الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

الوحدة 8200 الإسرائيلية وتأثيرها على المنطقة العربية

إعداد الباحثة : هبة المُعز – كلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة، مصر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

تعد الوحدة 8200 الإسرائيلية الذراع الأساسي لتقنيات التجسس في الجيش الإسرائيلي، وهي وحدة استخباراتية معروفة بفعاليتها الكبيرة في مجال جمع المعلومات والاستخبارات الإلكترونية، ولا تقتصر عملها على الداخل الإسرائيلي أو الإقليم فقط بل تمتد عملها إلى مختلف دول العالم، لتغذية المؤسسات الأمنية في إسرائيل بالمعلومات والتفاصيل من خلال الاختراقات الأمنية التي تعملها، وتتبع الوحدة  لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي”أمان”، وتعتبر واحدة من الوحدات الاستخباراتية الأكثر تقدماً في العالم، حيث يعمل فيها خبراء في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتحليل الاستخباراتي، وتعتبر الوحدة أيضاً مركزاً للابتكار التقني، حيث تسهم في تطوير التقنيات العسكرية المتقدمة والأمن السيبراني مما يعزز قدرات إسرائيل في مجال الدفاع والأمن الإلكتروني.

ونظراً لأهمية الوحدة في إسرائيل فإن السرية تحيط بها بشكل كبير، وصل إلى عدم الإعلان عن هوية العاملين بها حتى قائدها، وتمتلك الوحدة القدرة على التأثير في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدي الدول العربية عبر العاملين فيها، وأيضا عبر الحراك والحوار وجمع المعلومات، ويتلخص عمل الأفراد داخل هذه الوحدة في المراقبة والتصنت والتشويش والتصوير، عبر اختراق شبكات التواصل الاجتماعي بالعالم العربي والسيطرة عليها، بهدف رصد الأخبار والتصريحات وتشخيص أنماط العداء لإسرائيل، وتعمل هذه الوحدة بسرية تامة لحماية هوية أعضائها، وأدت دوراً أساسياً في مختلف حروب المنطقة، حيث تشمل مجالات عملها تحليل المعلومات والاستخبارات السيبرانية، واختراق الهواتف والتعاون مع جهات أخرى في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك التأثير على المنطقة العربية من خلال أنشطتها.

وتناقش الورقة البحثية نشأة وتكوين الوحدة 8200، دور الوحدة وأهم الأنشطة التي تقوم بها، ومدى تأثيرها على المنطقة العربية.

المحور الأول: نشأة وتكوين الوحدة 8200 الإسرائيلية

الوحدة 8200 هي وحدة نخبة تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أمان “Aman”، وهي ركن أساسي للمخابرات العسكرية الإسرائيلية وتسعى لانتاج أفضل المواهب التكنولوجية على مستوى العالم، وهي المسؤولة عن جمع المعلومات الاستخبارية المشفرة “SIGINT” أي من الإشارات الإلكترونية وأنظمة الاتصالات الأخرى التي تستخدمها الأهداف الأجنبية والمحلية، من خلال الرصد، والتصنت، والتصوير، والتشويش، ثم يتم تحليل هذه البيانات لتقييم التهديدات المحتملة للأمن القومي الإسرائيلي(1).

وتعود أولى خطوات عمل الوحدة 8200 إلى ثلاثينيات القرن العشرين خلال فترة الانتداب البريطاني، إذ وجدت آنذاك عدة كيانات تسعى لجمع المعلومات وفك التشفير، وحاولت مجموعات شبابية كثيرة الاهتمام بالأمر، وفي هذه الظروف نشأت هذه الوحدة وعرفت حينها في وسائل الإعلام باسم” وحدة التحصيل المركزية”، وفي نهاية عام 1948 اندمجت هذه المجموعات وأسست الوحدة 8200 وانتقلت إلى يافا، وتكونت فيها فرق استماع استراتيجية ووحدات متنقلة وبدأت عملياتها بإشراف كل من مردخاي ألموغ وأبراهام إيلوني، وخلال حرب النكبة انتقلت الوحدة إلى منشأة أكبر إثر زيادة عدد أفرادها للتغلب على التحديات التي تفرضها تقنيات التشفير الجديدة، ثم انتقلت الوحدة عام 1953 إلى معسكر جليلوت وتغير اسمها إلى الوحدة 515 وأنشأ فيها قسم “مرام” المختص بالأنظمة الحاسوبية(2).

وتعد قاعدة أوريم العسكرية “يركون” من أهم المنشآت للتجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية لدي الاحتلال الإسرائيلي، وهي مقر عمل الوحدة 8200 التي تحد أبرز وحدات المخابرات العسكرية الإسرائيلية والمعروفة  باسم أمان وموقعها في مدينة هرتسيليا شمال تل أبيب(3)، وهي أيضاً تابعة لفيلق المخابرات الإسرائيلية ومسؤولة عن جمع الإشارات وفك الشفرات، وتظهر أيضاً في منشورات عسكرية مثل وحدة المجموعة المركزية لفيلق المخابرات، وفي بعض الأحيان يشار إليها باسم وحدة الإشارة الوطنية الإسرائيلية “ISNU”، وتخضع أيضاً لشبكة أمان كما سبق ذكرها، وتتكون الوحدة أساساً من أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عاماً نتيجة لصغر سن الجنود في الوحدة، وقصر مدة خدمتهم تعتمد الوحدة على اختيار المجندين ذوي القدرة على التكيف السريع وسرعة التعلم، كما تعمل برامج ما بعد المدرسة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً، والتي تقوم يتعليم مهارات برمجة الحاسوب والقرصنة، كبرامج مغذية للوحدة، وجنود سابقون في الوحدة 8200 بعد اكمال خدمتهم العسكرية(4).

وتضم الوحدة مسارين للتخصص، الأول تحت اسم”أوفيك” ويسلكه المرشحون ذو القدرات العالية والبيانات المناسبة، ويتلقى من يريد أن يسلك هذا التخصص تدريبات قبل بدء الخدمة العسكرية، فضلاً عن تعلم اللغتين العربية والفارسية، اللتين تظهر الوحدة اهتماماً خاصةً بهما من بين اللغات، كما أنه ليس هناك شرط المعرفة المسبقة بهذه اللغات، حيث تشمل التدريبات لغات ربما لم يعرفها المرشح من قبل، أما المسار الثاني فهو مسار “ماتان” ويتعامل هذا المسار مع البحث وتطوير المصادر وسيكون المرشحون المناسبون مؤهلين لشغل منصب يجمع بين العمل التكنولوجي والعمل الاستخباري، وبدأ الكثير من كبار المسؤولين والمديرين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا في تل أبيب حياتهم المهنية في وحدة 8200، التي تعرف بأنها وكالة الاستخبارات التقنية الأولى في العالم(5).

المحور الثاني: دور الوحدة 8200 وأهم الأنشطة التي تقوم بها

أثارت الوحدة الكثير من التعليقات بسبب دورها المكلف به في الحرب الإلكترونية بسبب ما تملكه من قدرات فائقة في مجال التكنولوجيا وتجديد يواكب التطور، وتعلق هذا الأمر بتجنيد العاملين في الوحدة لشباب صغيري السن لتتجاوز المهمة من مجرد رصد إلكتروني تقليدي إلى عملية تجنيد واسعة، وتعمل الوحدة 8200 في مجموعة متنوعة من المجالات مثل القرصنة الإلكترونية، والتجسس الإلكتروني، والتحليل الاستخباراتي والأمن السيبراني، ويشارك أفراد الوحدة في مهام متعددة من بينها جمع المعلومات حول الأعداء المحتملين، ومراقبة الاتصالات، ودعم العمليات العسكرية والأمنية لإسرائيل.

أن التقدم الهائل الذي حققته إسرائيل في مجال صناعة التقنيات المتقدمة قد وظف بشكل كبير في تطوير وتوسيع عمليات التنصت التي تقوم بها الوحدة، مشيراً إلى وجود دور بارز لشركات القطاع الخاص في دعم الوحدة باختراعات تعزز من قدرات التنصت، وأشار رايبوبورت إلى أن الحواسيب المتطورة التابعة للوحدة قادرة على رصد الرسائل ذات القيمة الاستخباراتية من خلال معالجة ملايين الاتصالات، ومن أهم مهامها هو التنصت والرصد، حيث يعتبر التنصت على أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية من المهام الأساسية للوحدة 8200، فالهواتف الأرضية والنقالة وأجهزة اللاسلكي يتم التنصت عليها بشكل دائم، والذي يساعد الوحدة على أداء مهمتها بشكل تام، وهو حقيقة أن السلطة الفلسطينية هي التي أقامت شبكة الاتصالات في الضفة الغربية وقطاع غزة وهي لا تحتاج إلى  عمليات التقاط للمكالمات، بل أن المقاسم الرئيسية لشبكة الاتصالات الفلسطينية مرتبطة بشكل تلقائي بشبكة الاتصال الصهيونية “بيزيك”.

بينما كشف مخزن الأرشيف الرسمي الإسرائيلي  مؤخراً عن وثائق جديدة تناولت مسؤولية الوحدة عما بات يعرف بالوسائل الخاصة، والتي تتضمن زرع أجهزة التنصت بالإضافة إلى ذلك تعمل الوحدة 8200 بشكل وثيق مع وحدة “سييرت متكال” أو” سرية الأركان” والتي تعتبر أكثر وحدات الجيش الإسرائيلي نخبوية وينتمي لها أشهر العسكريين الإسرائيليين وتتبع مباشرة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وبالإضافة إلى تخصصها في تنفيذ عمليات الاغتيال، فإن سييرت متكال تلعب دوراً مركزياً في جمع المعلومات الاستخبارية عبر زرع أجهزة تنصت في مكاتب ومرافق حيوية في عمق البلدان العربية(6).

وتعتمد الوحدة في عملها على عدد من الوظائف الهامة، سنوضحها على النحو الآتي:

  • جمع المعلومات الاستراتيجية، تعمل على جمع المعلومات الحساسة والاستراتيجية من مصادر مختلفة، بما في ذلك الاستخبارات الإلكترونية والتجسس الإشاراتي.
  • التجسس الإلكتروني والأمن السيبراني، تعمل على مراقبة وحماية البنية التحتية الرقمية لإسرائيل، ومكافحة التهديدات السيبرانية.
  • التحليل الاستخباراتي، تقوم بتحليل البيانات والمعلومات المجمعة لتوفير تقارير دقيقة ومفيدة للقيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
  • البحث والتطوير التكنولوجي، تساهم في تطوير التكنولوجيا والأساليب الاستخباراتية المتقدمة لتعزيز قدرات إسرائيل الدفاعية.

المحور الثالث: مدى تأثير الوحدة 8200 على المنطقة العربية.

وكانت تقديرات الجيش الإسرائيلي تجاه اندلاع حرب مع إسرائيل قبل ثورات الربيع العربي قليلة للغاية، وتعزز ذلك التقدير لأسباب غير مخطط لها بعد اندلاع تلك الثورات، وحول ذلك اهتمامات الوحدة تجاه المنطقة حيث ركزت على مواقع التواصل الاجتماعي التي يرتادها الشباب العربي والتي كان على رأسها  موقعي تويتر وفيس بوك، إلا أن الواقع الجديد في المنطقة تطلب تحركاً أكثر من الاستخبارات الإسرائيلية وتحديداً من الوحدة 8200 عندما تعلق الأمر بوسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت تراقب ساحة الإنترنت بشكل أكبر ومختلف، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى زيادة الاستثمار في الاستخبارات الإعلامية الجديدة، ويقول  أحد القادة السابقين لوحدة”حتساف” التابعة للوحدة 8200 إنه منذ ذلك الحين تكثف الاستخدام بشكل كبير، ولم يعد من الممكن الانخراط فقط في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة، أو النظر فقط إلى ما يفعله القادة فعالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فرصة جديدة لا نهاية لها في جمع المعلومات، فهذا جزء لا يتجزأ من صورة الاستخبارات(7).

وقد يشمل تأثير الوحدة 8200 على المنطقة العربية عدة جوانب سنطرحها على النحو الآتى:

  • التأثير السياسي والاستخباراتي: تقوم الوحدة على جمع البيانات والمعلومات الاستخباراتية عن المنطقة ودراستها جيداً، ثم وضع تقارير وتحليلات، تؤثر في صياغة السياسات الإسرائيلية تجاه الدول العربية، وتقديم توصيات استراتيجية تجاهم، وتستطيع التأثير من خلالها في السياسات الإقليمية للدول.
  • الأمن السيبراني: تتخصص الوحدة 8200 في مجال الأمن السيبراني والاستخبارات الإلكترونية، مما يعني أنها قد تشارك في مراقبة وتحليل الأنظمة الإلكترونية في الدول العربية من خلال عمليات التجسس الإلكتروني وحماية الشبكات.
  • التأثير الاقتصادي: التوترات الأمنية التي قد تنشأ بسبب نشاطات الوحدة 8200 قد تؤثر على الاستقرار الاقتصادي للدول العربية، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات والتجارة الألكترونية، والنشاطات الأمنية والاستخباراتية قد تساعد على تقليص الاستثمارات وتعمل على زيادة حدة التوترات لسياسية.
  • الردود العسكرية والأمنية: قد تدفع أنشطة الوحدة بعض الدول العربية من اتخاذ تدابير أمنية إضافية أو إعادة التقييم لسياساتها الدفاعية.
  • التأثير الثقافي: تؤثر على القيم والثقافة العربية من خلال السوشيال ميديا والصفحات المنتشرة عليها مثل صفحة إسرائيل بالعربية.

ختاماً:

الوحدة 8200 هي وحدة للجيش الإسرائيلي تعمل في مجالات الاستخبارات والأمن الإلكتروني، تمتاز بالسرية وهي جزء من جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”، تتخصص الوحدة في جمع المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية ومعالجتها من أجل التجسس والأمن السيبراني، والتنصت والمراقبة والتشويش، وتستطيع من خلالها التأثير في شتى المجالات المختلفة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، وتهدف إلى حماية الأمن القومي الإسرائيلي.

المراجع:

  1. فاطمة حسان عيتاني،”الوحدة الإسرائيلية 8200 ودورها في خدمة التكنولوجيا التجسسية الإسرائيلية“، ( لبنان- بيروت، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2019م)، ص15.
  2. الوحدة 8200.. فرقة استخبارات إلكترونية إسرائيلية فشلت في توقع طوفان الأقصى، تاريخ النشر 10 أبريل 2024م، تاريخ الدخول 7يوليو 2024م، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://2u.pw/yYRbLwKV
  3. قاعدة أوريم العسكرية.. مركز التجسس الإسرائيلي على العالم، تاريخ النشر 5 نوفمير 2023م، تاريخ الدخول 7 يوليو 2024م، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://2u.pw/2z3netnq
  4. الوحدة 8200، تاريخ الدخول 7 يوليو 2024م، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://2u.pw/nZ98S13D
  5. يوسف حمود،“ما هي الوحدة 8200 الإسرائيلية التي تزرع الفتن بين العرب؟”، الخليج أونلاين، تاريخ النشر 13 فبراير 2024م، تاريخ الدخول 7 يوليو 2024م، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://2u.pw/XtAzkBvr
  6. حسين البدوي،” الوحدة 8200 سلاح الموساد السري لتفتيت وحدة العرب“، تاريخ النشر 27 مايو 2021م، تاريخ الدخول 8 يوليو 2024م، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط

https://www.alriyadh.com/1887539

  1. محمد الليثي،” الوحدة 8200: تعرف على ذراع الاستخبارات الإسرائيلية للاختراق عن بعد“، تاريخ النشر 16 مارس 2021م، تاريخ الدخول 8 يوليو 2024م، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://2u.pw/74Pl6LEU
4.2/5 - (5 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى