عاجل

خطاب المواجهة: هل تخاطر كوريا الشمالية في خطر إشعال حرب واسعة النطاق ؟

-المركز الديمقراطي العربي

ذكر متحدث يوم الأربعاء أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش منزعج من “زيادة خطاب المواجهة” بشأن كوريا الشمالية. وقال المتحدث باسم المنظمة الدولية ستيفان دوجاريك للصحفيين “الأمين العام لا يزال يشعر بقلق شديد إزاء الوضع المستمر وهو منزعج من خطاب المواجهة”.

قالت كوريا الشمالية إنهاتدرس خطة لإطلاق صواريخ من متوسطة إلى بعيدة المدى صوب جزيرة غوام الأمريكية، حيث تنشر واشنطن قاذفات قنابل استراتيجية.

قالت كوريا الشمالية بأن العقوبات الجديدة التي اقترحتها واشنطن ستقود إلى “بحر من النار ” وسيبتلع الولايات المتحدة نفسها.

كوريا الشمالية بلد معزول وفقير ولكنه بلد مجيّش الى حد بعيد. ولقيادة كوريا الشمالية هدف واحد مهم، الا وهو البقاء. وهذا هو السبب الكامن وراء انفاق بيونغيانغ مبالغ طائلة وموارد كبيرة في سبيل تطوير برامجها النووية والصاروخية التي ترى فيها “بوليصة تأمين” لحماية النظام القائم.

ولكن أي استخدام للأسلحة النووية سيكون كارثيا، خصوصا بالنسبة لكوريا الشمالية ذاتها، فالنظام لن يتمكن من الاستمرار عقب الحرب التي ستعقب هذه الاسلحة. ولكن هذا الاحتمال المخيف ليس بالضرورة مصدر القلق الآني، بل ان مصدره امكانية تطور التصعيد اللفظي بين واشنطن وبيونغيانغ وتحوله من الخطابة الى الواقع.

أعقب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذيره لكوريا الشمالية من تهديد الولايات المتحدة يوم الأربعاء بتصريح عن قوة الترسانة النووية الأمريكية وعبر عن أمله في ألا يضطر لاستخدامها.

جاءت رسائل ترامب على تويتر بشأن الترسانة النووية الأمريكية بعد إعلان كوريا الشمالية إنها تدرس خططا لتوجيه ضربة صاروخية لجزيرة جوام الأمريكية بالمحيط الهادي. وكانت التصريحات الكورية ردا على تعليقات لترامب يوم الثلاثاء قال فيها إن تهديد كوريا الشمالية لبلاده سيواجه “بالنار والغضب”.

وكتب على حسابه على تويتر يقول “أول أمر وجهته كرئيس للولايات المتحدة كان تجديد وتحديث ترسانتنا النووية. وهي الآن أقوى بكثير وأكثر قدرة مما كانت عليه في أي وقت مضى”.

وأضاف “آمل ألا نضطر قط لاستخدام هذه القوة لكن لن يأتي وقت لا نكون فيه الدولة الأقوى في العالم”. ودفعت تصريحات “النار والغضب” مسؤولين أمريكيين ومحليين إلى التحذير من الانخراط في حرب كلامية مع بيونجيانج كما أدت إلى اضطراب أسواق المال.

وسعى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون يوم الأربعاء للتخفيف من حدة التحذير حاد اللهجة الذي وجهه ترامب لكوريا الشمالية قائلا إن الرئيس يحاول فقط توجيه رسالة قوية إلى بيونجيانج بلغة يفهمها زعيمها.

وقبل فترة قصيرة من تصريحات ترامب بشأن الترسانة النووية هبط تيلرسون في جوام في زيارة مقررة سلفا بعدما أبلغ الصحفيين أنه لا يعتقد بوجود خطر وشيك من بيونيجانج وأنه “يجب على الأمريكيين أن يهنئوا بنومهم”.

وقالت بيونجيانج إنها “تدرس بتمعن” خطة لضرب جوام التي توجد بها قاعدة عسكرية أمريكية تضم تشكيلا بحريا وقاعدة جوية ومجموعة من خفر السواحل.

وقال متحدث باسم الجيش الشعبي الكوري في بيان نقلته وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية التي تديرها الدولة إن الخطة ستكون قيد التنفيذ في أي وقت فور أن يتخذ الزعيم كيم جونج أون قرارا بهذا الصدد.

وتتهم كوريا الشمالية الولايات المتحدة بافتعال “حرب وقائية”. وقالت في بيان إن أي خطط من هذا القبيل ستواجه “بحرب شاملة تقضي على جميع معاقل الأعداء بما في ذلك الأراضي الأمريكية”.

وكانت واشنطن قد حذرت من أنها جاهزة لاستخدام القوة إذا تطلب الأمر لوقف برامج كوريا الشمالية الصاروخية والنووية لكنها تفضل تحركا دبلوماسيا عالميا يشمل عقوبات. وفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع عقوبات جديدة على كوريا الشمالية يوم السبت.

ووجه ترامب أقوى تحذير حتى الآن لبيونجيانج في تصريحات للصحفيين في نيوجيرزي يوم الثلاثاء. وقال ترامب “من الأفضل لكوريا الشمالية ألا توجه أي تهديدات أخرى للولايات المتحدة. ستُقابل بنار وغضب لم يرهما العالم قط”.

ولم تخف كوريا الشمالية سرا خططها لتطوير صاروخ مزود برأس نووي قادر على ضرب الولايات المتحدة وتجاهلت نداءات دولية لوقف برامجها النووية والصاروخية.

وتقول بيونجيانج إن صواريخها الباليستية العابرة للقارات هي وسيلة شرعية للدفاع في مواجهة ما تعتقد أنه عداء أمريكي. ودأبت منذ وقت طويل على اتهام الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بتصعيد التوتر من خلال إجراء مناورات عسكرية مشتركة.

ويقول “جوناثان ماركوس” مراسل الشؤون الدبلوماسية في “بي بي سي” يتفوق جيش كوريا الشمالية عددا على نظيره الجنوبي، كما أن قوته منتشرة قرب المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بين الكوريتين. وهناك اعتقاد سائد بأن المدفعية والصواريخ الكورية الشمالية بامكانها تسوية العاصمة الجنوبية سول بالأرض في غضون ساعات من اندلاع أي صراع مسلح.

ليس هذا الاعتقاد صحيحا في الحقيقة، فسول تبعد عن المنطقة منزوعة السلاح بمسافة 40 كيلومترا تقريبا، ولا يمكن الا لأثقل قطع المدفعية الشمالية قصفها. وبمجرد اطلاق هذه القطع قذائفها، ستكشف مواقعها – خصوصا وأن العديد من هذه القطع ثابتة – مما سيعرضها لهجمات القوات الجنوبية.

من جانبها، تمتلك كوريا الجنوبية تفوقا نوعيا كبيرا على جارتها الشمالية، وهي تتمتع بالطبع بدعم القوة الضاربة الأمريكية الهائلة. علاوة على ذلك، ستتسبب أي اعادة للحرب الكورية التي دارت رحاها في خمسينيات القرن الماضي في سقوط اعداد كبيرة من الضحايا المدنيين (منهم العديد من رجال الأعمال والطلبة الصينيين الذين يقطنون سول)، ولكن حربا كهذه ستصبح في نهاية المطاف وبالا على النظام الكوري الشمالي.

ولكنه من غير المرجح أن تندلع حرب جديدة في شبه الجزيرة الكورية، الا أن الخطورة تكمن في احتمال أن يعمد الشمال الى استخدام قواته المسلحة للقيام باستفزازات وغيرها من الخطوات التي من شأنها أن تؤدي الى اندلاع صراع مسلح واسع النطاق.

وفيما عدا المدى الذي تتمكن من الوصول اليه قوات كوريا الشمالية المدفعية والصاروخية، لبيونغيانغ ترسانة كبيرة من الأسلحة الكيمياوية ومن الممكن ان تكون لديها أسلحة بيولوجية. علاوة على ذلك، لكوريا الشمالية وحدات قوات خاصة كبيرة وغيرها من التشكيلات المصممة للتسلل الى الجنوب. كما طورت كوريا الشمالية قدرات على شن هجمات الكترونية.

ولذا فلكوريا الشمالية العديد من السبل التي تتمكن بواسطتها من القيام بعمل عسكري. ولكن أي هجوم قد تشنه على الولايات المتحدة أو حليفاتها في الظرف الحالي يحمل في طياته خطر إشعال حرب واسعة النطاق.

وبافتراض ان نظام بيونغيانغ ليس نظاما يبغي الانتحار – ورغم ما يقال على نطاق واسع، فإن هذا النظام ليس نظاما تخلى عن العقلانية والمنطقية – فإن القيادة الكورية الشمالية لابد وأن تكون واعية بالمخاطر التي تحيق بها.

من وجهة نظر كوريا الشمالية، فإن ان امتلاك سلاح نووي وصواريخ عابرة للقارات بامكانها استهداف بر الولايات المتحدة تعد من الأمور البديهية والعقلانية. فانهيار الأنظمة الديكتاتورية في العراق وليبيا كان ممكنا الى حد بعيد – حسبما يحاجج الكوريون الشماليون – نتيجة افتقار هذان النظامان للسلاح النووي.

ليس من المنطق بشيء أن تخاطر كوريا الشمالية في خوض حرب مع الولايات المتحدة، حرب لا يسع لها الا ان تنتهي بزوال النظام، فكل حرب قد تندلع في شبه الجزيرة الكورية لا يمكن لها الا ان تكون في صالح الامريكيين.

والقوات الكورية الشمالية لن تتمكن من التقدم نحو الجنوب الا من خلال ممرات محددة نظرا لتضاريس المنطقة، وبامكان الامريكيين استخدام عقيدتهم العسكرية الكلاسيكية في الحرب الجوية-البرية لدحر القوات الغازية.

من نافلة القول إن حربا على هذه الشاكلة لا يمكن تصورها، فهي لا تصب في مصلحة أي من الطرفين. الخطر الماثل الآن يتركز في امكانية الخطأ وسوء التقدير والخطوات التي تتخذ بناء على سوء التقدير من الجانبين.

دأب الكوريون الشماليون على بث دعايتهم بصوت عال. على الأمريكيين الآن توخي الحذر في النبرة التي يبثون بها رسالتهم.

 

 

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى