الشرق الأوسطعاجل

الخطوة الإماراتية تجاه إيران – استراتيجية أم تكتيك؟

اعداد : محمد عوده الأغا – باحث في الشأن الإقليمي

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تعد منطقة الخليج العربي “محل اهتمام ومصدر إزعاج” دولي لما تمتلكه من مقومات جغرافية وتاريخية واقتصادية ودينية، مما أدى لوقوع احداث كبيرة على فترات متقاربة، فالنهضة الكبيرة والسريعة التي شهدتها المنطقة، رافقها عدة حروب وصراعات ونزاعات.

لذا، فالقضايا المتعلقة بالأمن والاستقرار متجددة ومتصاعدة، وأصبح تقييم مستقبل كثير من دول المنطقة متعلق بتلك التغييرات حتى وإن ظهرت صغيرة، فلو نظرنا إلى النزعة الإيرانية الشديدة نحو التسلح وفرض السيطرة والتأثير على محيطها، وإلى عدم الاستقرار الداخلي والخارجي لعدد من الدول المؤثرة مثل قطر والسعودية، ووضع العراق الذي أصبح ساحة تصفية حسابات لدول في المنطقة وخارجها،  والحرب في اليمن، وتهديد الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز خصوصاً مسارات نقل النفط، وليس أخيراً التحشيد العسكري الأمريكي في الخليج بدعوى حماية الممرات المائية الاستراتيجية، الأمر الذي وضع بيئة الأمن في الخليج على درجة كبيرة من الحذر، وعليه فإن السلوك الخارجي للكيانات السياسية في المنطقة سيكون محط أنظار الباحثين.

 ومن أبرز دول المنطقة فاعلية وتحركاً في الفترة الأخيرة هي دولة الإمارات، حيث أصبح سلوكها السياسي الخارجي مثيراً للجدل؛ فمن موقعها الجغرافي المهم، وقدرتها الاقتصادية الكبير وغير المتنوعة، وعلاقتها مع السعودية وقربها من إيران، ومجاورتها لقطر، وتدخلها عسكرياً في أزمات المنطقة، نجد أنها تسير بسياسة دقيقة لتضمن لها موقعاً مؤثراً على ساحة العلاقات الدولية؛ سعياً لتحقيق الهيبة التي تضمن الاستقرار الداخلي والازدهار.

وتأتي خطوة الإمارات الأخيرة في التقارب العلني مع إيران في وقتٍ شديد الحساسية، كأبرز حدث لفت انظار المراقبين لسير الأحداث في المنطقة، حيث التقى قائد خفر السواحل الإماراتي نظيره الإيراني في اجتماع هو الأول من نوعه منذ العام 2013، فقد كانت الاجتماعات المشتركة لخفر السواحل بين البلدين منتظمة سنوياً منذ العام 2009، ثم توقفت بشكل كامل بعد الاجتماع الخامس، لتعود فجأةً في ظل الظروف الحالية شديدة الحساسية.

يعكس التحرك الأخير للإمارات تحولاً ملحوظًا في الموقف الإماراتي من قضايا الإقليم، فمن الواضح أن صناع القرار في أبو ظبي باتو يرون في التنسيق والتواصل مع إيران مكسباً يستحق المجازفة وفق معطيات الجغرافيا السياسية ومتطلبات أمن الخليج.

وتساءل الكثير من المتابعين للأوضاع في المنطقة، حول مدى تأثير هذا التقارب على علاقة الإمارات بالسعودية، إذ وضَّحت الإمارات بأن تحركها الأخير كان بالتنسيق مع السعودية؛ بهدف تفادي المواجهة، وتغليب العمل السياسي، وجاء ذلك في تغريدة لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش.

فالسعودية ترى في إيران الخطر الاستراتيجي، الذي يرقى لتهديد الأمن القومي وأن الأولوية في مواجهته تفوق أي خطر، بينما ترى الامارات في الحركات السياسية الإسلامية الخطر الاستراتيجي، وأن الخطر الإيراني يمكن تجنبه من خلال علاقات متوازنة تتأسس على مبدأين، الأول هو التبادل التجاري، والثاني هو أمن الخليج وبالأخص مضيق هرمز.

فعندما شعرت الإمارات بأن احتكاكها بجارتها إيران سيشكل خطرًا عليها، أعادت تفعيل البروتوكولات الأمنية المتفق عليها سابقاً  بين الجانبين كوسيلة منطقية مبررة لتهدئة الأجواء، خصوصاً وأن أبوظبي فهمت رسائل طهران بأن الصبر الإستراتيجي الذي تَحَلَّت به الحكومة الإيرانية بدأ ينفذ، وأدركت أن أي تصعيد في الخليج ستكون أول ضحاياه، لذا بدأت بتغيير نهجها، ويظهر ذلك حين اُستهدفت ناقلات النفط في مياهها الإقليمية، لكنها لم توجه الاتهامات إلى إيران على عكس ردة فعل الرياض، فقد خلا بيان الخارجية الإماراتية من أي اتهام، لكنه امتلأ بالتحذيرات.

ومما سهل على البلدين حفظ الوُد السياسي، واسترجاع قنوات التواصل الدبلوماسية، الشراكة التجارية الكبيرة، فالإمارات هي أكبر شريك تجاري لإيران في الخليج، وظلت حتى فترة قريبة أكبر شريك تجاري لإيران عالمياً بعد الصين، وبحسب مصادر رسمية إيرانية، فإن الإمارات هي أكثر دول العالم تصديراً لإيران، إذ تشكل صادراتها نحو 30% من واردات إيران.

إلا أن الخطوة الإماراتية بالانفتاح نحو إيران يعتبر قراراً تكتيكياً أكثر منه استراتيجياً، إذ تتسق هذه الخطوة مع وجهة النظر الأمريكية التي تغلب الحلول الدبلوماسية مع إيران عوضاً عن الحل العسكري -الذي طالماً لوحت به- الذي سيكبد جميع أطراف الصراع خسائر فادحة في مختلف المجالات.

ونظراً إلى التكلفة الاقتصادية الباهظة التي قد تتكبّدها الإمارات -وخصوصاً إمارة دبي- في حال اتجهت الأوضاع نحو التصعيد العسكري المباشر أو غير المباشر بين أطراف الصراع، بحكم الجغرافيا، فهي تخشى أن تصبح أراضيها منطقة تصفية حسابات، لم يكن من خيار أمام صناع القرار في أبو ظبي، سوى فتح باب الحوار الدبلوماسي مع جيرانهم في طهران، الذي بدأ بخفض الإمارات عدد قواتها العسكرية في اليمن، وخفض التصعيد حول ميناء الحديدة كبادرة حسن نية تجاه إيران.

ومن أبرز التأثيرات المتوقعة لهذه الخطوة:

أولاً: تعطيل استراتيجية الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، المتمثّلة في قيام تحالف عربي- إسرائيلي ضدّ إيران، فجوهر الخطة -أو ما يعرف بصفقة القرن- هو اندماج إسرائيل في المنطقة بصفتها عضو فاعل في حفظ الأمن والسلام والرخاء، في مقابل حل سياسي للقضية الفلسطينية.

 ثانياً، وضع التحالفَ السعودي- الإماراتي القوي قيد الاختبار، تاركاً السعودية والبحرين في مواجهة السلوك الإيراني الخشن.

 وثالثاً، التأثير على الرؤية الإماراتية تجاه قضايا المنطقة، وتقويض السياسة التدخّلية التي انتهجتها الإمارات في الأزمات المختلفة.

وأخيراً، ستبقى هذه العلاقات -في المستوى المنظور- ضمن الخيارات التكتيكية دون أن تتطور كثيراً، حتى تتجنب الامارات إثارة السعودية، بحيث تتحرك بسياسة اللعب على المحاور، لتمتلك المرونة الدبلوماسية التي قد تأهلها لتكون مدخلاً للتفاوض مع إيران في أي ترتيبات إقليمية قادمة إذا ارتأت القوى الدولية الكبرى ذلك.

4/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى