قطر، وجدلية العلاقة مع القضية الفلسطينية
بقلم : محمد عوده الأغا – باحث في الشأن الإقليمي
- المركز الديمقراطي العربي
في كل مرة تتدخل دولة قطر في تفاصيل القضية الفلسطينية وتحديداً من خلال دعمها لصمود سكان قطاع غزة بمختلف فئاتهم، نجد حالة شديدة من الاستقطاب والجدل حول هذا الدور، ولا أُنكر أن هذا الجدل يعود في معظمه لخلفيات سياسية لدى المتجادلين، دون أساس علمي واقعي يستندون إليه في نقاشاتهم، فمنهم من يُجَرِّم هذا الدور ومنهم من يتخطى به حدود العاطفة.
- فما هو التقييم المنطقي لهذا الدور؟
وحتى أجيب عن هذا التساؤل، سأنتقل بك عزيزي القارئ لموضوع مهم يغفل عنه الكثير ممن يتناولون سياسة قطر الخارجية خصوصاً تجاه القضية الفلسطينية، وهو “السلوك السياسي للدول الصغيرة”.
فوفق مبادئ العلوم السياسية، يتحتم على الدول الصغيرة إتباع إستراتيجية محددة ضمن سياستها الخارجية، فإما تَبَني سياسة عدم الانحياز والوقوف على الحياد وعدم الدخول في صراعات، أو عقد تحالف مع دولة قوية تضمن حمايتها مقابل تنازل الدولة الصغيرة عن جزء من سيادتها.
بالنسبة لقطر، فهي وفق مفاهيم الجغرافيا السياسية دولة صغيرة، فمساحتها لا تتعدى 11437 كم2، إذاً فهي أمام إستراتيجيتين؛ إما عدم الانحياز أو الدخول في تحالف حمائي مقابل التنازل عن جزء من سيادتها، فماذا ستختار قطر؟
بالنسبة للإستراتيجية الأولى “عدم الانحياز”، فهي لا تناسب قطر بسبب وقوعها في منطقة تهم السياسة الدولية، وتعد محط أنظار العالم لما تملكه من ثروات، كما أن منطقة الخليج العربي شهدت عدة صراعات وحروب خلال فترة قصيرة، إذاً فسياسة عدم الانحياز ضمن هذه المنطقة ستجلب لقطر الويلات.
أما بالنسبة للتحالف مع دولة قوية وتمكينها من إدارة سياستها الخارجية مقابل الحماية، فهذا الخيار لا يحقق للنخبة السياسية الحاكمة طموحها، التي تنظر لقطر بمواردها على أنها قادرة أن تكون دولة “مؤثرة” في الإقليم وأن تحظى “بالهيبة الدولية”.
وفق هذه المعطيات صاغ صناع السياسة القطرية سياستهم بصورة مبتكرة على أساس ضمان الأمن من الخطر الخارجي، وتحقيق المكانة المؤثرة، والارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين، ولم يغفلوا عن موازين القوى الإقليمية والعالمية، كي يستطيعوا التحرك بسهولة من خلال دبلوماسية الوساطة النشطة، وغيرها من أدوات القوة الناعمة التي تملكها قطر مدعومة باقتصاد قوي.
ولهذه الأسباب ينظر البعض لسياسة قطر الخارجية على أنها متناقضة، وربما يصل بهم إلى وسمها بالمشبوهة، برغم من وضوح أهدافها وتحركها، إلا أننا لم نعتد على مثل هذه البراجماتية.
وتكمن أهمية دعم القضية الفلسطينية لقطر في جانبين أساسيين، الأول: (المصالح) يتعلق بتطلع النخبة الحاكمة القطرية لمكانة فريدة مؤثرة على الساحة الإقليمية –بما يؤدي لانتزاع الهيبة والمكانة الدولة- من خلال رسم صورةٍ في أذهان الشعوب العربية حول قطر، وتَبنيها لقضايا الشعوب العادلة، أما الجانب الثاني: (المبادئ) فهو البعد الديني والقومي باعتبار فلسطين أرضاً إسلامية عربية، تحتل المكانة الأبرز في وجدان كل عربي ومسلم.
استطاعت قطر بذكاء ومرونة المزاوجة بين مصالحها ومبادئها في التعامل مع القضية الفلسطينية، حتى وصلت لمرحلة التكامل بينهما.
ولن أنسى أن أذكر بأن فلسطين وقضيتها هي ساحة الكبار نتيجة الأبعاد الإقليمية والدولية وتشابكات المصالح، وهذا ما جعل قطر أيقونة مميزة في علاقتها معنا كفلسطينيين وهي تستحق منا كل تقدير واحترام.
إن ما قامت به قطر من دعمٍ سياسي واقتصادي وإنساني سخي للفلسطينيين –ممن يتبنون الخط المفاوض أو المقاوم- ليس تهوراً ولا تصنعاً ولا مشبوهاً، وإنما هو توظيفٌ سليمٌ للموارد تجاه تحقيق المصلحة القومية، ويشكل ذلك مثالاً واضحاً على القدرات العربية الكامنة، والتي إن وُظِّفت في مكانها فإنها ستكون الضامن الحقيقي للأمن القومي العربي من خلال ردع الاحتلال عن ممارساته وصولاً لكنسه عن أرضنا ومقدساتنا. y2k_agha@hotmail.com