ما بين ماركس و فلسفة المفهوم و ديناميكية التطور الحر
اعداد : نادر هشام
طوال الفترة التي تنتهي بإستكمال ماركس لنقده الاول لهيجل لم يكن اشتراكيا بأي معني تستخدم فيه الكلمة . من المؤكد أنه كان ناقداً راديكالياً للدولة البروسية التسلطية و للرقابة التي فرضتها و لما تتمتع بع من مزايا و لإحيائها نظام الولايات . فقد آمن بشكل حاد بوجود المصالح الانسانية العامة و بالقانون العقلاني و بتفوقية هذا القانون و هذه المصالح علي الامتيازات الطبقية و الفردية . و تحدث بين الحين و الآخر عن ارادة عامة شعبية و حذر من ان ممارسة السلطة من أعلي قد تحدث الثورة من أسفل .
و لم يكن جاهلاً بالبؤس كما تبين مقالاته عن المجادلات حول قانون سرقة الغايات ، و كان مشغوفاً بالاشتراكية كحركة معارضة فيها مثله عن الحرية و العقلانية . غير ان مثل ماركس الرئيسية في هذه المرحلة كانت عقلية و نظرية أكثر منها اجتماعية او عملية .
و كان اهتمام ماركس بالحرية و العقلانية لا بالتخفيف علي الفقراء او تشريع الصناعة . لقد حكم لصالح الإشتراكية في تعجل بسبب ما رآه فيها من دفء نظري . و حتي نهاية عام ١٨٤٣ كان يري الفقراء علي انهم أمثلة علي لاعقلانية الدولة القائمة ، لا علي انهم اتهام خلقي ضد الدولة او كوسائل للإطاحة بها . لقد كانت الطبقة المنفصلة او الاقليم المنفصل بالنسبة له شذوذاً يجب القضاء عليه بإسم سيادة الشعب التي تتطلبها الدولة العقلانية ؛ و لم يكن حتي ذلك الوقت يري فيها اساس الصراع الذي سيتطور إلي ان تجد خلاصها الجدلي .
بل بالأحرى ما كان عنده مما يصاحب الدولة هو حركة الليبرالية العقلانية – دور المفهوم كما كان يسميه ماركس في رسالته .
و لقد كان ماركس يؤمن بأن تلك الدولة ستأتي نتيجة ازدهار الروح الانسانية العقلانية و الكلية في التاريخ – و هي تعمل من خلال (الفلسفة) أي من خلال النقد النظري .
لقد كانت الفلسفة عند ماركس حتي آنذاك عملية بمعني انها تنقد الحالات القائمة للشئون الاجتماعية ، لكن وظيفتها هي عرض الفروق النظرية التي تقوم عليها و تعرية تناقضاتها الداخلية . و الفلسفة بعرضها للإختلاف بين الحالة “الحقيقية الحقة” و الموجودة للمسائل إنما تستطيع أن تبدل المجتمع .
فإذا لم يكن ماركس اشتراكياً في هذه المرحلة ، فهو بتأكيد اكبر لم يكن ذا نزعة علمية ، معنياً بالوقائع الفجة أكثر من المبادئ المنطقية او الاخلاقية .
من الواضح إذن ان الفلسفة عند ماركس الشاب – كما هي عند هيجل –هي دراسة معيارية ، و أن فكرة (العقلاني) تزودهما بغاية خلقية كما هي تاريخية . و لقد اصبح عندهما معاً معيار الاخلاقية في الوقت نفسه مما هو خلقي او خير بشكل مطلق .
و هذه المعايير هي – كما رأينا — الحرية و التناغم . الحرية عند ماركس — كما هي عند هيجل — تعني الجبر الذاتي بما يتفق مع مكون الانسان الباطني ؛ لا تعني التحدد من الخارج ، لعلاقات الانسان بالاشياء الاخري بل تتحدد بالمبدأ المنطقي لتطور الانسان .
و يعني التناغم فوق كل شئ غيبة التناقض الباطني بذلك المعني الهيجلي الغريب للتناقض الذي يخلطه بالاستبعاد و يعامله علي انه صفة للأشياء الموجودة – الناقصة – ، و من ثم يري ان تناقضين قد يكونان جزئياً صحيحين و موجودين . و لما كان التناقض يؤخذ علي انه الأساس الضروري للتغير التاريخي ، فإن المتناغم الحق هو أيضأ الدائم ، الديمومة المطلقة .