عاجلمقالات

تحديات قضية الصحراء في سياق تنامي استفتاءات تقرير المصير

 اعداد : د.نبيل زكاوي – رئيس مركز تفكر للدراسات والأبحاث الاستراتيجية – المغرب

 

إن ما شهدته وتشهده دول بعينها في السنوات الأخيرة من تنامي استفتاءات تقرير المصير ليس مقصورا عليها وحدها، حيث ثبت بأن بدأ هذا الإجراء في دولة ما يدعم تكراره في دول أخرى، فما عصف بهذه الدول حتى وان كان نابعا من الداخل لا ينفي محركاته الخارجية، وهذا هو جوهر نظرية الدومينو.

فبعد نموذجي كوسوفو وجنوب السودان هناك نماذج قطعت أشواطا لايستهان بها على صعيد عملية تقرير المصير ولعل أبرزها حالتا إقليم كتالونيا الاسباني وإقليم كردستان. وإذا كانت الحالة الثانية تعكس استخدام الجماعة الكردية الانفصالية في صراعات الشرق الأوسط بتحريكها من قبل القوى الإقليمية والدولية لتحدي الحكومة المركزية العراقية، فان الحالة الثانية هي التي تهمنا أكثر لأنها تنطوي على تأثر الحركة الانفصالية الكتلانية باستفتاء أجري قبلا لتقرير مصير اسكتلندا.

وبالنسبة للمغرب فبعدما ظل متحررا نوعا ما من ضغوط السياق القاري كنتيجة لانحسار النزعات الانفصالية في إفريقيا، فان تطورات قضية كتلانيا ستعيد إلى الواجهة الدعاوى الانفصالية التي قد تؤثر على مسار  قضية الصحراء.

فاستفتاءات تقرير المصير التي عرفتها بعض الأقاليم يمكن أن تشكل نموذجا ملهما للحركات الانفصالية، خاصة وأن الكتلانيين لهم علاقات متواصلة مع كل التنظيمات الانفصالية بمن فيهم الأكراد وحتى جبهة البوليساريو .

وتتجلى خطورة الحالة الكتلانية في نزوع حكومة الإقليم الذي يحظى بحكم ذاتي إلى اتخاذ إجراءات عملية على الأرض حينما قررت تنظيم استفتاء تقرير المصير حتى مع قرار المنع القضائي الذي أصدرته المحكمة العليا، ودون اعتبار تهديدات الحكومة المركزية بفرض عقوبات على الإقليم أو حتى التهديدات الأوربية بعدم الاعتراف بدولة كتالانيا وبالتالي عدم قبولها بالاتحاد الأوربي.

لقد كانت استفتاءات تقرير المصير تتم بناء على تسويات سياسية  سواء تعلق الأمر بطلب إجراء الاستفتاء للاستقلال عن سلطة استعمارية أو للانفصال عن دولة مستقلة، غير أن قرار  كتلونيا بإجراء الاستفتاء ينم عن تحديها للسلطة المركزية، وهو نفس الإشكال الذي نسخه قرار حكومة إقليم كردستان بإجراء استفتاء أحادي الجانب على الانفصال.

إن مثل هكذا تحد وما سيترتب عنه سيفتح الباب واسعا أمام تداعيات ومخاطر محتملة على المحيط الإقليمي والدولي. فاستقلال كتلانيا الوشيك سيشكل تهديدا لفكرة الدولة القومية أي عاملا تحريضيا ضد سيادة الدول المجاورة ومنها المغرب. فتجربتا إقليمي كتلانيا وكردستان قد ترسخ إطارا قانونيا يمكن أن يلجأ إليه الانفصاليون لاختبار قدرتهم على تحقيق الانفصال، وحتى إذا كانت حالة المغرب تختلف كثيرا من حيث عدم إمكانية تصور قيام جبهة البوليساريو بتنظيم استفتاء مماثل، فإنها قد تجد على الأقل في التجربتين المقارنتين مهربا لممارسة ضغط دبلوماسي لدفع الأطراف الدولية إلى التراجع عن استبعاد حل الاستفتاء خاصة في ظل جمود الملف وعدم تقدم المفاوضات حول المقترح المغربي للحكم الذاتي، وعلما بأن نموذج الصحراء يمثل حالة  استفتاء معلق والدليل على ذلك هو استمرار  تواجد بعثة المينورسو بالمنطقة التي من بين مهامها التي أحدثت لأجلها الإشراف على تنظيم عملية الاستفتاء  في الصحراء.

كما أن توجهات كتلانيا نحو الاستقلال بالرغم من اصطدامها بمجموعة من الضوابط الدستورية التي تمنع التجزئة وتؤكد على الوحدة المتماسكة للأمة، يجعل التحصن بالدستور لمواجهة الانفصاليين غير مقنع، بل لم تفلح الصلاحيات الإدارية والمالية واللغوية والثقافية التي منحها دستور 1987 للحكومة وللبرلمان الكتلانيينن في تسكين مطالب الانفصال.

لقد تصاعدت النزعات الانفصالية في السنوات الأخير ة وخاصة في الدول الأوربية التي لم تسعفها أنظمتها الديمقراطية، وهي مرشحة للتصاعد أكثر في الدول ذات الأنظمة السلطوية التي يمكن أن تعطي شرعية لدوافع الانفصال. حيث عوامل التفكيك صارت راجحة على مقومات الاندماج في ظل بلدان عربية تعيش على إيقاع انفجار هوياتي، وحتى بالنسبة لتلك البلدان القليلة منها التي تراهن على آليات الإدماج.

ولهذا فالعقل الدبلوماسي المغربي مطالب بمراقبة وتتبع اختيارات الشعوب المتجهة نحو الانفصال، لما سيفرضه ذلك من تحديات أمام مستقبل قضية الصحراء، حيث في ظل معطى إصرار هذه الشعوب على إجراء استفتاءات لتقرير المصير  بالرغم من تمتعها بحكم محلي، فان المغرب مدعو لتجويد مقترح الحكم الذاتي بالتوسع في صلاحياته حتى يكون مقنعا ليس لإقراره فحسب وإنما ليقتنع به سكان الصحراء في مرحلة ما بعد التنزيل كحل مستدام.

وبقدر الحرص على وجوب إتباع إجراءات واليات ديمقراطية للاستجابة لرغبات سكان الصحراء حتى إذا بلغت لدى بعضهم حد رفع شعارات متطرفة كما هو شأن ما يعرف بانفصاليي الداخل، حيث حق تقرير المصير في سياق الدول المستقلة كالمغرب ليس سوى حق السكان في التعبير عن طموحاتهم السياسية ومستوى الحكم الذي يرتضونه بدون تدخل خارجي، وذلك أسلم.

ينبغي في مقابل ذلك ترويج ثقافة مضادة لتقرير المصير تنبني على مفاهيم الدولة الواحدة والانتماء للوطن والمصلحة الوطنية ومفاسد تقرير المصير  وتبعاته السلبية والتحديات الخارجية، ويتطلب ذلك تخطيطا إعلاميا قوامه حملات هجومية ضد أطروحة تقرير المصير  وليس فقط التشبث بحملات دعائية تقليدية لمقترح لم يقدر على إثبات جاذبيته لحد الآن بالنسبة للطرف المنازع .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى