مقالات

لكنكم –كلّكم- المسئولين عن خطيئة عفرين

اعداد الباحث السياسي : سيهانوك ديبو – المركز الديمقراطي العربي

فالحقيقة لا تستمد شرعيتها من كثرة القائلين بها، على الرغم من ذلك فإنها تدور. وهي هنا بداية خاطئة تتحمل وزر ظهور الديمقراطية العددية التي فرّخت فيما بعد مسألةً اشكالية اسمها أكثرية- أقلية. قد يتعدى الأمر هنا من مستوى الإشكالية واصلاً إلى حال ترسيخ المشكلة أو الأزمة؛ مثالها الأزمات التي تعصف بالمنطقة جملة ومفرقاً. أما السبب الأساس في ذلك فمرتبط بشكل كبير لنقطة لم يستطع البشري مغادرتها: ما زالت البشرية في طور العبودية؛ لم تبرح منها؛ كل الذي يحصل توسيع نسب السادة وابقاء العبيد. وهذا ما يمثل جوهر حقيقة الانتقال الذي حصل من المجتمع الطبيعي إلى الوضعي. متحولة البشرية فيها إلى عبيد وسادة معدودين.

تم تكريس ذلك في فترة العبودية. أصبحت العبودية بشكل جديد في مستوى الاقطاع؛ هنا زادت نسبة السادة فتكريس التقسيم المجتمعي. طرأ زيادة في هذه النسبة (السيّد) في العصور الوسطى التي اتفقت على ذلك حتى الشرائع والأديان وكرستها المعاهدات السياسية لاحقاً لمفهوم الطبقية والتقسيم ضمن المجتمع الواحد. أما في مرحلة الدولة الاشتراكية المشيّدة؛ من خلال النماذج التي ظهرت؛ فما كان في ظاهريته وظهرانيّه؛ سوى تجسيد لمرحلة العبودية؛ على الرغم من ترداد مفاهيم الحرية والاشتراكية؛ وغيرها من المفاهيم. هذا وقت مهم يلزم فيه الاعتراف مرة أخرى –أقلّه- بأن أزمتنا/ أزماتنا بنيوية معرفية وفكرية جيوسياسية محضة. غير ذلك بمثابة الخطو نحو مستنقع الأزمة في شكل طوعيٍّ أدريٍّ.

احتل جيش الاحتلال التركي ومرتزقته عفرين في 18 مارس آذار العام الماضي. بعد حصار تجاوز خمس أعوام، وبعد عشرات الهجومات عليها من قبل جماعات مسلحة مسيّرة من قبل النظام التركي؛ حملت وتحمل إلى اليوم أسماء مختلفة؛ سوى أن كلها تنتمي إلى أجندة القاعدة ويتخذ أغلبها غطاء تستفيد منه اسمه غطاء المعارضة السورية.

وقع فعل الاحتلال التركي لعفرين بعد مقاومة استثنائية مباشرة اتخذها شعب عفرين وقواه العسكرية متمثلة بوحدات حماية الشعب والمرأة؛ ظلّـت وحيدة باستثناء مشاركة رمزية لقوات رديفة تتبع للجيش السوري حدث بدوره في اليوم 33 للمقاومة الديمقراطية العفرينية؛ بضرورة التمييز هنا ما بين المقاومة الديمقراطية والمقاومة العسكرية- لم يكتب لهذه القوات الاستمرار بأقصى مدة صمود لها لم تتجاوز اليوم الواحد. بقيت مقاومة عفرين مقتصرة على من يهمهم مسألة حل الأزمة السورية فنجاح مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا وشمال سوريا وكامل شرقي الفرات. لأن حقيقة مقاومة عفرين أظهرت الجميع كما هم هم؛ دون رتوش؛ دون كيمائية محددة يحرص البعض في أن يبدو بمظهر معيّن للآخرين وبأنها الكيمائية المتفاعلة خلاف حقيقتهم.

فنجد بأن جهات سوريّة كثيرة حمّلت حدوث الاحتلال التركي لعفرين على الإدارة الذاتية لعفرين. هذه الإدارة بطبيعة الحال تمثل شعب عفرين كإدارة مدنية لها مكوناتها السياسية. سوى أن من حمّل مسؤولية احتلال عفرين يؤكدون مسألة واحدة بأنهم يهربون من مواجهة حقيقة ذلك ليتهربوا ما أمكنوا من مسؤولياتهم في حدوث مثل هذا الاحتلال. بالرغم من أنه الاحتلال الطارئ الذي لن يكتب له الدوام.

البعض يقول فيما لو تم تسليم عفرين وقتها إلى النظام السوري لما حدث الاحتلال. هؤلاء يتهربون حتى من مجرد الجواب الذي يعرفونه جيداً بأن الجهة/ ات الدولية التي منحت أنقرة الضوء الأخضر هي نفسها التي منعت لا بل هي نفسها من أجبرت السلطة السورية من عدم اتخاذ خطوة سيادية ما فوق موالاة- معارضة؛ فحدوث تشارك بها ما بين الإدارة الذاتية في عفرين والسلطة في دمشق؛ فيما لو حدث ذلك كان له أن يتحول إلى أول تمهيد للحل السوري واختراق حقيقي للأزمة السورية. لكنّ السلطة في دمشق أضاعت هذه الفرصة الثمينة في ظل إدراكها بأن بقاء هذه السلطة في المنظورين الحالي والقريب بات أشبه بالمؤكد؛ خلافاً لما ذكره روبرت فورد سفير الولايات المتحدة الأمريكية في أحدث مقال له على الشرق الأوسط بأن الأسد فوّت فرصة ثمينة حينما قرر الرئيس الأمريكي الانسحاب من سوريا يوم 19 ديسمبر كانون الأول الفائت. فأثمن الفرص هي التي تتاح داخلياً؛ لتبدو بأنها أفضل بكثير من التي تأتي خارجياً، على الرغم من أن الأزمة السورية باتت بالملف الدولي المعقد.

يأتي وهكذا موقف مواقف أخرى تتناغم معه وتشترك إياه بالنتيجة التي يريدونها نفسها. كما حال التحرك الأخير الذي جاء من تيار الغد برئاسة أحمد الجربا والمجلس والوطني الكردي بإشراف مباشر من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني- العراق مسعود البارزاني. من المؤكد بأن هذا التحرك لا يمكن فصله عن القاهرة محل إقامة الجربا وتوجهه منها إلى أنقرة. كما أن هذا التحرك جاء بالأساس تحت حجة كي لا يتكرر سيناريو عفرين!. وهذا يعتبر بأسوأ المواقف وأشدها بؤساً لأن من يقتنع بمثل ذلك كمن يقول لغيره ويقدّم نفسه كشاهد على التدمير مُشرعنٍ لهدم أفضل الحلول للأزمة السورية حتى هذه اللحظة: حل الإدارة الذاتية الديمقراطية وفق ما شهدته مناطقها من أمن واستقرار وحتى أشكال مهمة من التنمية. هؤلاء مهما كانت محلّات دعمهم يجب التيقن بأنه لا يمكن القفز أو تهميش مجلس سوريا الديمقراطية الذي يتألف من عشرات القوى والأحزاب السياسية وأضعافها من الشخصيات المستقلة وفق قيادة تشاركية. وهذا المجلس المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية التي لها أيضاً مكوناتها العسكرية بقيادة موحدة. أي أن لأبناء المنطقة الحق في مشاركة مسد وقسد سويًّاً وفق اتفاق حقيقي وليس بطرح نفسهم كبديل لمسد ولقسد. هذا الموقف لو كان فإنه غير أخلاقي بالدرجة الأولى؛ يتعدى ذلك بأن رفض مجلس سوريا الديمقراطية يتعدى كي يكون هؤلاء هم البدلاء وبما يمتلكون من امكانيات محدودة إلى رفض عودة النظام المركزي وفق صيغة 2011 فما دون.

(فيما لو تم تسليم عفرين إلى النظام) يتطابق مثل هذا الموقف مع الموقف الذي بدر من السيد حسن عبدالعظيم الذي يملك مسيرة نضالية؛ سوى أن هذه المسيرة وبسبب هدفها الجمعي السوري لا تخوّله الاعتقاد بأن في شطب الإدارة الذاتية وصولاً إلى شطب فكرة الفيدرالية يكمن الحل، ويجانب الحقيقة إلى درجة حتمية ليبدو موقفه بالمهلهِل حينما يرى بأن مجرد التنازل عن اللامركزية الديمقراطية المجسدة في نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية يسحب البساط من تحت قدم أنقرة! وهل يوجد كُرد الإدارة الذاتية في السعودية أو في الإمارات أو في مصر أو في السودان أو في ليبيا، وفي كافة مناطق الشرق الأوسط كي نجد بأن تركيا المتدخلة فيها والمزعزعة لأمنها؛ لسبب وحيد بأن تركيا لم تغادر السلطنة العثمانية، وبأن تركيا يبدأ التاريخ لديها من 24 آب 1516 من موقعة مرج دابق وبداية تأسيس السلطنة العثمانية التي دامت أربعة قرون وعامين وانتهت؛ دون أدنى أمل في رجوعها؛ مصيرها في ذلك مصير امبراطوريات غيّبها التغيير الحتمي. علماً بأن تركيا نفسها مطالبة بتغيير سلوكها وفكرها واقتناعها بأنها حتى تبقى فمرتبط ذلك بشرق أوسط ديمقراطي آمن تحل فيه جميع القضايا في مقدمتها القضية الكردية. ولأن تركيا بالغت حتى مستوى خطر معاداةً للقضية الكردية مصرّة على إبادتهم فإنها اليوم؛ قبل أي يوم آخر باتت في وضع الخطر المهدد لها بكافة النواحي؛ علماً بأن الأنظمة الاستبدادية التي لا تقبل حل القضية الكردية ومعها النظام السوري وأطراف وشخصيات من المعارضة السورية وجدت في معاداة تركيا للكرد طمأنة لها للحيلولة دون تحقيق الحقوق الكردية وأن يحظوا بدور يليق بهم في حاضر ومستقبل سوريا، علاوة على ذلك وفي ذاك فإن هذا الحال أوصلت بعض الأنظمة العالمية لتهديد تركيا بالإدارة الذاتية، وتهديد الإدارة الذاتية بتركيا؛ الجميع عرفوا أيّها خواصر تركيا الرخوة، سوى أنه يجب على تركيا التي تدعي الإيمان إسلاماً بأن تعلم بأن الله خلقنا شعوباً وليس شعباً واحداً، وحتى لو ادعت أقصى حالة غلوٍّ علماني –هي وغيرها- بأن في بالها أو بال غيرها تحقيق دولة المواطنة فإن دولة المواطنة الحقيقية لا الشكلية الشوفينية حتى تكون لا بد من مشاريع نهضوية تنويرية كما في مشروع الإدارة الذاتية ومشروع الفيدرالية الديمقراطية على أساس الجغرافية وتمثيل إرادة التكوينات المجتمعية؛ فيتحقق عبر هذه المشاريع حالة الانتماء فالسلام. لكن السيد عبدالعظيم كما عادة رؤساء الأنظمة الاستبدادية فله عادة يشترك وإياهم الالتصاق بالكرسي. على الرغم من أن كرسيّاً عن كرسيٍّ يختلف. ولأن هيئة التنسيق غادرت ثوابتها الوطنية وأول ما فعلته حينما صارت بما يسمى بهيئة التفاوض التي هي مقبلة بدورها على تغيير جذري؛ قد يكون بالقريب؛ اعتبرت في أول بيان لهذه الهيئة –كعربون الخنوع للرغبة التركية- بأن وحدات حماية الشعب والمرأة (قوات ارهابية). فكان من وجوب لمغادرة هذه الهيئة التي نالتها الانشقاقات والمغادرات خلاف ما تحدث عنه مؤخراً السيد حسن عبدالعظيم. علماً بأنه أصاب في تلك المقابلة حين القول بأن حل القضية الكردية العامة هي مسألة إقليمية. على الرغم بأنه الحق الذي يراد منه الباطل؛ لكن يمكن تلقف ما ورد عن السيد عبدالعظيم في ذلك وكأنه بات بالمقتنع على أن القضية الكردية يجب أن تُحَل وحان وقت حلها. هل يمكن أن يكون كذلك؟ لا أعتقد ذلك وهو الذي يعيش بدعة لم تكن يوماً موجودة اسمها الوطن العربي. كم مرة تم النقاش معه وأن يذكر في ذلك تاريخاً أو حادثة حدثت سابقاً تحت مسمى الوطن العربي. دون أن يفهم من ذلك بأن سوريا ليست جزءً من محيطها؛ بقسم منه؛ العربي والكردستاني وشعوب أخرى شكلّت سوياً محيط الشرق الأوسط.

(فيما لو تم تسليم عفرين إلى النظام) بات بمواقف الكثيرين؛ حتى من النظام نفسه. ومن المترددين. ومن أصحاب أنصاف المواقف. ومن الرماديين. ومن كتل العطالة الذين أدركوا بأن معارضتهم للنظام لم يرق إلى مستوى المعارضة الكلية لفكر النظام ولنظامه إنما لأسلوبه أو بشكل واضح طموحاً باعتلاء الكرسي ليس إلّا. ربما يفسر ذلك رفض الكير من صنوف المعارضة (من الداخل أو الخارج) للامركزية الديمقراطية ولنموذجها في الإدارة الذاتية الديمقراطية؛ متجاوزين في رفضهم غير المبرر تعنت السلطة في دمشق وعنادها غير المبرر أيضاً على اعادة صيغة النظام المركزي. أو اللامركزية الشكلية.

بالعودة إلى حقيقة عفرين، حقيقة روج آفا، وحقيقة نموذج الإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرق الفرات. لنجد بأن تخلي هؤلاء جميعاً واطلاقهم لمثل هذه الحجج الواهية والتبريرات والذرائع في وقت بلغت فيه مقاومة العصر في عفرين أوجها؛ وهي مستمرة حتى اللحظة؛ بأن هؤلاء من ارتكبوا الخطيئة بحق عفرين ولا يقل مسؤوليتهم عن خطايا نظام الهيمنة العالمية وتواطؤ المجتمع الدولي وصمته عن الذي ارتكب بحق شعب عفرين ويرتكب حتى اللحظة بحق تاريخه وبحق هوية عفرين الكردية وفي الوقت نفسه جزء من سوريا التي تدخل مؤخراً مرحلة شديدة الخطورة. مرحلة قد تشهد فيها تصادم الأصلاء.

مرة أخرى؛ خلافاً لما بدر عن روبرت فورد فإن الفرصة الثمينة التي أتاحت للسلطة في دمشق بلغت مستوى كبيراً في مقاومة عفرين. لكن لم تزل هذه الفرصة سانحة؛ فمن عند مقاومة عفرين الثانية المستمرة حتى اللحظة وفي ظل التغييرات والتبدلات التي تصيب (الحلفاء والشركاء) والتصدعات التي هي مقدمة عليها التحالفات كما في إشارة الاستقالة غير الطوعية للسيد جواد ظريف وزير خارجية إيران؛ فإنه يمكن بلوغ التهيئة الأولى للحل السوري وانتشال سوريا من واقعها التفتيتي التقسيمي الذي تعيشه اليوم عن طريق حوار بناء ومفاوضة حقيقية ما بين مجلس سوريا الديمقراطية مسد والسلطة في دمشق؛ ما تزال موسكو أكثر طرف مؤثر وراعي لذلك، وما تزال واشنطن قائدة التحالف الدولي العربي ضد الإرهاب الضامنة لمنع ارتكاب خطوة تركية غير مسئولة؛ الجميع فيها يدفع أكلاف باهظة أكثرهم تركيا نفسها.

كم مرة يجب أن نتذكر بأنه من عند تحرير عفرين يبدأ الحل السوري، وبأن كل يوم احتلال على عفرين تتضاءل فيها سوريا التي نعرفها وتنكمش.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى