مقالات

خطاب و كواليس الخطاب

بقلم : د. عادل حسين‎ – المركز الديمقراطي العربي

 

ذلك الخطاب لا ريب، فيه ضبابية و غشاوة تختبئ من  ورائها معاني الضحية ، هو للذين أشتدّ بهمم الخطب و غاصّب بهم الركّب.ان في ذلك لخطاب للمستضعفين في الارض الذين أمست من جمودهم حتى الجمادات تشكو وهي في ضجر ، فيه كذب و اقتراف و قسوة و ظلم ، أهذه هي المدنية ؟ أهذا هو العالم المتحضر؟

و من أحسن ممن خطب خطابا  يشرح به صدور المستضعفين في الارض يحمل صدقا و سلاما            و امانا. لقد كان  المستضعفون دائما، في الأرض ،  يتمنّون الحياة الكريمة و خطاب الحبّ و الامان من الخوف و الفقر و الجوع.

ان في وضوح الخطاب لقول ليّن  يستشعر به المرء أنه مستأمن على حياته و مستقبل ابنائه. أما أصحاب خطاب الضحية و الحسابات الانتخابية لا يبلور إلا دهاء و مكرا، اولئك الذين يريدون بالمستضعفين الدنيّة   و العبودية . أأنذرتهم أم لم تنذرهم فهم في خوضهم يعمهون. بل تجدهم مصرّين على اللّعب بالرأي العام للشعوب موظّفين في ذلك مفاهيم المدنيّة،  نافين المعنى الحقيقي للمواطنة بخطاب حاملا لمفردات مصبوغة بصبغة الاستعلاء والسلطنة  و ليس كمثلي احد و لا ترون إلا ما أرى.

أليست المواطنة الحقيقية هي التي تنبثق عن خطاب منسجم بعيدا عن خطاب الضحية ، يدعو الى السلام بين افراد المجتمع الواحد  و ينادي الى تكريس مفاهيم العيش المشترك في دائرة تطبيق القانون بالتساوي على الجميع من جهة ، و الايمان بمفهوم مدنيّة الدولة دون لبس أو غموض أو تلاعب بالرأي العام اعتمادا على التأويل وابتغاء التقسيم و الاقصاء و العنصرية من جهة اخرى.

ان خطاب المدنيّة التي تحثّ على كل المواطنين أن يعملوا على مكانتهم في تأسيس سياسة اجتماعية حقيقية   و سياسة حضارية جدّية تقوم عليها السلطة من خلال تدخّلها في عملية التواصل المتواصل مع المواطنين، هي المدنيّة  التي ترتقي بالإنسان و تحدّد معالم العلاقة الاجتماعية التي تقوم على مفهوم المواطنة المحافظة على الحرث و النسل.

ان المستضعفين في الارض يبتغون خطابا يؤسس الى حوار حقيقي بين اصحاب القرار          و المواطنين، لا يريدون خطابا الذي لا يأتي إلا بعد الازمات العميقة ، لتسديد الاهداف على فشل الآخر، و العمليات الارهابية. فالمعلوم بالضرورة انه لا يوجد من يمثّل جميع افراد المجتمع أو من هو وصيّ عليهم بموجب قانون الوراثة و التوريث. لذلك يسمو الامر عندما يكون الخطاب خالي من “المشروطيّة” أو من صبغة  “رضاء النفس” بعيدا عمّا دار بين شهداء الكواليس.

المستضعفون في الارض يتمنّون ان يروا خطابا فيه استقلالية في التفكير و حرية في الاختيار ينسجم مع امالهم و انتظارا تهم. ان في ذلك لصدق في الحديث، و تجديد في الولاء ،و تقدير للمفكرين و المثقفين ، و اعتراف بالأخر في تقرير المصير عبر التاريخ و تثبيت قانون علاقة الانسان بأخيه الانسان.

المستضعفون يريدون خطابا يعبّر عن مفهوم  المدنيّة الحقيقي، باسمه نعمل على محاربة  عملية انتهاج اسلوب الاهانات و الكراهية و التقسيم و المساس بالمقومات الوجودية للهوية الوطنية من لغة و دين   و انتماء الى التراب، فضلا الى  عدم استخدام عبارات  “نحن”و “هم”.

فالمدنيّة ، في رأينا ، تنادي كل المواطنين الى العمل على توطين مفهوم المدنيّة التقدميّة كما هي من ناحية، و اجتناب كل من يريد بالمجتمع سوءا او ضررا من ناحية اخرى . وجب ان يكون مصير كل من يدعو الى تغذيّة الخوف و كل انواع العنصرية و الاقصاء و عدم الاعتراف بالآخر إلا  نفورا  .

فخطاب المدنيّة هو ما يحمل في طياته تكريسا لحق  المواطنين جميعا في السلام الاجتماعي  و الاطمئنان من الخوف و المساواة بين الجميع . و ليست المدنية هي  ايديولوجية يتمّ توظيفها ضدّ فئة أو جماعة أو حزب يستعملها أصحاب ” خطاب الكواليس” كمطيّة لتحقيق اغراضهم و رغباتهم الذاتيّة و الانتخابية على حساب الاخر.

لقد كان في ذلك شقاء للمستضعفين في الارض مما يؤدي الى الابتعاد عن تصميم رؤية مستقبلية ناجعة لهم تنبئهم بالخير و السلام و الارتقاء في مستوى انسانية الانسان.

و لا يستوى من يبثّ خطابا  فيه صبغة الشقاء و اتهام الاخر بالفشل و عدم القدرة على ادارة شؤون الناس ، و لا من يريد خطاب السعادة و بثّ الوعي و الارادة و الامل. فادفع  يا صاحب الخطاب بالخطاب الذي هو احسن فالذي بينك و بينه عداوة كأنّه وليّ حميم.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى