مقالات

حينما تُطْبِقُ أفْخُخِ الشرق الأوسط على خرائطه

بقلم الباحث السياسي : سيهانوك ديبو

 

ليس من الحق أن يسأل العربي شريكه الكردي في سوريا؛ إذا ما نظر إليه بأنه الشريك المستقبلي: له ما له وعليه ما عليه؛ هذا السؤال فقط: في حال تحققت فيدرالية سوريا الديمقراطية؛ ما الذي يضمن أن لا تُقْدِموا على استفتاء الاستقلال كمثل الاستفتاء المقرر القيام به في إقليم كردستان العراق مِنْ 25 سبتمبر أيلول الحالي؟ يجب أن لا يكتفي هنا. لا بل من الخطأ أنْ يقفَ هنا. إذْ طالما توجد في الأساس عشرات إنْ لم نقل المئات من الأسئلة، المشاهدات، الوقائع والمقاربات، التي سبقت الاستفتاء؛ بل ربما أدت إليه وكانت أسبابه في الأس والأساس. بغض النظر إذا ما صار الاستفتاء أو تمّ تأجيله. وبغض النظر أيضاً عن ماهية المترتبات الفعلية والقانونية لعملية ما بعد الاستفتاء.

الثابت في مسألة قطعيّة القطيعة بأنها تحدث حينما تضيق الأمكنة بالجماعات أو الأفراد. الجغرافية حينما تشهر سيفها في وجه أبنائها وتتحول من خلال حُرّاس الجغرافيات المستحدثة إلى جلادين اتجاه ابنائها؛ فإن الأبناء يديرون الأظهر لها من بعد إدارة العقول. فالمسألة تبدو هنا متعلقة بأن تكون أو لا تكون. أنْ تلتهمك الجغرافية أو تُلْهِمُكَ إلى أخرى. الحال في ذلك؛ حال التكويمات في الشرق الأوسط؛ شرق المتوسط منه على وجه الخصوص. الجغرافيات السياسية في عموم الشرق الأوسط أنتجت نتيجة مخزية هي اللا انتماء. فقضايانا ومسائلنا وشواغلنا تصب بشكل أو بآخر بقضية عدم الانتماء إلى الجغرافية السياسية ما بعد سايكس بيكو، وحين يكون ذلك؛ تظهر ناقلة الفكر: نظرياً، فلسفياً، إطارات متعددة، وكلها من أجل تحقيق قضية الانتماء إليها أولاً وإلى غيرها في حال فشل الأولى.

ثلاث أفخخ منصوبة في وجه شعوب الشرق الأوسط: فخ الأمم النمطية. فخ الأنظمة الاستبدادية المركزية (الابن الأخير المسخ الناجي من السلطنة العثمانية). مزاوجة الفخيّن السابقين أنتجتْ فخاً معقداً هو أن لا يكون للمجتمعات في الشرق الأوسط قائمة لمجتمع سياسي أخلاقي. ليست لدينا مجتمعات سياسية؛ إنما قطاعات وكيانات لا شرعية تسوق قطعان بشرية. نتائج لا يتحملها مجتمع الشرق الأوسط إنما يتشاركها مع النظام أو أنظمة الهيمنة. وسوريا كما كافة الخرائط وكتل الجغرافية الحديثة التي أنشأتها اتفاقية سايكس بيكو لم تمر حتى هذه اللحظة بحالة المجتمع السياسي الأخلاقي بسبب تسلط المذهبية السياسية التي وجدت نفسها محصنة من خلال تلك الأفخخ، زاد عليه بؤساً صنوف المعارضات والوعي المنقسم على نفسه. وعي المحاججة اللحظية البعيد عن الوعي التاريخي لطبائع الشرق وماهيته وماهية ثقافاته.

الصفر نتيجة منطقية لأي وعي يكون مع الشيء ونقضيه في الوقت نفسه. كما حال التأزم السياسي في عقل أغلب السوريين موالاة ومعارضة. ضد سايكس بيكو ومدافعين عنه؛ إذا ما كان الموضوع كردياً؛ في الوقت نفسه. الكردي تحل قضيته في دولة المواطنة ولكن من الممنوع عليه أن يكون مشاركاً في تحرير الرقة وفي تحرير دير الزور؛ مثالاً. والكردي الذي تحل قضيته في دولة المواطنة عليه أن يقبل أن يعيش تحت مسمى الجمهورية العربية السورية. وأن سوريا لا تحتمل أن تكون (فيدرالية). وأن الفيدرالية بداية (التقسيم). وغيرها من الأمور التي تعبّر عن طبيعة العقل المنقسم والوعي الممزوج بآفة التشكيك. كلها؛ تؤدي إلى أن الهم الكردي لمْ يتم هضمه مع الهموم الوطنية الأخيرة. الكردي انفصالي، وكل مشاريعه تندرج بشكل فوري تحت خانة التقسيم. لسان حال أغلبية المعارضة من بعد ألسنة النظام.

نواقل الأفخخ؛ حراس خرائط سايكس بيكو المحليين؛ يتساقطون، أفضلهم يبقى مهمّشاً. السترة الوطنية تبدو مؤلفة من مئات الرقع التي لم يبقى فيها محلاً وإلا سكنته الرقعة. اهترأت السترة الوطنية؛ في حال كانت موجودة بالأساس أو كانت مقتصرة على البعض دون بعضهم الآخر. النواقل وقعوا. مَنْ بعدَهم؛ من المفترض أنْ لا يعيروا البال لسردية أبو فراس الحمداني: إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ. من حيث توجد خيارات كثيرة أفضل من ذلك بكثير. أن نطفأ نار البلد. ونحرق الذي يحرقها فقط.

سوريا؛ مثال مؤدي للشرق الأوسط كله، أمامها خطوات ثلاثة من بعد التحرير الكامل للرقة ولدير الزور ولإدلب. علماً بأن الطرف السوري الأقدر على تحقيق تحرير إدلب هي قوات سوريا الديمقراطية وبدعم من التحالف الدولي ومن روسيا. بخاصة أن تحرير الرقة بات قاب قوسين أو أدنى. وما هو المرجح هنا أن يتم توسعة التحالف الدولي أو من المتوقع أن يتم إعلان شراكة موسكو في الحرب ضد الإرهاب؛ أي الانتقال من مرحلة التنسيق ما بين التحالف بقيادة أمريكا إلى مرحلة الشراكة فيما يتعلق بإدلب ودير الزور. مع العلم بأن مسألة الشراكة الجديدة هذه متعلقة بملفات إقليمية ودولية تم ربطها أو تشبيكها بالملف السوري كمثال القرم وتدفق الغاز والنفط وتحديد أيُّها تلك الأماكن التي منها تسيل وتُربَط حتى الوصول بها إلى القارة العجوز. وحدات حماية الشعب والمرأة وعموم فصائل قوات سوريا الديمقراطية تظهر هنا أيضاً كضمان منع تقسيم سوريا إلى شرق الفرات وغربها.

السوري؛ جميع السوريين ينظرون إلى الائتلاف بحكم المنته. الائتلاف الذي أعجبه رقعة أنه الممثل الشرعي والوحيد لشعب سوريا. ثم بدأ يعلو صوته على أنه ممثل المعارضة السورية. والآن يصرخ بما بقي من أصوات أن قرار الحل السوري لم يعد في يد السوري. وفي كل مرة كان يقع في الفخ؛ يسقط منه كتل ومجموعات، حتى وصل إلى حاله هذه.

يمتلك السوري؛ بعيداً عن دور ممثل الشعب السوري أو المعارضة السورية؛ خارطة طريق لحل الأزمة السورية، وهي تظهر بدورها في حكم الخيار الأفضل المتبقي:

1-    اجتماع للمعارضة الوطنية السورية؛ أيضاً وفق القرار الأممي 2254. ينجم عنه هيئة تفاوض جديدة لها أهداف واضحة مضمومة في وثيقة يمكن أن تكون وثيقة العهد السوري للمعارضة؛ تتفاوض النظام من خلالها وتضمن أن لا تكون هناك عودة للنظام الاستبدادي في أية صيغة مركزية توّلده. وهنا؛ سيكون فعلاً سورياً محضاً لو يكون مجلس سوريا الديمقراطية- مسد من يرأس هذه الهيئة. المسألة هنا متعلقة بمشروع مسد الديمقراطي وأيضاً لها العلاقة بشروط التفاوض؛ كما ينطبق على سوريا اليوم؛ القوة الميدانية التي ساهمت في دحر الإرهاب عن عموم سوريا. أغلب شخوص المعارضة الموجودة في الهيئة المنتهية صلاحياتها لا ينطبق عليهم هذه الشروط؛ بالرغم من الاهتمام الكبير المولى لهم من قبل تركيا بشكل كبير والتي تحتل بدورها مناطق من سوريا.

2-    لا شروط مسبَّقة في التفاوض؛ إنما أهداف ورؤى سياسية مسبقة تضمنها مرحلة انتقالية؛ تحكم سوريا هيئة ممثلة عن شعوب سوريا؛ يتم التوافق عليها وتحظى بدعم من الأمم المتحدة، لها صلاحيات تنفيذية كاملة، ينجم عنها لجان مختلفة، أهمها لجنة الدستور التوافقي السوري. يكون بمثابة العقد الاجتماعي الجديد للعهد السوري الجديد. وهنا من الممكن أن يتم الاستفادة من العقد الاجتماعي للفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا ولجوانب متعددة تفيد الاجتماع السوري الديمقراطي.

3-    مسائل الانتخابات. التشريعية والتنفيذية. وجميع المسائل المتعلقة حتى تكون سوريا على مقاس جميع السوريين.

ما يحدث في العراق لا يمكن توصيفه بأنها نقمة محضة أو أنها مثال ما أنتجه التشكيك والاستعلاء والوصايات والمقتلة الحالية التي تخيّم على سماء الشرق الأوسط. قد يكون غير ذلك. في أن يتم النظر بعيون مفتوحة إلى جميع المسائل التي أدت إلى ما هو عليه عراق اليوم. وعلى ما نكون أو لا نكون عليه في الغد: سورياً؛ كردياً.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى