مهم في الترويـج لــ (آليـات التحـول الديمقراطـي)([xxv]).

ومن خلال ما تقدم، نخلص إلى القول أن الولايات المتحدة الأمريكية في سعيها إلى إعادة تشكيل البيئة الدولية الجديدة وفقاً لأهدافها ومصالحها الكونية إتجهت نحو توظيف منظمة الأمم المتحدة كأدة لإضفاء الشرعية على سياساتها الدولية ولا سيما بعد أن أصبح لها الثقل الأكبر في مجلس الأمن. وهو ما يشير من ناحية أخرى الى أن الأمم المتحدة التي نجحت في تأكيد نفسها ثقافياً وإجتماعياً وإنسانياً في وكالات الغوث والثقافة والتجارة ودعم الدول النامية من خلال البرنامج الإنمائي، إلا أنها فشلت سياسياً ولا سيما بعد إنتهاء الحرب الباردة، لأنها تحولت أكثر من أي وقت مضى إلى أداة بيد القوى الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، وبدلاً من منعها الحروب وتحاشيها إذا أمكن ذلك دخلت في أحيان كثيرة طرفاً فيها، وفقدت مصداقيتها في التحكيم الدولي والوساطة.

المبحث الثالث: التوظيف الأمريكي للأمم المتحدة في معالجة الأزمة السودانية

إحتلت بعض الدول الأفريقية مكانة محورية في الفكر الإستراتيجي الأمريكي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وكان السودان في مقدمة تلك الدول، ومما عزز تلك السياسة بشكل واضح تجاه الحكومة السودانية هو إن وصولها إلى السلطة في 30 حزيران 1989 كان ثمرة إنقلاب عسكري على حكومة الصادق المهدي المنتخبة منذ عام 1986([xxvi]). وهو ما يتناقض بحسب الرؤية الأمريكية مع اُسس النظام الدولي الجديد القائم على أساس التعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

إذ أن قيام النظام السوداني بتوجهاته الآيديولوجية (الإسلامية)، وتبنيه للخطاب الإسلامي الإصولي، فضلاً عن قيام السودان ومنذ عام 1992 بفتح أبوابه أمام مختلف الجماعات والحركات الإسلامية، ولا سيما بعد إستقرار زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في السودان للمدة (1991ـ 1996)، أثار قلق الولايات المتحدة الأمريكية من إمكانية قيام دولة أسلامية في هذه المنطقة الحيوية، وكونها تشكل ملاذاً آمناً للجماعات والمنظمات الإرهابية، فضلاً عن إيواء الجماعات المسلحة المعارضة للدول الحليفة والصديقة للولايات المتحدة مثل (أثيوبيا، إريتريا، كينيا، أوغندا)([xxvii]).

بعبارة أخرى، أن رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للنظام القائم في السودان بعد عام 1989 تنطلق من كونه يشكل نظاماً سياسياً مغايراً لأهدافها ومصالحها في المنطقة من جهة، ومتبايناً مع مضامينها الفكرية والآيديولوجية من جهة أخرى، وهو ما جعل فرص التقارب تبدو بعيدة بين الطرفين.

وبذلك فأن الأولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية والغربية عموماً أصبحت تركز على إحتواء النظام الإسلامي في الخرطوم، والحيلولة دون نشر آيديولوجيته وتأثيره في القرن الأفريقي والمناطق المحيطة به([xxviii]).

وعلى الرغم من تعدد وتنوع المشاكل والأزمات التي يعاني منها السودان، إلا أن الأزمة التي تواجه الدولة السودانية ولا سيما المتعلقة بإقليم دارفور تُعد من أهم الأزمات التي شهدت تدويل قضيتها على مستوى الأمم المتحدة، وأكدت مدى إلتزام الولايات المتحدة الأمريكية في العمل على تحقيق أهدافها في السودان من خلال توظيف مجلس الأمن كأداة لخدمة مخططاتها ومصالحها في المنطقة.

