الدراسات البحثيةالمتخصصة

فرانز فانون ومقاومة الإستعمار في أفريقيا : قراءة في جدلية العنف الثوري

اعداد : محمد محمود محمد الدابولي – باحث في الشئون الأفريقية

  • المركز الديمقراطي العربي

مقدمة.

مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لم يكن هناك أي قطر أفريقي يذكر إلا وقد نال حظه من الإستعمار الأوروبي مما أدي إلي انسلاخ الأفارقة تماما عن فكرهم التقليدي الذي ألفوه منذ مئات السنين وللحقيقة أن تأثيرات المد الأوروبي في القارة الأفريقية لم تكن وليدة مطلع القرن العشرين إنما تمتد إلى قبل ذلك بقرون عدة حيث بدأت عملية الإنسلاخ الأفريقي عن التراث الفكري القديم منذ عهد الكشوف الجغرافية  واكتشاف البخار والرحلات الأطلنطية المثلثة التى شحنت على متنها مئات الآلاف من الأفارقة كعبيد لعمل في مزارع القطن والقصب في العالم الجديد، وهو ما أدي إلى ميلاد فكر أفريقي جديد، فكر يحاول بكل ما أتوى من معرفة أن يدافع الإنسان الأفريقي ويبرز انجازاته وحضاراته، ورويدا رويدا بدأ هذا الفكر ينمو ويكبر عبر عشرات السنين حتى وصل إلى مرحلة النضج والتنوع في منتصف القرن العشرين عقب الحرب العالمية الثانية، وساهم الفكر الأفريقي الحديث في ميلاد الدولة الأفريقية من خلال قيادته لعمليات التحرر في أفريقيا، وللعجب أن تلك الفترة كانت شاهدة على الثراء الفكري السياسي الأفريقي فمثلا في ذلك الوقت تعايش كل من رائد حركة الجامعة الأفريقية “ويليام ديبوا” و كذلك رائد المدرسة الجارفية التى نادت بضرورة الفصل الكامل بين البيض والسود وعودة السود إلى أفريقيا، كما برع في تلك الفترة كل من الشيخ أنتي جوب ويليام سيزار في التأطير لتيار الزنوجة الأفريقية ومحاولة إيجاد مخرج حضاري للقارة الأفريقية يقارعون به الحضارة الغربية وترآت آمالهم في الحضارة المصرية القديمة كنموذج حيوي وفعال للحضارة الأفريقية، وفي تلك الفترة أيضا خرجت التيارات العنصرية السوداء المتمثلة في حركة الوعي الأسود المنادية بعلو وسمو الإنسان الأسود عن غيره من البشر وفوق كل هذا وذاك انشغل معظم المفركين الأفارقة بقضية التحرر من الإستعمار، كما انشغل بعض المفركون السود بتحرير السود من الحكم العنصري في الدول الغربية كحركة مارتن لوثر كينج في الولايات المتحدة لتحرير السود من العنصرية الممارسة ضدهم، كما يذكر أيضا أن في تلك الفترة ظهرت بعض الأفكار المنادية بضرورة التبعية للدول الغربية والإنسان الأبيض مثل فكر بوكر واشنطن.

إلا أنه في ظل التنافس والاحتدام بين التيارات الفكرية الأفريقية نشأ مفكر أفريقي في الدياسبورا  وهو “فرانز فانون” متميزاً بالمرونة والتنقل بين المدارس الفكرية الأفريقية المتعددة واضعا نصب عينيه قضية تحرير أفريقيا من الاستعمار نصب عينيه متسلحا بسلاح التحليل العلمي في علاج الظواهر الأفريقية الذي قاده في النهاية إلى تشخيص علة المستعمرات الأفريقية والتى أوجزها في ضرورة التخلص من الإستعمار بشكل نهائي وقطعي حتى تتمكن الدول الأفريقية من بناء دولتها الحديثة دون أية تدخلات من قبل الدول الإستعمارية القديمة أو القوى الكبري في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

رغم قصر عمر فرانز فانون إلا أنه من المفكرين الأفارقة المتميزين حيث مازالت أفكاره تروج إلى اليوم في كثير من الأوساط اليسارية الأفريقية خاصة الأفكار المتعلقة بضرورة محاربة الإستعمار الجديد التى بدت ملامحه عشية إستقلال الدولة الأفريقية ومازال موجودا إلى الآن في أفريقيا، لذا سيدور هذا البحث حول سؤال بحثي رئيسى ألا وهو ” ماهي مدي ملائمة أفكار فرانز فانون حول الاستعمار مع واقع الدولة الأفريقية حاليا؟ أو إلى أي مدى نجح فكر “فرانز فانون في معالجة قضايا الدولة الأفريقية المعاصرة؟ وللإجابة على هذا التساؤل الرئيسي سيتم تقسيمه إلى العديد من الأسئلة الفرعية التى يمكن من خلالها الإجابة على التساؤل الرئيس، ومن هذه التساؤلات وهي:

  1. ماهي العوامل المؤثرة في فكر فرانز فانون (النشأة ـ الأسرة ـ التعليم ـ ……..).
  2. ما تأثير السياق الفكري والحضاري المنتشر في أوروبا على أفكار فرانز فانون.
  3. ما هي رؤية فانون لظاهرة الإستعمار في الدولة الأفريقية.
  4. ما مدي الإنسجام الفكري في فكر “فانون”.
  5. ما مدي تعبير أفكار فانون لظروف عصره وقضاياه.
  6. ما هي إمكانية ملائمة أفكار فانون لواقع الدولة الأفريقية حاليا.

 

المطلب الأول : العوامل المؤثرة في فكر “فرانز فانون”

دائما ما يكون المفكر السياسي مرآه لظروف عصره يعبر فيها عن أحوال قضايا المجتمع الذي يعيش فيه بصدق ويحاول من خلال عرضه لمشاكل المجتمع إلي تقديم رؤية أو تصور ما يعالج فيه الظاهرة أو القضية التى يعاني منها المجتمع، ومن هذا المنطلق يجب عند دراسة أي تصور أو رؤية لأحد المفكريين السياسين يجب النظر أولا إلى ظروف البيئة المحيطة به لفهم طبيعة الأفكار التى قدمها المفكر والتى من الممكن أن تكون مناسبه لظروف عصره وزمانه، إلا أنها أصبحت تفتقد إلى الملائمة الزمانية والمكانية في الوقت الحالي بسبب اختلاف الظروف.

فالبيئة المحيطة بالمفكر عادة ما تمتد إلى كل شئ يتعلق به بدأ من المكان الذي ينتمي إليه والأسرة التى يعيش في كنفها ونظام التعليم الذي تلقاه والمؤثرات الفكرية والشخصية التى تعرض لها المفكر طيلة حياته والتى كانت السبب في ظهور تلك الأفكار ولعل لنا في توماس هوبز وجون ستيوارت ميل خير مثال على ذلك فمثلا توماس هوبز عايش فترة الحرب الأهلية الإنجليزية وتحطيم أسطول الأرامادا الأسباني على يد البحرية البريطانية وما تبع ذلك من انعدام الإستقرار السياسي في بريطانيا وشيوع ثقافة الخوف وهو ما انعكس بشكل قوى على أفكاره التى نادى فيها بضرورة تحقيق السيادة المطلقة للدولة حتى يتسنى لها تحقيق الأمن والأمان[1]، أما فيما يخص حالة جون ستيوارت ميل فكان خير مثال على تأثير دور الأسرة في تكوين شخصية المفكر السياسي، ففي البداية تأثر بأفكار والده “جميس ميل” الخاصة بالاتجاه النفعى الذي اعتبره في وقت ما “عقيدة ومذهب ودين وفلسفة” إلا أنه سرعان ما عدل عن أفكار والده وبدأ في الاتجاه إلى اتجاه مغاير نحو الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة والمرأة وكان ذلك بفضل تأثير زوجته “مسز هاريوت تيلور” التى تبنت العديد من الأفكار الراديكالية حول أوضاع الطبقة العاملة.[2]

وبناء على المثالين السابقين ستتم دراسة العوامل المؤثرة في فكر “فرانز” فانون” والتى غالبا ما تنحصر في العديد من النقاط أهمها النشأة والتعليم والأسرة والتجارب الشخصية التى تمتع بها فانون والتى كان لها الأثر في بروز أفكاره التى يتم تدراسها إلى اليوم[3].

أولاـ النشأة.

رغم قصر عمر “فرانز فانون” “36 عام فقط[4] إلا أنها كانت زاخرة بالعديد من الأفكار والمؤلفات الفكرية التى حاول من خلالها تقديم العلاج المناسب للعديد من الإشكاليات والقضايا التى واجهت الدول الأفريقية عشية الإستقلال، كما عايش فانون العديد من الأحداث الكبرى التى مرت بالعالم والقارة الأفريقية كالحرب العالمية الثانية وموجات التحرر الوطني خاصة الثورة الجزائرية[5].

ولدراسة تأثير المكان والإقليم في فكر فانون يتضح لنا التالي أن المكان لعب دورا محوريا في فكره إلا أنه لم يقتصر على مكان واحد فقط بل تعدد إلى العديد من الاماكن والأقاليم التى أثرت في فكره فمثلا في البداية تأثر بأسلوب المعيشة والحياة التى كانت سائدة في جزر المارتنيك التى تعد محطة هامة لجلب ونقل العبيد إلى العالم الجديد في الأمريكتين مما أدى شيوع أفكار الدياسبورا الأفريقية في تلك الجزر وكذلك كانت إحدى محطات تكوين أفكار الزنوجة الأفريقية حيث نشأ بها إيمي سيزار الذي ساهم بشكل كبير في تشكيل الوعي الأفريقي لدي فرانز فانون، ويلاحظ أن المكان “جزر المارتنيك” بات يلقى بظلاله على افكار “فانون” منذ عام 1940 أي بعد احتلال ألمانيا لفرنسا حيث تموضع الأسطول الفرنسي في الجزر، وساهم أفراد الأسطول الفرنسي في تغيير التركيبة الديموغرافية في تلك الجزر حيث بلغ عدد البحارة الفرنسين الذين استوطنوا الجزيرة بعد احتلال باريس حوالي 10 آلاف فرد، سرعان ما مارسوا التعصب اللوني ضد السود مما أدى إلى اكتساب أفكار الزنوجة في تلك الجزر زخما كبيرا على يد “إيمي سيزار” الذي تتملذ على يده “فانون”، وفي مرحلة لاحقة انتقل فانون إلى فرنسا لدراسة علم النفس في “جامعة ليون” إلا أن فترة تواجده في باريس سمحت له بالتواصل مع المجتمع الفكري الباريسي حيث بول سارتر وغيرهم من مفكري اليسار الفرنسي، كما ساهمت فترة تواجده في فرنسا على التعرف على القضية الجزائرية والاحتكاك المباشر بالثورة الجزائرية التى مالبث أن انتقل إليها مشاركا في أعمال الثورة المسلحة ضد المحتل الفرنسي حتى بات يعتقد أن فانون هو مفكر الثورة الجزائرية مثلما كان “جان جاك روسو” مفكر الثورة الفرنسية، وللعلم أن أهم انجازات فانون الفكرية كتابه “معذبو الأرض” الذائع الصيت كان بحق تعبيرا واضح للثورة الجزائرية حيث تبني منهاج العنف الثورى من أجل القضاء على الإستعمار.[6]

ثانياـ الأسرة.

بالحديث تأثر الأسرة في فكر فانون  نجد أن الأسرة لم يكن لها دور ملموس في تشكيل الوعي السياسي لفانون، فأسرته كانت من الطبقة البرجوازية السوداء (الكومبرادورية) والتى نشأت في كنف الإستعمار واستفادة من وجوده، كما كانت في عزلة ثقافية عن القاسم الأعظم من المجتمع الأفريقي لذا كان يعتبر أنصار تلك الطبقة بأنهم حلفاء المستعمر في الداخل[7]، لذا كان من السهل أن يكون فانون ضمن تلك الطبقة البرجوازية يعمل علي تحقيق مصالحة الفردية الخاصة دون النظر إلي مصالح السود، إلا أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع فقد اتخذ فانون منحنى مغايرا لفكر أسرته تماما أي على النقيض الأخر منها في حين كانت أسرته ترحب بالتعامل مع المستعمر لتحقيق مصالحة كان فانون يري ضرورة مقاومة الإستعمار عن طريق العنف الثوري.

إلا أنه لا يمكننا أن ننكر دور أسرة فانون تماما في تشكيل وعيه وفكره السياسي حيث بفضل أسرته الميسورة الحال ماليا تمكن فانون من إكمال دراسته العليا في الجامعات الفرنسية حيث تمكن من دراسة الطب النفسي والسماح له بالاحتكاك المباشر بالحضارة الغربية والثقافة الأوروبية.[8]

ثالثا ـ التعليم.

لبيان أكثر العوامل تأثيراً في فكر فانون نجد أن التعليم يعد عامل رئيس ومهم في تشكيل فكره لا يضايه في ذلك إلا عامل التجارب الشخصية والحياتية له، فعلى مستوى التعليم نجده في البداية عندما كان في جزر المارتنيك التحق بمدرسة الليسيه حيث خطا فيها أولى خطواته الفكرية حيث تتلمذ على يد  واحد من رواد حركة الزنوجة ألا وهو “إيمي سيزار” حيث يلاحظ مدى تأثير “سيزار” في كتابات فانون فمثلا كان “سيزار” شاعرا، نجد أيضا أن فانون استخدم الشعر في كتاباته فمثلا صور فانون في كتابه “معذبوا الأرض” حال الثائر  في الجزائر بأسلوب شعري قائلا[9]:

“الثائر .. وزحفنا والخناجر في قبضة اليد

الأم .. ستموت واحسرتاه.

الثائر .. قتلته قتلته بيدي.

         نعم: قتلا خصبا متدفق الخيرات.

        كان الوقت ليلا زحفنا بين شجرات قصب السكر

        كانت الخناجر تضحك للنجوم ولكننا كنا لا نبالي النجوم

        كانت شجرات قصب السكر تخدد وجوهنا بجداول من دموع خضر”.

كما تمت الإشارة في السابق إلى دور أسرة فانون في تمكينه من إكمال دراسته الجامعية؛ نجد أن دراسة فانون للطب النفسي في جامعة ليون أثرت بشكل كبير على السلوك التحليلي لفانون في العديد من القضايا والإشكاليات التى تناولها خاصة ظاهرة الإستعمار حيث حلل الظاهرة في أن  الإستعمار هو دائما  ما يخلق المعاناة الإنسانية لذا يستحيل معالجة الدول الأفريقية المستعمرة  في ظل وجود الإستعمار لذات يجب التخلص من الإستعمار لتوفير الشرط الموضوعي لإمكانية شفاء المرضى، كما استخدم أسلوب التفسير النفسي للوقوف على مدي تأثير المستعـمر سكان البلد الأصليين حيث دائما ما يدفع المستعمر إلى تحويل مسخ يسهل انقياده، حيث سهل عمله أيضا في مستشفي سان ـ البان للأمراض العصبية  في معالجة الجزائرين والمهاجرين الأفارقة حيث استنتج أن الأستعمار هو السبب في كل ما يعانوه من مرض ومشاكل[10].

رابعا ـ التجارب الشخصية.

على مدار عقدين من الزمن تعرض فيهما “فانون” للعديد من التجارب والخبرات التى من شأنها  ثقل قدرات “فانون” الفكرية فبدأ من احتلال فرنسا على يد النازي في عام 1940وانتهاءا بتجربة المرض التى تعرض لها وكانت السبب في وفاته في عام 1961، ففي البداية التحق فانون في سن 17 من عمره بجيش فرنسا الحرة تحت قيادة الجنرال “شارل ديجول” لمواجهة الاحتلال الألماني النازي لفرنسا إبان الحرب العالمية الثانية،وعلى الرغم من انخراط “فانون” في الدفاع عن فرنسا إلا أنه واجهه ظاهرة الإستعلاء العنصري التى مارسها الجنود البيض على الجنود السود المدافعين عن فرنسا حيث تم عزل الجنود السود عن الجيش الفرنسي من أجل الحفاظ على النقاء العرقي للجيش الفرنسي وهذا الأمر زاد من احساسه بالغبن التاريخي والإجتماعي مما دفعه للمناداه بتحرير الانسان الأسود من ذل العنصرية البيضاء ويرجح أن ظروف التمييز العنصري التى واجها فانون سواء كان في بلاده جزر المارتنيك أو حتى عندما انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية قد بلورت أفكار الزنوجة لديه التى عبر عنها في كتابه ” جلود سودا وأقنعة بيضاء”، كما أن فتره تطوعه في الجيش الفرنسي ساهمت بشكل جاد في تشكيل ملامح حياته في المرحلة التالية على الحرب، فمن المعلوم أن جيش فرنسا الحرة كان يتخذ من الجزائر موقعا للانطلاق منه من أجل تحرير فرنسا وهنا تلقى فانون تدريباته العسكرية في مدينة بجاية الجزائرية وهو ما أتاح له الفرصة الكاملة من أجل التعرف عن قرب عن أوضاع الشعب الجزائري وملامسة مدي الظلم والقهر الذي فرضه الإستعمار على الشعب الجزائري على مدار قرن من الزمان، وخلال فترة تدريبه العسكري تحسس فانون بوادر ثورة  جزائرية كبرى هدفها الإطاحة بالنظام المستعمر[11].

بعد انتهاء الحرب التحق فانون للدراسة بجامعة ليون لدراسة الطب النفسي وبعد التخرج عمل طبيبا نفسيا في إحدي المستشفيات الفرنسية للأمراض العصيبة وسرعان ماتلقى عرضا للعمل في مستشفي بليده للأمراض النفسية ومالبث أن وافق من أجل العودة مرة أخرى إلى الجزائر وذلك عام 1953 وعمل في المستشفي رئيسا لقسم الطب النفسي، وخلال فترة وجيزة انخرط في صفوف الثورة الجزائرية، إلا أنه جاء في عام 1956 وقدم استقالته وفقا لرؤيته بأن يستحيل علاج المرض وأن السبب مازال موجود حيث كان يري أن الاستعمار هو السبب في كل المشاكل التى تعانيها الجزائر حيث يعاني المواطنون من مرض الإقتلاع من الجذور، موضحا أن علاج الجزائر وأفريقيا سيكون عن طريق تحرير البلاد تماماً من نير الإستعمار.

ما لبث أن استقال من مستشفي بليده للطب النفسي حتى انخرط بشكل كامل في صفوف الثورة الجزائرية ففي البداية أعلن تنازله عن المواطنة الفرنسية التى يحملها من أجل مواطنته الأفريقية الجديدة، وبعد ذلك انتظم في صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية وخلال انضمامه لجبهة التحرير الوطني عمل على رضد كافة أحوال المجتمع الجزائري وكيف نجحت الثورة الجزائرية في إحداث تغييرات كمية وكبيرة في المجتمع الجزائري، كما مثلت الثورة  الميدان المناسب له من أجل التخلص من الاستعمار ومواجهته كليا، كما وفر له الانضمام إلى جبهة التحرير فرصة التعرف أكثر على القارة الأفريقية حيث كان ضمن وفد الجزائر المتجه إلى العاصمة الغانية أكرا 1958 وذلك للمشاركة في أحد المؤتمرات الأفريقية وخلال هذا المؤتمر التقي مع كل من كوامي نكروما وباتريس لومبوباً.[12]

ويلاحظ أن تجربة الثورة الجزائرية كانت العامل الأساسي في تشكيل وعي وفكر “فانون” ففي الفترة التى قضاها منخرطا في الثورة  الجزائرية أنتج فيها العديد من المؤلفات الفكرية أبرزها سسيولوجيا الثورة ة كتا معذبو الأرض الذي يعد خلاثة أفكار فانون فهذا على مستوي الإنتاج الفكري، أما على مستوى المضمون فيمكن للبعض أن يميز بين أفكار فانون قبل الثورة الجزائرية وأفكاره بعد الثورة الجزائرية وذلك بسبب الاختلاف الرئيس في التحدي الذي واجهه في الفترتين، ففي الفترة الأولي كان التحدي أمامه هو التمييز العنصري الذي عاني منه على يد الجنود الفرنسيين مما دفعه الانتماء إلى أفكار الزنوجة  وتأييده لفترة من الوقت خطأحد مفكري الزنوجه وهو إيمي سيزار، وبعد الثورة الجزائرية توصل إلى ضرورة التخلص من الاستعمار أولا قبل أي شئ حتى يتسني حل مشكلات الدولة الأفريقية ويلاحظ غلبة الاتجاه الراديكالي على أفكار فانون تجاه الاستعمار حيث نادي بأهمية تصفية الاستعمار تماما، ولعل أخر تحدي أو تجربه حياتية تعرض لها فانون ألا وهي تجربة المرض التى دفعته إلى أهمية الانتهاء من كتاب معذو الأرض ليكون دستورا شاملا لمواجهة الاستعمار.

المطلب الثاني: السياق الفكري والحضاري

في هذا المطلب سيتم تناول السياق الفكري والحضاري الذي أثر في فكر فرانز فانون ففي البداية سيتم استعراض واسع لمن تأثر بهم فانون وكانوا السبب المباشر في تشكيل فكر ووعيه السياسي مثل أفكار “سيزار” ذو التوجهات الزنوجية وأيضا سيتم التطرق إلى دور الفيلسوف الفرنسي “بول سارتر”، ثم بعد ذلك سيتم تناول واقع السود عموما والقارة الأفريقية خصوص وأبرز الأفكار التى دارت في تلك الفترة من مواجهة الإستعمار ومقاومة الإستعمار الجديد والبدء في بناء الدولة القومية الأفريقية عقب الإستقلال مباشرة ومن ثم تحقيق التنمية الإقتصادية المباشرة في أفريقيا وفي النهاية سيتم تناول أبرز التيارات الفكرية السائدة في أفريقيا في ذلك الوقت وبيان موقفها من فكر فانون مثل أفكار تيار الزنوجة والجامعة الأفريقية والوعي الأسود.

أولا ـ المؤثرات الفكرية التى تعرض لها فانون:

دائما ما يرتبط الفكر بالمكان عند فانون، فمثلا في بداية عهده الفكري في جزر المارتنيك تأثر في ذلك الوقت بالأفكار السائدة في تلك الجزر والتى تولدت عن ظروف خاصة كانت العنصرية الحضارية أبرز مقوماتها لذا نجده في البداية تأثر بأفكار الزنوجة وفكر سيزار معلمه الأول، إلا أنه عندما انتقل بعد ذلك فرنسا سواء كان للحرب أو الدراسة أو العمل نجده تأثر كثيرا بأفكار الثورة والتحرر من الاستعمار ومساعدة المضطهدين والمعذبين في الأرض فظهرت الأفكار التى عبر عنها عن مقاومة الاستعمار مثلما تجلي في كتاباته “معذو الأرض” وسيسيولوجية الثورة”.

1ـ الزنوجة لدي إيمي سيزار:

تفاعل فانون كثيرا مع أفكار الزنوجة خاصة فكر إيمي سيزار وتجلي ذلك في كتابه ” بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” الذي حاكي فيه فانون المؤثرات الإنسانية البالغة التعقيد للاستعمار والعنصرية على الدول الأفريقية وبناء على فكر الزنوجة اتجه فانون في مرحلة لاحقة إلى الإعتماد على أدوات الزنوجة في البحث عن مرجع حضاري مناوئ ومنافس للحضارة الأوروبية وفي هذا الاتجاه أولي فانون عناية واهتمام خاص بطبقة الفلاحين في الجزائر ودورها المحوري في الثورة الجزائرية بل وصل الأمر إلى اعتبارها الطبقة الثورية الوحيدة الموجودة في الجزائر، حيث أن عفوية القرويين (الريفيين) تدفعهم في الغالب إلى التحرك بعفوية شديدة دونما أي ترتيب من أي قوي سياسية وتقوم بمداهمة مراكز ومخافر الاحتلال وتقتلهم جميعا مما يؤدي إلى استنفار المستعمر ويرسل أرتال جيوشه إلى المناطقة الريفية من أجل وأد الثورة في مهدها إلا أنه في الغالب يفشل في القضاء عليها وتكون تحركات الريفيين متقدمة خطوة أو اثنين على أقل تقدير عن خطوات النقابيين وأعضاء الحركات الثورية.[13]

2ـ المؤثرات الفكرية الغربية في فكر فانون:

يختلف الكثييرين حول فانون فمنهم من يراه بأنه مستقل الفكر لم يتم استيعابه في فكر معين من أفكار السائدة في أوروبا في تلك المرحلة التى عايشها فانون والبعض الأخر ينفي ذلك معتبرا أن فانون كان بمثابة شخص ملئ بالغربة الذاتية يحاول جاهدا أن يلقي نفسه في أي فكر أو تيار سياسي سائد في تلك المرحلة فمثلا في البداية تأثر بالزنوجة إلا أنه مالبث أن انقلب عيها عندما انتقل بعد ذلك إلى باريس والجزائر وذلك لتأثره بأفكار معلمه الجديد بول سارتر بل قد يذهب البعض إلي اعتبار أن أن كتاب “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” ما هو إلا تجرمة حقيقية لأفكار إيمي سيزار عن الزنوجة، أما كتاب”معذبوا الأرض” فكان واقع تحت تأثير واضح من أفكارالفلسفة الوجودية والماركسية لبول سارتر، وأن الرأي الأخير الرامي إلى الدفع بعدم استقلالية فكر فانون هو مايراه الباحث مناسبا لفكر فانون الذي غلبت عليه افكار الأخريين ولم يكن هناك أية استقلالية حقيقية في فكر فانون ولعل السبب في الدفع عند البعض بالإدعاء بقول الاستقلالية الفكرية لدي فانون هو البروبجندا الإعلامية التى صاحبت فانون أينما ذهب حيث يعد فانون من المفكريين القلائل الذين قرروا التنازل عن جنسيتهم الفرنسية واعلان الانقطاع التام بالوطن الأم فرنسا لصالح قضية الإستقلال والتحرر الوطني كما أن البعض عادة ما يوصف فانون بأنه مفكر الثورة الجزائرية مثلما فعل روسو مع الثورة الفرنسية وهو الأمر الذي لانزال نلمسه إلي اليوم حيث أن العديد من الكتاب خاصة اليساريين منهم يحاولون بشتى الطرق الربط بين موجات الربيع العربي وفكر فرانز فانون.[14]

أـ دور بول سارتر في فكر فانون:

لـ”بول سارتر” تأثير كبير على كتابات فانون؛ فسارتر بدأ وجودياً متخذا من الفلسفة الوجودية منهجا له وما لبث أن انتقل بعد ذلك إلي الماركسية، ويرجح البعض بأنه لم يكن لكاتب من نفوذ لدى فانون ما كان لدى سارتر حيث يعتقد أن فانون مدين إلى سارتر في العديد من المفاهيم  وتحليله لظاهرة العنصرية التى يتعرض لها السود والأفارقة وخير ما يدل على مدي قوة العلاقة بين الطرفين هو تقديم سارتر لكتاب فانون “معذبو الأرض.

