اعداد الباحثة : سامية بن يحي – ماستر إدارة دولية الجزائر
- المركز الديمقراطي العربي
لقد استفحل الفساد في العالم ولم تعد تستثنى منه الدول المتقدمة ولا النامية فهناك إجماع من قبل الأكاديميين وصانعي السياسات بمشكلة الفساد وخطورته كما أنه لاقى اهتماما كبيرا من قبل الهيئات والمنظمات الدولية ومختلف الدراسات النظرية والتطبيقية حيث تأسست العديد من المنظمات والهيئات العالمية الحكومية وغير الحكومية لمكافحة الفساد بأنواعه عن طريق الندوات والمؤتمرات والمعاهدات والاتفاقيات وأصبح أحد التحديات التي تواجه الدول وهذه المنظمات لتعدده وإنتشاره .
يعرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الفساد أنه إساءة إستعمال السلطة للحصول على منفعة خاصة .
وحسب صمويل هنقتون الفساد السياسي وسيلة لقياس مدى غياب المؤسسات السياسية الفاعلة ويرى جوزيف ناي أن الفساد الإداري سلوك مخالف للواجب الرسمي بسبب المصلحة الشخصية ,لقد تعددت تعاريف الفساد لتعدد مظاهره وتشعبه فهو يدل أيضا على غياب المؤسسات الفعالة ,كما تعرفه منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد أنه عمل يتضمن سوء إستخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية .
تأثير الفساد على التنمية المستدامة
يعتبر الفساد عاملا من العوامل المعرقلة للتنمية داخل الدول وقد صرحت منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد أن الفساد لازال مستشريا في العالم حيث تعيش أكثر من 6 مليارات نسمة في دول يسود فيها الفساد بشكل أو بآخر خاصة الدول التي تنتشر فيها النزاعات والأنظمة الغير ديمقراطية
وقد تطور الفساد ليصبح مؤسسات منظمة تشكل تهديدا على التنمية في العالم بل هو أبرز معوقات تجسيد أهداف التنمية المستدامة طالما أن التنمية المستدامة حق من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها في المواثيق الوطنية والدولية ، فالفساد يساهم في ضياع هذا الحق ويحرم الأفراد من التمتع بالحريات والعدالة وضمان مستقبل الأجيال المتقدمة كما يقصيها من صياغة السياسات ومختلف الخطط التنموية والمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بمستقبلهم .
ولفهم مدى تأثير الفساد على تجسيد التنمية المستدامة يستلزم منا تحديد أهدافها وأبعادها:
التنمية المستدامة حق الشعوب والأجيال القادمة
لقد استحوذ موضوع التنمية المستدامة على اهتمام العالم خلال 15 سنة الماضية حيث أصبحت التنمية المستدامة الحل الأمثل للقضاء على التخلف ومختلف المشكلات التي تعاني منها الشعوب والمجتمع الدولي إذ جاءت نتيجة جهود حثيثة بذلت على الصعيد العالمي ومرت بعدة مراحل وتطورات فمن التنمية كمرادف للنمو إلى التنمية كمفهوم يشمل النمو والتوزيع إلى التنمية الإقتصادية والإجتماعية الشاملة لتصل إلى مفهوم التنمية المستدامة .
تعرف التنمية المستدامة بمعناها العام أنها عبارة عن عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك تلبية إحتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها فالتنمية المستدامة مصطلح إقتصادي وإجتماعي يعنى بتطوير وسائل الإنتاج بطرق لا تؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية لضمان إستمرار الإنتاج للأجيال القادمة .
فهي إذن عملية ترشيد إستغلال الموارد المتاحة مع المحافظة على حق الأجيال القادمة . تعرفها منظمة الأغذية والزراعة العالمية أنها عبارة عن عملية إدارة قواعد الموارد الطبيعية والعمل على توجيهها نحو التغير التقني والمؤسسي بصورة تضمن تحقيق واستمرار إشباع الحاجات البشرية للأجيال الحالية وكذلك المستقبلية
جاءت خطة التنمية المستدامة محل الأهداف الإنمائية للألفية الثمانية والتي تمخضت عن إعلان الأمم المتحدة للألفية سنة 2000 إلى غاية 2015 والتي وقعت عليها 192 دولة و23 منظمة ركزت أهدافها على مكافحة الفقر والجوع والأمراض والأمية والمرأة من خلال ثمانية فصول : فصل القضاء على الفقر ، فصل تعميم التعليم ، فصل المساواة بين الجنسين ، فصل التقليل من وفيات الأطفال ، وفصل مكافحة الإيدز والملاريا والأمراض الأخرى ، وفصل كفالة الإستدامة البيئية ، وأخيرا فصل إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية .
ومهما قيل عن مدى تحقق الأهداف للألفية الإنمائية فإنها تجسدت في دول وفشلت في أخرى .
حسب تقرير الرصد العالمي 2015/2014 فقد حقق العالم تقدما عظيما في ربع القرن الأخير للحد من الفقر المدقع وكثير من الأهداف بنسب جيدة . وقد جاءت أهداف التنمية المستدامة وليدة قمة ريو ديجانيرو في سبتمبر 2015 واشتملت على 17 هدف لإستكمال الجهود العالمية المبذولة لتحقيق التنمية إلى غاية 2030 خاصة بعد تقييم الأهداف الإنمائية للألفية و تحددت هذه الأهداف فيما يلي :
- القضاء على الفقر
- الصحة الجيدة والرفاه
- التعليم الجيد
- المساواة بين الجنسين
- المياه النظيفة
- طاقة نظيفة بأسعار معقولة
- العمل اللائق ونمو الإقتصاد
- الصناعة والإبتكار والهياكل الأساسية
- الحد من أوجه عدم المساواة
- مدن ومجتمعات محلية مستدامة
- الإستهلاك والإنتاج المسؤلين
- العمل المناخي
- الحياة تحت الماء
- الحياة في البر
- السلام والعدل والمؤسسات القوية
- عقد الشراكات لتحقيق الأهداف
وتتخذ التنمية المستدامة أبعادا مختلفة إقتصادية ، سياسية ، إجتماعية ، بيئية وتقوم على مبدأ الإستمرارية ومبدأ المشاركة الشعبية ومبدأ الشمولية.
الفساد عدو التنمية المستدامة
وفق الدراسات الإستقصائية للبنك الدولي سنة 2016 أن 53.2 % من الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اعتبرت الفساد بمثابة العقبة الرئيسية أمام ممارسة الأعمال التجارية
فالفساد يؤثرعلى الإستثمار ونمو الإقتصاد بل يقوض أهداف التنمية المستدامة وكل عملية تنموية تفشل إذا لم يتم محاربة الفساد ، فإذا حللنا كل هدف من الأهداف التي تقوم عليها التنمية المستدامة نجد أن الفساد معرقل أساسي في تجسيدها بمختلف أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والبيئية وهي الأبعاد التي تركز عليها التنمية المستدامة .
على المستوى الإقتصادي
يؤثر الفساد على فرص الإستثمار وعلى الإنفاق العام ويؤدي إلى هدر الأموال وانخفاض في الدخل وسوء توزيع الثروة ، فالتنمية المستدامة تعتمد على موارد أولية وطاقة وزيادة الإنتاج وتطوير مهارات الإنسان وهذا يتحقق بنمو اقتصادي وتشجيع الصناعة والإبتكار والإستثمارات وتحسين المعيشة والرفاه.
على المستوى السياسي
تستلزم التنمية المستدامة بيئة ديمقراطية وحكما راشدا يتميز بالشفافية والمساءلة ففي النظام الغير ديمقراطي يستشري الفساد وبالتالي لايمكن تحقيق التنمية وضمان حق التمتع بالحريات والسلام والعدل والمؤسسات القوية ، فالفساد يعرقل تحقيق الإستقرار السياسي والأمني ويضعف تطبيق النصوص القانونية كما يساهم في ضياع حقوق الانسان وحق التنمية المستدامة كحق من حقوق الشعوب ، كما يؤثر الفساد على ضعف المشاركة السياسية ويشوه المناخ الديمقراطي مما يؤثر سلبا على كل أشكال التنمية وعجز مؤسسات الدولة .
على المستوى الإجتماعي
يؤثر الفساد على الإستقرار الإجتماعي ويؤدي إلى إنهيار القيم الأخلاقية وانتشار البطالة والفقر وبروز طبقية وبالتالي عدم المساواة وهذا يتنافى مع أهداف التنمية المستدامة فقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الفساد يشكل عائقا أمام التنمية ويحول الموارد بعيدا عن الجهود المبذولة للقضاء على الفقر وضمان التنمية المستدامة فهو جريمة تستلزم التعاون الدولي لمحاربتها ، فالفساد يؤدي إلى تردي مستوى الخدمات الإجتماعيىة ، ويزيد من معدلات الجريمة ويؤثر على تفعيل دور العدالة واستقلالية القضاء في محاسبة الفاسدين ، كما أنه يزيد من تكلفة الخدمات العامة ويقلل جودتها
على المستوى البيئي
يؤدي الفساد إلى استنزاف الموارد الطبيعية مما يرهن مستقبل الأجيال القادمة وبالتالي الفشل في تحقيق إستمرارية التنمية المستدامة التي تركز على الإنتاج والإستهلاك المسؤلين .
رهانات وتحديات
لقد توجه العالم نحو تجسيد أهداف التنمية المستدامة من أجل ضمان حق الأجيال الحاضرة والقادمة والوقوف ضد كل العراقيل والمعوقات كالفساد الذي زادت حدته في العصر الحديث خاصة في الدول النامية التي تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والأمراض الفتاكة والبطالة وكثرة الحروب والنزاعات الإثنية أضف إلى ذلك غياب الديمقراطية والحكم الراشد مما أدى إلى خلق بيئة مواتية لتفشي الفساد بكل أشكاله وأصبح من أهم التحديات التي تواجه مسار التنمية المستدامة في العالم بالأخص الدول النامية بل يعتبر معول هدم لكل الجهود المبذولة ، لهذا ارتبط الفساد بضياع حقوق الإنسان وحق كل الشعوب في التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسة والبيئية.
التنمية المستدامة إطار مشترك للعمل العالمي والتعاون إذ تحرص الأمم المتحدة على ضمان مسارها حتى 2030 .
- هل ستنجح التنمية المستدامة في حل كل المشاكل والأزمات التي يعاني منها المجتمع الدولي اليوم من حروب وفقر وأمراض ومجاعة ومشاكل بيئية تهدد إستمرار حق الأجيال القادمة في الحياة ؟
- هل ستنجح الجهود الدولية وكل الفواعل في مكافحة الفساد في ظل ازدياد الهوة بين الشمال والجنوب أمام تضارب مصالح الدول الكبرى ؟
بتاريخ : 14/08/2017
للتواصل مع الكاتب : Samia20171935@outlook.fr