مقالات

تطبيقات العدالة الانتقالية في العراق

بقلم: محمد كريم جبار الخاقاني –  باحث في الشؤون الدولية

 

يعتبر مفهوم العدالة الانتقالية من المفاهيم الغامضة بنظر الكثير, اذ يعدها البعض تكييفاً للعدالة بالنسبة للمجتمعات التي تعاني من انتهاكات لحقوق الانسان , اذ تهيؤ مجموعة من الوسائل اللازمة لمواجهة تلك الانتهاكات , وذلك بقصد اعداد مستقبل افضل , يكون ديمقراطياً وعادلاً, وبالتالي فأن مفهوم العدالة الانتقالية , يشتمل على كلمتين : وهما العدالة و الانتقالية, فالعدالة تعني بابسط صورها , هي المساواة والاستقامة , اما كلمة الانتقالية , فتعني : تحويل الشيء من مكانه ونقله الى غير موضع , ومن الناحية الاصطلاحية فأن العدالة الانتقالية , من المفاهيم الحديثة والتي حُظيت بأهتمام الباحثين وصناع القرار في العالم , ويرتكز المفهوم بصورة خاصة على ارث المجتمعات والتي تعاني من انتهاكات حقوق الانسان من مثل : الابادة الجماعية والجرئم ضد الانسانية وغيرها من مسببات الحروب الاهلية بين المجتمعات , وبما انه لاسلام من دون عدالة , لذلك تعد العدالة الانتقالية من اكثر الوسائل قدرة على التعامل مع حالات التحول الديمقراطي للدول وانتقالها من نظام الى اخر, ولذلك فأنها كفيلة بتحقيق العدل لمجتمعات ما بعد التحول والتعامل بشكل شفاف مع مسؤولي الانظمة السابقة وبالتالي يًحل العدل في النظام الجديد.

اخذ مفهوم العدالة الانتقالية بالتردد وبشكل كبير في الدول التي استطاعت من الاطاحة بحكامها والتي عانت من دكتاتورية شاملة وتميزت بقمع لشعوبها , وفي الوقت الحالي , نرى بأن تلك الدول والتي نجحت بالتخلص من حكامها المستبدين , وبعد فترة انتهاء الصراعات , نجدها تأخذ بمبادئ العدالة الانتقالية لغرض توثيق الانتهاكات التي ارتكبتها تلك الانظمة القمعية في حق مواطنيها , وسوء استخدام السلطة واعلام المواطنين بحقيقة تلك الانتهاكات الجسيمة وبالتالي محاسبة المسؤولين عنها, والعمل على تطهير مؤسسات الدولة من هؤلاء , مع اعادة بناء تلك المؤسسات واصلاحها لضمان عدم عودة تلك الانتهاكات من جديد , وكذلك يجب انصاف ذوي الضحايا واعادة الاعتبار لهم من خلال تخليد الشهداء , ووضع الخطط والبرامج الهادفة لدمج المواطنين في المجتمع , والنقطة المهمة وهي المصالحة بين ابناء الشعب الواحد , ولذلك فأن العدالة تقتضي ايلاء مسألة المصالحة اهمية كبرى في مجتمعات ما بعد الصراع , وعليه فأن العدالة الانتقالية تستهدف احقاق الحقوق وجبر الضرر وتعويض ضحايا الانظمة السابقة , وعليه فأن العدالة الانتقالية , تُعرف بانها : عملية التصالح والتي يسعى المجتمع الجديد الى تحقيقها من اجل احقاق الحقوق وانصاف ذوي الضحايا  واقامة دولة القانون وذلك من خلال الاعتراف بحسامة وخطورة الانتهاكات التي ارتكبها النظام السابق بحق الضحايا , والعمل على محاسبة المسؤولين عن ارتكاب مثل تلك الجرائم, اذ تكون المسافة الفاصلة بين الجريمة والعقاب هي العدالة والتي تستهدفها العدالة الانتقالية وبالتالي فأن العدالة تقوم على فكرة مفادها رفض الانتقام وعدم الخضوع له , اي وجود طرف ثالث يتدخل لأحقاق الحق لذوي الضحايا , ويكون ذلك الطرف الثالث , ممثلاً بالدولة .

ومن خلال تلك المنطلقات , نرى بأن مفهوم العدالة الانتقالية في العراق , اصبح من المفاهيم التي استأثرت بأهتمام النظام الجديد والذي قام على انقاض الحكم السابق على اثر الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003, اذ برزت بعض الاليات لغرض البدء ببرنامج العدالة الانتقالية في العراق من خلال انشاء مؤسسات واقرار قوانين تتلائم مع طبيعة المرحلة الجديدة للبلد, فتم انشاء وزارة حقوق الانسان واسٌندت لها مهمة توثيق انتهاكات النظام السابق وكذلك وزارة الهجرة والمهجرين والمحكمة الجنائية العليا والهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة والهيئة العليا للمصالحة الوطنية ومؤسسة الشهداء ومؤسسة السجناء وهيئة دعاوي الملكية وقانون المفصولين السياسيين وتعويض المتضررين , اذ كانت تلك المؤسسات والقوانين , سجالاً بين الجهات والقوى السياسية الفاعلة في العراق , اذ تراوحت المواقف بشأن اقرارها ورفضها وحسب مواقف الاحزاب السياسية .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى