(قمة) ذكورية في طهران؛ فشلت
اعداد الباحث السياسي: سيهانوك ديبو – المركز الديمقراطي العربي
حوالي العشرين ذكراً. يتقاسمون طاولة مستديرة. في قاعة مؤتمرات شمال العاصمة طهران. المضيف هو طهران والضيفين هما موسكو وأنقرة. رؤساء ثلاث؛ وزراء دفاع ثلاث؛ وزراء خارجية ثلاث، وثلاث ذكور من كلاً منها بعلاقة للمواضيع الخلافية التي تطل رأسها بدون مواربة لدى كل منها على حدا. الممعن في هذه الثلاثيات الذكورية، والمنتقل أبعد منها؛ وصولاً إلى الدول والجغرافيات المستحدثة ما بعد الحربين الكونيتين الأولى والثانية، وإلى رؤساء الاستخبارات وأركان الحروب في العالم يرى بأن كلهم/ جلّهم من الذكور. وهذا ما يفي قبل أي شيء وفي الوقت نفسه كدليل على أن ذهنية السلطوية الذكورية سببّتْ كل هذه الحروب والحروب التي تأتي؛ هي الأخطر. كما أن مثل هذه الذهنية السبب في عدم استتباب السلام، وفي ترسيخ الأزمات؛ أزمة تلو الأخرى، بالجملة وبالمفرق. في هذا العالم وعلى هذه البيضة الأرضية، وبشكل مخصوص في شرقنا الأوسط.
قبل الدخول إلى عرض مكامن الخلل ونقاط الفشل التي ظهرت في طهران بين (الضامنين) الثلاثة، وأنها فاقت بنسبة كبيرة نتائج اجتماعهم السابق في أنقرة الرابع من أبريل نيسان العام الحالي؛ يُحْضِر هنا السؤال ويسبقْ: هل يمكن اعتبار مشهد إظهار التناقض وإظهاره إعلامياً على الملأ ما بين الدول الثلاث؛ وبشكل مخصوص ما بين موسكو وأنقرة؛ بأنه ضمن المشهد الاعتيادي؟ أمْ أنه إعلامُ الإعلان على بداية الانفكاك؟ أو التمهيد له في سياق نشوء الجديد من التحالفات في التغيير لموازين القوى: سوريا وإقليمياً وعالمياً؟ سؤال على ذمة المتكوّم من المشاهد والتفاصيل التي تأتي فتجيب.
اثنا عشر بنداً شمل بيان مشترك لقمة طهران الثلاثية الجمعة 7 أيلول / سبتمبر 2018 لا يذكّر بأي شكل ولا علاقة لهذا البيان بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وبحق شعب سوريا الذي يتألف من شعوب وقوميات وأديان وطوائف منْ أن يحقق مصيره بنفسه. على العكس تماماً فإن ضامني الآستانة كرروا القديم عندهم بهدف لَوكِ خلافاتهم. سوى بند شديد العدائية إلى رفض لأية صيغة حل ديمقراطي للأزمة السورية كما في حال الإدارة الذاتية الديمقراطية –وإن جاءا بشكل مستتر- تحت وصف حجة أو الحق الذي يُراد به الباطل (….رفض كل جهة تقوِّض سيادة سوريا وسلامة أراضيها وكذلك الأمن القومي للدول المجاورة). وبند آخر محوري وهو السبب الأساسي ليجتمعوا من أجله، لكنهم فشلو لأجله؛ فتم تأجيله، والاستعاضة بحسم معركة إدلب إلى ما سموّه (..تناول الرؤساء الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب وقرروا معالجته بما يتماشى مع المبادئ المذكورة أعلاه ومع روح التعاون التي ميزت صيغة أستانا). لكن؛ روح اجتماعات الآستانا سوداء؛ ونتائجها اليوم كارثية ولم تهيئ لحظة إلى أي تفصيل يشي أن يكون بالمُمَهد للحل السوري. طهران وموسكو مسؤولتان عن احتلال أنقرة لجرابلس والباب واعزاز وعفرين، ومناطق من إدلب. أمّا رفض أردوغان لأية عملية شاملة في إدلب فبسبب أنه لم يفلح في تمرير أن يتم نقل الإرهابيين والجماعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة في إدلب إلى عفرين والشهباء واحداث أكبر عملية تغيير ديموغرافي في تلك المناطق. لم يفلح؛ ليس لأن الضامنين الآخرين من همومهما أن لا تحدث جريمة التغيير الديموغرافي، وأيضاً رفض الاحتلال التركي؛ مناطق سوريّة كاملة تغيّرت وتتغير ديموغرافياً اليوم. فقط لأن عين أردوغان على حلب ولم يستطع مرة أخرى عن طريق قمة طهران أن يضمن طريقاً تركياً مستقبلياً إلى حلب. فحلب عنده ولاية عثمانية وهو السلطان العثماني الجديد. وأفضل ما يريد أن يسميّه حتى غلمانه من المحسوبة على المعارضة السورية بالفاتح أردوغان. لكن إذا ما حدث مثل هذا الشيء فإن أول شيء يتبّعه: بأن تنقسم سوريا إلى سوريتين سوريا الشرقية وسوريا الغربية؛ على شاكلة لحظات عبث مرّت على ألمانيا وانشطرت فيها إلى جزئيين بينهما جدار. الجدار يمكن أن يقع ويتم هدمه ونسفه. لكن نهر الفرات لا يردم؛ لا يجف. أردوغان وشركائه يصفون عبر بيانهم بأن الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا هي المشروع الانفصالي المهدد (للأمن القومي) التركي والدول المجاورة، علماً وخلافاً لهذه التهمة المضللة فإن هذه الإدارة آخر محطة وطنية ديمقراطية علمانية سوريّة دافعت وتدافع حتى اللحظة عن سوريا الموحدة؛ سوريا التي تتوسع على جميع السوريين. للتذكير بأن مثل هذا الموقف الزائف نحى إليه أردوغان وانقلب فيما بعد على نفسه حينما قرر أبناء شعب العراق بإيجاد حل أزمتهم في شكله الاتحادي. وهنا وإذا ما كان هناك من يرى بأن الشكل الاتحادي لم ينجح أيضاً في العراق؛ ليتم تذكيره بأن حوالي 64 مليون من الكيلومترات المربعة من على هذه الكرة الأرضية تدار اليوم عبر صيغ وأشكال الفيدرالية المختلفة؛ أقل ما يمكن قوله. وأن المشكلة المتفاقمة في العراق ليست بعلاقة والشكل الاتحادي إنما بالمحاصصة عبر التكتلات السياسوية. وأن العقد الاجتماعي العراقي/ الدستور في واد والمحاصصات/ إدارة الحكم في واد آخر.
في 24 نوفمبر تشرين الثاني 2015 حينما أسقطت أنقرة طائرة السوخوي على تخوم إدلب توقع الكثير بأن تكون سابقة تفارق قطعية ما بين أنقرة وموسكو. لكن الأخيرة آثرت إلى تشغيل الأولى على مبدأ العقاب من جنس الجريمة. وللأمانة فإن أنقرة أكثر من خدمت السلطة في دمشق من خلال بيع وشراء في المحسوبة على المعارضة بدءاً من حلب وصولاً إلى عفرين وانتهاء بدرعا واليوم في جنوب إدلب، وفي الوقت نفسه خدمت أنقرة موسكو أن تحقق حلمها القديم المتمثل في تصيير أعلى مستوى للوجود الروسي في المياه الدافئة. كما أن موسكو كافأت أنقرة باحتلال عفرين. عفرين التي لها مصير واحد متمثل بالعودة محررة من الإرهابيين وسلطانهم في وقت ليس بالبعيد. لكن إدلب اليوم تصر أن تبدو بأنها جغرافية الافتراق/ الانفكاك الروسي التركي. وأنه من المرجح أن تبدو علائم الافتراق بشكل أوضح في المستقبل القريب. الأرضية مناسبة لذلك فتركيا دولة محتلة لمناطق سوريّة. وتركيا الراعي الأكبر للتنظيمات الإرهابية؛ أشار القيصر بوتين إلى السلطان واتهامه بأنه الناطق الرسمي للتنظيمات الإرهابية. كما أن تركيا لم تزل تسمّن المحسوبة على المعارضة والتي بمناسبة ومن دونها تشكك بالوجود الروسي في سوريا؛ لا بل على أنه الاحتلال الروسي لسوريا. من المتوقع أن يمارس الدب الروسي أقصى حالات الاحتواء للذئب التركي؛ حتى عدم عودتها مرة أخرى إلى حضن الناتو؛ لكن يبقى وإن حدث محدوداً. بخاصة أن أنقرة من ساهمت في التمكين الروسي لبعض الملفات في آسيا الوسطى. طرفين أو أطراف متناقضة وحدّتهم الخطوة الأولى فقط. أطراف ثلاثة تعاني أزمة اقتصادية خانقة ويتحدثون عن إعادة الإعمار في سوريا. أطراف ثلاثة لم يذكروا مسار جنيف لا من قريب ولا من بعيد؛ بالأساس فإن هدف مسار الآستانا هو إحداث خرق بمسار جنيف وتحريفه. لكن الثلاثي فشلوا في ذلك أيضاً ولن يفيد تعلقهم بسلة الدستور والتي تبقى فارغة إلى ما شاء صارت المفاوضات الحقيقة وحضرت جنيف أهم القوى الفاعلة المؤثرة في الحل السوري على أساس مساره السياسي والقصد هنا بالتحديد مجلس سوريا الديمقراطية.
مفاد القول بأن مشهد إدلب يكون متأرجحاً، بخاصة بعد أن تم فيه الشطب بشكل كليّ كي يكون تحرير إدلب مقتصراً على (الضامنين) الثلاثة. فسوريا مع شديد الأسف تعج بكل الدول ويمر من جغرافيتها كل المصالح الإقليمية والدولية. وضمن هذا المشهد تصر دمشق على إعادة انتاج مشهد 2011. علماً لا أرضية ذاتية وموضوعية لذلك. ومن الأفضل على الجميع أن يقبل بأن سوريا دولة لا مركزية ديمقراطية ستكون أفضل بكثير أن يتم شطحها وشطبها من خلال النظام المركزي أو بالأحرى الشديد المركزية كما في مشهد 2011.
بالعودة قليلاً إلى العنوان. إلى مأساة العالم في ذكوريته. نرى بأن أحد أهم دواعي الإدارة الذاتية الديمقراطية تتمثل في حل قضية المرأة. وأن تمكين المرأة سياسياً ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً, وزيادة وتعزيز مشاركة المرأة في عمليات صنع واتخاذ القرارات, وتمكينها من المشاركة بالعمل في مجالات الدفاع المشروع والأمن، وبأن الرجل والمرأة متساويان بالحقوق والواجبات، وأنه لجميع المواطنين السوريين الحقوق والواجبات نفسها دون أي تمييز؛ باتت بالمسألة الهامة التي من خلالها نقيس أنفسنا بأنفسنا هل تغيّرنا أم لم نزل في لبوس الماضي الذكوري؟ هي حقيقة حينما ندرك بأن طبيعة النظام المركزي والمعارضات المرتهنة وتنامي قوى الارهاب وصراع المصالح الإقليمية والدولية تسببت في تدمير سوريا تدميراً شاملاً شعباً وسيادة، ولن تكون مهمة إنقاذ سوريا والحيلولة دون سقوطها النهائي إلا بإرادة أبنائها وقواها الوطنية الديمقراطية العلمانية والممتلكة مشاريع حقيقية للحل وإمكانيات عملية وعملياتية للإنقاذ. وحان وقت الحلول الجذرية الشاملة التي تقوّض وتقطع الطريق على العقليات النمطية والتناحرية والقوموية والجنسوية والدينوية السائدة في الدولة القومية، وضمان الحقوق الديمقراطية لجميع السوريين أفرادا ومكونات وشعوب، فهذه هي حقيقة سوريا أمراً لا مناص منه.
يبقى السؤال: هل ستنعقد قمة مماثلة في موسكو؟ وإذا ما انعقدت؛ فعن أي إدلب وعن أية سوريا يتحدثون؟