توريث الحكم في سوريا
كتب : درويش خليفة – المركز الديمقراطي العربي
كان لتوريث الحكم في سوريا واقع خاص على المنطقة العربية إذ فتح باباً جديداً من أبواب الاستبداد السلطوي من قبل عوائل جعلت من الجمهوريات “ممالك” تتصرف فيها دون الرجوع لحقوق الشعوب والتفرد في شؤونهم بلا رادعٍ ولا خشية من الحساب والعقاب.
ولا يخفى على السوريين الطريق الذي أوصل البلد لهذه المهزلة، من خلال قبض حافظ الأسد على الحكم كالقابض على جمرةٍ من نار، وذلك عن طريق تطييف الجيش وسيطرة الأفرع الأمنية على مفاصل الدولة وبث سموم حزب البعث في المجتمع، وربط مصير المواطن وحياته المعيشية بمدى تأييده للحزب وقادته. وبالمقابل كان حافظ الأسد يقوم بتأميم الدولة لصالح عائلته عبر تسليم الجيش والأمن للمقربين له من الدرجة الأولى، وتسليم القطاع المصرفي والتجاري لأبناء أخيه وأقارب زوجته وبالتالي تحويل سوريا لمزرعة العائلة أولاً والطائفة ثانياً.
وبهذا يصبح الرئيس مركز القرار والحكم، وتزول سيادة القانون ويقضى على كل أشكال المشاركة السياسية وتسيطر بطانة السوء، وتعتمد آليات الدولة البوليسية وقمع حرية الرأي.
كان الأسد الأب دائما ما يضع الاستقرار الأمني في كفة وحرية السوريين في الكفة المقابلة، لترجيح الأولى على حساب الثانية، ولكنه خسر رهان الزمن، إذ إنّ الكفة الأولى لا تضمن الديمومة في عصر العولمة والحريات والانفتاح الاقتصادي.
لتتوالى الأحداث في سوريا حتى حراك الثمانينات، والذي كان لمجزرة حماه وجسر الشغور وحلب الأثر الأكبر في إخماد روح التغيير في سوريا باستخدام الأسد الأب وأخيه رفعت جيشهم الطائفي في محو معالم البلدات والأحياء التي رفضت حكمه، وقتل شباب ورجال المدن المذكورة آنفاً، دون تحريك ساكنٍ من قبل المجتمع الدولي آنذاك.
وإذا أردنا قراءة بنية النظام الراسخة نلاحظ بأنها تتلخص في قتل معارضيه وقمع أي حراك خارج الإطار الموضوع للسوريين من قبل السلطة الحاكمة، كما حصل في عهد الوريث بشار في عام 2005 عندما قامت أفرعه الأمنية بملاحقة أعضاء منتديات ربيع دمشق وكذلك اعتقال وقتل طلاب الحرية في حراك 2011.
لم يصل الوريث بشار للسلطة بمحض الصدفة إنما نتيجة لفساد سياسي وإداري عبر عقود من الزمن والذي كان أبوه الراعي الأول للفساد والإجرام، إذ كان مطلوب من الوريث تغيير هذه الصورة ولكن بنفس درجة السوء، أي أن تبقى الكروش السابقة ممتلئة ويأتي بشخصيات جديدة لتمتلئ كروشها، كابن خاله رامي مخلوف، وابن عمه فواز الأسد.
وعلى ما يبدو هذا السيناريو الهزلي أعجب الحكام العرب أمثال مبارك والقذافي وعلي عبدالله الصالح وغيرهم، ليقوموا بتمثيلية مشابهة تحصّنهم وعائلاتهم من ويلات الشعوب الطامحة للانعتاق من حكمهم والذي جعل منها شعوب عالمٍ ثالث.
إذ كان حكام العرب دائماً يضعون أمام الغرب خيارين إما بقائهم في السلطة وإما رحيلهم وبالتالي تسلم “الإخوان المسلمين” الحكم والذي لا يحبذه الغرب بصيغته ما قبل ثورات الربيع العربي.
حقيقةً الغرب لا يأبه لعملية التوريث كجزء من حرمان الشعب من أدنى حقوقه في اختيار ممثليه، إنما يصب تركيزه على النهج السياسي الخارجي لأي دولة وسوريا كانت مثال حي أمامهم، إذ لم يتغير النهج الذي أورثه حافظ الأسد لابنه بشار.
وفي شهادة للدبلوماسي الروسي فلاديمير فيودرف الذي كان يشغل منصب الملحق العسكري في دمشق عام 1998، تحدث فيها نقلاً عن حافظ الأسد بعد موت ابنه باسل، بأن الأخير لم يعد يفكر بتوريث السلطة لأحد أبنائه، ولكنه وفي اجتماع مع الأركان الروسية قبل موت الأسد الأب بعامين، وجّه سؤال للأسد وهو، من تعتقد سيخلفك في السلطة؟! فقال لهم: ماذا تقصدون؟ ومن ترونه مناسباً؟، فقالوا له: ابنك بشار فهو مؤهل علمياً وشاب وهذا ما سيجعله قريباً من السوريين.
وهذا ما يؤكد لنا بأنّ التدخل الروسي في سوريا لم يكن وليد الساعة، إنما عبر أربعة عقودٍ مضت وخمسة عقودٍ قادمة على أقل تقدير إن بقي الأسد في السلطة.
والآن وبعد فلترة القضية السورية من قبل المجتمع الدولي وحصر الحل عبر إصلاح دستوري أو صياغة دستورٍ جديد وانتخاباتٍ رئاسية، ودخول عدة قوى دولية وإقليمية على طريق الحل السوري، والتي تحاول روسيا لعب دور أساسي فيه عبر تقديمها لمسودة مشروع للدستور السوري وتحديد قواعد لانتخاب رئيس الجمهورية السورية، والتي تسمح للرئيس الحالي، بشار الأسد، بتولي هذا المنصب نظرياً حتى العام 2035.
وعليه أوصي السوريين و إياي، التفكير جدياً في السيناريوهات المحتملة لأنها ستحدد الكثير من معالم الدولة السورية ومن سيكون في قمة الهرم، والتفكير أيضاً في التفاصيل التي من الممكن أن تعوضنا، ما خسرناه في الحرب، التي فرضها علينا وريث الحكم في سوريا باستدعائه دول محور الشر، والتي من مصلحتهم بقائه في قصر المهاجرين على حساب تضحيات السوريين الطامحين للانعتاق من حكمه وطي حقبة عائلة تسلطت على رقاب السوريين بقوة السلاح وبيع جزء من البلد للمحتل الصهيوني.