الرهائن في عهدي جمي كارتر وجو بايدن
بقلم : د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية
- المركز الديمقراطي العربي
تنطلق هذه المقالة من أوجه التشابه ما بين العهدين عهد جو بايدن “الرئيس السادس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية” منذ 20 كانون الثاني/يناير 2021 إلى20كانون الثاني/يناير 2025، وعهد جيمي كارتر “الرئيس التاسع والثلاثون” الذي تولى الرئاسة من سنة 1977 إلى سنة 1981، فطريقة تعاملهما مع الأحداث التي جرت في عهدهما لعبت دورًا في عدم انتخابهم من جديد. ويمكن القول إن كارتر وبايدن واجها المشاكل الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية نفسها. ونحن في هذا المقالة بصدد تناول الجانب السياسي لهذا التشابه وبالتحديد موضوع الرهائن، كما يقول مارك توين “التاريخ قد لا يعيد نفسه ولكنه يتشابه كثيرًا”.
لقد شهدت فترة كارتر الرئاسية على قصرها أحداثًا هامة، لعل أبرزها اشتداد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979 التي أطاحت بحكم الشاه، ومن أبرز صور ذلك التوتر اقتحام الطلاب المتظاهرون السفارة الأميركية في طهران، وتم في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1979، احتجاز 66 من الدبلوماسيين لمدة 444يومًا، وشهدت السفارة الأمريكية في طهران الحادثة التاريخية التي عرفت بأزمة الرهائن التي هزت العالم حينها، وقد حاولت القوات الخاصة الأمريكية في نيسان/أبريل 1980، إنقاذ الرهائن إلا أنها فشلت فشلًا ذريعًا في تحريرهم، بسبب العاصفة الرملية الشديدة التي اجتاحت صحراء طبس الإيرانية التي قلبت الموازين وأدت إلى فشل هذه العملية، التي كانت تهدف إلى رفع معنويات الأمريكيين، لكنها تحولت إلى نكسة كبيرة لأمريكا. وأسفرت العملية عن مقتل 8 جنود أمريكيين وتدمير طائرتين، مما جعلها هزيمة عسكرية جديدة لأمريكا تضاف إلى هزيمة حجز الرهائن، مما وصم السياسة الخارجية لكارتر بالفاشلة وفي طبيعة الحال أثر ذلك بشكل سلبي على الانتخابات الأمريكية بكون ذلك الفشل سبق الانتخابات وكانت هذه الأزمة القشة التي قسمت ظهر كارتر وتم هزيمته في الانتخابات بولاية ثانية بعدما واجه ضغوطًا شديدة من الرأي العام الأمريكي، حيث غادر كارتر البيت الأبيض في عام 1981.
وجدير بالذكر، أن الجزائر تدخلت بوساطة ما بين أمريكا وإيران، ودخلت في مفاوضات مع الطرفين حيث أطلق سراح الرهائن الأمريكيين في طهران بتوقيع أمريكا وإيران على ما أطلق عليه “اتفاق الجزائر” لحل أزمة الرهائن في 19 كانون الثاني/يناير 1981، وتم الإفراج عنهم بالفعل في اليوم التالي، الذي تزامن مع مغادرة كارتر للبيت الأبيض وتسلم خلفه رونالد ريجان مهام الرئاسة الأمريكية.
لقد عمدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الدعم اللامحدود لإسرائيل على جميع الصعد، وتجلى ذلك بعد السابع من أكتوبر 2023، حيث نفذت إدارة الرئيس جو بايدن ما لم تقدم عليه أي من الإدارات السابقة وزار بايدن إسرائيل وقال “أنا صهيوني ولا أتردد في ذلك”، وكذلك أنتوني بلينكن وزير خارجيته الذي زار الكيان أكثر من عشر مرات، وقال في الزيارة الأولى بعد الطوفان بأيام: “أنا هنا اليوم في إسرائيل ليس بصفتي وزيرًا للخارجية فقط ولكن كشخص يهودي ابن يهودي”. وفي العودة للنبش في التاريخ فقد قال الرئيس جيمي كارتر سنة 1979 من على منصة الكنيست “إننا نتقاسم وإياكم الإرث المشترك في التوراة”، ويقصد في هذا الإرث المشترك الشعب المختار والفهم التوراتي القائم على القتل والإبادة والنسب إلى رب النموذج التوراتي.
ففي السابع من أكتوبر2023، قامت قوات النخبة لحركة حماس بأسر المئات من الجنود والمستوطنين من غلاف غزة واحتجزتهم كرهائن لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين القابعين في السجون الإسرائيلية، ومن ضمن الرهائن التي احتفظت بهم حماس رهائن من حاملي الجنسية المزدوجة ويذكر أن المقاومة عاملتهم معاملة حسنة وهذا باعتراف الرهائن أنفسهم. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تم إطلاق سراح العديد من الرهائن بناء على وساطة قطرية ومصرية برعاية أمريكية وكان الرئيس باين هو بنفسه يتابع المفاوضات من خلال مبعوثه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، وكان بايدن يتصل في استمرار في الرئيس عبد الفتاح السيسي والأمير تميم بن حمد آل ثاني. وبايدن هو من قدم في بداية تموز/يوليو 2024، خطة “ورقة” لإتمام صفقة تبادل وافقت عليها حماس إلا أن نتنياهو هو من عطلها وأفشل الخطة. رغم الدعم الأمريكي المطلق لم يقدم نتنياهو لبايدن أي شيء ليقدمه إلى الناخب الأمريكي، حيث رفض توقيع اتفاقية صفقة بسيطة قبل موعد الانتخابات للإفراج عن سبع رهائن من أصحاب الجنسية المزدوجة “الأمريكية”، وأصر نتنياهو على رفض هذه الصفقة على الرغم من ليونة موقف حماس حول ذلك ولرفض نتنياهو الوساطات القطرية والمصرية المتكررة التي كانت تسعى للتوصل لهذه الصفقة لتقديم إنجاز لبايدن، وهذا دليل على أن خسارة حزب بايدن في الانتخابات كانت بسبب موقفها الداعم لإسرائيل في الحرب.
وعلى الرغم من المواقف الإسرائيلية لم يوقف بايدن الدعم المطلق لإسرائيل، بل استمر في فرض سياسة الانحياز والدعم وتوفير الغطاء لإسرائيل من خلال استخدام الفيتو أربع مرات لمنع وقف الحرب على القطاع، وكان آخر استخدام للفيتو في 20تشرين الثاني/نوفمبر 2024، للقرار الذي يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة؛ ليدلل على أنه صهيوني أكثر من الصهاينة.
وعليه، حصل حزب بايدن على ضربة قاسمة في صناديق الانتخابات وكانت النتائج مخيبة للآمال لحزبه الذي دفع ثمن مواقفه ودعمه المطلق لنتنياهو في إبادة القطاع ديمغرافيًا ومعماريًا، وهي أسوأ من نتائج صناديق الاقتراع التي حصل عليه كارتر في عام 1980. ولابد من التعريج على نقطة الالتقاء والتشابه ما بين بايدن وكارتر وحتى الرئيس القادم دونالد ترامب، وتحديدًا موقفهم من الدعم المطلق لإسرائيل وجميع تصريحاتهم وأفعالهم والكيل بمكيالين، من خلال استخدام البارجات والصواريخ وفتح المستودعات العسكرية والخزينة المالية لإسرائيل، كل ذلك يؤكد على أن الجامع أو القاسم المشترك بين هؤلاء الرؤساء الثلاثة بشكل خاص وجميع الرؤساء بشكل عام هي إسرائيل فهي كلمة السر التي توحد الفعل الأمريكي في التصرف في الشرق الأوسط، والواقع أن التاريخ يشير إلى أن الرؤساء الأميركيين يفضلون حماية إسرائيل على حساب أحزابهم، وهذا ما حصل مع كارتر وبايدن واجها نفس المشكلة والمتمثلة في الفشل في الفوز بولاية رئاسية ثانية.
فقد دامت الأزمة سابقة الذكر ما بين إيران وأمريكا مدة تجاوزت السنة، ومع الاعتداء الإسرائيلي على إيران واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في نهاية تموز/يوليو 2024، والرد الإيراني على إسرائيل وقصف إسرائيل في الصواريخ والمسيرات مرتين تجددت الأزمة بين البلدين. وكأن التاريخ يعيد نفسه، فقد قامت أمريكا في اغتيال قاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، في 3 كانون الثاني/يناير 2020، واغتيال العديد من القادة الإيرانيين ومشاركة إسرائيل في الاعتداء على إيران أكثر من مرة، والواضح مما سبق أن أمريكا تعادي من يعادي إسرائيل وهذا سر عدائها لسوريا وإيران ومحور المقاومة.
ومن الضروري طرح السؤال الجوهري، هل سيتم تنفيذ الصفقة مع دخول ترامب البيت الأبيض كما حصل سنة 1981 عندما تم إطلاق سراح الرهائن مع دخول الرئيس ريجان البيت الأبيض؟ وإن لم تتم الصفقة هل يستطيع نتنياهو التلاعب مع ترامب كما تلاعب مع بايدن، أو الأصح كما لعب على بايدن عندما قدم بايدن بنود صفقته ووافقت حماس عليها ورفضها نتنياهو؟، ولم يقدم له نتنياهو أي إنجاز يذكر على الرغم من الدعم الشامل لإسرائيل؛ فولاية بايدن في نهايتها ولا يريد نتنياهو تقديم شيء، أما ترامب فهو في بداية ولايته ونتنياهو بحاجة له لإعادة دور إسرائيل الجيو الاستراتيجي في المنطقة وفتح طريق لها للاندماج في محيطها وبالتحديد بوابة التطبيع مع السعودية؛ ودعم نتنياهو نحو ضم الضفة الغربية وإنهاء خطر الملف النووي الإيراني، وتفكيك محور المقاومة من خلال استئصال الخطر المستقبلي على إسرائيل لعدم تكرار السابع من أكتوبر. بناء على ذلك، سيتم عقد صفقة ومنحها للرئيس ترامب وسيكون الرهائن من أصحاب الجنسية المزدوجة “الأمريكيين” من أوائل المفرج عنهم في هذه الصفقة المتوقعة بظل المرونة الحذرة التي أبدتها حركة حماس، بالإضافة إلى عائلات المحتجزين الإسرائيليين التي استغاثت بترامب في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بعد نشر كتائب القســام فيديو للمحتجز من حاملي الجنسية المزدوجة عيدان ألكسندر وهو يناشد ترامب والمجتمع الإسرائيلي العمل على عقد صفقة لإطلاق سراحه.