الشرق الأوسطعاجل

أشكالية الأعتداء الجنسي والأتجار في الأعضاء البشرية للأطفال في مصر وأساليب مواجهتها

 بقلم : دكتور أيمن رمضان الزيني – المركز الديمقراطي العربي

 

 

تزايدت في الآونة الأخيرة حالات الاعتداء الجنسيعلى أطفال في المدارس في مصر ،  وأن كانت لم تتخطي بعد نطاق الحوادث الفردية لتصل لمرحلة الظاهرة .

وتتضارب الأرقام بشكل كبير حول أعداد الأطفال الذين يتعرضون للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي في مصر، خاصة أن عددا كبيرا من الحالات لا تُبلغ السلطات بشأنها، ويصل هذا العدد في بعض التقديرات إلى 75 % من تلك الحالات بحسب بعض المؤسسات الرسمية.

والحقيقة أن لهذا النمط من الجرائم أسباب متعددة ومتشابكة ،أخصها أنعدام الوازع الديني والأخلاقي لدي مقترفي هذه لجرائم ، وكذا تزايد حالاتالأضطراب النفسي والوجداني كأثر للأضطرابات التي تلت ثورة 25 يناير ، وكذا أرتفاع الأسعار والزيادة الرهيبة في معدلات التضخم وتدني فرص العمل وانتشار البطالة.

يضاف إليماسبق ،عدم اهتمام وزارة التربية والتعليم بتطبيق الإجراءات الخاصة بحماية الطفل التى وردت فى قانون الطفل المصرى رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008.

يضاف إلي ذلك– أيضاً – ضعف العقوبات المقررة علي مقترفي هذه الجرائم ، فالمشرع المصري جرم هذه السلوكيات ضمن الباب الرابع من قانون العقوبات ، والمعنون ب” هتك العرض وإفسادالأخلاق ” في المواد من 267 وحتي 279 ، فجرم الأغتصاب في المادة 267 ، وحدد صور الركن المادي لجريمة الأغتصاب في مواقعة أنثي بغير رضاها وفرض عقوبة الاشغال الشاقة المؤقتةعلي مقترف هذا السلوك ، وبالتالي فلايجوز اطلاق وصف الأغتصاب الا في حالة الايلاج الجنسي الكامل بين رجل وسيده بغير رضاها  ، فاذا كان الفاعل منأصول المجنى عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادما بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم ، فيعاقب مقترف الجرم في هذه الحالة بالأشغال الشاقة المؤبدة .

علي حين أن المشرع المصري جرم هتك عرضفي المادة 268 ،وحدد صور الركن المادي في جريمة هتك العرض ، حيث نص علي أنكل من هتك عرض أنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنين إلى سبعسنوات، فاذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة او كان مرتكبها ممن نص عنهم في الفقرة الثانية من المادة 267 يجوز إبلاغ مدة العقوبة إلى اقصى الحد المقرر للأشغالالشاقة المؤقتة ،  وفي حال أجتماع هذان الشرطان يعاقب مقترف الجرمبالأشغال الشاقة المؤبدة .

كما نص المشرع في المادة 269  ، علي أنكل من هتك عرض صبى أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثمانى عشرة سنة كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالحبس ، واذا كان سن المجني عليه لم يبلغ سبع سنين كاملة أو كان من وقعت من الجريمة ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 ، فيعاقب مقترف الجرمبالأشغال الشاقة المؤقتة ، وبالتالي فأن جريمة هتك العرض يتطلب أكتمال أركانها حدوثها بغير رضاء الضحية .

ولاشك في أنتكرار تلك الحوادث يرجع فى المقام الأول لضعف العقوبات المقررة في هذه الجرائم، إلى جانب التفرقة الشاذة والغير مبررة فى العقوبة بحسب نوع الضحية، سواء أكانت طفلة أم طفلا ،حيث يتم توصيف الاعتداء الجنسى على الطفل على أنه هتك عرض ، والذي تصل عقوبته إلىالأشغال الشاقة من ثلاث إلى سبع سنوات فقط، على حين أن القانون يعاقب على نفس الفعل بعقوبة تصل إلى 15 عاما، وقد تصل إلى الإعدام فى حالة اقتران الاعتداء الجنسىبالخطف.

ولاشك في أن التفرقة فى العقوبة لا تستند على أساس صحيح، حيث أن الأعراض والنتائج السلبية التى يتأثر بها الطفل واحدة سواء كان ذكرا أو أنثى، بل ويمكن اعتبار أنهافى حالة الطفل الذكر تكون أشد خطورة، حيث ينتج عن ذلكطفل يعاني من خلل نفسى نتيجة الاعتداء عليه فى صغره،
وهو ما قد يؤدي به للسعى إلى تكرار مثل تلك الأفعالفى أطفال آخرين.

أما تجارة الأعضاء البشرية للأطفال فصارت – للأسف – نشاطاً اقتصادياً مزدهرا في مصر خلال السنوات الأخيرة.

ولعل ازدياد الفقر والعوز الناتج عن التدهور الأقتصادي والانفلات الأمني الذي مرت به مصر في السنوات التالية لثورة 2011 وفترة نظام حكم الأخوان ،قد ساهم بشكل كبير في تكوين تشكيلات عصابية تخصصت في خطف الأطفال وقتلهم للأتجار في أعضائهم .

وهناك صور متعددة للأتجار في أعضاء الأطفال ، لعل أخصها تزويج الفتيات الفقيرات صغيرات السن من أثرياء عرب، وبعد إتمام الزواج والسفر إلى الخليج، يتم إجبار الفتاة على التبرع بأحد أعضائها كالكلي أو فص من الكبد ، ثم يتم تطليقها وإعادتها إلى مصر .

وفي حالات أخرى، يتم انتزاع الأعضاء من الأطفال بالإكراه أو عن طريق الخطف والقتل،  وخاصة بالنسبة للضحايا من المتسولين والمشردين والباعة الجائلين وأطفال الشوارع ، حيث تعتمد تلك التشكيلات العصابية في ممارستها لنشاطها ، علي أصطياد ضحاياها من أطفال الشوارع الفقراء بمساعدة بعض المستشفيات والمعامل الخاصة ، بعيداً عن رقابة وزارة الصحة والأجهزة الأمنية .

ولعل الخلل التشريعي في القوانين المنظمة للتبرع بالأعضاء البشرية ، وكذا القوانين المجرمة لهذه السلوكيات المجرمة لهذه الظاهرة ، قد ساهم بشكل كبير في تنامي هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة.

وأنتهت دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية خلال عام 2010 ،تحت عنوان “صور الاتجار بالبشر في المجتمع المصري ” ، إلي أن الاتجار بأطفال الشوارعيعدالصورة الثالثة من بين خمس صور للأتجار بالبشر في مصر.
وقد طبق البحث الميداني علي 400 طفل في محافظتي القاهرة والجيزة  ،بهدف تحديد نسبة المجني عليهم في جرائم الأتجار بالبشر ، وأنتهي البحث الي أن مايقرب من ثلث الأطفال من من عينة الدراسة ، كانوا ضحايا للعديد من السلوكيات المجرمة مثل التسول وجرائم المخدرات والأستغلال الجنسي في الدعارة والأتجار في الأعضاء البشرية لهم .
ووفقاً لنص المادة 283 من قانون العقوبات المصري ، فأن كل من قام بخطف أطفال حديثي الولادة أو أقل من 18 عاما بالتحايل أو الإكراه يعاقب بالسجن المشدد، إلاأن المادة سالفة الذكر قد فرقت في العقوبة بحسب سن المجني عليه ، فاذا كان سن المجني عليه سنة 12 عامًا فأقل فيعاقب الجاني بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن 5 سنوات ، أما إذا كان سن المجني عليه بين 12 و 18 عام فيعاقب الجاني بالسجن غير المشدد ، أما إذا كان المجني عليه أنثيفتصير العقوبة السجن المشدد الذي لا تقل مدته عن 10 سنوات ، أما إذا اقترنت جريمة الخطف بجريمة هتك العرض فتكون العقوبة الإعدام أو السجن المشدد .

والحقيقة أن هذه العقوبات هزلية مقارنة بجسامة الجرم ، لذا فالقضاء علي هذه الظاهرة ، يستلزم تشديد العقوبات علي جرائم الخطف بصفة عامة وخطف الأطفال بصفة خاصة ،وكذا تشديد العقوبات علي الاتجار غير المشروع في الأعضاء البشرية .

كما تقتضي مواجهة هذه الظاهرة تطوير الفكر والأداء الأمني في التعاطي والتعامل معها،
وذلك بتكثيف التواجد الشرطي في الشارع المصري ، وبصفة خاصة في المناطق الشعبية والنائية، وتكثيف الجهود الأمنية للوصول لفك شفرات الألاف من ملفات قضايا الخطف التي تكتظ بها أدراج ضباط مباحث أقسام ومراكز الشرطة وإدارات البحث في مديريات الأمنوالمقيدة ضد مجهول.

فظاهرة أختطاف الأطفال ليست وليدة اليوم ولكنها تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011م ، كنتيجةلأنشغال الأمن بمحاربة الإرهاب ، مما أعطي فرصة للعديد من التشكيلات العصابية التي تتخذ من خطف الأطفال والاتجار بأعضائهم نشاطاً رائجاً لها للتوسع في نشاطها، وهي الأشكاليةصارت تشكل تهديداً صارخاً للمجتمع بأثره ، الأمر التي يقتضي تطويراً وفعالية في الفكر والأداء الأمني ، ومحاسبة للمقصرين عن فك شفرات الاف قضايا خطف الأطفال المقيدة ضد مجهول.

أيمن رمضان الزيني
أيمن رمضان الزيني
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى