لا شروط مُسَبَّقة في المفاوضات السورية؛ إنما قواعد مُسْبَقة
بقلم الباحث السياسي : سيهانوك ديبو
خروج المبعوث الدولي لحل الأزمة السورية السيد ستافان دي مستورا كل مرة بعد احتدام الحرب السورية كما نلاحظها اليوم في مشهد حلب وتأكيده في كل مرة بأنه لا شروط مُسْبَقة في المفاوضات السورية؛ ربما؛ يمكن النظر إلى ذلك بضرورة قبول الأفرقاء السوريين بالجلوس والتباحث والتحاور. ولا يخفي على أحد بأننا في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وفي حركة المجتمع الديمقراطي Tev Dem كنا الوحيدين في بيان مثل هذا الموقف منذ بدايات الأزمة السورية مع بعض القوى الديمقراطية السورية وبعض شخصياتها مُحذِّرين سوياً بأن الحل السياسي هو الذي يكون ولا يوجد بالأساس حل اِسمه العسكري؛ فهو خيار ولا يمكن إدراجه تحت بند الحل، والأخذ به أساساً يصير حين افتقار الحل أو تعثره.
ومن المعقول أن يُنظَر إلى معركة حلب في سياق الأزمة السورية وتدويلها وفي حجم أجندات الدول المتصارعة اليوم على وفي وإلى سوريا، وفي الوقت نفسه في حجم الملفات المتشابكة فيما بعد مع الأزمة السورية، من حيث أن عموم مفاصلها مرتبطة برؤى الغاز والنفط والمياه والطاقة. إذْ تبدو هذه الملفات بعيدة عن الأجندة الوطنية في سوريا ومسائل التغيير الديمقراطي؛ وبغاية التَحَسُب من الوقوع في فخ التشبيك المخيف للملفات حذرنا من فوضى السلاح ومن الحرب الطائفية وضرورة الفرق بين التدخلات الجزئية وبين الاجماع الدولي والمساهمة في مسألة التغيير مع السوريين أنفسهم.
نتفق مع كل من يقول بأنه لا شروط مسبقة في التفاوض؛ لكن لا نرى ذلك بأنه يكفي، وأن قواعد التغيير ومفاصله العريضة من المفترض أن يتم تشريطها وتحديدها ووضعها على طاولة المفاوضات السورية. ونعتقد بأن أهم هذه القواعد هي:
1- سوريا ذات النظام الديمقراطي: هناك اجماع شبه عام؛ وطنيٌّ سوري وإقليمي ودولي؛ بأن إعادة إنتاج النظام الاستبدادي في صيغة المركزية أو إحدى صيغ اللامركزية الخادمة للمركزية؛ لن يكون مؤسساً لحالة التغيير ولن يساعد في طي صفحة الحرب ولن يكون مساعداً للقضاء على ظاهرة الإرهاب والتي بدورها استندت في إحدى تجلياتها على الصيغة المركزية الاستبدادية إلى جانب أسباب وتجليات أخرى. من حيث أن طبيعة شعب سوريا لا تحتمل نمط النظام المركزي.
ونموذج الفيدرالية الجغرافية سيكون فاعلاً للانتقال إلى الديمقراطية وتحقيق جميع المسائل المرتبطة بها كالأمن والاستقرار والتنمية وترسيخ مبادئ العيش المشترك وحل جميع القضايا ومن بينها القضية الكردية ضمن إطار الجغرافيا الواحدة وتأكيداً لها.
2- العقد الاجتماعي/ الدستور الديمقراطي: السوريين والمكونات في سوريا تعيش اليوم في أسوأ حالات التقسيم وعدم الثقة، وهذا بدوره بسبب طبيعة الحرب وطريقة الحشد لهذه الحرب ووقود هذه الحرب التي تظهر غالبيتها من أبناء المكونات السورية.
البعض يرون في هذه الحرب بأنها طائفية، والبعض الآخر يرى بأنها حرب بين قوى وطنية وقوى متآمرة إرهابية، والبعض يرى بأن ما سبق ليست سوى مُغذيات الحرب وأن الثقافة السورية لا تحتمل مثل هذه المفاهيم وأن أساس الحرب بسبب الاستبداد وغياب الديمقراطية وما تبقى تم الأخذ به من أجل الاستمرار بهذه الحرب، ومن المهم هنا أن نؤكد أن بعض السوريين قد انطلى عليهم التغيير المستمر لقواعد اللعبة ووجدوا أنفسهم في أمكنة ربما لم يتوقعوا أنفسهم أن يتموجدوا في مثل هذه المواقع.
وما يلزمنا اليوم عقد اجتماعي جديد يلبي تطلعات عموم المكونات ويضمن الانتقال إلى الحالة الديمقراطية القويمة.
3- الإدارة الانتقالية وفترتها: أطراف الأزمة والصراع في سوريا من الضرورة أن تكون أجزاء من الحل مع من يملكون مشاريع ديمقراطية أثبتت التجربة نجاحها- تجربة الإدارات الذاتية في فيدرالية روج آفا- شمال سوريا؛ ربما هذا المعني الأساس من لا شروط مسبقة من التفاوض.
وإذا ما تم الاتفاق على الهدف المعني من التغيير أي الانتقال من نظام مركزي إلى لا مركزي (اتحادي) ديمقراطي يتم صونه عبر عقد اجتماعي (دستور ديمقراطي)؛ تبقى المسائل المتعلقة بالحكومة الانتقالية ومهامها (الانتقالية) أقل تعقيداً وأكثر عرضة للاتفاق والدوام.
ربما نستطيع من خلال هذه القواعد وغيرها التي تشبهها وتتناغم معها أن تكون بمثابة خارطة طريق لا يخسر فيها أيّاً من الأطراف السورية؛ بل يخرج الجميع فيها رابحين. فلا شروط مسبَّقة إنما قواعد مسبقَة تلجم آلة الحرب ويتم التهيئة للخروج من الكهف المظلم في عمر الأزمة السورية من عامها السادس.