المرأة نصف مجتمعنا الذي قتلناه
بقلم : نور الحضيري
“المرأة نصف المجتمع” ،،،عبارة شهيرة لاشك أنك قد سمعتها من قبل الآف المرآت في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ،في الشارع ،في المناهج التي تدرسها ،وفي كل خطب القادة السياسيين وأئمة المساجد لا شك في ذلك، بوصفها واحدة من موروثاتنا الإجتماعية ،وقيمنا الدينيه ،لكن ذلك الإعجاب الشديد بالكلمات الرنانه التي تسمعها سيصدمك بالتأكيد في أولي محاولااتك لمراقبة الواقع الذي تعامل به المرأة المصرية في مجتمعنا الموقر و”المتدين بطبعه” هو شيئ لا يحتاج منك مجهودا لتلاحظه ، فيكفي أن تسير في إحدي شوارع العاصمه ،أو تركب مواصلة عامة ،او تدخل سوقا تجاريا مشهورا بكثرة رواده ،وفي دخولك لإحدي الجامعات المصرية غني عن كل ذلك!
ستري وتسمع من أشكال العنف الذي يمارس ضد المرأة المصريه ،بكل أنواعه ،بداية من المعاكسات ،والإعتداءات اللفظيه ،مرورا بالتحرش وصولا للإعتداءات المباشرة في وضح النهار وأمام الجميع ،ذلك مما ستراه بعينك وتسمعه بأذينك،وماخفي كان أعظم!
ولعل أكثر مايلفت الإنتباه ويثير التساؤلات ويدعوني –شخصيا-للتعجب بل وللإندهاش-في مثل هذه الحوادث اليوميه ،هو رد الفعل الذي يقوم به معظم الأفراد-ولا أقول جميعهم-عند رؤيتهم لمثل هذه التجاوزات ستندهش عندما تري أن موقف الكثيرين وللأسف الشديد يتسم بقدر كبير من اللامبالاة بل وربما وصل أحيانا إلي لوم الضحية بدلا من الجاني ،إلي الحد الذي يصل في بعض الأحيان إلي محاولة إعطاء مبررات وأعذار لمن يقوم بذلك بدعوي أن الزي الذي ترتديه الفتاه غير مناسب ،وأنها مسؤلة عن ذلك،إلي آخر تلك العجائب التي ستسمعها إن حدث أمامك مثل تلك المواقف ،وربما يصل بك العجب إلي أشده عندما تلاحظ أن في الغالب من يستخدم تلك المبررات تكون من النساء ،في الوقت الذي يفترض أن تكون المرأة هي الأكثر دراية بمدي الألم والمعاناة النفسية والجسدية التي تعاني منها الفتاه التي تتعرض لتلك المواقف- التي تعجز أقزع الألفاظ أن تصفها،أي المواقف-!
أجد نفسي عاجزا عن إيجاد مبرر مقبول لمثل هذا النوع من رد الفعل المجتمعي ،نحو تلك الجرائم ،-ولا أعتبر نفسي مبالغا بهذا الوصف-لكن الشيئ المؤكد أن هناك مجموعة من الأسباب المؤدية لمثل هذا االموقف السلبي في التعامل مع تلك الحوادث اليوميه في مجتمعنا ،ولعل من أهم هذه الأسباب:
-غياب الوعي العام بحقوق المرأة
-التردي الذي وصلت إليه الحريات العامة في المجتمع ،لاسيما تلك المتعلقة بالحرية الشخصيه.
-بعض العادات والتقاليد والمفاهيم الخاطئة الراسخة في موروثنا الشعبي
-وما الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام عن طريق بعض مايذاع فيها من ذلك ببعيد.
إلي جانب تلك المشكلات التي يلعب المجتمع دورا أساسيا في المساهمة فيها ،فإن غياب الحل الرسمي ممثلا في الجهود المبذولة –والغير كافية والمتأخرة جدا-من قبل الدوله يساهم بشكل كبير في زيادة ظاهرة العنف ضد المرأة ،بكل ماتشكله من خطر داهم يصيب الأساس الذي تقوم عليه نهضة المجتمع ممثلا في المرأة.
ويكفي أن نذكر هنا بعض الإحصائيات الرسمية لمنظمات المجتمع المدني المتخصصه في الدفاع عن حقوق المرأة محليا ودوليا ،لنعرف مدي جسامة الخطب وخطورة المرحلة التي وصلت إليها مصر ،فيما يتعلق بحقوق المرأة والبيانات المدرجه هنا ضمن حصاد عام 2015:
-تصدرت مصر قائمة الدول العربية الأكثر ممارسة للعنف ضد المرأة في العالم العربي خلال عام 2015 (دراسة لمؤسسة تومسون رويترز).
وأشارت الدراسه إلي إنتشار التحرش الجنسي وختان الإناث والزواج القسري وتصاعد ظاهرة إستغلال النساء ،بفعل الفهم الخاطئ للعقائد الدينيه والقوانين العنصرية التي تميز بين الرجل والمرأة.
-مصر تأتي ضمن اسوأ 10دول في مجال المساواة بين الجنسين (تقرير الفجوة بين الجنسين ،الصادر عن المنتدي الإقتصادي العالمي).
-نسبة 99.3% والفتيات يتعرضن لنوع من أنواع التحرش (بحث هيئة الأمم المتحدة للمرأة ،في محافظات مصر).
ويذكر أن البحث قد أشار أن مانسبته 59.9% من الفتيات اللاتي شملتهن الدراسه تعرضن لتحرش عن طريق لمس الجسد!
-69% من النساء المتزوجات يتعرضن للضرب من أزواجهن لأسباب مختلفه (تقرير مرصد سيولا التابع لمؤسسة قضايا المرأة)
إختلفت الدراسات وتعددت لكن الشيئ الثابت ،هو أننا بصدد مشكلة كبري تعصف بأسس الإستقرار النفسي والوجداني للمجتمع أولا وهو ماسينعكس بالتأكيد علي جميع الجوانب الأخري ،خاصة الإجتماعية منها ،ويبقي بعد تحديد المشكلة أن نبحث عن حل جذري لها ،إن كنا نريد إصلاحا للمجتمع أو نهضة للوطن ،,أن الحل لا يجب أن يكتفي بالجانب الرسمي منه متمثلا في صياغة القوانين وإقامة المؤتمرات وإلقاء الخطب فقط ،بل يجب أن تساند تلك الجهود الرسميه ،جهودا شعبية حثيثه تهدف إلي إعادة تشكيل الوعي بأهمية دور ومكانة المرأة كحجر أساس في المجتمع ،وليس مجرد أداة لإشباع الرغبات الجنسيه وخدمة الرجل!
إن مانحتاجه بحق هو أن نتعامل مع المرأة كعقل وفكر ،وليس كجسد فقط ،ربما هما خياران أمامنا لا ثالث لهما ،فإما إنقاذ نصف المجتمع ،أو إنهيار المجتمع بأكمله،،والقرار لنا..
-مصر ضمن اسوأ 10دول في مجال المساواة بين الجنسين