دبلوماسية الشعوب في عصر جديد
بقلم : فاطمة لمحرحر – باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية المعاصرة – كلية الحقوق فاس
تعرضت الدبلوماسية التقليدية لتحديات جديدة، أهمها ظهور فاعلين جدد في تشكيل العلاقات بين الشعوب والدول. فالدبلوماسية التقليدية يمارسها دبلوماسيون محترفون ومؤهلون ومهتمون، وتقوم على السرية، وتركز على العلاقات الثنائية بين الدول. حيث تلعب الدبلوماسية دورا بالغ الأهمية في إدارة العلاقات الدولية، وتعميق التعاون فيما بين الدول الشعوب وفي تعزيز وترسيخ مفاهيم الحضارة والمدنية والعدل والمحبة. والاحترام المتبادل، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول، ونبذ كل أشكال التفرقة بين الأمم على أساس اللون أو العرق أو الدين أو اللغة. وهنا لبد من إضافة كلمة أو (الفكر) بمعنى الإيديولوجية الفكرية لمجتمع ما رغم عدم ظهور هذه الكلمة في المواثيق الدولية وإن كانت متضمنة في مبدأي الاحترام المتبادل وعدم التدخل، إلا أن هذا الإغفال وعدم الذكر الجلي لها ترك الباب مفتوحا لصراعات وتجاذبات بين قطبي الشمال والجنوب، والشرق و الغرب، فكانت الحرب الباردة نوعا من الصراع بين فكرتين متناقضتين في التوجه والهدف والأدوات، برزت بينها فكر ثالث وهو ( عدم الانحياز) بمعنى استقلالية القرار السياسي الوطني لسيادة الدول، إذ عمل أعضاؤها على المحافظة على استقلال وصون المصالح الوطنية لدولها ومحاربة الاستعمار. لم تكن الدبلوماسية أمرا سهلا في ظل واقع كهذا، واقع الصراع على المصالح وأي منهما يحقق مكاسب أكثر. وهناك دبلوماسية ما قبل الحرب والغزو، إذ ينشط الدبلوماسيون لتجنب الكارثة، صحيح لتحقيق مصالح بلادهم، لكن يحركهم أيضا ضمير إنساني، ولهذا عليهم مسؤولية أخلاقية ومهنية وإنسانية وحضارية تمنع نشوب الحروب لتجنب الكارثة.
لكن في أواخر الثمانينات تزايد دور الشعوب في الضغط على الحكومات في قضايا ذات طابع عالمي. لم تعد الدبلوماسية التقليدية قادرة على التعامل معها، وفتح المجال لشكل جديد من الدبلوماسية هو الدبلوماسية العالمية Global diplomacy. يطبق “Benedick “ذلك على اتفاقية مونتريال التي تم توقيعا في 16 سبتمبر 1987، حيث أن هذا التاريخ يشكل بداية لعصر جديد يحتاج إلى دبلوماسية جديدة أطلق عليها مفهوم دبلوماسية الأوزون Ozone diplomacy، حيث تم توقيع برتوكول مونتريال للمحافظة على طبقة الأوزون، والتقليل من استخدام العناصر الكيمائية التي تؤدي إلى تأكلها. كانت الاتفاقية استجابة لنوع جديد من المشاكل التي تهدد العالم. وتعبيرا عن إدراك لحقيقة أن العوامل البيئية تشكل خطرا على كل الشعوب.
شكل ذلك تحديا للدبلوماسية التقليدية، كما أدى إلى أن تصبح قضية السيادة القومية محل شك عندما تشكل القرارات المحلية والأنشطة التي تقوم بها الدولة خطرا على الأرض، فهذه الأنشطة المحلية يمكن أن يكون لها أثارا عالمية. كما ظهر دور مجموعات المواطنين التي تجمعت في المنظمات البيئية التي قامت بدور مهم في التوعية العامة بالإخطار، وشكلت ضغطا على الحكومات وأثر على الرأي العام. وأوضحت هذه الاتفاقية بعض ملامح دبلوماسية القرن 21 أهمها: دور المواطن في الضغط على الحكومات، وارتباط الدبلوماسية بالتأثير على الرأي العام ثم توسيع نطاق الدبلوماسية على المستوى العالمي، وظهور فاعلين جدد.
- على ضوء ذلك، يمكن القول باتساع وتنوع مجال العلاقات الدولية في القرن 21 تنوعت الدبلوماسية وتعددت أشكالها وأغراضها.
- عبد الهادي بوطالب، مسار الدبلوماسية العالمية ودبلوماسية القرن واحد والعشرين، الطبعة الاولى، دار الثقافة، الدار البيضاء، 2004.
- سلمان صالح، استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الدبلوماسية العامة.
- Gilles darier ;les relations internationales de l’apres guerre froide, quel ordre mondiale, 2004.
- دبلوماسية بائع الغاز عصر جديد من الاستعمار،الازمنة، 22 يناير 2012،www.alzminah.com