واقعية ترامب ومطبعي المنامة
بقلم: أحمد طه الغندور – المركز الديمقراطي العربي
هنيئاً لترامب حين يحظى ببعض من المثقفين والإعلاميين الذين لا يعرفون الفرق بين “الواقعية” وبين “سياسة الأمر الواقع”، وبالتالي هم لا يعرفون الفارق بين “البريء” و “المجرم”.
يا سادة ما تقوم عليه خطة ترامب للدمار في الشرق الأوسط والتي تبدأ من فلسطين بعنوان “صفقة القرن” هي ترسيخ لسياسة الأمر الواقع، وهي بعيدة كل البعد عن الواقعية، ولعل من أبسط صور التعبير عن الواقعية، هو أن الإنسان الواقعي؛ يركز على الاهتمام بقضايا المجتمع ومشكلاته لا سيما ما يرى أنه شر وفساد فهو ينتقده بإظهار تناقضاته وعيوبه ويعرضها على الناس.
- فهل تصرفات ترامب وفريقه في حق الفلسطينيين تعكس هذا الاتجاه؟!
إن ما يقوم به هذا “المقاول” المقتحم لعالم السياسة وفريقه المُشبع بأفكار “المسيحية الأنجليكانية” يعتمد على ترسيخ “سياسة الأمر الواقع” أو كما يقال؛ حكم الأمر الواقع ” dē factō” وهو تعبير يعني أن الأمر مطبق على أرض الواقع لكنه ليس بالضرورة مذكوراً ومنظماً من قبل القانون، وإن كان يحظى ببعض الاعتراف الوقتي والغير واضح إلا أنه يُقبل الرجوع فيه كونه لا يُنتج أثاراً قانونية، لذلك هو على العكس تماماً من المصطلح المعروف باسم “حكم القانون” أو ” dē iūre ” الذي يعتبر اعترافاً حاسماً وواضحاً وغير قابل للرجوع فيه، لذا ينتج كافة آثار الاعتراف.
لذلك نجد كل التصرفات الغير قانونية والغير المبررة التي قام بها هذا الفريق، من اعتراف بالقدس “عاصمة للاحتلال” ونقل السفارة إلى القدس، محاربة الأونروا، ودعم الاستيطان الغير شرعي في الضفة الفلسطينية، ومحاربة التمثيل الشرعي الفلسطيني وغيرها، كلها تأتي في إطار “سياسة الأمر الواقع” لترسيخ الاحتلال الإسرائيلي، وليس بأي حال من الأحوال “نظرة واقعية” لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
- فهل من الممكن اعتبار “قتل الضحية” إنهاءً للصراع وفقاً للواقعية التي يُنظر لها بعض المطبعين من المثقفين والإعلاميين العرب؟!
- هل من المقبول النظر إلى انهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” على أنه تحسين للأوضاع الإنسانية للاجئين من خلال نفي هويتهم الوطنية؟!
هل الخوض في الأطر الاقتصادية “للتطبيع العربي ـ الصهيوني” والتي قد لا تقارب مباشرةً أو غير مباشرة بحث مواضيع تمس الحق الفلسطيني الاقتصادي كإنهاء تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي كما يجري الأن وفق “اتفاق باريس” أو رفع الحصار المفروض على المعابر الفلسطينية وتسليمها إلى أصحاب الشرعيين، ولكن الغاية من “ورشة المنامة” تمرير التطبيع الاقتصادي العربي ـ الإسرائيلي، وتوطين اللاجئين في دول الجوار مقابل جبايات مالية من أغنياء الخليج إلى فقراء الجوار، وليس الأمر نقطة بداية واقعية لإنهاء صراع امتد قرابة قرن من الزمان بين الحق والباطل حول الهوية والأرض؟!
ورغم ذلك، تُرى هل من الممكن اعتبار مخالفة القرارات والمواثيق الدولية العديدة من خلال مثل هذه الورشات الفاشلة ـ قبل أن تبدأ ـ تعتبر بمثابة نظرة “واقعية كونها” تحمل عصاً سحرية لحل كافة النزاعات بين أحفاد “ إبراهيم ” ـ عليه الصلاة السلام ـ كما تحاول أن تصور بعض مراكز الأبحاث الدولية الباحثة في الشرائع والمذاهب الدينية؟!
هل من المعقول أن يردد البعض “اقتباسات” من كتابات “المسيحية ـ الصهيونية” لخلق وجود شرعي للصهاينة في فلسطين كمرحلة أولى نحو “مملكة صهيون”؟!
وهل يقبل هذا “الببغاء” بمنح “الصهاينة” نفس الحق في ” مكة المكرمة ” و ” المدينة المنورة “؟!
وإذا كان ” القرآن الكريم ” المُنزه عن التحريف؛ يعترف بـ “يهودية” أرض فلسطين كما يدعي البعض، بأن منحها لإبراهيم عليه السلام، فهل يعترفوا هم بالقرآن الذي شهد لإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأنه حنيفاً مسلماً، كما جاء في سورة آل عمران ” مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)”، فلمن الأرض إذن؟!
مع العلم بأن القانون الدولي وفقاً لمدارس الفقه الغربي ووفقاً لأحكام محكمة العدل الدولية لا يعترف بالأسانيد الدينية والثقافية كأسباب لكسب السيادة للدول، فهل هم مع القانون الدولي، أم هم مع القرآن الكريم؟!
أخيراً، عودة إلى كوننا أحفاد ” إبراهيم ” ـ عليه الصلاة والسلام ـ ترى ما العلاقة بين “تيودور هرتزل” أو “شيلوك” أو “شيلدون” من صهاينة اليوم، أو حتى المطبعين ممن ينطقون بالضاد بأبي الأنبياء ـ عليه الصلاة والسلام؟!
التاريخ الماثل بين أيدينا لازال ينطق ويحدث عن “الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”، وقد غابت هي من تحت الشمس، وهي التي صنعت “بعض حكام الخليج” الذين يريدون المتاجرة بفلسطين حفاظاً على أبار النفط والغاز التي يجلسون عليها، فهل يملك “ترامب” “ناهب الثروات” أن يُبقي لكم هذا الصولجان؟!
أم أنهم سيبكون كالنساء ملكاً لم تحافظوا عليه كالرجال؟!
لذلك لا تعتبوا علينا لعدم المشاركة في ورشتكم الاقتصادية، فنحن نسعى إلى تحريركم من دفع الآتاوت لهولاكو الجديد؟!
ومع ذلك قد لا تنجح الورشة في الانعقاد، نظراً لطبع الاضطراب والتخبط في “نادي المقاولات” أو نظراً للأوضاع الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة؟!
وللحديث بقية!