استراتيجيات التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة
اعداد : أ.معاذعليوي – المركز الديمقراطي العربي
إن تقدم الدول والأمم يقاس بمقدار احتراميهم لمعوقيهم، وتوفير الرعاية والعناية اللازمة لهم لكي يظهروا إبداعاتهم وقدراتهم التي منحهم الله إياها، وعدم التعامل معهم بإسلوب الشفقة والحزن التي من شأنها أن تترك آثراً عميقاً ًفي نفوسهم تشعرهم بالدونية أو أنهم أقل شأناً داخل مجتمعهم.
ومن عدلِ الله سبحانه وتعالى ورحمته أن يمنح نعمه على خلقهِ، وقد يبتليهم بحرمانهم من بعض هذه النعم مثل: نعمة السمع، والبصر، قال تعالى:” إِنَّفِيذَلِكَلَآَيَاتٍوَإِنْكُنَّالَمُبْتَلِينَ”.[1]
ينقسم المقال الذي بين آيدينا إلى ثلاثة أقسام:-
*التعريف بالإعاقة.
*المشكلات والمضايقات التي يعاني منها ذوي الاحتياحات الخاصة.
*استراتيجيات التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
التعريف بالاعاقة:-
تتنوع التعاريف والمفاهيم ذات الصلة بالإعاقة إلا أن ما يهمنا في هذا المقال على وجه التحديد بيان تعريفٍ جامعٍ مانعٍ للإعاقة يرادُ منه فهم الصورة العامة للإعاقة في مجتمعنا العربيّ المعاصر لعل أهم هذه التعريفات إلا وهو التعريف الذي ينطلق من عدم القدرة على القيام بنشاطٍ ما سواء كان النشاط حركي أو اجتماعي أو عقلي، أو عدم الإحساس ببعض المشاعر فينتج عن ذلك أنواع من الإعاقة مثل الإعاقة الاجتماعية والإعاقة النفسية.[2]
يرادُ مما سبق من التعريف السابق بأن الإعاقة ليست محصورةً في جانبٍ واحد بل هي متعددةٍ ومتنوعة فقد تكون حركية، وعفلية، وحسية مرتبطة بالمشاعر الذاتية للإنسان ممّا ينتج عنها في الغالب شكلٍ من أشكالِ الإعاقة إلا وهو الإعاقة الاجتماعية أو النفسية.
المشكلات والمضايقات التي يعاني منها ذوي الاحتياجات الخاصة:-
يعاني ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعنا العربيّ من مشكلاتٍ ومضايقاتٍ متعددةٍ ومتنوعة لعدم وجود حاضنةٍ اجتماعيةٍ تستوعبهم وتوفرلهم الامن النفسي والعاطفي، مما يجعل علاقاتهم بمجتمعاتهم والبيئة المحيطة لهم تمتاز بالفتور وقلة الانسجام والتفاعل البنّاء في غالبية الاحيان والذي من شأنه أن يؤدي إلى تعقد العلاقات وبروز مشكلاتٍ ومضايقاتٍ تطفو على السطح لعل أهمها وأبرزها:-
*السخرية والاحتقار:- تتمثل السخرية في الإشارات التي يصدرها بعض أفراد المجتمع الواحد تجاه ذاك المعاق سواء كان معاقا حركياً او جسدياً اوعقلياً والتي تتمثل في غالبية الاحيان بعبارات الغمز واللمز معتقدين بأن سلوكياتهم وتصرفاتهم صحيحة وإذا كانت تصدر عفويا أو لاشعورياً إلا أن ما يجرح ذاك المعاق هي النظرات الحادة تجاهه والتي غالباً ما تولد لديه حالة من القلق النفسي والتي تعرف (بالاحتقار) علماً بأن تلك الفئة من أكثر الفئات رقة وشعوراً وهذا ما يمنحهم في غالبية الاحيان سمة العزلة والانصراف بعيداً عن المجتمع دون الإيحاء إليهم مرة اخرى بتلك العبارات وكأن المجتمع أو الفرد قد حكم فعلياً بالموت على ذالك المعاق لاشعورياً.
*نظرة الشفقة:- تبنى نظرة الشفقة في واقعنا العربيّ المعاش على فكرة مفاداها عبارات يتفوها بعض الالسنة منها ( يا حرام، مسكين، الله يعينه، الله يكون بعون أهله، كيف بدو يكمل بقية حياته، وقد يصل حال بعض الناس إلى الحكم على تلك الاشخاص بالإعدام لاشعورياً كأن يقول بعضهم( الموت سبيله، ربنا يختار الأفضل، إن شاء الله ربنا بيعوضّ على أهله) هذه العبارات لا يشعر بها المعاق ذاتياً لكنه قد يلامسها يومياً في حياته الخاصة والعامة سواء عبر الزيارات الاسرية، أو أثناء خروجه من المنزل، وهذه من شأنها أن تؤثر على نفسيته وتخلق له حالة من الضعف والعجز السلبي وقد تصل به في غالبية الإحيان إلى مقاطعة الناس أو مغادراتهم خشية سماع أقوالهم أو كلماتهم.
*التمييز في المعاملة داخل الاسرة الواحدة:- لعل تلك النقطة من أهم النقاط وأبلغها تأثيراً داخل نفسية المعاق ذاته، لاسيما إذا كانت الإسرة تتبع نظاماً قائماً على التمييز بين الاخوة أنفسهم كأن تقدم للطفل السوي صحيح الجسم كافة الامتيازات والتسهيلات بينما تترك طفلها الأخر أي المعاق بدون آدنى اهتمامٍ أو رعاية، وقد يصل بهم الحال في بعض المجتمعاتِ إلى عزلهم في آماكن للأسف لا تصلح للعيش الآدمي تحت ظروفٍ سيئة وقاسيةٍ للغاية دون آدنى مراعاةً لحالتهم النفسية والبدنية، ومن مظاهر ذلك أن يلجأ أحد الوالدين إلى حرمانهم من التعليم والإرث الذي هو حقٌ طبيعي منحهم الله إياه مساواة وعدلاً كبقية البشر دون فرق بينهم بالدرجة أو اللون أو العرق وغيرها من تلك المظاهر.
ومن أكثر الأمور قساوة أن يمنع المعاق من الزواج والانجاب خاصةً إذا كانت إعاقته تسمح له بالزواج وانجاب الأطفال والعيش وسط بيئة أسرية مثله كمثل كبقية الأسر والعائلات الأخرى، وإذا كان الله سبحانه وتعالى سلب منه نعمة إلا أنه في المقابل وهبه وأعطاه نعماً أخرى قد لا تكون موجودةً ومتوفرة لدى الإصحاء من بني البشر أنفسهم.
*عدم إعطائهم فرصة لإظهار قدراتهم:- وهنا يتم عبر التهميش المباشر لهم كأن يحرموا من فرص التعليم والعمل وأن يبقوا حبيسةً لغرفهم ومنازلهم بدون الإلتفات إليهم أوحتى السؤال عنهم. فالمعاق قد تتوافر لديه فرصٌ وامكانياتٍ لا تكاد تكون متوافرة لدى الإصحاء، وإذا تم استثمارها والعمل على تحقيقها فإن فرصه وإبداعاته سوف تنمو وتتطور وتتضاعف ويصبح رقماً مهما داخل مجتمعه ووطنه.
ولعل أقصى أنواع التهميش الذي يتلقاه ذاك المعاق خاصة إذا كان يعمل داخل مؤسسته من قبل مدير المؤسسة ذاتها والموظفين أنفسهم إذا كان متميزاً ومبدعاً في عمله، قد يجد العراقيل من قبل زملائه خشيةً التفوق عليهم وأن يكون أفضل منهم.
*رفض بعض العائلات تزويج بناتهم لذوي الاحتياجات الخاصة:- ترفض بعض العائلات تزويج بتاتهم للإشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة إيماناً منهم بأن ذاك “العريس” لا يناسب ابنتهم أو حتى لا يناسب الوضع السائد المعتادة عليه الأسرة، حتى لو امتلك كافة المؤهلات العلمية والعملية إلا أنه في نظرهم يبدو “ناقصا” وهذا لايتماشى تحت مايسمى برستيج العائلة التي تحب أن تتفاخر وتتباهى بأن زوج ابنتهم مكملٌ من كافة النواحي ولاينقصه شئ وأنه يتمتع بصحة وعافية و يتناسب في ذات الوقت مع رغبات العائلة ومتطلباتها.
*شعور ذوي الاحتياجات الخاصة بأن عمره قصير وان آجله محتوم ولن يعمرّ طويلاً:- وربما هذه النقطة تعدّ حساسة للغاية خاصة وأن مجتمعنا يفرض الانطباعات والاحاسيس المسبقة والافتراضات الغير منطقية واللاعلمية والمبنية على الجهل في غالبية الإحيان خاصة وأنهم يتحدثون دوماً وبإستمرار أمام أهله وعائلته بأن ابنكم لن يعمرّ وأن آجله دنا منه واقترب وقد يسمع الكلام ويؤثر على نفسيته تآثيراً بالغاً وعميقاً يشعره بأنه عالةً على آسرته وذويه وأنه بمجرد وفاته سترتاح العائلة والمجتمع منه، فالعمر والأقدار بيد الله لا يعلمها إلا هو، فالله خلقه ووهبه الحياة ووهو قادر على سلبه إياها أو لإيّ واحدٍ منّا عندما ينتهي آجله المقدرّ له.
استراتيجيات التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة:-
تدفعنا المشكلات والمضايقات التي يعاني منها ذوي الاحتياجات الخاصة إلى البحث والتفكير عن بدائل بل استراتيجيات واقعية وتطبيقية ذات رؤى عملية للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة إيماناً بعدالة قضيتهم وأنهم جزءٌ لايتجزأ من الكيان الاجتماعي و الإسرى وهذا ما يفرض على كل جهة أو مؤسسة استراتيجية جادة تستطيع من خلالها تحسين الصورة العامة لذوي الاحتياجات الخاصة في آذهان المجتمع، وكذلك مساعدتهم على تخطي الحواجز والعقبات في بناء أنفسهم ورسم ملامح مستقبلهم عبر الاندماج والاستيعاب الاجتماعي لهم في مجتمعهم ووطنهم.
تنقسم الاستراتيجيات في إطار التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة إلى ثلاثة أقسام:-
*استرتيجية الأسرة.
*استرتيجية وزارة التربية والتعليم.
*استراتيجية وزارة الصحة والخدمات الصحية.
استراتيجية الأسرة:-
يقع على كاهل الأسرة الاقتناع بولدهم ويتقبلوه مهما كانت نوعية وطبيعة الإعاقة لإن الاقتناع والتقبل الخطوة الإساسية لإي خطة علاجية، وفي هذا الإطار يقع على الإسرة مجموعة من الإستراتيجيات لعل أهمها:-
*أن يقتنعوا بأن عليهم واجباً ذاتياً نحو طفلهم المعاق يبدأ بالابتسامة الدافئة والحماية.
* عدم الاستيحاء منه خاصة إذا ذكر أسمه أمام الناس أو التطرق في الحديث عن ذوي الاحتياجات الخاصة في محاولة لتبديل الكلام وتغييره.
* العمل على إنخراطه في الحياة العامة وبخاصة الحياة الاجتماعية وإشراكه في المناسبات العائلية واعتباره جزءٌ لايتجزأ من الوسط العائلي ككل.
*أن يشعروه بوجوده وكينونته وأن إعاقته ليست سبيلاً لنهاية عمره الزمني، وفي هذا الإطار على الإسرة أن تبذل المزيد من بث روح الحماسة والمعنويات العالية سواء تمثل ذلك عن طريق المداعبة أو المزاح حتى لايقللوا من شأنه وأهميته كونه مواطناً فاعلاً قادراً على تحقيق أهدافه.
استراتيجية وزارة التربية والتعليم:-
يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم استراتيجية وطنيةً في رعاية واهتمام ذوي الاحتياجات الخاصة ليس فقط في توفير المقرارات الدراسية فحسب، بل توفير البعدين العاطفي والنفسي لاسيما وأن الغالبية العظمى من ذوي الاحتياجات الخاصة يدرسون في مدارس حكومية غير مصممة لتدريسهم وتأهيلهم بشكلٍ مطلوب ليكونوا فادرين للاعتماد على أنفسهم بشكلٍ كامل.
وفي هذا الإطار هناك مجموعة من الاستراتيجيات الملقاة على عاتق وزارة التربية والتعليم لعل أبرزها:-
*إتاحة الفرصة لحميع الإطفال لتلقي التعليم النوعي والمناسب.
* تأهيل المدارس مهنياً ونفسياً حتى يكونوا قادرين على تلقي التعليم بشكل يؤهلهم للإعتماد على أنفسهم في حياتهم الخاصة والعملية.
*تأمين لهم منحاً دراسية سواء في المستويين الدراسي المدرسي والجامعي.
* إيفاد البعض منهم للخارج لإكمال تعليمهم الجامعي وتوظيفهم بعد الإنتهاء من دراستهم الجامعية في عدة مؤسسات وزارات ذات العلاقة بالشأن ليتم الإستفادة منهم وعدم تهميشهم واستبعادهم كلياً عن الحياة العملية.
*تمثيلهم في عدة مؤتمرات داخلية وخارجية لتعريف المجتمع بهم وأنهم قادرين على الإبداع وأنه بمقدورهم القيام بكافة الواجبات المكلفين بها من قبل الجهات المعنية ذات العلاقة بالشأن.
استراتيجية وزارة الصحة والخدمات الصحية:-
لاتقل استراتيجية وزارة الصحة شأناً عن الأهل ووزارة التربية والتعليم العالي، فوزارة الصحة يقع عليها مسؤوليةً جسيمة في التوعية الصحية بإهمية الإعاقة وإلزامية إنشاء ملف صحي لكل شخص يعاني من الإعاقة.
وفي هذا الصدد يقع على عاتق وزارة الصحة عدة استراتيجيات أهمها:-
*التوعية المجتمعية بإهمية الوقاية من الإعاقة، وإلزامية التلقيح المستمر للإبناء.
*شمولية ذوي الاحتياجات الخاصة بالتأمين الصحي وعدم استثناء أيّ شخص على اعتبار أنها مجرد حقوق ممنوحة لكافة الإشخاص وعدم استبعادهم كلياً.
*إقامة دورات تدريبية وتأهلية مستمرة لذوي الاحتياجات الخاصة.
*العمل على توظيفهم في القطاع الصحي وإشراكهم في الحياة العملية والإسهام جنباً إلى جنب مع موظفيهم في القيام بالواجبات المنوطة بهم.
الخاتمة:-
إن استراتيجيات التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة ليست مسألة فردية تخص الأسرة فقط بل تتعدى المجتمع بأسره تطال الأفراد، الأسرة، ومؤسسات الدولة بإكملها سواء وزارة التربية والتعليم والشؤون الاجتماعية وغيرها من الوزرات ذات العلاقة بالشأن.
وحتى نضمن فاعلية أكثر لنجاح استرتيجيات ذوي الاحتياجات الخاصة فلابد من الإيمان العميق بالرؤية والهدف الذي تتبناه كل استراتيجية من الاستراتيجيات على حدها، لأن الإيمان بنجاح نلك الاستراتيجيات في الغالب ما يقود إلى بناء حالة من التكامل الاجتماعي والوعي الجمعي بحتمية ذوي الإحتياجات الخاصة، وأنهم ليسوا مجرد أدوات قيد الاستعمال وبعد الانتهاء توضع على الرفوف، أو مناسباتٍ يتغنى بها أصحابها في الاعياد.
وفي نهاية المطاف فإن قضية تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة داخل ايّ مجتمعٍ من المجتمعات والعمل على جعلها أولوية انسانية هي مسألة تحتاج إلى جهدٍ دوؤب من كافة الاشخاص والمسؤولين وكافة المؤسسات والوزرات للقيام بها، حتى يتحقق الاقبال الجماهيري والوعي بها والعملي على إزالة كافة المعيقات والعقبات التي من شأنها أن تفرز المفاهيم الاجتماعية الخاطئة التي ترى بأن الإعاقة مصدراً من مصادر النقص التي تحط من قدر صاحبها.
[1]سورة المؤمنون،(30).
[2]شواهين، خير سليمان وآخرون. استراتيجيات التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة. ط1. 2010م. ص30.