فقد حاول سارتر عبر ستة عشر صفحة على الأقل (مقدمة كبيرة) أن يلخص أفكار فانون التى تناولها في كتابه معذبوا الأرض؛ وباستقراء مقدمة سارتر يتضح الافتراض الذي سيق قبل سابق ألا وهو تأثير سارتر الشديد على فكر فانون فالمقدمة تكاد تكون عبارة عن مانفسيتو أفريقي يشابه إلى حد قريب جدا الإطروحات الشيوعية والماركسية التى تعالج أوضاع المجتمعات، مثل:

  • الطبقية: أوضح سارتر (نقلا عن فانون) أن الاستعمار عمل تقسيم المجتمعات الأفريقية إلى طبقات طبقة برجوازية متحكمة وطبقات مغلوب على أمرها، وأن الطبقة البرجوازية عادة ما تخدم طموحات المستعمر الأوروبي على حساب المحليين أو الطبقة الدنيا.
  • طبقة الفلاحين (البوليتاريا الأفريقية): حاول فانون بعد ذلك في تصحيح أوضاع الإقتراب الماركسي في أفريقي الذي يقوم على الصراع بين طبقتين إحداهما برجوازية والأخري بوليتاريا، إلا أن أفريقيا لم تعرف الطبقة البوليتاريا العاملة لذا تم الاستعاضة عنها بطبقة الفلاحيين أو الريفيين وينضم إليهم فقراء المدن.
  • العلاقة بين الطبقات: لا ينكر فانون استخدام العنف من أجل الإستقلال، كما فصل النضال ضد المستعمر إلى نضاليين وليس نضال واحد ضد المستعمر، فالصراع الأول الذي تفوح أفكار الماركسية ورؤى سارتر ينم على ضرورة محاربة الطبقة البرجوازية العاجزة من أصحاب الأعمال الأوروبيين والمستخدمين الأفارقة حتى يتم القضاء على تلك الطبقة وتحقيق الاشتراكية الثورية ومن ثم تحقيق التحرر التام، أما الصراع الثاني هو النضال ضد المستعمر والذي يبدأ حينما تتحقق الإشتراكية الثورية.

يستنتج مما سبق أن من خلال تأثره بأفكار سارتر أن يجعل الأفكار الماركسية أكثر ملائمة مع الواقع الأفريقي فاستبدل طبقة العمال بطبقة الفلاحين، كما استبدل مرحلة الإشتراكية بمرحلة سماها الاشتراكية الثورية التي تتحد فيها كافة القوي والطبقات من أجل استئصال شأفة المستعمر أما المرحلة الأخيرة فقد استعاض عن مرحلة الشيوعية العلمية بمرحلة الاستقلال والتحرر واعتبر أن غاية الصراع هة التحرر من قبضة المستعمر وليس تحقيق الشيوعية وزوال سلطة الدولة، وهنا تبرز الخبرة الأفريقية في أن القارة الأفريقية لم تعرف ظاهرة الدولة القومية الحديثة إلا في بعض المناطق مثل مصر أما باقي القارة الأفريقية لم تعرف شكل الدولة الحديثة إلا بعد عام 1960 لذا لم ينادي فانون باسقاط الدولة لتحقيق الشيوعية العلمية[15].

ب ـ فرانسو توسكيل وفرانسيس جونسون:

مثل المفكرين السابقين النبراس المضئ الذي اهتدى بهم فانون في التعرف على القضية الجزائرية والالتحاق بالثورة الجزائرية، فمثلا توسكيل الطبيب الأسباني الأصل الذي عمل مع فانون في مستشفي “سان ـ البان” عملل زيادة القدرات المعرفية لدي فانون من خلال مده بكافة أساليب العلاج النفسي والاجتماعي  وكيفية تأهيل المرضي مع الظروف المحيطة بهم ويخص هنا بذكر المرضي؛ المرضي الذين يعانون من حالات الاغتراب والاقتلاع من الجذور وليس أي مرضى نفسيين، فمرضى الاقتلاع من الجذور تكون مسببات مرضهم الممارسات العنصرية المتبعة من قبل المستعمر والتى تؤدي في النهاية عزل المواطن الأفريقي عن موطنة سواء بالاستعباد وحرمانه من استغلال الثروات الأفريقية الوفيرة، وتسليط طبقة من الأتباع البرجوازية للحكم في الول الأفريقية الوليدة أو المستعمرات لصالح خدمة أهداف المستعمر.

أما جونسون فق كان السبب المباشر في تعرف فانون على الجزائر فعن طريق كتابات جونسون تعرف فانون على أوضاع الجزائر كما كان جونسون هو مفتاح فانون للتعرف على المجتمع الفكري الفرنسي وجعله يتبوأ مكانة هامة لدي المفكرين الفرنسيين.[16]

ثانيا ـ القضايا التى سادت أفريقيا خلال فترة فانون:

من المعروف أن الاهتمامات الفكرية بدأت في عام 1940 عندما احتلت فرنسا؛ فخلال الفترة مابين بداية اهتماماته الفكرية وحتى وفاته في عام 1961 سادت في أفريقيا أفكار من نوعية تصفية الاستعمار القديم وتحقيق الاستقلال والتحرر الوطني ومكافحة الاستعمار الجديد وتحقيق الاندماج الوطني في الدول الوليدة، أي باختصار يستنتج أم فانون عاش مرحلة مخاض ولادة الدولة الأفريقية بكل تفاصيلها بدأ من محاربة الاستعمار القديم ومحاولات المستعمر اللالتفاف على مطالبات التحرر من خلال مفردات الاستعمار الجديد عن طريق تجنيد وتدجين طبقة جديدة من البرجوازية تخدم مصالح الدول الأوروبية المستعمرة تحكم الدول الأفريقية الوليدة.

1ـ الاستعمار القديم: هو الاستعمار الذي شهدته الدول الأفريقية في الفترة التى أعقبت مؤتمر برلين 1884/1885 والذي تم فيه تقسيم الدول الأفريقية بين الدول الأوروبية الاستعمارية وقطع العلاقة بين الانسان الأفريقية وماضيه السياسية وربط مصيره السياسي بمصير الدولة الأم المستعمرة.

2ـ الاستعمار الجديد: هو تطور الظاهرة الاستعمارية القديمة فجراء المطالبات بالاستقلال والمناداة بالتحرر الوطني لجأ المستعمر إلى حيل جديدة من شأنها اللالتفاف على تلك المطالبات وللتكيف مع المتغيرات الدولية السائدة في ذلك الوقت وذلك من خلال العديد من الأدوات التى تم استحداثة لتنفيذ ذلك الغرض مثل:

  • فرض السيطرة الاقتصادية على الدول الأفريقية عن طريق الشركات الأجنبية التى مازالت تمسك بزمام الأمور اقتصاديا في الدول الأفريقية وإثقال كاهل الدولة اقتصاديا بالقروض والديون.
  • إذكاء الخلافات الحدودية بين الدول الأفريقية فكما نعلم أن منظمة الوحدة الأفريقية أقرت الحدود الموروثة عن الاستعمار وهو ما جعل تداخل بين الدول الأفريقية حيث غالبا ما يقطن الحدود الأفريقية جماعات متداخلة مما يؤدي إلى مزيد من الصراعات الحدودية.
  • إبقاء الأوضاع الإثنية كما هي عليه في الدول الأفريقية عن طريق تدعيم إحدي الجماعات الإثنية على حساب غيرها من الجماعات مما يؤدي في النهاية إلى إشعال الموقف الداخلي ويصبح الصراع بين الاثنيات داخل الدولة صراعا وجوديا أي من يفوز يفوز بكل شئ ومن يخسر يخسر كل شئ وخير مثال على ذلك الدعم المقدم لجماعة التوتسي في رواندا وبروندي والباجندا في أوغندا.
  • خلق طبقة أفريقية برجوازية تتولي الحكم في الدول الأفريقية تكون مصالحها مرتبطة في الغالب بمصالح المستعمر مثل سنجور في السنغال وفيليكس هوافييه بوانييه في ساحل العاج.

3ـ العنصرية: الفكر العنصري هو فكر يستند بالأساس على تمايز جنس بشري على جنس آخر أو كل الأجناس وذلك بناء على اعتبارارت بيولوجية أو لونية أو لغوية أو حضاؤية أو غيرها، ونجد أن الفكر الأوروبي تعامل باستعلاء وعنصرية شديدة مع الأفريقيين حيث اتبع نموذج عبء الرجل الأبيض والمركزية الأوروبية والرسالة التنويرية والحضارية للرجل الأبيض واتضحت تلك الممارسات العنصرية في جنوب السودان التى عملت على عزل السود مكدسين داخل بانتوستانات لا تتجاوز مساحتها 13% من مساحة الدولة الأفريقية.[17]

ثالثا ـ التيارات الفكرية السائدة في أفريقيا خلال مرحلة الاستقلال:

تبلورت خلال فترة الاستقلال ونهاية عصر الاستعمار القديم العديد من التيارات الفكرية الأفريقية التى اختلفت فيما بينها طبقا لنوع التحدي الذي واجهته وهو في الغالب التحدي الإستعماري والعنصري وإن اختلف من تجربة إلى أخرى وهو ما تسبب في اختلاف الاستجابة الأفريقية لحال التحدي الإستعماري، ففي حالة الاستعمار الغير مباشر الأنجلوفوني الذي عمل على تكريس العنصرية اللونية في التعمل مع الأفريقيين والسود  نجد أن ذلك دفع إلى ظهور بعض التيارات الفكرية المناؤئة له والراغبة في تعديد الوضع الذي فرضه المستعمر والانسان الأبيض على الإنسان الأسود لذا ظهرت حركة الجامعة الأفريقية وتيار الوعي الأسود.

  • حركة الجامعة الأفريقية: هي حركة سياسية أفريقية ظهرت في مطلع القرن العشرين من أجل مواجهة الهيمنة الاستعمارية على الدول الأفريقية وتحرير أفريقيا من سيطرة الاستعمار وإثبات أن الانسان الأفريقي قادر على كل شئ وانقسمت حركة الجامعة الأفريقية إلى تيارين رئيسين داخلها الأول مثله وليام ديبوا الذي كان ينادي فقط بضرورة تحقيق المساواة بين البيض والسود وعدم الفصل العنصري بينهما وعدم عودة السود مرة أخري إلى أفريقيا وعلى النقيض من ذلك ظهرت أفكار ماركوس جارفي الذي نادي بضرروة الفصل لتام بين البيض والسود وعودة السود إلى أفريقيا مرة أخري.
  • تيار الوعي الأسود: اعتمد فكر الوعي الأسود على اعتبار بأن اللون هو أساس الهوية الأفريقية وذلك من خلال إدراك السود لسوادهم وفخرهم به وتبلور هذا الفكر على يد المفكر الجنوب أفريقي ستيف بيكو ويلاحظ أن ذلك الفكر جاء للرد على العنصرية وسياسة الأبارتيد التى اتبعها النظام السياسي في جنوب أفريقيا تجاه السود.

أما في حالة الاستعمار الفرانكفوني المباشر القائم على الاستيعاب الحضاري للسود والغاء حضاراتهم الخاصة بهم مقابل الاندماج في الحضارة الفرنسية مما أدي إلى ظهور تيار فكري أفكري مناهض لسياسة الاستيعاب الحضارى التى تطبقها فرنسا في مستعمراتها، ألا وهو تيار الزنوجة ومن أبرز روادة إيمي سيزار وليوبولد سنجور و الشيخ أنتي جوب وفانون في مرحلة مبكرة من حياته ويعتمد فكر الزنوجة على أساس حضاري وثقافي في مواجهة الاستعمار الأوروبي والادعاء بأن القارة الأفريقية كانت أسبق حضاريا وثقافيا من القارة الأوروبية والدليل على ذلك الحضارة الفرعونية التى اعتبرها مفكري الزنوجة هي أصل الحضارة الأفريقية والمرجعية الأساسية لهم[18].

المطلب الثالث

رؤية فانون لبعض القضايا الأفريقية

يتميز فانون عن غيره من المفكرين الذين تناولوا أوضاع السود والقارة الأفريقية وظاهرة الاستعمار بأنه لا يمكن تصنيفه ضمن إطار فكري معين فلا يمكن تصنيفه ضمن تيار الزنوجة الأفريقية رغم بداياته الفكرية المرتبطة بهذا التيار، إلا أنه سرعان ما انقلب عليه منتقدا فكر الزنوجه وهو ما سيتم توضيحه فيما يلي، كما لا يمكن تصنيفه ضمن إطار تيار الجامعة الأفريقية أو الوعي الأسود حيث لم تكن كتابات وأطروحات فانون ترجح أي من الاتجاهين.

وللخروج من تلك الإشكالية يمكن اعتبار أن فانون هو ” مفكر أفريقي أسود ينتمي إلى مفكري الدياسبورا كرس كتاباته الفكرية من أجل تحرير القارة الأفريقية من نير الاستعمار بكافة أشكاله القديمة والجديدة أي أن قضية الاستعمار هي كانت الشغل الشاغل بالنسبة لفانون”؛ وبناءعلى ذلك سيتم تقسيم المطلب إلى عدد من النقاط ستتناول بوضوح وإيجاز فكر فرانز فانون إزاء عدد من القضايا الأفريقية السائدة في عصره مثل ( قضايا ـ الزنوجة ـ قضايا التحرير والاستعمار ـ قضايا الاستعمار الجديد ـ

أولا ـ الزنوجة في فكر “فرانز فانون”:

سبق التوضيح بأن فانون بدأ حياته الفكرية في جزر المارتنيك بالتعلم على يد إيمي سيزار أحد مفكري الزنوجة، إلا أن فانون سرعان ما انقلب على فكر الزنوجة وعلى إيمي سيزار ذاته حيث اعتبر فانون أن مفكري ومنتسبي تيار الزنوجة متعارضيين مع نفسهم فبينما هم يمجدون إفريقيتهم ويدعون لإحياء التراث الحضاري الأفريقي نجدهم يرتبطون ارتباطات عميقة مع فرنسا وهو ما عبر عنه في كتابه  “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” حيث اعتبر أن زنجية الزنجي أمر مسلم به ولا تحتاج إلى الكتابات لبلورتها وإبرازها، ففي مرحلة لاحقة تحديدا في عام 1958 صب فانون انتقاداته العنيفة لتيار الزنوجة ومعلمه إيمي سيزار بسبب ترويج سيزار للتصويت على الاستفتاء الخاص بأن تبقى جزر المارتنيك ضمن السيادة الفرنسية مع تمتعها بالحكم الذاتي وهو ما عكس بوضوح التناقض في فكر إيمي سيزار الذي كان يروج للثقافة الأفريقية والاستقلالية الأفريقية ولبين قبوله بالحكم الذاتي الخاضع لفرنسا.[19]

ثانيا ـ الاستعمار والتحرر الوطني في فكر فانون:

تعتبر قضية تصفية الإستعمار وتحقيق التحرر الوطني هي القضية الرئيسية في فكر فانون، ففي كتابه “معذبوا الأرض” شرح فانون كيفية مواجهة الاستعمار واعتبر أن تصفية الاستعمار هي عبارة عن مباراة متبادلة بين حيل وأدوات المستعمر لتثبيت وجوده في المستعمرة وبين التطلعات الوطنية الرامية إلى ضرورة   التخلص من المستعمر وتحقيق التحرر الوطني، وفي سبيل تحقيق التحرر الوطني لايجد فانون أي حرج في استعمال القوة والعنف الثورى من أجل تحقيق ذلك بل طالب في بمحو الاستعمار تماما لكي يتم تحقيق التحرر الوطني الصحيح وليس المنقوص وفيما يلي سيتم إبراز كيفية إدارة المستعمر للمستعمرة وكيفية المواجهة الواجب اتباعها من قبل الشعوب الأفريقية.[20]

1ـ أدوات المستعمر في إدارة المستعمرة.

أوضح فانون كافة الأدوات والأساليب التى يتبعها المستعمر في سبيل إدارته للمستعمرة الخاصة به والتى تتراوح ما بين استخدامه للقوة في فرض سيطرته وشرعيه واستخدامه لأسلوب التمييز العنصري في التعامل مع المستعمرة الخاصة به، ومن تلك الأدوات:

  • استخدام المستعمر لأسلوب التمييز العنصري في التعامل مع مستعمراته، فالمجتمع الإستعماري مقسم طبقيا داخل المستعمرة، فمثلا نجد داخل المستعمرات الأفريقية مدنا مخصصة فقط للأوروبيين وعلى النقيض منها تماما نجد مدنا مخصصة للسكان الأصليين ولعل تجربة مدينة الكيب والبانتوستانات في جنوب أفريقيا خير دليل على هذا الأمر، ويلاحظ أن الخطوط الفاصلة بين المدن الأوربية والمدن الخاصة بالأفرييقيين هي مراكز الشرطة وثكنات الجيش.
  • القوة الأمنية والعسكرية هي المرجعية والشرعية الأساسية للحكم في المستعمرات، كما تعمل القوة الأمنية على توصيل رسالة إلى السكان الأصليين بأن اللالتزام بقوانين المستعمر ستكون محل تقدير وامتنان من سلطات المستعمرة كالموظف المثالي والعامل المثالي، إلا أن فانون ارتأي أن تلك السياسة لايمكن إلا أن تكون سوي وسيلة لاستغلال الشعوب الأفريقية وتقليل الأعباء الأمنية المفروضة على سلطات المستعمرة وأنها نوع من الامتهان والنوع والذل.
  • طبقا للبند السابق نجح المستعمر في إيجاد طبقا غالبا ما يُطلق عليها طبقة المصلحين وهي التى تقف كدور وسيط بين الشعوب والسلطات الحاكمة، كما أنها وسلطات الدرك وجهان لعملة واحدة في المستعمرة حيث يحمل الوسيط “فئة المصلحين” العنف إلى بيوت وأدمغة المواطنين الأصليين.
  • البنيان التحتي للإقتصاد في المستعمرة هو بنيان طبقي فوقي، فالغني في المستعمرات هو غني لأنه في الأساس أبيض اللون والفقير فقير لأنه أسود اللون.
  • يري فانون أن المستعمر استخدم المسيحية في الترويج لنموذجه في أفريقيا، فاعتبرها تحارب الهرطقات والغرائز السيئة المنتشرة في أفريقيا، إلا انه في سبيل نشره للمسيحية في أفريقيا لم يتوان لحظة على إضفاء طابع عنصري عليها،فمثلا توجد كنائس للبيض تدعو إلى الله وكنائس خاصة بالسود لا تدعو إلى الله بل تدعو إلى الأبيض، أي أن الكنسية التبشيرية في أفريقيا عملت على تسلط المستعمر الأوروبي على كافة شئون المستعمرة.
  • عمل المستعمر على تغيير الثقافة الأفريقية التقليدية وخلق وعي أفريقي على النمط الغربي خاصة مع تصاعد موجات التحرر الوطني في محاولة من المستعمر إقناعهم بأن القيم الخاصة به هي الأنسب والأجدي في إدارة الستعمرة بعد الاستقلال وبناء على ذلك تشكلت برجوازية سوداء محلية تلاقت أهدافها مع الطبقة البرجوازية الإستعمارية التى عملت على الاتصال بالنخبة المثقفة في المستعمرات من أجل حثهم على تبني قيم الثقافة والحضارة الغربية، وذلك من أجل هضم ثقافة المضطهدين في الأرض.
  • دائما ما يشجع المستعمر على زيادة التوترات والعنف القبلي بين القبائل الأفريقية لكي يتحرر أكثر في إدارة مستعمراته، فعادة ما تلجأ القبائل والجماعات الأفريقية إلى تبني سلوك هروبي من أجل نسيان طغيان سلطة المستعمر فنجده يعمل إلى إحياء العداوات التقليدية القديمة وكأنه لايوجد متغير دخيل على الحياة الأفريقية ألا وهو الاستعمار.
  • استخدم المستعمر المعتقدات الدينية بأن روج بأن سلطاته إنما أمر مقدر من عند الله ولا سبيل إلى تغيير القدر، كما نجح كثيرا في بناء العقل الخرافي للمستعمرات عن طريق الهاء السكان الأصليين بالعديد من الخرافات مثل وجود جن شريرة وغير ذلك وبناء العديد من المحرمات تعوق مطالبة أبناء المستعمرة من المطالبة باستقلال المستعمرة، كما تعمل على إيجاد تحدي لدي السكان المحليين فعليهم أولا مواجهة الجن والخرافات قبل مواجهة المستعمر.

2ـ كيفية مواجهة الاستعمار.

أيقن فانون بأن مواجهة الاستعمار لن تكون إلا عبر وسيلة واحدة فقط  ألا وهي العنف المطلق أي يجب تغيير الوضع الإستعماري تغييرا كاملا وأن على المستعمرة أولا تخطى كافة الحزاجز التى تقف عقبه في طريقها قبل تبني برنامج العنف لمواجهة الإستعمار؛ كما أنه لاسبيل إطلاقا لتحقيق المصالحة بين الطبقتين المتواجدتان في المستعمرة أي بين طبقة الأوروبين وطبقة الأفريين وأن العنف الثوري هو السبيل والخلاص من أجل التخلص الاستعمار وتحقيق التحرر الوطني.

أرجع فانون السبب في تبنيه فكر العنف في التخلص من المستمر ألا وهو ان المستعمر نفسه لم يتواني في استخدامه من أجل فرض سيطرته على المستعمرات الأفريقية فعن طري العنف نجح تحطيم الصورة الإجتماعية للسكان الأصليين وتخريب اسس الأقتصاد التقليدي، كما يعتبر السكان الأصليون عناصر فاسدة تعمل على إفساد كل شئ حضاري وجمالي وأنهم مستودع الشيطان الذي يدمر كل ماله قيمة وحضارة لذا يبرر من هذا المنطلق استخدام العنف ضد المستعمرة واعتبار عاداته وتقاليده شئ يدل على الفساد والتخلف.[21]

* التحديات التى تواجه عملية العنف والنضال ضد المستعمر:[22]

أبرز فانون العديد من التحديات التى تواجه عملية العنف والنضال المسلح ضد المستعمر في أفريقيا، ومنها على سبيل المثال:

  • عدم وجود الطبقة الاجتماعية الجاهزة لتولي زمام الأمور وتبدأ بعملية النضال المسلح ضد المستعمر أو بمعنى أدق عزوف طبقات وفئات المجتمع عن النضال ضد المستعمر لارتباط مصالحهم به فضلا عن توجهم لصراعات ونزاعات أخرى غير تصفية الإستعمار فمثلا الأحزاب السياسية الراجماتية تنصب أهدافها في الحفاظ على النظام القائم من أجل المشاركة في الانتخابات والحوز على نصيب من السلطة في الدولة، أما طبقة المثقفين فلا تنفك تنادي بضرورة العنف ضد المستعمر إلا أنه في حقيقة الأمر نجدها عنيفة ثورية في كتاباتها إصلاحية في أعمالها وممارساتها، أما الطبقة البرجوازية فهي بالأساس متعلقة بسلطة المستعمر من الاستحواز على السلطة لتكون بديلا له أو مثل عنه بعد الاستقلال مثل الرئيس الجابوني بعد الاستقلال الذي أكد على تبعية الجابون لفرنسا حتى بعد الإستقلال، أما الطبقات العاملة والحرفيون فهم أيضا استفادوا بشكل أو بأخر من وجود سلطة المستعمر، إذ من يحمل راية النضال ضد المستعمر ؟! وللإجابة على هذا السؤال اتجه فانون في رؤيته إلى ضرورة الاعتماد على أكثر الطبقات الإجتماعية التى تعرضت للعنف والاستغلال وهو ما يتمثل في طبقة الفلاحيين فالفلاح المنبوذ الجائع هو دائما المستغل من قبل المستعمر ولن يجد ما يبكي عليه إن بدأ نضاله المسلح أي بمعني أن الفلاح وصل إلى الحاة الصفرية.
  • أهم تحدي قد يواجه العنف الثوري هو سلوك طبقة المثقفين والطبقة البرجوازية المحلية والتى ما تسارع إلى ركوب الموجة الثورية وتنادي بمبادئ اللاعنف من أجل إيقاف السيل الثوري ونجدهم في أغلب الأحوال يتخذون دور المفاوضين مع سلطات المستعمر من أجل الحفاظ على مكاسبهم والحفاظ على الصلات القديمة مع المستعمر.
  • التحدي الاقتصادي للعنف الثوري لنجاح العنف الثوري يجب أن يقوم الثوار بانتاج الأسلحة الخاصة بهم أولا وانتاج تلك الأسلحة لا بد أن يقوم على القوة الاقتصادية للدولة والوسائل المادية التى تقع تحت تصرف الثوار.
  • قد يستغل الدين بصورة تثبيطة للثوار فكما تم التوضيح من قبل بأن الدين استخدم في المستعمرات من أجل تبرير حكم المستعمر وتهدئة الأمور في الدولة، كما لاتشهد أي حركة نضال أفريقي دور الدين في تعبئة الجماهير الغاضبة ضد المستعمر.
  • اتخذت الدولة الاستعمارية خطا معاديا للتحرر الوطني خشية سقوط الدول المستقلة الحديثة في الفكر الإشتراكي الشيوعي والترويج للخطابات المعادية للشيوعية بدعوى إذا استقلت المستعمرات فما تلبث أن تقع مرة أخرى تحت احتلال الشيوعية الدولية.

اتجه فانون في تأطيره للعنف الثوري إلى ادعاء ضرورة قطع خط الرجعة على الثوار ضمانا لعدم تراجعهم عن الخط الثوري فمثلا أخذ يروج لبعض أفكار ثورة الماو الماو في كينيا بأن يقوم كل ثائر بقتل ضحيته بيده حتي يقطع عليه خط الرجعة إلى التوبة عن تلك الممارسات أي أنه يتبنى فكرة العنف الشامل والمطلق ضد المستعمر، كما طلب بضرورة التصعيد العملياتي ضد المستعمر من أجل الوصول إلي نقطة اللاعودة والتى تمثل في أعمال القمع الضخمة التى يقوم بها المستعمر وهي النقطة التى يدرك فيها الجميع بأنه لا مناص من انتهاج منهج العنف الثوري.

واصل فانون مناداته بالعنف الثورى المطلق حيث لم يجعله مقصورا فقط على المستعمر الأجنبي بل طالب أن يمتد لشمل كافة الطبقات الاجتماعية المتحالفة مع الإستعمار مثل الطبقة البرجوازية وطيقة التجار التى تعمل على الترويج لمنتجات المستعمر داخل المستعمرات، ويضيف إليهم أيضا القيادات التقليدية التى كانت تصب اتهامات الزندقة والخرافة على المناضلين والثوار، كما أن الطبقات البرجوازية والتقليدية غالبا ما تكون نظرتهم إلى طبقة الريفين هي نفسها الظرة التى كان ينظر بها المستعمر إليهم.

* مراحل العنف الثوري لدي فرانز فانون:

قسم فانون مرحلة العنف الثوري إلى عدد من المراحل التي يجب اتباعها عند البدء في النضال المسلح، وهي:

  1. ثورات الفلاحين: يبدأ العنف الثوري مع ثورات الفلاحين العفوية التى تخرج اعتراضا على بعض الممارسات التى يتم ارتباكها في بعض المناطق من قبل المستعمر، وهنا تحاول الأحزاب الوطنية استثمار تلك الثورات الوطنية المتعاقبة دون الانخراط الكلي والمباشر في مراحل الثورة البدائية وهو ما يدفع السلطات الاستعمارية إلى التوجه بقوة لقمع تلك الثورات الصغيرة إلا لن تنجح في القضاء علبها كلية بل تبقي جذوة الصراع والعنف الثوري متقدة في نفوس الفلاحيين جاهزة للإنطلاق مرة أخرى لموجة جديدة من العنف الثوري، كما يلجأ المستعمر في بعض الأحيان إلى تفريغ بعض الثورات من مضامينها في البداية فيتجنب الإصطدام بشيوخ القبائل ورجال الدين ويعتمد أيضا على تشكيل حزب أو اثنين منهم يبدأ في التفاوض معهم من أجل تهدئة الأمور وتثبيط عزائم الثوار.
  2. دخول النقابات الوطنية العمالية مراحل العنف الثوري: يمتاز النقابيون بالتنظيم المحكم الشديد وقدرتهم على الحشد والتنظيم لقواهم الذاتية إلا أنهم في اصطدامهم معى سلطات المستعمر يفقتقدون القدرة على التواصل مع الفلاحين العفويين وهنا تكون نقطة ضعف خطيرة في الثورة إلا أن الأحداث تسير في اتجاه متوازي بين النقابيين والفلاحيين فالفلاحيين في ثوراتهم المتكررة المعهودة والنقابيون يلجأون إلى حيل جديدة مثل الإضطرابات والمظاهرات وشل النشاط الاقتصادي للمستعمر
  3. حدوث الانشقاقات الكبري في الأحزاب السياسية: عادة ما تنقسم الأحزاب السياسية داخليا إلى جناحين جناح ينادي بالتفاهم والحوار مع المستعمر “جناح إصلاحي” وجناح أخر راديكالي ينادي بضرورة المواجهة العنيفة مع المستعمر، فما يلبث أن تنشق الجماعات الراديكالية أو تنجح في السيطرة على الحزب لتبدأ نضالها المسلح إلا أنها سرعان ما يتم اكتشافها من قبل المستعمر ويتم مطاردتهم حتى يلجأو إلى الثوار في الريف وهنا يعتبر أول حالة من التلاحم بين الفئات الثورية حيث يبدأون في عملية التثقبف السياسي للفلاحين.
  4. تشكيل رأس الحربة للثورة والعنف الثوري: يتم تكوين الحربة الثورية من الطبقات الكادحة التى تعيش على أطراف المدن من سكان العشش والمخيمات الذي يدفعهم فقرهم الشديد إلى الثورة ومهاجمة المدن الاستعمارية مثلما فعلت ثورة الماو الماو في كينيا 1951/1952 حيث شكلت ضواحي المدن مراكز التجنيد الرئيس للثورة إلا أنها أيضا تتعرض إلى حالة من العنف الوحشي الذي يستخدمه المستعمر ضد تلك المناطق.
  5. تكوين الأمة الثورية: تدفع الإرهاصات السابقة جميع الفئات إلى التوحد في صفوف الثورة ويصبح للثورة جهاز أو تنظيم يهبر عنها غالبا ما يلجأ إلى الغابات أو الجبال لكي يشن منها حربه على المستعمر وهنا تكون الثورة حقيقية إلا أنه عاد وكرر وطالب بضرورة تحمل الأمة الثورية المسولية الكاملة بضرورة التخلص الكامل من كافة أعوان الاستعمار الغربي، كما تبدأ العمليات الثورية من التحول من الفردية التهورية إلى الواقعية .
  6. حرب العصابات والتقيف الثوري: ينطلق مفهوم حرب العصابات إلى شن هجمات خاطفة على مواقع العدو دون الاصطدام المباشر معه وعدم تعريض قوى الثوار مرة واحدة أمام جيش العدو ولاعتماد على التغيير المتتالي لمواقع الثوار.
  7. تصحيح الوعي الثوري: يتجه القادة الثوريين إلي محاولات جادة لتثقيف الثوار ومعالجة التشتت والتشرذم وخلق نواة لجيش وطني منظم وإعداد الشعب لقيادة البلاد.
  8. التصدي لمحاولات التخريب التى يمارسها المستعمر: لن يقف المستعمر مكتوف الأيدي أمام تطورات الثورة المسلحة فقد يلجأ لأساليب جديدة من شأنها عن طريق اسمالة الزعماء التقليديدن واجتذاب بعض الطبقات الفيرة عن طريق الإغراء المالي وقد يستغل المستعمر حالة الفراغ الأيدولوجي لدي السكان من أجل التفرقة فيعمل على زيادة الهوة بين سكان المدن وسكان الرياف وغير ذلك من الأمور.[23]

الخاتمة:

بعد الاستعراض الأخير لفكر فرانز فانون حول جدلية الإستعمار ومقاومتهيتضح لنا العديد من النقاط ألا وهي أن فكر فانون كان مقتصرا إلى حد ما على التجربة الجزائرية في التحرر بمعني أنه جاء معبرا بصدق عن الثورة الجزائرية التى اندلعت في العام 1954 واستمرت حتى عام 1962 إلا أن أفكاره عن مقاومة الاستعمار والتحرر لا يمكن بأي حال من الأحوال تعميمها على كافة الدول الأفريقية حيث أن معظم الدول الأفريقية باستثناء الجزائر وأنجولا وموزمبيق هم فقط الدول التى نالت استقلالها عن طريق الكفاح المسلح أما باقي الدول فاستقلت عبر النضال السلمي والتوافق مع إرادة المستعمر، والغريب من ذلك أن الدول التى استقلت عن طريق النضال المسلح لم تستطع قطع صلاتها بالدولة الأوروبية المستعمر كحال العلاقة بين لجزائر وفرنسا حيث أن الثورة الجزائرية لم تكن أبدا عائقا في تطور العلاقات بين فرنسا والجزائر، بل يتضح لنا بعد مرور أكثر من ستين عاما على اندلاع الثورة الجزائرية طغيان الثقافة الفرنسية على التعليم الجزائري وطبقة المثقفين الجزائريين أي أن الاستعمار الثقافي مازال موجود إلى اليوم في الجزائر ولم تستطع الثورة الفكاك منه، بل الأدهي من ذلك عند دراسة الشخصيات الثورية الجزائرية نجدهم لا يستطعيون التحدث باللغة العربية لغة أهل الجزائر بل كانت لغتهم الرئيسية الفرنسية، مما يدفع البعض إلى اعتقاد بأن الثورة الجزائرية هي تمرد في أحد ضواحي باريس وليست حربا للاستقلال، إذا فكر الثورة العنيفة الذي تبناه فانون لم يكن ملائما لكثير من الدول الأفريقية.

لم يستطع فانون في كتابه”معذبو الأرض” التخلص من النزعة الماركسية بل يمكن اعتبار أن هذا الكتاب هو محاولة لأفرقة الماركسية واللينية، ويتضح هذا من محاولة تقسيم المجتمع في المستعمرات إلى طبقتين طبقة البرجوازية الحاكمة وطبقة الفلاحين التى استخدمها لتعويض نقص الطبقة البوليتارية في الدول الأفريقية في ذلك الوقت وحاول أن يدعي أن العلاقة بينهم علاقة تصارعية ولا أمل من التفاوض، كما حاول أن يجمع العديد من الفئات وحشرها حشرا ضمن الطبقة البرجوازية لتبقي طبقة الفلاحيين نقية، فمثلا ضم الزعماء التقليدين إلى الطبقة البرجوازية، كما ضم معاونو الاستعمار إلى تلك الطبقة أيضا وهو لم يكن موفقا في ذلك الأمر أيضا حيث تغافل تماما دور الجماعات الإثنية وأن الدول الأفريقية لن يمكنها بأي حال من الأحوال تطبيق الفكر الماركسي فيها لغياب الطبقات البرجوازية الحقيقية كالتى نشأت في أوروبا كما أن التعويل على طبقة الفلاحين ليس بالأمر الجديد فكلنا نعلم أن الوعي السياسي لدي طبقة الفلاحين تقريبا منعدم وهو ما أقره في كتابه إلا أنه أصر على أن تقود تلك الطبقة شعار الثورية، كما أن تلك الطبقة تفقد عنصرا هاما من عناصر أي ثورة ألا وهو التنظيم المحكم لتلك الطبقة، وللتناقض الشديد في أفكار فانون نجده يقر بفشل تلك الطبقة في التأطير والتنظيم وتشكيل نقابة للفلاحين رغم ذلك تقود الحراك الثوري، وفي المقابل اتخذ موقفا غير متحمس للطبقات العاملة ودولة في التغيير فطبقا للفكر الماركسي اللينيني نجد أن العمال هم الأجدر على قيادة العمل الثوري في البلاد، إلا أن فانون ذكر أن تلك الطبقة منعزلة تماما عن الفلاحين وأنها لها مصالح مرتبطة بالمستعمر وهذا غير دقيق بالمرة فمثلا في حالة النظام العنصري في جنوب أفريقيا كان يلجأ إلى المصانع إلى تخومات القرى الريفية حتى يتسني له الحصول على العمالة اللازمة من القرى الزراعية وحتى يمنع الفقراء والفلاحيين من دخول المدن الأوروبية في أفريقيا، كما أن الطبقة لعاملة وإن كانت صغيرة في أفريقيا لم تكن يوما ما منفصلة عن طبقة الفلاحيين في بنت الطبقة القروية وبالقياس مثلا على المصرية نجد أن معظم عمال المصانع هم من الأساس من محافظات ريفية ويقطنون الأرياف كما يمتهنون الزراعة حرفة إضافية لتحسين الدخل، إذا الافتراض الذي ساقه فانون بقطع الصلة بين العمال والفلاحين باطل.

اعتبر فانون أن الدين والمورثات التقليدية كانت السبب الرئيس في تركيز لسلطة المستعمر وأنها كانت تستخدم من قبل المستعمر من أجل القضاء أي ثورات محتملة، هذا الافتراض يعد تجنى واضح من فانون على دور الدين والموروثات الشعبية في تحقيق التحرر الوطني، فمثلا أنكر فانون البعد الديني في الثورة الجزائرية، فالأيدولوجية الرئيسية التى حملها البسطاء والفلاحون في الجزائر إبان ثورتهم هي الأيدولوجية الدينية البسيطة فكثيرا من قطاعات الثورة الجزائرية مناضيلها مثل “حسين آيت أحمد” كانت لهم توجهات دينية صحيح لم تكن كالتوجهات التى نعرفها اليوم ولكنها كانت موجودة، فمثلا كيف يمكن إنكار دور الشيخ رشيد رضا في تهيئة الوعي الثوري في الجزائر فمحاولة علمنة الثورة الجزائرية ليست بالفكرة الصائبة، كما أن المورثات التقليدية كانت لها الأثر الكبير في تحقيق الاستقلال على الأقل تحقيق الاستقلال النفسي للعديد من الدول الأفريقية ففكر الزنزجة الذي أنكره فانون جاء من أجل تحرير الثقافة الأفريقية أولا من الهيمنة الثقافية الفرانكفونية كما أن فكر الوعي الأسود كان همه تحرير السود نفسيا من ذل الاستعباد والشعور بالخزي والعار لكونهم يحملون اللون الأسود ونادي ستيف بيكو بضرورة إحياء الموروثات التقليدية وتقديمها على المسيحية مثلا كنوع من إعلاء الثقافة التقليدية على ديانة المستعمر.

وفي نقطة أخرى طرح فانون ضرورة أن يكون للثورة جهاز اقتصادي أو بناء اقتصادي تتمكن من خلاله تحقيق مرادها من توافر الأسلحة والمعدات فهذا الطرح من فانون إن وصف يوصف بأنه غير متسق تماما مع وغير موضوعي حيث بالبداهة أن الثورة دائما ماتحمل دائما الخراب الاقتصادي حيث انعدام الاستقرار الاقتصادي واستهداف المنشآت الاقتصادية مغفلا تماما وسائل تمويل الثورة التى غالبا ما تكون عبارة عن مساعدات ومنح وعمليات سلب ونهب وفرض إتاوات وغيرها ويتضح هنا أن فاون كان يحاول الحفاظ على الوجه الرومانسي للثوري أي الثورة التى لا تخطئ أبدا، وبالحديث عن  البعد الاقتصادي في الثورات في كتابه معذبو الأرض نجد أن فانون لم يتطرق أبدا إلى دور المحيط الخارجي في دفع الثورة إلى الأمام أو إحباطها فمثلا لم يتحدث عن دور مصر والعرب في دعم الثورة الجزائرية أو الدعم الشرقي والسوفيتي المقدم لها ويمكن إركان هذا الأمر أيضا إلى محاولته الحفاظ  على رونق الثورة ودحض الأصوات التى يدفعها المستعمر للقول بأن الثورة عبارة عن مؤامرة من دول بعينها ضده إلا أنه في الحقيقة الثورات المسلحة الثلاث في أفريقيا كانت تتلقي المساعدات من الخارج حيث تلقت الجزائر المساعدات من الدول العربية والشرقية ودول عدم الانحياز وكذلك تلقت أنجولا وموزمبيق الدعم ذاته من نفس تلك الدول تقريبا.

اتهم فانون الطبقة البرجوازية بأنها كانت عميلة للإستعمار إذن فكيف سيتم تطبيق تلك الفرضية على الدول الأفريقية التى سرعان ما استقلت حتى اتجهت نحو المعسكر الشرقي في محاولة منها للفكاك النهائي بالمستعمر فمثلا في غانا كان نكروما أحد أبناء الطبقة البرجوازية وكذلك أحمد سيكتوري في غينيا وجوليوس نيريري في تنزيا كل هؤلاء القادة من أبناء الطبقة البرجوازية ورغم كل ذلك حرصوا كل الحرص على التخلص من ذلك الميراث الإستعماري وإحياء الثقافة الأفريقية التقليدية.

وأخيرا نجد أن فانون كان أكثر عنفا ودموية  في التعمل مع المستعمر حين نادي بالعنف المطلق والعنف المطلق هذا يقترب فكريا من سلوك الجماعات الإرهابية مثل “داعش” و “القاعدة”، ففانون لم يقتصر فقط بالمطالبة بالعنف إزاء المستعمر بل طالب باستخدامه ضد بعض الطبقات الموجودة في المجتمع في إشارة منه إلى ضرورة الاتجاه نحو شن الحروب الأهلية في المجتمعات الأفريقية حتي يتسني تحقيق توجهاته الماركسية التى يحاول إخفاؤها، إذا في النهاية يحمل فانون الكثير من المتناقضات الفكرية التى لا يمكن بأي حال من الأحوال تطبيقها في الدول الأفريقية حاليا.

قائمة المراجع

المراجع باللغة الأجنبية:

– Fanon، Frantz, Black Skin, White Masks,(London, Pluto Press,2008(.

المراجع باللغة العربية:

أولاـ الكتب.

1ـ حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثالثة، 1999).

2ـ عبد الله باتيلي، صبحى قنصوة (ترجمة)، “الدولة في غرب أفريقيا من منظور تاريخي”، في أكودبيا نولي “محررا”، إبراهيم نصر الدين ” مراجعاُ”،الحكم والسياسة في أفريقيا (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، المجلد الأول،2003).

3ـ فرانز فانون،سامي الدروبي وجمال الأتاسي (مترجم)، معذبوا الأرض(بيروت: دار الطليعة، 1970).

ثانياـ الرسائل العلمية.

ـ طه طنطاوي، مقاومة الاستعمار في فكر فرانز فانون، رسالة ماجستير( جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، قسم السياسة والاقتصاد،2009)

ثالثاـ الأوراق العلمية.

ـ صبحى قنصوة، قضية الهوية وأثرها على الإدراك الأفريقي للعالم العربي( القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، ورقة مقدمة إلى مؤتمر قسم السياسة، 18 فبراير 1998)

الهوامش:

[1] ـ حورية توفيق مجاهد، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده، (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثالثة، 1999) ص 359.

[2] ـ المرجع السابق، ص ص 459:457.

[3] ـ ولعل ابن خلدون في مقدمته الشهيرة يعد أول من أبرز دور الاقاليم الجغرافية والمناخية وتأثراتها المختلفة على الفكر والسلوكيات والممارسات الإنسانيةخاصة الأقاليم الحارة والزنجية التى غالبا ما وصفاها بالتحرر وكثرة الطيش والطرب والفرح والسرور، وللمزيد من ذلك راجع : (عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، مقدمة بن خلدون، تحقيق وتقديم إيهاب محمد إبراهيم (القاهرة، مكتبة القرآن، 2006) ص ص 96:91.

[4] ـ ولد فرانز فانون عام 1925 في جزر المارتنيك التى خاضعة للإحتلال الفرنسي في ذلك وقت وتوفي في عام 1961 بإحدي  مستشفيات نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية وتم دفنه في الجزائر حسب وصيته.

[5] ـ  طه طنطاوي، مقاومة الاستعمار في فكر فرانز فانون، رسالة ماجستير( جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، قسم السياسة والاقتصاد،2009) ص ص 2: 5.

[6] ـ المرجع السابق، ص ص 3، 7.

[7] ـ عبد الله باتيلي، صبحى قنصوة (ترجمة)، “الدولة في غرب أفريقيا من منظور تاريخي”، في أكودبيا نولي “محررا”، إبراهيم نصر الدين ” مراجعاُ”،الحكم والسياسة في أفريقيا (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، المجلد الأول،2003) ص ص 60، 61.

[8] ـ طه طنطاوي، مرجع سبق ذكره، ص4.

[9] ـ فرانز فانون،سامي الدروبي وجمال الأتاسي (مترجم)، معذبوا الأرض(بيروت: دار الطليعة، 1970) ص ص 54، 55.

[10]  ـ طه طنطاوي، مرجع سبق ذكره، ص ص 5،6.

[11] ـ المرجع السابق، ص ص 7، 8.

[12]  المرجع السابق ذكره

[13] ـ فرانز فانون، مرجع سبق ذكره، ص 65.

[14] ـ في بداية المطلب الأول من البحث ذكر الباحث في استعراض سريع وموجز عن دور المؤثرات في فكر المفكر وتم ضرب المثل بالمفكر الانجليزي “جون ستيوارت ميل” الذي تعرض لمؤثرات فكرية شخصية سواء من والده أو من زوجته لذا بالقياس نجد أن تجربة فانون في المؤثرات الفكرية تتطابق كثيرا مع تجربة ستيوارت إلا أن الاختلاف أن فانون تأثر بأفكار معلميه وأستاذته غير ستيوارت الذي تأثر بأفكار عائلته، وهو ما لزم التنويه.

[15] ـ المرجع السابق، ص ص 2ـ 16.

[16] ـ طه طنطاوي، مرجع سبق ذكره ص 8.

[17] ـ  المرجع السابق، ص ص 18ـ 28.

[18] ـ  صبحى قنصوة، قضية الهوية وأثرها على الإدراك الأفريقي للعالم العربي( القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، ورقة مقدمة إلى مؤتمر قسم السياسة، 18 فبراير 1998) ص ص 186 ـ 197.

[19] – Frantz Fanon, Black Skin, White Masks,(London, Pluto Press,2008) pp 61-82.

[20] ـ فرانز فانون، مرجع سبق ذكره، ص ص19ـ 30.

[21] ـ المرجع السابق، ص ص 34ـ 55.

[22] ـ المرجع السابق ذكره.

[23] ـ المرجع السابق ذكره.

تحريرا في 16-12-2017

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى