السلام في شبه الجزيرة الكورية
اعداد الباحث السياسي : محمد كريم جبار الخاقاني – ماجستير علوم سياسية
- المركز الديمقراطي العربي
منذ اكثر من ستة عقود والوضع في شبه الجزيرة الكورية يشهد تقلبات وتوترات مستمرة , فلم تعرف تلك المنطقة استقراراَ دائماَ بسبب امتلاك كوريا الشمالية للأسلحة النووية وتهديداتها المستمرة لجاراتها ولاسيما كوريا الجنوبية واليابان, وبعد سلسلة تجارب نووية اجرتها كوريا الشمالية وتطويرها منظمة صواريخ قادرة على الوصول للأراضي الامريكية , اعلنت بيونغ يانغ استعدادها عن التخلي عن برامحها النووية وتدمير مخزوناتها من الاسلحة التي تمتلكها ورغبتها في عقد قمة امريكية كورية شمالية في شهر مايس 2018 لبحث التطورات حول شبه الجزيرة الكورية والتوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص.
وترجع جذور الازمة الكورية الى خمسينيات القرن الماضي , عندما تم تقسيم الجزيرة الى شطرين, الاول برعاية امريكية , بينما سار الثاني في الركب الشيوعي, لتكون تلك الازمة , اول شاهد على اعلان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي السابق, ومن ثم تعد الدولتين من الناحية النظرية في حالة حرب دائمة لعدم توقيعهما لاتفاق سلام ينهي تلك الحالة المستمرة منذ تلك العقود, وظلت المنطقة تعاني من شدة التوترات بسبب السعي الكوري الشمالي الى تملك الاسلحة النووية والعمل على تطويرها بالشكل الذي يهدد جيرانها , وازدادت حدة تلك التوترات مع اعلان بيونغ يانغ انسحابها من معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية , الامر الذي جعل من العالم ان يشكك في نواياها تجاه تلك الدول خصوصاَ والعالم بصورة عامة, وبالفعل عملت كوريا الشمالية على تطويرها برامجها النووية وصواريخها الباليستية , ونجحت في إجراء عدد من التجارب النووية فضلا َ عن العديد من خطط تطوير الصواريخ الباليستية الحاملة للرؤوس النووية وتهديد العالم بأسره , ويمكن ان نؤشر بعض المعطيات التي ادت الى ترتيبات عقد لقاء القمة الثنائية بين زعيمي الكوريتين ومنها:
1-ان توقيت عقد القمة الثنائية بين الدولتين هو اشارة الى البدء بطي صفحة الماضي وما ترتب عليها من انقطاع للعلاقات بينهما طوال تلك المدة , ولذلك فإن عقد ذلك اللقاء التاريخي يعطي ضوء اخضر للبدء بمفاوضات حقيقية للتوصل الى اتفاقية سلام , إذ يعد البلدين في حالة حرب من الناحية النظرية لعدم توقيع اتفاق انهاء الحرب بشكل رسمي.
2-من دلالات عقد القمة الكورية انها تمهد لعقد لقاء تأريخي اخر بين الرئيس الامريكي والكوري في شهر مايس 2018 , إذ من المحتمل ان تكون تلك القمة مقدمة لتسوية الملف النووي الكوري الشمالي , لاسيما بعد التأييد الامريكي لخطوة بيونغ يانغ المتضمنة رغبتها في تدمير ترسانتها النووية .
3-الدور الاقليمي في الترتيب لعقد لقاء القمة الكورية, إذ لا يمكن لأي مراقب للوضع في شبه الجزيرة المورية انكار الجهود الصينية في هذا الاطار, عبر اللقاءات الثنائية التي جمعت زعيمي كل من الصين وكوريا الشمالية ومن ثم فتح الطريق امام عقد لقاء تأريخي بين الكوريتين وتسوية الملفات العالقة بينهما منذ عام 1953.
4-ان البدء بمباحثات رسمية بين الطرفين لتسوية الاوضاع في شبه الجزيرة الكورية يعني بداية جديدة في طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين ومن ثم امكانية حسم اكثر الملفات تعقيداَ فيها عبر اقرار اليات لتسويتها وتقريب المسافات بينهما , ومن ابرزتلك الملفات هو موضوع الاسرى من كلا الجانبين ووجود العوائل المشتركة في شطري الجزيرة واحتمالية لم شملهم من جديد بعد عقود طويلة من التشتت وعدم التوصل لحلول تسهم في عودة العلاقات الودية بين الدولتين.
5-على الرغم من الاختلافات بين البلدين في كافة المجالات ومن ثم لا يمكن مقارنتها بما جرى في مسألة توحيد الالمانيتين في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي , ولكن من الممكن ان تتم الاستفادة من تلك التجربة الوحدوية الالمانية عبر الوسائل والاليات التي تسهم في توحيد الدولتين في بلد واحد مع وجود العوائق والاختلافات الايديولوجية والاقتصادية , إذ تتمتع كوريا الجنوبية بمستوى اقتصادي متطور قياساَ بكوريا الشمالية التي تعد من الدول المتأخرة من الناحية الاقتصادية وذات الاقتصاد المغلق بحكم اعتناقها للنهج الشيوعي في ادارة البلد , فضلاَ عن ذلك كله, التباين الثقافي والاجتماعي بين افراد الشعبين الكوري الجنوبي والشمالي بحكم التأثر بالعالم الراسمالي بالنسبة للشعب الكوري الجنوبي وينطبق ما يجري على الشعب الكوري الشمالي من تأثير التقاليد الشيوعية عليه.
6-ان وجود النية والرغبة الصادقة لدى زعيمي البلدين هو دليل كافي على انجاح مباحثات السلام بينهما وانهاء حالة الحرب المستمرة بين الدولتين , فلولا الارادة السياسية التي قررت البدء بمفاوضات لتسوية الوضع في شبه الجزيرة الكورية وعودة العلاقات الى وضعها الطبيعي لما عقد الزعيمان القمة الثنائية التأريخية.