تطبيق فردريك انجلز المادية التاريخية علي سيرورة التطور البشري
اعداد الباحث : نادر هشام – المركز الديمقراطي العربي
تتضافر وجهات النظر الاشتراكية دائماً مع وجهات النظر المتعلقة بأصل البشر و المؤسسات الاجتماعية . و ينظر الاشتراكيون الي استغلال بعض الناس لبعضهم الاخر ، و وجود دولة قمعية ، و خضوع النساء للرجال في الاسرة النووية علي انها نتاجات التاريخ البشري . اما خصومنا فإنهم يرونها علي انها نتيجة للطبيعة البشرية .
و هذا هو السبب في انه عندما قام ماركس و انجلز في بداية الامر بصياغة افكارهما ،قاما بذلك عن طريق تطوير فهم جديد تماماً للطريقة التي يرتبط بها البشر بالعالم من حولهم .
و ينطوي هذا علي رفض الطريقتين السائدتين للنظر الي هذه العلاقة :
- المثالية : التي تري البشر انهم نصف آلهة ، خاضعين لإرادة الاله و منفصلين تماما عن عالم الحيوان .
- المادية الفجة : التي تعتقد ان البشر ليسوا أكثر من آلات او حيوانات ، فإما انهم يقومون ببساطة بردود افعال علي منبهات من العالم الخارجي ، و هذا ما يسمي في الوقت الحاضر بوجه عام ب”السلوكية” ، او انهم مبرمجون بيولوجياً علي ممارسة حياتهم بطرق بعينها و هذا ما يسمي في وقتنا الحاضر بالسوسيوبيولوجيا .
و قد قدم ماركس و انجلز نظريتهما الخاصة في بداية الامر في “الايديولوجيا الالمانية” و “موضوعات عن فيورباخ” . و نظرا الي البشر علي انهم نتاجات العالم البيولوجي الطبيعي ، و الي التاريخ علي انه جزء من التاريخ الطبيعي . غير انهما نظرا الي الطابع النوعي للبشر علي انه يكمن في قدرتهم علي ممارسة ردود افعالهم علي الظروف التي كانت قد خلقتهم ، مغيريين كل من تلك الظروف و انفسهم في سياق هذه العملية . و كانت معرفة كل من التاريخ الطبيعي و التاريخ البشري ما تزال محدودة للغاية عندما قام ماركس و انجلز بصياغة افكارهما لأول مرة : لم يتم الاكتشاف الاول لبقايا الانسان النياندرتالي حتي عام ١٨٥٦ ، و لم ينشر اصل الانواع لداروين حتي ١٨٥٩ ، و لم ينشر الامريكي لويس مورجان وصفه الريادي لتطور العائلة و الدولة في المجتمع القديم حتي عام ١٨٧٧ . اعتمد انجل علي هذه المنجزات العلمية للتوسع في الرؤي المبكرة له هو و ماركس . و قام بهذا في عملين مهمين ، الدور الذي لعبه العمل في الانتقال من القردة العليا للانسان ، و اصل العائلة . و هما يحتويان علي التفسير الاكثر كثافة من جانب مؤسسي المادية التاريخية عن الطريقة التي انتهي بها البشر الي الحياة كما يعيشونها في العصر الحديث . و لهذا السبب تركز الهجوم حول صحة الماركسية و مكانة انجلز في كثير من الاحيان علي هذين العملين – و بصفة خاصة اصل العائلة –و بطبيعة الحال فقد تجاوز التقدم العلمي علي مدي القرن السابق بعض المعلومات التي اعتمد عليها انجلز . كان يكتب قبل اكتشاف نظرية مندل عن الجينات ، و قبل العثور علي البقايا المبكرة للهومينيد في افريقيا ، و في وقت كانت فيه دراسة مجتمعات ما قبل اللغات المكتوبة في طفولتها . و مع ذلك فإن كتاباته ما تزال تحتفظ بأهمية هائلة . و هو يطبق منهجاً يعد مادياً دون ان يكون ميكانيكياً . و يواصل تحديه لكل من المثالية و التوأم المفزع المتمثل في السلوكية و السوسيوبيولوجيا .
اصل الطبقات و الدولة:
بمجرد ان ترسخ النوع البشري بيولوجياً ، ادي عمله في العالم بالتالي الي تغيرات متعاقبة في مؤسساته الاجتماعية . و انطلق كتاب “اصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة” لفردريك أنجل ، المؤلف بعد ذلك بثماني سنوات ، من هذه الرؤي ، مطوراً التفسير التاريخي الشامل لتطور المجتمع البشري .
و قد اكد “اصل العائلة” أن البشر عاشوا في الاصل في مجتمعات بدون ملكية خاصة بالمعني الذي نستخدمه اليوم للكلمة ، و بدون اي انقسام في الطبقات ، و بدون اي سيطرة للرجال علي النساء . غير ان تغيرات في الطريقة التي تعاون بها البشر لانتاج اسباب عيشهم أدت الي ان تحل محل هذه المجتمعات الشيوعية البدائية مجموعة متعاقبة من اشكال المجتمع الطبقي ، و مع المجتمع الطبقي جاءت الدولة و اشكال مختلفة من العائلة جري فيها اضطهاد النساء .
و لكن قد تم تجاهل الدور الذي لعبه العمل من جانب العلوم الاجتماعية الراسخة و قد تكون ادانة اصل العائلة بشكل منهجي و كانت فكرة “الشيوعية البدائية” بأكملها مرفوضة تماما بإعتبارها قصة خرافية . و جزئياً ، كان الهجوم علي انجل سياسياً ، مرتبطا بالهجوم علي الافكار الاشتراكية . غير انه طوال هذه الفترة اثبتت الابحاث الفعلية لعدد من علماء الانثروبولوجيا الاجتماعية وجود عدد هائل من المجتمعات لم توجد فيها طبقات ، او دولة ، او اضطهاد للنساء كما نري اليوم .