ومما أسهم في ذلك هو أن هذه الأزمة أصبحت لها انعكاسات تتجاوز الداخل السوداني، إذ أن تأثيراتها لا تتوقف على أحداث حالة من حالات عدم الاستقرار الداخلي، وإنما تتعدى ذلك إلى تهديد كيان الدولة ونظامها السياسي ذاته، أما بسبب إستمرار النزاعات والصراعات في أقاليم السودان المختلفة، أو من خلال توسيع دائرة الأطراف المتصارعة والمشاركة فيها والداعمة لها، أو بالترويج للنزاعات والميول الانفصالية بهدف تفتيت السلامة الإقليمية للدولة. ولا يتوقف الأمر في هذا الشأن على الأطراف المحليين أو الوطنيين، وإنما يتجاوز ذلك إلى تورط أطراف إقليمية ودولية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يخرج الأزمة من محيطها الداخلي، ويجعلها أزمة ذات أبعاد متعددة ومضامين متنوعة، وهو ما ينطبق على الأزمة في إقليم دارفور، التي تطورت وتصاعدت حتى خرجت عن كونها أزمة داخلية، أو شأناً من الشؤون الداخلية للدولة السودانية إلى أزمة ذات أبعاد وتداعيات محلية، وإقليمية، ودولية.

وفي ضوء ذلك، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى نقل أزمة درافور إلى مرحلة جديدة من خلال تدويل القضية، وهو ما أحدث تعقيداً كبيراً ليس فيما يتعلق بأزمة دارفور فحسب، بل بإستقرار السودان ككل وسلطة الدولة فيه وهيكلها وشكل نظامها السياسي في المستقبل.

وفي هذا الإطار، فقد نجحت الضغوط الأمريكية في تدويل القضية، عندما عقد مجلس الأمن جلسته في 11 حزيران 2004 بناءاً على طلب الولايات المتحدة، وأصدر القرار رقم (1547)، الذي نص على إنشاء بعثة الأمم المتحدة في السودان، كما دعا الحكومة السودانية والحركات المسلحة في دارفور إلى الالتزام بوقف القتال وإبرام إتفاق سلام([xxix])، فضلاً عن إصدار مجلس الأمن فيما بعد سلسلة من القرارات المتعلقة بالسودان.

ولاشك فان توجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تدويل قضية دارفور إنما يعود إلى عاملين رئيسين هما:

  • ضغوط المنظمات التبشيرية واليمين المسيحي في الولايات المتحدة المدعومة من الحركة الصهيونية في هذا الشأن، وقد برزت هذه الضغوط في تشكيل ما يسمى بـ (تحالف إنقاذ دارفور) في 14 تموز 2004، الذي يضم (160) منظمة دينية وإنسانية، عملت على الترويج لفكرة الإبادة الجماعة في دارفور، كما أدى هذا التحالف أثراً مهماً في إقناع الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على السودان، وجعل دارفور على رأس قائمة إهتمامات السياسة الأمريكية([xxx]).
  • رغبـة الولايـات المتحـدة في إيجاد مظلة نفوذ أمريكية جديدة يتم نقل القوات إليها، لا سيما بعد تصاعد الإنتقادات والهجمات ضد القوات الأمريكية في منطقة الخليج العربي، وإن أنسب مكان لذلك هو منطقة القرن الأفريقي، نظراً لأهميتها الإستراتيجية من ناحية، ولوجود البترول البكر فيها من ناحية أخرى([xxxi]).

فضلاً عن ذلك، فقد استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في إستخدام مختلف الحجج والمبررات لأجل إستمرار تدخلها في الشأن السوداني، بعد أن عجزت عن طريق القرارات التي صدرت بحق الحكومة السودانية بحجة عدم قدرتها على حل أزمة دارفور، وقد عكست إحالة قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية إستمرارية السياسة الأمريكية في هذا الصدد.

إذ كانت الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة اليد الخفية في المذكرة التي أصدرها (لويس مورينو اوكامبو) المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بتاريخ 14 تموز 2008، التي تضمنت جملة من الإتهامات منها تورط الرئيس السوداني عمر البشير في ارتكاب جرائم وإبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور([xxxii])، وهو ما ترتب عليه فيما بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير في الرابع من آذار 2009، وطالبت المحكمة الدول الأعضاء فيها، وغير الأعضاء بالتعاون للقبض على البشير وتقديمه للمحاكمة لإرتكابه جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب في أثناء النزاع في دارفور([xxxiii]).

وعلى الرغم من صفة الإستقلالية التي تضمنها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي تم إقراره في عام 1998، إلا أن الواقع يشير الى ان الانتقائية لبعض الحالات وتجاهل حالات أخرى، وليس تطبيق العدالة هو المبدأ الذي تسير عليه هذه المحكمة. إذ أن تدخل مجلس الأمن في إجراءات المحكمة ينفي عنها صفة الاستقلالية، فقد منحت المادتان (13) و (16) من النظام الأساسي مجلس الأمن سلطة مهمة في التدخل بأعمال المحكمـة الجنائيــة الدوليـة.

فالمادة (13) من النظام الأساسي منحت مجلس الأمن سلطة إحالة (حالة situation ) بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لا يشترط أن تكون هذه الحالة قد وقعت في دولة طرف في النظام الأساسي مما يجيز للمجلس إحالة قضايا تتصل بدول ليست طرف، خلافاً للقاعدة الواردة في المادة (34) من إتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 والتي تنص على: (انه لا ترتب المعاهدة أية إلتزامات على دولة ثالثة، ولا أية حقوق لها دون موافقتها)، وهذا المنحى يدخل في توسيع مجلس الأمن لصلاحياته بموجب الفصل السابع في الميثاق دون معقب عليه، مما يتيح فرض التعسف من قبل مجلس الأمن ضمن البيئة السياسية الدولية الراهنة([xxxiv]).

أما المادة (16) فقد نصت على أنه: (لا يجوز البدء أو المضي في تحقيق أو مقاضاة بموجب النظام الأساسي لمدة إثنتي عشر شهراً بناءً على طلب من مجلس الأمن إلى المحكمة بهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر عن المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحـدة، ويجـوز للمجلس تجديـد هـذا الطلب بالشروط نفسها)([xxxv]). وهكذا يتضح أن هذه المادة تشكل قيداً على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الذي يقيد المحكمة من الإستمرار في ممارسة اختصاصها في نظر أية دعوى، وفي أية مرحلة كانت عليها الدعوى ما دام مجلس الأمن راغباً في ذلك.

ولا شك فأن ذلك يُعد تجاوزاً واضحاً على ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة، إذ أن مجلس الأمن لا يملك أي حق قانوني في تشكيل مثل هذه المحاكم، فالمادة (29) من الميثاق لا تنص على إنشاء محاكم بل تنص على إنشاء أجهزة إدارية لفروع ثانوية، فضلاً عن أن إنشائها جاء مستنداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يشير إلى كونها محكمة ذات أبعاد سياسية وغير محايدة([xxxvi])، الغاية منها ملاحقة الدول والأفراد الذين لا تتفق توجهاتهم مع السياسة الأمريكية.

وفي الحقيقة إن تصعيد الإدارة الأمريكية لحملتها ضد حكومة عمر البشير لم يأتِ من فراغ، إذ أن للإدارة الأمريكية أهدافاً محددة من توظيف قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد النظام السوداني تتمثل بما يأتي:

  1. تحقيق رغبة الإدارة الأمريكية في إيجاد طريق لإختراق السودان لتحقيق إستراتيجيتها في تجزئة هذا البلد، وفرض السيطرة السياسية عليه وسلخه من إطاره ومحيطه العربي وأفرقته وإستغلال موارده.
  2. الإستيلاء على ثروات السودان النفطية والمعدنية، ولا سيما اليورانيوم والتواجد عند منابع النيل في منطقة البحيرات العظمى، والعمل على التحكم في مياهه، وهو ما يصب في خدمة الأهداف الإسرائيلية التي لها يد ظاهرياً أحياناً، وخفية أحياناً أخرى في دعم حركات التمرد في دارفور بالمال والسلاح.
  3. ابعاد النفوذ الصيني من السودان، أو على الأقل تحديد وجودها في إطار الإستراتيجية الأمريكية الرامية للسيطرة على أماكن ومناطق إنتاج الطاقة في العالم كله، لا سيما بعد أن دخلت الصين في مجالات إنتاجية عديدة في السودان مثل إستخراج النفط والتنمية الزراعية والبنية التحتية.
  4. رغبة الولايات الولايات المتحدة الأمريكية في إضعاف حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان كونه ذات توجهات إسلامية معادية للولايات المتحدة والدول الغربية عموماً، تمهيدا ً لإسقاط النظام نهائياً، وإحلال نظام حكم آخر على إستعداد للتفاهم مع الولايات المتحدة.

ومن خلال ما سبق، يتضح أن الطابع العام للقرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة تجاه قضايا السودان، كما في غيرها من القضايا الأخرى هو الطابع الأمريكي، ومما ساعد على ذلك هو تنامي دور الولايات المتحدة الأمريكية كقوة مهيمنة ووحيدة على المستوى الدولي إقتصادياً وعسكرياً وسياسياً بحيث لا تضاهيها قوة أخرى، وهو ما أتاح لها إمكانية تقديم الدعم المادي للمنظمة الدولية خدمةً لمصالحها وأهدافها. فضلاً عن أن العجز المالي الذي تعاني منه الأمم المتحدة في مقابل قدرة الولايات المتحدة على سد إحتياجات المنظمة مادياً جعل الأخيرة أسيرة للإرادة الأمريكية ومن ثم جعلتها أداة بيدها لتنفيذ قراراتها حتى لو إستلزم الأمر إستخدام القوة.

خاتمة:

إنّ طبيعة المتغيرات الدولية الجديدة التي شهدها مطلع تسعينيات القرن العشرين، قد أسهمت في إتساع هامش الحركة الأمريكية الدولية، وأتاح لها فرصة مناسبة للهيمنة المطلقة على الأمم المتحدة، والتي تحولت إلى أشبه بالمؤسسة الدولية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية في معالجة العديد من القضايا الدولية.

وفي ضوء تلك التطورات والتحولات الدولية فقد أصبحت الأمم المتحدة من أهم أدوات الإستراتيجية الأمريكية، إذ جرى تهميش دورها، وتوظيفها كأداة لتحقيق المصالح الأمريكية في كافة مناطق العالم، لاسيما إذا أدركنا: أن كل تحرك سياسي أمريكي أصبح مدعوماً بالشرعية الدولية اللازمة سواء بأسلوب الحصار الاقتصادي أم استخدام مفردات القوة العسكرية.

ولعل الدور الذي لعبته الأمم المتحدة ولا سيما مجلس الأمن في معالجة أزمة دارفور في السودان، يوضح بصورة كبيرة مدى التأثير الأمريكي على الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة ( مجلس الأمن)، ذلك التأثير الذي كان نابعاً من طبيعة الأهداف والمصالح الأمريكية في قارة أفريقيا عموماً وفي السودان على وجه التحديد. وهي مصالح أُريد لها ضمان إنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالنفوذ العالمي تحت مبررات النظام الدولي الجديد بمفهومه الأمريكي من ناحية، ومن ناحية أخرى الحيلولة دون بروز قوى دولية جديدة يمكن أن تشكل في المستقبل منافساً قوياً للولايات المتحدة على الصعيد العالمي.

وفي ضوء ما سبق، نخلص إلى القول أن فاعلية الأمم المتحدة أَصبحت محكومة بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، فدورها كإطار للشرعية الدولية تم تغيبه لحساب المصالح الأمريكية بصفة خاصة، والغربية بشكل عام، ولذلك أصبحت الشرعية الدولية بمثابة غطاء لتبرير السياسات الأمريكية، ولا سيما تلك المتعلقة بتصفية الحسابات مع دول مناهضة للسياسة الأمريكية.

الهوامش:

[i]  محمد موسى، أضواء على العلاقات الدولية والنظام الدولي، الطبعة الأولى، بيروت، دار البيارق، 1993، ص 49.

[ii]  د. منير الحمش، العولمة …. ليست الخيار الوحيد، الطبعة الأولى، دمشق، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، 1998، ص 7.

[iii]  عارف خلف محمد، أثر المتغيرات الدولية الجديدة على السياسية الخارجية السورية 1985 ـ 1995، أطروحة دكتوراه، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، 1996، ص 21.

[iv]  ممدوح محمود مصطفى، مفهوم” النظام الدولي” بين العلمية والنمطية، الطبعة الأولى، أبو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 1998، ص39.

[v]    Joseph S. Nye, what new world order, Foreign Affairs, Vol.71, No.2, 1992, p. 85.

[vi]  د. سعد حقي توفيق،  النظام الدولي الجديد: دراسة في مستقبل العلاقات الدولية بعد إنتهاء الحرب الباردة، الطبعة الأولى، عمان، الأهلية للنشر والتوزيع، 1999، ص 58.

[vii] Anne Marie Slaughter, The real new world order, Foreign Affairs, Vol. 76, No.5, September-October, 1997, p. 12.

[viii]  د. مندوب الشالجي، مستقبل هيئة الأمم المتحدة في ظل النظام الدولي الجديد، مجلة آفاق عربية، السنة التاسعة عشر، العدد الثالث، آذار 1994، ص6.

 [ix] إدريس لكريني، إدارة الأزمات الدولية في عالم متحول: مقارنة للإنموذج الأمريكي في المنطقة العربية، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد ( 287 )، بيروت ، كانون الثاني، 2003، ص39

[x] محمد السيد سليم، العرب فيما بعد العصر السوفيتي، المخاطر والفرص، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد  108 ، 1992، ص154.

[xi] سليم كاطع علي، مقومات القوة الأمريكية وأثرها في النظام الدولي، مجلة دراسات دولية، جامعة بغداد، مركز الدراسات الدولية، العدد 42، تشرين الأول 2009، ص170.

 [xii] د. حسـن نافعـة، الأمـم المتحدة في نصف قرن: دراسة في تطور التنظيم الدولي منذ عام 1945، الكويت، المجلس الوطنـي للثقافـة والفنـون والآداب، 1995، ص ص 406 – 407.

[xiii]  زبغنيو بريجنسكي، الاختيار: السيطرة على العالم أَم قيادة العالم، ترجمة: عمر الأيوبي، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، 2004، ص 156..

[xiv] ضاري رشيد الياسين، الأمم المتحدة والسياسة الخارجية الأمريكية ( رؤية مستقبلية ) في: السياسة الخارجية الأمريكية المعاصرة، نشرة مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد 14،  1997، ص9.

[xv]  بطرس بطرس غالي، السياسة الدولية تستطيع توعية الرأي العام العربي بقدرة التخلص من الإنغلاق الفكري والانفتاح على العالم ، مجلة السياسة الدولية، القاهرة،  العدد  165 ، 2005، ص7.

[xvi] د. سعيد اللاوندي، وفاة الأمم المتحدة: أزمة المنظمات الدولية في زمن الهيمنة الأمريكية، الطبعة الأولى، القاهرة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 2004، ص 175. وينظر كذلك: هانز كوشلر، الديمقراطية والنظام العالمي الجديد، ترجمة: سميرة إبراهيم عبد الرحمن، جامعة بغداد، مركز الدراسات الدولية، 2000، ص 10.

[xvii] أحمد إبراهيم محمود، تجربة التدخل الدولي في الصومال ورواندا، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد 122، أكتوبر 1995، ص ص 129 ـ 130.

[xviii] ريتشارد نيكسون، ما وراء السلام، ترجمة: مالك فاضل، الطبعة الأولى، عمان، الأهلية للنشر والتوزيع، 1995، ص 41.

[xix] د. عبد الرحمن عبد العال، الإستخدام القسري للقوة في حالات التدخل الإنساني، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد 178، أكتوبر 2009، ص36.

[xx] روجيه غارودي، الولايات المتحدة طليعة الانهيار، ترجمة: كمال جار الله، القاهرة، دار النهار للطباعة والنشر، 1998، ص88.

[xxi] د. محسن خليل ، المتغيرات الدولية الجديدة ومخاطرها على الأمن القومي العربي، مجلة دراسات سياسية ، العدد الأول ، بيت الحكمة ، بغداد ، 1999، ص7.

[xxii] أَحمد الرشيدي وآخرون، الأمم المتحدة: ضرورات الإصلاح بعد نصف قرن- وجهة نظر عربية، الطبعة الأولى، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية،  1996، ص ص52-54.

[xxiii] محمد عبد الشفيع عيسى، كشف الغطاء عن الشرعية الدولية الراهنة، من البعد القانوني إلى البُعد السياسي، في: مجموعة باحثين، العرب وتحديات النظام العالمي، الطبعة الأولى، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2004، ص260.

 [xxiv]د. عبد القادر محمد فهمي، الفكر السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية : دراسة في الأفكار والعقائد ووسائل البناء الإمبراطوري، ، الطبعة الأولى، عمان، دار الشروق للنشر والتوزيع، 2009، ص ص113 ـ 114.

 [xxv]علي وجيه محجوب، إتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين ومستقبل النظام الدولي الجديد، أطروحة دكتوراه، جامعة النهرين، كلية العلوم السياسيـة، 2006 ، ص ص 96 – 97.

 [xxvi]د. عبد السلام إبراهيم بغدادي، السودان المعاصر:السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، الطبعة الأولى، عمان، دار المناهج للنشر والتوزيع، 2005، ص 115.

[xxvii] د. حسن الحاج علي، السياسة الخارجية الأمريكية: أجندة ما بعد الحرب الباردة، مجلة دراسات إستراتيجية، الخرطوم، مركز الدراسات الإستراتيجية، العدد الرابع، آب 1995، ص 62. وينظر كذلك: جيلبرت خاديلاجالا، شرق أفريقيا: الأمن وإرث الهشاشة، سلسلة دراسات عالمية، الطبعة الأولى، أبو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، العدد 86، 2009، ص 29.

[xxviii]توم بورتيوس، بريطانيا في أفريقيا، ترجمة: عثمان جبالي المثلوثي، الطبعة الأولى، بيروت، الدار العربية للعلوم، 2009، ص 145.

 [xxix]د. عبده مختار موسى، دارفور: من أزمة دولة إلى صراع القوى العظمى، الطبعة الأولى، بيروت، الدار  العربية للعلوم، 2009، .، ص 200.

 [xxx]عصام عبد الفتاح، دارفور: وجع في قلب العروبة، الطبعة الثانية، القاهرة، كنوز للنشر والتوزيع، 2009، ص 164. وينظر: سامي السيد احمد، السياسة الأمريكية تجاه صراعات القرن الأفريقي ما بعد الحرب الباردة: الدور والاستجابة، الطبعـة الأولـى، أبو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2010، ص ص 153 ـ 154.

  [xxxi]بدر حسن شافعي، أزمة دارفور: بين الأفرقة والتدويل، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العدد 164، ابريل 2006، ص 180.

  [xxxii]د. منى حسين عبيد، الأزمة السياسية في السودان في مذكرة اعتقال عمر حسن البشير، المرصد الدولي، جامعة بغداد، مركز الدراسات الدولية، العدد 8، شباط 2009، ص 43.

  [xxxiii]سامي السيد احمد، مصدر سبق ذكره، ص310.

[xxxiv] باسل يوسف بجك، مذكرة القبض على الرئيس السوداني: نموذج لخطورة تسييس وربط تدابير المحكمة الجنائية الدولية بقرارات مجلس الأمن، مجلة المستقبل العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 355، أيلول 2008 ص ص 94 ـ 95.

[xxxv] عبد الحق بن ميمونة، الاختصاص التكميلي للمحكمة الجنائية الدولية وعلاقته بإختصاص المحاكم الوطنية، مجلة المستقبل العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 363، آيار 2009، ص ص 64 ـ 65.

[xxxvi] د. عبده مختار موسى، دارفور: من أزمة دولة إلى صراع القوى العظمى، مصدر سبق ذكره، ص 216.

  • تحريرا في 13-8-2017
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى