الدراسات البحثيةالعلاقات الدوليةالمتخصصة

العلاقات السعودية الروسية: المصالح والتحديات

اعداد : ا. د. خضر عباس عطوان – كلية العلوم السياسية/ جامعة النهرين/ العراق-بغداد

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تعد منطقة الخليج العربي، وتحديدا دول الخليج العربية واحدة من المناطق الاستراتيجية في العالم بحكم اهميتها على صعيد الطاقة، وموقعها الجيواستراتيجي، يضاف له المنظور العالمي لها بوصفها مهد العالم القديم. ودول هذه المنطقة تشعر ان عوامل في التاريخ الحديث والمعاصر تسببت بان تتراجع مكانتها في صناعة الاحداث العالمية ومستوى اسهامها في الحضارة الانسانية، كما تسببت بان تتراجع قدراتها المستدامة على البقاء والرفاهية خارج نطاق ريع موارد الطاقة.

اما روسيا فانها قوة استطاعت عبر التاريخ الحديث والمعاصر ان تصارع عوامل الجغرافيا وتجد لها مكانة بين القوى التي تشارك بعملية صناعة التاريخ الراهن، ووجدت في ظروف التاريخ ما يمكنها من ان تصنع مقومات قوة وقدرة مستدامة خارج دائرة موارد ريع الطاقة، وبحكم تلك القدرة اهتمت بمناطق مختلفة ومنها المنطقة العربية وتتبع العلاقات الخليجية –الروسية، يبين انها لا تسير على خط تطور واحد، فرغم انها علاقات لا تمتلك جذور عميقة قياسا بعلاقات دول الخليج العربية الاخرى، ولا بعلاقات روسيا الاخرى مع دول العالم، الا ان كل من الطرفين عمل على تعزيزها نسبيا، رغم القيد الامريكي على دول الخليج العربية.

وخلال السنين الاخيرة اخذ خلاف وتوتر يبرز في العلاقات الخليجية الروسية، وبضمنها العلاقات السعودية-الروسية، لاسباب مختلفة، ومنها الموقف المشترك من قضايا عربية واقليمية لها اهميتها للامن والمصالح الخليجية العربية، ومنها الموقف من سوريا وايران وغيرها.

وتتبع العلاقات بشكل عام، وعزلها عن محتواها الايديولوجي او عن المواقف السياسية، يفيد ان هناك فرصة بين اطرافها لتعزيز مضمونها، خاصة على الصعد الاقتصادية، والثقافية، بحكم وجود روابط ومداخل متعددة يمكن ان تقرب اطرافها وتعظم حجم المنفعة المتبادلة فيما بينها.

في هذه الدراسة، سنشير الى مضمون العلاقة وفرصها وكوابحها، وكالاتي:

  • اولا-العلاقات الاقتصادية الخليجية –الروسية

لا تتوقف العلاقات الخليجية –الروسية عند مستوى التعاون في حقل الطاقة، كما انها لا يمكنها ان تتجاوز قيد العوامل السياسية الضاغطة على كل اطرافها، بحكم تراجع مستوى البراغماتية وتقدم العوامل الايديولوجية في تلك العوامل. هذه المقدمة، جعلت العلاقات الخليجية –الروسية في مأزق مضمونه: ضعف القدرة على بلوغ مستويات متقدمة من التعاون المستدام على مختلف الصعد.

ان تتبع العلاقات الخليجية-الروسية ببعدها السياسي يلاحظ انها اخذت تتطور بفترات زمنية متباينة مع دول مجلس التعاون الخليجي، الا ان التطور الاهم اخذ يبرز في تسعينيات القرن الماضي وصولا الى عام 2011 عندما حدثت احداث ما عرف بالربيع العربي، واخذت تظهر نقاط تقاطع بين الطرفين في شان الاحداث في سوريا وعلى نحو اقل في اليمن.

ان العلاقات بين الطرفين شملت جوانب سياسية واقتصادية وثقافية، مع بعض الصفقات العسكرية المحدودة، وبكل الاحوال تصنف تلك العلاقات بانها تقع ضمن مستوى متدني في الاهتمام الخليجي، وبالصين، ولعل اسباب ذلك هو ان روسيا معنية بعدم الصدام مع المصالح الامريكية، وادراك ان مناطق الاهتمام الروسي تقع في ايران وسوريا ومصر. ويمكن تلمس ذلك من خلال تقدير حجم التجارة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي (918.5 مليار دولار عام 2016، منها 452.6 مليار دولار واردات) وحجم التجارة الخارجية لروسيا (530 مليار دولار بضمنها نحو 340 مليار دولار حجم الصادرات لذات العام)، ثم تقدير حجم تجارة الطرفين (الذي يصل الى مستوى 6 مليار دولار) لحجم التجارة الكلي، وهو ما يبين ان هناك ضعف في العلاقات الاقتصادية، اذ ما يشغل دول المجلس وروسيا هو تنسيق المواقف في تجارة الطاقة، ووجود اهتمام مشترك بتعزيز الاستثمارات الخليجية في روسيا خاصة بعد احداث 11 ايلول 2001.

اما ما يتعلق بحجم العلاقات السعودية الروسية فيلاحظ ان تلك العلاقات بدأت بتبادل الاعتراف الدبلوماسي بالعام 1926، وجمدت خلال مدة الحرب الباردة لان السعودية حسبت على المعسكر الغربي، ثم عادت تلك العلاقات في ايلول عام 1990، وتلك العلاقات استندت الى عدة مرتكزات وهي:

-تجارة الطاقة، فكل من الدولتين تعدان اكبر منتجين على صعيد طاقة الهيدروكاربونات التقليدية على الصعيد العالمي، فالسعودية تنتج نحو 10.2 مليون برميل/ يوم في العام 2016، وتصدر نحو 8.8 مليون برميل/ يوم، بينما تنتج روسيا نحو 10.05 مليون برميل/ يوم، وتصدر نحو 7.2 مليون برميل/ يوم منه، وتعمل الدولتان على تنسيق الحد الادنى من المواقف في اسواق الطاقة العالمية.

-العامل الثقافي، واسباب وجود هذا الرابط في تلك العلاقات هو وجود نحو 11-12% من سكان روسيا من المسلمين أي نحو 16-17 مليون مسلم في روسيا، ينتشرون في القوقاز الروسي وغيره، وشهدت مناطق وجودهم خاصة في الشيشان عدة حروب للاستقلال، وللمسلمين الروس ارتباطاتهم بالمنطقة العربية، وتتم روسيا بان تكون علاقاتها العربية ومع السعودية تحديدا مدخلا لضمان استقرار تلك المناطق، ولهذا السبب اصبحت روسيا عضوا مراقبا في منظمة التعاون الإسلامي في عام 2005

-المواقف السياسية، وهو الاهم في العلاقات بين الدولتين، لان المضمون الاقتصادي ما زال لم يتطور بمستويات جيدة

-الاستثمارات المتبادلة، لقد أطلقت الدولتان في عام 2015، صندوقا استثماريا مشتركا بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل مشاريع مختلفة في روسيا، واكثر ما تستثمر به السعودية هو قطاع البنية التحتية ومنها الطرق الخاضعة لرسوم في روسيا، كما اطلقت الدولتان صندوق روسي سعودي للاستثمار في قطاع الطاقة السعودي بقيمة مليار دولار. يضاف له استثمارات سعودية غير مقدرة ذهبت الى روسيا بعد احداث 11 ايلول 2001.

وتتبع العلاقات بين الدولتين وبضمنها العلاقات الاقتصادية يلاحظ انه خلال المدة التالية لعام 1990 اخذت الزيارات المتبادلة بين مسؤولية الدولتين تزداد، ولعل الاهم منها قيام الملك عبد الله عندما كان ولياً للعهد لموسكو في تشرين الثاني عام 2003، ووقع خلالها على مجموعة من الاتفاقيات لتطوير علاقات التعاون الثنائية، ثم تلاها زيارة قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شباط عام 2007 إلى السعودية وقع خلالها على اتفاقية ثنائية في مجال الاتصالات الجوية ومعاهدة تفادي دفع الضريبة المزدوجة على المداخيل ورؤوس الأموال، وعدة اتفاقيات في مجال الثقافة وتبادل المعلومات والتعاون المصرفي، كما تم مناقشة اتجاهات التعاون في مجالات: التكنولوجيا الذرية، وزيارة الأمير محمد بن سلمان آل سعود عندما كان وليا لولي العهد لموسكو في حزيران 2015 للبحث في سبل تعزيز التعاون المشترك. ثم قام العاهل السعودي الملك سلمان في تشرين الاول 2017 بزيارة موسكو لتعزيز فرص التعاون بين الدولتين.

ان تتبع العلاقات خلال المدة التالية لعام 2011 يلاحظ انه كان هناك اتساع بسيط في حجم التجارة مع وجود قيود سياسية تتمثل بالموقف من الاوضاع في سوريا على وجه خاص. وتتبع حجم التجارة بين الدولتين سنجده يقع عند 211.8 مليون دولار عام 2003 ووصل الى نحو 488.7 مليون دولار عام 2008 والى نحو 490 مليون دولار عام 2016، اغلبه يمثل صادرات روسية، من المنتجات المعدنية، والعلف والورق والخشب وسيارات الشحن، وهو حجم متواضع جدا رغم ان:

-الاقتصاد الروسي متنوع، رغم ان مركز ثقله هو قطاع الطاقة، بينما الاقتصاد السعودي هو قطاع يعتمد بشكل كبير على ريع الطاقة، وما زال اقتصاد غير انتاجي في القطاعات الصناعية والخدمية

-اسست الدولتان اللجنة الحكومية المشتركة الروسية السعودية في مجال التجارة والاقتصاد والتعاون في المجال العلمي والتقني، ومجلس الاعمال الروسي السعودي، ووجود اتفاقات تنظم التعاون المصرفي والمالي وتبادل وجهات النظر في مجال الطاقة، وقيام روسيا باطلاق عدد من الاقمار الصناعية السعودية عام 2000، فضلا عن التعاون على صعيد تنسيق عملية حج المسلمين الروس للديار الاسلامية

كل ذلك لا ينف ان التجارة بين الدولتين لا تمثل قيمة ذات اولوية في نظر الدولتين.

واخذت العلاقات بين البلدين تتسع في جانبها التجاري بعد زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا، اذ تم الاتجاه الى مناقشة فرص تعزيز حجم الاستثمارات والشراكة بين البلدين، حيث منحت هيئة الاستثمار السعودية الشركات الروسية تراخيص للاستثمار المباشر في البلاد، في الجانب الصناعي والخدمات. كما ان هناك تنسيق مشترك لإعادة التوازن للأسواق النفطية، كما ان الدولتين اظهرتا اهتمام باجراء تعاون مشترك في مجال الاستثمار في التكنولوجيا، في ظل طرح رؤية السعودية 2030 متضمنة رفع وتيرة تنويع الاقتصاد، وابرز الغائبين هو مناقشة اقامة تعاون في مجال الصناعات العسكرية، والبنية التحتية، والقطاع الطبي والمجال الزراعي ودعم البحث العلمي وتوطين التكنولوجيا في السعودية.

  • ثانيا-فرص تعزيز العلاقات السعودية – الروسية

ان العلاقات بين الدولتين لم تصل الى مستوى يتجاوب مع حجم كل منهما واهتماماته الدولية والاقليمية، وهو ما يدعونا الى التساؤل: هل هناك فرص لتعزيزها ؟

ابتداءا، لا يوجد هناك من موانع او محددات كثيرة لتطوير العلاقات بين الدولتين ، كما انه من الملاحظ على سلوك روسيا انها صارت تلجأ الى اكثر من نهج من اجل تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع السعودية، ومنها اللجوء الى عزلها عبر توطيد العلاقات الاقتصادية والمبادرات الدبلوماسية مع دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها نقطة انطلاق للتاثير على الدبلوماسية السعودية، وجعلها تقترب من المصالح والاهداف الروسية، طالما ان دول المجلس تتصرف من منطلقات فردية وليس من منطلقات جمعية.

كما تظهر روسيا انها تتعامل مع مختلف الدول من منطلقات اقتصادية، ويمكن ان تتجه الى الانفتاح عليها بما يعظم من مكاسب ومنافع روسيا، ومنه اظهار نفسها كمصدر لتجهيزات الاسلحة وتجهيزات تجارة الطاقة النووية لاغراض سلمية، وامكانية الاستفادة من القدرات الفضائية الروسية لاطلاق الاقمار الصناعية، فضلا عن الاتجاه الى الاستثمار في قطاع الطاقة بمختلف صوره.

بينما تعمل السعودية على تعظيم مكانتها الاقليمية والدولية، وتعظيم المكانة يجب ان ينطلق من فرضية: ان بناء قوة اقليمية كبرى يستلزم بناء القدرات، بينما بناء قوة كبرى يستلزم الاحاطة بسلسلة تحالفات داعمة لقدرة الدولة، وتحيط بالسعودية تحديات كبيرة ومنها: الوضع في اليمن والوضع في دول مجلس التعاون الخليجي الذي يرفض التحول الى صيغة الاتحاد، والوضع في العراق الذي اصبح محسوبا على ايران بشكل او آخر، والوضع في سوريا الذي تراجعت فيه قدرة التاثير السعودي لصالح بروز التاثيرات الايرانية-الروسية. وهو ما يظهر في السلوك السعودي في اظهار نفسها كدولة راغبة بتوطين الصناعات، وتوطين العلوم والتكنولوجيا، لانه لا يمكن للسعودية الاستمرار بالاعتماد على الغير في الاستهلاك، وانما يجب ان تتجه لبناء القدرات الشاملة، واهمها القدرات العلمية والتكنولوجية فضلا عن القدرات المالية.

وتتبع الملفات التي تتداخل فيها السعودية وروسيا ومنها سوريا، يلاحظ ان السعودية تدخلت متاخرة في الاحداث السورية وكان تدخلها غير موجه، على نحو اخفقت في تحقيق غاياتها، وضحت بموارد لها ولقدرات سوريا كان بالامكان توظيفها بشكل افضل لو كان هناك ملف سوري بعيد عن التدخل الامريكي، ومن ثم تقلبت السعودية بشان إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، واصبحت امام ضاغط ان المزاج الغرب الذي يركض وراء مصالحه اصبح لا يعارض استمرار حكم الرئيس السوري بقصد تقليل حجم الاحتكاك مع المصالح الروسية، ومن ثم اصبح الملف يدار فعليا من روسيا وايران، وتم اشراك تركيا لاسباب عدة ولكنها تبقى الحلقة الاضعف في ذلك الملف، اما السعودية فانها وبعد ان خسرت كلف كبيرة، وخسرت ثقة اصدقاءها من السوريين، الذين اصبحوا يرون ان مركز الثقل في وضعهم ليست السعودية المرتبطة في قرارها النهائي بالقرار الغربي اكثر منه بالقرار: السعودي او العربي او الاسلامي، أي ان على السعودية ان تبحث عن مخارج لحل في سوريا لا يخرجها الخاسر الاكبر.

والنقطة الاخرى المهمة هي ادراك السعودية ان احد اهم اهدافها الاستراتيجية هو تقليل اعتماد أمنها على الولايات المتحدة في المدى المتوسط ان ارادت تعظيم مكاسبها وحرية قرارها الاستراتيجي، دون ان يؤثر ذلك على موقفها كدولة ذات تأثير كبير في المنطقة العربية. وهذه النقطة تجعل السعودية تحاول فتح ملفات علاقاتها مع روسيا وغيرها. ان الانفتاح خارج دائرة العالم الغربي يتيح للسعودية فرص كبيرة لتطوير مواردها، لان الغرب لم يطور قدرات السعودية، او يساعدها على الانتقال الى مجتمع التصنيع وتوطين التكنولوجيا والمعرفة، فالسعودية تدرك ان علاقاتها الغربية لم تضف لها الكثير في الشان الاقتصادي خارج نطاق الاستهلاك، أي انها لم تصبح قدرة عسكرية او صناعية ومعرفية رغم ما حصلت عليه من موارد ضخمة، ورغم ما انفقته، والاتجاه نحو العالم غير الغربي يتيح لها ان تصبح دولة متوسطة بقدرات حقيقية، ويمكنها ان تنمو الى مجتمع ودولة ذات قدرات كبيرة بمدى زمني قصير لان الجغرافيا والعوامل التاريخية والدينية تدعم تحولها الى قوة اقليمية كبرى، وهو عماد رؤية السعودية 2030.

اما روسيا فانها تدرك انها دولة كبرى، وانها تحتاج الى الانفتاح على كل مجالات النفوذ، وسحب دول من رصيد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين. وتدرك ان تعاونها مع الدول الاخرى مسالة تخضع لاعتبارات عدة، ومنها التجارة والعوامل السياسية، والسعودية من بين الدول التي يمكن تطوير العلاقة معها.

وهذا ما يطرح احتياجات كل من الدولتين في تلك العلاقات، فالسعودية ترغب بتعزيز مكانتها وقوتها، وروسيا ترغب بتعزيز اقتصادها وحضورها، وعموما، ان امكانية ان تقدم روسيا مساعدات تكنولوجية الى السعودية بما يعزز من قوتها يطرح ثلاثة موضوعات:

  • هل ان السعودية مهتمة حقيقة ببناء قاعدة معرفية وبحثية وصناعية وانتاجية، مدنية وعسكرية، قابلة للاستدامة ؟
  • هل ان روسيا تجد مصلحة في نقل التكنولوجيا الى الدول الاخرى؟ ومع السعودية خاصة؟
  • ان التجارب التاريخية تظهر ان روسيا اسهمت بتطوير قدرات الصين وايران، وطرحت مبادرات لدعم قدرات كل من مصر وتركيا، على صعد مختلفة، رغم انها تتفاعل بحذر مع مطالب اسرائيل ومصالح وحلفاء الولايات المتحدة.

وعلينا هنا تذكر ان المساعدات الروسية لا تمثل مساعدات خيرية انما هي انشطة وعمليات سياسية-اقتصادية، في المقابل ان السعودية ما زالت لم تظهر مؤشرات حقيقية على الانتقال من عقلية الامارة القبلية الى عقلية الدولة، فالتحول يفترض التحول من انماط الاستهلاك المفرط الى نمط يمزج بين التعليم المنهجي وتوطين المعرفة والعلوم والصناعة والاستثمار فيها، والانفتاح على مشروع بناء قدرات شامل، واعادة النظر بكل راس المال المتاح، والانفتاح على علاقات وتحالفات جديدة، وهي مسائل لا توجد لها قاعدة او مؤشرات الى اليوم، على المستوى السعودي. فحتى على المستوى الخليجي ما زالت دول المجلس تتصرف كدول منفردة وليست كدول في اطار تنظيم، والسعودية نفسها بها نقص قدرات: صناعة عسكرية متقدمة تلبي احتياجات الدفاع بدلا من الانكشاف الاستراتيجي على العالم الغربي، وصناعات مدنية تلبي الاستهلاك والتصدير، وقدرات بحثية متقدمة تطال كل العلوم بما يجعل النمو مستدام بعوامل داخلية وليس قدرات تركز على التاريخ والدين فقط، والانفتاح على بناء قدرات نظرية، حتى تتحول السعودية الى مركز اقليمي ودولي، وليس السير في فلك التبعية والاستهلاك والتبعية في الاعتماد على الغير بما موجود من مؤشرات الانكشاف الاستراتيجي.

ان رؤية السعودية عام 2030 تحمل في طياتها بصيص امل في الاتجاه الى بناء مشروع دولة اقليمية، مستدامة،في حين ان رؤية الرئيس بوتين لروسيا هو الانفتاح على كل جوانب التعاون، بما يعود بفائدة لروسيا، ورغم ان ما يعيق تعاون روسيا مع دول عدة ومنها السعودية هو: ازمتها مع العالم الغربي، واشكالية رغبتها بتحميل دول الاوبك ومنها السعودية انشطة خفض الانتاج لرفع السعر دون ان تتحمل هي ذاتها التزامات بهذا الشان. واشكالية الموقف الروسي من الاحداث في سوريا وكيف انتهت الى ايذاء المصالح العربية والسعودية خاصة في التعامل مع هذا الملف الشائك، كل تلك الملفات لم تعق وجود توجه من الدولتين لتعظيم الانفتاح على بعضهما البعض الاخر.

وعليه، نرى ان مجلس الأعمال السعودي الروسي دعا في نيسان 2017 إلى فتح مكتب تمثيل اقتصادي لكل من الدولتين في الدولة الاخرى، وتبادل المعلومات عن اسواق البلدين، وتشجيع الحركة التجارية والاستثمارية والتعامل مع العوائق في وجه تلك الحركة، بما يسهم برفع التبادل التجاري بين الدولتين.

ان السعودية يجب ان لا تضع نصب عينها عمليات توسيع حجم التبادل التجاري، فهو مسالة يمكن ان تترك لقطاع الاعمال الخاص لكي ينشط التجارة والاستثمار بين الطرفين، انما هي يجب ان تضع نصب عينها تنشيط القطاعات الانتاجية والصناعية الاحتكارية، والتي لا يمكن تصور دخول القطاع الخاص فيها ومنها الصناعات الاستراتيجية والصناعات العسكرية والفضائية والنووية، وصناعة الاساطيل البحرية، وصناعة المعرفة، والقدرة على البحث العلمي، والصناعات الصحية، وصناعة الاتصالات وقطاع تكنولوجيا النانو، وعلوم الوراثة، وصناعة السيارات، والصناعات التعدينية الاخرى، وصناعة الطاقة المتجددة، والتحول الى الاقتصاد والتنمية المتكاملة المستدامة، ورفع معدل الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي بعيدا عن ريع النفط، ورفع معدل الرفاهية للمواطن السعودي، والتفكير بالمواطن المنتج وليس بالمواطن المستهلك، ومضاعفة عدد السكان بما يلبي احتياجات السعودية من الموارد البشرية في ظل اختلال واضح في القدرات الشاملة بين السعودية وكل من: ايران والعراق ومصر والهند وباكستان واسرائيل، فالسعودية هي الاضعف بينهم، كل تلك الحقول تحتاج من السعودية الى مراجعتها، ووضعها في اطار استراتيجية قابلة للتطبيق.

اذن، ان المستقبل يهيأ فرصا لكل من الدولتين لتعزيز علاقاتهما المتبادلة، وعلى السعودية طرح ما ترغبه بلغة الدولة.

  • ثالثا-تحديات امام العلاقات السعودية-الروسية

ان هناك نظرة خليجية عامة، وبضمنه نظرة سعودية خاصة ترى ان روسيا تتصرف في منطقة الشرق الاوسط من منظور اقرب الى المرتزق منه الى القوة الكبرى، وهو ما ساد حتى احداث ما عرف بالربيع العربي، ومنه قيام بعض دول الخليج العربية بشراء موقف روسيا اثناء ازمة وحرب الخليج الثانية 1990.

لقد اخذ الادراك الروسي يعطي خطورة عدم النظر الى مصالح كل الاطراف المتورطة في الاحداث السورية، ورغم انها الطرف الاقوى، الا ان صناع القرار الروس اتجهوا بعد العام 2016 الى اظهار محاولات لإشراك دول مجلس التعاون الخليجي ‏للتوصل إلى حل سياسي للصراع السوري، بشكل ينسجم مع ‏الأهداف ‏الروسية، ‏ليثبتوا أن ‏الدبلوماسية الروسية في الخليج لا تحركها المصالح الاقتصادية فقط انا هناك عوامل سياسية، وان روسيا لا تضع البيض كله في سلة دول محددة انما هي تنفتح على كل الدول والمصالح الاخرى. اذ عملت على الانفتاح على تسوية شاملة في سوريا تحفظ مصالح كل الاطراف بما فيها الرئيس السوري بشار الاسد وايران، الا انها عملت في الوقت نفسه على احداث اكبر عزل للسعودية عن باقي دول مجلس التعاون الخليجي فيما يخص المشهد السوري بما يدفع السعودية الى قبول الحلول التي تراها روسيا.

ان السعودية تدرك ان علاقاتها مع العالم الغربي لم تهيأ لها ان تكون قوة بقدرات حقيقية في المنطقة، انما هي قوة تعتمد على القدرات الغربية لتلافي الانكشاف الاستراتيجي، وهو ما اظهرته احداث عامي 1990-1991، و 2003 و 2011، وما بعدها، فايران تهدد بلا مقابل سعودي او خليجي جدي، سواء في حرية الملاحة في الخليج العربي، كما لم تراع مصالح العرب في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها، بل وصل الامر الى ان تهدد الداخل الخليجي نفسه، من غير وجود غطاء لاستراتيجية واقعية قابلة للتطبيق بالاعتماد على الموارد الخليجية ومن غير الاعتماد على الغرب.

اذن، ان مقدمات الانفتاح على روسيا متاحة، والامر نفسه ممكن بالنسبة الى روسيا، فهي انفتحت على تعزيز قدرات الصين الشاملة، وقدرات ايران النووية والتكنولوجية، وهي تدرك ان كلاهما يمكن ان يصبح مهدد للامن القومي الروسي اكثر من الولايات المتحدة، الا ان مشروعها تحاول ان تربطه بكسب حلفاء جدد وتوسيع عدد الدول غير المؤيدة للولايات المتحدة وجني المصالح الاقتصادية، تلك الاستراتيجية تجعل روسيا تفتح كل المجالات للتعاون، وبضمنها اكثر المجالات حساسية ومنها اتفاق بيع صواريخ منظومتي SS 300 – SS 400، وهو ما عرضته على الصين وسوريا وايران وتركيا، وحتى عرضت التفاوض بشانه مع السعودية، طالما انه يفرض على الدول المستقبلة له ان تعطي او تتشارك مع روسيا ببعض المعلومات الامنية حتى يمكن تشغيل المنظومة بكل قدرتها.

ان تلك الطروحات لا تنكر ان هناك مقيدات ومحددات امام علاقة الدولتين، ومنها الاتي:

على الصعيد السعودي، فان اكبر القيود هو: ضعف الدولة السعودية، فما زال منطق القبيلة هو المتحكم، وهذا الاتجاه لا يساعد على بناء دولة تبني قدرات شاملة فكرية وبحثية وصناعية وانتاجية مدنية وعسكرية، ولن تثق الدول الاخرى باي توجه لبناء الدولة. كما ان الثقافة السعودية ما زالت تؤمن بالاستهلاك وليس بالانتاج، وما زال هناك نظرة نحو الدولة بوصفها دولة ريع توفر للمواطن كل احتياجاته وليس دولة انتاج حقيقي، يكون انتاج الفرد هو ما يقرر مستوى الدخل ومستوى المعيشة والرفاهية، كما ان توظين المعرفة والتصنيع والبحث العلمي ما زال غير موجود، وغيره.

كما ان العقل السعودي لم يحسم امره بخصوص مستقبل البلاد، هل ترغب ان تكون قوة اقليمية بقدرات حقيقية، او حتى قوة كبرى بقدرات حقيقية، وكيف يمكن الوصول الى تلك المرحلة، لانه يتطلب مضاعفة الموارد والقدرات والتحالفات، والتعامل مع الانكشاف الاستراتيجي، وهو ما تظهره الوقائع المختلفة. فالسعودية لم تستطع ان تحمي مصالحها في سوريا او اليمن او غيرها، بشكل يلبي المصالح السعودية، وان الولايات المتحدة اصبحت ثقل على السعودية اكثر منه مصدر دعم حقيقي.

بينما على الصعيد الروسي، فان اكبر المحددات في علاقاتها مع السعودية هي: ازمة علاقاتها مع الغرب المرتبطة بشبه جزيرة القرم واوكرانيا، والتوجهات النفطية، والموقف من سوريا، ولا يمكن لروسيا ان تفكر بمصالح السعودية بشان تلك المحددات، فعلي صعيد الموقف من الازمة الروسية-الغربية، تدرك روسيا ان السعودية محسوبة على الغرب، وعلى صعيد النفط تدرك روسيا انها لا يمكن ان تخضع لقرارات الاوبك في تقليل الانتاج لان المنظمة تتبع القرار الغربي والقوى المستهلكة ولا تراع الدول المنتجة، ولا يمكن لروسيا ان تراع المصالح السعودية في سوريا لان سوريا قاعدة عسكرية، ولا يهم روسيا من يحكم انما يهمها من يقدم لها الضمانات بشان قواعدها ووجودها العسكري.

اذن، هناك قيود ومحددات تفرض تاثيرها على كل من الدولتين، ولا يمكن تجاوز تلك القيود في تقدير حجم الانفتاح الممكن لكل منهما تجاه الاخر، وابرز المحددات هي المناخ السياسي، الذي لم يدفع الدولتين الى تبني خطوات جدية لتعزيز علاقاتهما المشتركة.

  • رابعا-رؤى مستقبلية

اما بخصوص المستقبل الممكن لعلاقات الدولتين، فيلاحظ ان هناك امكانية لان تقدم روسيا دعما للسعودية في مجالات مختلفة ومنها:

-بناء المفاعلات النووية، البسيطة في مستوى تكنولوجياتها، والتي تستخدم لانتاج الطاقة الكهربائية او ربما لانشطة صحية، لان عموم القوى الكبرى تجمع على رفض امتلاك العرب لتكنولوجيا يمكن لها ان تعيد وضع العرب في الحضارة العالمية

-كما يمكن توقع اشتراك روسيا في تطوير قطاع الطاقة السعودي، لانه قطاع يدر موارد ومنافع لروسيا قبل السعودية، وهو قطاع بكل الاحوال لا يمكن للسعودية ان تحصل منه على قدرات حقيقية

-ويمكن لروسيا ان تتعاون مع السعودية في مجال بناء معامل ومصانع انتاجية كثيرة، موجهة لاغراض استهلاكية، لان أي مشروع مشترك او انه يصنع لمصلحة سعودية خالصة سيكون المنظور له تجاري ليس اكثر

-اما قطاع الصناعات العسكرية، فالمهم ليس حجم الاستيراد من روسيا انما امتلاك قدرة التصنيع ومدى اسهام روسيا به، والذي وضعت السعودية سقف رفع قدرتها على التصنيع من مستوى 3% من تلبية احتياجاتها العسكرية، الى مستوى 50% منه، فالواضح انه يتطلب نقطتين: تحديد الهدف من بناء القدرة السعودية، وتقدير الموارد التي تحتاجها لذلك، والافضل هو بناء قدرة بشرية مؤهلة للصناعات العسكرية الحقيقية، أي صناعة الاسلحة بكل مضامينها وتعقيداتها التكنولوجية البرية والجوية والبحرية والفضائية وعلى صعد الاتصالات العسكرية، ولا يتوقع ان تقدم روسيا الكثير للسعودية بهذا الشان لاسباب تتعلق بادراك روسي ان السعودية ما زالت تحسب على الولايات المتحدة، والمعارضة الإسرائيلية المتوقعة لهذا الاتجاه، والافضل هو الانفتاح على دول مختلفة لتوطين الصناعات الدفاعية المختلفة في داخل السعودية ومنها: الانفتاح على مصر وتركيا وباكستان والصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل وغيرها، او شراء القدرات البشرية العلمية وتوطينها من المنطقة العربية ودول اسلامية بقصد بناء برنامج تصنيع عسكري متكامل، وهو افضل الخيارات من شراء الاسلحة او دعم وتمويل عملية تصنيعها في دول اخرى.

وعموما، ان المستقبل يحمل في جنباته كل التوقعات، ولا يمكن استبعاد ان تقديرات القيادات الروسية الحالية، او من سيخلفها، يمكن ان تتغير وتنظر الى تقديم خيارات كسب السعودية وتعزيز التعاون معها.

  • خاص – المركز الديمقراطي العربي
2.7/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى