قومية الجياع
إعداد : عبدالله جوده
عندما تذكر كلمة القومية ؛يتبادر إلي أذهاننا ؛لأول وهلة القومية العربية ،الذي نعتقد أنها عصا موسى السحرية ،تضرب الدول العربية ؛فتتحول إلي نموذج غربي فريد ؛متناسين أنظمة الحكم العربية وإستبدادها ،أو سلوك الشعوب العربية وإنعدامها.
1-من تاريخ القومية العربية :
القومية تعني مجموعة دول أو أقاليم؛ تربطهم علاقة اللغة أو الدين أو التاريخ أو المصير المشترك،بالنظر إلي الدول العربية ،نجد تطابق العناصر إلي حد كبير ؛وإن لم يكن تطابقا كاملا،فاللغة العربية ؛والديانة الإسلامية ،والتاريخ المشترك في أحقاب متباعدة ،وترابط العناصر السابقة ،يقودنا بالتأكيد إلي نفس المصير.
بدأت القومية العربية في القرن العشرين ،كصورة حية لمواجهة إستعمار الدول الغربية ،وتكونت الجمعيات السرية ،التي اقتصر نشاطها علي العمل العسكري ،والتي دعت إلي تحرير الدول العربية ،وإستقلالها عن الدولة العثمانية .
مثلت الحرب العالمية الأولي فرصة مواتية ،لتحقيق حلم القومية ،قامت (الثورة العربية)1916 بقيادة (الحسين بن علي)، علي أرض الحجاز ؛تم طرد الحاميات العثمانية ،قاتلت العرب إلي جوار الحلفاء أو بالأحري (بريطانيا)،كان الهدف إعلان إستقلال الدول العربية (الجزيرة العربية وسوريا والعراق) طبقا لمراسلات (الحسين – مكماهون) ،إلا أن إنتهاء الحرب ،أنهت معها وعود الحلفاء ،تم تجاهل العرب ومصيرهم في مؤتمر الصلح العام في باريس 1919،بل والتنكر لهم بإعلان وعد بلفور.
مجاولات الدول العربية للتقارب لم تتوقف ،تم توقيع معاهدة الطائف في 1934،بين السعودية واليمن ،لتحقيق التعاون بين الطرفين،في 1936تم توقيع معاهدة (إخاء وتحالف)؛بين العراق والسعودية لتبادل الخبرات العسكرية،وانضمت إليها اليمن في 1937,تم تسوية الخلافات بين السعودية ومصر في مايو 1936،نتيجة للحروب بين محمد علي والوهابيين ،تلا ذلك بعام إنعقاد المؤتمر الفلسطيني العربي،في مدينة (بلودان ) الجزائرية ،لتنسيق لمواجهة الصهيونية العالمية .
2- الجامعة العربية :
كانت المؤسسة الوحيدة ،التي جمعت الدول العربية المستقلة ،طبقا لبروتكول الإسكندرية في سبتمبر 1944،إلا أن الميثاق أصابه عوار كبير،منعه من تحقيق التكامل العربي ، مثل أن القرارت تكون ملزمة لمن وافق عليها ،وهو ما قاد إلي هزيمة 1948، في 1950 تم توقيع معاهدة الضمان الجماعي ؛لم تفعل .
جاء عبدالناصر إلي الحكم ،وجاءت معه الفكرة أيضا ، حيث تدخل في اليمن ،وقام بالوحدة مع سوريا ؛التي أرقت مضاجع الدول الكبرى وأجنداتها ؛وصرح (خروتشف) (العرب لا يزالون أطفالا،ولا تجمعهم سوي اللغة )،بعد هذا التاريخ لم يقدم إسهام يشكر،أو موقف يذكر.
3- سراب القومية: تقاطعت فكرة القومية مع مصالح الدول الكبرى كثيرا،فبريطانيا أيدت الثورة العربية في بدايتها ،وشجعت علي قيام الجامعة العربية علي لسان مستر إيدن (وزير خارجية بريطانيا )،وباركت دول العالم قيام التحالف العربي في اليمن ؛ومن بعدة التحالف الإسلامي الإعلامي بقيادة السعودية لقيام الحرب الدينية ،التي أدمت أوربا من قبل .
القومية كفكرة ليست ناضجة ،هي فقط أضغاث أحلام تراود العرب ،يجدوا فيها عالم إفتراضي خالي من النزاع ،مكدس بالنمو الإقتصادي ؛طبقا للدخول العربية المحدودة ؛إلا أن هناك أسباب جمة يستحيل قيام الوحدة معها من أبرزها :
- 1-رغبة الأنظمة العربية في الإستمرار في الحكم ،دون إتخاذ أي إجراءات من شأنها تعزيز التكامل ،أي رغبة كل نظام عربي في الحفاظ علي حيزه في إتخاذ القرار،إن لم يتوسع ليشمل إجراءات أكثر إستبدادا ؛ فلا يتقلص.
- 2- الشعوب العربية تقبل القومية ؛لكن بدرجات متفاوتة ،فالشعب الصومالي الغارق في مجاعته قد يعتبرها المنقذ والملاذ ؛لكن المواطنين في الخليج قد تغرقهم القومية،فالظروف الإقتصادية المتفاوتة تجلب ردود أفعال متفاوتة.
- 3- التوازنات الدولية لها نصيب الأسد ؛في إقتلاع الفكرة من جذورها ،فالتعامل مع كيان عربي موحد ،بموارد إقتصادية هائلة ،وطاقة بشرية جيدة ،يعني قطب دولي مؤثر ،في عالم لا يتسع سوى لقطب واحد في نظر أمريكا .
4-مستقبل الحلم :
هل ستبقي القومية حلم ؟ أم للعرب رأي آخر ؟
بالنظر إلي حالة البلاد العربية ،سواء من الناحية السياسية والأمنية ،أومن الناحية الديموغرافية ،ستجد البلاد العربية تعج بالصراع ،بين كارثة سوريا ومشكلة اليمن ،ومأزق ليبيا ومجاعات الصومال ،يتبخر أمامك حلم التكامل ؛فتسقط أمطار الحقائق علي وجهك ،لتوقظك وتضعك في حالة أرق .
لا أقول إنظر إلي القومية العربية ،لكن إنظر إلي دولة عربية واحدة ،تتمتع بدرجة عالية من التماسك ،مع مراعاة نوع هذا التماسك ،ومستقبله المجهول ،الأمر أشبه بحصان طراودة ، ضخم كعدد العرب ؛أجوف كعادة حكامه.