مقالات

صورة السياسي ورجل الأمن في السينما المصرية

 أعداد الباحث: حسن سعد عبد الحميد
أن العلاقة الجدلية بين السينما والسياسة والاجهزة الأمنية، من الإشكاليات الفكرية التي طرحت للنقاش منذ عقود والتي ما زالت وإلى اليوم تسيل الكثير من الاسئلة، وتثير العديد من النقاشات وذلك بفعل التجدد، والدينامية والتطورات المتسارعة التي تميز مجال السينما ، وكذلك عالم السياسة والأمن،ورغم كل ذلك ورغم كل ما قيل  لم تقترب السينما العربية عموماً والمصرية خصوصاً خلال رحلتها الطويلة التي بلغت أكثر من مائة عام في مناقشة القضايا السياسية الشائكة كما هي الأن ، فعبر تاريخها الطويل لا توجد إلاَ أفلام معدودة عالجت الهم السياسي بشكل فني متوازن ، بينما قامت أخرى بالهجوم العنيف على أنظمة الحكم السائدة ، أو مجاملة للسلطة القائمة والدعاية لها في أحيان أخرى.

فاالسينما المصرية نجحت ومن خلال حركاتها الواقعية والرمزية في النفاذ إلى الشعوب وتحطيم الأطر الرقابية  ، فأتخذت من الملهاة وسيلة للتحرش بالأفكار السياسية لرجال السلطة ملقية ظلالاً على ذلك الواقع المعتم ، وخصوصاً الإجهزة المتسلطة وأساليبها ولكن بأسلوب ساخر ومشاهد ومفارقات مثيرة للضحك وذات دلالات قوية .
ومنذ مدة ليست بالقصيرة احتلت صورة السياسي ورجل الأمن مكانة مهمة وبغض النظر عن نوعيتها سلبية كانت ام ايجابية ، احتلت مكانة كبيرة في الساحة العربية خصوصا في ظل الثورات العربية وحالات التحرر من الاستعمارالاجنبي ، فالسينما هي أحد أهم الأدوات الفنية المجسدة للهم السياسي والسلوك السياسي المصري ، حيث تطورت تلك السينما بشكل كبير في ظل الثورة والطفرة التكنولوجية والرقمية التي جعلت من العالم غرفة صغيرة محدودة المعالم ، حتى اصبحت لغة عالمية وأداة مهمة وفاعلة في التواصل والتأثير والسيطرة ، متجاوزة أغراض التسلية والمتعة.
وفي الحقيقة أن معالجة شخصية السياسي ورجل الأمن المصري هي أمور قد تمت معالجتها سينمائياً منذ العهد الملكي المصري ، وهي صورة متقلبة ما بين القساوة والعنف والخيانة للوطن والمواطن ، وما بين خدمة الوطن وحمايته وخدمة المجتمع.

ومنذ تلك المدة أكتسبت السينما المصرية أهميتها لكونها تتعامل مباشرة مع الصورة والحدث ومن خلال أشد الحواس الإنسانية تأثراً بما حولها وهي حاسة البصر ، ، التي تنقل الصور عبر أمتدادات بصرية إلى أعصاب الحس الوجداني ، والتي تعزز انفعالات شعورية عكسية وتخزن في الذاكرة الصورة المنقولة وتعرضها على انها حقيقية ومثالية ، وبالتالي تكون ردة الفعل الشعورية للمشاهد المصري متأثرة بتلك الصورة التي تكون حقيقة هي الأخرى.
أن التخوف السياسي والأمني على حد سواء من السينما المصرية لم يأتي من فراغ ، فهذه السينما قادرة في مرحلة ما على أحداث التغيير المنشود قياسا بغيرها من الفنون،ودليلنا في أثبات هذه الفكرة او الفرضية ، أن لها القدرة في الوصول إلى أكبر قدر ممكن من أفراد المجتمع ، ولكونها الأكثر حركية وديناميكية بهذا الصدد.

ففي خمسينيات القرن الماضي كانت صورة السياسي ورجل الأمن المصري ينظر إليها على أنها شخصية تغلب مصلحة الوطن على كل شيء ، وتجسيدا لشعار الشرطة في خدمة الشعب ، لكن هذه الصورة تغيرت في مراحل لاحقة، وإذا كانت المشاهد السينمائية بوصفها متنفساً للهم السياسي العربي وإيصاله للجمهور البسيط دون تعقيد ، إلاَ أن فنانوها السياسيون قد عانوا أشد المعاناة من السلطات الحاكمة التي كانت ترى في السينما أداة فاعلة لقمع الأطار الفكري السياسي للمعارضة والعمل على التغييب الجمعي بالحقوق المشروعة أن صح التعبير.

وفي عهد جمال عبد الناصر نجد أفلام تمجد السلطة والأمن والثورة وتسب الملك ، وفي عهد انور السادات نجد أفلام تشخص حالات فساد السياسيين وأفلام تتناول التيارات المتطرفة في مصر ،وفي عهد حسني مبارك برزت افلاماً تجسد أنتشار الرشى والتخلف بين صفوف رجال الأمن ،وأعمالاً فنية أختارت مسلك الصدام مع النظام السياسي وفضح معالمه ،أوالترويج لثقافة النظام السياسي وأظهاره بمظهر الرجل البسيط وهمه الأكبر راحة شعبه في ظل احاطته بمجموعة من الفاسدين الذين لا يعلمهم الرئيس لا من قريب أو بعيد.
ويلاحظ ان الدور السياسي والامني للسينما المصرية قد ازداد في عهد حسني مبارك حيث تم اظهار الشخصية السياسية وشخصية رجل الأمن المصري بمظهر الدكتاتور العنيف الذي يستمتع بتعذيب الآخرين ، شخص يتسم بالعنف والقسوة والإرهاب إلى أبعد حدود ، شخصية تؤمن بالرشوة والكسب الغير مشروع خصوصاً أذا كانت القضايا تتعلق بشخصيات مرموقة في المجتمع ، لكن يلاحظ أيضاً أن هذه الصورة قد تغيرت بعد التغيير في مصر في ظل ثورة يناير وما تبعها ، حيث تغيرت النظرة لرجال الأمن تحديداً على أنهم حماة الوطن والمواطن وسور مصر الحصين ضد الاعداء ، ولعبوا دور في انقاذ مصر من الفوضى السياسية ومحاربة الإرهاب وأعداء الوطن.
في الحقيقة والواقع نجد أن هذا التغيير في المواقف إزاء كلا الشخصيتين لم يأتي من فراغ ، فهذا الأمر عائد إلى طبيعة السياق السياسي والمجتمعي السائد ، وإلى المزاج الشعبي العام ، فرجل السياسة ورجل الأمن ليس ضرورياً أن يكون وطنياً ووسطياً ورجل قانون دائماً ، كما أنه ليس من الضرورة أيضاً أن يكونا فاسدين دائماً ، فمن المنطقي أن يكون هنالك توازن في الطرح بين السلبيات والايجابيات.
فالثابت لدينا أن دور السينما بهذا المجال أمر خطر جداً ، لكونها الأقدر على شحن الجمهور نفسياً مع أو ضد ، وهنا تكمن أهمية الموضوع ،وفي خضم كل ذلك لا زال الصراع قائماً بين الرؤيتين ، بين مع وضد ، وفي ظل تقديس تلك الثنائية دون أن يكون هنالك فكر ثالث يتسم بالعقلانية والواقعية في معالجة الأمور الداخلية وربما ذلك
عائدإلى طبيعة المزاج الشعبي العام المتسم بالثنائية البحتة والذي تتسم به اغلب شعوبنا العربية .
وما بين هذا وذاك نجد أن السينما اليوم أصبحت تشكل عقدة بالنسبة لسياسي السلطة وحتى بالنسبة لرجال الأمن ، لأن كل موروث أو تأويل فردي أو جماعي أصبح يحدد سياسياً وأمنيا عندما تنظر السلطة له بعينين مفتوحتين وتنظر لها الجماهير بعين واحدة.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى