مقالات

طهران بين الحُلم الفارسي والمعوقات الدبلوماسية

بقلم : عمرو محمد إبراهيم

التحركات الإيرانية في المنطقة لا تزال تعبر عن روح الأطماع التوسعية لدى الإمبراطورية الفارسية القديمة، فالمحاولات التي تبذلها ولاية الفقيه منذ قيام الثورة الإيرانية في عام ١٩٧٩ في تصدير الثورة وتمديد الهلال الشيعي، عبرت عن رغبة السيطرة “الجيوسياسية” لطهران على المناطق التي توجد فيها الأقلية الشيعية، وقد استخدمت المذهب كا آلية في التوسع؛ ففي العراق استطاعت طهران استغلال الممارسة السياسية في العراق ما بعد الاحتلال لتوسع نفوذها فيه من خلال النخبة المتعاطفة مذهبياً مع إيران، وكذلك السيطرة التدريجية على القرار العراقي، ومنه إلي الشرق الأوسط.

وفي الإطار نفسه أمتد التوسع الإيراني في كل من لبنان واليمن سوريا، وظهر المشروع الإيراني بصورة جلية من خلال انغماسها في الأزمة السورية ومحاولة إنقاذ طاغية دمشق بالقوة العسكرية.

وأيضاً الرغبة الإيرانية في الوصول إلى البحر الأحمر عبر اليمن، والأبيض المتوسط عبر سوريا، والأسود عبر دعم الأقليات في تركيا، تعكس خطورة المشروع الإيراني على الأمن الإقليمي واحتمالية حدوث صراع عسكري في قلب العالم الإسلامي بعد التصدي لهذا المشروع من قبل دول إقليمية أخرى تمثل السنة، خاصة تركيا والسعودية، والتحالفات السنية الأخيرة والانفتاح الإيراني مع الغرب كلها بوادر تأزم الأحداث باتجاه الاصطدام الشامل.

فروح التوسع وعقلية “فارس” لا تخدم الشعوب في المنطقة، وإن الشعوب الإسلامية تسعى إلى العيش المسالم إلا أن القيادات الإيرانية تبدو لا تكترث بالإفرازات التي قد تنتج من مشروعهم الطائش، وفي المقابل الأنظمة الشمولية في العالم العربية لا تعي إدارة الأزمات بالعقلانية السياسية مما يهيئ الأرضية الملائمة للتصادم الشامل والتوجه نحو حالة حرب الكل ضد الكل، إن الأمن والسلم الإقليمي بات في خطر حقيقي في ظل الإدارة الإيرانية الراهنة، وكذلك انعدام الإستراتيجية الواضحة من الطرف المقابل لمواجهة التوسع الإيراني في المنطقة.

إيران المحاصرة، المعزولة التي ظن قادتها أن الاتفاق النووي مع الغرب سيضمن لها الهيمنة على المنطقة، إيران التي كانت تستعد لتصدير أول شحناتها من النفط الأسبوع الماضي بعد انتهاء الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً عليها لأكثر من ثلاثين عاماً، وجدت نفسها محاصرة ومعزولة من دول الجوار بسبب أخطاء السياسة الخارجية الإيرانية، وهمجية الهلالي وأشياعهم في قم ومشهد، إيران استفاقت على كابوس لا ينتهي، السعودية بقوتها الروحية والاقتصادية أحكمت قبضتها على إيران، الكثير من الدول أعلنت تأييدها للمملكة في تجامع عربي.

وألان ماذا.. هل تبحث إيران عن الخروج من المأزق الراهن؟ الإجابة هي: نعم. هل يكفي السعودية الاعتذار الإيراني في الأمم المتحدة؟ أو من خاتمي وروحاني ومن على شاكلتهم، بالتأكيد لا، المملكة التي حققت نصراً على إيران في اليمن، تريد أن تكف إيران يدها عن التدخل في شؤون الدول العربية، وأن تخرج من سوريا، ومن العراق، من لبنان، تريد المملكة ومن خلفها الأمة العربية أن تحيا إيران داخل حدودها شرق الخليج العربي، السعودية الحالية لديها من جرأة الفعل، وسرعة رد الفعل، أن ترفع عصاها الغليظة في وجه إيران ووكلائها في المنطقة، وقد فعلت، وألان السعودية الجديدة تريد استعادة المجد العربي الضائع.

الدعم المصري والعربي والإسلامي غير المحدود للموقف السعودي جاء سريعاً وقوياً، حيث أعلنت مصر عن دعمها للموقف السعودي منذ اللحظة الأولى، وأكد وزير الخارجية سامح شكري على الثوابت المصرية، في أن أمن السعودية والخليج من أمن مصر، وأن أي تهديد للملكة هو تهديد لمصر، وأن المصير المشترك يجمع بين السعودية ومصر، موقف داعم وقوي أبدته الدبلوماسية المصرية طيلة الأسبوع الماضي ألجم إيران، وأربك ملاليها في طهران ومشهد وقم، كما قطعت عدد من الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية بإيران مثل البحرين والإمارات والكويت والسودان واكتفت قطر وسلطنة عمان والأردن بإدانة الاعتداء الإيراني على البعثة الدبلوماسية السعودية.

السعودية قالت إن زمن الفوضى الإيرانية انتهي، على إيران أن تعي أن عهد الملك سلمان هو بداية عصر جديد للأمة العربية التي ظنت إيران ومن خلفها الغرب أنها أمة ماتت، العرب قالوا لا لهيمنة إيران، على إيران أن تستوعب دروس الماضي وعبرات التاريخ، فهل يخرج من بين الإيرانين رجل رشيد يعيد إيران إلى محيطها الإسلامي وجيرانها العرب؟

الآلية الأساسية لتجنب المنطقة حالة الانهيار الأمني تكمن في تغيير عقلية القيادة الإيرانية، وكذلك حل المعضلة الإنسانية في سوريا، لأنه في ظل استمرار الحالتين فإن العواقب تبدو كارثية في ظل احتمالية أسوأ السيناريوهات في الشرق الأوسط.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى