هل يثير “قانون المستوطنات الإسرائيلي” الوشيك تصادم مع ترامب في الإدارة الأمريكية ؟
-المركز الديمقراطي العربي
وقد يبدو هذا القرار حاسماً وقطعياً، ولكن المحكمة سبق وأن قضت بهدم “عامونا” ثلاث مرات منذ عام 1997. فالمحاولة التي أجريت في عام 2006 لإخراج 35 عائلة من تلك البؤرة الاستيطانية أسفرت عن إصابة أكثر من 200 شخص بجروح جرّاء المواجهات العنيفة التي وقعت بين4,000 محتج وعشرة آلاف عنصر من الشرطة.
وهدد حزب “البيت اليهودي” وبعضٌ من أعضاء حزب “الليكود” بإسقاط الحكومة إذا لم يتم سن مشروع قانون يجعل “عامونا” شرعية، وليس إزالتها، مما يترك نتنياهو أمام معضلة.
وقد دفعت مجموعة فريدة من الظروف بإسرائيل إلى الضغط من أجل المضي قدماً في سن قانون قد يشرّع إقامة 75 بؤرة استيطانية غير مسبوقة خارج الجدار الأمني في الضفة الغربية.
وفي حين حصل القانون على مصادقة الكنيست بالقراءة الأولى من أصل ثلاث قراءات في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، يُتوقّع أن تطعن به “المحكمة العليا الإسرائيلية”، كما صرّح المدعي العام أفيحاي ماندلبليت علناً بأنه لن يدافع عنه، بإشارته إلى أنه يتعارض مع القانون الدولي حيث يسعى إلى السماح بالبناء على أرض فلسطينية خاصة بأثر رجعي.
ومن جهته، يبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قلقاً من أن تمرير القانون سيدفع بإدارة أوباما إلى تقديم قرار حول المستوطنات في مجلس الأمن الدولي.
بل إنه حتى يخشى بصورة أكثر من أن تتم مناورته سياسياً من قبل منافسيه في الائتلاف اليميني، لا سيما حزب “البيت اليهودي” الذي يقود مشروع القانون. ويُعتبر تجنّب أي صدام سياسي مع الولايات المتحدة في وقت يغطي فيه نتنياهو معسكره اليميني في البلاد، أولوية ملحّة بالنسبة له.
وحتى الآن لا يشير البيت الأبيض – المنشغل بقضايا الفترة الانتقالية بعد الانتخابات – إلى ما إذا كان سيتوجه إلى الأمم المتحدة بشأن هذه المسألة.
لكن في الوقت الذي يشكك فيه العديد من المراقبين من أن يسعى الرئيس أوباما إلى الحض على صدور قرار منفصل ومتكامل من قبل مجلس الأمن الدولي يحدّد معايير كافة جوانب الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، إلا أنه لا يجوز استبعاد اتخاذ عدد أقل من الخطوات.
نظراً إلى التعقيدات السياسية في الولايات المتحدة، أوضح الرئيس أوباما أنه لم يرغب حتى في النظر في أي خطوة تصدر عن الأمم المتحدة بشأن الصراع العربي-الإسرائيلي إلا في الفترة التي تلي الانتخابات.
والآن وبعد فوز دونالد ترامب، من المرجّح إلى حدّ أبعد أن يرفع أوباما التكاليف السياسية للنشاط الاستيطاني الإسرائيلي، معتقداً أن خلفه سيتجنّب مثل هذه الخطوة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا،بحسب “ديفيد ماكوفسكي” وهو زميل “زيغلر” المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن:
- ماذا لو أشار ترامب إلى أنه منفتح على نظرة أكثر دقة بشأن المستوطنات مع هدوء عاصفة الحملة الانتخابية – أي نظرة أقرب إلى رسالة الرئيس بوش إلى شارون في عام 2004 والتي اقترح بموجبها أن أي حدود مستقبلية يمكنها أن تضمّ كتلاً استيطانية؟
- هل أن تصويت في مجلس الأمن سيجعل التفاوض بشأن هذه الاختلافات الجغرافية في المستقبل أكثر صعوبة إذا تمّ ضمّ جميع المستوطنات مع بعضها البعض؟
وعلى نطاق أوسع، إن اتخاذ أي قرار قد يؤدّي إلى تصادم مع ترامب في الوقت نفسه الذي يدعو فيه أوباما إلى تعاون أوثق خلال الفترة الانتقالية.
وبالتالي، سيحتاج أوباما إلى دراسة خياراته وتقييمها بدقة خلال فترة البطة العرجاء. وإلى جانب – أو بدلاً من – صدور قرار يركّز على المستوطنات وغيرها من العوائق، قد يسعى إلى وضع معايير أوسع للتوصل الى اتفاق سلام نهائي، سواء في مجلس الأمن أو عبر تصريحات علنية.
وسيكون خيار الأمم المتحدة أكثر ما يثير قلق إسرائيل، إذ إن تحديد معايير الوضع النهائي قد يؤدّي إلى فرض عقوبات. كما يبدو أيضاً أن الفلسطينيين يعارضون قراراً قائماً على المعايير إذ قد يؤدّي من دون شك إلى تسويات بشأن اللاجئين والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.
ويرى “ديفيد ماكوفسكي”بحسب استنتاجات حول “قانون المستوطنات الإسرائيلي”في تحليل لمعهد واشنطن أنه أطلع نتنياهو المستوطنين مؤخراً، على أن أكثر اللحظات حساسية في الولايات المتحدة هي الفترة الفاصلة بين الانتخابات الرئاسية وموعد التنصيب. وحثّهم بالتالي على تجنّب اتخاذ خطوات استباقية خشية أن تدفع بالولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات في مجلس الأمن.
لكن مجموعة فريدة من الظروف دفعت بخصمه بينيت إلى طرح تشريع شامل من شأنه إثارة غضب البيت الأبيض وإرغام نتنياهو على التحرك. ومن المفارقات، أن المنظمات غير الحكومية الحمائمية كانت عاجزة على ما يبدو عن تحقيق ما يُفترض أن يفعله مشروع قانون البؤر الإستيطانية الصادر عن زعيم حزب يميني، ألا وهو: جعل تجاهُل البيت الأبيض لمسألة المستوطنات في الأيام الأخيرة للرئيس المنتهية ولايته أمراً صعباً للغاية بحسب الباحث.
- التشريع ناجم عن البؤرة الإستيطانية “عمونا”:
سبق أن ذكرتْ إسرائيل أنها لا تبني مستوطنات جديدة، لكن وفق تقرير صدر عن مكتب رئيس الوزراء في عام 2005، هناك حوالي 100 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية تُعتبر غير شرعية بموجب القانون الإسرائيلي.
وعادة ما تتضمن هذه البؤر الاستيطانية نحو عشرات المنازل فقط؛ وعلى الرغم من أنها بُنيت لتكون مؤقتة في بداية الأمر، إلا أن العديد منها قد حصل في النهاية على حماية عسكرية وتمّ ربطها بشبكات الغاز والمياه الإسرائيلية.
وفي عام 2003، قال رئيس الوزراء أرييل شارون للرئيس جورج بوش الابن إنه سيتمّ هدم البؤر الاستيطانية، لكن إسرائيل لم تقترب قط من تطبيق هذا التعهّد بالكامل.
فقد تمّت إزالة عدد قليل من البؤر الاستيطانية في بعض الأماكن، إلا أن المستوطنين اشتبكوا مع الجيش في عام 2006 عندما أمرت “المحكمة العليا” رئيس الوزراء إيهود أولمرت بهدم بعض المنازل في أكبر بؤرة استيطانية، “عمونا”، الواقعة في شمال رام الله. ورغم تنفيذ بعض عمليات الهدم، أعاق آلاف المتظاهرين العملية وأصيب أكثر من 200 شخص بجروح.
بعد ذلك، قرّر أولمرت أنه سيكون من الأسهل سياسياً حلّ مسألة البؤر الاستيطانية كجزء من اتفاق سلام شامل يتمّ التفاوض بشأنه مع السلطة الفلسطينية.
أما نتنياهو، الذي كانت تحالفاته أكثر يمينية من أولمرت بكثير، فلم يضع إخلاء البؤر الاستيطانية ضمن أولوياته خلال فترة ولايته. وفي عام 2008، أمرت “المحكمة العليا” الدولة بتقديم جدول زمني لهدم كافة المنازل في “عمونا”، وفي عام 2011، وافقت حكومة نتنياهو على إتمام كافة عمليات الهدم في نهاية 2012.
لكن رئيس الوزراء تراجع عن هذا التعهد، وطلب من المحكمة في عام 2013 رفض الالتماس على أساس أنه يضرّ بمصالح إسرائيل الدبلوماسية. كما أعلنت الحكومة أنها ستهدم مباني فردية فقط في “عمونا”، وليس البؤرة الاستيطانية بأكملها.
وخلال كانون الأول/ديسمبر 2014، وافقت المحكمة على منح الحكومة عامين لإخلاء هذه البؤرة الاستيطانية، وهي فترة من شأنها أن تتيح الوقت لوضع خطط لإعادة توطين سكانها. وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، أفادت المحكمة أنها لن توافق على المزيد من التأخير بعد الموعد النهائي المحدّد في 25 كانون الأول/ديسمبر.
- حسابات نتنياهو وبينيت:
تعتمد الأغلبية الحاكمة التي يتمتع بها نتنياهو على دعم حزب “البيت اليهودي” والمتعاطفين الآخرين مع المستوطنين في حزبه “الليكود”.
وكان وزير التربية والتعليم وزعيم “البيت اليهودي” نفتالي بينيت قد صرّح أن الطريقة الوحيدة لاستباق الموعد النهائي الذي حدّدته المحكمة تتمثّل بتحويل البؤر الاستيطانية غير القانونية إلى مستوطنات قانونية – مما سيضفي بالتالي طابع الشرعية على كافة البؤر الاستيطانية المتبقية وفقاً لقانون حزبه، تلك البؤر التي شُيّد الكثير منها على أراض فلسطينية خاصة.
وقد تمّت أساساً شرعنة نحو 19 من أصل 100 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية بأثر رجعي، بصرف النظر عن مشروع القانون الجديد، كما أن هناك 12 بؤرة استيطانية أخرى قيـد التشريع، وفق بيانات الحكومة الأمريكية.
وقد يؤثر التشريع الراهن على 75 بؤرة استيطانية أخرى خارج الجدار الأمني فضلاً عن عدد قليل داخله. ويميل سكان هذه البؤر الاستيطانية، الذين تُطلق عليهم تسمية المستوطنين خارج الكتل، إلى التصويت لحزب بينيت ودعم معارضته لإقامة دولة فلسطينية في أي تركيبة جغرافية.
ويُعرف نتنياهو إلى حد كبير ببناء المستوطنات الإسرائيلية في الكتل القائمة داخل الجدار الأمني، حيث يعيش نحو 77 في المائة من المستوطنين. لكن في ظل حكومته، تمّ تشييد عدد متزايد خارج الجدار أيضاً. فمن أصل عدد المستوطنين الإجمالي البالغ نحو 370 ألفاً في الضفة الغربية، يعيش 285 ألفاً تقريباً داخل الجدار وعلى مقربة من المراكز الحضرية في دولة إسرائيل السيادية.
وقد ورد في تقرير أصدرته “اللجنة الرباعية” الدولية (أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة) حول الشرق الأوسط في تموز أن حوالى 85 ألف مستوطن يعيشون خارج الجدار. ولو كان جميع المستوطنين داخل الجدار، كان من المكن أن تتوافق سياسة إسرائيل الاستيطانية مع الجهود الرامية لتحقيق حل الدولتين في النهاية، لكنها ليست مقاربة قابلة للتطبيق طالما لا تزال المستوطنات قائمة خارج الجدار حيث يقطن العديد من ناخبي بينيت.
لا شك أن نتنياهو يدرك جيداً هذه المشكلة، لكنه يبدو أنه يخشى أيضاً من أن معارضته لبينيت بشأن مشروع قانون البؤر الإستيطانية قد تجعله يبدو ضعيفاً بنظر كافة المستوطنين. وبالفعل، عوّل بينيت على وجهة النظر هذه عندما ضمن دعم رئيس الوزراء.
ويبدو أن حسابات نتنياهو الراهنة تستند إلى عاملين:
أولاً: من المرجح أنه لا يزال يناور لوقف انتقادات معسكر اليمين وتجنّب مشاجرة مفتوحة مع بينيت. وفي الوقت نفسه، يتخذ خطوات هادئة على ما يبدو لمنع مصادقة الكنيست على القراءتين اللاحقتين اللتين من شأنهما أن تجعلا مشروع القانون قانوناً نافذاً. ويملك نتنياهو عدة وسائل لتحقيق هذه الغاية.
فعلى سبيل المثال، يمكنه أن يطلب من وزير المالية موشيه كاحلون التأكد من عدم دعم “الليكود” للتصويت اللاحق على مشروع القانون.
وكان كاحلون على ما يبدو هو الذي أوعز إلى رئيس ائتلاف “الليكود” ديفيد بيتان بالإعلان في السادس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عن أن مشروع القانون لا يمكنه أن يعطل الإجلاء المزمع لأربعين أسرة من “عمونا”، معللاً ذلك بتصريحات ماندلبليت.
ثانياً: إذا أثبتت التكهنات الحالية صحتها، قد يكون نتنياهو قد سبق وأطلع واشنطن على إرجاء التطبيق ريثما تدرس “المحكمة العليا” القانون بشكل إضافي. ويمكنه مثلاً أن يؤكد للرئيس أوباما على أن ماندلبليت يشكّك في قانونية الموافقة بأثر رجعي على البؤر الاستيطانية القائمة على أرض فلسطينية خاصة، لذا ربما يُلغى القانون قريباً حتى لو تمّ تمريره في الكنيست.
بعبارة أخرى، قد يفوز بينيت سياسياً إذا تم تمرير مشروع القانون، وقد تفقد إسرائيل ماء الوجه على الصعيد الدولي، لكن من الممكن ألا يتغير الكثير فعلياً بموجب القانون الإسرائيلي. وربما في مسعى منه لتهدئة التوترات مع واشنطن بعد القراءة الأولى في الكنيست، أعلن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان أنه يفضّل حالياً تجميد المستوطنات خارج الجدار الأمني مقابل بعض المرونة ضمن الكتل.
- عامل الأمم المتحدة:
في 20 تشرين الأول/أكتوبر، وقبل أن يصبح قانون البؤر الاستيطانية المقترح معروفاً، حثّت السلطة الفلسطينية مجلس الأمن الدولي على إصدار قرار بشأن المستوطنات، قائلة أنه لا بدّ من [فرض] عواقب بعد مرور نحو خمسين عاماً على السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية.
ويبدو أن الفلسطينيين، غير الراضين عن الإدانات المعيارية للجمعية العامة للأمم المتحدة، يفضّلون صدور قرار من مجلس الأمن يمكنه أن يشكّل سابقة لفرض عقوبات دولية في المستقبل.
وهم يدركون أيضاً أن إدارة أوباما مستاءة بشكل خاص من موضوع المستوطنات نظراً إلى بيانات وزارة الخارجية الأمريكية المكثفة في هذا الشأن. وفي عام 2011، مارست الإدارة الأمريكية حق النقض ضد قرار أصدره مجلس الأمن بشأن المستوطنات، لكنها فعلت ذلك على مضض.
واليوم، يعتقد الفلسطينيون على الأرجح أن خطوة إسرائيل غير المسبوقة الرامية إلى شرعنة كافة البؤر الاستيطانية ستتسبّب بردود فعل عنيفة قد تحسم موافقة الولايات المتحدة على استصدار قرار جديد.
ومن شأن أي قرار مماثل أن يشمل على الأرجح لهجة شبيهة بتلك التي تم نقضها في عام 2011، والتي وصفت كافة الأنشطة الاستيطانية “بغير الشرعية”.
وتدعي إسرائيل أن الضفة الغربية لم تُنتزع من الفلسطينيين وأن مشاكل كالمستوطنات والحدود لا بدّ من حلّها واتخاذ القرارات بشأنها عبر المفاوضات المباشرة. ويصرّ نتنياهو ومسؤولون آخرون ايضاً على أن التركيز على المستوطنات هو مجرّد عذر نظراً إلى أن عداء العرب تجاه إسرائيل يعود إلى ما قبل حرب عام 1967.
وبالتالي، يمكن للمرء أن يفترض أن إسرائيل لن تعارض القرار من حيث المبدأ فحسب، بل ستعتبر أيضاً أنه لا يتناسب مع تقرير “اللجنة الرباعية” الصادر في تموز/يوليو 2016، والذي أوضح أن عمليات التحريض والعنف الفلسطينية الصادرة من قطاع غزة شكّلت عائقاً أمام عملية السلام بالقدر نفسه تماماً كالمستوطنات الإسرائيلية.
ورداً على ذلك، قد تحاول الولايات المتحدة التوصّل إلى قرار أكثر توازناً يشمل استنتاجات “اللجنة الرباعية” أو قد تطلب بدلاً من ذلك من حليف أوروبي القيام بذلك بالنيابة عنها وتمتنع بعدها عن الإدلاء بتصويت نهائي، مما يسمح لواشنطن بتجنّب تأييد أي قرار ينتقد إسرائيل أو نقضه.المصدر:معهد واشنطن + المركز الديمقراطي العربي