مصر .. وأسئلة المصير
بقلم: عبدالله عبدالحميد فرحان
ليس أقسى من رحيل عالم فذ كأحمد زويل إلا تزامن رحيله مع حالة الضعف التي تعيشها مصر ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وأمنياً، تقذف أرض العرب المبدعون والعلماء والعباقرة إلى الغرب، لكنها لا تتسع إلا لموتهم، يوصي زويل أن ينقل جثمانه من نيويورك ويدفن في مصر، فهل صارت مصر مجرد مدفن كبير ..؟
تشير معطيات السياسة وأرقام الإقتصاد إلى غياب كبير لمصر على الساحة الإفريقية، وهو غياب لا يكفي لتجاوزه وعود أو تصريحات، أو حتى عقد مؤتمر قمة العاشر من يونيو ٢٠١٥م لدول (الكوميسا – السادك – دول شرق أفريقيا)، فمنذ سنوات طويلة ومصر تُحَاصِرْ نفسها ويحاصرها المتربصون بها من كل الجهات تقريباً.
كيف ستتدفق البضائع ورؤؤس الأموال بين مصر وبقية إفريقيا فيما تم تقسيم السودان وفصل جنوب السودان الممتد بخارطته الحيوية والواسعة حتى أواسط إفريقيا، فيما تحتفظ مصر حتى اليوم بعلاقات سيئة مع جمهورية السودان، وكيف ستعزز مصر من علاقاتها التجارية والثقافية والجيوستراتيجية مع شمال أفريقيا ودول الصحراء فيما تعصف بليبيا أسوأ موجة من الاقتتال الأهلي وغياب الدولة.
لقرون طويلة، ظلَّ الشرق الأوسط المجال الحيوي لمصر، وهامش مناوراتها ونهضتها السياسية والعسكرية والإقتصادية، ومساحة تأثيرها العلمي والثقافي، اليوم تفصل إسرائيل البر المصري عن بر المشرق العربي، ويتم الزج بمصر في صراع أمني واجتماعي مرير في بوابتها الشرقية (سيناء) فيما تراجعت الصادرات المصرية إلى بلدان المشرق العربي التي تشهد اضطرابات أمنية وسياسية تعصف بها وتغير من خارطة وشكل المنطقة في غياب شبه كامل للدور المصري.
لم يعد شيوخ وطلاب الأزهر يصولون ويجولون في منابر ومدن الشرق الأوسط وأفريقيا، ولم تعد كوكب الشرق أم كلثوم تغني على مسارح القاهرة ليطرب لصوتها العالم، ذلك العالم الذي لم يعد يقرأ الأهرام، ولم يعد يستمع لإذاعة صوت العرب، فأمامه طابور طويل من الفضائيات والبرامج الإعلامية والفنية، وفي آخر هذا الطابور – للأسف – يقف الإعلام المصري والدراما المصرية والسينما المصرية وأطلال القوة الناعمة لمصر.
وفيما يعاني الاقتصاد المصري من تحديات الارتفاع الحاد في الدين العام، وانخفاض قيمة العملة المصرية، تواجه الأمة المصرية تحديات مصيرية لا تبدأ من أزمة سد النهضة وتهديدات انخفاض حصة مصر في مياه النيل ولا تنتهي عند المشكلات الأمنية في سيناء ومناطق مصرية أخرى، والأسوأ من كل ذلك أن لا جهود حقيقية في حل هذه المشكلات بقدر الاستمرار في تراكمها ورفدها بمشكلات وتحديات خطيرة جديدة.
للأسف .. كلما ضاق بالمارد الكبير قمقمه، لا يحظى بغير قمقمٍ أصغر، وبقدر حاجة مصر اليوم لإدارة سياسية شجاعة وناضجة تشتري لمصر فرص الإنعتاق والنهوض؛ لا أن بعيدا في تجاهل القضايا الحيوية والجيوستراتيجية، بل وحتى التلويح ببيع الذات، ولعل الرئيس عبدالفتاح السيسي ومن ورائه المؤسسة العسكرية أكثر عرضة للإنتقاد اليوم بعد أكثر من ثلاثة أعوام من الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين وبعد عامين من تسمية السيسي رئيساً لجمهورية مصر العربية.
يستحق الدكتور أحمد زويل أن تودعه مصر بإكمال مشروع مدينة أحمد زويل العلمية، وهو يستحق أن يغادر مصر وهي تذهب في طريق يليق بها، كان الكاتب والسياسي الكبير محمد حسنين هيكل يستحق ذلك أيضاً، فيما مصر لا تستحق أن يرحل الرواد عنها مغمورين بالحزن على حالها، والأسف من واقعها الذي لا يجد العقل له تفسيراً ولا يلقى المنطق إليه طريقاً.
لقد أصبح التاريخ أكثر ضيقاً وأقل تعاطفاً، هذا ما يجب أن يستوعبه حكام مصر الحاليين، فمصر المثقلة بخطايا السابقين وأخطائهم عاجزة جدا عن تحمل المزيد من اللامبالاة والفشل، والذرائع والمبررات صارت أقل نفوذاً لدى الخاصة والعامة، فيما يتربص الكثيرون بكل محاولة مصرية لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق، تستحق مصر أن تجري الأنهار تحتها، وأن تتسع لأبنائها في حياتهم، كما تتسع لهم في مماتهم…!!