الدراسات البحثيةالمتخصصةالنظم السياسي

العلاقات المصرية – التركية 2014 – 2023 : المحددات والأبعاد

اعداد: مايسة خليل حسن – باحثة دكتوراة في فلسفة العلوم السياسية_ مصر.

  • المركز الديمقراطي العربي

 

المقدمة :

تشهد العلاقات المصرية التركية منذ آواخر عام 2022 تطوراً ملحوظاً نحو جدية الطرفين في إعادة تطبيع العلاقات بينهما, وذلك عقب اللقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب إردوغان على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم بقطر, بشكل غير متوقع, بعد التدهور الذي لازم العلاقات المصرية التركية  الذي بدأ عقب الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي عام 2013 ممثل جماعة الإخوان المسلمين التي كانت مدعومة من قبل الجانب التركي، وما وفرته تركيا بعد ذلك من دعم كامل للعديد من قيادات تنظيم الإخوان الهاربة إليها، في الوقت الذي صنف النظام المصري تنظيم الإخوان بأنه تنظيماً إرهابياً, بالإضافة إلى انطلاق العديد من القنوات التلفزيونية  والمنصات الاعلامية المعادية للنظام المصري بشكل صريح من داخل الأراضي التركية، إلا أن تركيا فرضت في الفترة الأخيرة بعض الضوابط على الإعلاميين المحسوبين على تنظيم الإخوان بشأن وقف التحريض ضد مصر، واعتقلت بعضهم بسبب مخالفة تلك الضوابط, وهو ما اعتبره النظام المصري بادرة استجابة من النظام التركي نحو الجدية في تطبيع العلاقات بينهما.

وبالرغم من وجود هذا التفاؤل الظاهري الذي يعكس  بعضاَ من التحسن في ملف إعادة تطبيع العلاقات التركية المصرية، إلا أن ذلك يتطلب الجدية التامة والمرونة التي تناسب طبيعة ظروف كلا البلدين، فضلاً عن تلبية المطالب المصرية التي كان كان ضمن شروطها لعودة العلاقات إلى مستواها الطبيعي, أن تتوقف الممارسات التركية في الإقليم الذي تتوغل فيه عسكرياً، خاصة في سوريا والعراق وليبيا، وهو ما لم يتحقق حتى الآن, بالإضافة تطويع الخلافات القائمة لتحقيق ذلك, ومما لا شك فيه، ان  دوافع تطور العلاقات التركية-المصرية في الفترة القادمة  سيظل محكوماً بمجموعة من المسارات التي تتفاعل فيما بينها، لكي تحقق طموح الطرفين المصري والتركي على الساحتين الإقليمية والدولية.

الإشكالية البحثية.

يسعى كلا النظامين السياسيين التركي والمصري إلى إعادة تطبيع العلاقات بينهما بصورة جدية في الشهور الأخيرة, نتيجة جملة من الدوافع التي تدفع باتجاه التطبيع,  أملاً في تجاوز المسارات المتداخلة التي تتسم تفاعلاتها بالصراع والتنافس الإقليمي, مما يستدعي قراءة علمية لمستجدات الرغبة الفعلية لدى مصر وتركيا, ومدى واقعية تطويع المسارات الحاكمة لتلك العلاقات ونتائجها على مستوى القضايا المحورية, مما يخلق تحدياً أو حافزاً على الجانب الآخر نحو عودة العلاقات المصرية التركية.

ويمكن من خلال تلك القراءة صياغة الإشكالية البحثية من خلال التساؤل الرئيس التالي:

  • ما هي دوافع إعادة تطبيع العلاقات المصرية التركية؟ وكيف يمكن أن تنعكس تلك الدوافع على طبيعة التفاعلات بين مسارات إعادة التطبيع؟

وللإجابة على التساؤل الرئيس تتفرع منه الأسئلة التالية:

  • أولاً: ما هي المحددات والأبعاد الحاكمة للعلاقات المصرية التركية منذ 2014حتى 2023؟
  • ثانياً: ما دوافع إعادة تطبيع العلاقات المصرية التركية,  والتي ساهمت في طلب تركيا التقارب من مصر منذ 2021؟
  • ثالثاً:  ما طبيعة المسارات الحاكمة لإعادة تطبيع العلاقات المصرية التركية تبعاً للدوافع الواقعية؟ وإلى أي مدى يمكن تطويع تلك المسارات من أجل تحقيق مصلحة الطرفين؟

أهمية الدراسة.

تكمن أهمية موضوع الدراسة كونه أحد أهم معطيات القراءة العلمية لمستجدات الوضع  في منطقة الشرق الأوسط, وانعكاسات ذلك على تحقيق نوع من التوازن بين القوى المتنافسة على النفوذ الإقليمي كمصر وتركيا, مما يخلق رؤية مساعدة في حل العديد من القضايا المصيرية لشعوب المنطقة خاصة المنطقة العربية, التي تلتهب بها الأحداث منذ 2011.

أهداف الدراسة.

تهدف الدراسة إلى:

  • قراءة واقع العلاقات المصرية التركية من منظور المحددات والأبعاد التي تحكم تلك العلاقات منذ 2014.
  • بحث دوافع إعادة صياغة العلاقات المصرية التركية, وطبيعة التفاعلات فيما بينها.
  • دراسة انعكاسات التداخل بين مسارات عودة العلاقات المصرية التركية, ومآلات ذلك على المواقف المتأزمة بينهما.

منهج الدراسة.

يستلزم اتباع المناهج العلمية التالية للإجابة على التساؤل الرئيسي للدراسة من أجل الوصول إلى قراءة علمية بعيدة عن الشعارات والانسياق وراء التوجيه الإعلامي, وهي:

  1. المنهج الواقعي.

تعد الواقعية  بحسب الاستاذ الدكتور اسماعيل مقلد أكثر النظريات اتصالاً بالواقع الدولي, والتي تعبر عن أوضاعه بصورة علمية, من خلال الارتكاز على دعامتي التحليل في النظرية الواقعية لهانز مورجانثو مؤسس الواقعية وهما فكرة المصلحة وفكرة القوة, باعتبار ان القوة السياسية Power Political التي تعنيها هذه النظرية الواقعية هي مدى التأثير النسبي الذي يرادف العنف بأشكاله المادية وتمارسه الدول في علاقاتها المتبادلة، وهي بذلك ال يمكن أن تكون أكبر من ذلك بكثير، فهي النتاج النهائي – في لحظة ما – لعدد كبير من القوى المادية والعسكرية، وإنما هي أوسع نطاقا من المتغيرات المادية وغير المادية، والتي يحددها نتائج التفاعل التي يتم بين هذه العناصر والمكونات  في النهاية حجم قوة الدولة، وبحسب هذا الحجم تتحدد إمكانياتها في التأثير السياسي في مواجهة غيرها من الدول، ومن هنا تنظر النظرية الواقعية إلى العلاقات الدولية على أنها صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تمليها مصالحها واستراتيجياتها؛ بغض النظر عن الآثار التي تتركها في مصالح الدول الأخرى.([1])

تقسيم الدراسة: تنطلق الدراسة من خلال المحاور التالية:

أولاً: العلاقات المصرية التركية منذ 2014 حتى 2023: المحددات والأبعاد.

ثانياً: دوافع إعادة تطبيع العلاقات المصرية التركية.

ثالثاً: مسارات إعادة تطبيع العلاقات المصرية التركية: التفاعلات والنتائج.

أولاً: العلاقات المصرية التركية منذ 2014 حتى 2023: المحددات والأبعاد.

لا شك أن التغييرات التي  شكلتها أحداث الثورات العربية  ضد النظم السياسية السلطوية عام 2011 , أحدثت علامة فارقة في سياسة تركيا الخارجية انطلاقاً من رؤيتها التوسعية تجاه منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة, ومصر بصفة خاصة, حيث استغلت تركيا  المشاكل الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تفاقمت بعد تلك الثورات في منطقة كانت بمثابة صخرة صماء تجاه أي تغييرات سياسية; لتعزيز دورها وتوسيع نفوذها الإقليمي, حيث أعلنت تركيا دعمها الكامل والصريح عند صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، بالرغم من مساندتها السابقة لنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك, لكنها ترجمت دعمها الغير مسبوق لجماعة الإخوان في مصر معتبرة هذا الصعود هو “الانتقال الجديد لمصر إلى الديمقراطية”.

وكنتيجة للإطاحة بنظام الإخوان الذي ساندته تركيا نظرياً وعملياً, تدهورت العلاقات المصرية التركية بصورة حادة منذ الثورة الشعبية ضد حكم الإخوان في الثلاثين من يونيو 2013 التي ساندها الجيش المصري, وتمثل ذلك التدهور من خلال عدد من المعطيات التي ساهمت في تصاعد حدة هذا التدهور.

يتناول هذا المحور جزئين متوازيين تنطلق منهما العلاقات التركية المصرية هما:

  1. محددات العلاقات التركية المصرية.
  2. أبعاد العلاقات التركية المصرية.

 

  1. محددات العلاقات التركية المصرية.

تتحكم عدد من المحددات الرئيسية في العلاقات التركية المصرية التي ترتكز عليها تلك العلاقات ويتمحور حولها مجريات التفاعلات القائمة بين البلدين, وهي محددات جيوسياسية( تركية_ مصرية), محددات ثقافية, محددات تاريخية, حيث تذهب الجيوسياسية إلى دراسة الدولة في محيطها الحيوي والسياسي، عبر مداخل عدة منها: التاريخية، والإقليمية، والوظيفية،  وعلوم الاجتماع والإنسان الاجتماعي(الإنتروبولوجيا) بحيث تتضمن مجموعة من المفاهيم التي تحدد شكل وجود الدولة السياسي وحدود علاقاتها في محيطها الحيوي، وآليات تشكيل تحالفاتها والبحث عن توفير مواردها وأسواقها وكيفية تأمينها، وذلك بصورة تتجاوز حدود الطبيعية التي تحددها مفاهيم الجغرافية السياسية ضمنيا إلى حدودها السياسية المتوسعة أيضا؛ وبالضرورة وضع خططها الإستراتيجية والدفاعية في هذا السياق, فالجيوسياسية كعلم ينطلق من الحيز الجغرافي الثابت، لكنها تتعمق في العوامل السياسية التي تعد بدورها غير ثابتة، في تفسيرها لترتيبات القوة والنفوذ والسيطرة، على أساس أن السياسة تتغير طبقاً لتغير أشكال العلاقات القائمة بين الدول، فتتغير معها الخريطة الجغرافية إلى خريطة حيوية.[2]

  • المحدد الجيوسياسي.

تحتل تركيا موقعًا جغرافيًا قويًا من حيث التأثير الإقليمي؛ الذي ساعدها تاريخياً في توسعها كإمبراطورية عثمانية, إنها الدولة الأوروبية الآسيوية السائدة، وتتمتع تركيا بمقومات جغرافية منحتها مكانة جيواستراتيجية هامة: فتوسطها لقارات العالم القديم وامتداد أراضيها بين آسيا (97) (%وأوروبا (3 %) ووقوعها في قلب أوراسيا بالإضافة إلى حدود مشتركة مع 8 دول، كما منحها بجانب ذلك إمكانيات كبيرة في حرية اختيار السياسات والتحالفات، ويزيد من أهميتها شوطئها الممتدة على ثلاثة بحار استراتيجية هي (البحر الأسود في الشمال والأبيض في الجنوب وبحرإيجة في الغرب)، ولعل أكبر مميزات الموقع الجغرافي لتركيا وجود اثنين من أكبر مضائق العالم أهمية ضمن أراضيها؛ وهما مضيق البوسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة ، ومضيق الدردنيل الرابط بين بحر مرمرة والبحر المتوسط على بحر إيجة, وتحتل تركيا مكاناً فريداً في منطقة الشرق الأوسط، لأنها جزء مهم من الأخيرة، جغرافياً وتاريخياً وثقافياً، ولا يمكن فصله عنها، وتتمتع بمعطيات جيوسياسية وجيواقتصادية، استطاع صناع القرار السياسي استغلالها وبالتالي تحويل تركيا إلى لاعب إقليمي قوي، وعامل توازن جيوسياسي في الشرق الأوسط, كما تحتل تركيا موقعاً مركزياً في نقل موارد الطاقة من الشرق الأوسط إلى الأسواق الأوربية، مما عزز من وضعيتها الإستراتيجية في المنطقة, هذا وتعد تركيا نموذجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في الشرق الأوسط، من خلال “قوتها الناعمة” التي استطاعت تجسيدها عبر التفاعلات الاقتصادية وممارسة ادوار الوساطة في جوارها الجغرافي, مما يجعله مؤثرًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافياً، مع إمكانية العمل كالبادئ في التنمية، ومركز للسلام الإقليمي.[3]

اتخذت تركيا من انطلاقاً من وضعها الجيوسياسي خلال الثورات العربية مرتكزاً انطلقت منه على محور النضال الشعبي الذي أثر بشكل أساسي في رؤية السياسة الخارجية لتركيا ودوافعها, ففي المرحلة الأولى من الثورات العربية كانت تركيا حريصة على قيادة التحول الإقليمي الجديد، حيث وضعت نفسها على أنها أحد أهم اللاعبين الذين يمكن أن يشكلوا السياسة الإقليمية؛ وفي المرحلة التالية عقب تراجع صعود الإسلاميين، كان عليها أن تتعامل مع صعوبات السياسة الخارجية الإستراتيجية والتكتيكية؛ بسبب نقص القدرة المالية لتحقيق أهدافها والطابع الداخلي للسياسة الإقليمية, وهدفت تركيا إلى أن تكون جهة فاعلة تدير عملية التحول في بداية الثورات العربية,  ومع ذلك، لم تنجح هذه الفترة حيث تحولت التطورات في مصر وسوريا إلى أزمة أعمق واضطرت إلى تبني سياسة من شأنها حماية أمنها القومي, في هذه الفترة، هيمن البعد الجيوسياسي التركي المهيمنة على خطاب المقاومة والبقاء على المستوى الوطني والإقليمي.

ثم تسببت محاولة الانقلاب في تركيا منذ 2016 واحدة من أكثر التحولات الجذرية في السياسة الخارجية في ظل إدارة حزب العدالة والتنمية، وفي هذه الفترة كانت العمليات العسكرية التركية في سوريا قائمة، خاصة على الحدود السورية، لمنع التهديدات الأمنية من داعش ووحدات حماية الشعب وذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا، كما حاولت تركيا منع محاولة الانقلاب ضد النظام القطري حليفها الأكبر في المنطقة, كما توغلت في الشأن الليبي, وأيضاً كان هناك دعم تركيا العسكري لأذربيجان خلال حرب كاراباخ بالإضافة إلى دور تركيا في حرب أوكرانيا وهذه كلها من بين السمات المميزة للسياسة الخارجية التي تحولت تحت قيادة أردوغان وتسببت في مراجعة جديدة في التوجه الجيوسياسي للنظام التركي.[4]

كما لا يمكن إغفال انعكاسات أزمة العلاقات التركية الأمريكية؛ بسبب التقارب السريع بين تركيا وروسيا (بما في ذلك شراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس-400) واتجاه أنقرة وواشنطن نحو اتجاهين مختلفين في سوريا, ونتيجة لذلك، اهتزت السياسة الخارجية التركية الجديدة في فترة ما بعد الثورات العربية بشكل أساسي بفعل الأزمة السورية ووضعت على أساس محور أمني التوجه عسكري التنفيذ.[5]

مما سبق يمكن استخلاص السعى التركي لتعزيز نفوذها في المنطقة العربية من واقع تميز موقعها الجيوسياسي, عبر تحالفاتها مع أحزاب الإسلام السياسي، مثل الإخوان المسلمين في مصر, حيث قدمت تركيا الدعم لجماعات مثل الإخوان على حساب مفهوم الدولة القومية، خاصة وأن هذه الجماعات تشعر بالتهميش والظلم من قبل النظمة السياسية التي تعيش تحت لوائها،  واعتبرت الجماعات الإسلامية النظام التركي هو الحاضن لتجربة صعودها السياسي في المنطقة, وهذا يمس بأمن وسيادة الدول ويؤدي إلى تفككها كما حدث في سوريا وليبيا, إذ تحولت الثورة إلى حرب، ودخلت الجماعات الإسلامية في الصراع بحيث باتت تسيطر فعلا على أغلب الأراضي في مناطق المعارضة السورية والليبية، التي تمثل أحد أبعاد الأمن القومي لمصر.

يلعب المحدد الجيوسياسي المصري الفريد من نوعه دوراً مركزياً في عالم السياسة, حيث تقع مصر في شمال إفريقيا، مصب نهر النيل, وتتمركز في القلب من الأوساط الأفريقية والعربية والإسلامية, مما يفرض عليها علاقات دبلوماسية مرضية مع كل دول العالم، للحفاظ على عمقها الجيوسياسي, لكن تطورات العلاقات المصرية التركية اتخذت منحى مغايراً, متجهاً نحو التصعيد بين الجانبين.

كانت قد توقفت العلاقات التركية المصرية عقب الإطاحة بالرئيس مرسي ممثل الإخوان المسلمين في الرئاسة  في يوليو 2013، ومع شعبية المجلس الأعلى للقوات المسلحة “SCAF”, طالبت الحشود المصرية التي خرجت تندد بحكم الإخوان المدعوم من تركيا, ساندت القوات المسلحة المصرية تلك المطالبات بعزل الرئيس المصري, مما أشعل  حرب التصريحات من الجانب التركي, وعلى حد وصف أردوغان على الفور واصفاً الإطاحة بمرسي, بأنه خروج على الديمقراطية, كما ذكر الرئيس التركي أردوغان بأن الحكومة “لا يمكن أن تقبل نظام قام بانقلاب عسكري”.

ثم تأزمت العلاقات المصرية التركية في الأشهر التي أعقبت عزل مرسي, وفي تطور لاحق يثبت وجود تدهور تاريخي في العلاقات الثنائية, اتخذت الحكومة التركية موقفًا حازمًا ضد ما أطلقت عيه تركيا بالانقلاب العسكري في مصر في 3 يوليو 2013، إلى الحد الذي طلبت فيه تركيا من مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات على النظام السياسي المصري في أغسطس من نفس العام بسبب فض اعتصام المؤيدين للرئيس المصري المعزول, ولم يتجاهل النظام السياسي في مصر رد الفعل التركي، وعليه، قامت مصر بطرد السفير التركي من القاهرة، وتم تخفيض مستوى العلاقات إلى مستوى القائم بالأعمال منذ 23 (نوفمبر) 2013, فيما بعد تحولت العلاقة بين البلدين إلى حرب باردة شارك فيها كلا البلدين, واتخذت اتجاهات متعارضة في جميع القضايا الإقليمية ، سواء في سوريا وليبيا وحصار قطر، أو تنافسهم على النفوذ في شرق البحر الأبيض المتوسط  ​​والقضية الفلسطينية.[6] حيث كان ينظر النظام السياسي في تركيا إلى الإطاحة بمرسي في تركيا على أنها انعكاس لانقلابات تركيا السابقة؛ وفي مصر اعتبر الرد التركي دعم قوي لحكم إسلامي مختلف كثيرًا من النموذج العلماني لتركيا.[7]

وانطلقت مصر منذ 2014 في مواجهة تنظيم الإخوان المسلمين على المستويات المحلية والإقليمية, واعتبر النظام السياسي في مصر الإخوان بمثابة التهديد الرئيسي على الصعيدين المحلي والإقليمي وبالتالي عملت مصر على مرتكز أساسي من خلال إضعاف فرص الأحزاب الإسلامية في المنطقة ، وخاصة في ليبيا ، وتونس ، وسوريا ، واليمن ، وفلسطين ، باعتبارهم شبكة واحدة عابرة للحدود, مما شكل التزام على مصر في صياغة أحد المكونات الرئيسية للتحالف بين القاهرة والعديد من الفاعلين الإقليميين، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأطراف دولية مثل فرنسا وجماعات الضغط  في أوروبا والولايات المتحدة.

ب_المحدد الإقليمي.

تبرز مصر كواحدة من أبرز اللاعبين الإقليميين في الحفاظ على الدولة بمفهومها الراسخ، حيث ينبع دفاع مصر عن مبدأ سيادة الدولة من رغبتها في فرض الاستقرار على المنطقة ومواجهة حركات التغيير التي هددت الأنظمة العربية منذ الثورة التونسية, إيماناً بأن دفاعها من خلال مفهوم الدولة وحدودها هو السبيل الوحيد لمواجهة الثورات التي يعتبرها النظام المصري، لا يمكن أن تستمر دون تدخلات خارجية لدعم التغيير أو ممارسة الضغط على الأنظمة القائمة.[8]

لا يمكن إنكار الدور التاريخي لمصر كإطار حاكم للمحدد الإقليمي المصري في العلاقات الخارجية عموماً، حتى في سنوات الذبول من حكم مبارك, كان هناك اتجاه عام قوي حول مركزية مصر في المنطقة,  ومن ثم، يتوقع كل من النخب الحاكمة وعامة الناس, ان يستمر سعي مصر لقيادة المنطقة,  ومع ذلك فإن هذا الرأي يتجاهل التحول الكبير في ميزان  بعض القوى الإقليمية التي تتنافس غلى الريادة في المنطقة بعد صعود دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات بسبب الثروة النفطية والتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة, كما أنه يتجاهل التأثير المتزايد للقوى الإقليمية الأخرى، مثل تركيا وإيران وإسرائيل، على أساس اقتصادي وعسكري وتكنولوجي, وامتلاك البنى التحتية التي  كانت تفوق بكثير مصر في الفترة ما قبل الطفرة الهائلة التي ثبتت فيها مصر أقدامها منذ 2014, بشكل عام، لا يزال وضع مصر كقوة إقليمية من أكبر المحددات التي تستند على رؤية شاملة لامتلاك مصر الموقع الاستراتيجي، الديموغرافي الذي يحسب له وزنه، والتاريخ الحديث كقائد تاريخي للعمل العربي المشترك, كما أن مصر لديها أيضا أكبر قوة عسكرية عربية وسلك دبلوماسي متمرس,  بالإضافة إلى ذلك،  فإن مصر نجحت في موازنة علاقاتها مع القوى الكبرى، ولم تستند على اتجاه مركزي واحد منذ 2014, مما ساهم كثيراً في ترسيخ الدور المصري وعودته إلى ريادته في منطقة تتصارع فيها القوى الإقليمية والدولية.[9]

كانت سياسة تركيا في الشرق الأوسط  خلال العقدين الماضيين تتطور نحو المزيد من النشاط منذ 2008،  حيث ركزت تركيا طاقاتها على الشرق الأوسط, مما أدى هذه السياسة إلى بروز بعض الانتقادات في الداخل والخارج بأن الحكومة التركية تعيد توجيه سياساتها الخارجية تجاه هذه المنطقة, على وجه الخصوص، أدى التصور القائل بأنه في السنوات القليلة الماضية كان هناك تركيز أقل على تطوير علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي مما أدى إلى تفاقم هذه المخاوف, ومع ذلك، فإن مثل هذه الانتقادات لم تمنع الحكومة  التركية من الانخراط بشكل متزايد في قضايا الشرق الأوسط الأمر الذي تصادم مع توجهات مصر نحو الإقليم.[10]

كما تستند تركيا في توجهها الإقليمي على نظرية “العمق الاستراتيجي”, التي تنطلق من تصور جغرافي يضع حداً لما يسمى اغتراب الأتراك بالنسبة الدول المجاورة، بحيث تتم الإشارة إلى التصورات النمطية عن هذه البلدان بطريقة ما, وهذا لا يشكل عقبة أمام إعادة تموضع تركيا في الشرق الأوسط، كما يؤدي إلى إعادة صياغة العلاقة بين دول الجوار التركي، بحيث يستند التصور على حقيقة  أن تقوم السياسة الخارجية التركية على اعتبارات الأمن الداخلي التي رأتها في الدول المجاورة كمصادر للتهديدات، وليس الفرص، تم التخلي عنها, كما يوضحها “أحمد داوود أوغلو” في كتابه الشهير (العمق الاستراتيجي) على أن تقف تركيا على نفس المسافة من جميع الدول وجميع الجهات الفاعلة، وأن تتجنب الدخول في ذلك أي تحالفات أو محاور إقليمية ، بحيث تبقى دائمًا على مسافة واحدة من جميع الأطراف ، ويساهم فيها طمأنة مخاوف اللاعبين الإقليميين والدوليين بشأن السياسات التركية, وتتبنى النظرية الأفكار التالية:[11]

  • تحقيق التوازن بين الحرية والأمن من خلال ضمان الحرية وتحقيقها مواطن تركي دون ما يترتب على ذلك من تهديدات لأمن تركيا.
  • أن تنشط تركيا في جميع المناطق التي تعتبر نفسها منتمية إليها ، وليس في منطقة واحدة التي تنتمي إليها.
  • تبني سياسات سلام استباقية ، وهي استراتيجية استباقية لحل المشكلات قبل أن تتفاقم.
  • تحقيق مبدأ (صفر مشاكل) في البيئة الإقليمية لتركيا.

كما تستند تركيا في علاقاتها الخارجية على نظرية “العثمانية الجديدة“, حيث تعود هذه النظرية إلى عصر الرئيس التركي تورغوت أوزال ، خلال الثمانينيات  من القرن الماضي، الذي تبنته القوى الاجتماعية والسياسية التركية في الوقت الحاضر ، ويتم اعتماده من قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم والعديد من مؤسسات المجتمع المدني وقطاعات المفكرين والمثقفين وأساتذة الجامعات ، وتقوم العثمانية الجديدة على ثلاث ركائز هي:[12]

  1. التصالح مع حضارتها الإسلامية بسلام ، وتتميز بتعدد ثقافاتها وتعدد أعراق الماضي العثماني.
  2. استبطان عظمة العثمانيين واعتزازهم وثقتهم بالنفس عند التعامل مع السياسة الخارجية، والتخلص من الشعور بالضعف أو الدونية تجاه الآخرين.
  3. أن تستمر تركيا في الانفتاح على الغرب مع إقامة علاقات متوازنة مع الشرق الإسلامي, على المستوى الداخلي.

وتهدف العثمانية الجديدة إلى إعادة الاعتبار لمبادئ الجنسية التركية من خلال احترام العلمانية التي لا تتدخل في الشؤون الدينية وتعيد المجال العام إليها المجتمع، بينما تكتفي الدولة بتنظيمه، بحيث تكون الدولة بمؤسساتها المختلفة أقرب إلى الناس, بينما على المستوى الخارجي، فيعني العثماني المزيج الجديد من القوة الناعمة والصلبة، واستخدامهما بطريقة متوازنة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية التركية.[13]

  1. أبعاد العلاقات التركية المصرية: أمن الطاقة, الأمن الإقليمي.
  • أمن الطاقة.

أصبحت المناطق التي تتوافر فيها موارد طاقوية هامة وموقع استراتيجي محل أطماع وتنافس القوى الدولية والإقليمية، وهو ما يشير إلى إن مستقبلها يحمل في طياته الكثير من التحديات لجميع الدول المتنافسة قد تساهم بطريقة أوأخرى إلى تعديل موازين القوة الإقليمية  والدولية, وهو ما تكشفه الاقترابات التحليلية للكثير من الصراعات أن خطوط العديد منها حول العالم الآن تتقاطع كذلك مع فضاء الطاقة العالمي، سواء فيما يتعلق من جهة بمصادر الطاقة في منطقة الخليج العربي أو شرق المتوسط.[14]

وحين يتقاطع البعد الطاقوي مع أهداف الدولة المصرية والتركية لتحقيق خططها التنموية الداخلية من جهة, وبين تمسكها بموضعها الإقليمي كلاعب فاعل على المستوى الخارجي يستلزم توضيح الاتجاهات التي طرقتها كلاً من مصر وتركيا, مما تسبب في تصاعد التوتر في منطقة شرق المتوسط في السنوات الأخيرة بشكل متزايد، وذلك على خلفية التنافس الجاري على ثروات المنطقة من النفط والغاز، وعلى الدور الجيوبوليتيكي الذي يتصوره اللاعبون الأساسيون، وذلك بموازاة التحولات الحاصلة في موازين القوى الإقليمية لكي تتقاطع أهداف مصر وتركيا في مجال الطاقة على أساس تنافسي.[15]

تسارعت الأحداث في صيف 2020 مشيرة الى احتدام الخلافات بين فواعل حوض شرق المتوسط، من جهة تركيا، وفي الطرف الثاني نجد اليونان وقبرص الرومية ومصر وفرنسا، ومنطلق الخلاف كان  بسبب عمليات التنقيب عن الغاز في حوض المتوسط، وظاهرها كان نتيجة للخلافات حول أحقية كل دولة في استغلال ثروات منطقتها الاقتصادية الخاصة نظرا لغياب اتفاقيات رسم الحدود البحرية بينها, ولفتت مجلة الفورين بوليسي إلى أن النزاعات البحرية ظلت لعقود من الزمان شأنا يقتصر على مطالبات بالسيادة محليا من جانب تركيا واليونان وقبرص، بيد أن السنوات الخمس الماضية كشفت عن ثروات طاقة هائلة في المنطقة، ومن ثم حولت موارد الغاز الطبيعي البحرية المنطقة إلى ”ساحة استراتيجية رئيسية” تتلاقى من خلالها خطوط الصدع الجيوسياسية الأكبر التي تشمل “الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا“، أيضاً في هذا التحول أوضحت المجلة أن إيطاليا وفرنسا لعبتا دوراً في تغيير قواعد اللعبة باكتشاف حقل ظهر الضخم بواسطة إيني الإيطالية للغاز الطبيعي في المنطقة البحرية المصرية، وهو أكبر اكتشاف غاز في شرق المتوسط، في السياق ذاته، حيث أكدت فورين بوليسي أن المشكلة الرئيسية التي أدت إلى تصاعد التوترات تكمن في استبعاد تركيا من كعكة الغاز في المنطقة.[16]

وتشير التقارير إلى أن منطقة شرق البحر المتوسط تحفل بثروة هائلة من الغاز الطبيعي، وتقدر دراسة لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في 2010 حجم احتياطي الغاز في حوض شرق البحر المتوسط بنحو     3.45 تريليون قدم مكعب، كما تحتوي املنطقة على كمية ضخمة من االحتياطات النفطية، تبلغ  3.4مليار برميل، منها نحو 1.22 تريليون قدم مكعبة من الغاز و1.7 مليار برميل القابل للإستخراج من الناحية الفنية، وتقع هذه البحيرة داخل الحدود البحرية الاقليمية  لتركيا وسوريا وقبرص واسرائيل ولبنان ومصر، وأصبحت المنطقة مرشحة لمزيد من المخاطر، مع بدء ضخ الغاز الاسرائيلي، والمشاريع الاستكشافية للغاز بالقرب من سواحل قبرص ومصر ولبنان وسوريا وتركيا واسرائيل.[17]

وفي بيانات مشابهة من المعهد الأميركي USGS واعتمادا على معطيات التنقيب والدراسات الجيولوجية تبين أن الاحتياطات في هذا الحوض تقدر بـ  9.7 تريليون قدم، الى جانب 1.7أو 3.4 مليارات برميل نفط, وأثبتت الأبحاث الاستقصائية نتائج ملموسة، اذ تبين في عام 2009 أن حقل “تمار” Tamar يحتوي على

2.83 تريليون قدم مكعب من الغاز، وفي 2010 تبين ان حقل “ليفياثان” Leviathan يحتوي على 6.23 تريليون قدم مكعب، وفي 2011 تبين ان حقل “افرودايت” Aphrodite  يحتوي على  1.29تريليون قدم مكعب، وفي تطور لافت في عام  2015 ،اكتشفت الشركة االيطالية “ايني”  ENIقبالة ساحل مصر أكبرحقل لانتاج الغاز شرق المتوسط، وهو حقل “ظهر” Zohr الذي يحتوي على 8.5 تريليون قدم مكعب من الغاز.[18]

وكانت الخلفية الأبرز ذلك الصراع بين تركيا واليونان منذ اكتشاف احتياطيات النفط والغاز في شرق البحر المتوسط,  إذ تزعم اليونان والاتحاد الأوروبي أن تركيا تقوم بالحفر والتنقيب في هذه المناطق بنحو غير قانوني، لكن تركيا تدعي أن المنطقة هي جزء من منطقتها الاقتصادية الخاصة، ثم طورت تركيا في 2019 عمليات الحفر والتنقيب في المياه الغربية لقبرص, التي تم تقسيمها منذ عام 1974، وأنقرة هي الوحيدة التي اعترفت بالجزء الشمالي الخاضع للسيطرة التركية كدولة مستقلة, ولطالما طالبت تركيا بضرورة الاستفادة من الموارد الطبيعية لجزيرة قبرص بنحو مشترك, مما دفع أنقرة  إلى توقيع اتفاقية مع ليبيا تقول تركيا إنها أدت إلى إنشاء منطقة اقتصادية خاصة تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا إلى الساحل الشمالي الشرقي لليبيا, واعتبرت مصر تلك الاتفاقية بأنها غير قانونية، وتقول اليونان إنه من الغريب أن تتجاهل الاتفاقية جزيرة كريت اليونانية الواقعة بين البلدين, ودفع الطموح التركي إلى زيادة الانفاق التركي على “أمن وكفاءة إمدادات الطاقة وسوق الطاقة” بواقع 155% إلى 406.5 مليار ليرة (22 مليار دولار) في عام 2023.[19]

  • الأمن الإقليمي.

لعبت تركيا  منذ 2014 دوراً كبيراً في المنطقة العربية شكل عقبة أمام تحقيق الأمن والاستقرار في إقليم ملتهب، حيث تمتلك تركيا استناداً على استراتيجياتها المعلنة من قبل حزب العدالة والتنمية على أطماع واضحة وأجندة تنافسية مع قوى اقليمية أخرى مثل إيران، حيث استعرضت تركيا قوتها العسكرية في الشرق الأوسط وخارجه, فقامت بشن أربع عمليات توغل في سوريا، وشنت هجوماً على المسلحين الأكراد داخل العراق، وأرسلت دعماً عسكرياً إلى ليبيا وأذربيجان, في محاولة تسعى من خلالها استعادة مكانتها وثقلها الاستراتيجي المفقود منذ انتهاء الحرب الباردة وفشل المشروع التركي للانضمام للاتحاد الأوروبي, ولذا تحاول القوى العربية الفاعلة في صحوة متأخرة، منها مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات, من التصدي للأطماع التركية في إطار جهود الدول الثلاث لصون الأمن القومي العربي وحماية مصالح الشعـوب العربيـــــة.

لم يستهدف هذا الدور التركي المعلن المنطقة الشرق أوسطية برمتها فحسب, بل يعمل على محور من أهم محاور الأمن القومي المصري, حيث يعتبره خبراء أمنيون أنه نوع من “تسكين” العلاقات التركية الاسرائيلية والحفاظ عليها في مستوى يرتضيه الطرفان في توافق شبه ضمني، وبما يحفظ مصالحهما ويتوافق مع قواعد التعاون بل والتحالف الاستراتيجي الذي يمثل المظلة التاريخية للعلاقات التركية الاسرائيلية, رغم بعض الاشتباكات الاعلامية والسياسية التي تصب إجمالاً في سلة مصالح كلا الطرفين أو أحدهما على الأقل، كما يلاحظ أن العلاقات التركية الايرانية تتسم بالطابع التعاوني أكثر من الطابع التنافسي الذي يشير إليه بعض الباحثين، وأن هناك توافق حقيقي وضمني على حدود المصالح والنفوذ وحرص متبادل على تفادي أي عوامل قد تؤدي إلى التوتر في العلاقات بين البلدين، باعتبار أن كلا منهما يمثل ظهيراً استراتيجياً للآخر في ملفات عدة؛ فتركيا تعد منفذاً حيوياً لافلات إيران من قبضة الحصار والعقوبات الأمريكية، وتركيا في المقابل ترى في علاقاتها مع إيران ورقة مهمة للحفاظ على مصالحها في العراق المجاور، وأيضاً لضمان التنسيق المشترك فيما يخص “هندسة” العلاقات الاقليمية ولاسيما دور دول مجلس التعاون، حيث يلاحظ الاقتراب المتبادل والحذر، فإيران تتواجد عسكريا في سوريا على الحدود التركية، والقوات التركية تتمركز في قاعدة عسكرية بقطر, صحيح أن الهدف من هذا الاقتراب ليس مناكفة أحدهما الآخر، وخصوصاً الوجود التركي في قطر الذي يستهدف الضغط استراتيجياً على السعودية والامارات المتوافقتين مع مصر في ملف الأمن الإقليمي، ولكن هذا الاقتراب يتطلب من تركيا وإيران مستوى معين من التعاون والتنسيق والتفاهم إلا انه يوصف بالمتذبذب في كثير من الأحيان.[20]

على الجانب الآخر, فإن التدقيق في محددات السياسة الخارجية التركية في الشمال الافريقي وبخاصة الأزمة الليبية، يظهر أن هناك نية ومخططات واضحة الاهداف والوسائل باتجاه مصر شرقا وباتجاه كل من تونس والجزائر غربا، من الناحية االاستراتيجية، عقب توقيع كلاً من مصر واسرائيل واليونان وقبرص اتفاقية شرق المتوسط لحرمان تركيا من المنافع االقتصادية في حقول الغاز المكتشفة في تلك المنطقة ومحاولة

تطويق تركيا، سعت تركيا إلى إبرام الاتفاقيات الأمنية والبحرية مع ليبيا وقامت بعمل مناورات عسكرية

بحرية في البحر المتوسط، فضلاً عن أعمال الحفر والتنقيب في المنطقة المتاخمة للسواحل القبرصية،

ومن ناحية أخرى جاء قرار التدخل التركي العسكري في ليبيا كقرار استباقي للمحافظة على المصالح التركية

في غاز شرق المتوسط وهو ما يفسر السلوك التركي باتجاه دعم الوفاق الوطني للسيطرة على المناطق النفطية شرق ليبيا، والتي سيؤمن لها تدفقا نفطيا وغازيا وفق شروطها ورؤيتها أولا، ووضع خطط تنفيذية لسياساتها شمال افريقيا, مما أدى إلى أن تعمد تركيا إلى زرع وسائل وأدوات سياسية واقتصادية وأمنية سابقة في العديد من المناطق الاستراتيجية بالنسبة لها، بدأت في العراق ومن سوريا وتمددت الى لبنان وغزة والقرن الافريقي واليوم في شمال افريقيا, وكلها تتصادم مع دوائر الأمن الإقليمي لمصر.[21]

تلخيصاً لما سبق فإنه مع التناقض الشديد لأهداف ومنطلقات وركائز مصر من ناحية وتركيا من الناحية الأخرى تجاه  النفوذ في الإقليم، كان من الطبيعي أن تتدهور العلاقات بين القاهرة وأنقرة حتميًا منذ 2014، ليدخل كلا البلدين في سلسلة مستمرة من الأزمات, وأي مقاربة تحليلية  لتاريخ العلاقات بين البلدين منذ 2014 بشكل موضوعي, سيقر بالاختلاف الواضح بين رؤيتيهما انطلاقاً من المحددات الحاكمة، لأن تركيا ومصر قوتان كبيرتان ومتنافستان في المنطقة, حيث تتلخص الرؤية التركية في أن مصر قوة إقليمية عظمى، وأن إضعاف الطموح المصري في استعادة مكانتها ضرورة لتركيا، لأن مصر شاءت تركيا أو أبت هي قوة إقليمية منافسة تقوض من الطموح التركي في الإقليم,  وهو ما يوضح  سبب رفض تركيا لأي تطورات إيجابية  من الناحية السياسية والتي قد تعزز التأثير والنفوذ الإقليمي للدولة المصرية.

بينما على الجانب الآخر, تدرك مصر جيداً بأن تركيا قوة إقليمية عظمى,  ولكن لتصادم أولويات الأمن القومي المصري الذي يعتبر العالم العربي من أهم دوائره, مع التوسع الفعلي لتركيا في المنطقة سواء في ليبيا أو في سوريا أو في العراق, فإن مسارات العلاقات اتخذت منحى تنافسياً يحدوه الصراع من الجانب السياسي والأمني, دونما التخلي عن نقطة التقاء اقتصادي بين الجانبين بالرغم من ذلك, على المستوى التجاري، لم تتوقف التبادلات بين البلدين، بل زادت من 4,4 مليار دولار في العام 2007 إلى 11,1 مليار دولار في العام 2020، بحسب مركز كارنيغي للأبحاث، حتى أنّه في العام 2022 كانت أنقرة أول مستورد للمنتجات المصرية بقيمة أربعة مليارات دولار.[22]

ثانياً: دوافع إعادة تطبيع العلاقات المصرية التركية.

تمسكت مصر بسياسة خارجية متزنة منذ 2014، دون الدخول في مواجهة مع أي طرف،  خاصة في ظل التطورات المتلاحقة وحالة الاستقطاب الحادة على الساحة الإقليمية والدولية التي تجعل من ذلك التوازن صعباً على المستوى العملي, إلا أن مصر تمكنت من فرض شروطها على النظام السياسي التركي في تطور غير متوقع في  عام 2021,  حيث خرجت تصريحات رسمية من الساسة الأتراك أهمها تصريح إردوغان نفسه بأن “الشعب المصري لا يختلف مع تركيا”، وسبقه وزير خارجيته تشاويش أوغلو، بوصفه مصر وتركيا بأن لديهما أطول مساحة من الأرض والحدود في شرق البحر المتوسط، ويمكنهما التفاوض على الاختصاصات البحرية، مُلوحًا بإمكانية توقيع اتفاقية بينهما مُستقبلًا”, [23]حيث يمكن ترجمة تلك التصريحات  فيما يبدو على أنها تودد إلى النظام السياسي المصري, بعد انقطاع رسمي للعلاقات الدبلوماسية مع التدهور الذي أعقب عزل الرئيس الإسلامي المدعوم من النظام السياسي التركي في 2013, ليخرج رداً مصرياً على لسان وزير خارجيتها سامح شكري لإملاء الشروط والضوابط التي يمكن من خلالها أن تلتقي وجهتي النظر التركية والمصرية مرة أخرى, حيث عبر شكري أنه “إذا وجدت مصر تغييرا في السياسة التركية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وانتهاج سياسات إقليمية تتوافق مع السياسة المصرية، فقد تكون هذه أرضية ومنطلقا للعلاقات الطبيعية”,[24] بالإضافة إلى اعتبار مصر أن ” الأقوال الصادرة عن الساسة في أنقرة بشأن فتح قنوات حوار مع القاهرة لا تكفي، بل لا بد أن تقترن بأفعال”, هكذا بدأت محاولات الالتقاء مرة أخرى, حتى وصلنا إلى المشهد الإنساني الأخير في فبراير 2013, الذي تبلور عند إجراء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالا هاتفياً بنظيره التركي لتقديم التعازي والمواساة على خلفية الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في بداية عام 2023،[25] وهو أول اتصال معلن بينهما بعد اللقاء الذي جمعهما في الدوحة على هامش افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم في نوفمبر 2022, ثم زيارة وزير الخارجية التركي لمصر في أول زيارة لمسؤول تركي رفيع المستوى لمصر بعد عقد من العلاقات المتوترة بين البلدين, [26] فما هي الدوافع التي أدت إلى هذا التغيير في رؤية الجانب التركي؟, بعد كل هذا العداء تملي مصر شروطها على تركيا, وتركيا تتودد أملاً في إعادة صياغة العلاقات بين البلدين.

  • نجاح النظام السياسي المصري في تثبيت أركانه.

تراجعت تركيا عن عدائها المعلن للنظام السياسي المصري, حيث أظهرت القيادة التركية بعضاً من مرونة مع مصر في القضايا الخلافية، وتجنبت كلتاهما مؤخراً العودة إلى مرحلة سابقة سادت فيها مناوشات مضنية أسهمت بدور كبير في زيادة حدة التصعيد بينهما, نتيجة نجاح النظام السياسي في مصر من تثبيت أركانه – من زاوية الشرعية السياسية – إلى حد كبير, مع استمرار القبول الدولي للنظام السياسي المصري، من خلال التعامل معه ودعوته لعدة دول أوروبية فضلاً عن إلقاء الرئيس المصري  كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في كل الدورات، وهو ما يترك تركيا وحيدة في حال أصرت على رفض شرعيته أو التعامل معه, كما ساهم في تثبيت أركان النظام السياسي المصري أيضاً ضعف المعارضة المصرية وتضاؤل فرص نجاحها في تغيير النظام كورقة قوة في يد تركيا، فضلاً عن تراجع قوى التغيير بشكل عام في العديد من الدول العربية وهو ما انعكس سلبًا على الدول الداعمة لها.[27]

كان من أبرز دعائم تثبيت أركان النظام السياسي المصري خارجياً, قيام مصر بمبادرة لإنشاء منتدى إقليمي من شأنه أن يشمل دول البحر الأبيض المتوسط التي تنتج النفط والغاز, في عام 2019 ، ثم إطلاق منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) رسمياً ، وشمل ذلك خصمين رئيسيين للنظام التركي، هما اليونان وقبرص، بالإضافة إلى اسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية وإيطاليا ومصر, ومع ذلك، تم استبعاد تركيا عن قصد من EMGF على الرغم من نفوذها الإقليمي, بالرغم من رد تركيا على ذلك، حين وقعت تركيا اتفاقية بحرية مع الحكومة الليبية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها لإنشاء منطقة اقتصادية خالصة في البحر الأبيض المتوسط تمتد من تركيا إلى ليبيا سيسمح الاتفاق لتركيا بمقاطعة أجندة EMGF ، ولا سيما خط الأنابيب المخطط الذي سيمتد من المياه الإسرائيلية واليونانية القبرصية إلى اليونان، ومن هناك إلى بقية أوروبا,[28] ولم يسبب ذلك تراجعاً لدى النظام السياسي المصري الذي بدا أنه الطرف الأقوى الذي يملي شروطه لكي يقبل الجلوس على طاولة مفاوضات إعادة التطبيع مع تركيا.

  • عامل التضخم الاقتصادي في تركيا.

تجدر الإشارة هنا إلى أن العامل الاقتصادي يمثل محورًا أساسيًّا في الضغط على إعادة صياغة سياسة تركيا الخارجية؛ فمع توجه تركيا نحو المزيد من العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول العالم العربي , تدفقت رؤوس الأموال التركية نحو العديد من الدول العربية والإسلامية لاسيما سوريا واليمن وليبيا ومصر والسودان, وباندلاع الثورات العربية، ووقوف تركيا إلى جانب هذه الثورات ضد أنظمتها التقليدية فقدت تركيا الكثير من استثماراتها، وتعرض رجال الأعمال والمستثمرون لنكبات واضحة جراء وقوفهم إلى جانب سياسة تركيا الموجهة نحو الانفتاح على أنظمة بعينها في العالم العربي.[29]

يعد الوضع الاقتصادي أحد العوامل الضاغطة على النظام التركي لإعادة النظر في علاقاتها مع الدول العربية التي قامت تركيا باستعداء أنظمتها,  حيث يسعى أردوغان لإعادة ضخ  مليارات الدولارات من تجارة واستثمار مع دول المنطقة, ويلاحظ أنه بحسب أرقام تركيا الرسمية هوت الصادرات التركية للسعودية في عام 2020 بنسبة تصل إلى 95 في المئة, حيث يقابل هذا التراجع في الواردات السعودية من تركيا زيادة مماثلة تقريباً في الصادرات المصرية للسعودية, وكنتيجة للأثر المباشر للتضخم داخل تركيا وتراجع الأجور وتهاوي سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار, وانخفاض قيمة الليرة بشكل كبير خلال العام الماضي وارتفاع معدلات التضخم بنسبة 25 في المئة، مع تضاعف أسعار بعض السلع في الأشهر الأخيرة, مما تسبب في ضغوط على الاحتياطيات المالية التركية، الأمر الذي أدى إلى تصاعد المخاوف بين مستثمري الأسواق الناشئة بشأن اقتصاد مجموعة العشرين، الذي كان يعتبر في يوم من الأيام محركا للنمو وعنصر جذب للاستثمار الأجنبي, بالإضافة إلى تضرر الاقتصاد التركي بشدة بفعل أزمة وباء فيروس كورونا العالمي الذي أبطأ التجارة وأدى إلى تسريح العمال, مما ساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية في تركيا بسبب التضخم الجامح الناجم إلى حد كبير عن ما يسميه الاقتصاديون المعتقدات الاقتصادية “غير التقليدية” للرئيس أردوغان, الذي يتبنى سياسة أسعار الفائدة المنخفضة التي تسبب التضخم، وتضغط على المصرف المركزي التركي باستمرار لخفض معدلات الفائدة على القروض, مما أدى ذلك بشكل متوقع إلى انخفاض قيمة الليرة التركية، فقد تراجعت قيمتها بمقدار النصف تقريبًا مقابل الدولار الأمريكي خلال 2022، كما تدنت الأجور الحقيقية إلى النصف، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 100 في المئة، منذ عام 2018.[30]

  • براجماتية النظام التركي.

أثبت الواقع أن النظام السياسي التركي لم يعد قادراً على تحمل مآلات خطة الهروب إلى الأمام في علاقاتها الخارجية، وهو ما يفسر التحركات التركية عبر عدة قنوات لإعادة صياغة العلاقات مع سوريا واسرائيل ثم مصر والسعودية، فضلاً عن توجيه المدح لبعض الأنظمة السياسية بشكل يتجاوز الدبلوماسية المعتادة بين الدول على لسان الرئيس التركي نفسه, كما أودت حالة الإنهاك السياسي الذي تعيشه تركيا داخلياً مع اقتراب الانتخابات البرلمانية  والرئاسية في منتصف 2023، في الوقت الذي بدا فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستنزفاً سياسياً بعد فشل إستراتيجية مواجهة الجميع شرقا وغربا, والتي سببت لتركيا شبه عزلة سياسية واقتصادية في الإقليم, مما ضغط على الرئيس التركي للبحث عن  سبل التهدئة مع مختلف الدول بغض النظر عن مبررات هذه التهدئة، وما إذا كان تراجعه عن الشعارات السابقة مبررا, أم أن الرجل اختار أن يغلق الحروب التصعيدية حتى وإن ظهر في بعض الأحيان في  صورة الرئيس الضعيف الذي يطلب صداقة من هاجمهم بالرغم من أن الحقيقة تنفي ذلك, وكان هذا التحول في السياسة الخارجية التركية تجاه مصر رغبة من النظام السياسي التركي إلى تحسن علاقاتها مع السعودية والإمارات المرهونة بإعادة صياغة العلاقات المصرية التركية بصورة إيجابية، وبعد أن تأكدت تركيا من أن توظيف ورقة الإسلام السياسي ودعم جماعة الإخوان وتعمد مضايقة هذه الدول كلها عناصر لم تعد مجدية, حيث يرسخ النظام التركي سياساته في التحول سريعا وبات معروفاً بكثرة تنقلاته وقدرته على المواءمة بين علاقات تركيا الإقليمية والدولية.[31]

  • متغيرات تحول الحلفاء التقليديين لتركيا.

يسعى الرئيس الأمريكي بايدن بصورة علنية إلى التعبير عن الغضب الحقيقي من سلوك أردوغان المناهض للديمقراطية، والغضب من الغزو التركي الأخير لشمال شرق سوريا، والذي تم إجراؤه مع إذعان إدارة ترامب, وعلى الرغم من مجموعة من الاختلافات التي من المحتمل أن تكون بين بايدن وبين الحكومة التركية – وبعضها ترجع أصوله إلى إدارة أوباما – من الصعب تخيل الحذر الذي يسعى إليه بايدن علناً لمواجهة تركيا، حيث تعد قائمة الخلافات طويلة بشكل غير عادي بالنسبة إلى الحليفين في الناتو, من جانب هناك دعم أمريكي للمقاتلين الأكراد في سوريا، بالإضافة إلى اتجاه الجانب الآخر للتحالف مع العدو التقليدي للولايات المتحدة عند شراء تركيا لنظام أسلحة روسي، بالإضافة إلى إثارة بايدن غضب تركيا بإعلانه أن القتل الجماعي والترحيل الجماعي للأرمن في العهد العثماني كان “إبادة جماعية“, الأمر الذي تجنبه  رؤساء الولايات المتحدة السابقون من استخدام المصطلح خوفًا من أنه سيعقد العلاقات مع تركيا، التي تفخر بشدة بتاريخها العثماني وتصر على أن القتلى في أوائل القرن العشرين كانوا ضحايا للحرب الأهلية والاضطرابات.[32]

يعد أيضاً الخلاف بين تركيا وإيران في سوريا أحد أهم معالم العلاقة المتذبذبة بين الحليفين في العقد الأخير، كما تعد المبادرة الصينية التصالحية بين السعودية وإيران أحد أبرز ملامح التغيير في العلاقات التركية الإيرانية التي تساهم في الدفع نحو التصالح مع مصر, فضلاً عن اتجاه البوصلة نحو جدية العرب في استعادة سوريا, مما يغلق القنوات التي كانت تخفف الضغط على الجانب الإيراني الذي تستفيد منه تركيا, والأهم من ذلك كله هو تشكك إيران من سياسات تركيا تجاه القوقاز وآسيا الوسطى، والتي تستند إلى فرضية القومية التركية التي تحظى بقدر كبير من الجاذبية للسكان الأتراك في تلك المناطق, مما يثير ذلك قلق إيران كما هو الحال بالنسبة لروسيا، بسبب الاندفاع التركي نحو “أتراك القوقاز وآسيا الوسطى”، لأن كلا منهما يعتبر هذه المساحات جزءا من نفوذه الحيوي, حيث برزت التناقضات في المقاربتين التركية والإيرانية تجاه القوقاز بقوة كبيرة خلال الصراع الأذربيجاني الأرميني في الفترة من سبتمبر/ إلى نوفمبر/ 2020، حيث دعمت تركيا أذربيجان إلى أقصى حد، وزودتها بالأسلحة التي كانت عاملا حاسما في انتصارها في الحرب.[33]

وتنظر إيران بقلق أيضا إلى زيادة شعبية تركيا في البلدان ذات العرقية التركية نتيجة دعمها لباكو بعد انتصار أذربيجان، والذي منحها التواصل المباشر مع حليفتها تركيا، مما يفتح المجال لتشكيل قناة بديلة بين الشرق والغرب لتجارة الطاقة والسلع الأخرى مع أوروبا تتجاوز الممر التقليدي التي تسيطر عليه روسيا وإيران، ويقلل هذا بشكل كبير أهمية طهران لدول آسيا الوسطى، ويضيف إلى حد كبير أهمية لأنقرة, مما يساهم في تحول العلاقات التركية الإيرانية إلى الوضع التنافسي أكثر منه تعاوني, يدفع قدماً إلى أن تبحث تركيا عن قنوات حليفة بديلة, تتمثل في تصفير مشكلاتها مع القوى الإقليمية ومنها مصر ودول الخليج العربي.

ثالثاً: سيناريوهات إعادة تطبيع العلاقات المصرية التركية.

  • سيناريو التوافق.

اذا استمرت المفاوضات الرسمية بين مصر وتركيا في الفترة القادمة بوتيرته الحالية, فمن المتوقع أن يستمر “السلام” بين البلدين بصورة تصاعدية مرهوناً بالمرونة وتقديم التنازلات من الجانبين, وهو تفسير طبيعي يمكن أن تتبناه بعض التحليلات, خاصة بعد كل تلك التحركات والتصريحات الرسمية من الجانبين لإثبات الجدية وحسن النوايا في إعادة التطبيع, لكن ذلك سيحتم على البلدين القيام بتصنيف المشاكل، والبدء بالملفات الأكثر قابلية للاتفاق حولها, مع إعطاء الأولوية في البداية للقضايا الاقتصادية والثقافية, الأمر الذي سيحفز إحراز تقدم فيما يخص القرارات المبدئية المتخذة بشأن القضايا الأكثر جدلاً باية من القضية الفلسطينية, ثم النظر في القضايا المتعلقة بشرق المتوسط ​​وليبيا, سيما أن ملفي شرق المتوسط ​​وليبيا يعتبران من الملفات التي تؤثر بشكل مباشر على أمن ورفاه مصر وتركيا, من الناحية الموضوعية فإنه يجب على كلا البلدين أن يدركا الواقع الجيوسياسي الراهن ويتصرفا وفقًا لذلك.[34]

إذا توصلت تركيا ومصر إلى التوافق الشامل على مائدة مفاوضات إعادة التطبيع , عبر تطويع مسارات العودة التي تتقاطع وتتناقض في العديد من الملفات, ضمن التفاعلات الإقليمية والدولية, وهذا يتطلب من تركيا أن تتوقف عن التدخل في شئون الدول العربية, وتراجع التمدد العسكري بالمنطقة والاستجابة لمطالب مصر فيما يخص الملف الليبي, فإن ذلك سينعكس على العديد من القضايا أهمها على الإطلاق  القضية الفلسطينية نتيجة التحسن في العلاقات بين تركيا ومصر، بسبب تفاعلات التطبيع بين مصر وتركيا وانعكاساتها على العلاقات بين تركيا وإسرائيل, في الوقت الذي تسعى فيه  تركيا  بالتوازي مع رغبتها في عودة العلاقات مع مصر, إلى تطبيع علاقاتها مع اسرائيل، وحين تتحرك مصر بثقلها  الذي لا يختلف عليه أحد في السياسة الفلسطينية، فسيكون التقارب التركي المصري شديد الفعالية بالنسبة لقوتين إقليميتين متقاربتين في وجهات النظر, مما يساهم في مواجهة السياسات الصهيونية التي تمارسها “إسرائيل” ضدالفلسطينيين والقضية برمتها، مما يعني أنه يمكن فرض الشروط التي تتجاهلها اسرائيل, ومنها صيغة حل الدولتين التي تتبناها كلا مصر وتركيا ضمن قائمة توجهات الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية.

كما سيتمخض عن تطبيع العلاقات، نتائج إيجابية أيضاً على الوضع  المتأزم في شرق المتوسط، فضلاً عن التوصل لحل عادل وسلمي للأزمة الليبية, الذي أثبت الوضع الراهن في ليبيا بأن الحل بات أكثر صعوبة من ذي قبل، كما يمكن تخفيف حالة عدم الاستقرار الناجمة عن المشاكل القائمة في سوريا ولبنان, وأن تطبيع العلاقات بصورة مرنة سيراعي حلحلة الموقف بشأن غاز شرق المتوسط, بالنسبة إلى تقاسم موارد الطاقة وإيصالها إلى الأسواق العالمية.

  • السيناريو الحذر.

تؤكد تركيا دوماً أنها لن تقبل الاتفاقيات المبرمة بشأن شرق المتوسط، وهو أحد المسارات الحاكمة لعودة العلاقات المصرية التركية التي تتقاطع مع محاولات اليونان ومجموعات أخرى من فرض الأمر الواقع على تركيا، عبر إقصاء تركيا من هذه المنطقة, مما سيفرض على مصر اتخاذ منهج “الحذر والتأني” على طاولة المحادثات،  حيث  تقوم تركيا على أرض الواقع  بتبني منهج  تقاسم الموارد التي يمكن العثور عليها في شرق المتوسط، يتمثل ​​في التوزيع العادل، وفي إطار مبدأ التفاعل المتكافئ لجميع البلدان في المنطقة,  وإلا فإنها تعرب في كل فرصة، أنها ستواصل اتخاذ خطوات تتماشى مع مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، من خلال المناورات العسكرية  والدبلوماسية في شرق المتوسط, الأمر الذي يتقاطع مع ملفي الأمن الطاقوي والأمن الإقليمي بالنسبة لمصر, مع ملف آخر هو توقيع إدارة قبرص الرومية واليونان اتفاقيات المنطقة الاقتصادية الخالصة مع مصر وليبيا ولبنان وإسرائيل؛​​ بغية الحصول على مساحة أكبر مما تستحق حسبما ترى تركيا, على الجانب الآخر يمكن القول أن مصر هي الدولة الأكثر تضررًا من تلك الاتفاقيات, فالقاهرة كانت ستكسب 11500 كيلومتر مربع من المساحة البحرية، لو أنها كانت أبرمت اتفاقًا مع تركيا بدل الاتفاق الذي أبرمته مع إدارة قبرص الرومية “من وجهة النظر التركية“, ولو أن مصر أبرمت اتفاقًا مع تركيا حسبما تصدر تركيا ذلك للرأي العام، فإنها كانت ستحصل على مساحة بحرية أكبر من مساحة جزيرة قبرص, وكذلك فإن اتفاقية ترسيم حدود المنطقة البحرية التي اقترحتها اليونان، كانت ستُفقد مصر 15000 كيلومتر مربع من المساحة، مقارنة بالاتفاقية التي ستبرمها مع تركيا, لكن تم إجراء صفقة جادة أخذت فيها اقتراحات تركيا بعين الاعتبار، ما دفع باليونان إلى التخلي عما يقرب من نصف المنطقة البحرية التي كانت تطالب بها, وبالاتفاق الذي أبرمته تركيا مع ليبيا، رسمت تركيا حدودها البحرية، وأعادت مساحة 40 ألف كيلومتر مربع لصالح جمهورية لبنان، التي كانت ستخسرها في حال إبرامها اتفاقاً مع اليونان، وبهذه الخطوة بعثت تركيا رسالة مهمة لدول المنطقة وفي مقدمتها مصر, والواقع أن مصر تدرك براجماتية النظام التركي، وترى أن تطبيع العلاقات مع تركيا في هذا الصدد ضروري لصون مصالحها الوطنية, من ناحية أخرى، إذا أرادت مصر تقوية نفوذها على المستوى الإقليمي، بعد محاصرة مشاكلها الاقتصادية الداخلية مستقبلاً، وضبط ملف تقاسم مياه النيل مع إثيوبيا الذي لا يمكن التعويل فيه على تركيا بالرغم من ذلك، فإن عليها أن تعقد اتفاقية مع دولة قوية مثل تركيا، وتعتمد سياسة الربح المتبادل.[35]

  • سيناريو الأزمة.

اذا لم يتم التوافق بين مصر وتركيا في الملفات الخلافية, وأهما تمسك مصر بسحب القوات التركية من ليبيا وعدم التدخل في شؤون الدول العربية,  والتعاون في ملف غاز شرق المتوسط ووقف دعم جماعة الإخوان المسلمين الأمر الذي لم يتحقق كلية حتى الآن اللهم إلا في مسألة وضع بعض الضوابط على القنوات الإعلامية التي تحرض ضد النظام المصري، في المقابل الذي طالبت فيه تركيا مصر بعدم إعطاء مساحات في أي قنوات لتمثيل جماعة فتح الله غولن التركية، والتنسيق فيما يخص غاز المتوسط وترسيم الحدود البحرية معها, كما سيزيد من تأزم الموقف بين البلدين التعنت التركي ورفض ترحيل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المطلوبين من قبل مصر، ذلك لأن الكثير منهم حصل على الجنسية التركية أو يحمل صفة لاجئ، كما أن تركيا تمانع في تسليم المطلوبين لديها ممن يواجهون أحكاماً بالإعدام في مصر, الأمر الذي سيزيد من حدة الخلافات حول القضايا الإقليمية والدولية والداخلية, وقد ينتهي الأمر إلى استمرار الأزمة والقطيعة الدبلوماسية بين البدين.

استخلاصاً لما سبق, لا شك أن إعادة تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر خطوة جرئية وراشدة، لأنه انطلاقاً من مصلحة الطرفين فإن ذلك من شأنه تعظيم الاستفادة على الصعيد الداخلي أمام معارضي كلا النظامين السياسيين, وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، فالدولتان بحكم الموقع والتاريخ والثقافة تعتبران مركزا ثقل واستقرار شرق البحر الأبيض المتوسط، واذا انسجمت العلاقات بالحد الذي يسمح بالمرونة الكافية في الملفات المشتركة لديهما, فإن ذلك سيعمل على تغيير موازين القوى الإقليمية,  والسياسة الواقعية تحتم بحكم التطورات المتلاحقة بحدتها وانقلاباتها على الصعيدين الدولي والإقليمي، عودة التعاون بين البلدين.

ومن غير المحتمل أن تتمكن  كلاً من تركيا ومصر من معالجة خلافاتهما بوتيرة سريعة وتتحسن إلى ما يمكن أن تعود عليه في سابق عهدها, بالرغم من إدراك الطرفين بأن المصلحة في التعاون الجدي, والطبيعي أن تمر العلاقات بينهما بمسارات متقاطعة أحياناً ومتوازية في أحيان أخرى( السيناريو الحذر), والأرجح أن الوقت والظروف والأوضاع الداخلية والخارجية لمصر وتركيا ستتحكم في طبيعة تفاعلات تلك المسارات وانعكاساتها على تحسن العلاقات بين البلدين, خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية هذا العام, والتي لن تقرر فقط من يقود تركيا، ولكنها ستقرر أيضاً كيف تحكم تركيا ذات النظام الرئاسي، وإلى أين يتجه اقتصادها الذي تضرر بشدة بصورة أكبر بعد الزلزال المدمر في فبراير 2023، وما هو الدور الذي قد تلعبه لتهدئة الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط؟, ممايستدعي من مصر التريث والحذر لما قد ينعكس على الأوضاع الداخلية التركية, إذا ما تغير النظام الرئاسي التركي إلى برلماني, ومآلات ذلك على السياسات الخارجية التركية عموماً وتجاه مصر خاصة.

الخاتمة.

مرت العلاقات المصرية التركية منذ 2014 بتراجع حاد نتيجة استعداء نظام حزب العدالة والتنمية التركي  للنظام السياسي المصري بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي ممثل الإخوان والمدعوم من النظام السياسي التركي في 2013, إثر احتجاجات شعبية ساندها الجيش المصري, ومع صعود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي, تصاعدت حدة التوتر من جانب تركيا نتيجة عدة اعتبارات سياسية وجيواستراتيجية، أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين, ثم زادت تحديات القطيعة الدبلوماسية عندما وفرت تركيا الملاذ لأعضاء وقادة الإخوان المسلمين الذين فروا من مصر وسمحت لهم بتشغيل وتشغيل قنوات فضائية تعارض النظام السياسي  المصري علانية.

ساهم بعدي أمن الطاقة والأمن الإقليمي في رسم مستقبل العلاقات المصرية التركية منذ 2014, مما أدى إلى تغيير خريطة الطاقة في شرق المتوسط, نتيجة التنقيب عن مصادر الطاقة مما ضاعف حجم التدهور في العلاقات المتوترة بالفعل بين مصر وتركيا منذ 2014, حتى تراجعت تركيا منذ 2021 وطلبها التقارب مع مصر لضمان التشارك في المصلحة المتوقعة في ملف طاقة شرق المتوسط.

ساهمت الاضطرابات والصراعات الإقليمية التي نتجت عن التحركات التركية, في تكبد النظام التركي خسائر كبيرة على الصعيد الاقتصادي والسياسي, فأسرع النظام التركي منذ 2021 في انتهاج  منحى تطبيع علاقاتها مع  العديد من الدول التي قامت باستعداء أنظمتها ومنها مصر, انطلاقاً من براجماتية النظام السياسي التركي, الذي دأبت سياساته الخارجية على تطبيق ما يُعرف بسياسة “المشاكل الصفرية”، والتي تهدف إلى نزع فتيل التوترات وتهدئة النزاعات في المنطقة من أجل تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية لتركيا.

النتائج.

خلصت الدراسة إلى النتائج التالية مرتكزة على القراءة الواقعية لمحددات وأبعاد العلاقات المصرية التركية منذ 2014:

  1. أوضحت الدراسة مدى التعارض الشديد بين المحددات والأبعاد التي تحكم طبيعة العلاقات المصرية التركية منذ 2014, الأمر الذي أدى إلى التنافس الحاد بين النظامين فيما يمكن ان يطلق عليه حرباً باردة, مما أضر بالمصالح التركية بصورة أكبر من التضرر الواقع على المصالح المصرية.
  2.  فرضت السياسة الواقعية  جملة من الدوافع التي دفعت تركيا للتقارب من النظام السياسي المصري بعد قطيعة  لمدة عقد من الزمن, مما يرجح عودة الدولتين مرة أخرى نحو التشاور الجدي بشأن القضايا الخلافية, حيث أدت سلسلة من المواجهات الدبلوماسية للنظام التركي مع مصر والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن الدخول في مواجهة مع اليونان وقبرص حول الحدود البحرية لشرق البحر الأبيض المتوسط، إلى أن تسعى تركيا إلى التقارب مع منافسيها, حتى وإن بدت في موقف الضعيف, تحقيقاً لمصالحها.
  3. انطلاقاً من المصلحة المتبادلة لمصر وتركيا باعتبارهما قوتين إقليميتين نافذتين يمكن أن يغير تحالفهما الكثير من الملامح الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة, فإن تطويع الخلافات  بينهما يتحكم فيه عدداً من المسارات المتقاطعة, التي تتطلب أن تتريث مصر أولاً دونما تعجل (السيناريو الحذر المتأني), حتى ضمان استقرار النظام السياسي التركي بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية, لكي تتدرج لاحقاً في مسار السلام الذي يضمن التوازن في تحقيق مصلحة الطرفين بصورة أكثر وضوحاً.

[1] مقلد، إسماعيل صبري. العلاقات السياسية الدولية: دراسة في الأصول والنظريات ،الكويت، الطبعة الخامسة، منشورات ذات السلاسل, 1987.

أحمد وهبان. النظرية الواقعية وحتليل السياسة الدولية من مورجنثاو إلى مريشامير”دراسة تقوميية”, متاح على: https://esalexu.journals.ekb.eg/article_109452_8cfe963e9b42ef1bec88844eccc950ad.pdf

[2] رادوساال ستريانوفيتش، البمقاف في لعبة التوازن الدولي نظرة جيوبولوتيكية, (ترجمة: نزيو الشوفي)، مجمػة الفكر السياسي، دمشق, اتحاد الكتاب العرب، العدد 9/10 ،2 سبتمبر 2016.

[3] OMAR SHEIRA. TURKEY-EGYPT RELATIONS: INCENTIVES TO NORMALIZE, POLICY BRIEF, Global Political Trends Center, Istanbul Kültür University, September 2014, GPoT PB № 40.

عبد الأمير عباس عبد الحيالي. الموقع الجغرافي لتركيا وأهميته في الشرق الأوسط دراسة في الجغرافية السياسية, مجلة العلوم القانونية والسياسية, مجلد 4 عدد 2 (2015). متاح على: https://lawjur.uodiyala.edu.iq/index.php/jjps/article/view/162

[4]  تورغوت اوغلو.  “يحتاج أردوغان إلى اختلاق الأزمات أكثر من حاجته إلى الخبز والماء”, تكاليف الدعم التركي لأذربيجان في القتال على قره باغ, اندبندنت عربية, 11 أكتوبر 2020. متاح على: .https://www.independentarabia.com/nod

[5] تحول الخطاب الجيوسياسي في السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية, السنة 12 العدد 1 / رؤية تركية, المقالات والدراسات, مارس 2023. متاح على: https://rouyaturkiyyah.com/research-articles-and-commentaries/

[6]  Yegin, M. (2016). Turkey’s reaction to the coup in Egypt in comparison with the US and Israel. Journal of Balkan and near eastern studies, 18(4), 407-421. http://dx.doi.org/10.1080/19448953.2016.1196010

[7] A study conducted by TESEV shows the erosion of affinity for Turkey from 84 percent in 2012 to

38 percent in 2013 (Akgün, M. and Gündoğar S.S, pg 5. 2016

[8] Aydıntaşbaş, A. & Bianco, C. (2021, March 15). Useful enemies: How the Turkey-UAE rivalry is remaking the Middle East [Policy Brief]. European Council on Foreign Relations.https://ecfr.eu/publication/useful-enemies-howthe-turkey-uae-rivalry-is-remaking-the-middle-east/; B. Baskan, (2019, May 1). Turkey and the UAE: A strange crisis. Middle East Institute. https://www.mei.edu/publications/turkey-and-uae-strange-crisis; Lynch, M. (2021(.

The Arab uprisings never ended. Foreign Affaires, 100(1), 111-122.

[9]  Hawthorne, E. (2019, February 7). After a challenging decade, Egypt resumes its regional role. Stratfor. https:// worldview.stratfor.com/article/after-challenging-decade-egypt-resumes-its-regional-role U.S. Department of State. (2021, January 5). U.S. relations with Egypt: Bilateral relations fact sheet. https://www.state.gov/u-s-relations-with-egypt/

[10] Meliha Benli Altunışık. The Role of Turkey in the Middle East,

IEMed Mediterranean Yearbook 2009. https://www.iemed.org/publication/the-role-of-turkey-in-the-middle-east/

[11] BARKEY, Henry J.), Turkish Foreign Policy in the Middle East, Sciences Po University Publisher,

Paris, 2011.

[12] ELDÜZĠ, Walid, “Türkiye’nin Ortadoğu’daki Bölgesel Rolü”, Al-Bahith Akademik Araştırmalar Dergisi, S.3, ss.10-27.2016

[13] GANEM, Ibrahim Al-bayoumi, “Elistraticiye El’Türkiye ve El’Usmaniye El’Cedide”, Elahram

Elyuumi, S.7, ss.14-33. 2009

[14] ملوكي سفيان. الأمن الطاقوي التركي في شرق المتوسط, مجلة الأستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية – المجلد 06 – نوفمبر 2021 .

[15] حسين باكير علي، هل يتحول شرق المتوسط إلى ساحة صراع جديدة؟ ، 10 ديسمبر 2018.

.2020-09-23 :التصفح تاريخ، https://www.turkpress.co/node/55662

[16] العمدة حازم، فورين بوليس ي: كيف حولت الطاقة شرق املتوسط إلى عاصفة جيوسياسية؟، 22 أوت 2020 ،على الرابط: https://attaqa.net/2020/08/22/

[17] خطار أبو دياب، الفوضى الاستراتيجية: النزاع السوري واحتمالات التفكك في المشرق العربي، ملحق تحولات استراتيجية،

مجلة السياسة الدولية، مركزالأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد.195، يناير 2014 ،.ص.1.

[18] مروان قبلان، اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط: استشراف الفرص والتحديات السياسية، مجلة استشراف،

للدراسات المستقبلية، المركزالعربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 3، السنة 2018.

[19] 155 %.. تركيا تزيد الانفاق على أمن الطاقة في 2023, أكتوبر 2022. متاح على: https://www.erembusiness.com/economy/84hvuzytxj

[20] الدور التركي في المنطقة العربية: الأبعاد والأهداف والتأثيرات الاستراتيجية, مجلة درع الوطن, الإمارات,  يوليو2020. متاح على: https://www.nationshield.ae/index.php/home/details/files/

[21] خليل حسين. تركيا والأمن القومي المصري, أنقرة تبحث عن دور تمددي بصرف النظر عن مؤهلاتها وقدراتها التي تبدو مشكوكا بأمرها. ميدل إيست أونلاين, يونيو 2020. متاح على: https://middle-east-online.com/

[22] وزير خارجية تركيا من القاهرة: لقاء مرتقب بين السيسي وإردوغان لإنهاء عقد من القطيعة بين البلدين. مونت كارلو الدولية, 18/03/2023. متاح على: https://www.mc-doualiya.com/

[23] أردوغان يغازل مصر: بيننا وحدة قدر وإمكانيات تعاون كبيرة, موقع تركيا الآن, يونيه 2021. متاح على: https://www.turkeynow.news/politics/2021/06/02/25529/

[24] وزير الخارجية المصري يتحدث عن تقدم في العلاقات مع تركيا, آر تي عربي,. أكتوبر2021. متاح على: https://arabic.rt.com/middle_east/1279195-

[25] بعد الأسد.. السيسي يعزي أردوغان بضحايا الزلزال, العربية, فبراير ,2023, متاح على: https://www.alarabiya.net/arab-and-world/egypt/2023/02/07

[26] مصر وتركيا: وزير الخارجية التركي يعلن من القاهرة السعي لاستعادة العلاقات الكاملة مع مصر, موقع البي بي سي, مارس 2023. متاح على: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-64992030

[27] سعید الحاج. محددات السياسة الخارجية التركية إزاء مصر, مركز إدارك للدراسات والاستشارات, نیسان/أبریل 2016. متاح على: https://idraksy.net/wp-content/uploads/2016/04/turkey-foriegn-policy-egypt.pdf

[28] KHALIL AL-ANANI. Egypt-Turkey Relations: Challenges and Future Prospects, Arab Centre Washington DC , Oct 18, 2022. https://arabcenterdc.org/resource/egypt-turkey-relations-challenges-and-future-prospects/

[29] شيماء معروف فرحان. العلاقات التركية  المصرية بعد عام 2011, مجلة إتجاهات سياسية, المركز الديمقراطي العربي, العدد العاشر- المجلد الثالث . مارس-آذار 0202

[30] الواقع الاقتصادي في تركيا “يبدد الأحلام” – الإندبندنت, موقع البي بي سي الالكتروني, 8 يناير/ كانون الثاني 2022. متاح على: https://www.bbc.com/arabic/inthepress-59917480

[31] الإنهاك السياسي التركي يصل ذروته بعودة العلاقات مع مصر, جريدة العرب, لندن, مارس 2023. متاح على: https://alarab.news/

[32]  Ahram On Line, AP , Sunday 13 Jun 2021,  US ties Erdogan and Biden meet at a tense moment for Turkish -. https://english.ahram.org.eg/NewsContent/2/8/414093/World/Region/Erdogan-and-Biden-meet-at-a-tense-moment-for-Turki.aspx

[33] عبدالله عقرباوي. العلاقات بين تركيا وإيران.. ما هي مساحات الاتفاق والصراع بينهما؟, الجزيرة أون لاين, 6/12/2021. متاح على: https://1-a1072.azureedge.net/politics/2021/12/6/

[34] إسماعيل شاهين. مآلات تطبيع العلاقات التركية المصرية, مركز رؤية للتنمية السياسية, 19 ديسمبر، 2022. متاح على: https://vision-pd.org/

[35] جمال قازاق. مآلات تطبيع العلاقات التركية المصرية, مركز رؤية للتنمية السياسية, 19 ديسمبر، 2022. متاح على: https://vision-pd.org.

5/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى