الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

الركائز الأساسية لدولة إسرائيل

بقلم : د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تهدف هذه المقالة لمناقشة الركائز الأساسية التي اعتمدت عليها الحركة الصهيونية ومن بعدها الدولة الإسرائيلية من أجل تثبيت أقدامها على أرض فلسطين وتثبيت ادعائها بحقها التاريخي في فلسطين، وتتمثل الركيزة الأولى: في استخدام إسرائيل المرجعية والرموز الدينية في التصور اللاهوتي اليهودي من أجل إضفاء الشرعية على الاستيطان والتي تتلخص بمقولة أرض إسرائيل. فقد قامت بنفي الحق التاريخي للشعب الفلسطيني على أرضه فلسطين، وذلك من خلال سن قانون إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي، الذي أقره الكنيست في 19تموز/يوليو2018، وجاء بالفقرة الأولى من القانون، تحت مبادئ أساسية “أن أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، التي فيها قامت دولة إسرائيل، ودولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي”. علاوة على ما سبق، كشفت صحيفة هآرتس في 7تموز/يوليو 2019، عن وثائق مرعبة حول مجازر وجرائم ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني منذ سنة 1948، حيث تم تنفيذ عشرات المجازر، واغتصاب الفتيات والسلب والنهب، وتفجير وتدمير قرى بأكملها، بأوامر من بن غريون. وحديثًا بضوء أخضر من الحكومة اليمينية المتطرفة وبدعم مطلق من وزيرا المالية والأمن القومي في إسرائيل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذان يسلحان ويدعمان المستوطنين ويحثوهم على إحراق ممتلكات المواطنين والقرى كما حصل في حوارة وتسليح قطعان المستوطنين وتشريع البؤر الاستيطانية وتوسيع المستوطنات. ولابد من التأكيد على أن رسالة سموتريتش في 24حزيران/يونيو2024، التي يهدد بها أهالي الضفة ويتوعدهم بأن يجعل المدن الفلسطينية في الضفة أنقاضاً مثل غزة، تصب في ممارسة المجازر بحق الشعب الفلسطيني. وهذا ما يؤكده المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم أن دولة الاحتلال ترتكب إرهاب دولة، ويضيف لقد استندت المطالبة الصهيونية بفلسطين إلى أسس ضعيفة للغاية وتشويه للواقع الفلسطيني، إذ تم توظيف شعار “وطن بلا شعب لشعب بلا وطن”، واستحضرت “الوعد الإلهي لليهود بأرض الموعد”، رغم عدم إيمانهم بالله، حيث إن استحضارهم لهذه الفكرة الدينية كانت فقط لأجل إيجاد مسوغ للسيطرة على الأرض من أصحابها.

بعدما كتب صاحب رؤية الدولة اليهودية ثيودور هرتزل كتيبًا يوضح فكرته عن الدولة اليهودية في فلسطين، اجتمع حاخامات فيينا، وأرسلوا اثنين منهم إلى فلسطين للتحقق من مزاعم هرتزل. ليرسل الحاخامان برقية مشهورة يقولان فيها “العروس جميلة، لكنها متزوجة برجل آخر”؛ بمعنى آخر، فلسطين جميلة لكنها تضم شعبًا حيويًا بالفعل يعيش فيها. وفي نهاية هذه الركيزة يقول محلل إسرائيلي “الجندي الإسرائيلي يدافع عن تفوقه وأنه متميز لكن المقاوم يدافع عن أرضه وجذوره ووطنه وعقيدته”.

الركيزة الثانية: محاولة خلق هوية جامعة للقوميات المختلفة التي هاجرت إلى إسرائيل وذلك بعد فشل سياسة بوتقة الصهر من خلال استحضار اللاسامية والعرب الأعداء والحروب وغيرها.

رأى البروفيسور الإسرائيلي إيلان بابيه، “أن ثمة مؤشرات على نهاية المشروع الصهيوني، إن بداية نهاية هذا المشروع هي مرحلة طويلة وخطيرة، وأشار إلى الحرب اليهودية الأهلية التي شهدناها قبل 7 أكتوبر الماضي، بين المعسكر العلماني والمعسكر المتدين في المجتمع اليهودي في إسرائيل. وقال إن المجتمع العلماني، ومعظمه يهودي أوروبي، يسعى إلى حياة ليبرالية مفتوحة، في حين أنه على استعداد لمواصلة قمع الفلسطينيين، وإن كان على استعداد للتخلي عن أجزاء من الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع، أما التيار المقابل فيتمثل في دولة يهودا، ونشأ في المستوطنات المقامة في الضفة، ويطمح إلى تحويل إسرائيل إلى دولة دينية يهودية عنصرية، لافتاً إلى أن هذين المعسكرين سيشهدان حروبا في المستقبل.

أما الصدع الآخر الذي لا يقل أهمية عن الصدع الديني العلماني يتمثل بالانقسام الإثني بين المستوطنين والمهاجرين في مجتمع الدولة، وتعود أسباب هذه الانقسامات والتوترات إلى تعدد الأصول الإثنية والثقافية والعربية لهؤلاء المهاجرين، فضلاً عن توافدهم في فترات مختلفة طوال أكثر من قرن، وهو ما ولدّ مجموعات هجينة غير متجانسة، وأبرز هذه الصراعات بين اليهود الأشكناز الغربيين وبين اليهود الشرقيين في ظل الهيمنة الأشكنازية على الدولة، ومحاولة محو وطمس الثقافات، وتهميش بقية الفئات والجماعات الإثنية.

لقد أدت هذه الهيمنة إلى تنامي الوعي الإثني لدى اليهود الشرقيين وإحساسهم بالإجحاف والتمييز، وهو ما أسفر عن ظهور حركات احتجاجية في صفوفهم ضد هيمنة الأشكناز طوال العقود الماضية، أثمرت في النهاية عن تبلور أحزاب وحركات سياسية أبرزها حركة شاس كوجه آخر من هذه التصدعات الهوياتية جمع ما بين الهوية الدينية الأرثوذكسية وبين الهوية الطائفية الشرقية. كما وأدى هذا الصراع إلى تنصيب حاخام للشرقيين وحاخام آخر للأشكناز الغربيين. ولم تقتصر هذه التصدعات الإثنية على اليهود الشرقيين والغربيين، بل تعدتها لتشمل كافة الجماعات اليهودية: الروسية والأثيوبية والآسيوية، وأمريكا اللاتينية.

وثمة صدوع وانقسامات أخرى في الدولة العبرية تأخذ شكل هويات متعددة، وإن كانت ذات طبيعة طبقية وأيديولوجية وسياسية وهويات أخرى ارتباطًا بتحولات عالمية وتأثيرها على المجتمعات كافة، وخاصة المجتمع الاستيطاني. فعلى الصعيد الطبقي على سبيل المثال بلغت حدة معدلات الفقر مستويات قياسية في إسرائيل حيث وصلت نسبة الفقر عام 2016 إلى 22% ويبلغ عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خطر الفقر قرابة 1.7مليون شخص، وهو ما يولد مجموعة من الأزمات، حيث يتركز الفقر لدى المجموعات الشرقية من المتدينين والعرب. إن هذه التصدعات المتنوعة بشأنها أن تتنامى وتعكس نفسها على مجمل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتؤدي في النهاية إلى أزمات قد تصل إلى حد التعبير عنها بوسائل عنفية بعد فشل سياسة بوتقة الصهر، والفشل في تصنيع الهوية اليهودية الصهيونية الديمقراطية. والركيزة الثالثة: قائمة على الدعم الدولي لها ابتداء من وعد بلفور مرورًا بوعد ترامب وانتهاء بوعد حماية إسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها وذلك من خلال الدعم المطلق لإسرائيل على جميع الصعد والمستويات، والقتال العلني معها بعد السابع من أكتوبر وهذا جله واضح من خلال تصريحات قادة ورؤساء الدول الغربية وفي مقدمتهم جو بايدن، من أجل تثبيت أركان دولة إسرائيل في فلسطين، وتقوم هذه الركيزة على مبدأ الانحياز والتبني الدولي من قبل بريطانيا قديمًا والولايات المتحدة حديثًا، وذلك من خلال تبني إسرائيل من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة المتساوقة مع إسرائيل والتي قامت بتنفيذ ما عجزت عنه الحركة الصهيونية من خلال صفقة القرن التي تم الإعلان عنها رسميًا من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب وبحضور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 29كانون الثاني/يناير2020. يرى بابيه، عدم قدرة الجيش على حماية المجتمع اليهودي في الجنوب والشمال. وهناك 120 ألف نازح من الشمال، كلهم من اليهود في الجليل.

والركيزة الرابعة: اتفاق السلام المسمى اتفاق أوسلو سنة 1993 الذي تم توقيعه ما بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حيث اعترفت المنظمة بحق إسرائيل في الوجود مقابل موافقة إسرائيل على إقامة السلطة الفلسطينية “سلطة الحكم الذاتي” على أجزاء صغيرة في مناطق الـ1967، حيث حققت إسرائيل من خلال هذه الاتفاقية العديد من الأهداف، كما تخلصت من أعباء الخدمات والمسؤولية المدنية والمالية والإدارية لستة ملايين فلسطيني، واستفادت من السلطة الفلسطينية من خلال التنسيق الأمني معها بدون أي مقابل، واستطاعت الحد من الانتقاد الدولي لها بعد إعطاء الشعب الفلسطيني حكمًا ذاتيًا، والذي ساعدها على التطبيع مع الدول الخليجية والعربية.

وتعتبر هذه الركيزة من أهم الركائز لدى دولة الاحتلال التي لم تقدم شيئًا، وفي المقابل حصلت على ما تريد، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتل شعبًا وأرضًا بالمجان فهي تجني المليارات من جباية الضرائب التي جاءت نتيجة توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية سنة 1994.

وعلاوة على ذلك فإن المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم، يعتبر اتفاق أوسلو خطوة متواضعة جدا في الاتجاه الصحيح، ولكن الاتفاق انهار بسبب أن إسرائيل تراجعت عن موقفها من الاتفاقية، بسبب مقتل إسحاق رابين، وعودة حزب الليكود اليميني بقيادة نتنياهو إلى السلطة في سنة 1996، أما السبب الآخر فهي المستوطنات، هذه الأخيرة تمثل تجسيدا للاستيلاء على الأرض المملوكة للفلسطينيين وسرقتها.

فكل الركائز سابقة الذكر وغيرها من الركائز التي اعتمدت عليها إسرائيل لتثبيت أركانها على أرض فلسطين تؤكد صحة الفرضية بأنها دولة لا تعتمد على نفسها، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الركيزة الثالثة القائمة على الدعم الغربي هي الركيزة الوحيدة التي تستند لها إسرائيل بعد انهيار منظومتها الأمنية والدفاعية والمعنوية والاستعلائية التي حطمتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، حيث أسقطت مقولة الجيش الذي لا يقهر والدولة الديمقراطية التي تلطخت أياديها في دماء الأطفال والنساء وقتلت أكثر من أربعين ألف مواطن غزاوي، ومارست أبشع أساليب الإرهاب بحق الأسرى في السجون الإسرائيلية، ودمرت المستشفيات وحرقتها وكل ذلك من خلال الدعم الأمريكي الوقح.

لولا الدعم الغربي اللامحدود لكانت إسرائيل انهارت وتفككت بعد تدخل جبهات المساندة للمقاومة الفلسطينية وصمود المقاومة المستمر منذ تسعة أشهر تقريبا، حيث أصبحت إسرائيل التي كان يراد منها حماية المصالح الأمريكية وبعض الدول في منطقة الشرق الأوسط بحاجة للبوارج وحاملة الطائرات أيزنهاور الأمريكية وغيرها لحمايتها. ولا مناص من القول بأن إسرائيل تعيش أسوأ مرحلة منذ قيامها في فلسطين المحتلة، ولقد أصبحت إسرائيل على جميع الصعد والمستويات بحاجة إلى من يساندها ويقاتل معها ويحميها وكل ذلك يصب في الخطر المتزايد على مستقبلها.

ولابد من الإشارة إلى قول رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق جيورا آيلاند، “بأن الوضع في إسرائيل يشبه وضع الضفدع الذي يوضع في ماء فاتر، ثم ترتفع درجة الحرارة كل ساعة درجة واحدة، يستمر الضفدع في الاستمتاع بوقته في الماء، دون أن يدرك أنه كان يُشوى ببطء”. وعلى نفس المنوال يقول توماس فريدمان، “إذا لم تتم الصفقة واندلعت حرب مع لبنان قد نعود إلى العام 1947 في الصراع القائم”.

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى