مقالات

عبور النفق يحتاج تحدي المشاكل لا الهروب منها

بقلم : ريناس بنافي – باحث في الفكر السياسي والاستراتيجي – لندن

  • المركز الديمقراطي العربي

 

قراءة في فكر الدكتور جاسم سلطان من خلال كتابه من الصحوة إلى اليقظة النسخة المحدثة والجديدة للخروج من النفق المظلم نحتاج لوعي جديد بما حدث في الماضي والاتفاق على رسم مستقبل واعد بين أطراف مكونات الوطن.

فالماضي عند تفكيكه يخلق لنا تصورات جديدة كما حدث في جنوب افريقيا عبر المصارحة والمصالحة او في البرازيل عبر العفو المتبادل او في رواندا وسُميت ب (العدالة التشاركية) وترجيح المستقبل على الماضي عبر مسمى المصالحة الكبرى.

فنحن نشتكي من الواقع المتردي باستمرار، والبعض يجعله سببا لعدم الفاعلية والنشاط، ويجعل شرط الفعل هو تغير الواقع، ولكن الحقيقة المؤكدة أنه لو كان الواقع صالحا لما كانت هناك حاجة لكل هذا الحديث. فهذه الأوضاع هي التي دعت إلى فكرة الدعوة والعمل. وطريق النهضة يبدأ بكفاح مرير ظروف سيئة لإنتاج شروط إطلاقها، فقائمة الصعاب المتعلقة بقيود الواقع متوقعة، ولذلك عددنا أنها عادية.

الاعتراف بالواقع وعدم الهروب من المشكلة إن أولى مراحل العلاج هي الفحص الدقيق والتشخيص السليم للمشكلة، فتفحص أعراضها الخارجية وأسبابها العميقة، ومن ثم يتم الشروع في علاجها، ولكن حين يرفض المريض فكرة مرضه، ويختار شتى الأعذار حتى لا يواجه استحقاقات المرض، فإن مهارة أي طبيب لن تنجح في إقناعه بأخذ العلاج.

والبعض فعليا لا يعترف بالأزمة العميقة فهو في دفاع مستمر، والبعض يعلم بالأزمة ولكنه يفضل عدم قول الحقيقة، خوفا من ان تتحطم معنوياته وفي نظر هؤلاء الناس ان المجتمع أضعف من ان يتحمل فكرة وجود اختلالات عميقة ولهذا الغرض تم تخليق انواع مختلفة من الاجابات المضللة:

1- عدم الاعتراف بتخلف مجتمعاتنا، ويتبعها سؤال استنكاري: ما تعريف التخلف عندها تعلم أن الواقع الحي في كل القائمة السابقة سيختزل في قضية الإيمان المجرد فذلك هو المحك الوحيد الذي سيراهن عليه، وبما أن ذلك لا يصمد، ولا يحل المشكل فيتم الانتقال مباشرة إلى النقطة الثانية.

2 – وفي النقطة الثانية يتم الادعاء على أنه لوتم النظر إلى هذه المجتمعات بعمق فسيتضح أن مشاكلها كثيرة، فهناك ترتكب الكبائر، والإلحاد له حضور واسع، وهناك أيضا ظاهرة المشردين وظواهر الانتحار، وهم في النهاية مع التقدم الحاصل لديهم غير سعيدين في حياتهم، ويتمنون أن يكونوا مثلنا … وحين لا يستشعر أن ذلك كافيا يواصل للنقطة الثالثة.

3 – وهي نقطة تبدأ بمقولة: لا تنبهر بهم فهؤلاء وحوش استعمروا العالم وأبادوا الهنود الحمر واستعبدوا الأفارقة وسرقوا خيرات العالم، هم في بلادهم ديمقراطيون ولكنهم لا يهتمون بغيرهم، وحسن تهز رأسك متسائلا ينتقل الى النقطة الرابعة.

4 – مقولة الدراسات تثبت أن الغرب في طريقه الى الانهيار، قال فلان… وكتب علان …

فإن رأى أنك لم تستجب كفاية، انطلق قائلا: لقد كنا أحسن منهم بما لا يقارن في الماضي…

أخيرا يضيف مقسما: لو اتبعنا الدين الصحيح لكنا خير أمة أخرجت للناس، ولكننا لا نتبع الدين. فإن قلت له: «لماذا لا نتبع الدين؟». أجابك: لأننا لا نطيق الإسلام الصحيح. فإن سألته لماذا لا نطبق الإسلام الصحيح؟ أجابك: لأننا لسنا مسلمين بحق. فإن قلت: لماذا لسنا مسلمين بحق؟ قال: لأننا لا نطق الإسلام الصحيح! ويتسمر في هذه الدائرة بحماس وإصرار، ولكن بعدم الوعي بأنه يتحرك في الدائرة نفسها.

هكذا يمضي الحوار ويستمر، ويبقى المتقدم متقدما والمتخلف متخلفا في دائرته، فتحسين الكلام لا يغير من الواقع العملي شيئا، ولكنه نوع من التفريج عن الذات لا أكثر ولا أقل، ولكن يبقى السؤال كم ثمن حالات الالتفاف على حالة التخلف في السباق الحضاري، أو تبسيط المسألة في أنها مسألة تعليم ناقص، أو نظام سياسي مستبد، أو غير ذلك من الأعمال السطحية؟

ثمن الهروب من مشكلة مواجهة الذات

حالة الهروب من مواجهة الذات لدى قطاعات كبيرة من المجتمع أدت إلى الشعور بالأمان الزائف، ورفعت حالة الغضب دون أن تضيف معامل الرشد والبصيرة، وتحولت هذه الطاقة إلى فعل في الاتجاه الخاطئ، فعدم معرفة الفجوة التي تفصلنا عن العصر مشكلة كبرى تجد مظاهرها في الاندفاعات غير المحسوبة إلى معارك خاسرة مسبقا، ولدت مآسي لا حصر لها، وعدم الكشف عن الاختلالات الداخلية الدينية والعرقية والطائفية والمذهبية والجهوية والسياسية والاقتصادية انتهى بحروب أهلية داخلية دارت على الهويات، ولم يجن أحد منها إلا الدمار، وانتهى القرن بمليارات مهدرة ودول فاشلة وقرن ضائع.

البحث في الاسباب العميقة للإخفاق

المنهج الاستقرائي يبدأ بالواقع ومعطياته، ومنه يستخرج التعميمات، وبعدها يمكن القيام بعملية الاستنباط والتفسير واتخاذ القرارات.

حين ننظر إلى الصورة العامة للممارسة العقلية عندنا نجد أن نمط الاستنباط سائد، فإن أردنا أن ننظم السياسة ذهبنا إلى نصوص معينة واستخرجنا نظاما دون استقصاء كل النصوص ودون نظر لواقعها في الحياة العملية، وإن أردنا أن نحل مشكلة تاريخية لم نستقرئ الواقع التاريخي بمنهجية تاريخية بل اخترنا موقفا عقديا بعينه ثم حشرنا الواقع فيه، وإن تكلمنا عن الاقتصاد لا ننظر الواقع  وما يدور فيه، بل نذهب ونبحث عن نصوص تكلمنا واقع افتراضي، بينما الحقيقة أن ما نقوم به هو من ضمن  هذا الواقع الحي لا الواقع الافتراضي، فالجدل مع الواقع ضعيف.

وفي دراساتنا التاريخية يتضح حجم الخلل الذي أحدثته غلبة المنهج الاستنباطي على المنهج الاستقرائي، فالنظام السياسي لم يدرس باعتباره أمرا في الواقع، تؤخذ عيناته وطبيعته وآلية اشتغاله من الواقع، ويعطى حلولا من الواقع تقربه من الصلاح.

فالعقلية الاستقرائية تؤمن بالنسبي وبأن التجربة البشرية هي ممارسة في لحظة تاريخية، ووفق معطياتها، وترك القوس مفتوحا للمعلومات الجديدة والتحولات المقبلة وهي عقلية تقوم على التجريب قبل التعميم، وتؤمن بصدق التجربة، فلا تكرر الحلول العقيمة ذاتها المرة بعد المرة، على عكس العقلية الاستنباطية التي تؤمن بأن العالم سيتحول تبعا لمقرراتها، فالدعوى بأن الأمر الفلاني حله كذا، هو حل محتمل حتى تتم تجربته، فإن لم يعط النتائج المرجوة منه أو أدى إلى أضرار أكبر من الفائدة، أعيد النظر فيه، وتمت تجربة غيره، هكذا يتقدم العالم، فعالم التجربة ليس مقصورا على المختبرات البحثية، بل هو حياة بذاتها، فيها الجانب النظري، وفيها اختبار النظرية، وفيها إعمال الحلول، وفيها مراجعة الحلول وفق معطيات الواقع.

إن ميزان إعطاء الواقع حقه وثقله وإعطاء التغيير مكانه في العقل عندنا، هو درجة حضور البحوث المتعلقة بالواقع في مقابل البحوث النظرية الصرفة المعزولة عن الواقع، بحيث تصبح نتائج تلك البحوث هي مقدمات التفكير، وبعدها تتم بقية العمليات (فالحكم على الشيء فرع من تصوره).

ان علاقتنا بالزمن مريضة وغير سوية ولا يقظة الا بمعيار استثمار الزمن والايمان بان الغد الافضل مقبل وهو نتيجة عمل وتخطيط وحركة تستبق الزمن وتنظر الى المستقبل وتعمل له من نقطة الحاضر.

إن النظرة إلى الإنسان ومكانته الوجودية وما يستحقه من تكريم مادي ومعنوي، بغض النظر عن لونه وعرقه وجنسه، أساس وجوهر التقدم، فالحرية والعدالة والمعاملة في أرقى معانيها لا تتم في أي مجتمع إلا بإصلاح النظرة إلى الانسان، فالكرامة الوجودية للإنسان تتجلى في كل صغيرة زكبيرة من سلوك إنسان المجتمع وقراراته، سواء أكان هذا الفرد شخصا عاديا في المجتمع أم في قمة هرم المجتمع.

حين ننظر إلى المجتمعات فنرى امتهان المرأة وسوء معاملة الأطفال، وسوء معاملة العاملين والعاملات في اماكن العمل، وسوء معاملة أهل البلاد لغيرهم، وسوء معاملة أجهزة الدولة للمواطنين، وسوء معاملة الحاكم للمحكومين، وسوء معاملة أصحاب الأديان لغيرهم، في كل ذلك نشهد تشوها في النظرة إلى الإنسان جذرية ومدمرة.

النخب صانعة القرار اما ان تتبنى سياسات عادلة، فيشعر الجميع بالإنصاف أو أن تخلق أفضليات تقود إلى الاختلاف والتشاكس، والانتقال من النخب المتشاكسة إلى النخب المتوافقة.

فالنخب هي نقطة ارتكاز أي مشروع لوطن، وبدونها تصبح بقية الأحلام سرابا، وهذه النخب إما أن تكون جزءا من مغذيات نظام التوافق أو جزءا من نظام الانقسام والضعف.

الخروج من النفق:

هو ابن وعي جديد بما حدث في الماضي، والاتفاق على مستقبل مختلف بين أطراف الوطن الواحد، فالماضي بدون تفكيك مفرداته كما حدث في جنوب إفريقيا عبر «المصارحة والمصالحة»، أو ما حدث في البرازيل عبر «العفو المتبادل»، أو ما حدث في رواندا وسمي «العدالة التشاركية»، وترجيح المستقبل على الماضي عبر وعي بالمصالح الكبرى، وقيادات تتسامى على الصغائر كما حدث في الهند وغيرها.

تغيرات كبرى لم يتم استيعابها

إن رؤية العالم المعاصر وفهمه ليست مسألة يسيرة؛ لأنها من الاطلاع على التحولات الكونية في الشرق والغرب، فهي التي أنتجت الواقع المعاصر المركب، الذي حكم ولا يزال يحكم فضاءنا سواء أحببنا أو كرهنا، ومن هنا تتولد حاجة ماسة لفهم تحولات العصر الكبرى، وهو أمر يستدعي معرفة أمور عدة؛ مثل: معرفة مسار الفلسفة الغربية، وروح الديانات العامة والشرقية، كما لا تستغني عن فهم الجيوبوليتيك، والاقتصاد العالمي، ومعرفة تاريخ التطورات الاجتماعية الكونية، فنحن محاصرون بكل تلك التطورات التي شكلت وما زالت تعيد تشكيل العالم، والإبحار في هذا العالم يحتاج من القادة الإلمام الواسع بجوانب مركبة من المعرفة وليس هنا مجال لبسط كل ذلك، ولكن سلسلة إعداد قادة النهضة هي أحد سبل الإلمام بما يضر الجهل به من المعرفة، فيمكن أن تكون المدخل الأول لتلك المقاربات الأشمل.

تحول المفاهيم إلى ممارسات مقننة:

لم يعد سباق العالم في معرفة القيم، فالكل بات يعرفها ولكن أصبح الفارق بين أمة وأخرى هو تطور القيم إلى مرحلة التطبيق والالتزام بها، وتحقيق ذلك يتطلب القيام بعملية متكاملة مكونة من عدة خطوات ومراحل؛ ففي

الخطوة الأولى لا بد أن تعبر القيم من حالتها المجردة في الذهن إلى التحليل المضموني الفلسفي، ومن ثم إلى الشيوع وتبنيها كمبدأ، وبعد ذلك لا بد من تحويلها إلى إجراءات دقيقة في الواقع، وبالتالي حمايتها من الاختراق إلى أن تصبح أمرا تلقائيا في المجتمع. هكذا تطورت المجتمعات

من المقولات النظرية للقيم إلى تحولات عميقة جعلت كلا من القيم الكبرى سلوكيات ظاهرة في الحياة تعمل لصالح المجتمع، فقيم مثل الإبداع والإتقان والمثابرة والجودة والنظام واحترام الوقت والعمل في فريق… أصبحت علامات مميزة لشعوب بعينها، فالتنافس اليوم في تطبيق القيم وليس في تعدادها.

عالم اليوم عالم معقد والعبور منه يحتاج إلى الوعي به، وبنظامه، ومجالات اشتغاله، والبراعة في كل ذلك، والعمل في كل هذه المجالات يحتاج إلى دول ومجتمعات حية؛ إذ ليس هناك خلاص فردي أو بأعمال مرتجلة تقصر المسافات كما يتوقع البعض، وإنما دول العالم الحي تتنافس في ترتيب أوراقها لتعبر إلى عصر التقنية والمشاركة الفاعلة في المجتمع الدولي.

الشعور بالإمكان مفاتيح الأمل وهدم جدار اليأس

يستشعر الشباب في كل مكان حالة اليأس من إمكانية حدوث التغيير إلى الأحسن، خاصة وهم يرون ضخامة المهمة الملقاة على عاتقهم، فكيف يمكن التقدم في مثل هذه الظروف المعقدة؟

هنا نحتاج إلى فهم وبيان اسباب اليأس الذي هو سجن معنوي وعقلي كبير للشعوب والمجتمعات. وحتى نتمكن من تحرير عقول وقلوب مجتمعاتنا من هذا السجن الكبير فلا بد من هدم جدران اليأس، ان معرفة اسباب المشكلة هو نصف الحل وهذه المعرفة لا تتم الا التزود بالمعارف الانسانية والتجارب البشرية عبر التاريخ واهم علم في هذا الباب هو.

علم الاجتماع حيث يعطينا هذا العلم درسا عظيما قد مرت به كل المجتمعات البشرية عبر تاريخها، ويكمن هذا الدرس في غربة الأفكار التي لا تبلغها معارف العصر في حينها فكل فكرة جديدة كانت وما زالت على الأقل في مجتمعاتنا تتلقى بالاستهجان، فالناس ينكرون الأشياء بفعل معارف الزمان، وليس بحكم ممكنات الإنسان، وهذا مطرد في حركة الأمم، فما يبدو مستحيلا ومحرما في فهم لحظة ما، يصبح هو عين الممكن ومن المتطلبات الأساسية للحياة في فهم لحظة أخرى.

علم التاريخ ودراسة التجارب التاريخية تعيننا على فهم تلك الظاهرة التي سنطلق عليها «قانون المعطيات الصفرية»، وهي ظاهرة تقول: إن أوضاع مجتمعات ما قبل التحول لم تكن تومي بالنتائج التي تحققت فيها.

وهذا القانون من أهم القوانين التي تعمل على إزالة حالة اليأس فهذا القانون هو قاعدة انطلاق المرحلة القادمة مرحلة اليقظة والإدراك والعمل المثمر الحكيم، فهو قانون يزيل اليأس ويعطي الأمل في بناء ونهضة الأمة وحتى نفهم هذا القانون أو هذه الظاهرة سنختار نماذج نبين بهما المراد بها.

التجربة ألمانيا واليابانية بعد الانهيار التام في الحرب العالمية الثانية:

ألمانيا تم تقسيمها وإنشاء سور برلين من قبل دول الحلفاء المنتصرين فهي آنذاك تخضع لقانون المعطيات الصفرية فخاضت معركة الوعي والنهضة مرة أخري من الصفر إلى التقدم العلمي والاقتصادي والتقني ثم هدم معوقات التقدم الاجتماعي بهدم سور برلين وتوحيد ألمانيا مرة أخرى، وها هي ألمانيا في مقدمة الدول ومصاف الدول الأولى في العالم في مجال التعليم والبحث العلمي والتقنية الحديثة، كذلك اليابان نهجت نفس المنهج بعدما خرجت من إلقاء القنبلة الذرية عليها صفراً وتهجيراً لسكانها وتشويه الباقين في الخلقة وبلا موارد مادية استطاعت أن تكون اليابان وحدث ولا حرج عن تجربة اليابان التي حذا حذوها كل من ماليزيا والصين وهونج كونج وكوريا وغيرها من النمور الأسيوية الخمسة ثم الهند ذات الديانات المتعددة والأعراق المختلفة.

إذاً قانون المعطيات الصفرية يزيل اليأس ويبعث الأمل والتجارب التي تحققت من قبل هي مشاريع قائمة يمكن تحققها مرة أخري لدينا بشروط استنفار الهمم واستنفاذ الجهد والأخذ بالأسباب والأخذ بسنن وقوانين قيام الأمم وتقدمها والفهم المبني على الرؤية الواضحة والأهداف الإنمائية والتخطيط الاستراتيجي والعمل المثمر الحكيم الذي لا يألو جهداً ويهدر طاقة.

التجربة الصينية والمعطيات الصفرية.

في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كانت الصين تشهد انحطاطا عظيما ومشاكل جمة، فالبلاد خاضعة لهيمنة بريطانيا وأيرلندا وإيطاليا، فيما سمي بالمعاهدات غير المتكافئة، وبريطانيا شنت على الصين حرب الأفيون سنة 1840م، وخلفت 100000 مدمن؛ أي ربع سكان الصين آنذاك، وكانت نسبة نمو السكان تتفوق على إجمالي الناتج القومي، أما نسبة الأمية فكانت 80 %، ومعظم السكان أهل الأرياف ويعملون بالزراعة، وشباب الريف تعاني نسبة تبلغ 30 % منهم من العمى في مرحلة مبكرة من العمر نتيجة الرمد الحبيبي المنتشر في الريف، وكانت الأوبئة والمجاعات والفيضانات تجتاح الصين بانتظام، واحتلت اليابان الصين 1895م، ثم قامت الحرب بين الشيوعيين والكومنتانغ 1927، ولم تحسم إلا عام 1950 لصالح الشيوعيين، هذه هي معطيات الصين حين بدأت، فمن يصدق أنها اليوم الأمة المرشحة لتكون الأولى في العالم.

فقطار الفرص يسير بين مختلف الأمم، ولكن من لم يكن على الرصيف المناسب ومعه تذكرة القطار، لن يستطيع الركوب، فالأمم التي تستعد وتقوم بما يجب عليها تكون جاهزة لركوب أول قطار واصل لتقلع به، أما من لا يستعد ففوات القطار وحسرة البقاء والناس ترتحل تصحبه طول العمر ذلك منطق بسيط، فمن يستعد بالعمل الجاد فرصته للتقدم تفوق غيره.

فالأزمات المعاصرة هي انعكاس لأزمة المعرفة الإنسانية وأزمة المعرفة الإنسانية هي انعكاس لكيفية فهمنا للقوانين المحركة للحياة والكون.

أما في مجال التطبيق فهي تخضع لمرجعية الوعي الفردي الحاكم للتفكير والتقدير إما أن تكون مرجعتيه للمعرفة النسبية البشرية وأما تكون مرجعتيه للمعرفة المطلقة الإلهية وقد تكون مختلطة بين الإثنين وهو ما يعني اضطراب في الوعي القيمي

فكل مراحل العبور هي مراحل مهمة وخطيرة، وهي تحتاج لقيادات واعية بمطالب العصر وعارفة بتحدياته، ولم تعد العقلية الأحادية الثقافية والمسطحة والمنغلقة على الأيديولوجيا، تصلح لقيادة المرحلة ولذلك فصناعة القادة من أصعب المهام المطلوبة للمرحلة

وسأعرف قادة مرحلة اليقظة بشكل مختلف عن التعريف التقليدي للقيادة، فالتعريف التقليدي للقيادة هو القدرة على إقناع الأفراد بالهدف وتحفيزهم وتوجيههم إليه باستمرار إلى حين إنجاز المهمة، فهو الوصول إلى النتيجة بتوجيه جهود الآخرين، فالقيادة في مرحلة اليقظة يمكن اختصارها في تصورنا بأنها «قيادة الذات بتخليصها من مناهج التفكير العقيمة ومن التردد، وتزويدها بإطار فكري قابل للتطور باستمرار مع مهارات قيادة الآخرين اتجاه الهدف» فهي اذن عملية تخلي عن العقلية العقيمة الى عقلية قابلة للتطور باستمرار.

ان الايمان بالغد الافضل هو نتيجة عمل وتخطيط وحركة تستبق الزمن وتنظر الى المستقبل وتعمل له من نقطة الحاضر.

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى