الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

نهاية طباخ الرئيس

بقلم: التجاني صلاح عبدالله المبارك – المركز الديمقراطي العربي

 

في يوم الأربعاء 23 اغسطس/آب 2023 الماضي لقي زعيم مجموعة فاغنر “يفغيني بريغوجين” مصرعه في روسيا، إثر تحطم طائرة خاصة كانت تقله مع سبعة آخرين من موسكو إلى سانت بطرسبرج، منهم الرجل الثاني في المجموعة “ديمتري أوتكين” و “فيتالي تشيكالوف” المسؤول الوحيد عن تنظيم تحركات رئيس فاغنر بالإضافة إلى ثلاثة آخرين هم طاقم الطائرة لقوا حتفهم جميعا.

ولأن “بريغوجين” قام بحركة تمرد فاشلة وغير مسبوقة في يونيو/حزيران الماضي ضد القيادة الروسية ومسؤولي وزارة الدفاع (وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” ورئيس الأركان “فاليري غيراسيموف”)، فقد إتهم الإثنين بعدم الكفاءة وسوء إدارة الحرب ضد أوكرانيا وبالتضحية بعشرات الآلاف من الجنود في الحرب، بل أنهم حاولوا تفكيك مجموعة فاغنر التي تقوم بأصعب وأخطر المهام العسكرية خارج الحدود، فقد كان لهذا التمرد والنزاع مع القيادة الروسية عواقب وخيمة، جعلت الرئيس “بوتين” الذي اعتاد على الثأر المتأخر ان يخالف هذا التعود وأن تكون النهاية لقادة الميليشيا مبكرة في اعقاب شهرين  فقط من إعلان التمرد.

تعتبر فاغنر شركة عسكريّة خاصة تتبع ل-“يفغيني بريغوجين” وهو مرتزق يتمتع بصلات وطيدة مع الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين” ، وعناصر المجموعة هم أيضا في الأصل مرتزقة من قدماء المحاربين المتقاعدين من خدمات أمن الدولة، تتراوح أعمارهم بين 35 و55 عاما، بالإضافة إلى مقاتلين موالين لموسكو من دول الاتحاد السوفياتي السابق وكذلك من حليفتها صربيا، شاركت المجموعة في عدة نزاعات مختلفة مثل النزاع السوري إلى جانب نظام “بشار الأسد” ، كما شاركت مع القوات الإنفصالية التابعة ل- “جمهورية لوغانسك الشعبية” و”جمهورية دونيتسك الشعبية” اللتين أعلنتا الانفصال عن أوكرانيا، كما لعبت دورا هاما في الغزو الروسي لأوكرانيا،  إلى جانب كونها القوات الأساسية الراعية للمصالح الروسية في الدول الإفريقية.

وفي وقت يتجه فيه العالم لخصخصة الحرب وتمرير المسؤولية، فإن المجموعة تعتبر من أهم الأذرع العسكرية للقيادة الروسية وتقوم بمهام خارج حدود روسيا هي من اصعب وأخطر المهام، مثل حماية أنظمة الدكتاتوريات الحاكمة في إفريقيا من أي عدوان أو محاولات انقلابية، وعرقلة نجاح الثورات والتحول الديمقراطي في المحيط العربي، ومحاصرة النفوذين الأمريكي والغربي في إفريقيا، لذا فقد كان مقتل “بريغوجين” مثيرا  للعديد من التسأولات والتأويلات.

ولأن مصرع “بريغوجين” وقع ليلة عيد استقلال أوكرانيا الذي يصادف 24 أغسطس/آب من كل عام، فقد كان بعض الخبراء الروس مثل “سيرغي ماركوف” مدير معهد الدراسات السياسية الروسي يرى في تحليله لحيثيات مقتل “بريغوجين” ، إنه يرجح أن تكون الطائرة قد استهدفت من القوات الخاصة الأوكرانية باعتبار أن ذلك يعد هدية للقيادة الأوكرانية في كييف بمناسبة عيد استقلال أوكرانيا، بينما رجح محللون آخرون أن مقتل “بريغوجين” جاء بأمر من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” عقب التمرد الذي قاده قائد فاغنر ضد منظومة الدفاع الروسية، ودخول قواته مدينة “روستوف” الحدودية مع أوكرانيا، وهو ما اعتبرته القيادة الروسية تمردا مسلحا وخيانة عظمى وأعطت الأوامر بالتعامل معه.

وفي تحليل آخر يرى محللون أن اغتيال ” بريغوجين” يخدم في المقام الأول مصالح الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، الذين يسعون للانتقام منه؛ بسبب نشاطات مجموعة فاغنر في الحرب في أوكرانيا، ومساعدة الإنفصاليين الأوكران في لوغانسك و دونيتسك، وتهديد النفوذ والوجود الأمريكي والغربي في أفريقيا.

ولأن قيادة فاغنر غير مستقلة تماما في ادارتها للمجموعة إذ أنها ترتبط بالقيادة الروسية مباشرة، رغم نفي هذه الحقائق من القيادة الروسية التي تدعي أن مجموعة فاغنر لا تحظى بشرعية قانونية رسمية من روسيا لاحتكار إستخدام العنف وهو ما يعني إنتهاكا واضحا للدستور الروسي، ومخالفا لأحكام المادة 359 من قانونها الجنائي التي تجرم وتحظر الارتزاق.. لأنها غير مستقلة فإن صنع القرار والتوجيهات وتخطيط الأدوار وتحديد بدايتها ونهايتها تكون من القيادة الروسية باعتبارها المحرك الأول والأخير للميليشيا.

هناك افتراضان في تقديري للقيادة العليا ولنسمها القيادة (أ) التي تقوم بتحريك وتوجيه وإرشاد القيادة المباشرة للميليشيا ولنطلق عليها القيادة (ب)، في محاولة لفهم النهاية المأساوية ل-“بريغوجين” وربما أي قادة للميليشيات من النوع (ب).

الافتراض الأول: أن تسير العمليات القتالية الهجومية أو التأمينية في ترتيب مدروس وبنجاح في النزاع أو الصراع في أي رقعة جغرافية، سواء داخل حدود الدولة أو خارجها وفق ما تحدده القيادة (أ)  ، بما في هذا التحديد من وضع الخطط الهجومية أو الدفاعية أو التأمينية والإستراتيجيات الحربية والإمداد الحربي وكل ما يتعلق.

الافتراض الثاني: هو المعاكس تماما للافتراض الأول وهو أن لا تسير العمليات القتالية الهجومية أو الدفاعية وكل ما يتعلق بمجريات الحرب كما تحدده القيادة( أ) للأسباب الأتية:

1-وجود مقاومة قوية وعنيفة غير متوقعة من الاطراف الاخرى المعادية لعناصر الميليشيا، ما يؤدي إلى تحول تلك الاطراف من الوضع الدفاعي للوضع الهجومي وإحكام الحصار على القيادة (ب).

2_ضعف الروح المعنوية والإرادة القتالية لافراد وعناصر المليشيا، إما بسبب الإنهاك والإستنزاف لفترات طويلة في الحرب، وإما بسبب وجود مقاومة في ذات المنطقة سياسيا أو عسكريا أو معنويا أو لوجستيا بسبب إنقطاع الإمدادات الحربية والنقص الحاد في الذخائر.

3_نشوب نزاع في اتخاذ القرار وصنع القرار  بين القيادة (ب) والقيادة (أ).

4_أن تبدو عناصر وافراد الميليشيا أو القيادة (ب) بشكل بشع ومنفر للمجتمع الدولي، مثل ارتكاب العناصر لجرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية تتمثل في القتل العمد للمدنيين والاطفال والاغتصاب، وكل الفظائع المتوقعة وغير المتوقعة التي تمثل انتهاكا للإنسانية وحقوق الإنسان، إلى الحد الذي تلاحق فيه المجموعة إعلاميا وجنائيا في كل المنابر والمؤسسات الدولية القانونية.

في النقطة الثالثة كان “بريغوجين” وربما أي قيادة ميليشيا من النوع (ب) قد حدد مصيره ونهايته المبكرة على نحو ما قد أسلفنا، لأن “بريغوجين” كان له قرار خاص في إدارة الحرب ضد أوكرانيا يتعارض مع رؤية القيادة (أ) بل صرح أن الأسباب التي قدمت للغزو والاجتياح لم تكن إلا أكاذيب.

مع هذا فإن منازعة القرار في الافتراض الثاني مع القيادة (أ) أو تقهقر الموقف القتالي للميليشيا بما يقود للهزيمة ،  أو في النقطة الرابعة التي تطفو فيها فظائع وجرائم الميليشيا على السطح الاعلامي الدولي، فإن رد الفعل المتوقع من القيادة (أ) تجاه القيادة (ب) في تصوري هو واحد من اثنين:  إما التصفية الجسدية للقيادة (ب) وأبرز الشخصيات والعناصر المؤثرة فيها كما في نموذج “بريغوجين” و “ديمتري أوتكين” و “فيتالي تشيكالوف” في حادث الطائرة المنكوبة، أو إستبدال وتغيير القيادة (ب)، والأرجح أن يطبق التصور الأول بصورة غالبة لتفادي المتاعب التي قد تنجم من هذه القيادة (ب) التي بحوزتها الكثير من الملفات والاسرار التي قد تكون وبالا على القيادة (أ)  لاحقا، ولأن وجود القيادة (ب) الفاشلة سيظل مصدر قلق وازعاج مستديمين بسبب من قراراتها الخاصة ونزاعاتها المحتملة، كما أنها تعتبر وصمة عار على جبين (أ) لفشلها الذريع أو معارضتها وتذمرها المتكرر.

إذا طبقنا تلك الافتراضات على مجموعة فاغنر سنجد أنها متطابقة تماما مع نهاية “بريغوجين” و “ديمتري أوتكين” و “فيتالي تشيكالوف” المأساوية، وربما ينطبق السيناريو والافتراض مع أي قيادات من النوع (ب) تدخل هذا المدخل وتسلك ذات المسلك.

إضافة لما سبق فإنه بالنسبة لقيادات الميليشيات المهزومة ميدانيا عسكريا أو معنويا، إما بسبب الإنهاك والاستنزاف المتزايد أو نقص الأسلحة النوعية والذخائر أو من تنامي الدعاية الإعلامية التي تظهر الوحشية والبربرية التي تمارسها على المدنيين، فإنه ربما تواجه نفس مصير “بريغوجين” وهو التصفية الجسدية إما من القيادة (أ) مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بأن تترك في الميدان لتلاقي مصيرها المحتوم، هذا طبعا بعد استنفاد الفرص في إعادة حالة قوات الميليشيا إلى وضعها القتالي الأول المصادم.

هنا قادة الميليشيات يواجهون ثلاثة مصائر سوداء: اما أن تهرب بنفسها إلى دولة أخرى تقدم لها حماية أكبر، وإما أن تلاقي التصفية الجسدية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وإما ان تلاقي المصير الثالث وهو الإنتحار.الواقع المنظور والمقروء أيضا حافل بهذه النهايات الثلاثة.

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى