الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالشرق الأوسطتقارير استراتيجيةعاجل

إثيوبيا تغيرالجغرافية السياسية للقرن الأفريقي 

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

إستطاعت إثيوبيا بإستخدام مزيج مُقدر من الوسائل الدبلوماسية والعسكرية والإقتصادية تحقيق هدفها الإستراتيجي بالوصول إلي البحر وفك عزلتها الجغرافية وبالتالي فيمكنها – إن لم يجد جديد أو تطرأ حوادث سلبية – الآن وفي المستقبل أن تفعل قيادتها البحرية التي أوجدتها بالرغم من عدم إطلالها علي بحر, وبالتالي يمكن القول أن إثيوبيا الآن تتحكم في مياه النيل من خلال سد النهضة  وبتالي الإقتراب من السيطرة علي مصير مصر والسودان وهي الآن تستعد للملأ الخامس لهذا السد الكارثي , وعليه فإن الوصول الإثيوبي للبحر بعد توقيعها مع أرض الصومال في الأول من يناير 2024 علي مذكرة تفاهم لاستخدام ميناء بربرة الرئيسي في منطقة أرض الصومال الانفصالية في الصومال ، وإقتراب إكتمال عمليات ملأ بحيرة سد النهضة من نهايتها يعني بلا مواربة أن التغير والتحول الجيوسياسي في منطقتي القرن الأفريقي والشرق الأوسط سيعمل لصالح إثيوبيا العضو في مجموعة البريكس وكنتيجة سيتناقص الدور الجيوسياسي لمصر في الشرق الأوسط ليصل إلي أقل من الحد الأدني وسيتلاشي تماماً أي دور لمصروللسودان لاحقاً وإن ظل للسودان لبفعل العاملين الديموجفرافي والجغرافي دور نسبي في القرن الأفريقي وخاصة في الصومال بإجزاءه الثلاثة خاصة مع مشاركة إثيوبيا لهما في حيازة منفذ بحري علي ‫بربرة خليج عدن المؤدي للبحر الأحمر( للسودان ساحل طوله 750 كيلومتراً ولمصر ساحل بالبحر الأحمر طوله 1941 كم) ، أي أن حيازة إثيوبيا لمنفذ بحري وسيطرتها علي مياه النيل سيجعلها من الوجهة الجيوسياسية دولة فاعلة ومتحكمة في توجية السياسات التي بمنطقتي القرن الأفريقي والشرق الأوسط أيضاً , ويعد الوصول الإثيوبي للبحر بعد توقيع مذكرة التفاهم المُشار إليها ضربة قوية لمصر علي نحو ما سأشير لاحقاً وتغييراً وإعادة تشكيل الجغرافيا الساسية بكل من البحر الأحمر وغرب المحيط الهندي .

فبعد أشهر من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أن بلاده ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان وأنها ستؤكد حقها في الوصول إلى البحر الأحمر مما أثار مخاوف بين جيرانها ففي خطاب متلفز في أكتوبر 2023قال آبي أحمد إن إثيوبيا “دولة يرتبط وجودها بالبحر الأحمر”وأنها بحاجة إلى الوصول إلى الميناء وقدأثارت هذه التصريحات مخاوف بين المراقبين الإقليميين خاصة على خلفية التوترات الواضحة مع إريتريا لكن آبي سعى إلى تخفيف المخاوف لذلك فقد تعهد في نوفمبر2023 بعدم غزو أي دولة مجاورة لكنه أصر على أن حكومته لن تتخلى عن مطلبها بالوصول إلى الموانئ , وبعد هذا الإعلان وقع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي مذكرة تفاهم أو إتفاق مبدئي في أديس أبابا في الأول من يناير 2024لإنشاء منشأة عسكرية بحرية ستتيح لإثيوبيا الوصول إلى البحر عبر ميناء بربرة التجاري على البحرالأحمر , ووصف علي حسن محمد وزير الإعلام في أرض الصومال هذا الإتفاق المبدئي بأنه”تغيير جذري” وأن “مذكرة التفاهم تلك ستمهد الطريق لتحقيق التطلع إلى ضمان الوصول إلى البحروتنويع الوصول إلى الموانئ البحرية”وفتح “فصل جديد من التعاون” و”التكامل الإقليمي في القرن الأفريقي” وكانت قامت موانئ دبي العالمية وهي شركة لوجستية للموانئ مقرها في الإمارات العربية المتحدة قد قامت بتوسيع هذا الميناء بشكل كبير مؤخرًا وكأنها كانت تعده للإستخدام الإثيوبي فهذا الإتفاق في تقديري كان مبيتاً بليل , وجدير بالذكر في هذا الصدد أنه في عام 2018 استحوذت إثيوبيا على حصة 19 % في ميناء بربرة وفقا لشركة موانئ دبي العالمية ومقرها دبي والتي تدير عمليات الميناء كما تمتلك الشركة نفسها حصة قدرها 51  % في حين تمتلك أرض الصومال النسبة المتبقية البالغة 30 % , في مقابل ذلك قال الرئيس عبدي رئيس أرض الصومال إنه كجزء من الاتفاقية ستكون إثيوبيا أيضًا أول دولة تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة في الوقت المناسب (إثيوبيا تعاني من مناطق تطلب الإنفصال كمنطقة تجراي والسيداما وهي قومية تعد خامس أكبر مجموعة عرقية بالبلاد وتطالب بالانفصال عن إقليم “شعوب الجنوب” وإنشاء إقليم جديد تحت إدارتها قبل أن تعلن الحكومة الفيدرالية الموافقة على تنظيم استفتاء خلال 5 شهور) , ويُشار إلي أن المسؤولون الإثيوبيون قدموا رسائل متضاربة حول هذا الجانب من الصفقة المتعلق بإمكانية إعتراف إثيوبيا لاحقاً بجمهورية أرض الصومال المزعومة حيث قدم العديد من هؤلاء المسؤوليين حججًا لصالح الاعتراف بأرض الصومال لكن لم يُلزم أي منهم إثيوبيا في هذه المرحلة وقال بيان أصدرته أديس أبابا إنها ستجري فقط “تقييما متعمقا” بشأن اتخاذ موقف بشأن هذه القضية , ووفقاً لهذا فقد يكون أمر مذكرة التفاهم تلك مُتعلق بفساد مالي أي رشـــوة .

وقد واجه الاتفاق إدانة دولية كبيرة وأثار غضب الصومال الذي وصف الخطوة بأنها عمل من أعمال “العدوان”.

مع ذلك قال مكتب أبي أحمد إن مذكرة التفاهم هذه بين إثيوبيا وهرجيسا – مقر حكومة أرض الصومال – ستمهد الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا في تأمين الوصول إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية وتعززالشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية بينهما” , فما يُسمي بجمهورية أرض الصومال كانت في الماضي الإستعماري محمية بريطانية سابقة يبلغ عدد سكانها حالياً 4.5 مليون نسمة ولها ساحل طويل على خليج عدن وهي تطبع عملة خاصةبها وتصدر جوازات سفرها وتنتخب حكومتها لكن سعيها للحصول على دولة مستقلة لم يحظ باعتراف دولي مما أحالها لمنطقة فقيرة معزولة . من جهة أخري قال رضوان حسين مستشار الأمن القومي لأبي أحمد أن إثيوبيا سيكون لها حق الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة في بربرة على البحر الأحمر كجزء من الاتفاق ووصفها بالخطوة إلى الأمام في الاتجاه الصحيح لهذا الجيل والأجيال القادمة .

وقالت وزارة خارجية أرض الصومال إن”الاتفاق التاريخي يضمن وصول إثيوبيا إلى البحر لقواتها البحرية مقابل الاعتراف الرسمي بجمهورية أرض الصومال وهو إنجاز دبلوماسي مهم لبلادنا “, وفي المقابل سيتم منح حكومة أرض الصومال حصة غير محددة حتى الآن في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية التي تحمل العلم الإثيوبي وتعليقاً علي هذا الإتفاق قال عبدي إن الاعتراف جاء مقابل “20 كيلومترا من الوصول البحري للقوات البحرية الإثيوبية مستأجرة لمدة 50 عاما”وقال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي إن “مذكرة التفاهم ستمهد الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا في تأمين الوصول إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية”, وقد ناشد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود – الذي من المتوقع أن يقدم تقريره إلى البرلمان خلال ساعات قليلة – الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لتنظيم اجتماع طارئ لبحث مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسا ويأتي كل ذلك بعد أيام قليلة من لقاء الرئيس الصومالي ورئيس أرض الصومال عبدي في جيبوتي وإعلانهما استئناف المحادثات بين مقديشو وهرجيسا إثر جهود وساطة جيبوتية .

ردود الفعـــل الأولــية :

في مــقـديـــشــيو :

كان أخطر ردود الافعال هي التي في أرض الصومال نفسها ففي 8 يناير2024 إندلعت الاحتجاجات في بوركو وبوراما في أرض الصومال مما عكس مشاعر مختلطة تجاه مذكرة التفاهم الموقعة مؤخرًا بين إثيوبيا وأرض الصومال والتي قامت بموجبها أرض الصومال بتأجير 20 كيلومترًا من الأراضي الساحلية إلى أديس أبابا وجاءت هذه المظاهرات في أعقاب اقتراح المتحدث باسم وزارة الدفاع الصومالية بتجنيد ما يُسمي بالمتمردين في كل من أرض الصومال وإثيوبيا لعرقلة مذكرة التفاهم الموقعة في الأول من يناير 2024وبينما شهدت بوركو احتجاجات إلى حد كبير لدعم مذكرة التفاهم شهدت بوراما الواقعة في منطقة أودال على الحدود الإثيوبية معارضة السكان لهذه الإتفاقية أو قل الصفقة حتى أنهم هددوا بالتمرد ضد هرجيسا والمثير للهشة أن حكومة هرجيسة خططت في البداية أن تكون هذه المظاهرات إحتفالية بمناسبة الذكرة المشؤومة كاحتفال بتأييد مذكرة التفاهم ثم تحولت إلي احتجاجات من سكان بوراما في النهاية إلى حركة معارضة وفي تطور مفاجئ استقال وزير دفاع أرض الصومال عبدقاني محمود عطية الذي ينحدر من عشيرة عيسى في منطقة أودال في 7 يناير 2024بسبب عدم رضاه عن مذكرة التفاهم مع إثيوبيا وفي الوقت نفسه أصدرت الميليشيات العشائرية المسلحة في منطقة أودال بيانا يدين إثيوبيا ويحذر من المقاومة المسلحة إذا تم تنفيذ مذكرة التفاهم ويشير محللون أمنيون في المنطقة إلى أن الوضع يبدو وكأنه يتصاعد مدفوعًا بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي وربما مع حث المؤثرين في الحكومة الصومالية السكان المحليين على الثورة ضد أرض الصومال ويثير هذا التوتر المتزايد مخاوف من احتمال وقوع أعمال عنف عرقية بين عشيرتي عيسى وإسحاق في منطقة أودال مما يشكل تهديدا لأمن الحدود المشتركة بين إثيوبيا وأرض الصومال  .

كذلك وفي رد فعل لا يقل خطورة عن المظاهرات فقد أعرب الجنرال عبد الله علي كنود المتحدث باسم وزارة الدفاع الصومالية عن قلقه بشأن مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال مشيرًا إليها باعتبارها حافزًا لأنشطة شبيهة بالتمرد داخل أرض الصومال وإثيوبيا ففي مقابلة في 4 يناير2024 مع محطة تلفزيون صومالية محلية في مقديشو كشف الجنرال كنود أنهم تعاملوا مع جنود سابقين خارج الخدمة في هرجيسا وبوركو وأودال في أرض الصومال وأن هؤلاء الجنود السابقين “مستعدون لحمل السلاح ضد الرئيس موسى بيهي ومقاومة مذكرة التفاهم الموقعة مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد علي” بالإضافة إلى ذلك أفاد الجنرال كنود عن مكالمات أجراها مع أفراد سابقين في الجيش الصومالي في جيجيجا وكان هؤلاء جنودًا سابقين في النظام العسكري الصومالي وأنه على الرغم من كون جيجيجا تابعة للمنطقة الصومالية التابعة لإثيوبيا فقد أكد استعدادهم للانخراط في حرب تمرد ضد أديس أبابا ولم يتم تحديد تفاصيل إطلاق التمرد الصومالي في جيجيجا إلا أن تسلسل الأحداث يمكن إستنتاجه علي أية حال فلن يكون إلا مقاومة عنيفة لكل من مسئولي أرض الصومال ممن رضوا أو هندسوا هذا الإتفاق المذل والإثيوبيين معاً , وفي معرض حديثه عن قوة الجيش الصومالي الحالي أكد الجنرال كنود: “لن ننتظر فيمكننا أيضًا أن نبدأ بلواء واحد” وكشف عن التواصل مع القوات الصومالية السابقة في الشتات وحثهم على العودة والقتال من أجل وطنهم فالصومال أو مـقـديـشـيو أعلنت من جانبها أن مذكرة التفاهم هذه “غير شرعية , وقد تصاعدت مشاعر الجهاد والعنف ضد إثيوبيا وأرض الصومال منذ توقيع مذكرة التفاهم يوم الاثنين في أديس أبابا وهناك ثمة وعي وإدراك تام من الشعب الصومالي بشأن الأثر المدمر لمذكرة التفاهم تلك علي سيادتهم وأمنهم فالإثيوبيين مكروهين تماماً في وعي ولاوعي الصوماليين .

لم تتم الموافقة على اتفاق الأول من يناير 2024 بالإجماع فيما يُسمي بجمهورية أرض الصومال بعدإلى درجة أن وزير الدفاع عبد القاني محمود عطية استقال معارضاً للاتفاقية مع أديس أبابا واصفاً إثيوبيا بأنها “العدو الأول للصومال” وتجدر الإشارة إلى أن وزير الدفاع تحدث عن الصومال وليس أرض الصومال مما يشير إلى رؤية مشتركة مع بقية البلاد على الأقل فيما يتعلق بالعلاقات مع جارتها القوية إثيوبيا .

استدعت الحكومة الصومالية في مقديشو سفيرها في أديس أبابا للتشاور وأصدرت بيانًا أكدت فيه أن سلطتها الدستورية تمتد أيضًا إلى أرض الصومال ووصفت الاتفاقية بأنها “لاغية وباطلة”وجاء في البيان أن “الصومال يعتبر هذه الخطوة انتهاكا واضحا لسيادته ووحدته”, ورغم أن صياغة الاتفاق تترك مجالاً واسعاً للتفسير فإن أي إعادة تقييم دبلوماسي لقضية أرض الصومال من شأنها أن تزيد من إضعاف الحكومة المركزية الصومالية في مقديشو , بل حتي أن سورافال جيتاهون أستاذ العلاقات السياسية والدولية في جامعة دير داوا شرق إثيوبيا صرح لـDW: “إن التوقيع على مذكرة التفاهم سيقلب العلاقة بين البلدين رأساً على عقب , وأن هذا سيقود المنطقة برمتها إلى أزمة كبيرة وسيعرض العلاقة بين دول المنطقة للخطر” , فبالإضافة إلي الماضي الإستعماري لإثيوبيا ومطامعها في الصومال تأتي مذكرة التفاهم بشأن ميناء بربرة لتضيف صفحة جديدة لمطامع إثيوبيا في الصومال حتي وهو ممزق , فمنذ عهد إدارة سياد بري حاولت الصومال دون جدوى استعادة منطقة أوجادين الحدودية من إثيوبيا التي إستولت عليها بالحرب 1977- 1978المعروفة بحرب الأوجادين أثناء حكمه الذي إستمرلـ22 عامًا , وهناك ثمة سبب للشك في أن مقديشو سوف تنخرط في مواجهة مسلحة مع إثيوبيا الدولة التي يبلغ إنفاقها العسكري ثلاثة أضعاف فهي جزء من تحالف مزعوم ومصطنع مع الولايات المتحدة يواجه منظمة الشباب المسلحة داخل الصومال , ومع ذلك فإن قدرة الصومال على شن عملية عسكرية فعالة ضد أرض الصومال أو إثيوبيا أو كليهما محدودة ولم تتمكن مقديشيو من هزيمة حركة الشباب المقاومة وبسط سلطتها عبر مساحات الأراضي الخاضعة لسيطرتها , فبدلاً من العمل الدؤوب لإعادة توحيد الصومال والتقارب مع بونت لاند وأرض الصومال تردد إسطوانة الإرهاب المزعوم من جانب الولايات المتحدة ووكيليها حكومة مقديشيو ومعهما بالطبع إثيوبيا ضد حركة الشباب الصومالي التي تكافح هذا الحلف غير المقدس والتي يتعمد الإعلام الغربي كحالة غزة أن يغلف مقاومتها للأمريكيين وحلفاءهم بغلاف مزاعم الإرهاب  .

كان رد فعل حكومة مقديشو – كما كان متوقعا – سلبيا للغاية تجاه مذكرة التفاهم المُوقعة في هذا الصدد وقد أدان العديد من المسؤولين بما في ذلك رئيس الوزراء السابق حسن علي خير الصفقة قائلين إنها انتهاك لسيادة الصومال  وقال عبد الرشيد حاشي المدير السابق لمعهد التراث للدراسات السياسية : «أعلنت إثيوبيا الحرب على الصومال قائلة إنها من خلال أرض الصومال الانفصالية ستجعل الأراضي الصومالية تابعة لها وأنها تعتزم الاعتراف بأرض الصومال كدولة ذات سيادة على الرغم من علمها بذلك وأنها جزء لا يتجزأ من الصومال« كذلك تعهدت الصومال (مقديشيو) بالدفاع عن أراضيها “بكل الوسائل القانونية” بعد الاتفاق المفاجئ الذي يمنح إثيوبيا غير الساحلية الوصول إلى البحر الأحمر وهو أحد أكثر طرق الشحن ازدحاما في العالم , وقالت قيادة أرض الصومال إن إثيوبيا “ستعترف رسميًا بجمهورية أرض الصومال” بموجب الاتفاق لكن الحكومة في أديس أبابا لم تؤكد ذلك   .

في تأكيد مستندي لإعلانها القاضي برفض مذكرة التفاهم المُشار إليها بين إثيوبيا وأرض الصومال وقع الرئيس الصومالي مشروع قانون في 6 يناير 2024يلغي اتفاقا مبدئيا يقضي بمنح إثيوبيا غير الساحلية منفذا للوصول إلى ساحل أرض الصومال في خطوة رمزية إلى حد كبير تهدف إلى توبيخ الطرفين بشأن اتفاق أجج التوترات في منطقة القرن الأفريقي وفي منشورعلى موقع X تويتر سابقًا قال حسن شيخ محمود في نفس هذا اليوم إن مشروع القانون كان “توضيحًا لالتزامنا بحماية وحدتنا وسيادتنا وسلامة أراضينا وفقًا للقانون الدولي” وجدير بالإشارة أن أرض الصومال استقلالها عن الصومال في عام 1991 وسط حرب أهلية في جنوب البلاد وتعمل بشكل مستقل منذ ذلك الحين وتطالب هرجيسا عاصمة أرض الصومال بحدود المحمية البريطانية السابقة لأرض الصومال في شمال الصومال .

قال عبد الكريم حسين جوليدالمبعوث الصومالي الخاص إلى أرض الصومال إن الاتفاق يمثل “تجاهلاً صارخًا للأعراف الدولية” من جانب إثيوبيا ويقوض التقدم المحرز بين هرجيسا ومقديشو  .

إن مذكرة الإتفاق الإثيوبية مع أرض الصومال أججت مشاعر الكراهية والإنتقام التاريخي لدي الحكومة الفيدرالية في مقديشيو  والشعب الصومالي فقد احترمت الصومال (مقديشيو)تاريخيًا وحدة أراضي إثيوبيا على الرغم من مطالباتها التاريخية بالأوجادين الذي تحتله إثيوبيا وكان من المتوقع أن يكون هذا الاحترام متبادلاً ولهذا أعربت الحكومة الفيدرالية الصومالية في مقديشو عن خيبة أملها وقلقها إزاء قرار إثيوبيا الدخول في اتفاق ذو طبيعة سيادية مع السلطات المحلية في أرض الصومال في انتهاك لسيادة الحكومة الفيدرالية الصومالية وقد أشارت الحكومة الفيدرالية الصومالية إلى جانب خبراء قانونيين ومراقبين دوليين إلى أن هذا الإجراء يمثل انتهاكًا للقانون الدولي بما في ذلك القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي وميثاق الأمم المتحدة والخوف هو أن مثل هذه التحركات يمكن أن تشكل سابقة لدول أخرى مما يؤدي إلى عدم الاستقرار والصراعات المحتملة في القارة التي سعت جاهدة للحفاظ على الوحدة واحترام الحدود القائمة  .

والتطورالمُلفت للنظروله مغزي كبير فيما يتعلق بمذكرة التفاهم بشأن تأجير أرض الصومال ميناء بربرة للإثيوبيين كان في حكومة أرض الصومال نفسها فقد اُعلن في 8 يناير 2024 عن إستقالة وزير دفاع أرض الصومال احتجاجاً على توقيع أرض الصومال لمذكرة التفاهم تلك مع الإثيوبيين رغم إدراك حكومة أرض الصومال لأطماعهم التوسعية في الصومال فقد انتقد عبدقاني محمود عطية الرئيس موسى بيهي عبدي لعدم استشارة الوزراء بشأن صفقة الميناء الإثيوبي وأشار عطيي وهو من منطقة أودال في أرض الصومال حيث تهدف إثيوبيا إلى إنشاء قاعدة عسكرية في لوجايا إلى عدم التشاور مع حكومته كلها .

كما أعربت حكومات إريتريا والصومال عن القلق بشأن تصريحات وادعاءات رئيس الوزراء أبي أحمد خلال المناقشات العامة حول قضية البحر الأحمر .

قالت جيبوتي يوم 8 يناير 2024إنها تتابع “بقلق بالغ” التوترات بين الصومال وإثيوبيا ودعت إلى الحوار بين البلدين لتهدئة الوضع وقالت جيبوتي التي ترأس حاليا المجموعة الإقليمية (إيغاد)، إنها تواصل الجهود مع الدول الأعضاء لحل الأزمة وقبل أيام قليلة من اتفاق إثيوبيا المعلن مع أرض الصومال بشأن بربرة استضافت جيبوتي محادثات شهدت اتفاق الصومال وأرض الصومال على استئناف الحوار بعد سنوات من الجمود  .

أعربت الجامعة العربية في بيان لها في 3 يناير 2024 عن تضامنها مع الصومال ودعت إثيوبيا إلى “الالتزام بقواعد ومبادئ علاقات حسن الجوار واحترام سيادة الدول [المجاورة] وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”وبالمثل أكدت منظمة التعاون الإسلامي دعمها لمقديشو وضرورة احترام سلامة أراضيها , وفي بيان صدر في 4 يناير 2024 رفضت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي “أي عمل ينتهك سيادة الصومال ووحدة أراضيه وهي بيانات مراسمية وشكلية ولا أثر فعلي لها علي مجري الأحداث , وكلتا المنظمتين لا أثر لهما بتاتاً مما يجري في غزة وتمارسه العصابة الصهيونية المسلحة من إبادة جماعية فيما تلطلم مقاومة حماس جيش العصابات الصهيونية المسلحة علي وجهة بقوة وشراسة فهو جيش يستعرض بقوته الجوية وحشيته علي المدنيين العزل فقط أما مقاومة حماس فقد أردته أرضاً وداست عليه ووضعت أنفه في رغام غزة .

كذلك وفي بيان صدر مؤخرا أدان المتحدث الرسمي باسم حركة الشباب علي محمود راجي بشدة الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال وقال أن الجماعة تنظرإلى مذكرة التفاهم باعتبارها انتهاكًا للسيادة الصومالية وسلامة أراضيها , ويحذر الخبراء من أن هذا الاتفاق قد يخلق فراغًا على غرار ما حدث بعد عام 2006يمكن استغلاله من قبل حركة الشباب أو غيرها من الجماعات المقاومة للوجود الأمريكي فالوضع في الصومال حساس بشكل خاص بالنظر إلى تاريخ المنطقة المعقد وتوازن القوى الهش , وفي 6 يناير 2024 أعلنت حركة الشباب الصومالي أن إثيوبيا لن يمكنها أن تأخذ بوصة واحدة من مياه الساحل الصومالي , وقال علي ضهري الناطق باسم الحركة أنه سيكون من غير الممكن للإثيوبيين أن يأخذوا بوصة واحدة من المياه الصومالية , وأكد حسن شيخ رئيس الصومال ورئيس حزب السلام والتنمية أمام البرلمان الصومالي في 2 يناير 2024 أن ما فعله آبي  أحمد سيثير عداء حركة الشباب للإثيوبيين أكثر وأن مذكرة التفاهم تلك بين إثيوبيا وما يُسمي بجمهورية أرض الصومال المزعومة لا يمكن إلا إعتبارها إنتهاكاً صارخاً لسيادة الصومال , فالصومال للصوماليين وسندافع عن تكاملنا الإقليمي وسيادتنا .

أصدرت الحركة السلفية الجهادية أيضاً بياناً نُشر في 4 يناير 2024 أشار إلي أن اتفاق ميناء إثيوبيا وأرض الصومال يفرض ضغوطًا على التعاون في مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي ويغير الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر فقد وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع جمهورية أرض الصومال المستقلة بحكم الأمر الواقع وهي منطقة انفصالية عن الصومال لاستئجار ميناء بحري يمنحها إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر مقابل الاعتراف رسميًا بأرض الصومال وقد أدت صفقة الميناء إلى توتر العلاقات الصومالية الإثيوبية بشدة وزيادة المشاعر المعادية لإثيوبيا في جنوب الصومال الأمر الذي من المرجح أن يضعف التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب وينشط حركة الشباب ومن المرجح أن ينظر جيران إثيوبيا على البحر الأحمر في جيبوتي ومصر وإريتريا إلى القاعدة الإثيوبية على أنها تهديد في حين أن العلاقات القوية بين الإمارات العربية المتحدة والحكومة الإثيوبية ستعزز موقف الإماراتيين في تنافسها الإقليمي مع دول الخليج الأخرى دول مثل السعودية وقطر , وقد ووصف رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الوصول إلى البحر الأحمر في يوليو وأكتوبر 2023 بأنه قضية وجودية و”حق طبيعي” ستقاتل إثيوبيا من أجله إذا لم تتمكن من تأمينه بالوسائل السلمية وتمنح مذكرة التفاهم إثيوبيا إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة بالقرب من مدينة بربرة الساحلية على طول ساحل أرض الصومال على خليج عدن وسيتيح الميناء لإثيوبيا الوصول إلى ممرات الشحن في البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب بين جيبوتي واليمن الذي يربط البحر الأحمر وخليج عدن .

مذكرة لتفاهم بشأن بربرة كما يراها الإثيوبيين :

أما علي الجانب الإثيوبي فقد نشر موقع Borkena في 5 يناير2024 تصريحات إثيوبية مفادها أن مذكرة التفاهم مع أرض الصومال لم يكن غير متوقع أن يكون كثير من ردود الأفعال الإقليمية إزاءها سلبي وهو ما يفسر سبب الحاجة الإثيوبية لهذه المذكرة , إثيوبيا بسبب هذه المذكرة تواجه إدانة متزايدة من مختلف الجهات بعد توقيعها إياها مع أرض الصومال للحصول على 20 كيلومترا مربعا من الأرض للوصول إلى البحر فوق خليج عدن فقد اعتبر الصومال تحرك إثيوبيا بمثابة انتهاك لسيادته ووحدة أراضيه وكان للجهات الفاعلة مثل مصر والجامعة العربية أصوات مماثلة ويرى الاتحاد الأفريقي نفسه أن مذكرة التفاهم غير مناسبة ومع ذلك هناك أيضًا جهات عارضت الصفقة بسبب القلق من صراع محتمل في المنطقة وحثت على التفاوض وهي الولايات المتحدة كما أن الاتحاد الأوروبي أصدر “تذكيرا” مقتضبا حول “أهمية احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية عملا بدستورها وميثاقي الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة” وهذا أمر أساسي للسلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي بأكملها  .

في 6 يناير 2024صرح جبريميسكيل تشالا لوكالة الأنباء الإثيوبية أن اتفاقية الميناء البحري الأخيرة مع أرض الصومال ستمكن إثيوبيا من الاستفادة بشكل صحيح من سوق البريكس الناشئة إثيوبيا التي إنضمت إلي جانب الدول الأعضاء الأربعة الجديدة الأخري لمجموعة البريكس في الأول من يناير 2024 وتم توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال في 1 يناير 2024, وفي مقابلة حصرية مع وكالة الأنباء الإثيوبية أشار وزير التجارة والتكامل الإقليمي جبريميسكيل تشالا إلى أن البريكس هي كتلة متنامية تشكل 36 % من الاقتصاد العالمي وأن الكتلة تضم أيضًا دولًا ذات عدد كبير من السكان والجغرافيا كما أن إضافة الدول الخمس الأعضاء الجديدة ستجعلها أقوى , وأن الكتلة ستزيد من تمكين إثيوبيا بأهمية كبيرة من حيث تنمية الاقتصاد وزيادة الكفاءة وضمان توازن المنافسة عالميًا وكذلك زيادة مصدر التمويل من مصدر واحد إلى مصدرينن كما أن إثيوبيا ستستفيد بالتأكيد من مثل هذا السوق الضخم بمنتجاتها الصناعية ومنتجاتها الزراعية واتفاقية الميناء البحري الأخيرة مع أرض الصومال وعضويتها في مجموعة البريكس ستمكن إثيوبيا من الاستفادة كثيرًا من خلال تصدير واستيراد البضائع بسعر عادل إلى الدول الأعضاء وفيما يتعلق بإعداد البلاد للاستفادة بشكل صحيح من الكتل التجارية الأخرى أشار الوزير إلى أن إثيوبيا باعتبارها عضوًا في منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية قدمت عروضًا تعريفية للسلع وهي في طور الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والاتفاقية الأخيرة مع أرض الصومال لتأمين الميناء البحري سيكون لها أهمية كبيرة في شحن منتجات البلاد إلى الدول الأعضاء في البريكس واستيراد البضائع بأسعار عادلة من تلك الدول  .

بدأت الأطراف المعنية بهذا التطور وهي إثيوبيا وأرض الصومال وحكومة مقديشيو الإتحادية في التحرك كرد فعل لهذا الحدث الخطير ففي 8 يناير 2024أُعلن عن أن إثيوبيا أجرت محادثات في 8 يناير 2024 بشأن التعاون العسكري مع أرض الصومال بعد أسبوع واحد فقط من اتفاق مع الإقليم الصومالي الانفصالي بشأن الوصول إلى البحر وفي هذه المحادثات ناقش قائد الجيش الإثيوبي برهانو جولا “التعاون العسكري” مع نظيره في أرض الصومال نوح إسماعيل تاني وذلك وفقًا لبيان نشرته قوات الدفاع الإثيوبية على فيسبوك مما أثار التوترات في القرن الأفريقي وقد جرت المناقشات في أديس أبابا في نفس اليوم الذي بدأ فيه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود زيارة إلى إريتريا المجاورة .

كذلك فقد أشار موقع Borkena في 5 يناير2024إلي تصريحات لرضوان حسين مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي لوسائل الإعلام المملوكة للدولة قال لهيئة الإذاعة الإثيوبية : أن “ما حدث لم يكن ما لم يكن متوقعًا”, “وعندما سئل عن سبب وجود جهات تعارض الصفقة مع أرض الصومال فأجابه بسؤال آخر وتساءل “لماذا كانت هناك جهود لضمان عدم وصول إثيوبيا إلى البحر؟ كما سلط السيد رضوان الضوء على الظروف التي أصبحت فيها إثيوبيا دولة غير ساحلية وقال إن إثيوبيا كانت ضحية للمؤامرات – من خلال تلميح الجهات الفاعلة التي عملت بنشاط لجعل إثيوبيا دولة غير ساحلية لكنه قال أيضًا إن هناك جهات عارضت الصفقة مع أرض الصومال خوفًا من أن تؤدي إلى صراع إقليمي في منطقة مضطربة بالفعل ثم يرى فئة مختلفة من المعارضة تقوم على «السير مع تيار الإدانة الدولية» وهناك نقطة أخرى مهمة أبرزها رضوان حسين هي أن إثيوبيا تبذل جهودًا لتأمين وصول بديل إلى البحر منذ أكثر من 25 عامًا من خلال الإشارة إلى المحادثات حول بورتسودان (مع حكومة السودان) ولامو (مع حكومة كينيا) لقد كان القرب من إثيوبيا يمثل تحديًا – على ما يبدو من وجهة نظر لوجستية – ومن وجهة نظر ضمان أمن الواردات والصادرات وأضاف أن المحادثات لا تزال مستمرة مع الدول الأخرى التي تقدم بدائل للميناء وأن إثيوبيا لا تزال مفتوحة للمحادثة مع الدول الأخرى أيضًا لقد وضع المحادثة مع أرض الصومال في إطار ليس استثناءً وفي الواقع أكد أن الدول الكبرى بما في ذلك تلك التي تدين إثيوبيا الآن كانت على علم بالمحادثة مع أرض الصومال والاتفاق رغم أنها لم تتحدث عنه علناً ودون تسمية أسماء ذهب أبعد من ذلك ليزعم أن هناك جهات تميل إلى رؤية القاعدة العسكرية الإثيوبية ضرورية فيما يتعلق بالأمن الإقليمي , وأشار السيد رضوان أيضًا إلى أن الأمر وصل إلى حد أن إثيوبيا لم تعد قادرة على الاعتماد على ميناء جيبوتي وحده (تسدد إثيوبيا لجيبوتي ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار لاستخدام موانئ الأخيرة لذلك فالصفقة مع أرض الصومال بلا شك بمثابة نعمة لها ) وقال إن إثيوبيا [الاقتصاد] تنمو وأن جميع مناطق البلاد أصبحت مصدرة ومستوردة وأشار أيضًا إلى أن إثيوبيا تقع بالقرب من المنطقة التي اجتذبت العديد من الجهات الفاعلة وتنطوي على آثار أمنية لإثيوبيا إذا استمرت في البقاء بمعزل وأكد وجهة نظره قائلاً إن طريق جيبوتي – وهو الطريق الوحيد الذي تستخدمه إثيوبيا حاليًا – كان محفوفًا بالمخاطر من وجهة نظر الصراع الداخلي أيضًا وقال إن هناك محاولات للسيطرة على الطريق – وقال ذلك في سياق الصراع الداخلي بالنسبة للحكومة الإثيوبية كما أوضح رضوان حسين فإن الاتفاقية مع أرض الصومال هي إجراء إلى جانب توسيع بديل إثيوبيا للوصول إلى البحر وأكد رضوان في مقابلته لوسائل الإعلام الإثيوبية أن عدة جهات – من بعيد – موجودة بالفعل في المنطقة ولها قواعد عسكرية وأن إثيوبيا تم استبعادها مع أنها تعيش في قلب المنطقة (القرن الأفريقي) إن المسألة لم تعد مسألة مصلحة وطنية لإثيوبيا فالأمر أصبح مسألة وجود وشدد على أن الصومال نفسه أجرى محادثات مع العديد من الدول الأخرى من القريب والبعيد حول مسائل مماثلة في الواقع لدى الجهات الفاعلة مثل تركيا قاعدة عسكرية قوية في الصومال ووجود عسكري قوي وهي إحدى الدول التي عارضت صفقات تأجير الأراضي بين إثيوبيا وأرض الصومال , وقال رضوان: “عندما يتم الانتهاء من الاتفاقية، تتسلم إثيوبيا الأرض ويتم الانتهاء من العملية وستتخذ إثيوبيا موقفًا للنظر في اتخاذ موقف بشأن الاعتراف بأرض الصومال كدولة ذات سيادة” وأكد مجددا أن حكومة أرض الصومال موجودة منذ أكثر من ثلاثين عاما فحكومة أرض الصومال رأت أن الاتفاقية تتوافق بشكل جيد مع مصلحة البلاد وخاصة من وجهة نظر الاعتراف كان هناك احتفال في هرجيسا عندما عاد الرئيس موسى بيهي عبدي إلى وطنه بعد الاتفاق .

من جهة أخري يُشار إلي أن هناك عدد كبير من الإثيوبيين يُعارض الاتفاق بشكل ملحوظ، لأنهم يرون أنه يشكل خطرا على إثيوبيا في ظل الظروف الحالية وتنقسم البلاد بشدة على أسس سياسية مع استمرار الحروب الأهلية في منطقتي أمهرة وأوروميا أصبح أمن المواطنين، خاصة في منطقة أوروميا في إثيوبيا، كارثة لدرجة أن تنقل الإثيوبيين من مدينة إلى أخرى أصبح عملاً محفوفًا بالمخاطر. هناك أيضًا كثيرون يميلون إلى اعتبار الخطوة الأخيرة لحكومة آبي أحمد بمثابة استراتيجية أخرى لصرف الانتباه عن الأزمة الداخلية المحلية  .

مـــسألــة الإعــــتراف بأرض الصومال :

إن عدم الاعتراف الدولي يحد من فرص التجارة الخارجية ويزيد من سوء مناخ الاستثمار في أرض الصومال فالناتج المحلي الإجمالي للدولة غير المعترف بها يبلغ حوالي 2 مليار دولار ولا تزال التحويلات المالية من الشتات الصومالي في الخارج وصادرات الماشية إلى جيبوتي وإثيوبيا والخليج تشكل مصادر رئيسية للدخل ومن الواضح إذن أن الاعتراف الأجنبي باستقلال أرض الصومال يشكل في واقع الأمر مسألة بقاء بالنسبة لسكان البلاد الذين يبلغ تعدادهم أربعة ملايين نسمة وعلى الرغم من قدراتها الاقتصادية الضعيفة الحالية يتعين على الجمهورية أن تعرض على القوى الأجنبية موقعها الجغرافي المركزي في شمال القرن الأفريقي مقابل الاعتراف بالاستقلال وهنا أمكن لإثيوبيا من خلال توقيعها مذكرة التفاهم تلك وربما لاحقاً روسيا والصين الشعبية أن تلعبا دوراً لاستعادة وجودها الذي كانت تتمتع به خلال فترة الاتحاد السوفييتي في ميناء بربرة .

أدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إثيوبيا وأرض الصومال وقال الاتحاد في بيان “يود الاتحاد الأوروبي التذكير بأهمية احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية وفقا لدستورها وميثاقي الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة”وأضاف : “هذا أمر أساسي للسلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي بأكملها”وفي حديثه للصحفيين يو3 يناير2024حذر المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميللر من تداعيات الاتفاق داخل المنطقة وحث الأطراف المعنية على “الانخراط في حوار دبلوماسي لحل القضية” , كما انضم الاتحاد الأفريقي إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الدعوة إلى السلام في المنطقة وأصدررئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد بيانا في 3 يناير 2024 دعا فيه إثيوبيا والصومال إلى حل خلافاتهما من خلال المفاوضات من أجل الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في القرن الأفريقي  .

كل هذه البيانات مجرد إجراء روتيني شكلي , فالمسالة الأهم أن إثيوبيا لم تنفذ إلي ميناء بربرة إلا لأنها أستطاعت تحفيز وإغراء مسئولي أرض الصومال بإشباع غريزة الإعتراف السياسي بهم كجمهورية علي قدم وساق مع الوطن الأم الصومال , فهذه هي نقطة ضعف أرض الصومال التي من السهل علي دولة تتبني سياسات براجماتية كإثوبيا أن تستغلها وتلوح بها ويمكنها بعذ تحقيق مبتغاها النكوص عنها والتنكر لما بذلته من وعود لرئيس أرض الصومال , ولقد أقامت أرض الصومال مكاتب تمثيلية في جيبوتي وإثيوبيا وكينيا والسويد والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة في محاولة لكسب التأييد الدولي للاعتراف الكامل بها وهي تجتهد في هذا السبيل ولكن تواجهها صعوبات جمة ليس أقلها الصعوبات المالية بالإضافة إلي الإنطباع الذى يروج له الأمريكيون بإنتشار ما تدعيه من أرهاب في عموم الصومال بغية ترسيخ وجودها العسكري الذي يفتقد المصداقية فطالما بقي عسكري أمريكي واحد في الصومال ظل مبرر الإرهاب باقياً , ويتغافل المجتمع الدولي عن الإفصاح عن المبرر الحقيقي للوجود العسكري الأمريكي في الصومال الذي يؤكده المسؤلين الأمريكيون وهو الأمن القومي الأمريكي وتحقيق المصالح الأمريكية العليا ومنابذة الوجود الصيني ودفع الطموحات الإقتصادية والعسكرية للروس  .

الأمر الذي ينبغي الإلتفات إليه أن مواقف الدول الغربية المُعلنة من المسألة الصومالية ومن إنفصال أرض الصومال عن الوطن الأم أي الصومال الكبير وعاصمته مقديشيو, وبالذات بريطانيا والولايات المتحدة ليس هي المواقف الحقيقية , فمثلاً في الحالة البريطانية فبريطانيا أصدرت في 4 يناير2024بياناً دعت فيه إلى ضبط النفس بشأن التوترات المتصاعدة في القرن الأفريقي بشأن اتفاق بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال الانفصالية وهي محمية بريطانية سابقة  .

بعد توقيع أرض الصومال – التي لم يحظ ادعاؤها بالاستقلال عن الصومال عام 1991 على اعتراف دولي – علي مذكرة تفاهم مع إثيوبيا في أديس أبابا في الأول من يناير2024قالت السفارة البريطانية في الصومال في 4 يناير2024 إن “المملكة المتحدة تشعر بالقلق إزاء تصاعد التوترات في القرن الأفريقي”وأضاف البيان “نؤكد من جديد احترامنا الكامل لسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها” وأن بريطانيا “نحث على ضبط النفس والحوار لحل القضايا سلميا” , كما قال وزير الدفاع البريطاني السابق جافين ويليامسون في 2 يناير2024: “لم تفعل المملكة المتحدة ما يكفي لفترة طويلة جدًا والآن نحن بحاجة إلى إظهار القيادة وضمان اعتراف المملكة المتحدة بأرض الصومال”.

سبق أن دعا الزعماء البريطانيين إلى “الريادة في إنشاء إطار عالمي للاعتراف بأرض الصومال وهو ما يعد خطوة استراتيجية بالغة الأهمية” ووفقاً لهذا نجد أن السير Gavin WilliaGavin Williamsonmson وزير الحكومة السابق في حزب المحافظين مشروع قانون جمهورية أرض الصومال (الاعتراف) طرح في 4 يوليو 2023هذا القانون بهدف تحدي الجمود الدبلوماسي الذي أبقى الدولة الواقعة في شرق إفريقيا أي أرض الصومال غير معترف بها على الساحة الدولية لعقود , وكانت بريطانيا قد اعترفت باستقلال أرض الصومال في عام 1960 لكن هذا الإعتراف تبدد وانتهى بعد أن دخل الصومال في اتحاد لتشكيل الصومال الفيدرالي الذي كان اتحاداً غير موفق بلغ ذروة المأساة عندما بدأت الإبادة الجماعية ضد عشيرة إسحق في أرض الصومال فأعادت أرض الصومال تأكيد استقلالها في عام 1991وعلى الرغم من عدم الاعتراف بها إلا أنها تعمل الآن كدولة مستقلة لفترة أطول مما كانت عليه جزءًا من الصومال , علي أي حال أوضح السير  Williamsonmson أن حياة الملايين من الناس يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها إذا اعترفت حكومة المملكة المتحدة بأرض الصومال كدولة مستقلة , في حديثه إلى وكالة أنباء السلطة الفلسطينية حول مشروع القانون الخاص الذي تقدم به انتقد السير Williamsonmson نهج حكومة المملكة المتحدة تجاه الصومال وأرض الصومال معاً قائلاً : “عندما كنت وزيراً للدفاع كان لي شرف زيارة الصومال والذهاب إلى مقديشو ، لكن أتيحت لي أيضًا فرصة زيارة هرجيسة في أرض الصومال (البريطاني سابقاً) فرأيت التباين الواضح بين الاثنين لقد رأيت الفوضى وانعدام الأمن في الصومال ثم ذهبت إلى أرض الصومال ورأيت بلدًا يمكنك أن تطير فيه وتخرج منه ويمكنك ركوب سيارة أجرة إلى وسط المدينة كما يمكنك التجول بقدر ما يمكنك التحدث إلى الناس لقد كان الأمر مريحًا للغاية كان طبيعيًا جدًا ومع ذلك فقد أدركت أن دولة واحدة كانت فوضوية ولم يكن لديها سيادة القانون ونعترف بها , لكننا لم نعترف بدولة تتمتع بالاستقرار ، ولديها بالفعل انتخابات ويبدو لي أن هناك سياسة خارجية للحكومة البريطانية هنا وحقيقة كانت بعيدة جدًا عنها فقد كانت تلك الحقيقة هي التي دفعتني حقًا إلى اعتقادي بأن الحكومة البريطانية بكل بساطة كانت مخطئة فيما يتعلق بنهجها تجاه البلدين لذا فهناك فوائد محتملة للاعتراف البريطاني بجمهورية أرض الصومال وإعتراف المجتمع الدولي الأوسع فمن خلال هذا العمل الصغيروهو الاعتراف يمكنك تحويل مستويات المعيشة  لنحو 5.7 مليون شخص بين عشية وضحاها” ,“وأردف قائلاً :”من الهم جدًا أيضًا للأمن البريطاني كما أنه من المهم للتجارة العالمية أن نولي أهمية لأرض الصومال فموقعها استراتيجي بالقرب من خليج عدن وأخيراً من المهم أن نشجع البلدان التي تتبنى نفس قيمنا ولا تكافئ البلدان التي لا تفعل ذلك” , إذن نحن أمام ثلاث مزاعم تبرر للحكومة البريطانية وربما أيضاً لحلفاؤها الغربيين تقرير الإعتراف بما يُسمي بجمهورية أرض الصومال أو Somaliland وعاصمتها هرجيسة أو  Hargeisa وهذه الجمهورية التي أعلنت إستقلالها عن جمهورية الصومال من جانب واحد في 18 مايو 1991واقعة عند الساحل الجنوبي لخليج عدن وتحدها جيبوتي من الشمال الغربي وإثيوبيا من الجنوب والغرب وجمهورية الصومال من الشرق , ومنذ إعلان إستقلال جمهورية أرض الصومال عن الوطن الأم وهي تبحث عن الإعتراف الدولي بها في ظل حكومات مُنتحبة ديموقراطياً   ولم تكن هذه هي المرة الأولي لإثارة موضوع الإعتراف بصوماليلاند فقد كانت هناك جلسة سابقة بشأن هذا الموضوع في البرلمان البريطاني , ففي 18 يناير 2022 اجتمع حوالي عشرين نائبًا بريطانيًا لمناقشة الاعتراف باستقلال أرض الصومال لكن ممثل الحكومة اختتم هذا الإجتماع بالإصرار على الإبقاء على الوضع الراهن وفي ديسمبر2021قام أول وفد من أعضاء الكونجرس بزيارة إلي صوماليلاند .

أما بالنسبة للولايات المتحدة وعلاقتها بأرض الصومال فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر للصحفيين بمؤتمر صحفي في 3 يناير2024 أن الولايات المتحدة وهي شريك مهم في المساعدات والأمن لأرض الصومال والصومال تعترف بالصومال داخل حدودها عام 1960التي تشمل أرض الصومال ودعت جميع الأطراف إلى حل المشكلة قضاياهم من خلال الحوار.

لكن ما يُناقض ذلك وعلي الجانب الآخر يُذكر أنه من بين مؤشرات ومعلومات مختلفة أنه في 21 مارس 2022 أُعلن عن زيارة قام بها مسؤليين من أرض الصومال لواشنطن الأسبوع بهدف الإتصال المُباشر بالولايات المتحدة للاعتراف باستقلال الإقليم والترويج لحكم أرض الصومال المستقر والموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي قال هؤلاء المسؤلين للمسؤليين الأمريكيين الذين إلتقوهم إنه يمكن أن يكون مصدر قوة لمصالح الولايات المتحدة في القرن الأفريقي وبشأن هذه الجزئية أوضحت إدارة بايدن أنه ليس لديها خطط للاعتراف باستقلال أرض الصومال عن الصومال خلال زيارة رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي ووزير الخارجية عيسى كايد محمود , لكن في اجتماعات جرت بين مسؤلي أرض الصومال في الكابيتول هيل أشار كبار المشرعين الأمريكيين إلى أنهم يريدون من الولايات المتحدة تعميق العلاقات مع أرض الصومال بإعتبار أن الإقليم يُعد نموذج للاستقرار في منطقة غير مستقرة وحصنًا محتملاً ضد النفوذ الصيني المتزايد في شرق إفريقيا فأرض الصومال تُظهر ذلك للأمريكيين بالروابط المتنامية – حتي الآن – مع تايوان  التي أسست مع صوماليلاند علاقات دبلوماسية أُعلن عنها في الأول من يوليو 2020 , وفي 15 مارس 2023 عُقد أول إجتماع مُشترك في تايبيه حول التعاون المشترك في مجال الطاقة والثروة المعدنية والتقى مسؤولون تايوانيون يمثلون وزارة الشؤون الاقتصادية مع نظرائهم في أرض الصومال في وزارة الطاقة والمواد في هرجيسه لمناقشة المشاريع المشتركة المتعلقة بإنتاج النفط والغاز والمعادن ووفقًا لبيان صحفي صادر عن وزارة الطاقة والمياه فقد توصل البلدان إلى توافق حول التعاون المستقبلي لتطوير صناعات إنتاج النفط والغاز والمعادن في أرض الصومال وتنوي وزارة الطاقة والشؤون الاقتصادية ووزارة الطاقة الذرية التايونية تنظيم برامج تدريبية مشتركة وعقد منتديات سياسية تتعلق باستكشاف الموارد واستغلالها وتطوير البنية التحتية ، وقد أقامت تايوان وصوماليلاند علاقات في عام 2020 من خلال مكاتب تمثيلية متبادلة في هرجيسه وتايبيه وتأسست مجموعة عمل مشتركة للطاقة والموارد المعدنية بموجب مذكرة تفاهم تم توقيعها عام 2022وأشار البيان الصحفي  الصادر عن الخارجية التايوانية إلى أن “هناك احتياطيات الهيدروكربون الوفيرة غير المستغلة في أرض الصومال” وموقعها الجغرافي المتميز على خطوط التجارة التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي” . هذا وقد قام وفد تايواني بزيارة أرض الصومال في الفتر من 13 مارس إلي 18 مارس 2023برئاسة يوجين واي جيه تشين المدير العام لإدارة التعاون الدولي بوزارة الشؤون الخارجية , ولا تحاول الصين الإقتراب من صوماليلاند بل بالعكس صرح Wang Yi وزير خارجية الصين في 3 مارس 2022 بأنه يريد إنهاء العلاقة بين تايوان وأرض الصومال التي قال وانج إنها تهدد “سيادة واستقلال ووحدة أراضي” الصين والصومال التي تخطط الصين ضمها إلي مبادرة الحزام والطريق وهي خطة تطوير التجارة والبنية التحتية التي تحمل توقيع الرئيس شي جين بينج  ,كما أن هناك سبب لتحرك الولايات المتحدة نحو صوماليلاند وهو أن ميناء بربرة بأرض الصومال يمكن أن يكون بديلا إقليميا لجيبوتي التي تستضيف قاعدة عسكرية صينية , وكانت هناك دعوات متزايدة لواشنطن لإنشاء مكتب تمثيلي في أرض الصومال التي رحبت بوفد من موظفي الكونجرس بعاصمتها هرجيساه في منتصف ديسمبر2021 , وفي هذا قال   أحد مسؤلي أرض الصومال أثناء هذه الزيارة لمجلة فورين بوليسي في مقابلة : “حتى لو استغرق الأمر 100 عام للاعتراف بنا فسنظل ندافع عن هويتنا وسنظل نتواصل مع الجميع وسنظل نحلم بيوم يتم فيه الاعتراف بأرض الصومال كدولة خاصة بها” وقد إلتقي رئيس أرض الصومال Muse Bihi Abdi بيهي بمسؤولين كبار في إدارة بايدن بالإضافة إلى جمهوريين وديمقراطيين في الكونجرس الذين لم يصلوا في لقاءاتهم بمسؤلي  إلى حد الدعوة إلى استقلال أرض الصومال ولكنهم دفعوا من أجل توثيق العلاقات بين الولايات المتحدة وأرض الصومال فالمسؤولون الأمريكيون يخشون من أن الاعتراف بأرض الصومال قد يقلب علاقات الولايات المتحدة مع الحكومة الفيدرالية في الصومال التي تتعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب على الرغم من سيطرتها الهشة على بعض أجزاء البلاد وقد يفتح الباب أمام مناطق أخرى شبه مستقلة في إفريقيا لمضاعفة مساعي الاستقلال كما يجادلون بأن اعتراف الولايات المتحدة بأرض الصومال سيضر بشدة بعلاقات واشنطن مع الشركاء الآخرين في القارة والاتحاد الأفريقي الذين لا يعترفون بأرض الصومال , وبهذه الشأن أشار كاميرون هدسون الدبلوماسي الأمريكي السابق والخبيرالآن في شؤون شرق إفريقيا في المجلس الأطلسي إلي :”إنهم يقومون بجولة نهائية حول الاتحاد الأفريقي وحول منطقتهم الأصلية في محاولة لإقناع واشنطن بمنحهم ما لا يمكنهم الحصول عليه محليًا فسيكون ذلك نوعًا ما مثل اعتراف الاتحاد الأفريقي ببورتوريكو باعتبارها الولاية الأمريكية رقم 51 قبل الولايات المتحدة”.

يردد معظم الإعلام الأمريكي مقولة : “أن الأمر المثير للفضول هو إغفال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بيلينكن أي زيارة إلى أرض الصومال الدولة الأكثر ديمقراطية في القرن الأفريقي فهي دولة ديموقراطية على عكس إثيوبيا ” , لكن يُشار أيضاً في هذا الصدد أنه من الصحيح ان هناك ديموقراطية بقدر كبير في صوماليلاند لكن صحيح أيضاً أن الوضع غير مُستقر في أرض الصومال أو صوماليلاند فحتي فبراير 2023 ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عبر أكثر من 98 ألف شخص حدود صوماليلاند إلي منطقة ضربها الجفاف في جنوب شرقي إثيوبيا فراراً من القتال الدائر في منطقة أرض الصومال الانفصالية في الصومال ففي يوليو 2023عادت الحرب بضراوة بين جمهورية الصومال والجزء الإنفصالي منها في صوماليلاند ويُقدر أن ما لا يقل عن 200 قتيل و 185000 لاجئ  كانوا ضحايا الإشتباكات التي تجاوز رصيدها هؤلاء القتلي إضافة إلي حوالي 185 ألف لاجئ من وجهة نظر مقديشو وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لقناة الجزيرة : إن “الصومال تعمل عن كثب مع المجتمع الدولي لإعادة السلام إلى المنطقة الشمالية المنفصلة من أرض الصومال بعد تصاعد التوترات بين سلطات المنطقة وقوات العشائر المحلية” , ويُذكر أن القتال بين الفريقين بدأ في 6 فبراير 2023 بالقرب من لاس أنود العاصمة الإدارية لإقليم سول بعد أن تخلى زعماء القبائل والزعماء الدينيون المحليون عن حكومة أرض الصومال مطالبين بالعودة إلى إدارة مقديشو أي للحكومة الإتحادية , وقد كانت هناك تقارير تفيد بأن الحكومة الإثيوبية دعت الطرفين المتحاربين Isimada وأرض الصومال إلى أديس أبابا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب وقال المتحدث باسم صوماليلاند إنهم لم يستجيبوا لنداء إثيوبيا لأن المدينة لا تزال تتعرض للقصف على حد قوله ولم تتحدث أرض الصومال بعد عن الاجتماع الذي سيعقد في أديس أبابا واتهم المتحدث باسم أرض الصومال الجانب الآخربمواصلة قصف المدينة وأنه لا يوجد ما يحل المشكلة Lasanood .

الواقع هو أن بريطانيا تحاول إحياء إعترافها القديم بصوماليلاند للدوافع مصلحية في المقام الأول , والمثير للتأمل أن هناك ثمة سمات تاريخية مشتركة بين محميات الخليج ومحمية أرض الصومال وفي نفس الوقت تقريبًا كانت المنطقتان تحت النفوذ البريطاني سياسيًا في ذروته خلال حكم الإمبراطورية البريطانية وكما حكم شيوخ البدو منطقة الخليج المحميات (ساحل الصلح أو الساحل المُتهادن) التي تحولت إلى دويلات بعد الاستقلال كانت أرض الصومال يحكمها سلاطين لهم تاريخ طويل ومكانة مرموقة في الداخل وقد تعاملت بريطانيا مع القرن الأفريقي وجنوب اليمن والخليج كجزء من إمبراطوريتها في الهند ولم يكن التركيز على هذه المناطق من أفريقيا وشبه الجزيرة العربية محض صدفة فالاهتمام بهذا الجزء من العالم سبق افتتاح قناة السويس لكن أهمية خليج عدن وشواطئه زادت مع تحول حركة الملاحة البحرية نحو البحر الأحمر ثم الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس المفتوحة حديثا آنئذ وكانت العملة الهندية الروبية والبيسة هي أيضًا عملة أرض الصومال وعدن وسلطنات الساحل الجنوبي للجزيرة العربية ومسقط ومشيخات الخليج وكانت طوابع البريد الهندية التي تحمل أسماء هذه المحميات في ذلك الوقت جزءًا أساسيًا من التعامل مع العالم لم يكن الجيش البريطاني ينوي التخلي عن مواقعه هناك بل حارب في الواقع المحاولات الإيطالية للتوسع , تأثرت أرض الصومال بالخطوات الأولى للانسحاب البريطاني من شرق السويس ولمدة عشر سنوات بين عامي 1960 و1970 وأخيراً غادرت بريطانيا أولاً أرض الصومال ثم من عدن والمنطقة العربية الجنوبية ثم من الخليج وفي اليوم الذي قررت فيه الخروج من أرض الصومال تركت وراءها على الأقل من الناحية النظرية دولة مستقلة لها مجلس وطني واعترفت ما لا يقل عن 35 دولة بالدولة أو المحمية السابقة حتى أن أرض الصومال تلقت رسالة تهنئة من وزير الخارجية الأمريكي لكن الرغبة الكامنة لدي الصومال في الوحدة أدت بمجلس أرض الصومال إلى التخلي عن الاستقلال والتحول إلى جزء من دولة الصومال الحديثة .

أما الولايات المتحدة فمازالت مترددة لأن إعرافها بصوماليلاند قد يضر بمجمل إستراتيجيتها في شرق أفريقيا وخاصة مع مقديشيو مع أنه في 1 مايو 2006 نشرت صحيفة نيويورك تايمز اقتراحًا من قبل السناتور آنذاك جو بايدن ورئيس مجلس العلاقات الخارجية ليزلي جيلب لتقسيم العراق على أسس عرقية وطائفية أي أن مفهوم تجزئة الدول وتقطيع أوصالها علي أسس طائفية يخامرعقلية الرئيس الأمريكي فلماذا يؤجله أو ينكره في حالة الصومال وصوماليلاند ؟ , فهل تبدأ الولايات المتحدة مخطط إعترافها بصوماليلاند بأسلوب مرحلي  فتفتح مكتب قنصلي في أرض الصومال أو ترسل دبلوماسي على أساس مؤقت إلى Burao  .

مـــذكرة التــفـاهم بين أرض الصومال وإثيوبيا ليست مــفاجأة :

لم يتضح بعد متى سيدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ وإن كان رضوان حسين مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء أبي أحمد  قد صرح بأن المفاوضات التفصيلية للتوصل إلى اتفاق رسمي ستختتم خلال شهر ولم يكشف عن الحصة التي ستقدمها إثيوبيا في أكبر شركة طيران في أفريقيا , ولكن من المعلوم أنه إذا تمت الصفقة أو أُقرت مذكرة التفاهم تلك فستكون هذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها حكومة أجنبية على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية  مما يمثل علامة فارقة بالنسبة لأرض الصومال التي ليس لديها حاليًا شركة طيران خاصة بها وسيكون هذا تطورا غير مسبوق لجميع الأطراف المعنية  أي أرض الصومال وشركات طيران لدي الطيران الإثيوبي حصة فيها فتمتلك الخطوط الإثيوبية ET أسهمًا في العديد من شركات الطيران الأفريقية بما في ذلك خطوط ASKY الجوية في توجو والخطوط الجوية الملاوية والخطوط الجوية النيجيرية والخطوط الجوية الزامبية هذا مع العلم أن الخطوط الإثيوبية أكبر شركة طيران في القارة وأكثرها ربحية فخلال العام المالي 2022/2023 ارتفعت أرباح الشركة بنسبة 20% مقارنة بالعام السابق وبلغت إيراداتها 6.1 مليار دولار على الرغم من التحديات التشغيلية التي واجهتها الصناعة خلال تلك الفترة كما تتوقع نتائج مالية إيجابية هذا العام , ووفقًا لـ ch-aviation فإن شركة الطيران الإثيوبية تمتلك أسطولًا مكونًا من 134 طائرة ركاب وشحن بما في ذلك بعض الأنواع الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود مثل طائرات إيرباص A350 وبوينج 787 دريملاينر التي تمتلك 20 و29 منها على التوالي كما تخطط شركة النقل مضاعفة أسطولها تقريبًا خلال العقد المقبل كجزء من استراتيجية التوسع في إطار”رؤية 2035″ .

فيما قال رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي في نفس الحدث إنه كجزء من الاتفاقية فإن إثيوبيا ستعترف بأرض الصومال كدولة ذات سيادة , ومن المهم جداً أن نعرف أن مذكرة التفاهم الإثيوبية تلك مع أرض الصومال كانت هناك أموروتحركات إثيوبية تحدث في الشهور الماضية عندما أعلن رئيس وزراء إثيوبيا علانية رغبة إثيوبيا في منفذ بحري  وتشير كل التحركات الإثيوبية اللاحقة لهذا الإعلان إلي أن لإثيوبيا إهتمام ورغبة مُستعرة لتأطير وصولها لمنفذ بحري في أرض الصومال كانت خاتمته مذكرة الإتفاق تلك المُشار إليها , والمدهش أن بعض وسائل الإعلام أشارت إلي أن حكومة مقديشيو فوجئت وهي التي لا سيطرة تذكر لها على المقاطعة الانفصالية الشمالية الغربية أي أرض الصومال عندما توصلت إثيوبيا وأرض الصومال إلى اتفاقهما في يوم رأس السنة الجديدة , لكن هذا التطور لذلك لا يمكن بحال إعتباره مفاجأة لا للقاهرة ولا لمقديشيو خصمي إثيوبيا اللدودين وذلك وفقاً لما يلي :

1- في عام 2017 وُقعت اتفاقية امتياز بين موانئ دبي العالمية وإثيوبيا وحكومة أرض الصومال لإعادة بناء وتحديث ميناء بربرة وتتضمن الامتياز الذي تبلغ مدته 30 عامًا: ميناء تجاريًا ومنطقة حرة وممرًا من بربرة إلى حدود إثيوبيا ومطارًا في بربرة , ويسمح الامتياز لحكومة أرض الصومال بالاحتفاظ بنسبة 30% من الأسهم في الميناء و19% لإثيوبيا، و51% لموانئ دبي العالمية لكن في يونيو 2022 أعلنت أرض الصومال أن إثيوبيا فشلت في الحصول على حصتها البالغة 19% في ميناء بربرة وفشلت إثيوبيا في استيفاء الشروط , وفي عام 2022 تولت موانئ دبي العالمية (DP World) وهي شركة عالمية رائدة في مجال تشغيل الموانئ والخدمات اللوجستية إدارة الميناء في عام 2017 وقامت بتوسيع الرصيف بمقدار 400 متر وأنشأت محطة جديدة للحاويات وصممت ميناءً مجانياً المنطقة وبدأت في إدارة عمليات الميناء وتصطف بجانب الرصيف أحدث نماذج الرافعات التي أصبحت جاهزة للعمل منذ يونيو 2022 ويتدرب موظفو موانئ دبي العالمية على تشغيل الرافعات يوميًا واكان المتوقع أن يجذب الميناء 500 ألف حاوية نمطية (وحدة سعة الشحن) سنويًا أي حوالي ثلث قدرة ميناء دوراليه المجاور في جيبوتي وهذا من شأنه أن يسمح لأرض الصومال بأن تصبح مركزًا لوجستيًا على خليج عدن يتنافس مع الموانئ الأخرى في المنطقة مثل جيبوتي ومقديشو ومومباسا , وقد تزامنت رغبة موانئ دبي العالمية في توسيع عملياتها في المنطقة مع الصراعات بين موانئ دبي العالمية وجيبوتي ففي عام 2006وقعت موانئ دبي العالمية عقد امتياز مدته 30 عاماً لتصميم وبناء وتشغيل محطة دوراليه للحاويات في جيبوتي ولكن دفعت التوترات المتزايدة حكومة جيبوتي إلى إلغاء امتياز موانئ دبي العالمية في عام 2018 , لهذا حولت موانئ دبي العالمية اهتمامها من الميناء في جيبوتي إلى ميناء بربرة في أرض الصومال وبوساسو في الصومال (بونتلاند) وفي عام 2017 وُقعت اتفاقية امتياز بين موانئ دبي العالمية وإثيوبيا وحكومة أرض الصومال لإعادة بناء وتحديث ميناء بربرة وتشمل المشاريع التي يغطيها الامتياز لمدة 30 عامًا ميناء تجاريًا ومنطقة حرة وممرًا من بربرة إلى حدود إثيوبيا ومطارًا , وعليه فمنذ 2017 بدأت الآمال والتوقعات تتصاعد في أرض الصومال لإعادة توجيه التجارة بشكل خاص من الأجزاء الشرقية من إثيوبيا إلى أرض الصومال لكن هذه الخطة وقد أدىت الحرب فبين إثيوبيا والتيجراي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في إثيوبيا واستقرار البلاد على حافة الهاوية , ولكن علي أية حال فقد ظلت استراتيجية موانئ دبي العالمية للسيطرة على الموانئ على طول البحر الأحمر وخليج عدن تعمل بالفعل على تغيير الجغرافيا السياسية للقرن الأفريقي وهذا التغيير ليس له أن يتم ويكتمل إلا بدخول إثيوبيا كطرف رئيسي و فاعل وبجيث يكون للإمارت دور الممول لتنفيذ هذه الإستراتيجية  وكذلك آمال , ولقد أكمل ميناء بربرة بالفعل مرحلة التوسعة الأولى المنطقة الحرة المملوكة لشركة موانئ دبي العالمية قيد الإنشاء أجزاء كبيرة من ممر بربرة وهو طريق سريع يربط بربرة بتقواجالي على الحدود بين إثيوبيا وأرض الصومال ومن هناك إلى جيجيجا وأديس في إثيوبيا تم الانتهاء منها ووفقاً لمسؤولين في أرض الصومال فقد تم الانتهاء من بناء المطار أيضاً لكن تسميته الأصلية كمنفذ عسكري لدولة الإمارات العربية المتحدة لا تزال غامضة .

2- كذلك إتصالاً بتأكيد أن توقيع إثيوبيا وأرض الصومال مذكرة التفاهم هذه بشأن الوصول الإثيوبي لميناء بربرة ليست تطوراً طارئاً أو مُفاجئاً أن رئيس جمهورية أرض الصومال المزعومة موسى بيهي عبدي وصل  إلى ميناء بولي الدولي الدولي في أديس أبابا بإثيوبيا في 18 يناير 2022 واستقبله وزير المالية الاتحادي في إثيوبيا أحمد شايد ورضوان حسين وزير الدولة الاتحادي بوزارة الشؤون الخارجية وأجري الرئيس بيهي والوفد المرافق له محادثات ثنائية على عدة جبهات تمحورت حول القضايا الاقتصادية والأمنية العالقة ومن بين  المبادرات التي نُوقشت استئناف حصة إثيوبيا البالغة 19٪ في ميناء بربرة وهو الأمر الذي لم تسع إليه الأخيرة بشكل نشط منذ أن أيدته جمهورية أرض الصومال وموانئ دبي العالمية وإثيوبيا رسميًا في مايو 2019 فمنذ ذلك الحين لم تفعل إثيوبيا أيًا منهما المساهمة في تطوير الميناء من خلال بذل نصيبها من الجهد وعدم إظهار أي دفء خاص للدولة التي كانت تحرس جوانبها الشرقية بيقظة طوال الثلاثين عامًا الماضية أو نحو ذلك كما نُوقش مسألة ميناء زيلع كانت فقد كانت إثيوبيا وفقًا لمصادر متعددة تتطلع إلى ميناء زيلع منذ اتفاقها الأول مع بريطانيا في عام 1897حتى أن المملكة الحبشية حاولت شق ممر بعرض 100 ميل إلى الميناء في اتفاقية أخرى مع بريطانيا العظمى في عام 1946 و ولكنها فشلت , وعلي أي الأحوال فقد جاءت زيارة رئيس أرض الصومال تلك لإثيوبيا في منعطف زمني اهتزت فيه السياسة الداخلية لإثيوبيا بسبب الخلافات الإقليمية والحرب المدمرة مع ولاية تيجراي في الشمال والتي تركت اقتصادها في حالة محفوفة بالمخاطر وقد  دفعت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي للتراجع من نقطة أقل من 300 كيلومتر إلى العاصمة بصعوبة كبيرة واجتمعت دول أجنبية بما في ذلك تركيا والإمارات العربية المتحدة وروسيا والصين وغيرها الكثير لدعم الهجوم المضاد الذي شنه آبي أحمد وجمعت رفاقًا غريبين معًا كما جاءت هذه الزيارة أيضًا في الوقت الذي ناقش فيه برلمان المملكة المتحدة اقتراحًا قدمه الوزير السابق جافين ويليامز بشأن مسألة الاعتراف الدبلوماسي بأرض الصومال , ويجدر بالذكر أن بريطانيا منحت الحماية السابقة في 26 يونيو 1960واعترفت أكثر من 35 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية بانتقال جمهورية أرض الصومال إلى دولة مستقلة وكانت إسرائيل أول من فعل ذلك وكانت إثيوبيا الدولة الأولى التي أنشأت مكتبًا شبه دبلوماسي في هرجيسا ومنحت امتيازًا مماثلاً لـ لـ Garowe عاصمة بونتلاند – وهي دولة إقليمية تابعة للصومال الفيدرالي وهي ليست كذلك في الواقع – وهناك دول الأخرى الممثلة تجاريًا أو دبلوماسيًا في جمهورية أرض الصومال هي المملكة المتحدة وتايوان وتركيا وجيبوتي وكينيا والإمارات العربية المتحدة .

3- كذلك ففي 29 يونيو  2021أُعلن أن سفينة Jigjiga، تابعة لمؤسسة الشحن والخدمات اللوجستية الإثيوبية (ESLSE) رست في ميناء بربرة وعلى متنها 758 حاوية شحن تابعة لأرض الصومال مسجلة رقمًا قياسيًا جديدًا في شحن البضائع المعبأة في حاويات إلى الميناء  وقد بدأت سفن ESLSE خدمة الخطوط الملاحية المنتظمة المنتظمة إلى بربرة في يوليو من عام 2021بعد 20 عامًا. ورست سفينة جيبي وهي سفينة أخرى مملوكة لشركة إنتربرايز على ساحل أرض الصومال للمرة الأولى منذ عقدين من الزمن حاملة 15 ألف طن من الأرز حاليًا، تنقل سفن ESLSE ما يصل إلى 11,200 طن متري من البضائع السائبة في رحلة واحدة وقد تم إنشاء المؤسسة الإثوبية البحرية في عام 2011 نتيجة اندماج ثلاث مؤسسات عامة هي شركة الخطوط الملاحية الإثيوبية والمؤسسة البحرية والعبورالإثيوبية ومؤسسة الموانئ الجافة ولديها حاليا 11 سفينة وتمكنت من زيادة حاوياتها من 3000 إلى 14000 في العام المالي 2021/2022.

4- إتصالاً برغبة أو مطامع إثيوبيا في الوصول للبحر فقد درست إثيوبيا ربط ميناء بربرة بشبكة السكك الحديدية الإثيوبية – جيبوتي في إطار منصة الاستثمار الخاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص ولم يكن المشروع المخطط له جزءًا من مشروع السكك الحديدية الذي يبلغ طوله 5000 كيلومتر والذي كانت إثيوبيا قد خططت لتطويره قبل حوالي عقد من الزمن , وقد أُعلن في 14 أبريل  2021أن هذا المشروع المقترح الذي يسمى “مشروع ربط الميناء بالميناء” متوقع إتمام تنفيذه ضمن خطة التنمية العشرية التي تمت الموافقة عليها مؤخرً وقد أشارت مصادر إثيوبية إلي أن المشروع تم تقديمه  للمستثمرين المهتمين وأنه قد يكون على مسافة تقدر بـ 310 كم من Ayisha المرتبطة بسكة حديد إثيو / جيبوتي القياسية إلى ميناء بربرة , وتبلغ التكلفة التقديرية للمشروع 1.5 مليار دولار أمريكي لكن اللافت أنه لم يوضح بشكل واضح ما إذا كان المبلغ هو التكلفة الإجمالية بين البلدين أم على الجانب الإثيوبي فقط وعلى نفس المنوال علق الخبراء بأن المبلغ يجب أن يشمل مشروع أرض الصومال , وذكر وصف وزارة التجارة الإثيوبية أن المشروع سيحسن نظام النقل الداخلي لميناء بربرة وسيكون له تأثير على جميع المناطق على طول الخط ويسهل تطوير صناعة خدمات الموانئ والاقتصاد الوطني لإثيوبيا , يُذكر أنه منذ حوالي 11 عامًا اقترحت الحكومة الإثيوبية إنشاء شبكة سكك حديدية بطول 5000 كيلومتر من المسافة المذكورة وتم الانتهاء من 660 كيلومترًا فقط من السكك الحديدية التي تتصل بخط السكك الحديدية القياسي في جيبوتي بطول 100 كيلومتر في أوائل عام 2018 في حين أن خط السكة الحديد أواش-هارا جيبيا بطول 392 كيلومترًا قيد الإنشاء , وبحسب الاقتراح السابق كانت الحكومة الإثيوبية تستهدف تمديد الخط في؛ الجزء الشمالي والشمالي الغربي والغربي والجنوبي من البلاد إلى جانب إثيو/ جيبوتي أما منطقة  Ayisha التي تقع في المنطقة الصومالية، فتضم مشروع بربرة الجديد على تنمية القطاع , ووفقًا لقطاع النقل تشير خطة التنمية العشرية إلى أن طول تغطية السكك الحديدية سيصل إلى 4199 كيلومترًا بحلول عام 2030, ووفقاً لتقارير صحفية فإنه كانت هناك تكهنات بأن إثيوبيا ستعلن قريبا عن مشروع : خط سكة حديد بطول 90 كيلومترا إلى البحر الأحمر , وهي معلومات منشورة ومتاحة للكل , فكيف تكون مذكرة تفاهم إثيوبيا مع جمهورية أرض الصومال المزعومة مــفاجــــأة ؟

5- تعتمد إثيوبيا حتي اليوم وبشكل كبير على جيبوتي في التجارة الدولية حيث يمر أكثر من 95% من بضائعها عبر ممر أديس أبابا-جيبوتي وهي نقطة الضعف التي سعت إثيوبيا إلى تخفيفها من خلال تنويع قدراتها ومنذ أكتوبر2023 أبدت إثيوبيا اهتمامها العلني بالوصول إلى الموانئ على طول ساحل شرق أفريقيا وقالت إنها ستؤكد حقوقها , فهذا الوصول إلى البحر يمكن أن يرسي الأساس لازدهار إثيوبيا على المدى الطويل ومضاعفة نفوذها الإقليمي ولو علي حساب الصومال الموحد ( هكذا بكل صلافة وغرور فهي أي إثيوبيا تتشابه مع الكيان الصهيوني في ممارسة البلطجة العلنية عليب دول الجوار خاصة المسلمين الصوماليين) مما أثار مخاوف جيرانها  بل وتربصهم خاصة أرتريا .

6- في خطاب متلفزقبل توقيع هذه المذكرة بشهور قال آبي أحمد إن إثيوبيا يجب أن يكون لها رأي في استخدام موانئ جيرانها الساحليين على البحر الأحمر، تمامًا كما تم السماح لدول مجرى نهر النيل بالتفاوض على استخدام النهر الذي بنت إثيوبيا من خلاله سدًا لتوليد الكهرباء .

عطفاً علي بيان الإهتمام الخارجي بميناء بربرة يُذكر أن سلطان أحمد بن سليم رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ دبي العالمية وصف ميناء بربرة بأنه “خيار قابل للتطبيق وفعال وتنافسي للتجارة في المنطقة وخاصة بالنسبة للبضائع العابرة الإثيوبية” مما يعني أنه من المرجح أن يكون منافساً قوياً لميناء لامو الجديد في كينيا , فيمكن لمحطة الحاويات الجديدة بميناء بربرة والتي يبلغ عمقها 17 مترًا وبها رصيف يبلغ طوله 400 متر وثلاث رافعات جسرية من السفينة إلى الشاطئ التعامل مع أكبر سفن الحاويات العاملة في أيامنا هذه على الرغم من أنها لا تزال أقل بكثير من حيث الطاقة الإنتاجية السنوية مقارنة بمومباسا فجزء من خطة بربرة الشاملة والمصممة على غرار منطقة جبل علي الحرة التابعة لموانئ دبي العالمية في دبي ترتبط بالمنطقة الاقتصادية بالميناء وتتمتع بموقع استراتيجي على طول طريق بربرة إلى وجال (ممر بربرة) ومن المقرر الانتهاء من مشروع تطوير طريق ممر بربرة، بتمويل من صندوق أبوظبي للتنمية (ADFD) ووزارة التنمية الدولية البريطانية (DFID) وطريق هرجيسا الالتفافي بتمويل من المعونة البريطانية في الربع الرابع من عام 2021 والربع الرابع من عام 2021 ثلاثة 2022 على التوالي وسيرتبط الطريق بالطريق السريع الحديث الحالي على الجانب الإثيوبي وسيضع بربرة كطريق تجاري مباشر وسريع وفعال للبضائع العابرة الإثيوبية .

هناك منافسة مينائية بمنطقة القرن الأفريقي لا يمكن إغفالها وخاصة أن كينيا تواجه حالياً منافسة الموانئ مع مشاريع أرض الصومال كذلك من ناحية أخرى تتطلع تنزانيا إلى إحياء مشروع ميناء باجامويو الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار (1.1 تريليون شلن) على الساحل الشرقي للبلاد، حسبما صرحت الرئيسة سامية سولوهو للاعبي القطاع الخاص في البلاد في دار السلام وسيؤدي هذا إلى إنشاء ميناء بحري رئيسي ثانٍ لتنزانيا يكمل ميناء دارالسلام الذي يمنح كينيا حاليًا المنافسة على البضائع المتجهة إلى المناطق النائية عبر الممر الأوسط، وخاصة رواندا كما وقعت تنزانيا اتفاقية إطارية مع شركة تشاينا ميرشانتس هولدنجز إنترناشيونال في عام 2013 لبناء الميناء ومنطقة اقتصادية خاصة تهدف إلى تحويل البلاد إلى منطقة للتجارة والنقل تنافس كينيا لكنها توقفت بعد أن أحدث الرئيس الراحل جون ماجوفولي ثغرات في الصفقة المعروضة على تنزانيا قائلا إنها غير مجدية تجاريا , وفي الوقت نفسه تتطلع كينيا إلى الأعمال التجارية في إثيوبيا وجنوب السودان من خلال ميناء لامو الذي تم إطلاقه حديثًا والذي يعد جزءًا من مشروع ممر لامو جنوب السودان وإثيوبيا للنقل (LAPSSET) الذي تبلغ تكلفته 2.5 تريليون دولار, والمسؤولون الكينيون قدموا لإثيوبيا لتسويق المنشأة واجتمعوا هناك مع مسؤولين من جنوب السودان وإثيوبيا في أديس أبابا لإضفاء الطابع الرسمي على “هيئة إطارية إقليمية” مقترحة ستشهد قيام الدول الثلاث بتشغيل وإدارة مشروع البنية التحتية الإقليمية “بطريقة أكثر تنسيقًا”, ومع ذلك ، فإن هيئة الموانئ الكينية (KPA) واثقة من أن الاستثمار في قطاع الموانئ والخدمات اللوجستية في كينيا بما في ذلك أتمتة الأنظمة سيستمر في منح البلاد ميزة تنافسية على نظيراتها الإقليمية فميناء مومباسا يتمتع بقدرة استيعابية سنوية تزيد عن 1.4 مليون حاوية نمطية وما يقرب من 35 مليون طن مما يجعله منشأة رائدة في المنطقة ومع ذلك يتمتع ميناء لامو أيضاً بقدرة أكبر على التعامل مع السفن مقارنة بميناء مومباسا وذلك وفقًا للمدير الإداري بالإنابة رشيد سالم فيبلغ طول أرصفة الميناء 400 متر مقارنة بمتوسط مومباسا البالغ 300 متر، بينما يصل العمق في لامو إلى 17.5 مترًا تحت الصفر مقابل 15 مترًا في ميناء مومباسا مما يجعله قادراً على التعامل مع السفن  .

في سياق المنافسة المينائية في القرن الأفريقي الكبير (وفقاً للمفهوم الأمريكي) فإن كينيا تبذل جهوداً ملحوظة لجعل ميناء لامو قادراً علي السبق في هذه المنافسة , فميناء لامو يُعد أمرًا مهمًا لكينيا ليس فقط من الناحية الاقتصادية بل بالمعنى الحرفي للكلمة فعمقه يبلغ 17.5 مترًا مقارنة بعمق 15 مترًا في مومباسا كما يمكنه التعامل مع سفن أكبر بسعة تصل إلى 12000 وحدة مكافئة لعشرين قدمًا (TEUs) ويتعامل ميناء مومباسا مع السفن بسعة تصل إلى 10000 حاوية مكافئة بالإضافة إلى ذلك يبلغ طول أرصفة لامو 400 متر، مقارنة بـ 300 متر في مومباسا ومن الواضح أن هذا ميناء كبير يمكنه التعامل مع السفن الكبيرة .

يتميز الوصول الإثيوبي لميناء بربرة بأنه يحقق لإثيوبيا ميزة إضافية فميناء بربرة بعيد نسبياً عن سواحل اليمن التي يأتي منها تهديد للملاحة البحرية المُتجهة للكيان الصهيوني لدخول الحوثييين النبيل معركة المُساندة والدعم لثوار غزة في حربهم مع الكيان الصهيوني الغاصب لإحكام الحصار البحري علي ميناء إيلات الصهيوني رداً علي الحصار الجائر المضروب علي غوة ظلماً وعدواناً منذ 2007 فقدامتد العنف شمالاً في غزة إلى المياه القريبة من سواحل جيبوتي وإريتريا والصومال حيث رد الحوثيون في اليمن على العدوان الصهيوني بهجمات صاروخية وطائرات بدون طيار مما عرض للخطر أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم وشريان الحياة للإثيوبيين (لهجمات الحوثيين تأثير كبير على تجارة الشحن العالمية حيث تمثل حوالي 12 % من حركة الملاحة البحرية العالمية ويمكن أن يؤدي هذا قطعاً لتحويل طرق الشحن من وإلى الشرق الأقصى وأوروبا إلى زيادة في تكاليف الشحن بنسبة 30 % تقريبًا) , وبالطبع فإن تداعيات حرب أوكرانيا وتزامنها مع حرب غزة وتدخل الحوثيين لدعم غزة بإستخدام سيطرتهم علي مدخل البحر الأحمر الجنوبي عند باب المندب سيُعيد بالفعل تشكيل الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر حيث يبدو أن بعض الاضطرابات في هذه المناطق تتأثر ببعض الجهات الفاعلة المنخرطة في حروب بالوكالة أو بالأصالة لتحقيق مصالحها الخاصة ويمكن أن يكون لهذه التطورات العالمية تأثيرات غير مباشرة على الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر مما قد يغير أولويات واستراتيجيات دول البحر الأحمر وأصحاب المصلحة الدوليين .

جدير بالإشارة أن إثيوبيا كانت قد فقدت  موانئ عصب ومصوع على البحر الأحمر في أوائل التسعينيات بعد حرب استقلال إريتريا 1961 –  1991, ففي عام 1991 إلى عام 1998 استخدمت إثيوبيا الموانئ الإريترية بناءً على اتفاقية خاصة بين البلدين ثم توقفت إثيوبيا طوعا عن استخدام الميناء في عام 1998 (في عام 1991 حصلت إريتريا على استقلالها عن إثيوبيا (وضعت الأمم المتحدة إريتريا تحت الإدارة الإثيوبية من خلال اتحاد فيدرالي فيما بعد ضد إرادة الشعب الإريتري لكن في عام 1961ضمت إثيوبيا إريتريا بالقوة رغم إرادة السكان المحليين الذين قاوموا بالسلاح الإختلال الإثيوبي إلي أن نالت أرتريا إستقلالها) ومنذ ذلك الحين فقدت إثيوبيا بالإنفصال ساحلها علي البحر الأحمر ومينئي عصب ومصوع اللذين آلا إلي دولة أرتريا الجديدة مما منعها من القيام بتجارتها بكفاءة واضطرت إلى استخدام ميناء جيبوتي مما كلفها تكاليف باهظة للغاية لاستخدام مرافق الميناء , مما أجبر إثيوبيا للبحث عن موانئ بديلة أو تنافسية فقد حافظت أديس أبابا على إمكانية الوصول إلى ميناء في إريتريا حتى اندلعت الحرب بين البلدين في الفترة 1998-2000 ومنذ ذلك الحين تقوم إثيوبيا بتمرير معظم تجارتها عبر جيبوتي وحاولت أن تجد ضالتها الأخري في مواني لامو بكينيا (عمقه يبلغ 17.5 مترًا مقارنة بعمق 15 مترًا في مومباسا فيمكن في ميناء لامو كما أشرت أن يتعامل مع سفن أكبر بسعة تصل إلى 12000 وحدة مكافئة لعشرين قدمًا (TEUs) ويبلغ طول أرصفة لامو 400 متر مقارنة بـ 300 متر في مومباسا) أو ميناء بربرة في ارض الصومال التي انفصلت عن الصومال منذ أكثر من 30 عامًا لكن منذ إنفصالها لم يتم الاعتراف بها مطلقًا من قبل الاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة كدولة مستقلة .

 الـــنهج التـــاريـــخــي الـــتوسعي لإثـــيــوبــيـا :

إن كلام مستشار رئيس وزراء إثيوبيا للأمن القومي رضوان حسين عن مذكرة التفاهم الموقعة مع جمهورية أرض الصومال المزعومة والتي تضمنت تأجير أرض الصومال مساحة 20 كم مربع لإثيوبيا لاستخدامها كقاعدة عسكرية ولأغراض تجارية كلام له مغزي آخر بناء علي الواقع المُعاش , فإثيوبيا من الناحية الفعلية وبعد إنتصارها علي نظام سياد بري في حرب الأوجادين قد أحتلت بالفعل أرض الأوجادين وبعد سقوط نظام بري 1991سقطت الصومال وتجزأ لإجزاء ثلاثة هي الوطن الأم ويُسمي الصومال وعاصمته مقديشيو ثم بونتلاند تحت ضغط من الحزب الوطني الديمقراطي وقوات المتمردين من مناطق أخرى من الصومال ورفضت الحركة الوطنية الصومالية الاعتراف بسلطة الحكومة المؤقتة الجديدة وأعلنت بدورها دولة جديدة على أراضي المستعمرة البريطانية السابقة فكانت ما تُسمي الآن بجمهورية أرض الصومال وعاصمتها هرجيسا التي وقع رئيسها ضارباً عرض الحائط بحكومته وشعبه وبرلمانه مذكرة تتيح للإثيوبيين نهش جزء من أراضيهم علي ساحل خليج عدن وهي تعلم تمام العلم بالآمال التوسعية للإثيوبيين ومدي كراهية شعب الصومال في أجزاءه الثلاث لهم  .

إن سلوك إثيوبيا التوسعي وأطماعها في الصومال معهودة بل في السودان نفسه ويدل علي ذلك بصفة قاطعة وجلية نص الخطاب الدوري (نقلاً عن النص الامهري) والذي بعث به لكافة الدول الأوروبية الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني يعلمهم فيه بحدود أمبراطوريته  وذلك النص كالتالي :

” تحقيقاً للتعريف بحدود إثيوبيا , فإننا نرسل هذا الخطاب الدوري إلي أصدقائنا من ملوك أوروبا للعلم بحدود بلادنا .

نُحيطكم علماً يا صاحب الجلالة ….. فتلك هي حدود إثيوبيا …. إعتباراً من آرافال الواقعة علي البحر عند الحدود الإيطالية , يسير الخط غرباً نحو سهل جيجر في إتجاه ماهيو وهالاي وديجزا وهورا إلي أويبارد ومنها إلي مُلتقي نهري مارين وأراند , ومن هذه النقطة يمتد الخط جنوباً حتي يلتقي بنهري عطبرة وستيت حيث تقع مدينة تومات وحيث تشغل الحدود مديرية قضارف إلي كاركوج علي النيل الأزرق , ومن كاركوج يمتد الخط إلي مُلتقي نهر السوباط بالنيل الأبيض ومن هناك يسير خط الحدود علي نهر السوباط مُتضمنة بذلك أقاليم أريورا وجالاس حتي بحيرة سميوري , وفي إتجاه الشرق يدخل ضمن الحدود أقاليم بوران وجالاس وعروسي إلي حدود الصومال بما في ذلك إقليم الأوجادين , وفي إتجاه الشمال تتضمن الحدود هابرأواز والجدأبورسي وعيسي صومال حتي أميوس ثم يمر الخط بأمبوس ويشمل بحيرة عسال فمديرية الإقطاعي القديم محمد أنفاري حتي مناجم ساحل البحر ليتصل مرة أخري بأرافال .

سأحاول أن أعيد إقامة الحدود القديمة لإثيوبيا إذا وهبني الله حياة وقوة حتي تصل إلي الخرطوم وحتي بحيرة نيانزا مُتضمنة بذلك كل قبائل الجالا . لقد ظلت إثيوبيا خلال أربعة عشر قرناً كجزيرة مسيحية في بحر من الوثنية .

إنني علي ثقة بأن عناية الله سوف تحفظ إثيوبيا من التقسيم بين الدول الأخري , لقد كان البحر هو نهاية حدود إثيوبيا فلما أعوزتها القوة ولم تتلق أي عون من الدول الأخري المسيحية سقطت حدودنا علي ساحل البحر في قبضة المسلمين .

في الوقت الحاضر لا ننوي أن نستعيد حدودنا البحرية بالقوة ولكننا واثقون بأن القوي المسيحية تحرسها عناية الله فتنقذنا وستعيد إلينا الخط الساحلي علي البحر أو علي أي حال بعض نقاط فيه .

حُرر في أديس أبابا في 14 مارس 1883

طبعاً هذا الخطاب أحد أهم المكونات المُتراكمة في العقل الباطن الجمعي والنخبوي الإثيوبي منذ عهد منليك الثاني حتي يومنا هذا , ولذلك وفي هذا الإطار التوسعي المُعلن من جانب إثيوبيا لابد أن يشعر المرء بالعار من تصاغر الرئيس المخلوع عمر البشير وهو يقول لرئيس الوزراء الإثيوبي ومن خلاله للشعبين الإثيوبي والسوداني هذه العبارة : ” نحن أصلاً شعب واحد والسودان هو جزء من الحبشة الكبري التي كانت تضم الصومال وإرتريا وجيبوتي وإثيوبيا لكن الحدود التي وضعها المُستعمر هي التي فرقتنا ” فهي عبارة لا يجرؤ لأي إثيوبي أن يتفوه بها فكيف تصاغرنا كعرب ومسلمين إلي هذه الدرجة ؟ كما أن هذا الخطاب الدوري رد أعتقد أنه أكثر من كاف علي هؤلاء الذين يعتقدون هناك أرضية مُشتركة بين أمهرة إثيوبيا والعرب والمسلمين معاً فهم مثلهم في عداءهم للإسلام والعرب مثل الكيان الصهيوني تماماً , وليس هناك داع لإختلاق حقائق بعد الإطلاع علي نص هذا الخطاب الذي هو دعوة واضحة بل أمل للتوسع .

إن الأهداف الإثيوبية لا تتعلق بمجرد منطقة الحدود التي ينتهكها للآن المزارعين الإثيوبيين  في أرض الفشقة السودانية بغطاء عسكري إثيوبي , بل تتعلق بالأطماع الإثيوبية للوصول إلي ساحل السودان علي البحر الأحمر , ومما يشير إلي توجهات إثيوبيا تلك الدولة الحبيسة التي لا منفذ بحري لها Landlocked للوصول للبحر الأحمر من خلال جيبوتي , ولهذا مارست إثيوبيا ضغوطها علي جيبوتي من أجل الحصول علي قاعدة بحرية لإثيوبيا علي أراضيها وهو ما نُوقش في زيارة رئيس وزراء إثيوبيا لجيبوتي في 20 أكتوبر 2019 وهو أيضاً ما أكدته مصادر إثيوبية حين أشارت في ديسمبر 2019 إلي أن البحرية الإثيوبية ستتمركز في تاجورة على ساحل جيبوتي علي البحر الأحمر فيما ستتمركز القيادة البحرية لها في بحر دار عاصمة منطقة أمهرة شمال غرب إثيوبيا تحت قيادة العميد Kindu Gezu , ويتأكد هذا الإتجاه الإثيوبي أيضاً من تصريح للرئيس الفرنسي Macron أشار فيه تعليقاً علي توقيع فرنسا وإثيوبيا علي أول إتفاقية تعاون عسكري بينهما في 13 مارس 2019 قائلاً : “إن اتفاقية التعاون الدفاعي غير المسبوقة هذه توفر إطارا وتمهد بشكل كبير الطريق لمشاركة فرنسا في إنشاء كيان بحري إثيوبي” , وأعتقد أن تصريح كهذ كاف جداً لكشف جزء كبير من إستراتيجية الوصول الإثيوبي للبحر الأحمر فإثيوبيا بعد إقامتها لسد النهضة المُولد لطاقة كهربائية قابلة للتصدير بالإضافة إلي 3 سدود أخري مُرتقبة سيكون لديها تمويل لتمويل إستراتيجية وصول البحرية الإثيوبية للبحر الأحمر فإثيوبيا ستظل دون منفذ بحري مُستقل لها كمخلوك ضخم بلا أقدام يسعي بها إلي الإنطلاق خارج نطاقة نقطة ثباته .

عندما أشير من خلال هذه الوثيقة أو خطاب منليك الثاني إلي أن التوسع يمثل سلوك إستراتيجي إثيوبي فلا أعتقد أنني أبالغ فالإمبراطور منليك أشار بجلاء للخرطوم كمحطة نهائية Terminus لأقدام الشعب الإثيوبي والبشير بجهل مُطبق قدم له منطق داعم , ولذلك عندما أشير إلي أن الإستراتيجية الإثيوبية طويلة المدي تبدأ من الفشقة لتنتهي  بساحل السودان علي البحر الأحمرفإني لا أبالغ , إذ أن حالة “الإستعمار الإثيوبي غير المرئي  أو الشبحي الصامت  Submerged للفشقة دالة مادية تثبت ذلك وتشير إلي أنه مرحلة مُتصلة بمراحل تالية وضع الإمبراطور منليك أساس تنفيذها بقوله : ” في الوقت الحاضر لا ننوي أن نستعيد حدودنا البحرية بالقوة ولكننا واثقون بأن القوي المسيحية تحرسها عناية الله فتنقذنا وستعيد إلينا الخط الساحلي علي البحر أو علي أي حال بعض نقاط فيه ” فإثيوبيا لم تستخدم القوة العسكرية لإقامة مواطنيها في الفشقة وإنما إستخدمت زحف جزء من كتلتها السكانية بصفة بأسلوب الأفاعـــي نحو الفشقة , كما أن منليك الــثــاني لم يعن بالبحر سوي البحر الأحمر(بإتجاه ساحل السودان وحاضرتيه مينائي سواكن وبورسودان والساحل الصومالي علي المحيط الهندي وخليج عدن فلم تصل إثيوبيا للبحر إلا في القرن العشرين عندما ضمت إرتريا لها عنوة , لكن بإنفصال وإستقلال أرتريا عنها عام 1994 أصبحت كما كانت دائماً بلداً حبيساً Landlocked بالمعنيين الجغرافي والديموجرافي إذ أن إثيوبيا تفضل دائماً أن تُقدم نفسها ومازالت اللدول الغربية علي أنها جزيرة مسيجية في بحر لجي مُسلم  .

منذ أن أصبحت إثيوبيا دولة غير ساحلية بعد انفصال إريتريا في أوائل التسعينيات ظلت تبحث عن منفذ إلى البحر وتوفرالصفقة فرصة حقيقية للوصول المباشر إلى البحر وقدحاولت إثيوبيا في الماضي الوصول إلى ميناء بربرة في أرض الصومال من خلال اتفاق ثلاثي بين الإمارات وإثيوبيا وأرض الصومال لكن الصفقة الحالية اتفاقية ثنائية لا تشمل دولة الإمارات وستعمل هذه الاتفاقية على تنويع نقاط وصول إثيوبيا إلى البحر وتقليل اعتمادها الساحق على جيبوتي في التجارة الدولية .

تأثير مذكرة التفاهم الإثيوبية علي مــــــصـــــر :

هناك دول أفريقية كثيرة حبيسة لكنها إما أنها لم تنجح في تحقيق مسعي إمتلاك 20 كم مربع كالتي إمتلكتها إثيوبيا في أرض الصومال كإمتياز لزمن معين (50 عاماً) أو أنها لم تتطلع لهذا المسعي أصلاً مكتفية بالوصول البري لمنفذ بحري في أخدي دول الجوار ومن الدول الحبيسة في أفريقيا أوغندا ومالاوي ورواندا وبوروندي وأفريقيا الوسطي والنيجر ومالي وتشاد وبوركينافاسووسوازيلاند وليسوتو وزامبيا وزيمبابوي .

من جانبها حاولت مصر التوجه نحو صوماليلاند للإستفادة من موقعها المُتاخم لإثيوبيا لمواجهة مخاطر مُتوقعة من سد النهضة علي أمن مصر المائي لكن للأسف يبدو أنها أخفقت في ذلك , ففي 11 يوليو 2020 أُعلن ونُشر فقط بموقع إخباري كيني عن زيارة بدأت في 12 يوليو 2020وأستغرقت يومين لوفد رسمي مصري لهرجيسة عاصمة صوماليلاند , ألتقي خلالها بتاريخ 15 يوليو برئيس صوماليلاند Muse Bihi Abdi , كما أجري مباحثات ثنائية مع مسئولين بوزارة الخارجية والتعليم والصيد والثروة الحيوانية بصوماليلاند , وأشار موقعGarowe Online بتاريخ 15 يوليو بالإحالة علي مصدر وصفه بأنه ذا مصداقية ومطلع قوله بأن مصر مُتحمسة لفتح قنصلية لها في هرجيسة لما لذلك من تعزيزلنفوذها بالقرن الأفريقي , كما أشارالموقع إلي أن وزير خارجية صوماليلاند Liban Yousouf Osman قال للوفد المصري”إني أنتهز هذه الفرصة لأرحب بكم في زيارتكم تلك لهرجيسة التي تأتي رداً علي زيارتي للقاهرة في 25 مارس 2020 وهو مؤشر جيد علي تقوية العلاقات بين بلدينا ” وقد أشارت مواقع إخبارية إلي أن الوفد المصري الذي ترأسه مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية طرح مسألة إقامة قاعدة عسكرية مصرية بزيلع بصوماليلاند أوالحصول علي تسهيلات عسكرية مُحددة , فصوماليلاند تخشي أن تتحول بسبب موافقتها علي الطلب المصري لإنشاء القاعدة إلي طرف في صراع يتجاوز قدرتها علي تحمل تبعاته فإثيوبيا لها حدود معها ويمكنها لذلك ولأسباب أخري مختلفة أن تسبب الكثير من المتاعب لصوماليلاند وربما من بين هذه الأسباب الأخري التحرك الإثيوبي النشط الهادف إلي تخريب التحركات المصرية في الصومال ككل إذ إستطاعت المخابرات الإثيوبية النافذة في الصومال بوحداته الثلاث الحصول علي خطاب مسرب وجهته وزارة الدفاع الصومالية إلى نظيرتها المصرية ونشر بموقع The Reporter في 30 مايو 2020 والخطاب وقعه وزير الدفاع بجمهورية الصومال الفيدرالية ، حسن علي محمد ، بتاريخ 29 فبراير 2020 أشار إلي إلى أن الوزارة تلقت 13 نوعًا مختلفًا من الأسلحة النارية والمدفعية والذخيرة من مصر , كما تضمن فقرة نصها : ” تشهد وزارة الدفاع في جمهورية الصومال الفيدرالية أنه لن يتم إعادة بيع هذه البضائع أو إتاحتها للاستخدام من قبل أي فرد أو كيان ليس في خدمة قوات الأمن الصومالية دون موافقة خطية من وزارة الدفاع في جمهورية مصر العربية ، ووفقاً لهذا الخطاب أكدت الصومال تلقيها كمية من 50 قاذفة قنابل RPG-7 و 1200 بندقية من طراز AK47 و 25 مدفع رشاش PKM (متوسط) مع 100 ذخيرة و 175 مدفع رشاش PKM مع 700 ذخيرة و 50 DSHK عيار 12.7 ملم و 20 بندقية قنص مع 1000 ذخيرة , وتم تسليم 6 قذائف هاون عيار 82 ملم مع 550 ذخيرة و 12وحدة من 12 قذيفة هاون عيار 60 ملم مع 636 مسدسًا إلى الصومال , ووفقاً لموقع The Reporter علاوة علي أن رئيس صوماليلاند Muse Bihi Abdi غرد قائلاً : “إن حكومة صوماليلاند يساورها قلق عميق بشأن إخفاقات حكومة الصومال في الإلتزام بقرار مجلس الأمن الدولي القاضي بحظر السلاح لجمهورية الصومال (أصدر مجلس الأمن الدولي في خطوة مفاجئة ويبدو أن لها مبررات تتقاسمها سراً القوي الكبري الطامعة في الصومال في ديسمبر2023 قراراً برفع حظر السلاح للصومال ) ونحن ندين الحكومة المصرية لإنتهاكها هذا الحظر الذي يُشكل خطراً جسيماً علي الأمن والإستقرار في المنطقة ” , وتصعيداً لهذا الموقف من جانب مصر فقد أرفق وزير دفاع صوماليلاند هذا الخطاب بخطاب وجهه للإتحاد الأفريقي وللأمم المتحدة  , كذلك صرحت إثيوبيا علي لسان الناطق باسم خارجيتها في 30 يوليو 2020 بذلك فقالت السفيرة دينا مفتي : ” إذا كانت نية مصر أن يكون لها وجود في المنطقة وستشكل بذلك تهديدا لدولة ثالثة ، فلن يكون ذلك مناسبا في هذه الحالة ، نحتاج إلى أمثلة ملموسة لما يحدث … ونأمل ألا يكون ذلك على حساب إثيوبيا أو أي دول مجاورة أخرى لأنه إذا كان الأمر كذلك ، فسيكون غير قانوني وضد الإنسانية والسلم والأمن الدوليين ,

لم يُعرف أو يُستدل بعد ما إذا كانت صوماليلاند قد قبلت الاقتراح المصري بشأن منحها قاعدة (لو كانت هذه المعلومات صحيحة) ، لكن ورد أنهما توصلا إلى اتفاق بشأن تبادل مكاتب التمثيل عالية المستوى في هرجيسة والقاهرة “, وعلي أية حال فقد إكتفت صوماليلاند بالإعلان الذي صدر عن خارجيتها في 20 يوليو 2020 وتضمن إستعداد صوماليلاند التوسط في النزاع الناشب بين مصر وإثيوبيا بفعل سد النهضة الإثيوبي وكأن ذلك رد غير مباشر علي طلب مصر من صوماليلاند بإقامة قاعدة علي أراضيها متاخمة للحدود الإثيوبية , لكن علي أية حال ومن جهة أخري لاشك في أنه من الوجهة المنطقية هناك ثمة تباين بين موافقة صوماليلاند للإمارات علي إنشاء قاعدة لها تخدم تدخلها العسكري في اليمن وبين عدم موافقتها علي طلب مصر إنشاء قاعدة لها في زيلع لممارسة التهديد العسكري لسد النهضة الإثيوبي .

إن الثمن السياسي الذي علي مصر دفعه هو الإعتراف بجمهورية صوماليلاند ثمن باهظ ومدمر لمصداقية الموقف المصري من مسألة وحدة الأراضي الصومالية وهو الأمر الذي أعلنت إثيوبيا عنه بلا خجل أنها مُستعدة لدفعه ولكن بصفة مؤجلة وربما تتراجع عنه , وذلك لقاء توقيع أرض الصومال مذكرة التفاهم بشأن بربرة ولكن بدون تحديد موعد للإعتراض بما يُسمي بجمهورية أرض الصومال , لكن بالنسبة لمصر فهو أمر تكتنفه صعوبات جمة فلم يعترف بهذه الجمهورية لا الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي ولا حتي السلطة عبر الحكومية للتنميةIGAD  التي أعضاءها دول شرق أفريقيا والتي تريد جمهورية صوماليلاند المشاركة في قوتها العسكرية لتأمين البحر الأحمر وخليج عدن لكن  IGAD إستبعدتها ولهذا أصدرت خارجية صوماليلاند بياناً في سبتمبر 2019 أشارت فيه إلي أنه بدون مشاركة صوماليلاند في أي مبادرة من IGAD تتعلق بمياهها الإقليمية أو تؤثر عليها دون مشاركتها النشطة غير مقبولة (يبلغ طول ساحل صوماليلاند علي البحر الأحمر وخليج عدن 850كم) , وفي سبيل تحفيز إثيوبيا علي الإعتراف بها والتي تعتبرها صوماليلاند القوة الإقليمية الأقوي في القرن الأفريقي فقد أُعلن في 29 أكتوبر 2018 عن أقتراح صوماليلاند لإثيوبيا لنقل صادراتها من البترول والغاز (8 تريليون قدم مكعب)عبر خط أنابيب يصل من مناطق الإنتاج في شرق إثيوبيا المُضطرب لميناء زيلع في منافسة واضحة لخطط جيبوتي للإستئثار بهذه العملية , والأرجح أن النقل سيكون من نصيب الأخيرة لأسباب لا تتعلق بالعلاقات الثنائية ولكن بالمشروعات الأخري المختلفة التي لإثيوبيا في جيبوتي , وهذا لا يعني بالمرة ان إثيوبيا تغفل أهمية صوماليلاند الجيوسياسية فهي تضع قدم في جيبوتي وأخري في صوماليلاند ففي مارس 2018 طرحت صوماليلاند عطاء ميناء بربرة ورسي علي شركة DP World الإماراتية العملاقة بنسبة 51% ولإثيوبيا فيه نصيب نسبته19% .

أفادت مصادر صحفية أن مصر حاولت من خلال علاقاتها الثنائية مع جيبوتي حمل الأخيرة علي الموافقة لها علي إقامة قاعدة عسكرية لها بجيبوتي ولو كان ذلك صحيحاً فإنه ربما كان من دواعي إمتناع جيبوتي عن الإسٍتجابة لمصر معارضة الولايات المتحدة وفرنسا وربما الصين أيضاً علي قاعدة مصرية تستهدف إثيوبيا التي تربطها بهذه الدول علاقات قوية مُتميزة بالإضافة إلي ما تشكله المواجهة العسكرية المباشرة بين الوجود العسكري المصري بجيبوتي والإثيوبيين من خطر علي العسكريين المُتواجدين بالقاعدة الأمريكية في معسكر Camp Lemonnier والصينية التي تبعد بنحو 10 كم عنها والفرنسية والإماراتية والسعودية , كما أن إعراض جيبوتي عن الإستجابة للطلب المصري قد يكون وراءه ما ذكرته مصادر دبلوماسية مصرية في 6 ديسمبر 2016 لوسيلة إعلامية عن أن القاهرة بدأت منذ حوالي شهرتحركات لوقف الاتفاق بين السعودية وجيبوتي لإقامة قاعدة عسكرية للمملكة على مداخل خليج عدن وأن مصر ترفض هذا الاتفاق بشكل كامل ، على اعتبار أن تلك المناطق محسوبة على نفوذ دبلوماسي مصري يقع في نطاق أمنها القومي ، باعتباره عمقاً استراتيجياً مصرياً في أقصى الجنوب , وإذا ما كانت جيبوتي الدولة المعُترف بها عقدت علي أراضيها ” سوقاً للقواعد العسكرية” فهي بذلك رفعت الحرج عن دول الجوار إذا ما وافقت لهذه الدولة أو تلك لإقامة قاعدة عسكرية ولإن لدي مصر عسكرية حقيقية لها تاريخ مُشرف ولا يمكن تحت أي معيار أو مقياس مقارنتها بالعسكرية السعودية أو الإماراتية فليس لهما تاريخ , لذلك بقدر ما ستقاوم الإمارات والسعودية وجوداً عسكرياً في مجال أطماعهما وطموحاتهما بقدر ما تبرر مكانة العسكرية المصرية لصوماليلاند الإستعانة بها .

كذلك كانت مصر قد تحركت صوب أرتريا لحيازة قاعدة بحرية علي البحر الأحمر ووفقاً لمصادر المعارضة الأرترية (منظمة عفار البحر الأحمر الديموقراطية RSADO)التي حددت موقع هذه القاعدة بأنها في جزيرة (محلية) Nora أو Norah ثاني أكبر الجزر المسكونة بأرخبيل Dahlak وتبلغ مساحتها حوالي 105 كم مربع , وتشير هذه المصادر إلي أن وفداً عسكرياً وأمنياً مصرياً – كما حدث مع صوماليلاند- قام بزيارة لأسمرا مطلع أبريل 2017 للإتفاق علي تمركزعدد يتراوح ما بين 2000 إلي 3000 من عناصر البحرية المصرية بهذه القاعدة البحرية بإريتريا , وبالرغم من عدم تعليق الجانبين الأرتري والمصري علي هذه المعلومات إلا أن Redda Mulgeta عضو حزب جبهة الشعوب الإثيوبية الجمهوري الديموقراطي EPRDFالحاكم بإثيوبيا أشار إلي أن التحرك المصري لحيازة تواجد عسكري بأرتريا واضح وأن الدافع الذي لدي القادة المصريين من الحصول علي قاعدة عسكرية علي أراضي أرتريا خصم إثيوبيا هو تخريب سد النهضة العملاق بواسطة الجماعات الأرترية المعارضة المُضادة لإثيوبيا والجماعات الصومالية المتحالفة مع القاعدة , وأن مصر تأمل في إخضاع إثيوبيا للدخول معها في حرب بالوكالة بواسطة عدوتها أرتريا والمعارضة المحلية وحركة الشباب الصومالية .

كما أن موقع Juba T.V نشر في 2 يونيو 2020 بالإحالة علي مصدر عسكري رفيع المستوي لم يسمه قوله : ”أن حكومة جنوب السودان وافقت علي طلب مصر لبناء قاعدة عسكرية في بلدة Pagak (معقل سابق للمعارضة الجنوب سودانية المسلحة التي قادها Riek Machar خصم الرئيسSalva Kiir في الحرب الأهلية بين فريقهما ديسمبر 2013 – أغسطس 2018) , وأن هذه القاعدة سيتواجد بها نحو 250 من القوات المُسلحة المصرية إستعداداً لتبعات إقامة سد النهضة الإثيوبي العملاق الذي تُعارض مصر مواصفاته” , لكن المصدر أوضح من جهة أخري أن : ” حكومة جنوب السودان وجيش الدفاع الشعبي لجنوب السودان وافقا علي تخصيص قطعة أرض لأخواننا المصريين الذين طلبوها علي أن تكون في شرقي جنوب السودان لتمركز قواتهم التي ستساعد في تنمية الجنوب ” , لكن الموقع أضاف موضــحــاً عن مسئول آخر بوزارة خارجية جنوب السودان تصريحه لوكالة أنباء جنوب السودان الآن SSNN بقوله : ” أن هذه الأرض ستستخدم فقط لأغراض التنمية التي تعهدت مصر أن تمد حكومة الجنوب بها ” , ولو كانت هذه المعلومات صحيحة فأعتقد أن جنوب السودان إتخذت موقها السلبي من الطلب المصري بالرغم من أن مصر دعمت نظام Salva Kiir في أزمة نظامه التي من تداعياته نشوب الحرب الأهلية ضد نائبه وخصمه Riek Machar قائد حركة الجيش الشعبي لتحرير السودان في المعارضة SPLA-IO الذي إدعي دعم مصر عسكريا لنظام Kiir بل وأصدرت حركته بياناً تضمن أن القوات الجوية المصرية أسقطت ما لا يقل عن 9 قنابل ومتفجرات علي مواقع تابعة لحركة SPLA-IO تقع علي مقربة من قرية Kaka بولاية أعالي النيل بجنوب السودان , كما حذر المتحدث العسكري للحركة العقيد William Gatjiath Deng ” من مغبة إستمرارالتمرد السوداني وتصعيد مصر لمشاركتها في الحرب القائمة حالياً بجنوب السودان , لكن كان الدعم الدبلوماسي والسياسي المصري لنظام الرئيس Kiir هو الأوضح ولا لبس فيه فعلي سبيل المثال أنه إزاء تدهور الأوضاع الأمنية بالجنوب خلال الحرب الأهلية التي إندلعت في 15 ديسمبر 2013 قادت الولايات المتحدة في الربع الثالث من أغسطس 2016 جهوداً تفاوضية في الأمم المتحدة لإستصدار قرار من مجلس الأمن للترخيص بزيادة إضافية لقوة حفظ السلام الأممية بجنوب السودان UNMISS بواقع 4000 عنصر للحماية ولتأمين العاصمة جوبا ودعم القوة الأممية لجنوب السودان UNMISS المتواجدة هناك بالفعل وقوامها 12,000 رجل , وقد صدر هذا القرار بالفعل عن مجلس الأمن الدولي تحت الرقم 2304 بتاريخ 12 أغسطس 2016 مُتضمناً تجديد مهمة قوة حفظ السلام القائمة بالفعل في جنوب السودان حتي 30 يونيو 2017 , كما رخص بدعمها بعدد إضافي لتعزيز حماية المدنيين , وقد صوت ممثلي 11 دولة عضو بالمجلس بالموافقة علي القرار فيما إمتنع عن التصويت كل من ممثل الصين وروسيا ومصر وفينزويلا , ولذلك ليس لي أن أبرر سلبية إستجابة جنوب السودان لطلب مصر قاعدة عسكرية إلا أن هذه السلبية كانت بفعل تدخلات خارجية أمريكية / إثيوبية فالدورين الإثيوبي والأمريكي في جنوب السودان حرباً وسلماً تتجاوز قوته وفعاليته الدور المصري , فمصر منذ عهد عمر البشير أي منذ 29 يونيو1989 تسير سياستها في السودان بأقدام من رصاص ثقيل وقد أخضعت مصر ساستها في السودان تماماً للنهج الإيدولوجي ولم تكن تلك السياسة براجماتية كي تتناسب مع كثرة وتعدد الأطراف الداخلية والخارجية في الشأن السوداني ولهذا كان إخفاق وضعف سياسة مصر في السودان دائرة أمنها القومي الأولي .

في عمق الذهن السياسي فإن حكومة جنوب السودان تتبني موقف يكاد وأن يكون موازياً أو مُتشابهاً مع الموقف الإثيوبي من مسألة مياه النيل فحكومة الجنوب لم تعترف بعد ولن تعترف بإتفاقية الإنتفاع الكامل من مياه النيل المُوقعة بالقاهرة بين مصر والسودان في 8 نوفبر 1959 بل إنها كانت علي وشك التوقيع علي الإتفاق الإطاري لمياه النيل الذي أُعلن عنه عام 2010 والمُوقع تباعاً بمعرفة إثيوبيا وأوغندا وبورندي ورواندا وكينيا وهو الأتفاق الذي يُنكر علي مصر والسودان حقوقهما التاريخية في مياه النيل والذي رفضتا مصر والسودان توقيعه , وصحيح أن جنوب السودان أعلن مسئوليه فيما بعد بدء الحرب الأهلية في منتصف ديسمبر 2013 – التي دعمت فيها مصر بقوة نظام الرئيس Salva Kiir – عن أنه لا مساس بمصالح مصر المائية , إلا أنه وعلي نحو مُناقض وقبل ذلك أدلي وزير ري وموارد المياه بجنوب السودان Paul Mayom Akec بتصريح وصف فيه توقيع بلاده إتفاق الإطار التعاوني بحوض النيل (إتفاق عنتيبي ) بأنه ” أمر لا مفر منه وأن عملية الإنضمام لهذا الإتفاق بدأت علي كل مستوي أجهزة الدولة بجنوب السودان وأن بلاده ستشرع في تطبيق الإتفاق حالما يصدق عليه البرلمان ”, ولولا إشتعال الحرب الأهلية بين نظام الرئيس Kiir وبين خصمه ونائبه السابق Machar في 15 ديسمبر 2013 لوقع جنوب السودان الإتفاق الإطاري لسبب بسيط وواضح وهو أن أمنه القومي مرتبط بجواره الأفريقي المباشر وخاصة مع كينيا وإثيوبيا , وليس بجواره المباشر مع السودان ولا غير المباشر مع مصر , فما التحالف الذي يبدو وكأنه تحالف بين مصر وجنوب السودان وأوغندا إلا تحالف شعوري وآني بحت مرتبط بمصالح موقوتة سرعان ما تتحقق أو تتآكل خاصة بعد إنجاز سد النهضة وتوليد طاقته الكهربائية (6,500 ميجاوات) للتصدير كما تزعم إثيوبيا لإغراء دول الجوار لإتخاذ مواقف داعمة لسياستها النيلية  .

من هنا تأتي مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال كضربة قاصمة لمصر فمفادها كما قال رضوان حسين مستشار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للأمن القومي في حديثه للصحفيين في الأول من يناير 2024 أن أرض الصومال ستؤجر 20 كيلومترًا (12 ميلًا) من ساحلها البحري لإثيوبيا غير الساحلية لاستخدامها كقاعدة عسكرية ولأغراض تجارية بموجب الاتفاقية أي أن إثيوبيا أصبحت بشكل غير مباش دولة من دول البحر الأحمر من خلال وجودها العسكري في بربرة الواقعة علي خليج عدن المؤدي لفتحة البحر الأحمر الجنوبية فما يُسمي بجمهورية أرض الصومال تقع على الساحل الجنوبي لخليج عدن وكان خليج عدن ممرًا مائيًا ذا أهمية استراتيجية منذ افتتاح قناة السويس في عام 1869ويربط مضيق باب المندب خليج عدن بالبحر الأحمر ويوفر أقصر طريق لربط آسيا بأوروبا ومنذ ظهور غرب آسيا كمعقل للطاقة في العالم زادت الأهمية الاستراتيجية لخليج عدن بشكل ملحوظ ولذلك يشكل هذا الخليج أهمية بالغة بالنسبة لصادرات الطاقة من غرب آسيا إلى أوروبا وأمريكا ولذلك على مر السنين اكتسبت الموانئ الواقعة على الخليج أهمية جيوسياسية متزايدة , وفي الأسابيع القليلة الماضية أو منذ 7 أكتوبر 2023 يوم بداية عملية “طوفان الأقصي” ضد الصهاينة في غلاف غزة ونهاية نظرية الأمن الصهيوني المحاطة بالكثير من البروباجندة عن الجيش الذي لا يقهرتصدرت أخبار خليج عدن وجنوب البحر الأحمر الأخبار بسبب موجة الهجمات على سفن الشحن التي شنها الحوثيون في اليمن وقد أبرزت هذه الهجمات المُستمرة وقرار شركات الشحن العالمية الكبرى تعليق العبور عبر البحر الأحمر مدى هشاشة الطريق البحري عبر البحر الأحمر وخليج عدن ورداً على تهديدات الحوثيين قامت البحرية الأمريكية إلى جانب الشركاء الرئيسيين بما في ذلك بريطانيا بنشر سفن حربية في المنطقة وفي هذه البيئة الاستراتيجية المتقلبة تم الإعلان عن الصفقة بين إثيوبيا وأرض الصومال .

إن مدخل مصر في المسألة الصومالية كان باب عروبة وإسلام الشعب الصومالي أما المدخل الإثيوبي فبابه سري لا يُري فهو باب تاريخي إطاره خطاب الإمبراطور الحبشي منليك الثاني وهو خطاب يعبر بوضوح عن أطماع توسعية ونهج غير مشروع وقد أتاح الجوار الجغرافي فقط لإثيوبيا التدخل والتخريب في الصومال وهي مستمرة في ذلك لليوم مدعومة بالولايات المتحدة والغرب والروس والصينيين حتي وإن صدرت عن هذه الدول بيانات في مناسبات معينة كمناسبة مذكرة التفاهم هذه تشير لدعم وحدة أراضي الصومال فكل هذه الدول سعيدة ومستفيدة من تمزقوتقطيع أوصال الصومال حتي اليوم , ويُذكر في معرض بيان موقف مصر من القضية الصومالية أن مصر إجتهدت مصر بما فيه الكفاية لجعل وحدة الصومال هدفاً ذا جاذبية لكل الصوماليين (اللوبي الوحدوي بصوماليلاند أقلية صغيرة لكنها ذات صوت مسموع) فقد أدت مصر دورها لتحقيق المصالحة الصومالية دعماً لوحدة الأراضي الصومالية فعُقد مؤتمر للمصالحة الوطنية بالقاهرة في 6 مارس 1994 ثم احتضنت القاهرة أيضاً في شهر ديسمبر عام ١٩٩٧ مؤتمرا للمصالحة اشترك فيه أكثر من ٢٨ من قيادات الفصائل الصومالية من بينها حسين عيديد وعلي مهدي كمحاولة لتوحيد العاصمة الصومالية مقديشيو التي كانت تتقاسمها الفصائل المتناحرة واتفق المشاركون على عقد مؤتمر مصالحة عام في مدينة بيدوة في ١٥ فبراير لكنه لم يُعقد , بل إن مصرفي سبيل وحدة الصومال أحبطت محاولة صوماليلاند للإنضمام للجامعة العربية وللإتحاد الأفريقي الذي أرسل عام 2005 لجنة تقصي حقائق لصوماليلاند لتقييم إمكانية إنضمامها له وهو ما تصدت له مصر في حينه ومع كل هذا لم تحقق مصر نجاحاً يذكر فيما يتعلق بإستعادة الوحدة الصومالية بالرغم من كونه هدفاً نبيلاً , فدول الجوار الصومالي وخاصة إثيوبيا ظلت ومازالت تدمره بجهود خبيثة  مُستترة  , أما في العلن فإنها تتظاهر بالعمل من أجل المصالحة الصومالية , حتي أن إثيوبيا إتجهت إلي تعيين ممثل ديبلوماسي لها في هرجيسة إلا أنها تراجعت بضغط من حكومة مقديشيو وظل التحالف الصومالي (مقديشيو) / الأرتري / الإثيوبي يعمل بوسائل غير مباشرة ضد الإعتراف بوضعية قانونية لصوماليلاند , أما مصر فليست بالطبع كإثيوبيا فقد أرادت المصالحة ولا شيئ سواها لكنها أخفقت في النهاية لأسباب متنوعة أهمها كما أسلفت الدور الإثيوبي السلبي والتدخلات الخارجية والوجود الأمريكي العسكري بالصومال من خلال القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM والتي تقوم بدور مُدمر للمجتمع الصومالي تحت مزاعم محاربة الإرهاب في الصومال (حركة الشباب الصومال) , ولذلك ففي تقديري أنه مع بقاء وإستمرار العوامل التي أدت إلي إعادة الكيان الصومالي ممزقاً كما كان قبل التوحيد , فإن علي مصر الموازنة بين تحقيق مستوي ما من الإعتراف بوضعية صوماليلاند وبين مصالحها ذات الصلة بأمنها القومي المُعرض للخطر بسبب صراعها مع إثيوبيا المُتعلق بمياه النيل  .

تـــقــــديـــــر :

يـــتضح من هذا الـــعرض أن الدبلوماسية الإثيوبية رغم العداء الطبيعي والتاريخي لدي معظم الصوماليين إن لم يكن الغالبية الكاسحة منهم يمقتون ويكرهون الإثيوبيين إلا أنهم نجحوا في إقتناص ميناء بربرة علي خليج عدن المُفضي للبحر الأحمر وذلك للإستخدامين التجاري والعسكري معاً قل أن هذا النجاح تم إحرازه علي سبيل الإكراه أوالتهديد أو بالإغراء أوبالتحفيز وببذل الوعود البراقة بالإعتراف الدبلوماسي بما يُسمي جمهورية أرض الصومال أو العطاء المالي للخزانة العامة أو للمسؤليين المُتنفذين في هـــرجـــيـــسة , لكن في كل الأحوال فالأمر يــشيــر بشكل مؤكد أن مصر فشلت في تحقيق ما حققه الإثيوبيين وأعتقد أن ذلك لتضافر عاملين :

العامل الأول / بطء وتراخي الدبلوماسية المصرية وأعني بالدبلوماسية هنا الدبلوماسية السياسية والعسكرية معاً , ولا عذر فالمفروض أن الإرث السياسي والعسكري المصري في الصــومــال إيجابي جداً يتُضاف إليهما الدور الــمُشرق والــمُثمر للأزهر الــشــريف , ولذلك فإنه من الــمُتصور أن عدم تسجيل مصر نجاحاً في أرض الصومال كالذي حققته إثيوبيا مرجـــعــه أن هناك ثمة تدخلات خارجية أثرت علي قرارأرض الصومال فيما يتعلق بعلاقتها بمصر وهذه التدخلات أمريكية / إثــيــوبــيـة , فإبعاد النفوذ المصري عن القرن الأفريقي بل والبحر الأحمر له جذور تاريخية بجانب دواعي جيو/سياسية تعمل لليوم .

الـعـامـل الـثـاني/ شدة وديمومة التدخلات الخارجية في الصومال وتمزق الجبهة والنخبة السياسية والعسكرية الصومالية , فهذا البلد منذ سقوط نظام سياد بري 1991يُراد له أن يتحول إلي فراغ مُطل علي خليج عدن والمحيط الهندي وقد تُرك للدور الإثيوبي الذي مازال يتحرك في الشأن الصومالي بأحقاد منحطة ودوافع دينية رخيصة يُغازل بها الــغــرب الذي لابد أننا الآن ندرك ويدرك كل من ألــقي الســمع وهو شهيد من مدعي الليبرالية وأحذية الأمريكان المتواجدين بين ظهرانينا أن معظم النخب الأوروبية والأمريكية من السياسيين وصناع ومتخذي القرارالسياسي والإقتصادي بل والثقافي مُصابون بلوثة عــقلــية تـم تـشخيصــها علي أنها إسلامفوبيا أو Islamphobia وما الحرب التي تُدار في غزة الآن من قبل شذاذ الآفاق من الصهاينة بمنهجية الإبادة الجماعية والتطهير العرقي Systematic genocide and ethnic cleansing والتي يشجعها ويدعمها صراحة أفاق دموي مثلهم يُدعي جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلا دليلاً علي تلك العقلية التي تستفيد منها دائماً إثيوبيا في تحقيق مآربها التوسعية في القرن الأفريقي وتحديداً في عموم الصومال بالإدعاء بانها واقعة في جزيرة مسيحية يحيط بها بحر إسلامي هادر وهي لهذا تري نفسها شريكاً للولايات المتحدة في الحرب الزائفة علي الإرهاب المزعوم في الصومال وهما أي إثيوبيا والولايات المتحدة منذ أكثر من 30 عاماً وهو لا يملوا من ترديد إسطوانة إجتثاث ومحاربة الإرهاب المزعوم والمتخيل , فالأمر الحقيقي هو أنهما يريدان خنق الصومال والإستفادة من موقعه الإستراتيجي وفي نفس الوقت محاربة الإسلام الذي يدعيان ظلماً وإفتراء أنه إرهاب لتسويغ محاربة ديننا الحنيف وتستخدم الوليات المتحدة في حربها المُضللة المنظمات غير الحكومــية التي لا تقل ضلالاً ووحشية عن الجيش الأمريكي أوAFRICOM  وتابعه إثيوبيا .

من المهم التذكير بأن إثيوبيا ومنذ 2019 أقامت قيادة بحرية لها في بحر دار أي داخل إثيوبيا ولو أن مذكرة التفاهم الإثيوبية مع ما يُسمي بجمهورية أرض الصومال تم تنفيذها وأُتيح لإثيوبيا موطئ قدم بميناء بربرة فإن هذه القيادة البحرية ستنتقل لبربرة و وستبدأ في هذه الحالة في التعاون مع البحرية الصهيونية وستجد البحرية المصرية منافس أو منازع لها في البحر الأحمر , وقد يخفف من العدوانية المتوقعة للبحرية الإثيوبية -إن تم أحياؤها- أن تعلن مصر حالة الحرب علي إثيوبيا وهو أمر مُرجح تماما مع وصول أزمة سد النهضة وما يستتبعها من نتائج كارثية لذروتها وفي هذه الحالة أي حالة إعلان مصر الحرب علي إثيوبيا فيكون لمصر الحق في منع البحرية التجارية الإثيوبية  أو العسكرية أو هما معاً من المرور في قناة السويس .

بناء علي المــعــطيات التي عرضتها سالفاً خاصة ما يتعلق منها بالموقف في الصومال أو في ارض الصومال أو إثيوبيا من وبعد توقيع إثيوبيا مع  يُسمي بجمهورية أرض الصومال مذكرة التفاهم التي تتيح لإثيوبيا إستخدام 20كم مربع في ميناء بربرة لمدة 50 عام إستخداماً تجارياً وعسكرياً , ففي تــقــديــــري أن هذه المــذكـــرة إما أنها : (1) سـتتآكل وتذوي بفعل رفض جمهورية الصومال الـفيدرالية (مــقــديــشــيـو) لها وحالة الغضب التي تعتري مـــعظم الــشعب الصــومــالي وكــذاالتــشكيــلات الـمـسلحة ذلك أن هذه المذكرة أحـــيت التطلعات التوسعية والإمبريالية الإثيوبية التي يدركها ويعيها جيداً الشعب الصومالي وكذلك فهذه المذكرة عمقت الإتجاه الإنفصالي لدي ما يُسمي بجمهورية أرض الـصـومـال الإنفصالية وباعدت المسافة المأمولة من قبل الوحدويين الصوماليين لإعادة توحيد الصومال وهو الأمر الذي لا تريده إثيوبيا البتة والمذكرة دليل مادي علي ذلك وهو ما أكده الموقف الغربي المتراخي والأمريكي بصفة خاصة من التصرف الإثيوبي أو (2) أن هذه المذكرة ستشحذ مُجدداً مخزون طاقة الكراهية والحقد الوطني تجاه إثيوبيا من التشكيلات المــقاومة الـــمُـــسلحة كتنظيم الشباب الصــوماليب وربما ولدت هذه الـطاقة المتجددة من الحقد الــوطــني ولادة تنظيمات مُسلحـة بأسماء مختلفة لمقاومة التواجد الإثيوبي المًـــرتقب مـقـاومة مُـــســلحـة في بربرة   أي في عــمــق الــوطــن الصومالي , ولسوف يــسـتــلـهم الصوماليين روح مـــقاومــة حمــاس والــجــهــاد الإســـلامـي للصهاينة التوسعيين كأضرابهم الإثيوبيين في غزة ويعلم القاصي والداني الروابط السياسية علي الأقل بين إثيوبيا والكيان الصهيوني فكلاهما لم ولن يتخلي عن شبقه للتوسع والــهـيـمنة وكلاهما يحيط جيشه بدعاية زائفة يستخدمه في قتل المدنيين العزل كالمجرمين لا في القتال الشريف لجيش آخر يواجهه , ولذلك ففي تقديري إنه إن لم تتخل حكومة أرض الصومال المزعومة عن مذكرة التفاهم التي بمقتضاها تمنح أرض الصومال 20كم مربع بميناء بربرة للإثيوبيين فإنها ستكون مُعرضة تماما لإجتياح التنظيمات المُسلحة لها وتجريفها هي والإثيوبيين معاً فالقدرة العسكرية الإثيوبية لا يملك جنودها المرهقين والمُستنفذة قواهم في حروب داخلية ضد التيجراي وغيرهم سوي أحلام التوسع أما الصوماليين فعقيدتهم العسكرية حماية الأرض والذود عنها كمقاومي غـزة تـمـامـاً .

إن مذكرة تفاهم ما يُسمي بجمهورية أرض الصومال سراب خادع ربما أدي لفناء ما يُسمي ربجمهورية أرض الصومال وربما أدي كمنتج عرضي لإعادة إنتاج وبلورة الميول الإتحادية لدي سكان أرض الصومال وبونتلاند معاً لأنه شخص لأنظار شعب الصومال كله الروح التوسعية لدي الإثيوبيين التي إستحضرها رئيس ما يُسمي بجمهورية أرض الصومال الذي قامر بعمالته للإثيوبيين وغيرهم , ورب ضارة نافعة كما يُقال .

الـــــســــفــــيــــر : بـــــلال الـــمــــصـــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الـــقـــاهــــرة تــحـــريـــراً في 10 يناير 2024

5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى