الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

مستقبل العلاقات الليبية بالصهاينة

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

أعلن وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين في 27 أغسطس2023أنه التقى بوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في روما في 22 أغسطس 2023 وهو اللقاء الأول من نوعه علي الإطلاق بين وزيري خارجية البلدين وقد استضافت روما هذا الاجتماع وقام بتيسيره وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني وناقش الوزير الصهيوني خلاله مع نظيرته الليبية المساعدة الإنسانية الإسرائيلية المحتملة لليبيا والتي يمكن أن تشمل التعاون في الزراعة وإدارة المياه وعلق كوهين علي هذا الإجتماع بإنه “تحدث مع وزير الخارجية حول الإمكانات الكبيرة التي يمكن أن توفرها علاقاتهما للبلدين”وطلب الوزير الصهيوني من المنقوش خلال إجتماعه بها طلبات أقل ما تُوصف أنها سمجة وممجوجة منها أن تتخذ ليبيا خطوات للحفاظ على التراث اليهودي السابق في ليبيا بما في ذلك تجديد المعابد اليهودية وفي تقديري أن الإستجابة لهذا السخف دليل إذعان وخضوع لا مبرر منطقي له من الجانب الليبي إن كانت هذه الخطوة غير الضرورية البتة قد إكتملت حتي نهايتها .

في رد فعل سريع قام المتظاهرون في طرابلس ومدن ليبية أخرى بإغلاق الطرق وإشعال النار في الإطارات ولوح البعض بالأعلام الفلسطينية ورددوا هتافات مؤيدة للفلسطينيين فقام رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة إستجابة لذلك بطرد المنقوش التي فرت الآن إلى تركيا حفاظا على سلامتها كما أطلق الدبيبة تحقيقاً في شأن لقاء الوزيرة مع وزير الخارجية الصهيوني مُجدداً التأكيد على “رفض ليبيا تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني” , وتخفيفاً لحنق الشارع الليبي حاولت وزارة الخارجية الليبية التقليل من شأن الاجتماع حيث وصفته بأنه لقاء “غير معد” و”غير رسمي” وكأنه كان لا يمكن تجنب مثل هذا اللقاء وكأن الوزيرة لا تعلم أن هناك  قانون صادر عام 1957ينص علي أنه من غير القانوني أن تقيم ليبيا علاقات رسمية مع إسرائيل لكن ومحاولة للتهوين من هذه الخطوة الخالية من التقدير الصائب لتدعياتها فإن وزارة الخارجية الليبية قالت أن هذا اللقاء لم يتضمن “أي محادثات أو اتفاقيات أو مشاورات”.

يُعتبر القرار السريع جداً بسفر نجلاء المنقوش لتركيا والإعلان عن طردها من الوزارة والتحقيق معها وهو أمر مُتعذر بعد تسفيرها خارج ليبيا إلا أن ذلك علي كل حال مؤشر يؤكد علي أن الدبيبة كرئيس للوزراء كان علي علم ووجه الوزيرة بإتمام هذا اللقاء على علم بعقد الاجتماع ويؤكد ذلك أن مسؤول ليبي أفاد وكالة أسوشيتد برس بأن الدبيبة أعطى الضوء الأخضر لعقد هذا الاجتماع في يوليو , وقد أعلن مكتب النائب العام الليبي في 29 أغسطس2023 عن تشكيل لجنة تحقيق بشأن اجتماع روما قائلا إن مهمة اللجنة ستحقق في حجم الضرر الذي لحق بمصالح الدولة الليبية بناء على تقارير المخابرات الأجهزة وجمع الأدلة اللازمة للقيام بإجراءات استجواب المدعوين للاجتماع بما في ذلك سماع أقوال من علم بالأمر , وكان اقتراح تطبيع ليبيا للعلاقات مع إسرائيل قد قُدم لأول مرة في شهر يناير 2023 من قبل مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز إلي رئيس الحكومة الليبية / الدبيبة وبحسب وكالة أسوشييتد برس فقدأعجب الدبيبة بالفكرة لإنه يبحث عن شمولية الشرعية لحكومته من قبل الولايات المتحدة لكنه أساء تقدير رد الفعل العام العنيف في بلد معروف بدعمه الدائم والقوي للقضية الفلسطينية”.

للإحاطة بـ والتخفيف من أزمة هذا اللقاء تحاول حكومة الدبيبة البحث عن وسائل لتحقيق ذلك ومن بين هذه الوسائل ما أعلن عنه في 2 سبتمبر 2023 من توصل وزير الاقتصاد والتجارة الليبي محمد الحوايج إلى اتفاق مشترك مع نظيره الفلسطيني خالد العسيلي على استضافة معرض “صنع في فلسطين” في أرض المعارض الدولية بطرابلس دون تحديد موعد فقد التقى الحويج والعسيلي مؤخرا على هامش الاجتماع الوزاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في مقر الجامعة العربية بالقاهرة بمصر واتفق الجانبان على أن تتولى وزارتاهما الإشراف على الحدث بالتعاون مع الهيئة العامة للمعارض وقال بيان لوزارة الاقتصاد والتجارة الليبية إن اللقاء كان فرصة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقا خلال الزيارة التي قام بها وفد فلسطيني رفيع المستوى إلى ليبيا في مارس 2023وركز الوفد الفلسطيني الذي ضم أصحاب الأعمال على بلورة رؤية مشتركة في الجوانب الاقتصادية والتجارية لتعزيز التعاون بين ليبيا وفلسطين ونتيجة لذلك اعتبر معرض “صنع في فلسطين” وسيلة مناسبة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين وقد شدد الحويج خلال اللقاء على أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع فلسطين وأكد دعم حكومته لدولة فلسطين .

وعلي الجانب المقابل لحكومة طرابلس لم تعلق علي هذا اللقاء رسمياً حكومة طبرق التي يمثلها في الواجهة مجلس النواب وهو هيئة تشريعية تم إنشاؤها نتيجة للانتخابات البرلمانية الليبية لعام 2014 مدعوماً من خليفة حفتر قائدُ ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي  والذي لديه إتصالات قائمة ومستمرة مع الكيان الصهيوني بشكل مباشر وعن طريق الإمارات العربية ,    وفي أواخر عام 2014 انتقل  إلى طبرق في أقصى شرق ليبيا بعد احتلال الجماعات المسلحة لطرابلس خلال الحرب الأهلية الليبية الثانية وفي سبتمبر 2021 وافق مجلس النواب على تصويت بحجب الثقة عن حكومة حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة.

علي الجانب الصهيوني ولمواجهة تبعات كشف لقاء الوزيرة الليبية بالوزير الصهيوني في روما وهو اللقاء الذي بدأ بمبادرة سرية أمريكية , أصدر رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أمرا لكل الوزارات في 29 أغسطس 2023يقضي بأن يوافق مكتبه على جميع الاجتماعات الدبلوماسية السرية مقدما(وكأن هذا اللقاء لم يكن كذلك) حسبما قال المتحدث باسمه في الوقت الذي يسعى فيه المسؤولون لاحتواء العاصفة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة فلم يكن المسؤولون في واشنطن العاصمة سعداء بتسريب الاجتماع خاصة حيث قد أدي الجدل الأخير الذي أحاط بوزيرة الخارجية الليبية المعزولة نجلاء المنقوش واجتماعها مع نظيرها الصهيوني إيلي كوهين في روما إلى تعطيل خطط الإدارة الأمريكية لتطبيع علاقات الصهاينة مع ليبيا (التقت القائم بأعمال سفيرة الولايات المتحدة لدى الكيان الصهيوني ستيفاني هاليت بكوهين للتعبير عن عدم الرضا مما يشير إلى خطورة الوضع) وألقى هذا الحادث بظلاله على الجهود الهادئة التي تبذلها إدارة بايدن لإدخال ليبيا في حظيرة اتفاقيات إبراهيم وهي شبكة معقدة من الاتفاقيات تهدف لإقامة علاقات رسمية بين الكيان الصهيوني والدول العربية وقد ذهب أحد المسؤولين الأميركيين إلى حد القول إن التسريب أدى فعلياً إلى القضاء على إمكانية تطبيع ليبيا علاقاتها معالكيان الصهيوني مما يزيد من صعوبة توسيع الاتفاقيات لتشمل دولاً عربية وإسلامية جديدة وكذلك فإن كشف الكيان الصهيوني عن أن كبير دبلوماسييها التقى مع  نظيرته الليبية قد أثار احتجاجات غاضبة في الشوارع في عدة مدن ليبية وقال رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة الذي يرأس إحدى الحكومتين المتنافستين في البلاد إنه أوقف مؤقتا المنقوش عن منصبها بسبب الاجتماع المذكور وكأنه لا يعلم أن ليبيا لديها تاريخ من العداء المستمر تجاه الكيان الصهيوني , وفي توبيخ غير مباشر لوزير خارجيته قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إعلان “الكيان الصهيوني” عن لقاء إيلي كوهين مع نظيرته الليبية – الذي أثار أعمال شغب في طرابلس وإقالة نجلاء المنقوش من منصبها – “لم يكن مفيدا” و”استثناءا لوزير خارجيته” من قاعدة الاتصالات السرية والقدس ستضمن عدم تكرارها وردا على سؤال خلال مقابلة مع قناة ΑΝΤ1 القبرصية حول هذه الفضيحة وما إذا كان الإعلان عن الاجتماع وهو ما فعله كوهين كان مفيدا أجاب نتنياهو: “حسنا، لم يكن مفيدا الآن فهذا واضح” وقد بذل نتنياهو قصارى جهده للتأكيد على أن الحادث كان غير عادي في حين أكد أيضًا أن قبرص استضافت بنفسها العديد من هذه الاجتماعات السرية على مر السنين وأوضح أن هذا استثناء للقاعدة فلقد تم إجراء عدد لا يحصى من الاتصالات السرية بين الكيان الصهيوني والقادة العرب والقادة المسلمين وفي الواقع كان الكثير من هذه الإتصالات في قبرص وقد كانت حكومة قبرص مفيدة للغاية على مر السنين فلقد كان مضيافة جدًا وكانت هذه الإتصالات سرية للغاية في تمكين هذه الاجتماعات بما في ذلك بعض الاجتماعات التي أدت إلى اتفاقيات إبراهيم لذا إذا كنت لا تعرف ذلك حتى الآن فأنا أخبرك بذلك وقال رئيس الوزراء : ” لكننا كنا حريصين للغاية على عدم الكشف عن هذا في وقت مبكر”وقد بثت قناة ANT1 المقابلة في أواخر أغسطس2023 .

علي أي حال فقد أدى هذا اللقاء الذي تم بسوء تقدير إلى مزيد من تآكل شرعية حكومة الدبيبة الهشة بالفعل وبالنسبة  للكيان الصهيوني كان هذا اللقاء مع المنقوش بمثابة تذكير بأنه على الرغم من أن تطبيع العلاقات مع الدول العربية قد يكتسب زخما علي مستوي القيادات الرسمية إلا أن رد الفعل في الشارع العربي لا يزال بعيدا عن الترحيب به .

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة لاعباً رئيسياً في هذه الجهود وقد انخرطت الإمارات، التي سبق لها أن دعمت الجنرال المنشق خليفة حفتر خلال الحرب الأهلية الليبية 2014-2020 في حوار مع حكومة دبيبة في طرابلس داعية إلى التطبيع , وكان دور الإمارات العربية المتحدة في الجهود الإقليمية لتشجيع المزيد من الدول العربية على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني محوريا لمصالح السياسة الخارجية الأمريكية في عام 2020 قبل إعلان السودان عن التطبيع مع الكيان الصهيوني مباشرة عُقد اجتماع حاسم في أبو ظبي شارك فيه السودان والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وقد سعى السودان إلى الحصول على حزمة دعم اقتصادي واسعة النطاق ، وتمكنت الإمارات من استخدام مواردها المالية كحافز، مما سهل الاتفاق التاريخي بين السودان و الكيان الصهيوني , وبالنسبة لأبو ظبي فإن توسيع اتفاقيات إبراهيم لا يعزز مكانتها مع واشنطن العاصمة فحسب بل يعزز أيضًا مكانتها كلاعب إقليمي رئيسي وبينما تتنقل إدارة بايدن في شبكة الدبلوماسية المعقدة في الشرق الأوسط فإن الحادث الذي يتعلق بليبيا هو بمثابة تذكير صارخ بالتحديات والتعقيدات الكامنة في السعي لتحقيق السلام والتطبيع في المنطقة .

نــــتـــــيــــجــــة :

إلاعلان الصهيوني عن اللقاء السري لوزيرة خارجية ليبيا نجلاء المنقوش مع وزير خارجية الكيان الصهيوني كان مُتعمداً ومدروساً من جانب الكيان الصهيوني فتقارير الوساد عن الداخل الليبي عميقة وتفصيلية وواقعية إلي حد كبير لتحقيق هدف رئيسي وهو الإطاحة بـ وتحقيق مزيد من الضعف لحكومة الدبيبة , فليس الصهاينة بهذا الغباء الذي يعرضون حكومتهم متناقصة القوي لأسباب داخلية لخطر داخلي حقيقي فهم يدركون أن الإعلان عن اللقاء السري يعرض حكومة الدبيبة لخطر حقيقي , أما عن إصدار نتناهيو لتوجيهات صارمة بضرورة التنسيق مع مكتبه قبل تقرير الإعلان أو عدم الإعلان عن أي إتصالات سرية مستقبلاً فهو إجراء شكلي لأنه من المعروف أن شخصية نتنياهو مركزية ومُسيطرة بصفة كافية , والكشف عن لقاء المنقوش كان جزءاً من هدف يسعي الكيان الصهيوني إلي تحقيقه وهو تحقيق الإضعاف لحكومة الدبيبة غير الحائزة أصلاً علي إجماع داخلي وخارجي , وهذا ما شجع الكيان الصهيوني علي المضي نحو السعي لتحقيق التطبيع مع ليبيا رغم ذلك فالأوضاع الداخلية في ليبيا التي تواجهها حكومة الدبيبة هي العامل الرئيسي الذي لسوء تقدير حكومة الدبيبة الذي دفعها للتوجه نحو إجراء مثل هذه الإتصالات مع الكيان الصهيوني فهي ليس بالحكومة القوية المتماسكة ولا تحوز إلا القليل من الثوابت في سياستها الداخلية والخارجية   .

سيظل تطبيع العلاقات بين حكومة طرابلس والكيان الصهيوني هدفاً أمريكياً أولياً فالحكومة القائمة في طرابلس ستظل مكشوفة طالما كان هدفها الرئيسي الشرعية بالمقاييس الأمريكية وليس البحث عن سبل وحلول للإنقسام المزمن مع الشرق والجنوب الليبي , وإستجابة حكومة طرابلس لتحقيق هذا الهدف الأمريكي سيغري الولايات المتحدة بالبحث عن تحقيقه بوسائل وبدائل اخري تتناسب وغضبة الشارع في ليبيا عموماً والغرب بصفة خاصة , وإلي أن تدرك – وهذا مُستبعد – حكومة طرابلس أن جلب الكيان الصهيوني إلي طرابلس لن يُحقق الوحدة لا مع الشرق ولا مع الجنوب الليبي , فسيستمر إقتراب الصهاينة من طرابلس الغرب بوسائل مختلفة , فالبعكس ربما سيكرس الإقتراب الصهيوني في مراحل لاحقة الإنقسام والإنشطار الليبي فلا يمكن تصور أن الكيان الصهيوني مع وحدة الأراضي الليبية بأي حال من الأحوال , ولابد أن تعي مصر أيضاً أن وقوع ليبيا في متناول القبضة الصهيونية يزيد من المخاطر علي أمن مصر القومي مع إتاحة الغرب الليبي(كما الشرق) كملعب حر للصهاينة .

المثير للدهشة أن حكومة الدبيبة إستجابت لتحقيق أولويات الأمن القومي الأمريكي الذي يُعد الكيان الصهيوني علي رأس أولوياته مع أن الوحدة مع الشرق والجنوب هي ما يريده الشعب الليبي وهي التي تحقق الشرعية الكاملة لليبيا وفقاً للرؤية الليبية وليست الأمريكية , فمن ذا الذي يمكنه أن يتصور أن طرق التطبيع مع الصهاينة يلتقي مع طريق الشرعية ؟

الــــســـــفـــيــــر : بــــــلال الـــــمــــصــــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الـــــقاهــــــرة تــحـــريــــراً في 8 سبتمبر 2023

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى