مقالات

الدور المصري تجاه ليبيا  بعد تخاذل روسيا وتقدم تركيا تجاه سرت

بقلم المحلل السياسي : سيد حسني على – المركز الديمقراطي العربي

 

ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقي تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل أعلم من باع الوطن وأحزنني من رأيتً يدفع الثمن

زعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ البداية ، بأن ليبيا وبلدان شمال إفريقيا تراث لبلاده، وقال في خطاب نقلته قناة “تي آر تي” التركية: “لتركيا حوض تاريخي وحضاري كبيرة ، والبحر المتوسط وشمال إفريقيا هما جزاءان مهمان من هذا الحوض، لذا فليبيا هي تراث لدولتنا العثمانية، وللضابط مصطفى كمال أتاتورك، والذي كان ضابطًا في تلك الفترة، وقام بتجييش الليبيين في درنة وطرابلس وبنغازي للتصدي للقوى الاستعمارية عام 1911 وحارب معهم ضد الاستعمار، وقد أصيب في عينه في حرب درنة، وقد حمل الإصابة مدى الحياة بفخر واعتزاز على حد زعمه. بهذه العبارات أصبح واضحا للجميع من باع الوطن أما قولي من دفع الثمن فهم الليبيين أنفسهم وبجميع أطيافهم,

دعونا نتفهم جيداً ماذا حدث وماذا يحدث في لبيبا وبخاصة في الفترة الأخيرة وتغير موازين القوة  وتراجع الجيش الليبي وتمركزه خارج طرابلس وسعى الأتراك  لدخول سرت .

لقد شن حفتر هجومه على طرابلس – والذي كان من المفترض أن يستمر لبضعة أسابيع فقط – ولكنه أمتد لأكثر من عام. ومما زاد الأمر تعقداً التدخل التركي المباشر مؤخَّرًا لمؤازرة “حكومة الوفاق الوطني” المدعومة من الأمم المتحدة حيث قلب ميزان القوى في طرابلس ضد حفتر، مما سهل الاستيلاء على طرابلس أكثر فأكثر ودخول ترهونة والسعي لسرت  وقد سبق كل ذلك سقوط قاعدة الوطيه .

الحقيقة أن  تركيا فرضت نفسها وصارت رقماً مهماً في المعادلة الليبية على الأرض حالياً، وقد غيرت الأوضاع بثقلها وقوتها ومرتزقتها   لتصبح حاجز صلب أمام حلم الجنرال بإسقاط العاصمة وإكمال السيطرة على الساحل الغربي ومناطقه، بل جعلته يفكر في كيفية حماية مواقعه التي يسيطر عليها من سرت إلي بني غازى .إن سيطرت تركيا على ترهونة و امتلاكها قاعدة عسكرية استراتيجية (الوطيه) جعل حكومة السراج  تستغل الدعم العسكري التركي ومنظومات السلاح المتطورة من طائرات مسيرة مسلحة ومن أنظمة دفاعات جوية حديثة وتدريب واستشارات عسكرية وتوافد عناصر مقاتلة لدعم صفوفها. في السعي لسيطرة على سرت وباقي الأراضي الليبية.

  • هنا يتبادر الي الأذهان أين روسيا التي كانت تدعم حفتر منذ البداية؟

كانت روسيا الى وقت قريب توحي بدعمها للجيش الوطني الليبي ، ولكن عندما دخل الأتراك في قلب المعمعة ، أثبتت أنها لا تهتم كثيرا   بما يجري داخل الأراضي الليبية ، البعض يفسر ذلك بأن روسيا لم تكن تريد للقوات المسلحة الليبية أن توسع هجوماتها الى غرب البلاد ، ولذلك فهي لم تمانع في أن تعمل تركيا على إعادة حفتر الى المنطقة الشرقية ، والبعض الأخر يعلق بأن أي هزيمة لتركيا في ليبيا سيجعل أردوغان  يعمل على تعويضها بهجوم على شمال غرب سوريا ، وهو ما تريده موسكو

أن الروس لم يعودوا ينظرون الى الوضع في ليبيا من منطلقات مبدئية ، وأن طبيعة سياساتهم البراغماتية النفعية والمكاسب التى سيحصل عليها الجانب الروسي ، دفعت بفلاديمير بوتين الى التوافق مع رجب طيب أردوغان من الناحية التكتيكية على الأقل ، والسماح للنظام التركي بالتدخل في غرب ليبيا لدعم حكومة السراج

حيث أن  الجانب الروسي بات يطمح الى ضمان مصالحه في ليبيا من خلال النفوذ التركي ، على أن يخدم بالمقابل مصالح تركيا في سوريا ، وهو ما يعني أنه لا يمكن التعويل على الروس في ما يخص المسألة الليبية ، وهو ما يوضحه حديث بوجادوف عن حل سياسي وحكومة وحدة وطنية أقرب إلي الواقع في ظل المعطيات الجديدة بعد تراجع الجيش الليبي أمام الضغطات الدولية والغزو التركي,

إن التحول في الموقف الروسي يظهر من خلال التحليل السياسي  أن موسكو لا تريد التصادم مع أنقرة في ليبيا ، فالعاصمتان مرتبطتان حاليا بعديد المصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية ، لعل أبرزها مشروع السيل التركي نحو أوروبا ، الذي جاء ليمنح الغاز الروسي فرصة التدفق بعيدا عن أراضي أوكرانيا ، يكفي هنا الإشارة أن  كمية الغاز الطبيعي التي ضختها روسيا عبر أنابيب مشروع السيل التركي باتجاه أوروبا، بلغت مليارا و300 مليون متر مكعب، في الربع الأول من العام الجاري.

وهذا ما أكده الرئيس التركي خلال افتتاح الخط، قائلاً “نجح تعاوننا مع روسيا في مجال الطاقة، كما هو الحال في المجالات الأخرى، ولن نسمح لخلافاتنا في الفترة الأخيرة أن تقف في وجه مصالحنا المشتركة” .وأكد الرئيس الروسي حينها، أن “الأحداث في المنطقة متجهة إلى المزيد من التوتر لكن تركيا وروسيا تتجهان بشكل مختلف للإتفاق الغير معلن

وبعد فضح الموقف الروسي يتبادر إلي الأذهان موقف مصر مما يحدث في ليبيا وهو ما يعتبر تهديد للأمن القومي المصري وما كان يحاك لمصر لجرها لدخول الحرب.

إن الموقف المصري مما يحدث في ليبيا واضح ومعلن، وهو دعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر دون تدخل عسكري مباشر، لأن ما يحدث في ليبيا يعد تهديدًا للأمن القومي المصري، ولكن القيادة في مصر تدرك تمام ما تسعى إليه دول غربية كبري من «توريط» مصر في المستنقع الليبي، لاسيما وأن هناك سوابق تاريخية في هذا الموضوع، فكلما نهضت مصر تأتي بعض القوى الغربية لوقف هذا النهوض والتقدم الاقتصادي  من خلال محاولتها  توريط مصر في حروب خارج حدودها كما حدث في حرب اليمن ورفضت مصر دخول الحرب وكذلك في سوريا منذ عهد مرسي وهو ما رفضته مصر جيشاً وشعباً بقيادة  وزير الدفاع المشير السيسي وقتها رغم تأييد رئيس الدولة مرسي حينذاك لآن القيادات العسكرية تدرك ما هو أبعد  ، وبالتالي كانت القيادة المصرية على علم  بالسعي دائما  لجر مصر لدخولها في حرب  ليبيا، و ضربها  بشكل غير مباشر لأنها الشوكة العصية في الشرق الأوسط بعد سقوط أغلب الدول خلال موجة الربيع العربي.

ولكن هناك أبواق مصرية وغير مصرية تنادى بما نسميه حرب الضرورة دون الوعى والعلم  بما سيؤول إليه حال مصر نتيجة هذه الحرب  لنتفهم جيداً معنى ذلك:

أولاً ((حرب الضرورة )) المقصود بها هنا هي تلك الحرب التي تدخلها الجيوش مرغمة دون خيار؛ كي تمنع اعتداء أو تردع عدوا أو تحمي حدودًا، أو تحافظ على ثروات ومواقع وأهداف استراتيجية لا غنى عنها، ولا تفريط فيها، ولا يمكن التفاوض حولها.  أن حرب الضرورة هي حرب الحفاظ على السيادة والكرامة الوطنية، والممرات الاستراتيجية والثروات الوطنية، هذا ما يقصد بحرب الضرورة.

«حرب الضرورة» الآن هى مواجهة  التهديد الشرير الأحمق الذي يمثله «أردوغان» في الشأن الليبي وتهديده لمصالح مصر في ليبيا والمتوسط. ولكن بطريقة تضمن الحفاظ على أمن مصر ومقدراتها دون توريطها كما  يراد لها , إننا  نعلم علم اليقين لما يحاك لمصر في الخفاء من توريطها في حرب ليبيا وضربها بطريق غير مباشر.

لذلك سعت مصر في الفترة الأخيرة  تحت ضغوط دولية لإقناع الخليفة حفتر بالتراجع خارج طرابلس والجلوس على مائدة المفاوضات 5+5 والسعي لحل سياسي شريطة خروج الأتراك من ليبيا. وهو ما يحدث الآن  من إعداد  بنود مبادرة إعلان القاهرة، التي شهدها اليوم الرئيس عبدالفتاح السيسي، مع المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي، وعقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي، في إطار الجهود المصرية لحل الأزمة الليبية , ويبدو أن الجهود المصرية ستنجح حيث ثمنت السفارة الروسية بالقاهرة، الجهود الرامية التي تسوية النزاع واستعادة السلام في كافة الأراضي الليبية، مرحبة بمبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنهاء الأزمة في ليبيا.

ووصفت السفارة – في تغريدة على موقع التدوينات القصيرة (توتير) – المبادرة المصرية التي أطلقت اليوم بـ”الهامة” لإنهاء الأزمة في ليبيا .

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى