الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

التغيرات المناخية كابوس يواجه تحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط

بقلم : د.  أسماء حجازي- مدرس مساعد بالبحث العلمي وباحثة حقوقية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

أولا: مقدمة 

يشهد الشرق الأوسط موجة عارمة من التغيرات المناخية التي تمثل تهديدا كبيرا وتحديا يهدد بتفاقم حالة الهشاشة والنزاعات، النزوح، التهميش وكذلك الفساد، كما تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها نقطة ساخنة لتغير المناخ، حيث من المتوقع ان تشهد المنطقة درجات حرارة أعلى بنسبة 20% من المتوسطات العالمية. وهي بالفعل المنطقة الأكثر ندرة في المياه في العالم – ومن المتوقع أن تؤدي درجات الحرارة المتزايدة إلى المزيد من الجفاف الحاد والمستمر.

وبالرغم من كل هذه التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط إلا تتمتع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالقدرة على أن تكون رائدة في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات المبتكرة، وجذب الاستثمار وتسهيل نقل التكنولوجيا، ووضع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كقادة في التحول العالمي إلى التنمية الخضراء، ومن هنا جاءت هذه المقالة لتوضيح مدى إمكانية الشرق الأوسط استغلال امكانياتها لمواجهة تحديات التغيرات المناخية وكذلك أثر التغيرات المناخية على الشرق الأوسط من كافة الجوانب السياسية والاجتماعية والحقوقية وكذلك الاقتصادية.

ثانيا: اثر التغيرات المناخية على الشرق الأوسط

لا يؤثر اضطراب المناخ على درجات الحرارة والموارد المائية فحسب، وإنّما له كذلك تأثير تسلسلي، فهو يهدّد أيضاً بزعزعة استقرار المجتمعات والدول في منطقة تعيش نزاعات في الأساس.

إن تغير المناخ يعد من بين أكثر العوامل تأثيراً وخطورة، من بين تلك التي تهدد قدرة الأجيال في الحاضر والمستقبل على التمتع بالحق في الحياة، الأمر الذي يفرض أن تعكس التزامات الدول الأطراف بموجب القوانين الدولية الخاصة بالبيئة، ونصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في هذا الشأن، وأن تتم صياغة التزامات واضحة على الدول الأطراف بشأن احترام الحق في الحياة.

وفيما يتعلق بالحق في الحصول على المياه:

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مرشحة لتكون من أكثر المناطق تأثراً وتضرّراً بالتغيّر المناخي حول العالم، والأكثر تأثراً بشح الموارد المائية الناجمة عنها، وهو ما بات أمراً واقعاً في العديد من دول هذه المنطقة.

ففي تونس، على سبيل المثال، شهد مطلع مارس 2024 ارتفاعاً في أسعار مياه الشرب بنسبة تصل إلى 16 بالمئة في مواجهة الشح المائي نتيجة جفاف طيلة السنوات الخمس الماضية. وفرضت الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، منذ العام الماضي، نظام الحصص في مياه الشرب، وحظرت استخدامها في الزراعة، وبدأت قطع المياه ليلاً.

أما في جزيرة صقلية المتوسطية، التي لا تبعد كثيرا عن المنطقة، فالوضع بات أكثر سوءاً. فسكان تلك المنطقة من إيطاليا باتوا مجبرين على التفكير حتى بإعداد إبريق شاي، يخزنون مياه الشرب في عبوات وأحواض الاستحمام، بسبب شدة الجفاف وتراجع مخزون المياه بعد غياب الأمطار الشتوية، ما دفع لإعلان السلطات حالة طوارئ في 29 فبراير الماضي.

كما أن الضغط على السكان، سينعكس على الحكومات، التي ستكون مجبرة على اتخاذ خيارات أكثر تشدداً وصرامة في مواجهة هذا التحدي الوجودي، وهو ما من شأنه أن ينعكس على سياساتها الداخلية والخارجية في الوقت ذاته، خاصة فيما يتعلق بالسيطرة على الموارد المائية المشتركة بين الدول، والتي من المتوقع أن تكون السبب الرئيسي لقيام الصراعات والنزاعات في المنطقة.

وفي هذا الإطار تظهر في الشرق الأوسط ثلاث أزمات مياه تعتبر الأكثر حساسية وإلحاحاً، لاسيما وأنها ترتبط بالأمن المائي لأكثر من نصف مليار إنسان موزعين على الدول المعنية بهذه الأزمات، وهي: أزمة مياه دجلة والفرات بين العراق وتركيا وإيران، أزمة نهر النيل بين مصر والسودان واثيوبيا، وأزمة المياه المشتركة بين الأردن وإسرائيل.

وعلى الجانب الآخر تقطع إيران بشكل كامل روافد مهمة لنهر دجلة، مثل نهر الزاب، وروافد سد “دربندخان” وبحيرة حمري وبحيرة دوكان، ما أدى إلى أزمة كبيرة في حوض نهر ديالى حيث انخفض مستواه بنسبة 75 بالمئة، فيما عانى شرق العراق وجنوبه من أزمة جفاف خانقة لاسيما عام 2021 وصيف عام 2023، حيث بلغت إطلاقات المياه من الجانب الإيراني صفرا، وفق تصريحات المسؤولين العراقيين.

ما يعانيه العراق من تأثير للتغير المناخي، ينطبق على جاره الأردن الذي يصنف ثاني أفقر دولة في العالم بالمياه، وفق المؤشر العالمي للمياه، حيث نصيب الفرد منها يتراوح ما بين 60 و90 متراً مكعباً سنوياً لكل الاستخدامات، في وقت يبلغ فيه خط الفقر المائي العالمي 1000 متر مكعب.

وفيما يتعلق بمعدلات النزوح فإنه وفقا لأرقام أصدرها البنك الدولي في وقت سابق فإنه ما لم يتم العمل على الحد من التغيرات المناخية، فإنه وبحلول 2050 قد يصل عدد المهاجرين لأسباب مناخية إلى 216 مليون مهاجر، إذ ستضطر عائلات بكاملها إلى النزوح داخل بلدانها وسيشمل النزوح 19,3 مليونا في دول شمال أفريقيا الخمس، كما أن موجات الهجرة القسرية ليست هي التعبير الوحيد عن مخاطر المناخ، مشيرة إلى أن الوضع قد يتطور إلى حروب داخلية طاحنة على مصادر المياه، وإلى حروب بين الدول التي تشترك في نفس الأنهار، وخاصة في ظل توجه دول المصدر إلى احتكار نسب مياه عالية ومنع دول العبور أو دول المصب من تحصيل حاجتها إلى مياه الشرب وسقاية مناطقها الزراعية مثل ما هو الحال بين دول حوض النيل ومخاطر احتكار أثيوبيا للكمية الأكبر عبر إنشاء سد النهضة.

ففي دولة اليمن يوجد ما يزيد على 32 ألف شخص في اليمن تضرروا بسبب استمرار الصراع والكوارث الناجمة عن التغير المناخي منذ مطلع العام الحالي وبسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات والحرارة الشديدة، نز4.656 عائلة تتألف من 32.592 شخصاً في 16 محافظة يمنية، خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) وأبريل (نيسان) 2024.

ويتوقع أن تزيد اللامساواة المرتبطة بالجنس. ويتوزع النفاذ إلى ملكية الأراضي وإلى العمل بشكل غير متساوٍ في المنطقة. وباستثناء الزراعة، حيث يكون التمثيل النسبي المتكافئ مطلوباً، تمثل النساء 30٪ فقط من العمال.

كما أن فوارق الدخل والوضع الاقتصادي يبدو بوضوح في غير صالح المرأة. ففي المناطق الريفية، يعتبر التزود بالمياه وبحطب التدفئة مهمة نسائية حصراً. ومع ندرة هذه المواد، تضطر النساء إلى الذهاب أبعد فأبعد للحصول عليها، ما يزيد المشقة وخاصة خطر الاعتداءات. علاوة على ذلك، فإنّ الفتيات هنّ أوّل من يخرجهنّ الأهل من المدرسة عندما تتدهور وضعية العائلة، وذلك رغم نتائج دراسية غالباً ما تكون أفضل من زملائهن الذكور. وفي السياقات الضاغطة عاطفياً كتلك التي تعرفها المجتمعات التي تواجه تغيّر المناخ، يتوقّع أن يزداد العنف الأسري.

كما أنه من المتوقع أن 71 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معرض لـضغط ناجم عن شح المياه بدرجة عالية جداً، ومن المتوقع ايضا ازدياد مساحة الغابات المحترقة بنسبة تصل إلى 87 في المائة في حال ارتفعت درجات الحرارة على سطح الأرض لدرجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وبنسبة تصل إلى 187 في المائة في عالم ترتفع الحرارة فيه بثلاث درجات مئوية.

ثالثا: التوصيات

  1. لا بد من اتخاذ إجراءات لمواجهة تغير المناخ في بدايته. وبالتالي، يجب على الحكومات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أن تكثف أهدافها للتكيف مع تغير المناخ وخفض مساهمتها في الاحترار العالمي على حد سواء. ووفق أحدث دراسات أجراها صندوق النقد الدولي عن التكيف وتخفيف الآثار، يتعين استثمار ما يصل إلى 4% من إجمالي الناتج المحلي سنويا لتعزيز الصمود في مواجهة تغير المناخ بالقدر الكافي وتحقيق أهداف خفض الانبعاثات بحلول 2030.
  2. خفيض دعم الوقود أو وضع سعر لانبعاثات الكربون، على سبيل المثال، يبشر بتحقيق مكاسب على المدى الطويل لكنه قد يرفع تكاليف التحول على المدى القصير نتيجة للتحولات الكبيرة في السلوك الاقتصادي.
  3. تعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة من خلال زيادة الإنفاق الحكومي وتوفير الدعم – مثل تطوير أكبر محطة للطاقة الشمسية على مستوى العالم في المملكة العربية السعودية، بقيادة صندوق ثروتها السيادية. ومع هذا، سوف يجعل ذلك عملية تحول نظام الطاقة أعلى تكلفة بوجه عام، لأنه لن يحقق الكفاءة الاقتصادية التي تنتج عن تسعير الكربون
5/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى