مقالات

تصالحوا .. مع مصر

بقلم : حسين مرسي

لم تعد الأمور في مصر تسر حبيبا .. ولكنها للأسف تسر عدوا بل تسر كل أعداء مصر .. فقد أصبح حال المصريين شتاتا .. وأحوالهم صراعا .. وليلهم سبابا على مواقع التواصل الاجتماعي .. ونهارهم عراكا في الشوارع وأماكن العمل وفي الطرقات وحتى في المنازل .. والسبب ثورة !!!
نعم السبب في فراق المصريين هو ثورة .. مؤامرة تم تدبيرها بليل لمصر استغلالا لظروف سيئة وأوضاع خاطئة حتى يقوم الشعب ليهتف بسقوط النظام .. ثم تحول الأمر من الهتاف بسقوط النظام إلى العمل بكل جد واجتهاد وغباء بل وإصرار على الغباء لإسقاط الدولة نفسها وليذهب الجميع إلى الجحيم .. ليس مهما .. المهم هو الشعارات الكاذبة .. والمهم هو أن يبقى الوضع على ما هو عليه .. انقسام وتناحر بين شعب واحد لم يكن يوما على خلاف في أي أمر من أمور حياته حتى جاءت الثورة الكاذبة لتحول المصريين إلى قطعان متناحرة حتى دون سابق معرفة .
حتى الدين اختلفنا فيه وبدلا من أن نكون على قلب رجل واحد ضد عدو واحد نعرفه جميعا تحولنا جميعا لنصبح على قلب الوطن الذي أصبح يئن ويشكو من غباء بعض أبنائه وعمالة بعضهم وبجاحة البعض الآخر !
الآن وبعد أعوام خمسة على ما أسموه ثورة .. وبعد ثورة حقيقية أسموها انقلابا .. أصبح الشعب فرقا متناحرة .. انقسم المصريون إلى إخوان رغم أن كثيرا منهم لايعرف الإخوان ولا يعرف معلومة واحدة عنهم ولكنه يسير في ركاب الجزيرة وأخواتها و الأكاذيب التي تروجها ويسلم عقله وأذنيه لمروجي الفتن .. والبعض الآخر يعجبه الحال ويعتقد أنه يجاهد في سبيل الله ولو بقتل شقيقه وجاره وابن بلده لمجرد أنه يختلف معه في الرأي أو في التوجه السياسي بل ويكفره في أحيان كثيرة .. والبعض يمارس البلطجة السياسية التي وصلت لحد الإرهاب بمعناه الحقيقي .. وإلا فما معنى أن تعتقد أن كل ضابط شرطة قاتل وكل ضابط جيش مجرم دمه حلال .. بل كل جنود الجيش والشرطة دمهم حلال لأنهم في نظرهم جنود فرعون الذين يناصرون الباطل على الحق .. والحق هنا هو فصيلهم وعشيرتهم التي هي على الحق كما يعتقدون .. ونصرة العشيرة والجماعة أولى من نصرة الوطن نفسه .. الارتقاء بالجماعة أهم وأبقى حتى لو كان الثمن هو الهزيمة والانهيار وتقسيم الوطن وخرابه !
الإخوان لا يكفرون من لاينتمى إليهم فقط بل كل من أيد ودعم جيش بلاده الانقلابي من وجهة نظرهم وكل من اعتقد أن الشرطة تقوم بواجب وطني في الحفاظ على الوطن والأرض والعرض رغم كل ما بها من تجاوزات .
وفي مصر عائلات بأكملها تفرقت واختلفت ودخلت في عداوات بين الأخ وأخيه والأب وابنه والأخت وأختها بل وأمها بسبب الانتماء للإخوان أو تأييد الجيش أو دعم السيسي رئيس البلاد ..
و الأمر في الخلافات التي وصلت لحد الصراع والمقاطعة لايخص الإخوان فقط بل يخص كل من ظهر على الساحة بعد أحداث يناير .. شباب الثورة يعتبرون ما حدث في يناير أمرا مقدسا لايجب نقده أو الاقتراب منه ولو بشطر كلمة ومن يتجرأ ويتحدث عن 25 يناير بسوء أو حتى بغير سوء فالويل كل الويل له .. وهو في النهاية إما عميل للأمن أو خائن للثورة أو فلول أو ظلامي إلى آخر تلك الاتهامات سابقة التجهيز في مراكز التدريب الأمريكية والصهيونية التي تلقى فيها العملاء تدريباتهم على إحداث الفوضى في مصر.
والشباب يرفضون وجود الكبار ويتهمونهم أنهم سبب ما حدث في مصر من تراجع وكوارث ويرفضون فكرهم ووجودهم على الساحة بشكل فيه الكثير من التجاوز الذي يصل لحد قلة الأدب .. والكبار أنفسهم يرفضون عملية الإقصاء من أبنائهم فيوجهون لهم اللوم والتعنيف بشكل لاذع غير مقبول أيضا فلا هذا يقبل ذاك ولا ذاك يحتوي هذا .. ومات بين هذا وذاك تضيع كل أسماء الإشارة وتضيع كل معاني الوطنية والأخلاق والاحترام بين الكبير والصغير
لقد أصبح العامل المشترك الأكبر بين المصريين الآن هو الاختلاف والانشقاق في كل صغيرة وكبيرة .. بين الأفراد العاديين وبين أساتذة الجامعات والأكاديميين .. وبين النشطاء والنخبة المثقفة التي لاتهتم لأمر الوطن بقدر ما تهتم لتفاصيل غبية تثير الفتنة وتفرق ولا تجمع .. حتى أحزاب مابعد الثورة وما قبلها أيضا لم تعد تتفق على أمر ما .. حتى داخل الحزب الواحد تجد الخلاف والتناحر على كل ما يدور داخل الحزب ليخرج بعدها المتناحرون على الفضائيات والصحف لينشروا على الشعب غسيلهم القذر
وحتى داخل البرلمان وبعد ماراثون غير شريف خاضه المرشحون ظهرت الخلافات داخل البرلمان بين النواب أولا على منصب رئيس المجلس .. ثم بين التكتلات والتحالفات .. وحتى بين نواب الحزب الواحد ظهرت الخلافات التي وصلت الحرب فيها لمراحل متقدمة كما خرج علينا نائبان من حزب المصريين الأحرار بخلاف ليس له معنى ولا مغزى اللهم إلا مزيدا من التشتت والفرقة .. وإلا فما معنى أن ينشق نائب عن حزبه لأن ريئس الكتلة البرلمانية بحزبه اختلف معه فظهر الصراع على شاشات الفضائيات ليصبح الخلاف البسيط معركة يستخدم فيها كل طرف أقوى أسلحته ضد الطرف الآخر
هذا باختصار ما وصلنا إليه بعد ما أسموه لنا بالثورة .. وهل في العالم ثورة تفرق شعبها مثل ما حدث في مصر .. أنتظر من الكثيرين أن يخرجوا على كلامي هذا بهجوم لاذع وباتهامات عنيفة لأننا للأسف لانسمع لصوت الحقيقة التي تؤكد لنا اننا أصبحنا شعبا منشقا على نفسه .. يعشق الهجوم على الآخر ولا يرى في نفسه عيبا .. يرى ويسمع لرأيه ووجهة نظره فقط ويرفض الآخر الذي صدعونا بضرورة قبوله بشكل مطلق .. هكذا كنا .. وهكذا وصلنا بعد خمسة أعوام من ثورة فاشلة أو على الأصح مؤامرة فشلت بستر الله فقط ثم برجال مصر الأوفياء .. ولكن لو استمر الأمر على هذا الوضع فأعتقد أن القادم لن يكون على هوى الكثيرين منا .. والخلاصة في عبارة واحدة .. تصالحوا تصحوا وتصح بلادكم وأوطانكم .. مصر في حاجة إلى مصالحة شاملة مع الاخر ومع النفس .. مع مصر .. بس خلاص

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى